1 هل يسير «سائرون» بالعراق؟ محمد عارف الاتحاد الاماراتية
في أول تغريدة للسيد مقتدى الصدر على صفحته في «تويتر» بعد الانتخابات، أعلن: «بعد أن بنى الشعب بصوته السلطة التشريعية ومن خلال الملحمة الانتخابية الرائعة، فعلى السلطة التنفيذية القادمة أن تبني للشعب أسس العدل والرفاهية والأمل، لا أن تبني قصوراً وجدراناً، فكلا لجُدر الخضراء وكلا للفساد وكلا للتحزب وكلا لأزيز الطلقات، فلابد أن تكسر فوهة البندقية ويقف ضجيج الحرب». هل يحقق ذلك تحالف «سائرون» الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد (57 مقعداً) في الانتخابات العراقية، وجمع بين ما لم نكن نتصور قط أن يلتقوا، جماعة دينية راديكالية وحزباً علمانياً ثورياً. عناوين الصحف العالمية ركزت على فوز تحالف جماعة الصدر والشيوعيين، مع أن شيوعيين اثنين فقط في القائمة الفائزة، رائد فهمي، سكرتير عام الحزب، الذي نال 12395 صوتاً في محافظة بغداد، وهيفاء الأمين التي فازت بأعلى نسبة أصوات في محافظة ذي قار (31588 صوتاً).
وكما حدث سابقاً في تاريخ العراق، أصبحت «ساحة التحرير» في بغداد مطبخ تحولات ثورية. تتابع ذلك دراسة مسهبة في نحو 8 آلاف كلمة، عنوانها: «هل يمكن أن يصلح رجل الدين المسلح مقتدى الصدر العراق؟». أعدّ الدراسة «ثاناسيس كامبانيس»، ودعمتها «مؤسسة كارنيجي» في نيويورك، والتركيز فيها على شخصية «الصدر»، الذي لا يمكن توقع تحولاته وتقلباته منذ الغزو. «مع ذلك فالجديد في سياسته يحقق اختراقاً ويشجع على إجراء تحولات، ويفرض على الحركات القائمة الأخرى في العراق مواجهة تحديات أساسية في الأمن والحكم». ويرى الباحث أن «الصدر يطلق مثالاً للزعماء الآخرين والمنظمات السياسية المهتمة بالخروج من سجن صناديقها الطائفية ومحسوبياتها، وإنشاء أفكار أو حركات أكثر مرونة وانفتاحاً».
وعقدت الدراسة أكثر من أربعين لقاءً في العراق خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، مع قيادات عراقية وسياسيين، وتناولت حوادث العنف والفساد التي قام بها رؤساء مليشيات وعشائر، ولم تستثن سوى شخصين نأيا عن محشر العنف والفساد، هما المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني، ومقتدى الصدر. و«على الرغم من أن الصدر يفتقر إلى التحصيل العلمي الذي يمتلكه السيستاني، إلاّ أنه ورث من والده ملايين الأتباع المتحمسين الذين يستجيبون له حالما يدعوهم». ولم يكن الصدر قد بلغ الثلاثين عندما بادر بعد غزو العراق إلى إنشاء «جيش المهدي»، الذي وقف ضد الاحتلال الأميركي، و«برز كقائد قوي وخطيب مفوه، يؤكد دائماً على أنه وطني عراقي قبل كل شيء». ومع أن «جيش المهدي» ارتكب فظاعات في المعارك الطائفية التي أعقبت حرق المرقدين الشيعيين في سامراء، وتورط بعض المسؤولين الصدريين في عمليات فساد، إلاّ أن جماعة الصدر استعادت مكانتها العابرة للحدود الطائفية.
