مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 شهر كلّ الاستحقاقات العراقية
خيرالله خيرالله
الانتخابات ستكون فرصة للعراقيين كي يؤكدوا أن بلدهم لم ينته بعد. هل هناك شخصية عراقية مستقلّة عن الشخصية الإيرانية؟
هل يستطيع العبادي أن يكون رجل المرحلة
يبدو شهر أيار – مايو المقبل شهر كلّ الاستحقاقات في العراق، وربّما أيضا على صعيد المنطقة كلّها. سيتبيّن أوّلا هل في الإمكان إعادة لملمة العراق في ضوء الانتخابات التي ستجري يوم الثاني عشر من هذا الشهر في وقت لا يزال هناك ثلاثة ملايين عراقي مهجّرين من بيوتهم داخل العراق نفسه؟
الأهمّ من ذلك كلّه، ما طبيعة السلطة التي ستنبثق عن هذه الانتخابات في وقت يسعى رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي إلى الظهور في مظهر القادر على إعادة الحياة إلى دولة القانون في العراق، وهي دولة لم تعد موجودة منذ الانقلاب العسكري في الرابع عشر من تمّوز – يوليو 1958، أي قبل ستين عاما.
بعد سقوط النظام الملكي، زالت دولة القانون في العراق. حلّت العشوائية مكان دولة القانون التي كانت تحمي المواطن والمقيم في العراق، بغض النظر عن انتمائه الديني والقومي. كانت تحمي أيضا الملكية الفردية التي تجعل المواطن والمقيم يشعران بأن الدولة درع لهما…
لا حاجة إلى العودة إلى ما ارتكبته الأنظمة التي توالت على حكم العراق منذ 1958، لكنّ المحزن أن عراق ما بعد العام 2003 سقط في هاوية سحيقة بات صعبا انتشاله منها. تفوّق حزب الدعوة الإسلامي على البعث وعلى عبدالكريم قاسم والأخوين عارف بمراحل طويلة.
كان لا بدّ من معجزة تعيد بعض الاعتبار إلى نظام صدّام حسين الذي ارتكب حماقة زج العراق في مغامرة احتلال الكويت. لكنّ ما حصل بعد 2003 كان كفيلا بتحقيق هذه المعجزة التي جعلت عراقيين كثيرين يترحّمون على صدّام الذي تميّز بأنّه أدرك باكرا الخطر الإيراني على العراق بعد وصول الخميني إلى السلطة في العام 1979، لكنّه لم يعرف كيفية التعاطي معه. على العكس من ذلك، أدخل العراق في حرب استمرّت ثماني سنوات خرج منها بلده منهوكا ومعه كلّ المنطقة.
لم يكن الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 مجرّد عملية تسليم لإيران لبلد عربيّ يعتبر أحد أعمدة النظام الإقليمي القائم منذ انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي. كان أكثر من ذلك بكثير.
أعطى الاحتلال الأميركي للعراق وما تلاه من قرارات تصبّ في مصلحة طهران دفعة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني. نجح المشروع الإيراني في العام 2003 حيث فشل في العام 1979 عندما بدأ التحرّش بالعراق من منطلق مذهبي قبل أيّ شيء آخر. هذا ما جعل صدّام حسين يفقد وقتذاك أعصابه ويدخل بلاده في حرب غير مدروسة غير مدرك في الوقت ذاته أن الخميني كان المستفيد الأوّل منها. كيف ذلك؟ الجواب بكل بساطة أنّ الزعيم الإيراني الجديد، الذي حلّ مكان الشاه، لم يكن يثق بالجيش الإيراني.
