7 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

1 من أين سيسرق سليماني الماعز هذه المرة
باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

إيران ستحتاج إلى قبول قيود أوسع نطاقا ليس فقط على أنشطتها النووية ولكن أيضا على برنامجها الصاروخي وتصرفاتها في المنطقة، ولن تخفف واشنطن عقوباتها لطهران إلا حين ترى تغيرا ملموسا في سياسات طهران.
مع توعد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بفرض بلاده “أشد العقوبات صرامة في التاريخ” على إيران، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يتحدث فيه قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس”، الذي يسعى إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليكون لصالح إيران، والذي عمل كصانع قرار سياسي وقوة عسكرية، يغتال الخصوم ويسلّح الحلفاء، ويقود لأكثر من عقد من الزمن، شبكة مجموعات عسكرية نفذت عمليات قتل مختلفة.
عمر مقطع الفيديو 30 عاما وفيه يقول سليماني “نحن نقاتل لأجل هدف سام ومن أجل إعادة إمبراطورية لم يبق منها سوی الأطلال، نضحي ونقاتل ونموت لكي لا يبقی شبر واحد من أرض فارس ولا ساعة واحدة نبقی فيها تحت سيطرة أناس كانوا يسكنون الصحاری… المشروع الأهم هو بسط النفوذ وليس هزيمة العراق”. ثم يضيف “عداؤنا معهم- العرب- ليس جديدا قدمنا تضحيات لكسر شوكتهم وكبح جماحهم وتدمير أمجادهم المزعومة.. المشروع الأهم هو بسط النفوذ وليس هزيمة العراق”.
حينها لم يلتفت أحد إلى هذا التصريح، ومن التفت إليه حسب أنه لا يعدو أن يكون كلاما حماسيا للدعاية وتخويف دول المنطقة، وأنه كلام لا طائل من ورائه، لكن ما حدث بعد ذلك، وانتشار النفوذ الإيراني في المنطقة، وتحكم إيران في الشؤون العراقية بعد احتلال أميركا للعراق، وتصديرها الفوضى إلى سوريا واليمن ولبنان والبحرين واستهدافها لدول الخليج العربي، جعل الجميع يوقنون أن سليماني كان يرسم بكلامه ذاك خارطة طريق للتحكم بشؤون المنطقة كلها، بل إن الجميع فوجئوا بأن سليماني هو من ينفذ خارطة الطريق تلك، حتى أن العميل السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه) في العراق جون ماغواير قال إن “سليماني هو أكثر فرد نشاطا في الشرق الأوسط اليوم، وفي الوقت نفسه لم يسمع به أحد”.
مؤخرا نشرت صحيفة “نيويوركر” الأميركية تحقيقا عن دور الحرس الثوري بقيادة سليماني في سوريا، واعتبرت أن الحرب هناك وضعت المشروع الإيراني في المنطقة على المحك، فكان سليماني الخيار الأول لخوض المعركة حتى لو كان الثمن صراعا مذهبيا يلف المنطقة لسنوات. ورغم العمل الصعب لسليماني، فصورته لدى الإيرانيين هي صورة البطل الذي لا عيب لديه، والحائز على أوسمة عديدة خلال الحرب الإيرانية العراقية التي رقي خلالها إلى قائد فرقة رغم أنه كان في العشرينات من العمر.
إن سليماني لم يتقدم في العلوم كثيرا، لكن مسؤولا عراقيا سابقا قال عنه لـ“نيويوركر” “إنه داهية واستراتيجي ذكي مخيف”. وأدواته التي يستخدمها تتضمن دفع مكافآت إلى السياسيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتخويفهم عند الحاجة، والقتل كآخر الوسائل.
إن أكثر المحاولات الإرهابية شهرة لسليماني كانت مؤامرة في العام 2011 لاستئجار خدمات شبكة تهريب مخدرات مكسيكية لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة وهو يتناول الطعام في أحد المطاعم. وتبيّن أن عميل شبكة تهريب المخدرات الذي تودّد إليه عميل سليماني، لم يكن سوى مخبر لدى وكالة مكافحة المخدرات الأميركية. ويبدو “فيلق القدس” أقوى في الأماكن القريبة من إيران، إذ فشلت خطط عديدة له في أماكن بعيدة عن إيران.
خلال حرب الخليج الأولى، أُرسل سليماني إلى الجبهة العراقية الإيرانية في مهمة تأمين المياه للجنود هناك، ولم يغادر الجبهة مطلقا، واكتسب سمعة الشجاعة والحماسة، خاصة بعد تنفيذه مهمات استطلاع خلف خطوط الجيش العراقي. وكان يعود من عدد من المهمات حاملا معه عنزة يذبحها جنوده ويشوونها. وأصبح يعرف عبر أثير الإذاعة الإيرانية بـ“سارق الماعز”.
