4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 إلى الفائزين بالانتخابات‪:‬ ماذا عن هولوكوست قصف الموصل؟ هيفاء زنكنة
القدس العربي

لا يكاد يخلو يوم دون انتشال المزيد من الجثث من تحت الأنقاض، في المدينة القديمة، بالموصل، على الرغم من مرور عام، تقريبا، على اعلان حكومة حيدر العبادي الانتصار على منظمة الدولة الإسلامية (داعش). ومع انشغال المسؤولين والسياسيين بمماحكات تزييف الانتخابات، او عدم تزييفها، ظاهريا، والتنسيق فيما بينهم لإبقاء ذات الوجوه، بأقنعة مختلفة، في الحكم، عمليا، تم دفع الموصل، بعيدا، عن المسؤولية الحكومية والأخلاقية، ليعيش أهلها في ظلال موت من نوع مغاير، نتيجة الخراب والتلوث والاخطار الصحية، وحالة الإحباط، والوقوف على حافة الجنون يأسا.
ليست هناك احصائيات دقيقة حول عدد الضحايا الذين لايزالون تحت الأنقاض. الا ان عمليات انتشال مئات الجثث من تحت الأنقاض في المدينة القديمة المستمرة، ورائحة تفسخ الموت القوية، تشير الى ان العملية أبعد ما تكون عن نهايتها. اذ ان وضع حد للمأساة ليس من أولويات الحكومة، وان كانت قد جعلت من إعادة اعمار الموصل شعارا للاستجداء في مؤتمر المانحين بالكويت.
يقول متطوعون مدنيون أخذوا على عاتقهم مهمة انقاذ المدينة من الموت، انهم بحاجة ماسة الى المعدات التي تسهل عملية الانتشال وان حجم الكارثة أكبر بكثير من امكانياتهم المتواضعة، كما تبين اشرطة الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، المؤكدة، في الوقت نفسه، ان عمليات الانتشال وان كانت ضرورية، كحل سريع إزاء تقاعس الحكومة عن القيام بواجبها، الا انها تتم بشكل لا يوثق، بشكل علمي صحيح، اعداد الضحايا وظروف قتلهم ناهيك عن هويتهم ودفنهم بشكل يليق بالكرامة الانسانية.
عن عدد الضحايا، أخبر ضابط جهد الإنقاذ في غرب الموصل وكالة رويترز، في 12 أيار/ مايو، أن 763 جثة انتشلت خلال ثلاثة أيام فقط، وتحدث محافظ نينوى عن رفع 2838 جثة من تحت الأنقاض منذ تموز الماضي، تعود 600 منها إلى عناصر «داعش». وقاربت الأرقام في الأيام الأخيرة الخمسة آلاف، وقال الناطق باسم دائرة الدفاع المدني في الموصل (7 أيار/ مايو) ان «فرق الدفاع المدني في الموصل تمكنت من انتشال 22 جثة تعود لأطفال بأعمار متفاوتة».
أدى انتشار أفلام عمليات انتشال، وتنامي التغطية الإعلامية الدولية، وازدياد نقمة الناس على بطء سيرورة العمل، الى مسارعة رئيس الوزراء، وهو الذي يعيش مرحلة المناورات للحفاظ على منصبه، بتشكيل لجنة « بأمره» تواصل عمليات الانتشال من تحت ركام المدينة. وهي خطوة كان من واجبه القيام بها فور اعلان الانتصار وليس بعد عام تقريبا.