كانت الحرب التي جُرّ صدّام حسين إليها فرصة كي يرسل هذا الجيش إلى الجبهات متّكلا على أنّ ما سيدفعه إلى ذلك الحس الوطني الفارسي. جعل هذا الحس كبار ضباط الجيش الإيراني ينسون أن من بين أهداف الخميني التخلّص من جيش الشاه…
ستكون الانتخابات العراقية نقطة تحوّل. ستظهر هل في استطاعة العراق التقاط أنفاسه أم أن مستقبل النظام ومستقبل البلد ومؤسساته صار محسوما. هذا يعني هل ستتمكن إيران من تكرار تجربتها في العراق؟ بكلام أوضح هل سيحلّ “الحشد الشعبي”، على الرغم من كلّ التناقضات والخلافات بن مكوناته، مكان الجيش العراقي تماما مثلما حلّ “الحرس الثوري” الإيراني مكان الجيش الإيراني؟
سيتبيّن، بعد الانتخابات العراقية، ما إذا كان حيدر العبادي سيكون قادرا على استعادة دولة القانون أم أن العراق سقط نهائيا في يد إيران التي تعرف أنّ مأزقها العراقي يتعمّق. بات على إيران البحث عن طريقة كي يبقى العراق تحت سيطرتها وإن كان ذلك عن طريق دعم شخص آخر غير نوري المالكي…
حتّى لو كان هذا الشخص يمتلك ظاهرا ميزات السياسي شبه المستقلّ. هناك سؤال واحد لا مفرّ من طرحه على هامش الانتخابات العراقية. هل سيكون “الحشد العراقي” بمثابة “الحرس الثوري” في العراق، علما أن قيادات “الحشد” التي قاتل معظمها مع إيران ضد العراق في حرب 1980 – 1988 تنتمي عمليا إلى “الحرس الثوري”؟
ما قد يساعد العراق، ممثلا بحيدر العبادي، في التملص من الأخطبوط الإيراني أن موعد الثاني عشر من أيّار – مايو 2018 هو أيضا موعد الموقف الأميركي من تمديد الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.
الانتخابات العراقية ستكون نقطة تحول. ستظهر هل في استطاعة العراق التقاط أنفاسه أم أن مستقبل النظام ومستقبل البلد ومؤسساته صار محسوما. هل ستتمكن إيران من تكرار تجربتها في العراق؟
ليس معروفا بعد الموقف الذي ستتخذه إدارة ترامب التي تميل إلى إلغاء الاتفاق من جانب واحد، علما أن أوروبا ممثلة بفرنسا وبريطانيا وألمانيا تميل إلى جعله مرتبطا بشروط جديدة تشمل، إضافة إلى الملفّ النووي، الصواريخ الباليستية والسلوك الإيراني على الصعيد الإقليمي مع ما يعنيه من ضرورة توقف إيران عن دعم الميليشيات المذهبية التابعة لها والتي تمثل الوجه الآخر لـ”داعش” وما شابهه.
ستكون الانتخابات فرصة للعراقيين كي يؤكدوا أن بلدهم لم ينته بعد. هل هناك شخصية عراقية مستقلّة عن الشخصية الإيرانية؟ هل هناك بلد اسمه العراق يستطيع استعادة المرحلة الذهبية من تاريخه القصير، أي مرحلة ما قبل 1958؟
وهذا يعني قبل أيّ شيء وجود دولة قادرة على أن تكون على مسافة واحدة من كل مواطن بغض النظر عن مذهبه وطائفته وانتمائه القومي، أي سواء أكان شيعيا أم سنّيا أم مسيحيا أم إيزيديا أم من الصابئة… أكان عربيا أم تركيا أم تركمانيا.
يختزل سؤالان المرحلة التي يبدو العراق مقبلا عليها.
السؤال الأوّل هل يستطيع حيدر العبادي بخلفيته الحزبية (حزب الدعوة) أن يكون رجل المرحلة، رجل عودة دولة القانون، أي الدولة الحقيقية بمؤسساتها المدنية وجيشها الوطني؟
أمّا السؤال الثاني، فهو مرتبط بتأثير الموقف الأميركي السلبي من الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني على طبيعة العلاقة الإيرانية – الأميركية من جهة والوضع الإيراني الداخلي من جهة أخرى؟
يمكن لإيران، بسبب المشاكل المتنوعة التي تعاني منها، أن تجد نفسها مضطرّة إلى إظهار أنّها لا تزال قويّة. يمكن أن تكون لذلك انعكاساته على الوضع العراقي. سيعني الأمر زيادة الضغوط على العراق وعلى حيدر العبادي نفسه كي يشعر أنّه مطوّق وأن لا خيار أمامه غير “الحشد الشعبي”.
إنّه بالفعل شهر كلّ الاستحقاقات العراقية، شهر دفاع إيران عن وجودها في العراق، وهو وجود فتح في العام 2003 آفاقا جديدة أمام مشروعها التوسّعي الذي عبّر عن نفسه بطريقة أكثر وقاحة في غير مكان بما في ذلك سوريا ولبنان واليمن والبحرين، فضلا عن العراق بطبيعة الحال.