ويذكر الباحث أن تعريف الصدر للتكنوقراط ومفاهيم أخرى يطرحها، ربما تبدو ساذجة ومتضاربة، وتثير ردود أفعال مختلفة حتى لدى أنصاره المقربين، إلاّ أن أحكامه تلعب دوراً مهماً في تولي الأشخاص المسؤولية في البلد. وأفلح الصدر رغم كل شيء في إبداع نمط وخطاب سياسي جديدين تماماً، قد يلعبان دوراً حاسماً في العراق والمنطقة بالكامل، وتحويل البلد من دولة الناخبين والمحاصصة إلى دولة المواطنين. وفي حين لم يجرؤ الزعماء الآخرون على محاسبة أتباعهم المتورطين في عمليات الفساد، حلّ الصدر «كتلة الأحرار» التي تورط بعض أفرادها في قضايا فساد، وألّف حزب «الاستقامة»، وأرسى علاقات جديدة مع العبادي ومع السيستاني، وأعلن استعداده للتعاون مع كل من يعمل لصالح العراق، وتعبر عن ذلك أحدث تغريداته: «أنا مقتدى.. شيعي في العُلا.. سنيّ الصدى.. مسيحي الشذى.. صابئي الرؤى.. إيزيدي الولا.. إسلامي المنتهى.. مدنيّ النُهى.. عربي القنى.. كردي السنا.. آشوري الدُنى.. تركمانيّ المنى.. كلدانيّ الفنا.. شبكيّ الذُرى». وتختتم التغريدة عبارة «عراقي أنا».
2 الأكراد… رقم رئيسي في المعادلة العراقية! صالح القلاب جريدة الدريدة الكويتية
أثبتت الانتخابات العراقية الأخيرة، خاصة في إقليم كردستان، أنّ “كاك” مسعود برزاني رقم رئيسيٌّ، سواء في معادلة القوى في بلاد الرافدين أو في المعادلة الكردية، فقد ثبت أن اللعبة الإقليمية لم تستطع لا شطبه ولا إضعاف مكانته القيادية الطليعية، والدليل هو أن الذين تآمروا عليه، سواء من بني قومه أو من “الإخوة الأعداء”، أصيبوا بخيبة أمل كبيرة، إذْ إنّ هذه الانتخابات قد أثبتت أنه لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هو أنه لا يمكن شطب الكرد ولا زعيمهم التاريخي من أيٍّ من معادلات هذه المنطقة، التي يبدو أنها مقبلة على العديد من المتغيرات الجوهرية.
كنت قلت وكتبت أكثر من مرة، ومن موقع الحرص والقناعة، أن للأكراد، مثلهم مثل كل شعوب هذه المنطقة، الحق في أن تكون لهم دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، إنْ في تركيا أو في إيران أو في العراق… وأيضاً في سورية، والحقيقة أنني لا أزال على هذه القناعة، إذ إنّ شطب هذا الشعب العظيم من المعادلة أو المعادلات الإقليمية كلها يعني أن هذه المنطقة لن تعرف الهدوء ولا الاستقرار، مادام هذا الشعب الشقيق فعلاً لم يأخذ حقه المشروع، أسوة بكل شعوب هذه المنطقة، وفي مقدمتهم “الشعوب” العربية!
وكنت أيضاً قلت وكتبت أكثر من مرة، وهذا من موقع التقدير والحرص، أنّ الأشقاء الأكراد ممثلون بقيادتهم؛ أولاً “كاك” مسعود برزاني وثانياً “مام” جلال الطالباني، رحمه الله، قد ارتكبوا “غلطة” أو خطأً فادحاً، عندما تحالفوا -بعد إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003- مع “أتباع” إيران من الطائفيين والمتمذهبين، وأداروا ظهورهم لإخوتهم الفعليين (سنة وشيعة)، الذين تمسكوا بعروبتهم، والذين يمثلهم جميعاً الآن السيد مقتدى الصدر، الذي غلب انحيازه العروبي على أي انحياز آخر، والذي يمثل -إذا أردنا قول الحقيقة- كل وطني عراقي صادق وكل عربي يرفض أي تدخل خارجي، إقليمياً أو دولياً، في الشؤون العراقية والشؤون العربية الداخلية.
لابد، حتى تستقر هذه المنطقة، من أن يتمتع الكرد، كرد العراق وإيران وتركيا وأيضاً سورية، بحق تقرير المصير، مثلهم مثل غيرهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مشكلة هؤلاء الإخوة الأعزاء، الذين هم منّا ونحن منهم، ليست مع العرب، لا كأمة ولا كشعوب ودول، بل مع تركيا الدولة والنظام، وبعض الأحزاب القومية المتشددة، ومع إيران؛ هذا النظام وقواه الرئيسية وأصحاب القرار الفعليين فيه، والمعروف أن أول دولة كردية (1946) قد قامت في “مهاباد” (الإيرانية)، وكان أحد أعمدتها الرئيسيين الملا مصطفى برزاني والد “كاك” مسعود برزاني، تلك الدولة التي تم إسقاطها بمؤامرة بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأميركية.