تحدث وزير الخارجية الأميركي بومبيو، في أول خطاب ألقاه في واشنطن عن السياسة الخارجية، عن الخطة “البديلة” للإدارة الأميركية لمواجهة إيران. وقال إنه سيعمل بالتعاون مع وزارة الدفاع الأميركية والحلفاء الإقليميين على “ردع أي عدوان إيراني”، مضيفا أن إيران “لن تتمتع مرة أخرى بتفويض للهيمنة على الشرق الأوسط”، ومشددا على أن إيران سوف “تكابد للحفاظ على اقتصادها على قيد الحياة”، بعد سريان مفعول العقوبات. وقال “سوف نطبق ضغطا ماليا غير مسبوق على النظام الإيراني”.
هذه، إذن، هي “الخطة ب” الأميركية لإيران لتكثيف ضغط العقوبات، وإجبار حكومة طهران على الدخول في صفقة دبلوماسية جديدة. وستحتاج إلى قبول قيود أوسع نطاقا ليس فقط على أنشطتها النووية ولكن أيضا على برنامجها الصاروخي وتصرفاتها في المنطقة، ولن تخفف واشنطن عقوباتها لطهران إلا حين ترى تغيرا ملموسا في سياسات طهران. فمن أين سيسرق سليماني الماعز، هذه المرة، لإنقاذ اقتصاد بلاده وجعله مستمرا على قيد الحياة؟
2 لَنَا الصّدرُ، منَ العراقيينَ، أو الهَجْرُ د. ظافر محمد العجمي الوطن البحرينية

لا يتسع السطر لما في الصدر من ارتياح خليجي بعد فوز كتلة الصدر «سائرون على طريق الإصلاح»، فقد فاز الخليج في الانتخابات العراقية، وليس هذا هو المكان المناسب الآن لمناقشة ضم عراق مقتدى الصدر لمجلس التعاون، لكنه مناسب للقول إنه من انتظرنا تحركه العروبي في العراق منذ 12 عاماً، فقد كتبنا دعوة لم تثر الاهتمام المناسب في 25 يونيو 2014 وقلنا «خيارنا الوحيد لحفظ الحدود المرتبكة للعلاقات بيننا وبين العراق هو الاستثمار في تنظيمات معتدلة بعد كسر مصطلحات المعنى المتعارف عليها للإرهاب والمذهبية. أو إحياء علاقات احترام متبادل مع من يتمتع بإدراك جاد لمحيطه وبيئته الإقليمية من زعماء آخرين كعمار الحكيم أو مقتدى الصدر بدل المالكي». ثم كتبنا في 9 أبريل 2016 مراهنين على «إن مقتدى الصدر وبروح عروبية رفض مقابلة قاسم سليماني، والذي كان يعمل على ألا تنهار حكومة العبادي جراء الاعتصام»، وفي 10 نوفمبر 2017 كتبنا «ففي غياب رؤية واضحة لمستقبل العراق يبدو أن مشروع مبادرة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهي من 29 نقطة لمرحلة ما بعد «داعش» خطة عمل معقولة للعراق». لقد تصدر الصدر صدر المشهد السياسي المطلوب الذي نراهن عليه لأسباب منها:
* سيرخي الصدر قبضة طهران في العراق، حيث لا يعتبر حليفاً أو مقرباً منها عكس معظم التيارات بل دائم الانتقاد لتدخلاتها، وسبق أن دعا لحل قوات الحشد الشعبي المدعومة منها، ثم أشار مؤخراً لعزمه تشكيل تحالف من أغلب الكتل السياسية باستثناء كتلتي المالكي والعامري حليفي إيران.
* أبدى مقتدى الصدر تقارباً مع الرؤية الخليجية، فطلب من منظمة المؤتمر الإسلامي التي تقودها الرياض مساعدة العراق. وقد رحب بخطة استقطاب المد الشيعي العروبي في العراق وحصار التمدد الإيراني في العراق قبيل الانتخابات.
كما أن الصدر هو الأصلح للهيكل المطلوب لتعزيز العلاقات الخليجية العراقية باعتبارها أولوية في استراتيجية الإدارة الأمريكية لمواجهة واحتواء طهران، جراء تحركات عدة قام بها منها:
* قاد لعبة الاعتصامات بحنكة فحركها لعام. ثم توقف جراء تكتّل الفصائل الأخرى ضده. ثم عاد بها للجنوب فحصول العبادي والمالكي على نسبة أصوات متدنّية. وقيل إن فضها تم باتصال من زعماء عرب.
* قدمت كتلته نفسها كعابرة للطائفية ومناهضة للفساد وضمت اليسار والتيار المدني، والعلمانية الضعيفة، لكن منظَّمة جيداً مقارنة بالدينية.

* زار الصدر الخليج لإخراج العراق من عزلته التي تسبب بها سياسيو الصدفة الذين يتبعون صفير رعاتها ونباح كلابهم كما وصفهم. ووصف الزيارات بأنها مثمرة، وأذكت روح الأخوة وشهامة العروبة.
