1 اضرب ولا تهرب… في انتخابات العراق عدنان حسين الشرق الاوسط السعودية
هي معركة حامية الوطيس، لكنّ أطرافها ليسوا في حاجة لأن يضربوا ويهربوا على وفق قواعد الحرب التقليدية… هنا أيضاً يوجد ضرب، بيد أن الضارب ليس عليه أن يهرب… عليه أن يلزم مكانه دون حراك يتجاوز أصابع يديه. الذي كان يضرب ويهرب في الحروب التقليدية إنّما كان معروفاً، معلوم الاسم والرسم، يهاجم بوجه مكشوف وينسحب إلى مكان غير خافٍ على الخصم… أمّا في هذه المعركة فالضارب يلوذ بمكمن موجود وغير موجود، وهو جيش إلكتروني يدير معركته في الفضاء الافتراضي، قوامه محرّرون صحافيون وكتّاب وفنّيو صوت وصورة وغرافيك مرتزقة، تُحسَب أجورهم في الغالب على عدد «اللايكات» و«الشيرات» التي تحوزها «منتجاتهم».
ما مِنْ حملة دعائية شهدها العراق منذ 2005 استعداداً لانتخابات عامة أو محلية تماثل الحملة الحالية المتميّزة بأن «الضرب تحت الحزام» أصبح فيها سافراً للغاية، فالجيوش الإلكترونية تعمل ليل نهار في عمليات تسقيط اجتماعي وسياسي لمرشحي القوائم المتنافسة، مع التركيز على النساء المرشّحات بشكل خاص، فالهدف يتجاوز التسقيط السياسي إلى إشاعة جو يُرغم المرشّحات على الانسحاب لتخلو الساحة للرجال.
على مدى الأسابيع الماضية، بُثّت عبر المواقع الإلكترونية، وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، أخبار مضللة وكاذبة تماماً، وتقارير مشوّهة وصور مُتلاعب بها ومقاطع فيديو مُحرّفة، بينها مقاطع تُظهر
مرشحات إناثاً في أوضاع جنسية مع أناس أغراب.
صحيح أن هذه «المنتجات» كان لها تأثير عاصف في البداية، لكنّها ما لبثت أن أثارت السخط على الواقفين وراء الحملة المُبتذلة، وهم بحسب السائد القوى السياسية المتنفّذة التي وحدها تملك الكثير من المال لكي تنفقه ببذخ على الدعاية السوداء من هذا النوع. هذا السخط انتقل من الأوساط الشعبية إلى بعض الدوائر الدينية، وبخاصة المرجعية الشيعية العليا في النجف، التي كرّست خطبة الجمعة الثالث عشر من الشهر الحالي للدعوة إلى الحفاظ على المنظومة الأخلاقية للمجتمع العراقي. ممثل المرجعية في كربلاء أحمد الصافي تحدّث في خطبته التي زاد عدد كلماتها على الألف عمّا سماها «مجموعة من التصرّفات بدأت تدبّ في المجتمع دبيباً في بعض الحالات يكون بطيئاً ونفاجأ بأنها أصبحت حالة اجتماعية»، وأشار إلى تفشّي ظاهرة الرشوة والسرقة من المال العام والتجاوز على الأعراض».
وعدا عن المرجعية الشيعية العليا، استثارت هذه الحملة المتدنية بعثة الأمم المتحدة (يونامي) التي تعمل إلى جانب مفوضية الانتخابات في سبيل استمرار العملية الديمقراطية وتطويرها في البلاد. الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش ندّد في بيان بحملات التشهير، وقال إن «على الأحزاب السياسية وكل أطياف المجتمع العراقي الوقوف ضد هذه الأعمال المُبتذلة (التشهير والتسقيط) التي لا تؤدي إلا إلى تقويض العملية الديمقراطية». سفارة الولايات المتحدة في بغداد هي الأخرى أعربت عن القلق حيال «المضايقات والتشهير وتشويه السمعة ضدّ المُرشَحين»، ورأت أن الهجمات وحملات التشويه ضد النساء «مخيّبة للآمال وتستوجب الشجب»، وحضّت على التحقيق في الانتهاكات التي «تهدّد نزاهة العملية الانتخابية».