والآن، وبعد تجربة “استفتاء كركوك”، المُرة فعلاً، والتي من المؤكد أنها قد جاءت قبل أوانها بكثير، لا بد من إعادة ترتيب الأوراق الكردية.
والواضح أن هذا الترتيب قد بدأ بالفعل، وخاصة بعد أن برز في العراق هذا الوطني والقومي المعمم مقتدى الصدر، الذي هو سليل محْتدٍ بالفعل وابن عائلة شهداء “حسينية”.
المفترض أن يكون دور الأكراد رئيسياً. وهنا، لابد من إدراك أن هناك من بين العراقيين من يحاول قطع الطريق على مثل هذا الدور، بهدف دفع الكرد إلى الدائرة الإيرانية، على غرار ما كانت عليه الأوضاع في فترات ضبابية وظلامية سابقة.
3 تأثير انسحاب أميركا من اتفاق إيران النووي مايكل سينج معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط) الأميركي
هناك ثلاثة عوامل أساسية أثَّرت على انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة». يتعلق العامل الأول بنقد جوهر الاتفاق نفسه، بدلا من القلق بشأن امتثال إيران لالتزاماتها بموجب اتفاقات الضمانات لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وعلى وجه التحديد، شعر مسؤولون في الحكومة الأميركية بالقلق لأن الاتفاق النووي لم يفعل الكثير لمنع السلوك العدائي الإيراني، مثل تطوير قدرات الأسلحة النووية، لفترة قصيرة جدا.
وفي المقابل، رأوا أن التخفيف من العقوبات الذي مُنح لإيران من خلال «خطة العمل الشاملة المشتركة» هو أمر واسع جدا ويستمر وقتا طويلا. بالإضافة إلى ذلك، حدّ الاتفاق من خيارات السياسة الأميركية المتاحة للتعامل مع سلوك إيران المتعلق بتطوير كل من الصواريخ الباليستية ودعم القوى المعادية للمصالح الأميركية في جميع أنحاء المنطقة.
ثانيا، شعرت الإدارة الأميركية بالضعف الاقتصادي والسياسي الذي يسود النظام الإيراني في الوقت الراهن.
أمّا العامل الثالث فيتعلق بالإعلان عن استئناف المحادثات مع كوريا الشمالية، والذي حدث قبل أربعة أيام من حلول موعد تجديد فترة الإعفاءات. وتمهيدا للمفاوضات المحتملة مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، كانت الإدارة الأميركية تسعى إلى تكوين وجهة نظر مفادها أن الولايات المتحدة لن ترضى بأي اتفاق. وهنا، ربما كان يدور بخلد الإدارة الأميركية الرغبة في تكرار النموذج الكوري الشمالي مع إيران، وهو ممارسة «أقصى قدر ممكن من الضغط»، مقترنا بالرغبة في الدخول في مفاوضات واسعة النطاق. وفي الواقع، يتنافس القرار بشأن إيران مع كوريا الشمالية، ومع التعريفات على الفولاذ والألمنيوم، والعديد من أولويات السياسة الخارجية الأخرى في واشنطن.
وفي الحملات السابقة لفرض عقوبات على إيران، كانت الإدارات الأميركية قد اتبعت قدرا هائلا من الدبلوماسية لضمان تنفيذ آليات الرقابة القائمة على أسواق رأس المال في إطار متعدد الأطراف والالتزام بها. ففي عام 2006، على سبيل المثال، تبنَّت الولايات المتحدة سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي التي وضعت الأساس الدبلوماسي للتنسيق مع الاتحاد الأوروبي إلى جانب روسيا والصين.
وستكون هذه المرة الأولى التي تسعى فيها واشنطن إلى فرض هذا النوع من العقوبات في ظل هذا الاختلاف الإستراتيجي مع حلفائها الدبلوماسيين. وسيُركز الأوروبيون على وجه الخصوص على تهدئة طهران والإبقاء على الاتفاق معها، وبالتالي إعطاء إيران نفوذا للتفاوض على اتفاق أفضل مع الأطراف الموقِّعة المتبقية.
ومن الآن فصاعدا، يجب على الولايات المتحدة أن تحاول إصلاح بعض الخلافات بينها وبين حلفائها الأوروبيين، من خلال استمرار المحادثات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا (مجموعة الدول الأوروبية الثلاث) على وجه التحديد والجهات الفاعلة الأخرى، حتى وإن نتج عن ذلك تقديم بعض التنازلات بشأن العقوبات. ومن شأن اتباع نهج شامل، إلى جانب الدعم المقدم من «مجموعة الدول الأوروبية الثلاث»، أن يسمح بنوع من التنسيق الذي تحتاجه واشنطن لممارسة أقصى درجات الضغط على الجمهورية الإسلامية.
