1 شهر للتضامن مع العراق… لماذا؟ هيفاء زنكنة القدس العربي
هناك مبادرة غريبة بعض الشيء بالنسبة إلى عالمنا العربي، يتم الإعلان عنها، بالحاح، على صفحات التواصل الاجتماعي منذ أشهر. عنوان المبادرة « شهر التضامن مع العراق». سيتم إطلاق المبادرة مساء الخميس المقبل، في جامعة لندن. تستحق المبادرة الاهتمام لأنها تثير العديد من الأسئلة المرتبطة بماضي العراق، العقود الأخيرة منه، خاصة مرحلة التهيئة للغزو، وحاضره في سيرورة عملية الاحتلال السياسية وما تمخض عنها، ومستقبله في ظل مأسسة الطائفية، والفساد، والصراع الاثني، وانعكاساتها على بنية المجتمع المنهك جراء الحروب والاحتلال. فلماذا مبادرة شهر التضامن مع العراق، وكيف؟
تستهل الدعوة إلى إطلاق المبادرة تصريحا لدزمند توتو، كبير الأساقفة الجنوب افريقي، المعروف بنضاله ضد نظام الفصل العنصري، والذي وقف بقوة ضد الحرب على العراق، إلى حد رفضه حضور مؤتمر يشارك فيه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، واصفا إياه بأنه مجرم حرب. يقول توتو: «إن قرار الولايات المتحدة وبريطانيا، اللا أخلاقي، بغزو العراق عام 2003، استنادا إلى كذبة امتلاكه أسلحة للدمار الشامل هز العالم بأسره، وأحدث استقطابا لم يحدثه أي صراع آخر في التاريخ». تذكرنا الدعوة بأن قرار شن الحرب الانجلو ـ أمريكي لم يكن شعبيا، بل تظاهر الملايين في كل بلدان العالم عام 2003 معلنين رفضهم. حيث شهدت بريطانيا واحدة من أكبر المظاهرات بتاريخها ضد قرار رئيس الوزراء، حينئذ، في الوقوف بجانب قرار الإدارة الإمريكية برئاسة جورج بوش والمحافظين ـ الصهاينة الجدد.
اليوم «بعد مرور 15 عاما على الغزو والاحتلال لاتزال آثار الحرب العدوانية بقيادة الولايات المتحدة على الشعب العراقي مستمرة، مسببة معاناة لا نهاية لها، بينما أصبحت حربا منسية في دائرة الدمار والعنف الذي ابتلت به بلدان المنطقة». وجوابا على لماذا شهر التضامن «ليبقى العراق في ذاكرتنا قضية في غاية الأهمية لملايين الضحايا الذين يستحقون العدالة، وضروري أيضا لاستعادة المبادئ الأساسية للسلام والاحترام المتبادل بين الأمم باعتبارها أساس القيم الإنسانية المشتركة لضمان مستقبل خال من كوارث الحرب. إنه للتذكير بجرائم الاحتلال في تهديم دولة وتفكيك مجتمع واستهداف ثقافة شعب، كي لا تتكرر الجريمة أبدا. « تؤكد الدعوة على أن الشهر ليس للتذكير بجريمة استهداف شعب ودولة فقط بل أيضا «للاحتفاء بتاريخ العراق، ومقاومة الشعب العراقي المتعددة المستويات، وطموح العراقيين في تحقيق السلام المبني على المساواة والعدالة». هذه هي أهداف إطلاق مبادرة «شهر التضامن مع العراق». وهي أهداف، أثبتت سنوات الاحتلال، مدى الحاجة إليها بعيدا عن المنفعة السياسية الآنية الظاهرة والمبطنة.