يوم الخميس الماضي نقل موقع القناة الروسية «RT» عن مسؤول في مفوضية الانتخابات التأكيد بأن حجم إنفاق الأحزاب على الحسابات الإلكترونية وعمليات المونتاج بلغ أكثر من ربع مليون دولار شهرياً، وأن «الأحزاب الإسلامية تصدّرت المتورطين في ذلك»، وقال: «هناك استعانة بشركات فيديو وبرمجة عالمية لصناعة الصور أو أفلام الفيديو ضدّ شخصيات مختلفة ومحاولة استئجار ساعة أو اثنتين من بثّ قنوات محلية وعربية وقعت في الفخ».
الحملة الدعائية المتدنّية هذه تعكس التردّي المريع للممارسة السياسية بعد خمس عشرة سنة من قيام العهد الجديد في العراق، وهذا راجع إلى الصراع الضاري على السلطة والنفوذ والمال فيما بين القوى السياسية المتحكّمة بالعملية السياسية، وهي من قوى الإسلام السياسي في الغالب.
هذه القوى باتت تواجه الآن مأزقاً حقيقياً، فالعراقيون الذين اعتقدوا بعد سقوط نظام صدام حسين أن الإسلاميين «التُقاة» و«الورعين» سينتشلونهم ممّا كانوا فيه من أوضاع حياتية صعبة وتخلّف شامل ناجم عن حقبة الديكتاتورية وحروبها، وجدوا الآن أن أحوالهم لم تتحسّن، بل ساءت، رغم تدفّق موارد مالية هائلة على العراق في العهد الجديد (أكثر من 800 مليار دولار).
الرأي العام العراقي استهجن بشدّة هذا النوع من الدعاية السوداء، وتساءل كثير من الناس عن سرّ اهتمام القوى المتنفّذة الواقفة وراء هذه الحملات بالتصرّفات الشائنة المزعومة لبعض المرشّحات فيما هي تصمت تماماً حيال قضايا الفساد الإداري والمالي الفاقعة التي لا تهتّم الجيوش الإلكترونية بفضحها. وقد صرّح النائب السابق والمرشح في الانتخابات الوشيكة فتاح الشيخ منذ أيام بأن القضاء العراقي لم ينجح في حسم 13 ألف قضية فساد، مشيراً إلى أن الكثير منها «تورط فيها عدد غير قليل من المسؤولين العراقيين الذين جاءوا إلى دفة الحكم من خلال الكتل السياسية التي تعاقبت على حكم العراق في ثلاث دورات متتالية».
فضلاً عن السعي لتسقيط المنافسين وعرقلة وصولهم إلى البرلمان، فإن هذه الحملات هي في الواقع عملية لخلط الأوراق قبل حلول موعد الانتخابات وللتغطية على الفشل الذريع الذي حقّقته الأحزاب المتنفّذة (الإسلامية) في إدارة الدولة والمجتمع على مدى السنين الخمس عشرة الماضية. هذه القوى تسمع بآذانها وترى بأعينها التساؤلات الملحّة من عموم الناس عمّا فعلته هذه القوى، فثمة حملة قوية لعدم التصويت لصالح القوى المتنفذة وزعمائها تحت شعار «المُجرّب لا يُجرّب» الذي أطلقته المرجعية الشيعية، بل إن البعض دعا لمقاطعة الانتخابات بذريعة أن العملية الانتخابية الوشيكة لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الطبقة المتنفّذة الفاسدة نفسها. الأرجح أن نتائج انتخابات الشهر المقبل ستُظهِر أن حملة الدعاية المُبتذلة هذه، المكلّفة ملايين الدولارات، لم تكن مُجدية مثل العملية السياسية القائمة منذ خمس عشرة سنة.