ان النقطة الاساسية التي ستحدد علاقة أهل الموصل وبقية المدن المنكوبة التي تعرضت لقصف طيران التحالف، بقيادة أمريكا، بأية حكومة مقبلة، هي الاعتراف بالمسؤولية عما جرى من خراب، وإصلاح الضرر، وعدم الاكتفاء برميها، كلية، على تنظيم « داعش». وكان واجب الحكومة العراقية ان تجد السبل الملائمة، مهما كانت صعوبة الامر، لحماية حياة المواطنين وتقليل فرص تعرضهم للخطر، لا المشاركة بقصفهم والطلب منهم عدم مغادرة المباني، كما فعل العبادي باعتباره قائدا للقوات المسلحة، فكانت النتيجة مجزرة دفن 300 شخص تحت ركام المباني، خلال يوم واحد، بذريعة وجود إرهابيين. وهي ذات الحجة التي استخدمتها قوات التحالف الأمريكي – البريطاني، في قصفها مدينة درسدن الألمانية، عام 1945، والحرب العالمية الثانية على وشك الانتهاء. سبب القصف الجوي خرابا هائلا وسقوط آلاف الضحايا، خلال ثلاثة أيام من رمي المدينة بثلاثة آلاف وتسعمائة طن من القنابل الحارقة، عالية التفجير، وتبين الوثائق التاريخية، باعتراف مسؤولين عسكريين ساهم بعضهم في تنفيذ العملية، بان الاهداف العسكرية الاستراتيجية، لم تبرر استخدام القوة المفرطة التي سببت تهديم المدينة وسقوط اعداد الضحايا، مما يجعلها جريمة حرب وليس تحريرا. مما دفع المؤرخين الى تسمية العملية» هولوكوست قصف درسدن».
في الموصل، كرر التحالف الدولي، بقيادة أمريكا، ارتكاب الجريمة. ويوثق فريق موقع « ايروور»، البريطاني المختص، الحرب الجوية، بدقة، في العراق وسوريا، واصفا عدد ضحايا القصف الجوي الأمريكي، المدنيين، بالعراق « بأنه الأعلى منذ حرب فيتنام، ومع ذلك لا تبدي الحكومات الغربية والعراقية أي اهتمام بتوثيق اعداد الضحايا». استخدمت أمريكا لقصف الموصل، القاذفة الجوية بي 52، التي تعتبر رمز القوة العسكرية الامريكية، تستخدم فيما يعرف بـ «القصف البساطي»، وتم تحديثها لتُزود بالصواريخ والقنابل الموجهة بالليزر، وكان قصفها للموصل جزءا من تجربتها بعد التحديث. كما استخدمت طائرات أف 16 وأف-أي 18، وطائرات ريبر بدون طيار، بالإضافة الى مروحيات الأباتشي قاذفة القنابل. ليست هناك احصائيات عن كمية القنابل التي استخدمت وان ثبت استخدامها قنابل بوزن 500 رطل. واستخدامها كارثي في مدينة مكتظة كالموصل. الامر الذي دفع فريقا صحافيا هولنديا الى التقرير بان عدد الضحايا من المدنيين هو31 مرة أكثر من ارقام التحالف المعلنة. وإذا كان تنظيم داعش قد زرع الألغام، ولا يزال الكثير منها مدفونا تحت الركام، فان قوات التحالف رمت على المدينة» ذخائر أسقطت من الجو، قنابل تزن الواحدة 500 رطل، تخترق الأرض لمسافة 15 مترا أو أكثر»، حسب مدير برنامج الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، مؤكدا « أن مجرد إخراج واحدة منها يستغرق أياما وأحيانا أسابيع».
سيكون لتبعية المسؤولين والساسة العراقيين قوات التحالف حربها المختلقة ضد « الإرهاب» و صمت « النخبة» العراقية عن جرائم متكررة في العديد من المدن العراقية، بذريعة محاربة الإرهاب، بدون تمحيص الأسباب واثارة التساؤلات، انعكاسات خطيرة، مستقبلا، حين يجر المجتمع أنفاسه، فيصبح قادرا على المطالبة بالحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا واهاليهم. ولن يتم ذلك في أجواء التلفيق السياسي، وحملات التضليل، وانعدام التوثيق. وهو من اساسيات عمل الحكومة وواجبها، لو توفرت النية لتحقيق المصالحة ووضع حد لروح الانتقام. اذ من المضحك مطالبة التنظيمات الإرهابية، وهي « الإرهابية» بحكم توصيفها وممارستها، بحماية حياة المواطنين، بينما لا يطبق الامر، نفسه، على الحكومات والدول. وهذا هو بالضبط ما عجزت عن تحقيقه حكومات الاحتلال المتعاقبة.