4 أكراد العراق وعربه … المجتمع قبل السياسة شيروانكاكه زياد غفوري الحياة السعودية
تشكل تجربة عائلتي الخاصة، مثل آلاف التجارب العائلية والشخصية الأخرى، مؤشراً واضحاً على التحولات التي طاولت المجتمع العراقي بمختلف مكوناته طوال قرن كامل، على مستوى العلاقة بين المجتمع والسياسة.
كان والدي النجل الوحيد لوجيه اجتماعي كردي معروف من منطقة كويسنجق الكردية، هو كاكه حمه غفوري، حسبما كان يتذكر والدي. وكما يسرد الدكتور بدرخان السندي في كتابه «المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي»، فأن جدي كان من أكثر الحريصين على «السلام الاجتماعي» في منطقة نفوذه الاجتماعي المختلطة. فعلى رغم التحولات السياسية الحادة التي جرت طوال العقود الأولى من القرن العشرين، فإن منطقة كويسنجق المختلطة حافظت على مستوى عال من الوئام الاجتماعي، بسبب إصرار جدي وبقية وجهاء المنطقة، ومن مختلف المكونات، على الفصل التام بين الأحداث السياسية والحياة الاجتماعية.
حافظ والدي على ذلك العُرف الذي ورثه عن والده، فهو انخرط في الحركة القومية التحررية الكردية، وانتخب منذ المؤتمر التأسيسي للحزب الديموقراطي الكردستاني عام 1946 نائباً ثانياً للزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني. كذلك عقد المؤتمر الرابع للحزب في منزلنا في مدينة بغداد عام 1959 بعد عودة الملا مصطفى من منفاه السوفياتي، وبقي والدي قيادياً في الحزب الكردي طوال عقود، وشارك في الثورة الكردية المسلحة، إلا أن كل ذلك لم يغير من متانة علاقات والدي الاجتماعية الودية مع العشرات من الزعماء العشائريين والدينيين والاجتماعيين العرب والآشوريين والتركمان، ومن مختلف مناطق العراق. فقد كان والدي، مثل غيره من أبناء جيله من الأكراد والعرب، يعتبر العلاقات الاجتماعية السليمة والصحية والسلام الاجتماعي المديد بين مختلف مكونات الشعب العراقي، وبالذات بين الجماعتين الأكبر حجماً، العرب والأكراد، هي الأساس الوحيد لبناء السلام والعلاقات السياسية السليمة والعادلة في الدولة العراقية.
تحسس والدي قيمة ذلك في ما بعد، خلال سنوات نفيه الطويلة، بين مختلف مناطق العراق العربية. فقد كانت علاقة والدي مع العشرات من الوجهاء الاجتماعيين العراقيين العرب هي جوهر علاقاته وحياته الاجتماعية والعامة، وكان هؤلاء الوجهاء هم الذين ساعدوا والدي أكثر من مرة ليحسّن ظروف منفاه الذي كان قاسياً جداً.
لم تختلف تجربتي الحياتية التي قضيت قرابة عقدين منها في بغداد عن ذلك. ففي وقت كانت التنابذ السياسي بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق على أشده، عملت طوال عقدين كمهندس مدني ومتعهد في مختلف مناطق العاصمة. عشت بوئام تام مع عشرات الشركاء والزملاء والآلاف من العمال العرب، من دون أن تتمكن تشنجات العالم السياسي في العراق من تعكير علاقتي بشبكة الزملاء والشُركاء العرب طوال سنوات عملي المديدة تلك.
في السنوات الأخيرة، تحطمت تلك العلاقات بشكل مريع، فالتشنج والتعصب والتنابذ لم يعد حكراً على النخب والفاعلين السياسيين فحسب، بل صار المجتمع العراقي أقل مناعة وقدرة على حماية نفسه من الفظائع السياسية. فعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي يمكن لأي منا أن يلاحظ كيف تتسرب الخطابات العنصرية والطائفية من النخب السياسية إلى القواعد الاجتماعية بكل سلاسة وسهولة. لم تعد حتى الولائم الحسينية وخطب الجوامع محمية منها، وكيف أصبحت هذه القواعد مهترئة ولا تملك أي مناعة وقدرة عقلية وروحية لمواجهة ورفض ما يسرب لها من تلك النزعات العنصرية والمناطقية والطائفية.