2 انتخابات عراقية مضمونة النتائج زياد الشيخلي الحياة السعودية
يتردد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام، أن قطاعات كبيرة من الشعب العراقي تنوي العزوف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وذلك للأسباب المعروفة للعالم أجمع وليس العراق فقط. بينما يدعو الرأي الآخر إلى المشاركة في الانتخابات بكثافة هذه المرة تحديداً، سعياً للتغيير وطرد الفاسدين من العملية السياسية. وفق وصفه.
ولا شك في أن نتائج الانتخابات معروفة سلفاً وستبقي على موازين القوى نفسها، مع بعض تغييرات خجولة جداً، كي يتبجح بها قادة الكتل والأحزاب السياسية بأكذوبة إشراك وجوه شبابية جديدة في العملية السياسية.
وفي الواقع يشهد العراق اليوم حالة من كوميديا الانتخابات صاخبة أكثر من سابقتها، بسبب ضخامة عدد المرشحين من النساء والرجال والشباب. أما بالنسبة إلى القنوات الفضائية والمملوكة لبعض السياسيين البرلمانيين والشخصيات المتنفذة في الحكومة العراقية، فهذه لها قصة بائسة أخرى، إذ يتم الترويج لأصحاب هذه القنوات التي بات الإعلاميون فيها أيقونة الدعوة للزحف إلى المشاركة في معركة الصناديق الانتخابية، إلى درجة أن بعضهم يناشد الشعب متوسلاً وبكل صراحة ومن دون أي حياء انتخاب المرشح (فلان ابن فلان) صاحب القناة!
قد يرى بعضهم في كلامي هذا يأساً، مع أننا في عراق ما بعد 2003 نعيش حالة من التدهور في كل مجالات الحياة: انقسام مجتمعي، وانهيار اقتصادي وعملية سياسية عرجاء. لذا فان كلمة «يأس» قليلة جداً للتعبير عن واقعنا المشوه.
لكن في النهاية إذا لم يتبق لنا سوى المشاركة في انتخابات 2018، فربما نجد بصيص أمل في التغيير، لأن العراق، كدولة وشعب، لم يأخذ من كل العملية السياسية وانتخاباتها السابقة سوى الانحطاط، حتى أصبحنا في مصاف الدول الأولى فساداً في العالم.
فمتى يبقى الشعب العراقي يدفع ثمن أخطاء لم يرتكبها؟
3 حروب الثأر لمقتل الحسين في مرآة السلام الكوري.. عبدالعزيز السماري الجزيرة السعودية
على طريقة وجدتها وجدتها اكتشف كم جونج أون رئيس كوريا الشمالية أن طريق الاستقرار والخلاص من التهديد الخارجي يبدأ أولاً من باب التصالح مع الجار الصديق والشقيق التاريخي كوريا الجنوبية، فالتدخل الخارجي يدخل من أوسع الأبواب عندما يتخاصم الأشقاء، وتختزل هذه الجملة تاريخ الجزيرة الكورية، فقد كانت مسرحاً للأطماع الاستعمارية بسبب الأطماع الشخصية وسياسة الأهواء بين أفراد العائلة الواحدة..
كانت تلك اللحظة التاريخية بين الزعيمين بمثابة الحل السحري لإيقاف الأطماع الخارجية في ثروات وأراضي الكوريين، فقد تنبهوا بعد ستين عاماً من الانشقاق أن مصيرهم واحد مهما اختلفت مذاهبهم وأيدولوجياتهم وأعراقهم، فكان الحل المنتظر الذي سيعود بالنفع أولاً على الشعب الكوري وعلى الجزيرة الكورية..
