1 الفضائح أداة دعائية في الحملات الانتخابية في العراق همام طه العرب بريطانيا
التشهير الفضائحي أداة شعبوية بيد الفئات الاجتماعية المهمشة للثأر من النخب المهيمنة والاحتجاج على طبقية النظام السياسي والاجتماعي في العراق.
تحركات شعبوية
بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي لمقطع فيديو فضائحي مزعوم ادعى مروّجوه أنه لأستاذة جامعية مرشحة للانتخابات العراقية، أصدرت وزارة التعليم العالي قرار إيقاف الضحية عن العمل. وبررت ذلك القرار بأنه جاء “احترازا وحفاظا على هيبة الوظيفة العامة وتجنبا لكل ما يمس بها”، ما يعني أن الوزارة تعتبر هيبة الوظيفة العامة أهم من سمعة وكرامة إنسان، وأهم من سمعة وكرامة عضو في هيئة التدريس الجامعي.
شكلت حملة التشهير صدمة وإساءة بالغتين للوجدان الجمعي العراقي ولكل النساء المتصديات للشأن العام، وسمحت للخطاب الشعبوي بالانفلات وبث مشاعر الازدراء ضد المرأة التي تنخرط في العمل العام. ولذلك فإن من حق الأكاديمية الضحية أن ترفع دعوى قضائية على وزارة التعليم العالي لأنها شاركت في التشهير بها وتشويه سمعتها عبر الاستجابة للنزعة الفضائحية بقرار إيقافها عن العمل قبل التحقيق في الواقعة وإثباتها وتحديد درجة مسؤولية الضحية ووجه الإدانة القانونية لها.
إنها الرسالة الخطأ التي أوصلتها الوزارة وهيئات التدريس إلى طلبتها وإلى المجتمع. انشغلت الوزارة بالجريمة الافتراضية (احتمالية ثبوت التهمة على الضحية) وتركت الجريمة الحقيقية الماثلة أمامها وهي جريمة التشهير والافتراس الجماعي لسمعة الضحية.
وكان ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي قد شارك أيضا في التشهير بالضحية عندما استبعدها من قائمة مرشحيه للانتخابات بدعوى “عدم التزامها بشروط الترشيح”، وهي العبارة التي تضمنت تلميحا إلى التسليم بصحّة الفيديو وشكّلت اغتيالا معنويا للضحية.
كان يفترض بالعبادي أن يرفض بوضوح وصرامة التشهير بامرأة بهذه الطريقة لا سيّما وأن نشر الفيديو يأتي في توقيت ملتبس ومشحون حيث تتصاعد حمى التسقيط السياسي بين القوى المتنافسة في انتخابات مايو 2018؛ بمعنى أن شبهة الفبركة والاستهداف السياسي حاضرة بقوة. كما أن احتمالية الفبركة قد تعني أن المرشحة دفعت من سمعتها ثمن صراع العبادي مع منافسيه الذين يريدون ضرب سمعة ائتلافه والإضرار بحظوظه الانتخابية المتوقعة. كان يفترض بالعبادي أن يرفض بوضوح وصرامة التشهير بامرأة بهذه الطريقة لا سيّما وأن نشر الفيديو يأتي في توقيت ملتبس ومشحون. ويذكرنا سلوك صانع القرار العراقي اليوم بما حصل في عهد حكومة المالكي الأولى، فعندما ادعت مواطنة تعرّضها للاغتصاب على يد قوات الأمن، وكان للقضية بُعد طائفي، نفى المالكي ادعاءاتها وقام بتكريم الضباط المتهمين ووصفهم بـ”الشرفاء” عوض التحقيق معهم، فسمح بتحوّل القضية إلى مادة لزيادة الانقسام الطائفي في المجتمع يتم استدعاؤها في خطابات الكراهية حتى هذه اللحظة، بينما كان بإمكانه أن يجعلها مدخلا لتوحيد المجتمع بأن يتبنى القضية ويعلن التزامه بأخذ حق الضحية فيأمر بالتحقيق في الادعاء ويتوعّد المتورطين إذا ثبت تورطهم؛ وبذلك كان سيوحّد العراقيين ويكسب دعم الشارع العراقي في قضية تحظى بالإجماع لأنها تتعلق بالشرف والسمعة. كان بإمكان العبادي أيضا أن يرفض التشهير بالأكاديمية المرشحة ضمن ائتلافه، وأن يتحمّل تجاهها المسؤولية السياسية والدستورية كمواطنة والمسؤولية الأخلاقية كامرأة في مجتمع محافظ فيحوّل بذلك القضية لصالحه وصالح ائتلافه عبر جعلها قضية وطنية مُلهِمة تجعل العراقيين يؤيدونه فيها ويعيدون اكتشاف ذاتهم الأخلاقية، ويجمع العراقيين خلفه حول قضية تحظى بإجماعهم وتحتل موقعا مركزيا في الثقافة الاجتماعية وهي قضية “الشرف” وصون الحرمات والخصوصيات. لكنه لم يفعل واختار التخلي عن المرشحة والتصرّف كرجل سياسة يحابي النزعات الشعبوية حرصا على مصالح انتخابية.