2 العراق: المساهمون بالتغيير.. والخائنون للوطن… والسارقون لاموال الناس.. يقتلهم اليوم الندم د. عبد الجبار العبيدي
راي اليوم بريطانيا
جزع رسول الله(ص) وما نامَ ليلتهُ وهو يستمع من جبريل نص الآية: “عفا الله عنك لم آذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين، التوبة 43”. ولم يَنم الأعراب الذين تقاعسواعن النصرة لرسول الله في موقعة مؤتة وهم يستمعون لرسول الله وهو يردد الآية عليهم التي انزلها جبريل عليه في ليلة موحشة: “ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه….ان الله لا يُضيع أجر المحسنين، التوبة 120”.
استشاط الرسول غضبا ً منهم ومن نفسه، فأنزل الله عليه اية أخرى تبرئه من التقصير : “وما أرسلنا من قبلك ن رسول ولانبي الا اذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخُ اللهُ ما يُلقي الشيطانُ ثم يُحكم الله آياته والله عليم حكيم، الحج 52”.
ألم ينبههم الحق من قبل .. حين انزل عليهم جميعا الآية :”أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوانٍ خيرُ أم من أسس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍفأنهار به في نار جهنم والله لايهدي القوم الظالمين، التوبة 109″.
هنا هي الجدلية بين الحق والباطل، والكفر والظلم، والمعتدي والُمحق، والصادق والكاذب، والاستقامة والخيانة، فأين يضعون انفسهم من خانوا الوطن ودمروا الشعب وسرقوا اموال الوطن..وسلموه للأجنبي أفتراءً؟هل يدركون؟..الحاكمون منهم والهاربون باموال الناس …ام لازالوا يتمشدقون بعلي والحسين (ع) وهم منهم براء.
النص الديني لا عيب فيه ابداً، لكن العيب فيمن فسر النص تفسيراً لغويا خطئاً ولم يدرك التأويل.فجاءت اهداف الاسلام ومراميه على غير ما يعرفه المسلمون.الدين جاء للهداية والاستقامة لكل الناس وليس للحكم والأغتصاب وسرقة اموال المواطنين، والتحكم في مصائرهم خارج الحق والقانون ..كما فعل اصحاب العملية السياسية الخائنة في العراق بعد 2003 في عراق المظاليم .
أشتكى عربي يهودي عند القاضي متهماً الامام علي (ع) بسرقة سيفهُ، فارسل القاضي على الامام يستدعيه للمثول امام القضاء – وهو الخليفة – فسرعان ما لبى الدعوة ووقف امام القاضي مع اليهودي، ونتيجة للتحقيق العادل تبين ان سارق السيف رجل اخر..فُبرأ القاضي الامام من التهمة واعتذر اليهودي للأمام، لكن الامام اشاد بالقاضي لعدالته مع الناس بغض النظر عن اهمية الشاكي والمشتكي..فسئل الامام علي لمَ ذهبت وانت الخليفة فرد عليهم الأمام: “ألم تقرأوا قول الله :” انا أنزلنا اليك الكتاب َبالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما، النساء 105″. فهل قرأوا من تبوأوا حكم الناس عدالة الاسلام وهم الذين يلهجون به ليل نهار بالباطل ؟.