كأنهم في تلك اللحظة اطلعوا على الحكمة العربية الشهيرة: كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى،،، خطب ولا تتفرقوا آحادا، تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً،،، وإذا افترقن تكسرت أفرادا، وكما قيل الحكمة ضالة المؤمن، والعرب والمسلمون أكثر أمة قالت في الحكمة، لكنهم دوما ما يضلون عنها، وكادوا في تاريخهم الحديث أن ينالوا عن جدارة مرتبة الذين يقولون ما لا يفعلون، فتاريخهم الحديث اخترقته الأطماع الغربية والشرقية من مختلف الجهات بسب انشقاقتهم ومؤامراتهم ضد بعضهم البعض..
في ثنايا هذه اللحظة التاريخية بين الزعيمين برزت أيضاً تلك الصورة البشعة في النزاع المعلن بين الشرق العربي وإيران، وسباق التدخلات الخارجية والتسلح الطائفي الذي تغذيه كراهية وأحقاد سوداء، كان نتيجتها اشتعال الحروب الجانبية بين الحدود العربية بعد دخول المرجعية الدينية في إيران ممولاً رئيسي للحرب ضد الظالمين، الذي هم نحن، والتي أشعلتها الأحقاد والكراهية في تاريخ الشرق منذ مقتل الحسين بن علي رحمه الله..
لأسباب غريبة تعتقد مرجعية الكراهية الطائفية في إيران أن غالبية المسلمين يحملون وزر دم الحسين في كربلاء، وعليهم دفعه دماً وحروباً لا تتوقف، وذلك من أجل أن يعود الحق لصاحبه..، وما يحدث أشبه بتراجيديا رعب تديرها شياطين الشر في حروب الظلام، فقد تم اغتيال العراق وسوريا واليمن من أجل الثأر لمقتل الحسين بن علي قبل أربعة عشر قرنًا، والحروب مستمرة لإشعال المنطقة في سباق خطير للتسلح، ولمزيد من الدماء من أجل الثأر المزعوم..
عند متابعة أدبيات وثقافة اللطميات عن مقتل حسين بن علي رحمه الله أشعر بالشفقة على هذه الأمة التي اختارت أن تتوارث مشاعر الظلم والحزن والثأر أباً عن جد، وأن تدرسه للأطفال جيلاً بعد جيل، وأن تغرس في عقول النشء الأحقاد والبغضاء، وأن الجار أو ابن العم يحمل وزر مقتل الحسين إلى يوم الدين، وعليه أن يدفع ثمنه مهما طال أمد الحروب..
في الجزيرة الكورية لم يكن الدين أو الأحقاد الطائفية مصدراً لصراعهم المزمن، لكنها السياسة قاتلها الله، والاستبداد في مواجهة الحرية، فهم يؤمنون أن الكونفوشوسية مذهب أخلاقي، لكن أزمة المسلمين أن التاريخ بكل تفاصيله وحروبه تحول إلى دين شديد الكراهية للآخر، ومشبع بالأحقاد والبغض تجاه الشقيق والأخ المخالف..
ربما يأتي يوماً ما في المستقبل تبرز فيه ساعة الحكمة على طريقة وجدتها، وسنتوقف حينها بلا رجعة عن توارث الدجل والتجهيل والكراهية، وقد نكتشف متأخرين جداً بعد الخراب الكبير كم كنا أغبياء وسذج في إهدار ثروات الأوطان في شراء الأسلحة، وفي تأجيج الكراهية، وفي إشعال الحروب الجانبية، وفي التآمر ضد الأشقاء خلف حدود الدم والقربى..
ختاماً لا يمكن لأمة أن تنهض أو تستقر على مشاعر الحقد والضغينة والبغضاء… قال الشاعر العربي عنترة بن شداد: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب،،، ولا ينال العلى من طبعه الغضب.
4 العراق والمشاركة الإيجابية
جعفر الشايب
اليوم السعودية
أدى انقطاع العلاقة بين المملكة والعراق لفترات طويلة من التوتر والأحداث المتلاحقة في الداخل العراقي إلى ضعف العلاقة بين البلدين وخلق حالة من التباعد والسلبية والتباين في العديد من المواقف، وصلت في بعض الحالات إلى مستوى متدن من التواصل بين البلدين. طوال تلك الفترة، كانت التغيرات المستمرة تجري في العراق باتجاهات مختلفة دون أن يكون للمملكة حضور فعال ونشط، بل أنه تشكلت عند العديد من القيادات السياسية وبعض فئات المجتمع العراقي صورة سلبية ضد المملكة ومواطنيها.
