4 مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الثلاثاء

1 العراق: دور الخدمات الجديدة في توفير فرص عمل للشباب والنهوض بالبلد
محمد توفيق علاوي
راي اليوم بريطانيا

تم الطرق ضمن الحلقات السابقة إلى عدة فقرات بشأن توفير فرص عمل للشباب والنهوض بالبلد ويمكن مراجعة تلك الحلقات على الرابط:
//mohammedallawi.com/2018/04/02/
وادناه تتمة الموضوع
(6) توفير خدمات جديدة للمواطنين تغطي مئات المجالات المرتبطة بمصلحة المواطن وإنشاء مجلس حماية المستهلك الذي اقر في قانون حماية حقوق المستهلك الصادر عام 2010: حيث كنت عضواً في لجنة الاقتصاد والاعمار والاستثمار عام 2009 برئاسة الدكتور حيدر العبادي وقمنا بتشريع قانون حماية حقوق المستهلك وهو قانون كان على درجة عالية من المهنية، حيث لم نتطرق إلى حماية حقوق المستهلك من ناحية السلع فحسب، بل تطرقنا ايضاً الى حماية حقوق المستهلك من ناحية تقديم الخدمات، وما يعني ذلك من وضع معايير تقديم اي صنف من مئات الخدمات التي يمكن تقديمها للمواطن مما يفتح الفرصة لعمل مئات الالوف من الشباب، وسأتناول في هذا لمجال ثلاثة اصناف من الخدمات على سبيل الذكر وليس على سبيل الحصر، كالخدمات الطبية وخدمات البناء والاعمار والخدمات البريدية العامة للمواطنين، فضلاً عن ذلك كان ضمن فقرات القانون تأسيس مجلس حماية المستهلك، وهذا المجلس كان يتشكل من عدة جهات؛ لن اتطرق في هذا المجال إلى القانون ودوره في حماية حقوق المستهلك، ولكني سأتطرق إلى الخدمات التي يمكن ان توفر فرص العمل للشباب وبالذات من غير الخريجين ودور المجلس في وضع المعايير لهذه الخدمات، حيث سأتطرق هنا إلى ثلاث مجالات ؛
(أ) – مجال الخدمات الطبية؛ حيث تم جعل وزارة الصحة على سبيل المثال ضمن الجهات المؤسسة للمجلس، وهذا يعني إمكانية وضع كافة الضوابط والمعايير لعيادات متابعة الصحة العائلية، حيث يجب إنشاء عيادة الصحة العائلية في كل حي من احياء المدينة وفي جميع الاقضية والنواحي فضلاً عن انشاء عيادات خاصة بمتابعة مرضى السكر وتقديم التوجيهات الضرورية لهم، وعيادات تهتم بمتابعة النساء الحوامل، وعيادات تهتم بمتابعة المواليد الجدد والاطفال ولقاحاتهم، وعيادات خاصة بمتابعة مرضى السرطان وفحص دوري للنساء للوقاية من سرطان الثدي وسرطان الرحم، وفحص دوري للرجال والنساء للوقاية من سرطان القولون، وغيرها من العيادات المتخصصة في المجالات الطبية المختلفة؛ إن كل عيادة من هذه العيادات لا تحتاج اكثر من بضعة اطباء ولكن كل عيادة قد تحتاج إلى العشرات من العاملين المدربين على دورات تخصصية في المجالات الصحية والطبية، فبدلاً من تعيين العشرات من الموظفين من غير الخريجين في الدوائر ومؤسسات الدولة لزيادة الترهل في مؤسسات الدولة وزيادة البيروقراطية وتعقيد معاملات المواطنين، يتم تدريب هؤلاء الشباب غير الخريجين على دورات طبية لفترة بضعة اشهر إلى سنتين على ابعد مدى ثم يتم تعيينهم في مجال مهني يحققوا فيه مورد مالي لأنفسهم مقابل تحقيقهم خدمة كبيرة للمواطنين في مجال ضروري ومهم للنهوض بالبلد وتطويره، هذه العيادات عادةً تكون عيادات خاصة ولكنها تقدم خدماتها للمواطنين بشكل مجاني؛ وتتولى الحكومة الدفع لهم استنادا لعدد المسجلين معهم ولما يقدموه من خدمات.