كانت من عادة الخليفة عمر بن الخطاب(رض) تفقد الناس ليلا ليرى حوائجهم..سمع وهو يمشي في الطرقات امرأة تطبخ وتبكي..دق عليها الباب ولم تعرفه فقال لها : ياابنت العرب لماذا تبكين بحرارة فقالت له: ياليت عمر اليوم يسمعني، فقال لها قولي ان كنت في حاجة فقالت: اطبخ الحصى مع الماء ليسمع الاولاد الصوت فيناموا وهم جيا ع، قال لبيكِ:ذهب وجاءها بكيس الطحين وقليلا من الطعام..هدأ ت وقالت يارب اجعل في الدنيا مثل عمر..
نقول للذين يفطرون على موائد اللئام من حكامنا العراقيين في المنطقة الغبراء كل يوم، وشعوبهم تنام في المخيمات يقتلها الجوع والكلأ..هل هم فعلا من اهل عمر..
قال الخليفة المنصورعلى صرامته يخاطب أبنهُ المهدي :اسمع يا بني .. :”يا بني لا يصلح السلطان الا بالتقوى.. ولا تصلح الرعية الا بالطاعة ..ولا تُعمر البلاد بغير العدل..فأياك ان تتجاوز العدل بين الناس″.
فهل يقرأون من خانوا الوطن..وسرقوا المال..وقتلوا الناس..وسجنوا المعارضين للرأي….نعم …هل عادت علينا ايام الربذة..
ونحن نقول للشعب :ان الفشل الفعلي هو ان تكف عن محاولة المطالبة بالحقوق..فالأنبياء والرسل وزعماء الاوطان من المخلصين ما نجحوا الا لأنهم ظلوا يحاولون حتى نجحوا..
فلا تدعهم يحكمون بأسمك بالباطل بعد ان زوروا الانتخابات ليعودوا مرة اخرى يسرقون ويقتلون ..
اخي المواطن المظلوم : لا تنظر لحكام المنطقة الغبراء في وطنك العراق اليوم بحقد الكارهين.ثق انت احسن منهم…لانهم اليوم يموتون ندما على ما يفعلون، وهم أسرى الجريمة …فالأخطاء هي التي تربي الانسان ..؟ وهم المخطئون ..
3 العراق وأمثولة السيد مقتدى
فـــؤاد مطـــر
الشرق الاوسط السعودية

لدى الزعيم الديني – السياسي العراقي السيد مقتدى الصدر شمائل كثيرة لعل أهمها أنه يقرأ جيداً الشخصية العراقية. وهو في قراءته هذه ينسجم مع الباحث المخضرم في طبيعة هذه الشخصية الدكتور علي الوردي.
قرأ السيد مقتدى الصدر جيداً ما يدور في الخاطر العراقي من تساؤلات كثيرة حول الحرب التي خاضها الرئيس صدَّام حسين وصنوه في المكابرة الخميني، وهل كان من الضروري أن تدوم ثماني سنوات ولا تضع أوزارها إلاّ بعد ضحايا بمئات الألوف وخسائر بمئات الملايين، وانتهى إلى أنه لا بد من أن يرمّم العراق نفسه ويتخلص من تداعيات عملية الثأر الإيراني مِن الذي حاربه (العراق) يتولاها الذين خلفوا الخميني في القيادة الإيرانية. ونقول ذلك على أساس أن النظام الإيراني راح يتعامل مع العراق بأسلوب مخملي من الإخضاع، وبحيث باتت الإرادة السياسية العراقية حبيسة مزاج مغامرين في الثورة الإيرانية وغرضهم من ذلك فك أواصر الشخصية العراقية العروبية.