* بالعجمي الفصيح:
بعد النتائج الأولية للانتخابات العراقية، ثم تحركت طهران في صخب، وكان صياحهم طرباً، فهو على قدر الألم بعد خسارة رجالها. بعد ما توحدت الرؤية الخليجية، فهل تنجح في إطفاء شعلة الصدر التي أحيت عروبة العراق؟ أم يكون الدعم العربي خاصة الخليجي لمتطلبات مرحلة إعادة الإعمار هو وقود تلك الشعلة؟
3 إيران وعراق «البعث».. تسليم المعارضين!
رشيد الخيّون
الاتحاد الاماراتية

نقرأ في صحيفة المعارضة العراقية «المؤتمر» (العدد 105 المؤرخ في 16/6/1995) خبراً عن نية إيران تسليم رؤوس المعارضة العراقية، وهي إسلامية كافة، ورد تحت عنوان «الحكيم باقٍ في طهران ولا يتوقع تطبيعاً سريعاً في العلاقات الإيرانية العراقية». يقول الخبر: «إشاعات ترددت في الآونة الأخيرة عن احتمال قيام كلّ من العراق وإيران بتسليم البلد الآخر الأطراف المعارضة له، المقيمة لديه، وترددت معلومات عن حصول حوادث تسليم العراقيين إلى النظام الحاكم مِن قِبل بعض الأجهزة الأمنية».
بعد سنوات طويلة، يقف سبعاوي إبراهيم (ت 2013) مدير المخابرات العامة سابقاً، أمام المحكمة (2008) ليقول: «عندي شيء للتاريخ»! إنه في بداية التسعينيات يزور بغداد معاون مدير المخابرات الإيرانية، ويجتمع به حاملاً رسالة شفوية من القيادة الإيرانية، وعلى حد عبارته «آنذاك الأجواء السياسية مع إيران زينة»، فحواها «نسلمكم كل قادة المعارضة عندنا في إيران، وأي اسم تضيفونه، وتسلمونا قادة منافقي خلق، وما قال مجاهدي». يقول سبعاوي: «قلت له: أنا ليس من صلاحيتي. قال: نعلم ليس من صلاحيتك. جئنا نوجه إليك الدعوة لزيارة إيران، وأنت خير من يتصل بصدام، لأنك أخوه ومدير المخابرات».
كتب سبعاوي رسالة بما حصل ولم تصدر الموافقة من الجانب العراقي. كان صدام قد عرض الموضوع في مجلس الوزراء، هذا ما نقله وزير الإعلام عبد الغني عبد الغفور، وقبلها اعتقد سبعاوي أن القضية ظلت سراً بينه وبين صدام وإيران. حينها زار محمد باقر الحكيم (قُتل 2003) بلداناً عربية وأطال المقام بضيافتها، ولما عاد إلى العراق لم ينبس بكلمة شكر للولي الفقيه، على حد إطلاعنا، وتحدث عن دولة مدنية، وبعدها قُتل، على خلاف أخيه عبد العزيز الحكيم (ت 2009)، الذي طالب بتعويض إيران عن خسائرها في الحرب (1980-1988)، ومازال أمر مئات المليارات المفقودة في علم الغيب!
كانت إيران تجند المعارضة الإسلامية خلال الحرب كميليشيات تُقاتل بها الجيش العراقي، فقد تخلت عن مطمع الخميني بتصدير الثورة عبر الحشود، لإشعال انتفاضة إسلامية ببغداد، لتصبح الحرب وسيلةً، تحت شعار «تحرير القدس عبر كربلاء». بعدها قامت علاقات جيدة مع العراق، حتى جاءت البشارة بما لا تنتظر، أن تغزو أميركا العراقَ، وتدفع إيران بما لديها مِن جماعات، ولما حدث مؤخراً خلل في المعادلة حضر قاسم سليماني للاطمئنان على ما ستسفر عنه انتخابات (2018)، بعد أن أظهرت النتائج خفة كفة الجناح الإيراني، المتمثل بـ«الفتح المبين» و«دولة القانون»، مقابل العراقي المتمثل بـ«سائرون» و«النصر».
سيجري الضغط على القوائم الكردية، فالاتحاد الديمقراطي الكردستاني (السليمانية) يُعد حليفاً لإيران، ضمن صلات تعود إلى الحرب الكردية الكردية (1995-1998)، ولموقف إيران المساند للاتحاد ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني (أربيل)، اضطر الأخير إلى الاستنجاد ببغداد. تقديراً لهذا الدور فُتحت حسينية داخل السليمانية (حسينية الحكيم) بل أخذ «المجلس الأعلى»، الذي تأسس بإيران، وجناحه العسكري «بدر» يُعد ضمن تشكيلات الحرس الثوري، فرصته في الكسب المذهبي، مما جعل جماعات الإسلام السياسي الكردية تعترض، وحصل ذلك تحت مسؤولية فرع المجلس بكردستان من قِبل أحد العلمانيين الذي تحول إلى إسلامي، ومثل هؤلاء يهمهم إثبات الولاء الجديد. سمعت بحيثيات ذلك الكسب من إسلامي ينتمي إلى «الجماعة الإسلامية».