(ب) – مجال خدمات البناء والاعمار؛ إن تضمين الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ضمن المجلس المزمع انشاؤه يعني امكانية وضع معايير للكثير من الفعاليات ومن ضمنها معايير البناء والاعمار ، كتوفير شروط سلامة عالية للتأسيسات الكهربائية، او وضع مقاييس ومواصفات عالمية للتأسيسات الصحية بل حتى وضع مواصفات للبناء كالعزل الحراري ومنع الرطوبة وغيرها من المواصفات كما هي متعارفة في الكثير من دول العالم المتطورة بما هو متعارف (Building control)، ان التعاون بين الجهاز المركزي مع المنظمات القطاعية يمكنهم توفير الاسس لدورات للشباب في عدة تخصصات في مجال البناء، وبالتالي توفير كادر متطور في مجال البناء يحملوا شهادات في عدة تخصصات في مجال البناء ويمكن على اثرها تشكيل شركات للمقاولات ويمكن للمصارف الاستثمارية توفير القروض لهذه الشركات، ان مثل هذا الامر يحقق فوائد متبادلة، فإنه يوفر الفرصة والمجال للشباب للتخصص والعمل كما انه يوفر الفرصة للمواطن لبناء بيته بمواصفات مهنية عالية وبالتالي النهوض بالبلد. وهنا أحب ان انوه إلى الفرق بين معايير مجلس حماية المستهلك الذي يتبنى التوصيات والمعايير العامة في العموميات وبين معايير الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية الذي تكون شروطه ومعاييره أكثر تفصيلاً وأدق وفي الخصوصيات.
2 انتخابات العراق: حزب «الدعوة» أم حزب «الدعوة»؟!
عائشة المري

تبدو الانتخابات البرلمانية العراقية فريدة من نوعها، إذ يبدو أن حزب «الدعوة الإسلامية» المتصدر للمشهد السياسي في العراق منذ عام 2005 اختار أن ينافس نفسه، فالحزب سيدخل الانتخابات المقررة في 12 مايو القادم بقائمتين منفصلتين بعد أن أعلن انسحابه من الانتخابات بشكل مباشر في 13 يناير 2018، حيث اتفقت قيادات حزب «الدعوة» العراقي على أن يقود رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي قائمة «النصر والإصلاح»، بينما يقود رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قائمة «ائتلاف دولة القانون» كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة من حزب «الدعوة» للإشراف على التحالفين. وعليه ستنحصر المنافسة بين شخصيتين رئيسيتين من حزب واحد، وهما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، وعندها لا يهم من سيكون رئيس الوزراء العراقي بينهما، فحزب «الدعوة» هو الفائز في كل الأحوال.
تأسس حزب «الدعوة» في 12 ديسمبر عام 1957. وعقد أول اجتماع في كربلاء، حيث وضعت اللبنات الأساسية له بحضور مراجع شيعية مثل محمد باقر الصدر ومرتضى العسكري ومهدي الحكيم، ويتربع «حزب الدعوة الإسلامية» الشيعي والمقرب من إيران منذ عام 2005 على السلطة في العراق، كأول حزب شيعي يحكم بلداً عربياً، فبعد الغزو الأميركي للعراق، عاد الحزب للبروز على الساحة السياسية، ولكن تاريخياً عرف عنه عدم وجود زعيم محدد، فالقيادة دائماً جماعية مع وجود ناطق رسمي عن الحزب، وكان إبراهيم الجعفري آخر من شغل هذا المنصب، وفي عام 2003 تسلم الجعفري رئاسة أول شهر في مجلس الحكم الذي شكله الحاكم الأميركي المدني، بول بريمر، إذ كانت رئاسة المجلس دورية تعاقبت عليها 12 شخصية. وشارك «حزب الدعوة الإسلامية» في الانتخابات العراقية عام 2005 ضمن تحالف ضم مجموعة أحزاب شيعية، وتولى الجعفري رئاسة الحكومة العراقية المؤقتة ولعام واحد، ومن ثم تسلم رئاسة الوزراء الأمين العام لـ«حزب الدعوة»، نوري المالكي، الذي حكم العراق بين 2006 و2014، وخلال هذه المرحلة جمع نوري المالكي بين رئاسة الوزراء والأمانة العامة للحزب ورئاسة «ائتلاف دولة القانون» الذي يضم «حزب الدعوة» والكتل الحليفة لها، ومن ثم بعدها اضطر المالكي للتخلي عن رئاسة الوزراء تحت ضغوط إقليمية ودولية، فاختير حيدر العبادي، وهو قيادي في «الدعوة» أيضاً، ليكون رئيساً للحكومة العراقية.