قبل أيام قليلة مثلاً، وقعت جريمة مريعة طاولت بعض عوائل التركمان، على الطريق بين مدينتي طوزخورماتو وكركوك، عبر حاجز وهمي نصبه إرهابيون من تنظيم «داعش». لكن بعد وقوع الجريمة بساعات خرج أحد النواب التركمان من أمام المستشفى حيث يعالج الضحايا، وهو يصرخ بطريقة هيستيرية متهماً الأكراد بارتكاب هذا الفعل الشنيع. بالضبط اتهم الأكراد وليس أحد الأحزاب أو التنظيمات العسكرية الكردية، ومهدداً بأن التركمان سيأخذون بالثأر.
الأمر الفظيع أن ذلك الخِطاب تسرب بسرعة هائلة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتبناه الآلاف من المعلقين والمتابعين، من دون أي حصافة أو تفكير، إذ ليس من مصلحة الأكراد ولا من سلوكياتهم وحتى ثقافتهم وقيمهم أن يتعرضوا لمواكب المدنيين ويفتكوا بهم. الأكراد الذين أعفوا عشرات الآلاف من الجنود العراقيين الذين استسلموا للمدنيين الأكراد عقب نجاح انتفاضة آذار (مارس)عام 1991، فكيف يمكن أن يتعرضوا لعائلات تركمانية بسيطة وشريكة في الوطن؟! بعد يومين فقط، تبنى تنظيم «داعش» الإرهابي تلك الجريمة المريعة، لكن من دون أن يعتذر ذلك النائب أو يُحاكَم، ومن دون حملة مضادة على وسائل التواصل الاجتماعي.
بالسُنة والشعيرة التي خطها الآباء والأجداد نستطيع أن نبني عراقاً حديثاً ورحباً، وليس بغيره قط.
5 العراق: لماذا أخفق «النصر» في تحقيق الفوز؟ حميد الكفائي | الحياة السعودية
تنافسَ في الانتخابات العراقية الأخيرة 204 أحزاب على 329 مقعداً برلمانياً، وكان تحالف «النصر»، بقيادة حيدر العبادي، في المقدمة وفق استطلاعات الرأي الرصينة، وكان كثيرون متيقنين من فوزه، لكن النتائج اختلفت كثيراً عن التوقعات، إذ جاء «النصر» ثالثاً، بعد «سائرون» بقيادة مقتدى الصدر و «الفتح» بقيادة هادي العامري، ولأول مرة ينتصر المعارضون على الحاكمين سلمياً في العراق. وأهم سبب لتراجع «النصر» هو عزوف الناخبين المؤيدين للعبادي عن التصويت، إذ انحدرت نسبة الإقبال إلى 44.5 في المئة، وهي نسبة متدنية إن قورنت بسابقاتها، إذ بلغت 78 في المئة في الانتخابات الأولى والثانية عام 2005 متراجعة إلى 63 في المئة عام 2010 و52 في المئة عام 2014. فلماذا يا ترى تقاعس الناخبون عن نصرة العبادي، وهو الوحيد الذي يحق له التحدث عن إنجازات حقيقية مثل إنقاذ العراق من تفكك وشيك وشح مالي قاهر وعزلة دولية خانقة؟ لماذا لم يمنح الناخبون العبادي تفويضاً جديداً، علماً أن الجميع، بمن فيهم خصومه، يشيدون بأدائه وإنجازاته ونزاهته؟يبدو أن هناك قدراً كبيراً من «الرضا عن النفس» بين أنصار العبادي الذين توقعوا أنه سيفوز ولن يحتاج إلى أصواتهم، فبقوا في منازلهم بدلاً من الذهاب إلى مراكز الاقتراع. ويرى آخرون أن العراقيين محبطون بسبب توالي الإخفاقات منذ بدء العملية الديموقراطية، لذلك شعروا بأنهم مهما فعلوا لن يغيروا الوضع القائم لأن «الوجوه القديمة ستعود»، وهذا الرأي سائد بين معظم العراقيين. لا شك في أن هناك استياءً بين العراقيين من الطبقة السياسية المهيمنة منذ عام 2003 والتي اتسمت بالجشع والنهم والتكالب على السلطة والمال والنفوذ، بالإضافة