لو عدنا إلى الوراء لم نجد إيران حريصةً على إسقاط النظام السابق، وتحديداً بعد وقف الحرب، ووفاة الخميني (1989)، بل تحسنت العلاقات بسرعة مذهلة بعد غزو الكويت (1990). حتى أن أحد قياديي «الدعوة الإسلامية»، وهو إيراني الأصل والجنسية والإقامة، أصدر بياناً ضد الإعداد لغزو العراق، بالتزامن مع مؤتمر لندن (12/2002)، إلا أنه بعد السلطة تبوأ منصب وزير التعليم العالي.
تعلم إيران أن عدواً معروفاً أنهكته الحروب وشله الحصار، أفضل من جيش أميركي وربما نظام غير مضمون الولاء على حدودها. فلم يكن بالبال أن تقطف الثمرة، بعد تفعيل ما عُرف بالمقاومة بإدخال المسلحين عبر سوريا، وإشعال الحرب الكارثية بالنجف (2004)، للإسراع بخروج الأميركان، وكان يديرها أحد أقطابها، المطلوب بتهمة الإرهاب، والذي عاد ليكون نائباً ضمن «دولة القانون»، بعد الانسحاب الأميركي (2011).
نظام ولاية الفقيه لا يهمه العراق ولا المعارضة، وهي سلطة اليوم، إنما الأهم بقاء هذا البلد مُصرّفاً لأزماته، مقدراته السياسية والاقتصادية رهن إشارته، يُحارب بشبابه شرقاً وغرباً. لهذه الغاية حضر سليماني! فما لم تحققه إيران بحشود تصدير الثورة وبالحرب، عادت لتحققه عبر مَن كادت تبيعهم مقابل «مجاهدي خلق». مصلحة السياسة والأيديولوجيا ليست أواصر مذهبية ولا دينية، ففي لحظة يصبح وفقها العدو صديقاً والصديق عدواً. يعبر نصر بن أحمد الخبزأرزي (ت 330هـ) عن الحال: «طباعك فالزمها وخل التكلفا/ فإن الذي غطيته قد تكشفا/ فلم نتقاضى ما تعاودت مرةً/ إذا كنتَ خواناً فلم تدعِ الوفا» (ديوان الخبزأرزي). بعد التجارب مع الولاءات المدمرة ليكن العِراق أولاً وأخيراً!
4 عودة العراق ضرورة عربية محمد الصوافي البيان الاماراتية

بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت 12 مايو الجاري وتقدم المرشحين المنتقدين للتدخلات الإيرانية في القرار العراقي، بدأ حديث المراقبين عن أنها عملية تمهيد لعودة العراق الكاملة إلى الشعب العراقي بكل أطيافه وإلى إقليمه العربي، الأمر الذي من شأنه إذا تحقق أن يحدث تحولات وطنية وجيواستراتيجية كبيرة في العراق والمنطقة.
علينا الاعتراف بأن العراق (أحد أضلاع النظام العربي قبل 2003) يعاني «التشوه» في الداخل بسبب الفساد السياسي لقادته، نتيجة لوجودهم على رأس الهرم السياسي، وهم يخدمون الملفات الإقليمية، ويعاني، أيضاً، تشوهاً في إقليمه العربي نتيجة للشرخ الذي أحدثته سياسات قام بها نظام صدام حسين أدت إلى إحداث شرخ في مفهوم الأمن القومي العربي، خاصة بعد غزو الكويت، وفي الحالتين أحدث الأمر فراغاً سياسياً استغلته إيران سواء في التدخل في الشأن العراقي أو في تعميق التشويه مع العرب من خلال تعزيز الطائفية على الوطنية العراقية والعروبية.
قد يكون من المبكر الحكم على عودة العراق عربياً بعد الانتخابات البرلمانية، ولكن المؤشرات تقول إن هناك رغبة عراقية ممثلة في فشل كل المرشحين الذين لم يوضحوا موقفهم من التدخلات الخارجية في القرار السياسي العراقي مثل: نوري المالكي وهادي العامري وحتى حيدر العبادي (الذي لم يعلن خروجه من حزب الدعوة المدعوم من إيران حتى الآن) نفسه الذي جاء ثالثاً بعد كتلة «سائرون» التي حصلت على 54 مقعداً، وبعد «تحالف الفتح» بقيادة العامري الذي حصل على 47 مقعداً، ولكن الشعب العراقي يسعى لفك ارتباط بلاده بالاستراتيجية الإيرانية من خلال نتائج الانتخابات، وهذه ليست فقط رغبة عراقية، ولكنها رغبة عربية، بل ودولية أيضاً.