من الطبيعي أن يلقى إسقاط النظام الصدَّامي الارتياح الضمني في نفس السيد مقتدى، فالصدريون لهم في عنق النظام ذاك ثارات كثيرة، لكن هذا الارتياح لا يعني اعتبار وقوع العراق في القبضة البوشية إنجازاً كريماً، بل إنه في واقع الأمر ندبة في جبين الشخصية العراقية وإساءة إلى عروبة هذه الشخصية ومواقف رموز كثيرين سجَّلوا على مدى سنوات ملَكية وجمهورية مواقف تعكس روحية الشخصية العراقية التي يوجز تلخيص الدكتور الوردي طبيعتها بالقول: «إن العراقي ذو شخصيتيْن؛ فهو إذ يدعو إلى المُثل العليا أو المبادئ السامية مخلص في ما يقول جاد في ما يدَّعي، أما إذا بدر منه بعدئذ عكس ذلك فمردّه إلى ظهور نفْس أُخرى فيه. لا تدري ماذا قالت النفْس الأُولى وماذا فعلت». وفي ضوء هذه النظرة من جانبه تصرَّف السيد مقتدى بمفهوم الجانب الآخر مما في النفس، وبدأ يخوض غمار مواجهة الوجود الأميركي في العراق إنما بسلاح التعبئة السياسية والإيمانية بدل المنازلات السلاحية التي لا مردود منها سوى المزيد من قتْل نفوس حرَّم الله قتْلها. وبهذه المواجهة التي كان الكفن بعض الأحيان عند الضرورة والكلام المعبِّر عن عُمق الإحساس بحقيقة العراق كدولة عربية من معالمها، أنجز السيد مقتدى حالة من الرضا والطمأنينة مقرونة بالإيمان في نفوس الأكثرية في العراق ومن مختلف هوياتهم ومذهبياتهم. وعندما نضجت الحالة المشار إليها وحان جنْي ثمارها بدأ يكتب في الصفحة التالية من مشروعه، وهو تشجيع استعادة العروبة للعراق الذي هو أحد أبنائها البررة. وفي هذا الإطار كان تشجيعه الضمني لبداية محاولات الاقتراب خطوة خطوة من الأشقاء العرب بدءاً بالأقربين أوْلى بالتعاون، أي المملكة العربية السعودية التي عندما زارها السيد مقتدى يوم الأحد 30 يوليو (تموز) 2017، ولقي خير ترحيب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فإنه كان بهذه الزيارة يبلور «الأمثولة الصدرية» التي بدأت تكتمل في خاطره وهي كسْر التحريم الإيراني في مسألة الانفتاح العراقي على السعودية الذي بدأ مع مشاركة رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم في القمة الإسلامية – الأميركية في الرياض يوم الأحد 21 مايو (أيار) 2017، وكانت مناسبة طيِّبة للتحادث مع الملك سلمان بن عبد العزيز في أمور كثيرة وتحت عنوان رئيسي لخصه بعبارة «لا بد للعراق من الاهتمام بدول الجوار ويحاول جاداً بناء علاقات جيدة مع هذه الدول»، ثم مع زيارة قام بها رئيس الحكومة حيدر العبادي، وزيارة قام بها رئيس البرلمان سليم الجبوري.
وعندما نقول إن زيارة السيد مقتدى والمحادثات التي أجراها مع ولي العهد، الأمير محمد، كانت بمثابة القول ما معناه لأهل العراق إن الذي مضى طويناه وسنبدأ الكتابة في صفحة العراق المتوافِق المتعاوِن مع أشقائه العرب فهذا ما بدا ملموساً. وتثبيتاً لكلامه هذا وبما يعطي سعيه صفة «الأمثولة الصدرية» التي هي برسم مرجعيات دينية تحتاج إلى الكثير من إعادة النظر في القول وفي الفعل وبالذات بعض السُّياد اللبنانيين، رأيناه يقول لصحيفة «الشرق الأوسط» عدد الجمعة 11 أغسطس (آب) 2017: «ناقشتُ مع الأمير محمد جميع الملفات ومنها ما يخص العراق ووصلْنا إلى رؤى متشابهة. كان الأمير محمد صريحاً جداً معنا كما كنا معه. هناك مشاريع لإحلال السلام ونبْذ الطائفية في المنطقة، وحضوري كشيعي إلى منطقة سُنية يخيف كثيراً من الأعداء، لذلك سوف تُستهدف السعودية على أثر هذه الزيارة. الذي يعنينا هو إنهاء النَّفَس الطائفي الذي يحاك مِن خلْف الحدود وهذا جداً مهم خصوصاً أن تطلعات السعودية جميلة وجيدة وإنني متفائل بأنه ستكون هناك مشاريع جديدة وتعاوُن مع العراق وفي عموم المنطقة. نحن نحترم الشعب السعودي برمته لا نفرِّق بين أحد ونريد تطبيب العلاقة ما بين الإخوة خلال هذه الفترة. وفي السنوات العشر الماضية كان هناك شيء من الحساسية تجب إزالتها والتخفيف من حدة التوتر شيئاً فشيئاً، ومن الضروري إعادة العراق إلى الحاضنة العربية…».