إلى فساد كثير من قادتها وغياب الكفاءة والنزاهة بين صفوفها، ما تسبب في تفاقم المشاكل وتراكمها. لقد انسحب الاستياء الشعبي على جميع المشاركين في العملية السياسية، سواء في الحكومة أو خارجها، فقد اعتبر الناس كل سياسي فاسداً ومسؤولاً عن التدهور، فلم يصوتوا حتى للداخلين الجدد مثل غسان العطية. وسائل الإعلام العراقية، معظمها حزبي أو شخصي يدار وفق مزاج المالك، لم تتمكن من نقل الصورة الحقيقية للناخب وإقناعه بأهمية المشاركة. أداء إعلام الدولة ما زال متدنياً، إذ بقيت المؤسسة في فوضى عارمة منذ تأسيسها، ولم يتولَ إدارتها ذو خبرة في الإعلام والإدارة، بل ظلت ضحية للأهواء والتقلبات السياسية. وخلال العام الأخير، تعاقب على إدارة شبكة الإعلام أربعة مديرين، وخلال ثلاثة أشهر، أقيل المدير وعُين آخر محله ثم أقيل وعُين ثالث ثم أقيل ليعود المدير السابق. في العادة، تصطف الشبكة مع الحكومة، لكنها لم تفعل هذه المرة لأن العبادي لم يتدخل في شؤونها. ظل الفساد الصفة السائدة لأداء الدولة، فلا يستطيع المرء أن ينجز أي عمل أو يحصل على منفعة أو وظيفة إن لم يسلك طرقاً غير مشروعة كتقديم الرشاوى أو الانتماء إلى أحد الأحزاب المتنفذة. لقد استاء العراقيون كثيراً من هذا الظلم الذي يطابق ما كان يحصل أيام النظام السابق، الذي لم يسمح لأحد بالعمل أو العيش بحرية وكرامة إن لم يكن موالياً لـ «القائد الضرورة» ومنتمياً إلى حزب البعث. وعندما يتولى مسؤول إدارة مؤسسة فإنه يُقصي أو يُهمِّش كل من لا ينتمي إلى حزبه، ويفرض أتباعه وأقاربه على المؤسسة. في إحدى الوزارات التي عملت فيها، أقصى الوزير الجديد تسعة مديرين عامين، من مجموع 11، واستبدلهم بأتباعه وأقاربه، بينما صمت رئيس الوزراء كونه محتاجاً إلى دعمه لاستمرار الحكومة. ويقع اللوم الأكبر في فشل العملية الانتخابية الأخيرة على مفوضية الانتخابات التي لم تحظَ بثقة الناخبين لأنها غير مستقلة بل تمثل الأحزاب التي عينتها. لم تتقن المفوضية عمل الأجهزة الإلكترونية التي يفترض أنها تضمن خلو العملية من التزوير، كما حَرَمَت آلاف الناخبين من التصويت، بمن فيهم مرشحون، كالدكتور أمير المختار، بحجة أنهم غير مسجلين. في البصرة مُنع شيخ قبيلة تميم، مزاحم الكنعان، من الترشح بقرار من هيئة المساءلة والعدالة، لكنه تمكن من إلغاء القرار، ففاز بعد إدراج رقمه من دون اسمه في قائمة التصويت، لكنه استُبدل لاحقاً بمرشح آخر رغم فوزه. هناك ثورة غضب عارمة في كردستان بسبب فوز حزبَي «بارتي» و «يكتي» في الانتخابات على رغم تدني شعبيتهما في الشارع، ما أثار استياء الأحزاب المعارضة الخمسة في الإقليم التي هددت بالتصعيد. وفي كركوك، اتُّهِمت المفوضية بالتواطؤ مع حزب «يكتي» المتهم بالتزوير على حساب المرشحين العرب والتركمان. كما اتهمها أحد أعضائها، سعيد كاكائي، بالسماح بالتزوير وطالب بالعد اليدوي بنسبة 25 في المئة. الأمم المتحدة هي الأخرى انتقدت عمل المفوضية لتعاقدها مع شركة «ميرو» الكورية لتوريد أجهزة العد الإلكترونية، التي تحوم حولها شبهات فساد. وقال الدكتور أمير آراين، رئيس الفريق الدولي لدعم الانتخابات، في رسالة إلى المفوضية، إن «ميرو» لم تتعاون في توضيح كيفية عمل الأجهزة، ووصف تعاملها بأنه «لا يبشر بخير ولا يعطي انطباعاً عن صدق وانفتاح الأطر التي تعمل بموجبها منظومة شركة ميرو».