يعكس خضوع الدولة للنزعة الشعبوية تنصّلها من النهوض بمسؤوليتها في التغيير الاجتماعي والثقافي وقيادة قاطرة التقدم الحضاري في البلاد. فالشعبوية بما هي اللاعقلانية والنزعة الانفعالية تشكّل أحد منتجات النظام السياسي العراقي لأنه نظام يقوم على تأجيج النعرات الطائفية والجهوية، وهي اليوم ترتد عليه في صورة حالة من السخط الشعبي العارم ينطبق عليها تعريف عالم الاجتماع الأميركي إدوارد شيلز للشعبوية بأنها “أيديولوجيا الاستياء الموجّهة ضد نظام اجتماعي مفروض من قبل طبقة مضى على وجودها في وضع الهيمنة فترة زمنية طويلة، ويُفترض أنها تحتكر السلطة والثروة والامتيازات والثقافة”. واستنادا إلى هذا التعريف فإن حملات التشهير المكثفة التي طالت المرشحة الضحية وغيرها من مرشحات الانتخابات على مواقع التواصل الاجتماعي إنما تعكس النقمة السائدة في الطبقات المهمشة على النظام السياسي العراقي القائم على التمييز الاجتماعي والاقتصادي ومحاباته للنخب والطبقتين العليا والوسطى المرفهتين على حساب الطبقات الأدنى الفقيرة، وسعي هذه الطبقات المحرومة أو التي ترى نفسها كذلك للانتقام من النخب المهيمنة عبر واحدة من أكثر وسائل الانتقام إيلاماً وتعبيراً عن الغضب والرفض والعداوة وهي التشهير الجنسي بالضحايا.
2 موسم الانتخابات: من يحصد العراقيين يحصد أصواتهم
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
الخوف والتبعية والإذلال والاستلاب الطائفي والعشائري والميليشياوي، وثلاثية الفقر والجهل والمرض تثقل بقوة على مصير صناديق انتخابات برلمان العراق في 12 مايو المقبل، حتى ولو مع وجوه جديدة بعضها عراقي السمات والأمل.
التلوث الانتخابي يتفوق على التلوث البيئي
العراق وفقاً للتقارير والبحوث العلمية مركز حيوي لرصد متغيرات المناخ العام في الإقليم المحيط به وفي كوكب الأرض، رغم أنه لم يكن طرفا فعالا في التلوث لقلة مساهمته في ارتفاع نسب عوادم الكاربون ولانخفاض مشاريعه الصناعية.
لكن تربة العراق ملوثة بمنتجات الحروب من تجارب اليورانيوم غير المنضب في المقذوفات وامتداد آثارها إلى ملايين السنين دون مبالغة؛ ولآلاف الألغام غير المتفجرة على طول الحدود مع إيران بمفاجآت انجراف التربة في أيام السيول، وما تحمله من كوارث للقرى العراقية.
قلة في المياه الصالحة للشرب تقابلها وفرة في مشكلات الري وصلت حد التهديد بالسلاح بين المحافظات لتفاوت الحصص المائية، يضاف إليها التجاوز الإيراني بقطع وتحويل مجرى الأنهار وإزاحة مياه البزل المالحة إلى داخل الأراضي العراقية، مما أدى إلى هجرة الفلاحين من عديد القرى في البصرة لفقدانهم مصادر رزقهم.
انخفاض في الغطاء النباتي الطبيعي مع ارتفاع معدلات الغبار وتفشي الأمراض بتدني الخدمات الصحية والإرشادية والتعليمية؛ فللانحطاط العام سلسلة من موروثات التلوث قادتنا إلى حروب داخلية أو بالأحرى حروب أهلية.
بعد 15 سنة من الاحتلال الأميركي الإيراني للعراق تبدو الحقيقة الماثلة أمامنا بلا ستر، لأنها تركت جثث أطفالنا وأعراضنا وشبابنا وكهولنا مكدسة في أقبية منهارة من مدينة كانت تسمّى الموصل وفي التاريخ نينوى، حتى أصبحت عوائلنا مصدراً للتلوث في زمن انتصار تنظيم داعش على حكومة حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، ثم انتصار حكومة حزب الدعوة بزعامة حيدر العبادي على تنظيم داعش.