اليوم رغم تعقد المشهد العراقي ظاهريا إلا أن الأمر شبه المؤكد أن «حزب الدعوة» سيبقى في السلطة بعد أن دخل الانتخابات بقائمتين، إحداهما للمالكي والأخرى للعبادي، وكلتا القائمتين تحظى بتأييد طيف واسع من الجماهير «الشيعية» ففي حديث صحفي نشر في 25 ديسمبر 2017 صرح القيادي في حزب «الدعوة» جاسم محمد جعفر بأن «حزب الدعوة سيحصل على الولاية الخامسة والسادسة ويبقي على حكم العراق إلى يوم القيامة، بإرادة الناس ومرجعية النجف والدعم الإيراني» قائلاً: «حتى آخر لحظة العبادي كان يريد المالكي قبل أن يحصل الأول على رئاسة الوزراء»، مؤكداً «لا يوجد أي انشقاق في حزب الدعوة، وداخل الحزب لا توجد أي مشكلة والخلاف خلاف حكومي فقط وأن المالكي عندما حصل على عدد كبير من الأصوات، حصل عليها كزعيم لحزب «الدعوة»، والآن لدينا زعيمان وبذلك سنحصل على أصوات إضافية أكبر».
في المحصلة الانتخابات العراقية لاتعدو أن تكون اتفاقاً داخل أروقة «حزب الدعوة» للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية عبر خوض الانتخابات عن طريق أكثر من تكتل انتخابي في تلاعب جلي بالناخب العراقي، بالتالي سيكون هذا الحزب هو الرابح الأزلي في هذه الانتخابات. أما الحديث عن وجود انشقاق سياسي في الحزب، فهو لا يعدو أن يكون من باب الأمنيات غير الواقعية، فحزب «الدعوة» وصل للسلطة، ولن يتخلى عنها «حتى يوم القيامة».
3 كيف تدعم السيادة العراقية المصالح الأميركية
جيمس جيفري* ومايكل نايتس (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط) – الأميركي

في 12 مايو المقبل يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء البرلمان القادم، وبعد ذلك سيتفاوض المسؤولون على اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة. وقد شهدت البلاد رحلة طويلة وشاقة منذ الانتخابات العامة الأخيرة في أبريل 2014. فقد استولى تنظيم داعش على أراض شاسعة ضمَّت أكثر من 3 ملايين شخص، و22 مدينة، والعديد من حقول النفط، وقد تم تحريرها جميعا بمساعدة بعض الميليشيات والقوات العسكرية الدولية. وقد انخفضت أسعار النفط بمقدار النصف، ولم يتم إنقاذ البلاد من الإفلاس سوى عن طريق اتخاذ إجراءات تقشف صارمة، والحصول على مساعدات أجنبية وتعافي أسعار النفط جزئيا. كما اقتربت «حكومة إقليم كردستان» في الشمال من الاستقلال المالي وأجرت استفتاء للانفصال عن العراق، مما دفع بغداد إلى الاستيلاء على حقول النفط في كركوك أكتوبر الماضي. ومن ناحية أخرى، أبدت السعودية والإمارات وتركيا استعدادا جديدا للعمل مع الحكومة العراقية كوسيلة لموازنة النفوذ الإيراني.
وباختصار، عانى الناخبون العراقيون من صدمات كبيرة، ينضم إليهم حاليا ناخبون شباب لا يتذكرون حتى حقبة صدّام. وقد يتمتع هؤلاء الناخبون بأفكار حول مستقبل العراق بصورة أقوى من المرشحين أنفسهم.