بلا شك فإن عودة العراق إلى لعب دوره الإقليمي مرهون باستقرار الأوضاع الداخلية والنهوض الاقتصادي والتنموي، وتخليه عما يقسم الوحدة العراقية، وخاصة «النفس الطائفي» العالي. لكن للأسف حتى الآن لا تبدو الصورة الداخلية بذلك الوضوح، حيث لن يكون تشكيل الحكومة بتلك السهولة، وخاصة أن فشل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في تكوين جبهة موالية لإيران في العراق لا يعني انتهاء الدور الإيراني، حيث لن يستسلم بسهولة، بل سيعمل على التخريب.
إذا نجح قادة العراق الحاليون في تحقيق رغبة الشعب المتمثلة في عودة الهوية الوطنية العراقية بعيداً عن التقسيمات الطائفية والعرقية فإن إمكانية انتعاش آمال العرب في استعادة حضوره الإقليمي يطمئن العرب بكبح تدخل الآخرين في الشأن العربي من أي باب، بعدما كثرت خلال الفترة من 2003 إلى اليوم التحالفات المصلحية إقليمياً ودولياً ضد العرب خلال هذه الفترة، الأمر الذي أحدث خللاً.
إحدى نتائج هذه الانتخابات «المنتظرة» وهي ما زالت حتى الآن في «وضع الضبابية» هي عودة الروح العربية إلى العراق التي شوهتها ممارسات الفكر الفارسي. وقد عملت دول مجلس التعاون الخليجي منذ العام الماضي على مساعدة القوى السياسية العراقية ذات النفس العروبي وعلى رأسهم مقتدى الصدر الذي استقبلته كل من دولة الإمارات والسعودية من أجل عودة العراق إلى محيطه الطبيعي، فهذه النتيجة لن تكون مرحبا بها من جانب القوى الإقليمية الأخرى، ليس لأن العراق سيستعيد دوره ولكن لأنه يرجح كفة العرب في الملفات الإقليمية الحالية وبالتالي يفتح الباب لدور عربي في «حلحلة» القضايا العربية المفتوحة.
لهذا فإن رهان العراقيين قائم على تعزيز الانفتاح العربي، وخاصة الخليجي، على القوى السياسية العراقية في تشكيل حكومة وطنية، فالكل يدافع عن مصالحه هناك، سواء الولايات المتحدة أو تركيا أو إيران؛ لأن عودة العراق واستقراره هما الضمان الحقيقي لاستقرار المنطقة، وكذلك هما السبيل لكبح مغامرات النظام الإيراني السياسية، فالعراق معروف أنه «صمام الأمان» جغرافياً وتاريخياً للعرب من الأطماع الفارسية.
أختم بنقطتين حول نتائج هذه الانتخابات، النقطة الأولى: أن حصة رفض التدخل الإيراني في الشأن العراقي تعززت، وبدا واضحاً أن الرغبة في عودة الروح الوطنية والعربية للدولة العراقية هي خيار الشعب العراقي. أما النقطة الثانية: فإنه لحين اتضاح الصورة الكاملة لمستقبل العراق (تشكيل الحكومة خلال تسعين يوماً) سيمر العراق بمخاض سياسي عسير، لذا لا ينبغي أن يبقى الخليجيون مجرد مراقبين فقط لما يحدث هناك في سباق تنافس القوى السياسية الفائزة في تشكيل الحكومة الجديدة.
5 هل يخرج الصدر العراق من مستنقع الطائفية؟ ثاناسيس كامبانيس البيان الاماراتية

قد تبدو الانتخابات البرلمانية العراقية، التي أجريت مؤخراً، مماثلة للانتخابات السابقة، لأن معظم المرشحين والحركات البارزة سيطرت على الحياة السياسية للبلاد منذ أن أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين عام 2003. لكن رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، البالغ من العمر 44 عاماً، يقود تحولًا مشجعاً، يمكن أن يدفع السياسيين العراقيين للخروج من شرنقتهم الطائفية.
وقد عزز الصدر وضعه من خلال قيادة المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، ومكافحة الحكومة السابقة في بغداد، برئاسة نوري المالكي، التي كانت متحالفة بقوة مع الولايات المتحدة. لقد تحدّى الصدر بعناد التدخل الأجنبي، ما أثار غضب إيران والولايات المتحدة، وقام بتطهير العناصر الفاسدة من حركته.
في صيف عام 2015، أصبح الصدر من الوجوه التاريخية، واتحد مع الحزب الشيوعي العراقي، وجماعات المجتمع المدني العلمانية، التي كانت تحتج على فشل الحكومة في توفير الأمن للعراقيين من هجمات داعش الإرهابية، أو حتى توفير المتطلبات الأساسية للحياة، بما في ذلك الوظائف والكهرباء. وقد شدد التحالف الجديد على مطالبه بإنهاء الفساد.