2 سبل معالجة أسباب هبوط الودائع المصرفية في العراق ذكاء مخلص الخالدي الحياة السعودية
شكّلت أخيراً ظاهرة هبوط الودائع في المصارف العراقية، وتحديداً تلك الخاصة، محور اهتمام المعنيين بالشأن المصرفي، لدرجة بات حجم رؤوس الأموال يتجاوز قيمتها. ولا شكل أن هذه الظاهرة غير صحية ولا تنسجم مع طبيعة عمل البنوك، التي تنصب مهمتها على استقطاب المدخرات على شكل ودائع وإعادة تدويرها من خلال تقديم القروض لتسيير عجلة النمو الاقتصادي.
وتشير الإحصاءات النقدية، إلى أن 77 في المئة من عرض النقد في العراق موجود في جيوب الأفراد، وليس للمصارف سيطرة عليها، أي يكتنزها الأفراد عوضاً عن إيداعها في البنوك. ويستخدمونها في شكل مباشر في معاملاتهم الشرائية اليومية، بدلاً من استخدام الحسابات الجارية (أي الدفع من طريق الشيكات).
وينشغل المعنيون أيضاً بمشكلة تركز هذه الودائع لدى المصارف الحكومية، بحيث بلغت حصتها 89 في المئة من المطلوبات المصرفية الإجمالية (وليس الموجودات)، معظمها من نصيب مصرف «الرافدين» الحكومي.
ويشهد العراق حالياً توسعاً ملحوظاً في عدد المصارف الأهلية وافتتاح فروع لبنوك عربية وأجنبية، ويبلغ عددها حالياً 115 مصرفاً ومؤسسة مالية، منها 7 حكومية و23 إسلامياً أهلياً و24 تجارياً واستثمارياً أهلياً، و20 فرعاً لمصارف عربية وعالمية. وبذلك يصل مجموع المصارف العاملة في العراق من حكومية وأهلية وعربية وأجنبية إلى 74، يتركز معظمها في بغداد والمدن الكبيرة.
ويعود 60 في المئة من الودائع المصرفية الإجمالية خصوصاً في بنوك القطاع العام، إلى دوائر حكومية. فيما تنقسم النسبة المتبقية (40 في المئة) بين الأفراد والشركات المحلية والأجنبية. ويستحوذ مصرف «الرافدين» على 45 في المئة من الودائع الحكومية والخاصة.
لا شك في أنَّ انخفاض أسعار النفط منذ العام 2014 وسياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة بعد ذلك، أثرت كثيراً في تدني حجم ودائع القطاعين العام والخاص. إذ تأثر الأخير بتراجع الإنفاق الحكومي وبالاستقطاعات التي شملت الموظفين والمتقاعدين.
ويُذكر أن في العراق العدد الأكبر من المصارف مقارنة ببعض دول الجوار، لكن مجموع الودائع فيها لا يتجاوز ما لدى أي مصرف متوسط فيها. ويعزو أعضاء في اللجنة المالية النيابية، الخلل الذي يواجهه القطاع المصرفي في العراق، إلى عدم اعتماد الأخير على الدعاية وتثقيف الأفراد لتشجيعهم على التعامل مع المصارف. كما دعي المعنيون في البنك المركزي العراقي، إلى مواصلة المساعي الهادفة إلى ترغيب الجمهور بالتعامل مع المؤسسات المصرفية، وترك عادة الاكتناز.
بعد سرد هذه الحقائق عن تدني ظاهرة الودائع المصرفية في المصارف العراقية، لا بد من طرح أسئلة حولها، فهل تكمن المشكلة في النظام المصرفي العراقي ذاته أم في الأفراد غير الراغبين في التعامل مع المصارف لأي سبب كان، مثل ضعف الثقافة المصرفية نتيجة ضعف الدعاية التي يجب أنْ تقوم بها المصارف لهذا الغرض، أم ضعف دور البنك المركزي في محاربة الاكتناز؟ أو أن السبب يعود إلى الوضع العام بما فيه الوضع الاقتصادي؟ أم إلى هذه الأسباب مجتمعة؟
إنَّ العدد الكبير من المصارف الخاصة والتي تأسست في العراق بعد 2003 تحت مسميات مختلفة، لم تأتِ نتيجة الحاجة إليها لأغراض تسهيل سير النشاطات الاقتصادية، بل نشأ كثير منها من قبل جهات وأحزاب سياسية بهدف الاستفادة من شراء العملة اليومي، الذي ينظمه البنك المركزي لبيع الدولار إلى المصارف وشركات التحويل المالي. وتلعب مصارف كثيرة دوراً كبيراً في تهريب العملة إلى الخارج، وتعلم كل الجهات المعنية في العراق بهذه الحقيقة. كما تأسست هذه المصارف بأعداد كبيرة، لم يكن العراق معتاداً عليها وهو الذي ظل منذ قرارات التأميم في 1963، يسمح بالمصارف الحكومية فقط. لذا لم يواكب البنك المركزي هذه الزيادة في عدد المصارف الخاصة، بممارسة رقابة فعلية وفعّالة عليها، كما نص على ذلك قانونه.