ورغم أن الحملات الانتخابية بدأت رسميا خلال نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن معالم الانتخابات بدأت تتبلور بالفعل. فقد حقق رئيس الوزراء حيدر العبادي أكثر مما توقَّعه أي مراقب منطقي، نظرا للوضع المروِّع الذي ورثه عام 2014، ويمكنه الإشارة إلى التعافي الاقتصادي والعسكري الضعيف كسبب كاف لانتخابه لولاية أخرى. إذ إنه يتوخى الحذر من المبالغة في المطالب من الناخبين، يبدو أنه قد تخلى في الوقت الحاضر عن خططه المهمة، بل المؤلمة، للإصلاح الاقتصادي. ومع ذلك، فلا يزال يُشير إلى إمكانات جديدة للعراق.
لدى العراقيين الكثير من الأسباب الخاصة بهم للتصدي للنفوذ الإيراني. فبعد صراع دام خمسة عقود، فإنهم لا يرغبون في أن يتمّ جرّهم إلى حروب طهران كما كان الحال في لبنان. فالروابط الإيرانية قد تقيِّد علاقاتهم مع السعودية ودول مجاورة أخرى، مما يحرمهم من استثمارات وشراكات تجارية مهمة.
ليس من شأن أي دولة أجنبية أن تحاول اختيار الفائز في الانتخابات العراقية، وإن أي تدخُّل مباشر في عملية بناء الائتلاف التالي قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وعوضا عن ذلك، تتمثل المقاربة الفضلى بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في تحديد قيمة العرض بوضوح إذا قرر السياسيون العراقيون اعتماد حكومة شاملة، وسياسات أمنية ذكية، وإصلاحات اقتصادية، وحيادية في المسائل الإقليمية. إنها القضايا ذاتها التي دعمها العراقيون أنفسهم بأغلبية ساحقة في استطلاعات رأي محترمة. ويجب أن يكون العرض الذي رسمته واشنطن -ومن الناحية المثالية، شركاؤها الآخرون في التحالف أيضا- صفقة متكاملة من الدعم الأمني وغير الأمني، ويتوقف ذلك على قيام حكومة عراقية صديقة ترغب في معالجة هذه القضايا.
ولا ينبغي النظر إلى الوجود العسكري المستمر على أنه واجب أو حق أميركي، بل كترتيب يعود بالفائدة على الطرفين، مسترشدا بالمبادئ البسيطة نفسها التي رسمت أُطر «عملية الحل المتأصل».
* جيفري سفير الولايات المتحدة السابق في العراق وتركيا
**نايتس زميل «ليفر»، عمل في جميع محافظات العراق
4 «حلف بغداد» لمواجهة التحالف الدولي و… إسرائيل؟
جورج سمعان

الحياة السعودية
تنشط موسكو للرد على الضربة الثلاثية كما كان متوقعاً. تريد تحميل واشنطن وباريس ولندن مسؤولية الوضع الجديد في سورية. فهي لا تجد فرصة لحوار مع الدول الغربية لتسوية سياسية في بلاد الشام. وزير دفاعها سيرغي شويغو أبلغ المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا أن الضربة أضرت بعملية السلام. بل إن زميله وزير الخارجية سيرغي لافروف أعلن الاستعداد لتزويد دمشق بصواريخ «إس 300». تخلت بلاده عن وعدها الغرب بعدم إبرام هذه الصفقة. أما نائبه سيرغي ريابكوف فحذر من التقسيم. يعني ذلك أن لا أمل بأن تثمر الجولة الحالية للمبعوث الأممي في تحريك مسار جنيف الذي تنادي به الولايات المتحدة والدول الأوروبية. بل يستعد «ثلاثي آستانة» إلى عقد جولة محادثات بعد نحو أسبوعين تستدعيها الخريطة الجديدة. فتركيا تريد ترسيخ حضورها في عفرين. ومثلها يرغب حليفا نظام الرئيس بشار الأسد في استثمار نتائج إخراج الفصائل المسلحة من الغوطة. ويستبق الأطراف الثلاثة لقاء وزراء أوروبيين وممثلين عن أميركا في بروكسيل أواخر الشهر المقبل للبحث في الأزمة السورية.