ما يقوله عارفو السيد مقتدى أنه من الذين يوجزون في الكلام عن رؤاهم. وفي تقديري أن ما قاله في مجالس تياره بعد زيارته المشار إليها، والتي أتبعها بزيارة دولة الإمارات، كان نوعاً من التنوير بعوائد الانفتاح على الأشقاء العرب وتعبئة الجمهور العراقي، الشيعة والسنة، في اتجاه نفض غبار الشحن المذهبي الإيراني عن العباءة العراقية من دون أن يستهدف النفْض هذا عداوة، ذلك أن فترة التحريم التي تعمّد النظام الإيراني تكبيل الإرادة العراقية بها أساءت وأضرت وكانت ضد الشخصية العراقية، والصفحات المضيئة من التراث العراقي. ومن هنا فإنه عندما خاض التيار الصدري الانتخابات وحقق فوزاً ملحوظاً من الطبيعي أن يصدم أُولي التحريم ويثلج صدور الذين يعلِّقون الآمال على عوائد «الأمثولة الصدرية» العراقية التي سبقتْها في لبنان وبصيغة مختلفة أمثولة بالروحية نفسها هي تلك التي ارتبطت بشخص السيد موسى الصدر.
ويبقى التمني أن يتأمل بقية السُّياد في لبنان وحيث وجدوا في الأمثولتيْن وبذلك تصطلح أمور العباد ويتسارع تعمير البلاد… وهذا ما ينتظره العراقيون من عهد «الأمثولة الصدرية».
4 «فيلق القدس» الإيراني… دويلة داخل دول
نجاح عبدالله سليمان الحياة السعودية

جاءت البداية باستنساخ الشعار السياسي الشيوعي (يا عمال العالم اتحدوا)، ذلك عندما تسلمت الثورة الإيرانية الخمينية السلطة، ولم يكد يمر عام، حتى قرّر الخميني فرض ولايته الدّينية المسلّحة على العالم عبر إنشاء مشروع تصدير الثورة، حيث كان يُسوّق للشعوب المستضعفة والمتعطشة للحكم الإسلامي، على أنه المخلّص والمُنقذ لهم من خلال شعاره (يا مستضعفي العالم اتحدوا)، ولكي يتم تنفيذ هذه المهمة، ويُنقذ الخميني هؤلاء المستضعفين، قام بإنشاء ما يُسمى «جيش المهمات العالمية» أو ما يُعرف بـ «جيش العشرين مليون مقاتل» و «جيش تحرير القدس».ما حدث هو مواصلة الدعاية لشعار تحرير الشعوب المستضعفة من العبودية طوال فترة الحرب العراقية- الإيرانية (من 1980 إلى 1988)، حيث كان الإعلام الإيراني يُسوّق أن هذه المهمة تكون بدايتها الفعلية بعد إزالة دولة العراق بالقضاء على نظام صدام حسين. ففي عام 1981 تأسست «الطلائع المليونية» تحت اسم «قوة القدس» كوحدة عمليات خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني. وعند قيام حرب الخليج الأولى عام 1991 قام النظام الإيراني بتجميع كل الوحدات القتالية التي تعمل خارج إيران تحت تنظيم واحد أوكلت إليه مهمة القتال في الخارج، وأُطلق عليه اسم «فيلق القدس»، ومن هنا كانت ولادة هذا الفيلق الذي يُعتبر القوة العابرة للقارات والذراع العسكرية لتمكين الثورة الإيرانية من التوسُّع والتمدُّد والانتشار الإقليمي أو ما يُعرف بتصدير الثورة. تطورت الأحداث عندما تم تعيين قاسم سليماني قائداً للفيلق في1997، والذي أُدرج في لائحة المنظمات الإرهابية في العالم بعد قيامه بعمليات إرهابية في بغداد وبيروت وبرلين وباريس ولندن حيث أصبح يُهدد الأمن الدولي. هذا الفيلق الذي أوكل إليه الدستور الإيراني المهام السالفة، باتباع خطة دقيقة ومحكمة من