ومنذ أن تحركت المملكة باتجاه إعادة العلاقات مع العراق وممارسة وجودها ومشاركتها، تغير الموقف الشعبي والرسمي في العراق باتجاه الترحيب بمشاركة المملكة الايجابية ووجودها الفاعل كدولة عربية وجارة وتجمعها بالعراق العديد من المصالح الكبرى المشتركة أمنيا واقتصاديا وسياسيا. الترحيب الذي لقيته سياسة المملكة ودورها في العراق ينبع من الشعور بالانتماء العربي ومن تقدير لدور المملكة الإقليمي ولأهميتها الاقتصادية، ويعكس مدى عمق وتجذر العلاقات الطبيعية بين البلدين على الرغم من مختلف الظروف السياسية التي شابت تلك العلاقات لعقود عديدة. كان البعض – في داخل العراق وخارجها – يراهن ولا يزال على إبقاء المملكة لاعبا بعيدا وغير مؤثر في الشأن العراقي تحت ذرائع مختلفة، ويسعى لإبقاء فتيل التوتر مشتعلا بين البلدين.
يرى الكثير من المراقبين أن مشاركة المملكة الإيجابية في العلاقة مع العراق تخدم كل الأطراف من خلال التعرف والتواصل مع مختلف القوى في الداخل العراقي بإيجابية وفاعلية وتعاون مشترك، وتنمية مجالات التعاون المشترك لترسيخ المصالح البينية للدولتين تجاريا وثقافيا وسياسيا، وتطمين مختلف الأطراف بأن هذه المشاركة الإيجابية ستزيل المخاوف والقلق والهواجس التي كانت سائدة. وبالفعل فإن ما نتج من هذا التواصل حقق نتائج إيجابية ملموسة على أصعدة عديدة من بينها: أنه هيأ فرصا أفضل للعلاقة مع القيادات السياسية ورجالات العشائر ورؤساء الأحزاب والقوى السياسية، كما أنه أوجد بيئة إيجابية للاستثمار وبلور فرصا جديدة للتجارة بين البلدين، وخفف كثيرا من حدة الإعلام الذي كان معاديا للمملكة طوال الفترة الماضية، كما كشف أيضا عن فهم أفضل لطبيعة الساحة العراقية ومكوناتها.
هذا النموذج من العلاقة التشاركية الايجابية بين البلدين يمكن أن يكون نموذجا فاعلا ونشطا في السياسة الخارجية يعالج اشكالات وتبعات مراحل التوتر، ويتجه بالعلاقة نحو المزيد من الحركية والفاعلية وتعزيز المصالح المشتركة ويتجاوز بجدية المعوقات المصطنعة التي تريد بعض الأطراف تغذيتها. لعله من المهم أيضا الإشارة إلى ضرورة توسيع هذه العلاقات؛ كي تتجاوز المجالات السياسية والاقتصادية لتشمل المجالات الثقافية والعلمية والأكاديمية والاجتماعية، إضافة للمساعدات الإنسانية، فهي بهذه الشمولية تكون قد غطت قطاعات ومجالات واسعة وسيكون تأثيرها الإيجابي على مختلف هذه القطاعات عميقا وجذريا وبعيد المدى.
ينظر الكثير من السياسيين والمثقفين العراقيين بنظرة أمل وتقدير لدور المملكة في العراق، ويرون أن المزيد من العلاقات الإيجابية ستساهم في ردم هوة التباعد الذي طرأ على هذه العلاقة.