هناك الكثير مما يُلام عليه السيد العبادي أيضاً، فالزعامة السياسية تحتاج إلى الحماس للخدمة والاستعداد لها بكل الوسائل المشروعة، لكنه لم يستعد على ما يبدو، بل افتخر في مقابلة تلفزيونية أخيرة بأنه أبقى على الطاقم الإداري والإعلامي السابق! بينما كان عليه أن يأتي بطاقم كفوء ويبذل جهوداً أكبر للترويج لنهجه السياسي وإقناع المترددين. كما عجز العبادي، ومعه قيادة حزب «الدعوة»، عن توحيد صفوف الحزب المنقسم، ما كلفه الكثير من الأصوات الضائعة التي توزعت بين قائمتين. الكتل السياسية الفائزة عادت الآن للحديث عن التوزيع الطائفي للمناصب ولا نسمع سوى الحديث عن «المكونات» وحصصها في الحكومة المقبلة. لقد وعد العبادي بأنه لن يشارك في حكومة محاصصة، ولكن كيف وهو في حاجة إلى دعم الكتل الأخرى المصرة على المحاصصة؟ عزوف الناخب تسبب في كارثة سياسية وهي إعادة انتخاب معظم الزعامات السابقة، بمن فيها الفاسدة، ومن غير المتوقع أن يتمكن القادمون الجدد من أن يغيروا كثيراً، لذلك من المستبعد أن نرى تغيراً كبيراً في سلوك الطبقة السياسية إن لم تبقَ حركة الاحتجاج مستعرة للضغط عليها لتغيير سلوكها.
6 أميركا القاصفة د.احمد مصطفى
الوطن العمانية
”.. يعتمد تطوير العسكرية الأميركية تماما على أدوات القتل عن بعد، وأحدثها الدرون (الطائرات بدون طيار) القاصفة التي استخدمها الرئيس السابق أوباما بكثافة في مناطق عدة من أفغانستان إلى سوريا واليمن. ولا تتطلب الدرون حتى انتقال الجنود إلى طائرات فوق أرض المعركة أو سفن حربية قبالتها، بل يحركها جنود في مراكز التحكم بأميركا نفسها دون أن يغادروا قواعدهم العسكرية في بلدهم وهم يقصفون أي مكان في العالم.”
في مثل هذه الأيام قبل عشرين عاما، أي تحديدا في شهر رمضان الفضيل عام 1998، أقنع رئيس الوزراء البريطاني وقتذاك توني بلير الرئيس الأميركي الديموقراطي حينها بل كلينتون بقصف العراق. ولم يكن هذا القصف بجديد في سياق العقوبات والقصف المستمر على العراق حتى تدميره تماما قبل الغزو الأميركي/البريطاني له في عام 2003. وأعني أنه لم يكن هناك حاجة لمبرر أو ذريعة لقصف العراق، إذ كان ذلك سهلا على التحالف الغربي/العربي وقتها. ولم يكن تردد الأميركيين لهذا القصف تحديدا مبعثه حاجتهم إلى سبب، ولا حتى لأن الإدارة ديموقراطية ومعروف أن الإدارات الأميركية الجمهورية هي الأكثر اندفاعا نحو الحرب. كان سبب التردد هو أننا في شهر رمضان “المقدس لدى المسلمين” كما يرى الأميركيون وبالتالي ربما يغضب ذلك العالم الإسلامي كله. لكن بلير، الذي غير طائفته المسيحية فيما بعد، كان يقصد بالتحديد القصف في رمضان كي يحرر التحالف ضد العراق من تلك المسألة النفسية المتعلقة بما سماه مستشاروه “التعاطف الديني”. ولعل الجميع يذكر جملة بلير الشهير، التي تفاخر بها مسؤول الدعاية لديه الصحفي السابق ألستر كامبل “نحن لا نتعامل مع الله هنا”.