ثمة مشهد عسكري آخر يترافق مع هذه المواقف. فالنظام وحلفاؤه يستعجلون استثمار ما تحقق في الغوطة بفتح الجبهة الجنوبية. وإذا تحقق لهم ذلك لا يبقى لهم سوى الصعود شمالاً لمطالبة تركيا بإخلاء مواقعها شمال سورية وفتح معركة إدلب. وإذا استعجل الرئيس دونالد ترامب سحب قواته سريعاً من شرق سورية وشمال شرقها يمكن إيران أن تنفذ تهديداتها بت «تحرير» هذه المناطق. عندئذ تزول مخاوف ريابكوف من تقسيم سورية. والواقع أن كلاً من روسيا وإيران أقلقهما بلا شك إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عشية «الضربة الثلاثية» حرصه على التحالف مع الولايات المتحدة حرصه على التنسيق مع موسكو. وهما تعرفان جيداً أن أنقرة لا يمكن أن تتنازل عن مناطق انتشارها شمال سورية. بل لا يمكن أن تسمح بانتزاع إدلب من بين يديها. لأن ذلك يعني ببساطة إلغاء أي دور سياسي لها في أي تسوية مستقبلاً. في حين لا تزال تأمل بالتوصل مع واشنطن إلى تفاهم قد يكون نموذجياً إذا تمكنت من تغيير تركيبة «قوات سورية الديموقراطية» قيادة وعناصر بحيث تخبو سيطرة الحزب الديموقراطي الذي تتهمه بأنه فرع لحزب العمال الكردي. وهي بذلك توفر على حليفها الأميركي معضلة ملء الفراغ بعد انسحابه. وهي تطمح إلى أبعد من ذلك. لا تخفي عزمها على دخول جبل قنديل شمال العراق، معقل حزب عبدالله أوجلان، لعلها تعود إلى إحياء المفاوضات لحل المشكلة الكردية. وهي تعلم جيداً أن ثمة هدنة بين هذا الحزب وطهران تمتد من الأراضي الإيرانية وحتى شمال سورية منذ قيام «دولة الخلافة» في الموصل.
وإذا كانت رغبة النظام وحليفه الإيراني في التوجه شمالاً تبدو عصية وصعبة، في ضوء هذا الواقع، فإن السعي إلى التقدم جنوباً قد يكون أكثر صعوبة. ثمة تفاهم أميركي – روسي – أردني لا يزال سارياً. ولا مصلحة لموسكو في تجاوز هذا التفاهم. فإذا كانت الولايات المتحدة «التزمت الخطوط الحمر» التي حددتها لها روسيا، كما صرح لافروف، فمن باب أولى أن تحافظ هذه على «خطوط» هذا التفاهم. لن يكون مسموحاً لقوات إيرانية أو ميليشيات حليفة بالاقتراب من الحدود الجنوبية. إسرائيل التي تستعد لاحتمال عملية ثأرية تنفذها الجمهورية الإسلامية رداً على ضرب مطار تيفور ومقتل ثمانية من «الحرس الثوري» تكرر يومياً بأنها لن تقبل بقواعد إيرانية في بلاد الشام، فكيف يمكن أن تغض الطرف عن قاعدة على مشارف الأرض المحتلة! أما نشر قوات تابعة للنظام في مناطق الجنوب فيستلزم تفاهمات ليست سهلة مع عمان وتل أبيب، ومع واشنطن. علماً أن هذه شنت في شباط (فبراير) الماضي غارة قاسية على ميليشيات اقتربت من دير الزور كانت كافية لرسم «خط أحمر» لدمشق وحليفتيها.