ويتصدر العراق بانتظام، التصنيفات العالمية للفساد، ويعاني من بطالة متوطنة، تعاني منها نسبة عالية من الشباب بشكل خاص. وعندما كانت أسعار النفط مرتفعة، وصل الفساد إلى نطاق ضخم، لكن العراقيين لم يستفيدوا أي شيء في بنيتهم التحتية أو الوظائف أو الخدمات. حتى الأمن الذي يعتبر حيوياً، لم يكن متوفراً، وقد كشف ذلك عدم جاهزية الجيش العراقي في وقف اكتساح داعش للموصل ومحافظة الأنبار، ووصوله إلى بوابات بغداد.
لقد أبقى الفساد، الفقراء العراقيين تحت رحمة داعش، ولهذا السبب، رفع الصدر شعر «الفساد هو الإرهاب»، وكان لهذا الشعار صدى واسع لدى كثير من العراقيين، الذين تعرضوا للإحباط الشديد من عقد من الفشل، من قبل الحكومات المتعاقبة في بغداد. واحتضن الصدر جماعات المجتمع المدني، وتبنى جدول أعمالهم المطالب بحقوقهم المدنية، وتوفير حوكمة أفضل، والتوزيع العادل للموارد.
من النتائج المهمة لانضمام الصدر إلى التحالف غير الطائفي، إيجاد سلالة جديدة من التعددية والتسامح. ويتجلى ذلك في كيفية تمكن العراقيين من استعادة الأماكن العامة دون خوف، بغض النظر عن الهويات الطبقية والطائفية والأجناس. وقد شجع ذلك على خروج تظاهرات عارمة ضد الفساد بقيادة الصدر.
لقد أعاد السيد الصدر ابتكار نفسه مرات لا تحصى، في مسيرة سياسية متقلبة، ويمكن أن يكون حليفاً معتدلاً. ولا يعني تقديره للحلفاء العلمانيين الجدد، مصادقته على المبادئ الليبرالية أو الآراء التقدمية.
لكن الصدر كان يتمتع بالمشاعر القومية على الدوام، وتبنى لغة توحيد العراقيين الوطنيين، بغض النظر عن الطائفة أو العرق. وتثير حملته الحالية من أجل حكومة مدنية معادية للطائفية والإصلاحية، الآمال والإمكانات التي لم تختبر في التاريخ العراقي الحديث. فالصدر يغير شروط النقاش السياسي.
ويقول مساعدوه السياسيون، إنهم يريدون قيادة الحكومة العراقية، أو يعملون كمعارضة برلمانية ساهرة على مصالح البلاد. ومنذ عام 2003، اختار كل فصيل فائز في الانتخابات، الانضمام إلى حكومة ائتلافية واسعة، واستخراج حصته من الغنائم من القطاع العام.
ويظهر الصدر أن الحركة السياسية المعروفة بفساد مليشياتها، يمكن أن تصبح أيضاً في عملية التغيير والبناء، وأن تسهم أيضاً في حمل لواء الإصلاح السياسي بصورة ثانوية أو جذرية.
تحالف الصدر الإصلاحي، يمكن أن يمنح الثقافة السياسية في العراق الهزة التي تفتقر إليها بشدة.
6 رفع المصاحف في العراق خالد حسين الشطي جريدة الجريدة لكويتية

لن يبرر نزيهٌ الفساد، ولن يلتمس شريفٌ لمرتشٍ أو مختلسٍ أو سارقٍ الأعذارَ، كما لن يبعث عاقلٌ اليأس في النفوس من الإصلاح، ولن يزرع حريصٌ على وطنه وملتزمٌ بدينه القنوطَ في المناضلين الذين يكافحون هؤلاء، ولن يرغِّبهم يوماً في التراجع، أو يساهم في دفعهم للاستسلام.
إنما النداء هنا يتوجه إلى ضرورة التنبُّه ووجوب عدم الغفلة من حقيقة شعارات إدانة الفساد ومكافحته، ولزوم تحرِّي الوعي والبصيرة في تلقيها والانفعال معها، وأهمية الكياسة والفطنة التي يتحصن بها المرء، فلا تهجم عليه اللوابس، ولا تصطلمه البلايا وتستغفله كلمات حق يراد بها باطل.