وحتى عندما تعثرت بعض هذه المصارف ووضعها البنك المركزي تحت وصايته، ظلت إجراءات تلك الوصاية ناقصة، لأن الهدف منها تقويم الوضع المالي للمصرف والاستحواذ على أصوله وموجوداته لحفظ ودائع القطاع الخاص، ما يطمئن المواطنين ويبني الثقة في الجهاز المصرفي.
إنَّ تعثر بعض المصارف الخاصة والغموض المحيط بنشاطاتها، خصوصاً تلك المرتبطة بتهريب العملة وعدم ممارسة البنك المركزي الرقابة الفعلية والفعّالة عليها، أضعف الثقة في النظام المصرفي العراقي ككل. ومعروف تاريخياً، أن عمل النظام المصرفي ونجاحه لا يتحققا إلا بثقة الأفراد فيه، التي لا يمكن فرضها، إذ لا يمكن أي جهة إجبار الأفراد على التعامل مع المصارف، إذا لم يكن لديهم ثقة فيها.
إنَّ النهب الذي تعرض له بعض المصارف بعد غزو العراق في 2003 ، والأشياء الثمينة التي كانت مودعة فيها وفقدها كثر، وتعثر بعض البنوك الخاصة وارتباط أسمائها بالفساد وتهريب الأموال وضعف الدور الرقابي للبنك المركزي، شكلت عوامل أضعفت الثقة في النظام المصرفي، وتحديداً تلك الخاصة.
وفي هذه الحالة، لم تحضّ الدعاية ولا محاولات البنك المركزي الأفراد على الادخار في المصارف وعدم الاكتناز، يمكن أنْ يجدي نفعاً. ويفسّر ذلك أيضاً أسباب توجه الودائع نحو مصرف «الرافدين» وهو قديم تأسس في 1941 وحكومي بالكامل، وليس في تاريخه الطويل ما يشوبه ويعتري التعامل معه.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن العراق لم يتمكن في أفضل أوقاته من نشر الثقافة المصرفية بين الأفراد، الذين ظلوا يفضلون التعامل بالنقود مباشرة وليس من خلال استخدام الحسابات الجارية، باستثناء رجال الأعمال من تجار وصناعيين. ففي ستينات القرن الماضي وسبعيناته، لم تنخفض نسبة النقد في التداول إلى مجموع عرض النقد عن 70 في المئة في معظم الأحوال. ويعود ذلك إلى غياب الإنماء المتوازن وضعف معدلات الدخل الفردي، والخوف من نتائج استخدام الشيكات، التي قد يُحرر بعضها من دون رصيد وما يعقب ذلك من مشاكل قانونية.
ومن المعروف عن تطور النظام المصرفي العالمي، أن العادة المصرفية تزداد بتطور الاقتصاد وارتفاع مستويات الدخل والثقة في النظام المصرفي ونزاهة القضاء واستتباب الأمن.
لكن في الظروف الحالية في العراق، حيث القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة شبه معطلة ولا تتجاوز مساهمتها في الناتج المحلي نسبة 5 وواحد في المئة على التوالي، وتراجع مستوى الدخل باستثناء الفئات العليا من الموظفين، بحيث ارتفع مؤشر الفقر الوطني من 15 إلى 23 في المئة، ومن 20 إلى 41 في المئة، في المحافظات التي تعرضت لاحتلال «داعش». كيف يُتوقع من الأفراد تحقيق مدخرات وإيداعها لدى البنوك. أما أصحاب المداخيل المرتفعة، فلديهم حسابات خارجية يفضلونها على الحسابات الداخلية.
إذاً ما شهده القطاع المصرفي العراقي حالياً من هبوط في حجم الودائع وتركزها لدى المصارف الحكومية، لا تمكن معالجته إلا من طريق إنعاش الوضع الاقتصادي، خصوصاً الزراعة والصناعة ووضع المصارف الخاصة تحت رقابة البنك المركزي، وتشجيعها على الانخراط في تمويل النشاطات الاقتصادية واتباع سياسة الإنماء المتوازن، ومحاربة الفساد بكل أشكاله وإرساء دولة القانون والمؤسسات.