تذمر شيعي يسبق الانتخابات العراقية د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

العراقيون كانوا صامتين على ممارسات الحكومات المتعاقبة لأنهم لم يتعودوا الحصول على حقوقهم بدفعات، وإنما يحصلون عليها مرة واحدة.
توجيه من المرجعية الشيعية بعدم إعادة انتخاب الفاسدين
أعترف بداية، أني لست في وارد الدفاع عن نظام صدام حسين، فهو لم يكن نظاما ملائكيا كما أنه نظام شابته العديد من الأخطاء، ولم يكن ديمقراطيا بل كان الرأي فيه لحزب واحد، لكن الفضيلة التي اكتشفها العراقيون لذلك النظام أنه لم يكن طائفيا، كما اكتشفوا أن أخطاء ذلك النظام كانت من طبيعة الأشياء فمن لا يعمل لا يخطئ، أما الذين جاؤوا بعده فقد ارتكبوا خطايا.
وسأعترف ولأول مرة، أن الحكومات التي أعقبت نظام صدام، لو عملت ما عمله وأحسن لكان التأييد الشعبي لها كاسحا ولغض الشعب النظر عن حقيقة أن تلك الحكومات جاء بها احتلال أجنبي، ولربما كنا سنشهد مفارقة كبرى هي تأييد البعثيين أنفسهم لهذه الحكومات الاحتلالية.

ولكن يبدو أن كل ما جرى، بعد سقوط نظام صدام، سار لصالح ذلك النظام نفسه، وكل تصرفات من جاء بعده استدعت إلى أذهان العراقيين المقارنة بين نظام كان يوفر الأمن وحكومات تسهم في خلق الفوضى، وبين نظام كان يقدم الخدمات والغذاء حتى وهو محاصر، وبين نظام انفتحت أمامه الأبواب وتوفرت له عشرات المليارات من الدولارات، فاختفت المليارات وغابت معها الخدمات والحصة التموينية، وبين نظام كان يفرض الإعدام والسجن عقوبة للفاسدين، وبين حكومات تكرم الفاسدين، بين نظام خاض حروبا ضد أخطار حقيقية كانت تتهدد الوطن والمواطن، وبين حكومات اصطنعت حروبا لتبيد أبناء طائفة أخرى. وفرق كبير بين أن تفرض على حياة الناس آراء حزب علماني له مشروع واضح، وبين آراء حكومات تفرض رأي طائفة واحدة وممارساتها.
حركة التذمر الشعبية رفعت شعارا واضحا أخذت تشهره في وجوه شخوص العملية السياسية، هو “شلع قلع كلكم حرامية”
وإذا سمينا الأشياء بمسمياتها التي فرضت بعد الغزو الأميركي للعراق، فإن النظام المحاصصاتي قد أعطى للساسة الشيعة هيمنة واضحة على الأمور، أو دكتاتورية ضمن الجسم الديمقراطي المفروض، على مكونات الشعب الأخرى، وقلنا الساسة الشيعة، لأن الشيعة أنفسهم اكتشفوا أنهم تعرضوا إلى خدعة على يد من كان ينادي بمظلوميتهم المدعاة وأن الظلم الذي أحاق بهم هو نفسه الظلم المحيق بجميع أبناء العراق، فقد أهدرت ثروات البلد وتوقفت صناعاته وخربت زراعته وضاعت سيادته لصالح إيران التي لا تريد جارا قويا، بل تريد سوقا لمنتجاتها الرديئة يمهد الطريق أمام الحكام الجدد.
وهذا ما يفسر حالة التذمر الواسعة في العراق الآن، وحدّتها في المدن والمحافظات الشيعية وجرأتها على العمامة الشيعية بعد أن كانت تنظر إليها بكثير من التقديس، من دون أن تستطيع حكومة حيدر العبادي السيطرة عليها، بعد أن احترقت بيدها الورقة الطائفية وأصبحت اللعبة مفضوحة.
سنون طويلة والعراقيون صامتون مع فقدهم للأمان وزيادة وتيرة الاغتيالات والتفجيرات واستحواذ الأحزاب على الوظائف الحكومية واقتصار العمل فيها على أعضائها ومؤيديها، حتى وصف كثيرون العراقيين بأنهم شعب سلبي لا يثور على واقع وضعهم فيه الاحتلال والحكومات، التي نصبت بإشارة منه وتدبير.
إن هناك مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات التي ستجرى في 12 من هذا الشهر، يرافقها توجيه من المرجعية الشيعية بعدم إعادة انتخاب الفاسدين، في مقابل ذلك رفعت حركة التذمر الشعبية شعارا واضحا أخذت تشهره في وجوه شخوص العملية السياسية، هو “شلع قلع كلكم حرامية”، والمتوقع أن نتائج الانتخابات إذا جاءت على خلاف رغبة العراقيين فإن اعتصامات وتظاهرات ستعم العراق من شماله إلى جنوبه ضد العملية السياسية برمتها.
العراقيون تعلموا سلوك الطريق السلمية لتحقيق التغيير، وأثبتوا بتذمرهم الواسع أنهم شعب حي، وأنهم إنما كانوا صامتين على ممارسات الحكومات المتعاقبة لأنهم لم يتعودوا الحصول على حقوقهم بدفعات، وإنما يحصلون عليها مرة واحدة.