منذ أن ضُرب أمير المؤمنين في مثل هذا الشهر الفضيل في محرابه، ضُربت العدالة وطُوي الزهد وقوِّضت النزاهة (ولا يسعني الرجوع بالتاريخ وراء ذلك، إلى لحظة وفاة النبي الأعظم)! وما زال حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث، وكل متاع الحياة الدنيا وما زُيِّن للناس وحُبِّب إليهم… هو الغالب والحاكم، وسيبقى الأمر على هذه الحال، حتى يقوم العدل الإلهي المعصوم. ستبقى البشرية مُعرِضة عن «حُسن المآب» حتى قيام الساعة أو تقوم القيامة الصغرى. لن يُخرِج أحدٌ هذه الشهوات من القلوب، ولن ينتزعها من النفوس، ولن تغلب دولةٌ الشيطانَ وتقهر إبليس وتقضي عليه قضاءً مبرماً. لاحظت الحملة الشديدة الجارفة التي استهدفت السياسيين العراقيين (قاطبة) قبل الانتخابات النيابية، في هذا البلد الشقيق، وهي تهوي عليهم بسياط إدانة الفساد، وتتلاحق بعِصيِّ تقريع خيانة الأمانة، وقد تتبعت بعض الخيوط ولاحقت أغلب المصادر التي تقف وراء هذه الحملة، فوجدتها (كلها) تنتهي إلى طائفتين: البعثيين، والتكفيريين (من حليقي الذقون)!… ومن غريب معالم الحملة أنها كانت تقرَن بمقولات الترحُّم على العهد البائد، و»صدام أرحم منكم». لم ينطل الأمر عليَّ بطبيعة الحال، ولا أظنه انطلى على أي عامل في الساحة السياسية، عارف بأدواتها، مطِّلع على أساليبها. وقد تلقيتها منذ البداية بحذر وريبة، ورحت أتحرى مصادرها، لأكتشف مقاصدها، وقد فعلت، وها هي النتائج تثبت صحة ما إليه ذهبت. كلمات حق، تضع يدها على جراح غائرة تكوي كل كبد، وتتلمَّس نزفاً يرهق كل أجزاء الوطن وأعضائه، ويتهدد كيانه بالسقوط ونظامه بالزوال، وإدانات تطال فاسدين ولا شك، ومطالب محقَّة لا يمكن أن يتنكر لها أحد. ولكن تعالوا لنقرأ الحملة من خلال نتائجها، وننظر إليها من واقع حصادها! ولا سيما أن كل شيء قد هدأ الآن، وألقت الحملة عصاها واستقر بها النوى! وكأن الفاسدين أودعوا السجون، والمرتشين صاروا يلاحقون، والأموال المنهوبة عادت لخزينة الدولة! والحال أن الطبقة السياسية نفسها عادت إلى البرلمان، والمتهمون الذين كانت الحملة تتوجه إليهم، عادوا منتخبين من جديد… كل ما هناك تدوير زوايا وتغيير مواقع لحقيقة واحدة. بانتظار دورة جديدة للعبة الكراسي، تعود معها الموسيقى لتعزف والطبل ليقرع، فيُستبعَد جديد تأخَّر في الجلوس، لفرط انفعاله مع المعزوفة وسرعة جريه واندماجه في اللعبة! سمعت أحدهم يعبِّر عن النتائج ويصف المشهد السياسي الجديد قائلاً: «كلهم حرامية، سقط الدهاة، ونجح الخبول، وكلهم دعاة»! (مع تحفظي على التعميم بطبيعة الحال).
كل ما يعنيني هنا ويهمني، أننا في الكويت نعيش مع معارضتنا الرخيصة حالة شبيهة، ارتزاق ووصولية واستئكال، تنطُّع بشعارات وتشدُّق بكلمات حق… لا تلبث أن تنهار أمام أول اختبار طائفي، وتسقط أمام أول جدار قبلي، وتتهاوى وتنعدم أمام مصلحة الرب المدبر والسيد المتحكم، والشاوي الذي يسوق هذا القطيع!

لذا علينا أن نعي الشعارات ونتبصَّر بالنداءات و»كلمات الحق» التي يتشدق بها بعضهم، ولا نغفل عن مصادر النداء، وخلفية حناجر الهتاف، والمحبرة التي تملأ أقلام الكتَّاب، ولا سيما أنهم جميعاً من المرتكسين في الفساد حتى الأذقان، بل غارقون ومطمورون فيه، ومتشرِّبون به حتى النخاع.
7 لعبة المكونات مشرق عباس الحياة السعودية

يرد مصطلح «حقوق المكونات» بإفراط في الفترات التي تسبق تشكيل الحكومات العراقية، فالمكون يصبح مقدساً، ويغدو على حافة الانهيار… ربما الإبادة، أو الحرب الأهلية، وثمة منقذون هم قيادات الأحزاب وممثلوها الذين نجحوا في الانتخابات بطريقة أو أخرى، يسحبون بعزيمة حبلاً عملاقاً لإنقاذ مكوناتهم من حافة الهاوية.