من يسأل عن المشردين في الخيام وعن الدم المسفوح في الموصل بعد أن تحول الموت إلى استذكار انتخابي لانتصار إرهاب تنظيم الدولة وإرهاب تنظيم الدولة الإيرانية على العراق والعراقيين.
حضر موسم انتخابات برلمان العراق، وهو موسم حصد العراقيين، بمعنى حصاد أعمارهم وآمالهم من قبل حفنة عملاء مأجورين مرتشين، لصوص وخونة، نشطوا على تلويث وتسميم حياة العراقيين، وتكالبوا وتداعوا عليه كما يتداعى الذباب على قطعة حلوى. من يأمل بزرعه عليه أولاً أن يهيئ شتلته ليودعها في أرض صالحة واعدة.
تربة الاحتلال لا يمكن أبدا أن تنمو فيها شجرة طيبة، فعمليته السياسية جذورها في أقبية ودهاليز الولي الفقيه، وفروعها في أذرع ميليشيات الحرس الثوري الإيراني.
التلوث الانتخابي يتفوق على التلوث البيئي في منجزات جرائم حكومات الاحتلالين المتعـاقبة؛ فأصوات الناخبين تعني مصادقتهم على مصادرة حقـوقهم لأربع سنوات أخرى وتمديد المعاناة وسفك الدماء؛ إذ لا يجدي بعد تفويض عتاة المجرمين التباكي على وطن في ساحة تحرير لم يتبق منها غير نصب هو الآخر آيل للسقوط.
تدافع للمرشحين على خـوض الانتخابات، كما لو كان الشعب هيئة عامة قررت برمتها ترشيح نفسها لخوض الانتخابات للفوز بمقاعد اتحاد تعاوني أو جمعية إسكانية، ألا يدعو ذلك للتساؤل عن جدوى هذا الازدحام المخجل والمكلف جدا قياسا إلى مبالغ مطبوعات الحملات الدعائية.
الهدف ربما يتجاوز الحصول على مقعد برلماني بما أفصحت عن مغانمها دورات البرلمان الماضية، وهي مغانم لا تقتصر على رواتب أو رواتب حمايات أو تقاعد. بهكذا وصف الشعب يكرر ذاته لا من أجل التغيير، بل من أجل مكارم سلطة وأحزاب وحكومة واستجوابات برلمانية وتشريعات دسمة.
من لا يحصد حفنة عراقيين يتجه إلى جلباب رجل دين وهو بالأحرى زعيم روحي عقائدي يؤدي وظيفة إشارة ضوئية للملايين من الأتباع تنظم سيرهم وانتظارهم ووقوفهم ومفترق طرقاتهم.
من لا يعثر من هؤلاء الطامحين على عباءة يقزم بها كرامته ومفاخر تقدميته وتحرره ليدخل بها إلى البرلمان، ينضوي تحت أبوة الميليشيات بما تبديه من استعداد لكافة المنازلات؛ وصفة الميليشيات مجربة ومخطئ من يقترب من سوء تقديرها في حصد العراقيين أو حصد أصواتهم.
وباء ديمقراطي للارتزاق وباء ديمقراطي للارتزاق
عدوى الترشيحات انتقلت إلى النقابات والاتحادات المهنية في وباء ديمقراطي للارتزاق من نعمة انحطاط شامل؛ وهذا يدفعنا للقول إن العراقيين ربما بفطرتهم اكتشفوا إنها السنوات الأخيرة من تاريخ زائل حتما يرتبط دون جهد أو ثورة منهم بانتفاضة الشعوب الإيرانية ضد علي خامنئي ونظام الملالي.
كما إنهـا ترتبـط برغبة تسـاور قادة العالم المتقدم في الانصراف إلى تدعيم اقتصاد دولهم وعدم الانغلاق في مناطق مظلمة، في دعوة عامة لا تشبه الدعوة إلى مقاعد برلمان العراق إنما لمغادرة حدود جمجمة لا ترى في الأرض إلا ابتذالا للفكر الإنساني وموتا لأعـداء لم تلتق بهم أو تتحاور معهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مجاهل التخلف والتلوث.
تطفو على السطح معالم التغيير في الانتخابات البرلمانية بإكسسوارات ثقافة جمعة شارع المتنبي، وللعراقيين متنبي مماثل لبغدادهم في معظم مراكز المدن، فما يسود من ثورة على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الإعلام لرفض تغييب الحياة المدنية لم يكن غائبا عن الوعي منذ الاحتلال رغم إنه تصاعد أو تبلور في التجارب المريرة.