خلال جمع المعلومات العسكرية والاستراتيجية التي تخص دول الجوار، والتصدي وتصفية كل من يعارض خط نظام ولاية الفقيه، والعمل على استقطاب كل الحركات الدينية والسياسية في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي، وتدريب وتسليح وتمويل كل حركة أعلنت ولاءها لمرشد الثورة الإيرانية، كما هو حاصل في لبنان والعراق وسورية واليمن. إذاً المهمة الرئيسية لفيلق القدس هي مسؤوليته المباشرة على كل العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، وكل المهام السرّية خارج التراب الإيراني، وبالتالي تكون وظيفته مخابراتية بامتياز. وعندما وصلت الثورة السورية عامها الأول تقريباً قام المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بإصدار أوامر إلى فيلق القدس للقيام بأعمال إرهابية لحماية نظام بشار الأسد من السقوط، كما طالبه أيضاً (أي الفيلق) بتكثيف العمليات الإرهابية ضد الغرب وحلفائه الذين طالبوا برحيل بشار الأسد ودعموا المعارضة السورية.

ونقلت صحيفة «التلغراف» البريطانية حينها من مصادر استخبارات غربية أنّ خامنئي دعا إلى اجتماع سرّي مع مجلس الأمن القومي الإيراني في طهران لمناقشة تقرير حول نتائج قلب نظام بشار الأسد واستبداله بنظام آخر، والآثار التي ستترتب على إيران. وخلص التقرير الذي أشرف عليه علي خامنئي شخصياً إلى إبراز الخطوط الحمراء التي لا يُمكن للدول الغربية الدّاعمة للمعارضة السورية أن تتجاوزها بأي شكل من الأشكال في التعامل مع ما يجري على الأراضي السورية. تبعت ذلك التصريحات الأخيرة لقائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، الذي أقرّ من خلالها بوجود مئتي ألف مقاتل إيراني منتشرين في خمس دول هي العراق وسورية واليمن وأفغانستان وباكستان. هذه التصريحات تأكيد قوي على أنّ فيلق القدس يؤدي فعلاً هذه المهام خارج التراب الإيراني تحت إشراف مباشر من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي. وسبق أن دَعمت هذه الوحدة الأكراد في حربهم ضد صدام حسين. كما وَسع فيلق القدس عملياته إلى أفغانستان المُجاورة، أبرَزُها كان بمُساعدة عبد العلي مزاري رئيس حزب الوحدة الشيعي ضد حكومة محمد نجيب الله. ثم بدأ بتمويل ودعم التحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود ضد حركة طالبان. بالعودة إلى وثيقة 1998 لاتحاد العلماء الأميركيين نجد «التركيز الأساسي لفيلق القدس هو تدريب الجماعات الإرهابية الأصولية الإسلامية»، وينُص أيضاً على أن فيلق القُدس مُرتبط بمكاتب إيرانية لحركات التحرر، التي تُحافظ على بناء اتصالات مع مُنظمات المُقاومة الإسلامية تحت الأرض في أنحاء العالم الإسلامي. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2010، وفقاً لمركز أبحاث أميركي، تم توسيع مهمة فيلق القدس جنباً إلى جنب مع «حزب الله» في حملة جديدة من الهجمات تشمل هيئات دولية أخرى غير الولايات المتحدة وإسرائيل. سبق أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 5 مسؤولين إيرانيين أكدت أنهم مرتبطون بـ «فيلق القدس»، واتهمتهم بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن لإطلاق صواريخ على السعودية. وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين إن المسؤولين الخمسة «مرتبطون بفيلق القدس» المكلّف العمليات الخارجية، وكذلك بالبرنامج الصاروخي الإيراني. وأن ممارساتهم أتاحت للحوثيين إطلاق صواريخ على مدن وبنى تحتية سعودية، واتهمهم بنقل أسلحة إلى اليمن لم تكن موجودة قبل اندلاع النزاع في هذا البلد. وجاء ذلك بعد يوم على إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو استراتيجية جديدة لإدارة ترامب، حدّدت 12 شرطاً للتوصل إلى اتفاق جديد مع طهران، مهدداً إياها بأقوى عقوبات في التاريخ إن لم تبدّل سياساتها، ومتوعداً بـسحق عملاء طهران و «حزب الله» اللبناني في العالم. الحقيقة أن واشنطن واصلت ضغوطها، إذ كتب مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، على موقع «تويتر»: «كما قال بومبيو، وكما أوضح ترامب: نحن مع الشعب الإيراني الذي يستحق أفضل من نظام يرعى الإرهاب في كل المنطقة، ويستحق أفضل من نظام يواصل تخصيص موارده لتهديد العالم».ما هو واضح في ديباجة الدستور الإيراني التركيز على السعي مع الحركات الإسلامية والجماهيرية الأخرى لبناء الأمة العالمية وإنقاذ المحرومين في كل مكان على الأرض، وهذا في صميم الأهداف الرئيسية للجمهورية الإسلامية. فالمادة 53 من هذا الدستور تشير إلى التزام إيران بإقامة حكومة الحق والعدل في أرجاء الأرض، وحماية الكفاح الشرعي للمستضعفين ضد المستكبرين في أي مكان في العالم. من هنا نجد أنّ الدستور الإيراني أعطى للحرس الثوري مهمة إقامة هذا المشروع وتوسيع هذه الحاكمية لقانون الله، كما يدّعون، في أرجاء المعمورة كافة. وبما أنّ فيلق القدس هو الفصيل الأساسي في منظومة الحرس الثوري فهو إذاً المؤسسة العسكرية المخوّلة دستورياً القيام بهذه المهمة، من أجل نشر حاكمية الله في الأرض وبناء مجتمع عالمي موحد بزعمهم. وانطلاقاً من هذه المرتكزات الدستورية التي يستند إليها فيلق القدس، يحقُ لإيران أن تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة كما هو حاصل الآن في العراق وسورية ولبنان واليمن. وإضافة إلى ما سبق فإن «فيلق القدس» مكلّف بتصفية وملاحقة كل معارض للنظام خارج الحدود الجغرافية الإيرانية. سيظل هذا الفيلق الدويلة، يهدد دولاً في العالم، كما قال رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الذي سبق أن صرّح بأنّ تدخُّل قوات فيلق القدس الإيراني في المنطقة جاء بهدف التصدي للإرهابيين وأنّه لولا هذا الدور لكانت أميركا تواجه عشرات الحوادث التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس. ومن خلال هذه التصريحات ومن الواقع الملموس على الأرض، يتّضح جلياً أنّ فيلق القدس هذا يُمكنه القتال في كل بقعة من بقاع الأرض- دفاعاً على مصالح إيران وحلفائها الغربيين وعلى رأسهم أميركا وإسرائيل، إلا مدينة القدس التي سُمي على اسمها وبهدف تحريرها كذباً وزيفاً وبهتاناً… فمتى تتوقف هذه المسرحية الإيرانية العالمية «فيلق القدس»؟