ولدت فكرة « شهر التضامن» مع اقتراب ذكرى مرور 15 عاما على الغزو وأحساس عدد من الناشطين المناهضين للاحتلال، بأن العراق لا يعيش ذكرى حدث انتهى، بل إنه مستمر عبر ما أسس له من تخريب شامل يؤدي إلى أحداث يومية مأساوية، والأكثر من ذلك أن العراق، بات منسيا، عربيا ودوليا، حتى في ذكرى احتلاله. مثل مناسبة انطفأ وهجها، كادت جريمة « الصدمة والترويع» والشروع الممنهج بتدمير البلد وشعبه، أن تمر هذا العام، مثلا، كما السنوات السابقة، بصمت، باستثناء نشر بضع مقالات هنا وهناك، وإجراء مقابلات قليلة مع أصوات تبذل أقصى جهدها لإدانة ومراجعة جرائم، بقيت بلا محاسبة، لأن العالم، خلافا لما يشاع حول انشغاله بمآس أخرى، وحول جرائم تنظيم «الدولة الإسلامية»، لا يريد رؤية جرائمه في العراق، أو تذكرها، ناهيك عن الاعتراف بها. إذ ليس هناك في الإدارة الأمريكية أو الحكومة البريطانية ممن ساهم في تسويق الحرب، بحجة أسلحة الدمار الشامل، من لا يريد غسل يديه من جريمة، سببت قتل ما يزيد على المليون عراقي (هناك إحصائية جديدة تشير إلى 3 ملايين) وتشريد الملايين وبذر نبتة الإرهاب.
الملاحظ، في الأعوام الأخيرة غياب أصوات ناشطين مخضرمين ضد الحصار والحرب من العراقيين وغير العراقيين، غيبها الموت أو الإرهاق أو خيبة الأمل أو إصابتهم بالطائفية. غابت، أيضا، أصوات مهللين للغزو باعتباره تحريرا، مصرحين بأنهم أصيبوا بخيبة أمل. لماذا؟ لأن من قاموا بتزكيتهم لم يثبتوا صلاحيتهم للوظيفة الموكلة إليهم، عبرالاحتلال، متعامين عن فشلهم الذريع في رؤية العراقيين كعراقيين وليس وفق التقسيم الطائفي ـ العرقي، مما ساهم في تهيئة الأرضية لتفتيت البلد.
في هذه الأجواء، ما الذي ستقدمه المبادرة التي ستقوم بإطلاقها مجموعة « تضامن المرأة العراقية» في لندن؟ تؤكد المجموعة، أولا، أنها جزء من المبادرة فقط، وكل ما تقوم به، حاليا، هو تنظيم إطلاقها، وأنها مبادرة بسيطة، ذخيرتها، استمرارية الموقف المناهض للحصار والحرب والاحتلال، وتمحيص نتائجها، داعية إلى تحقيق العدالة للشعب العراقي. وهو الموقف الذي وحد نشاطات منظمات التضامن مع الشعب العراقي، على مدى عقود. لذلك سيساهم في إطلاق المبادرة ممثلون عن «أوقفوا الحرب»، «عدالة للشعب العراقي»، «المحكمة الدولية»، «محكمة بروكسل» و«تضامن المرأة». سيلقي كلمة الافتتاح، دنيس هاليداي رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنساني في العراق عام 1998. الذي استقال من منصبه: «استقالتي كانت ضرورية بسبب رفضي قبول أوامر مجلس الأمن التي فرضت عقوبات إبادة جماعية على الأبرياء في العراق. إن استمراري في منصبي كان يعني تواطؤي في هذه الكارثة الإنسانية. كيف يبرر هذا العقاب الجماعي الذي هو العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة؟ لا يوجد بند في ميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي يشرعن النتائج القاتلة لعقوبات حصار الأمم المتحدة الذي استمر 12 سنة طويلة على شعب العراق».
ومثل كل النشاطات النابعة من صميم الشعوب، سيعتمد تطوير هذه المبادرة على مدى التزام الأفراد والتجمعات والمنظمات المستقلة، المدركة لطبيعة الظلم الذي سببته حكوماتها للشعب العراقي، بالعمل التضامني لتحقيق العدالة على قدم المساواة.