5 رحيل حميد المطبعي وليد الزبيدي الوطن العمانية
فقدت الساحة العراقية والعربية واحدا من كبار المبدعين والمثقفين، الذي أعطى الكثير طيلة أكثر من خمسة عقود، ولم يوقفه عن العطاء والإبداع إلا آفة المرض، التي داهمت المبدع الراحل الأستاذ والصديق العزيز حميد المطبعي القامة العراقية الكبيرة.
عرفت الراحل منذ ثمانينات القرن الماضي، وتوطدت علاقتنا وتعمقت في بداية تسعينات القرن العشرين، ومن صفاته البارزة الكثيرة، أن المطبعي يتفقد أصدقاءه بصورة شبه يومية رغم أنه صديق الجميع في الوسط الثقافي والإبداعي العراقي، إضافة إلى صداقاته وعلاقاته مع رموز كبيرة في الوسط الثقافي العربي، وفي كل مرة تلتقي المطبعي تجد جديدا في طرحه وموضوعاته، ولا يتفاجأ المرء عندما يستمع إلى ابحار في جوانب من المعرفة وفي الكثير من العلوم والفنون، لا يبخل على أحد بمعرفة ويشجع الشباب على طرق أبواب المعرفة والأدب والاستغراق في عوالم الثقافة، وكان الجميع من جيل الستينات والسبعينات في العراق يتحدثون عن مشروع المطبعي الرائد، أقصد اصداره مجلة الكلمة الأدبية في العام 1967 وواصلت الصدور حتى العام 1975، وبهذه المناسبة فلا بد من ذكر قامة عراقية مبدعة كبيرة غادرتنا في وقت مبكر والذي ترأس تحرير مجلة الكلمة وهو المبدع الكبير موسى كريدي.
فتحت مجلة الكلمة الأبواب امام المبدعين العرب والعراقيين ودفعت بأسماء جديدة إلى عالم الأدب، ووقفت بشموخ إلى جنب مجلات كبيرة في الساحة العربية من بينها مجلة الآداب البيروتية والعربي الكويتية والأقلام العراقية وغيرها، ويتحدث الكثير من الأدباء والمثقفين عن دور المجلة وصاحبها المطبعي في صقل مواهبهم وتشجيعهم على الكتابة وخوض غمار عوالم الكلمة والسير في ركبها.
يمتلك الراحل المطبعي معرفة واسعة في الأنساب والقبائل والفروع ويتحدث عن الرموز القديمة والحديثة، كما أن له علاقاته الواسعة من الشخصيات السياسية والقبلية والثقافية في مختلف ارجاء العراق، وتُعد موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين واحدة من بين أعماله الكثيرة والمتميزة التي رفد بها المكتبة الثقافية والمعرفية في العراق وصدرت بثلاثة أجزاء، يضاف إلى ذلك العديد من الكتب والمؤلفات وما يزيد عن خمسة الاف مقال نشرتها الصحف العراقية والعربية خلال عقود عديدة، ومن مؤلفاته الأخرى، مسائل ثقافية تبحث عن الطريق القومي من منظور واحد (1978) محاور في الفكر والتاريخ (1979). الدكتور أكرم نشأت إبراهيم استاذ الفقه الجنائي العراقي (2002). الدكتور جميل الملائكة المبدع في الهندسة والترجمة (2002). النفساني التربوي الدكتور عبد العزيز البسام (2002)، ضياء شيت خطاب (2002)، المؤرخ الدكتور صالح احمد العلي (2003)، وغيرها.
انقطعت إتصالاتي معه منذ سنتين تقريبا، بعد أن تغلب عليه المرض، واضطر للانتقال من مدينة بغداد حيث أمضى العقود الماضية وسط الحركة الثقافية والأدبية إلى مدينة النجف حيث ولد وترعرع، وبقيت أتسقط أخباره من الأصدقاء، وكان في وضع صحي سيء، ولم يكن قادرا على التواصل حتى عبر الهاتف، خسرنا قامة كبيرة وصديقا عزيزا، لكن عزاءنا الوحيد أنه ترك إرثا إبداعيا كبيرا.