يبكي زعماء المكونات على شاشات التلفزيون يومياً في فترة «الطلق الحكومي»، ويستحضرون كل إمكاناتهم التمثيلية المجربة، لإقناع الناس بأن حصولهم على وزارة المال أو الداخلية أو النفط سيعد فارقاً في حياة السنة والشيعة والكرد، من دون أن يقدموا ولو دليلاً واحداً على نجاح وزارة ما تسلمها ممثل مكون ما في خدمة أبناء ذلك المكون، مع أن دورها من المفترض أن يكرس لخدمة الشعب العراقي من دون تمييز بين مكوناته.
إنها لعبة تتم إعادة إنتاجها في كل موسم، وكل مرة تستخدم مؤثرات صورية وصوتية جديدة، ومجموعة جديدة من «المشخصاتية» لكن جوهر الحكاية واحد في الملل الذي يثيره، والتجهيل الذي يحاول نشره.
بعد الانتخابات الأخيرة، وجد أبطال فترة المخاض الحكومي التقليديون أنفسهم أمام متغير جديد، فالمزاج الشعبي لم يعد يأبه بالمسلسلات المكوناتية المكرورة، حتى انه قاطعها في الانتخابات، وليس مستبعداً أن مشاعر الرفض التي عبرت عن نفسها مراراً، قد تنتهي بتحطيم الشاشة بمن فيها.
لم يصوت سكان المدن العراقية المختلفة لحيدر العبادي الشيعي وخالد العبيدي السني، ليكون بإمكانهما التعامل بالتحالفات الانتخابية على أساس إعادة إحياء «التحالف الوطني» الميت سريرياً ودفع الآخرين الى إحياء تحالفاتهم الميتة أيضاً، ولم يضع السكان في العراق ثقتهم في مقتدى الصدر ليذهب الى التخلي عن تعهداته بإنتاج حكومة كفاءات مهنية وقوية ويسلم المناصب الحكومية لمن لا يستحقها، بل إن أحداً لم يصوت لهادي العامري وقيس الخزعلي ونوري المالكي لدعمهم في دفع وزراء فاشلين الى وزارات يمولون من خلالها أحزابهم، ولم يفعلوا مع علاوي والخنجر والنجيفي وتجارب وزاراتهم وهيئاتهم المخجلة، وبالتأكيد لم يعد كرد العراق يسمعون الأغنية التي نشز إيقاعها عن الوزارات التي تقاسمتها الأحزاب لسنوات ولم تنجح في وضع مرتب كامل في جيوب الموظفين.
يدرك الجميع هذه الحقائق المجردة عن مزاج محيطهم، ولكن معظمهم ما زال يعول على أن ذاكرة الشعوب قصيرة، وأن «اللطم» على المظلومية، و «نقر الدف» على أبرياء السجون، ورصف طوابير الاستفتاءات من أجل الحقوق التاريخية، يمكنها أن تستعيد طاولة المفاوضات التقليدية حيث تسمح مجموعة أشخاص قاد بهم قانون انتخابات مفصل ومضلل، وعمليات تزوير مخزية، تعوم كراسيهم على دماء العراقيين الغزيرة المهدورة على أعتاب عملية سياسية معاقة، ليتحدثوا باسم مكوناتهم مرة أخرى.
يمكنهم أن يفعلوا ذلك فعلاً، يمكنهم أن يستمعوا الى قاسم سليماني يحدثهم عن أحلام الإمبراطورية الإيرانية التي لم تتمكن من حماية عملتها من الانهيار وعينها على فائض سعر النفط العراقي، ويمكنهم أن يتشبثوا بظل ماكورغ، ذلك الذي فعل كل ما بوسعه لإدامة المحاصصة، ويخطط كما معظم الدبلوماسيين الأميركيين المقاعدين الذين عملوا في العراق الى افتتاح شركات نفط أو مكاتب علاقات عامة أو معاهد دراسات، ليستحصلوا ثمن الخراب الذي ساعدوا على إنتاجه ونشره في أرض الرافدين.
يمكن أن يفعلوا ذلك حقاً، والأمر سهل، وقد لا يتطلب أحياناً سوى افتعال أزمة طائفية أو قومية هنا أو هناك، تعيد العراقيين المندفعين بخيالهم عن بناء دولة المواطنة، الى أحضان طوائفهم نادمين، فالعراق ليس إلا داراً مات صاحبها، وعليهم في كل انتخابات عقد جلسة «قسام شرعي» لتوزيع تركته.
الأمر… ليس كذلك هذه المرة، على الأقل لمن يؤمن من المتأملين في صفحات التاريخ، بأن أرض العراق وحدوده ومزاج سكانه المستنفر وروابط التعايش الممتدة لم تكن مجرد مصادفات، وأن أجيالاً تولد وتنمو على هذه الأرض برؤية جديدة لا تنتمي الى روح المسلسلات العاطفية المخدرة، لكنها أجيال غاضبة أيضاً كأسلافها، وغضبها ليس بسبب التاريخ، بل بحثاً عن المستقبل.