2 العراق: لن اذهب للتصويت! فارس العاني راي اليوم بريطانيا
الساحة العراقية ومنذ أسابيع تشهد حراكاً غير مسبوق في الأعلام المرئي والمسموع الهدف منه الترويج للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الثاني عشر من شهر مايس القادم ، حملات انتخابية اختلط فيا الحابل بالنابل كما يقول المثل الدارج في ضوء الانقسامات المقصودة منها أو المتفق عليها !! التي تشهدها الكتل والتيارات والأحزاب بعدما تقدم اكثر من ٢٠٠ حركة وحزب وكيان للتسجيل للانتخابابات المرتقبة قبل ان يتم اختصار هذا العدد ، وهي حالة غير مسبوقة في اَي بلد في العالم تجري فيه انتخابات برلمانية حتى يقال ان بعضها لا يتجاوز المنتمين اليها أصابع اليد الواحدة ، انها ظاهرة مرضية وليست صحية على الإطلاق لان كل المعطيات تقول ان كثرة هذا العدد هو بهدف وصول القائمين عليها الى المنصب وامتيازاته الذاتية أولاً ومن ثم امتداده الى الطائفة والعشيرة والمناطقية دون النظر الى المجتمع ككل ، إذاً وفق هذه الممارسة التي يطلق عليها ساسة المحاصصة بالديمقراطية فهي تشويه لها واعتداء صارخ على مبادئها ، وما جرى في العراق طيلة هذه السنوات التي اعقبت سقوط الدكتاتورية لم تكن اكثر من حالة فوضى وهدم للمجتمع ٠
ثلاث دورات برلمانية مدتها ( ١٢) اثنى عشر عاماً ماذا جنى منها الشعب العراقي ؟ ليس هكذا كان يحلم به العراقيون بعد عقود من دكتاتورية الأفراد والحكم الشمولي ياساسة المحاصصة الذين تصدرتم القيادة وصنع القرار طيلة خمسة عشر عاماً لقد كانوا يحلمون ويطمحون الى العراق الواحد يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات تسوده العدالة والضمان الاجتماعي وحق المواطنة وسيادة القانون بعيداً عن الاستفراد والتهميش والهيمنة أياً كان شكلها ولونها .
ثلاث دورات برلمانية جرت لم يشهد فيها العراق حالة استقرار مع انعدام ابسط المتطلبات والخدمات الضرورية رغم الواردات المالية الضخمة التي يجنيها العراق من صادراته النفطية بعدما تبخر منها الكثير في مشاريع وهمية !! لم يظهر منها شيء وكذلك النسبة ( الكومشن) التي يتم الحصول عليها من الصفقات والعقود الضخمة ، لذلك ونحن على أبواب الانتخابات البرلمانية القادمة في دورتها الرابعة فان ملامحها الظاهرة تشير ان القادم لا يختلف عما سبقه من حيث التخندق وهيمنة أطراف معينة على حساب الغالبية العظمى من مكونات الشعب العراقي الذين رفضوا المحاصصة المقيتة بكافة اشكالها والتي أدت الى غياب الكفاءة والنزاهة في الكثير من المؤسسات الرسمية ٠
شيء مؤسف ان العديد من القوائم التي تقدمت لخوض الانتخابات هي نفسها التي خاضت الانتخابات السابقة وهي نفسها التي تولت السلطة ولا زالت ومن المؤسف والغريب انها لم تعترف بفشلها بل الأدهى من ذلك ان يبدأ بعض مرشحيها حملاتهم الانتخابية بوعود مثل الوعود السابقة وبالتبرع ببعض الهدايا البسيطة والقيام برصف الشوارع الترابية بمادة ( السبيس ) ، انها المهزلة وإهانة ما بعدها اهانه للناخب خصوصاً وللشعب العراقي عموماً ٠ في ضوء هذه الصورة القاتمة التي سبقت الانتخابات اعتقد ان حصول المرشحين النزيه والكفوء على أصوات ناخبيه سوف لن تكون في صالحه بل سوف تذهب الى قادة الصف الاول في قوائم كتلهم التي رشحتهم لتلافي سقوطهم الحتمي من اجل عودتهم الى قبة البرلمان لان قانون (سانت ليجو) الانتخابي يجيز ذلك وهوالقانون السيئ الذي اعتمدته مفوضية الانتخابات الحالية . لذلك لا فائدة من الذهاب الى صناديق الانتخابات لان صوتي في كل الأحوال سيذهب الى نفس الكتلة أو التيار الذي تم التصويت لها في الدورات السابقة !!!
خلاصة ما تقدم : على الرغم من الصورة السوداوية والغير مشجعة ، لكن هناك بعض الأمل والتمني لدى الكثير من العراقيين في حصول معجزة!! قد تأتي بها الانتخابات القادمة قد تنقل العراق الى مرحلة جديدة تنتهي فيها المحاصصة التي فرقتهم ومزقتهم وان يعود العراق واحداً موحداً يستظل تحت خيمته الجميع تحكمه القوانين والمؤسسات مثل بقية الدول التي تنعم شعوبها بالامن والاستقرار والعيش الرغيد .