إثارة التحرك نحو الجبهة الجنوبية يختلف تماماً عن مثيله شمالاً. يندرج هذا في إطار سياسة إيران ونفوذها في المشرق العربي من بغداد إلى بيروت. أوفدت قبل أيام وزير الدفاع الجنرال أمير حاتمي إلى العاصمة العراقية حيث عقد مسؤولون عسكريون وأمنيون من روسيا وإيران والعراق وسورية اجتماعاً لترسيخ «الرؤية المشتركة» في مواجهة التهديدات التي تواجه هذه البلدان، كما صرح حاتمي. وكذلك للاستعداد لاحتمال انسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات. بالطبع تسعى موسكو إلى تمتين علاقاتها مع طهران كلما تشددت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية حيال دورها في سورية وسعيها إلى استعادة ما كان لها أيام السوفيات أياً كان الثمن. في حين أن زيارة الوزير الإيراني تندرج في إطار التنسيق حيال أي هجوم غربي أو مواجهة مع إسرائيل قد تتعرض لهما قواعد بلاده في سورية. وفي إطار الاستعداد لمواجهة التهديدات التي تحوط بدور طهران وحضورها في في هذا البلد. وكذلك لمواجهة ضغوط الرئيس ترامب وتلويحه بالخروج من الاتفاق النووي.
ولا شك في أن ثمة مصلحة لكل من روسيا وإيران في قيام «حلف رباعي» في بغداد لمواجهة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. فسياسة الرئيس الأميركي التي يكتنفها الغموض والتخبط والتناقض تقلق هذين البلدين حيال النيات الحقيقية للإدارة الأميركية. فهل يعقل أن يخلي الساحة لهما فيما لا يترك وسيلة لتأكيد نياته الحد من نفوذهما وتمددهما في بلاد الشام وغيرها؟ أم إنه عازم على إرباكهما وإرغام شركائه المعنيين بأزمة سورية على تحمل تبعات المواجهة والمساهمة في الحفاظ على مصالح بلاده وبلادهم في المشرق العربي؟ أم إنه يغامر بإخلاء الساحة لإسرائيل التي تتوعد الجمهورية الإسلامية، وتعلن كل يوم أنها ليست معنية بأي تفاهمات، وأن ما يهمها هو الحفاظ على «أمنها ووجودها»؟ ويشارك موسكو وطهران هذا القلق بعض أركان الإدارة والكونغرس فضلاً عن الشركاء الأوروبيين الذين يخشون أن يؤدي إلغاء الاتفاق النووي إلى صعود التيار المتشدد في الجمهورية الإسلامية. وهو تيار يرى قد لا يتردد في خوض مواجهة واسعة في الإقليم كله من أجل إعادة تمكين قبضته على السلطة في الداخل الذي يعاني من صراعات سياسية واضطرابات اجتماعية واقتصادية تهدد النظام.
تعتقد دوائر غربية أن سياسة حافة الهاوية التي مارسها سيد البيت الأبيض وتلويحه بحرب مدمرة مع بيونغ يانغ لم يكن هدفها المواجهة العسكرية المفتوحة بل ممارسة الحد الأقصى من الضغوط التي انتهت بترتيب قمة بين الزعيمين الأميركي والكوري الشمالي. وثمة مساع حثيثة بذلها ويبذلها روبرت وود مساعد وزير الخارجية لشؤون نزع السلاح مع مسؤولين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للتوصل إلى «اتفاق تكميلي» للنووي من أجل سد «الثغرات» الكبيرة فيه، كما تعتقد واشنطن، ولتعديل سلوك الجمهورية الإسلامية وسياستها في الإقليم، وضبط برنامجها الصاروخي. وإذا كان ترامب يمارس الحد الأقصى من التشدد حيال إيران من أجل انتزاع اتفاق مرضٍ مع نظيره الكوري الشمالي، فلا يستبعد أن يلجأ إلى تأجيل تهديده بالانسحاب من الاتفاق إذا توافقت الدول الأوروبية الثلاث مع روبرت وود على جملة من الخطوات التي تبرر له مثل هذا التأجيل. يبقى السؤال عن موقف إيران. فهي بقدر ما أقلقتها «الضربة الثلاثية» أثارها بالتأكيد التفاهم المسبق بين الولايات المتحدة وروسيا على حدود هذه الضربة. ولا يروقها الحديث عن قوات عربية لملء الفراغ الذي قد تخليه القوات الأميركية شرق الفرات. كما لا يمكنها التغاضي عن الغارات الإسرائيلية التي تستهدفها من وقت إلى آخر. نادت في السابق إلى تفاهم ثلاثي مع بكين وموسكو، وهي تسعى اليوم من بغداد إلى «حلف رباعي». فهل تنجح في رفع التحدي أم توسع «سياسة الصواريخ»؟