تذكرت قصف العراق في رمضان من قبل أميركا وبريطانيا وأنا أفكر في أن الولايات المتحدة الأميركية لم تكسب حربا حقيقية في تاريخها، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. وأن الحربين الوحيدتين اللتين تضمنتا دخول الجيش الأميركي في حرب حقيقية مع جيش آخر منيت فيهما بهزيمة نكراء ـ حرب فيتنام (1965-1975) وغزوة خليج الخنازير (محاولة احتلال كوبا 1961). أما مشاركة أميركا في الحرب العالمية الثاني فكان في أغلبه جوا لمساعدة الحلفاء حين كاد المحور أن يكسب الحرب، أما الحروب الحقيقية فكانت من نصيب بقية الحلفاء في أوروبا وبريطانيا. وإذا استثنينا غزو غرينادا (1983) وغزو العراق بالاشتراك مع بريطانيا والحلفاء (2003) فإن أميركا لم تخض حربا إلا بالقصف من الجو أو البحر أو أراض بعيدة عن هدف المعركة. ولا يذكر للولايات المتحدة أي انجاز عسكري إلا بالقصف، وأشهره قصف هيروشيما وناجازاكي في اليابان بالقنبلة النووية للمرة الأولى والأخيرة التي يستخدم فيها السلاح النووي قبل استخدامها القصف باليورانيوم المستنفد للعراق.
ويعتمد تطوير العسكرية الأميركية تماما على أدوات القتل عن بعد، وأحدثها الدرون (الطائرات بدون طيار) القاصفة التي استخدمها الرئيس السابق أوباما بكثافة في مناطق عدة من أفغانستان إلى سوريا واليمن. ولا تتطلب الدرون حتى انتقال الجنود إلى طائرات فوق أرض المعركة أو سفن حربية قبالتها، بل يحركها جنود في مراكز التحكم بأميركا نفسها دون أن يغادروا قواعدهم العسكرية في بلدهم وهم يقصفون أي مكان في العالم. وبالنسبة للدول المطلوب القضاء عليها تماما (وتحويلها إلى ما قبل التاريخ، كما وصف العراق بعد الغزو) تفرض عقوبات صارمة تنهك ذلك البلد كما حدث مع كوريا والعراق وسوريا وغيرها، ليأتي القصف ويكمل المهمة بسهولة. إنما ما يهمنا هنا هو أن الولايات المتحدة غيرت مفهوم الحرب تماما ليناسبها وهي تريد ضرب أغلب دول العالم دون المخاطرة بالتورط المباشر (وكي تكرر الجملة الشهيرة “لا يوجد جنود على الأرض”)، وهكذا تحولت إلى الولايات المتحدة القاصفة. فواشنطن، التي تعتبر نفسها منذ نهاية الحرب الباردة القوة العظمى الوحيدة في العالم، ترى مصالحها ممتدة دوما خارج حدودها وربما تشمل العالم أجمع. ومن ثم لا يمكنها استخدام جيشها لحماية تلك المصالح، فهي إذا تقصف فحسب. ولم تكن محاولاتها للحرب مع “جنود على الأرض” ناجحة، من محاولة انقاذ الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية في طهران (1980) إلى مشاركتها في الحرب الأهلية اللبنانية (1984) التي منيت فيها بهزيمة كلفتها أرواح جنودها في بيروت.
وإذا كانت “أميركا القاصفة” تحارب الآن بالدرونز التي تعتمد على برامج كمبيوتر واتصالات بالأقمار الصناعية لتسييرها على بعد آلاف الأميال وتحديد الأهداف وقصفها، فإن ذلك لا يعني أنها لا تحارب ـ لكنها لا تكسب أي حرب بالمعني التقليدي للحرب. لا شك أن هذا يتطور أيضا، مع تطور التكنولوجيا، وسيكون على بقية العالم اللحاق بالسبق الأميركي في تغير شكل الحرب من “قتال للسيطرة على الأرض”، إلى قصف لتدمير الأرض والبشر. ولن يحتاج العالم وقتا طويلا قبل أن تصبح الصناعات العسكرية متضمنة أدوات حرب المال والأعمال، إذ ستعتمد كلها على مبرمجي الكمبيوتر وقراصنته ومخترق الاتصالات ومطوريها. وإذا كان الأميركيون قد سبقوا في هذا المجال، فربما يكون من الصعب ضمان استمرار تفوقهم فالتخريب الاليكتروني أسهل كثيرا وأقل كلفة من اسلحة الحرب الأخرى. وكلما اتسع نطاق الاتصالات كلما سهل على من لا يملكون الثروة والسلطة أن يخترقوها ويخربوها ـ ويصبح الأمر كما لو أن تلك الأسلحة تطلق للخلف فتصيب صاحبها بالأذى. ومع تلك التطورات ستختلف مفاهيم الحرب أيضا من هجوم ودفاع وردع ولن يكون دور الاستراتيجيين والمخططين كما هو معروف تقليديا، وإن ظلت بالطبع القواعد الأساسية كما هي.