3 قانون نفط العراق.. يعقر «الناقة»! رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية
واجه قانون شركة النفط الوطنية، المُقر مِن قِبل مجلس النواب العراقي في (5/3/2018)، انتقادات لم تتوقف حتى هذه اللحظة، مما حدا ببعض المختصين باقتصاد النفط تقديم اعتراض إلى المحكمة الاتحادية لإبطاله، على أنه يؤدي إلى رهن ثروة العراق النفطية بالعقود التي تبرمها الشركة مع الشركات العالمية. ومعلوم أن مناقشة قوانين خطيرة، مثل قانون النفط، وإقرارها من قِبل مجلس النواب، يفوز بالتصويت من عشرات النواب الذين لا يفقهون مدى خطورة القانون على مستقبل اقتصاد البلاد، فلا يعني رفع اليد بالموافقة أو الرفض أن هذا النائب أو ذاك قد درس القانون وفهم محتواه، فبينهم من «تعوِّذه أُمُّه إن مشى/إلى البرلمان بأمِّ القرى» (الجواهري، المقصورة 1947). لكن النبأ اليقين عند أهل الاختصاص، المعنيين باقتصاد النفط، لأن القانون اقتصادي بحت.
اشتهر العراق بالنفط قديماً، فلم يُعرف في مستهل القرن العشرين، ولم يبدأ باستعماله في ذلك الحين، إنما عُرفت هذه الأرض بنفطها قبل عشرات القرون، ليس هذا قول خرافي كمطارات ومركبات سومر الفضائية، إنما معلومة مثبتة، فلغزارته وقربه مِن سطح الأرض كان يسيح سيحاً، وتوصلوا إلى استخدامه في إضاءة المشاعل والحرب، وعلى وجه الخصوص في العصر العباسي. اليونانيون أقدم من أشار إلى نفط العراق بالوصف: «القير البابلي، ولونه أبيض، وقد يوجد ما هو أسود، وله قوة تستلب النار» (ابن البيطار، الجامع لمفردات الأدوية والأغذية).
كان للنفط خزانات وتسمى «القدور» في دار الخلافة ببغداد. قال سبط ابن الجوزي (ت 654هـ) عن حريق شب بالدَّار: «احترق جميع ما كان في الخزانة من الأسلحة.. وقدور النفط» (مرآة الزمان). يطلق على الفرقة الخاصة بسلاح «النفط» اسم «النّفاطين». كان النفط يُستعمل في الإضاءة، فيروى أن الخليفة القائم بأمر الله (ت 467هـ) عند عودته من منفاه بحديثة، فـ«اجتمع النساء والنفاطون بالدفوف ومَن يُغني بين يديه» (ابن الجوزي، المنتظم)، وقيل شعراً عن استعمال النفط في الإضاءة: «لا يبصر.. طريقاً به/ إلا إذا يمشي بنفاط» (التوحيدي، الرسالة البغدادية). كذلك كان درب «النفاطين» في العصر العباسي معروفاً ببغداد (كتاب الحوادث الجامعة).
مع ذلك، كانت رؤيا النفط تُفسر بـ«مال حرام أو مكروه مِن جهة السُّلطان» (ابن سيرين، تفسير الأحلام)، وكثيراً ما يُستخدم في الهجاء، مثل لقب «نفطويه» صاحب اللغة إبراهيم بن محمد (ت 323هـ)، وذلك «لدمامته وأدمته تشبيهاً له بالنفط» (ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان).
هذا ولعبد الصمد بن المعذَل (ت 240هـ)، هاجياً والي «النفاطات»: «لَعمري لَقد أظهرت تيهاً كأنما/ توليت للفضل بن مروان منبراً/ وما كُنت أخشى لو وليت مكانه/ على أبا العباس أن تتغيرا/ بحفظ عيون النفط أحدثت نخوةً/ فكيف به لو كان مٍسكاً وعنبرا/ دعَ الكبر واستبق التَّواضع إنه/ قبيح بوالي النفط أن يتكبرا» (البيهقي، المحاسن والمساوئ).
لستُ من أهل الاختصاص، لكنني استعنتُ بما كتبه المختصون، ووجدت الكثرة منهم متشائمين من القانون، وكأنهم محمد بن سيرين (ت 110هـ)، وما نُسب إليه مِن تفسير منام النفط بأسوأ طالع. بهذا الشعور كتب المختص باقتصاد النفط وثاب السعدي: «قانون شركة النفط الوطنية يُضيع ثروة النفط إلى الأبد». وقال: «الدولة العراقية وفق هذا القانون، لم تعد مالكة للنفط، لها فقط حقُّ جباية الضريبة على أرباح الشركة من عملياتها النفطية، وأكرر وأذّكر بأنها ضريبة على الأرباح التي تحققها الشركة ليس إلا.. تتعاقد مع الشركات الأجنبية بعقود تمنح الشركات الهيمنة الفعلية على احتياطي النفط. وليس للدولة العراقية أي وسيلة حقيقية لمنع ذلك. ووفقاً لدراسة لـGREG MUTTIT قدمها أمام نقابة عمال البصرة في 26/5/2005 فإن جميع الأمثلة، رغم قلتها في العالم، لعقود مشاركة أو عقود تمنح الشركات هيمنة على منابع النفط، عقدت مع حكومات ضعيفة أو فاسدة تماماً» (صحيفة المدى).
وعلى عكس ما أفادنا به السَّعدي، كتب المختص بتكنولوجيا النفط عدنان الجنابي: «قانون شركة النفط الوطنية خطوة للخلاص من سلبيات الدولة الرّيعية». ثم قال: «إن الشركة مملوكة للدولة بالكامل، وحالياً يُمثل مجلس الوزراء ملكية الشعب، وبعد تطبيق القانون تصبح الشركة تمثل الشعب، وهي تابعة لمجلس الوزراء.. إن البنك المركزي العراقي يمثل الشعب في إدارة النقد، ويحتفظ باحتياطي الشعب ويديره من دون رقابة» (مركز البحوث والدراسات العراقية).حسب الرأي الأول صار النفط من التأميم إلى التسليم، وحسب الرأي الثاني أن القانون سيفرض توزيع موارد النفط على العراقيين بيتاً بيتاً! يقول محمد مهدي الجواهري (ت 1997) في الثروة المختلفة علة قانون استغلالها: «حقول النفط تسمنُ راصديها/ وغازيها وإن ثَمُن الرَّصيد» (أفتيان الخليج، أبو ظبي 1979)، لو بقي العشر للعراقيين صارت بلادهم زاهية، لكن هيهات يتصالح العقل مع الثروة ببلاد نواب برلمانها فعلوا بها ما فعله قوم صالح بناقته، فقانونهم هذا عقر العراق. قيل: «أشأم مِن أحمرَ عاد» (الميداني، مجمع الأمثال)، وأحمر هذا عاقر الناقة!
4 بغداد ـ بيروت وقطار الرياض السريع مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
لم تقف الجغرافيا عائقاً يمنع تلازم الأحداث وترابطها بين العراق ولبنان، فقد كانا مسرحاً لأحداث كبرى توالت عليهما، منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي وإلى الآن، ومثلت سوريا الحيّز الجغرافي الذي شكل حلقة الوصل والفصل بينهما، فهي الممر العراقي الوحيد إلى لبنان، فيما يخضع الأخير لضريبة المكان التي خيّرته بين العزلة البرية والممر السوري الوحيد الذي حوله رهينة لحسابات سوريا الإقليمية وموقفها من علاقاته العربية خصوصاً مع العراق والسعودية، وهما الدولتان النفطيتان اللتان عملتا باكراً على نقل منتجهما النفطي إلى أوروبا عبر السواحل اللبنانية، فأنشأت السعودية خط التابلاين (خط أنابيب عبر البلاد العربية) الذي يصل إلى مصفاة الزهراني جنوب لبنان، فيما أنشأت شركة نفط العراق أنبوب كركوك – طرابلس في شمال لبنان، وهذا ما يفسر الاهتمام العراقي – السعودي المبكر بلبنان، تقابله رغبة سورية دائمة بممارسة الهيمنة السياسية على لبنان والتدخل في شؤون العراق، وأتاحت لها الفرصة التي اكتسبتها بعد إعلان الوحدة مع مصر، وشكلا معاً الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 في لعب دور مركزي مؤثر على لبنان والعراق، وفي سنة 1979، شكلت الثورة الإيرانية فرصة دمشق الذهبية لممارسة دور أكبر في الاستحواذ على لبنان وفي عزل العراق، بعد أن نسجت مع نظام ولاية الفقيه تحالفاً عقائدياً أتاح لطهران ممراً برياً آمناً إلى بيروت عبر بغداد ودمشق.
لقد أثرت أحداث عام 1958 في لبنان والعراق على العلاقة بينهما وعلى استقرارهما السياسي وموقعهما في خريطة التحالفات الإقليمية والعربية، ففي أقل من 24 ساعة على سقوط النظام الملكي في العراق في 14 يوليو (تموز)، طلب الرئيس اللبناني الراحل كميل شيمعون الحماية من الرئيس أيزنهاور، الذي أمر قوات المارينز بالتدخل لصالح القوات الشرعية بوجه من اعتبروا حينها متمردين على السلطة والمدعومين من القاهرة التي كانت تمارس ضغطاً سياسياً على بيروت القريبة من حلف بغداد حينها، من أجل قطع علاقاتها السياسية مع الدول الغربية التي شاركت في العدوان الثلاثي على مصر، وقد مهد التدخل الناصري في شؤون لبنان الطريق أمام الحضور السوري في الأزمة اللبنانية الذي تحول مع وصول البعث للسلطة إلى حاجز جيوسياسي يفصل لبنان عن محيطه العربي.
أعاد التدخل الأميركي في العراق سنة 2003 الربط السياسي بين البلدين، وتحت تأثير الوضع العراقي الجديد أصدر مجلس الأمن الدولي القرار الأممي 1995 سنة 2004 القاضي بانسحاب جميع الجيوش الأجنبية من لبنان، والذي أجبر نظام الأسد على الانسحاب من لبنان في أبريل (نيسان) 2005، فسارعت طهران إلى ملء فراغ البعث في لبنان والعراق، وبعد 15 عاماً من الاستحواذ الإيراني على العراق ولبنان، تواجه طهران انتخابات لبنانية وعراقية في شهر مايو (أيار) المقبل، ستحمل نتائجها تغيرات عميقة في التركيبة السياسية وستؤثر مباشرة على تشكيل الحكومة في بغداد وبيروت.
قبل موعد الانتخابات منحت الدول العربية الإقليمية والغربية العبادي والحريري فرصة للإصلاح الاقتصادي وتحسين البنية التحتية في بلديهما، عبر مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق، ومؤتمر باريس لدعم لبنان، لكن الدول المانحة وضعت شروطاً على الحريري والعبادي ستصطدم بعوائق داخلية وتدخلات إقليمية ستؤثر في تسويات تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية في البلدين، ففي الوقت الذي يستغل فيه الحريري ضعفه أمام قوة حزب الله لكي يحافظ على التسوية السياسية ما بعد الانتخابات، التي تمنحه بالتأكيد رئاسة الوزراء، يستعد حيدر العبادي القوي لفرض شروطه على التسوية الحكومية والالتفاف على قوى محلية تستقوي بالخارج وتعمل على منعه من الاستفادة من قوته الانتخابية، التي ستمنحه القدرة على المناورة أثناء تشكيل الحكومة ضمن ضوابط سياسية جديدة تعكس قدرة الداخل العراقي على مواجهة شروط الخارج.
من خلال انفتاحها على العراق وتمسكها بدورها التاريخي في لبنان، لفتت الرياض الانتباه للروابط التاريخية بين العراق ولبنان، وفي مرحلة عملها على ملء الفراغ العربي، بدأ حضورها المتصاعد في الساحتين العراقية واللبنانية يشكل قلقاً لطهران التي تراقب تشكل داخل عراقي جديد يتقاطع مع الرياض في إطار نظام المصالح المشتركة، فيما لم يعد ممكناً فصل مستقبل التسوية في لبنان عن تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، فتمسك الرياض بمقررات «جنيف1» للحل في سوريا من شأنه أن يعيد وصل ما قطعه البعث بين العراق وسوريا ولبنان وإعادة ربطهم بطريق الحجاز الجديدة.
بعد 12 مايو لن تكون الطريق من بيروت إلى بغداد خاضعة فقط للسيطرة الإيرانية، فقطار المصالح العراقي – السعودي انطلق وطريقه من بغداد إلى بيروت أو من الرياض إلى بيروت بات من ضروريات المجال الحيوي السعودي ومتطلباته الجيوستراتيجية.