رفض لا علاقة له بحسم أصوات الناخبين لصالح عراق لا نقول جديد، إنما هو رفض يضع أقدامنا على عتبة عراق ما بعد الحرب العالمية الثانية لصناعة خطوة اتصال تنتقل به إلى الحداثة والاستقرار والاستقلال القائم على الانفتاح والتعايش الحضاري وحب العلم والتقدّم ونبذ الغلوّ، والتطلع إلى استلهام تجارب البشرية واعتبار الإنسان ثروة في المادة والمعنى.
ستذهب الأصوات خارج صندوق انتخابات المتنبي، لأن المتنبي صوت متمرّد مطلوب للجلاد، فلا قيمة لأوراق الوراقين وأجسادهم المحترقة منذ مئات السنين، ولا لعقولهم أو بهجتهم بالحياة ولا باشتباك رؤاهم بثقافة العالم وفنه وعلمه ولغاته.
من يحصد العراقيين هو من يحصد أصواتهم، فالخوف والتبعية والإذلال والاستلاب الطائفي والعشائري والميليشياوي، وثـلاثية الفقر والجهل والمرض تثقل بقوة على مصير صناديق انتخابات برلمان العراق في 12 مايو المقبل، حتى ولو مع وجوه جديدة بعضها عراقي السمات والأمل، لكن في أعماق الصناديق أعماق تبكي من علامات الانحطاط رغم إنها ترتعد وتدوي بعنف وصخب كقصائد المتنبي.
3 بلير فخور بالقضاء على صدام!
.نجم عبدالكريم الجريدة الكويتية
الشعب البريطاني من أكثر الشعوب التي تبادر بالتظاهر ضد الحروب منذ عقود طويلة، ولولا ذلك لما حصلت كثير من البلدان على استقلالها، بما فيها الهند، التي كانت تُلقب بـ”درة التاج البريطاني”. وفي ستينيات القرن الماضي أقام الفيلسوف البريطاني برتراند راسل محكمة دولية ضمَّت الكثير من المؤسسات المحبة للسلام، لمحاكمة الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت تشن حرباً على فيتنام.
بل حتى القضية الفلسطينية أصبح الشارع البريطاني ينظم لها أكبر التظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني في مواجهته للجرائم الصهيونية.
***
• أمام هذا التاريخ عكفت على قراءة مذكرات توني بلير، وهو كتاب ضخم يتكون من 932 صفحة من القطع الكبير، وقد احتوى على تاريخ هذا السياسي الذي لم يعد يحظى بشعبية عند البريطانيين، بسبب انسياقه مع المساهمات الحربية التي قادتها أميركا بالمنطقة عندما كان رئيساً لوزراء بريطانيا، وتحديداً دوره بالعراق في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وقد شُنَّت عليه العديد من الحملات، ونجده في هذه المذكرات يرد على كل منتقديه في الصفحة 515:
“إنني لا أستطيع أن أبدي أسفي على اتخاذ قرار الحرب، وذلك للسبب الذي سأذكره: إنني لم أتمكن قط من توقع الكابوس الذي نتج عن الحرب، وهو جزء من تلك المسؤولية، لكن مفهوم (المسؤولية) لا يشير إلى عبء مضى، بل يشير إلى عبء مستمر. يمكن أن يبدو الأسف (الندم) مرتبطاً بالماضي، لكن المسؤولية تملك صفتها الحاضرة والمستقبلية”.
• ثم يسترسل بسرد وقائع الأحداث التي أدت إلى سقوط حكم صدام… إلا أنه يضيف:
“تركت منصبي وانشغلت بلعب دور مختلف كلياً، ولكني مازلت منشغلاً بذلك الصراع ذاته، والذي تسبب في كل تلك الأحداث التي سأصفها: إنني أنطق بالصدق عندما أقول إني أفكر في العراق، وأفغانستان، وما يجري فيهما، وفي الضحايا التي تسقط فيهما كل يوم، لكن هناك أكثر من ذلك، لأنني أستخدم ذلك التفكير من أجل إعادة الالتزام بمفهوم غاية في قضية أكبر، وهي مهمة لم تنتهِ بعد. أعرف أن الذين ماتوا لا يمكنني إعادتهم إلى الحياة مهما أبديت من تعابير الأسف، لكني أستطيع تخصيص قسم كبير من حياتي من أجل ذلك الصراع الأوسع، وفي محاولة إكسابه معنى وغاية وعزماً من أجل إبقاء مسؤوليتي على ما هي عليه من نشاط”.
• وفي مذكرات توني بلير ما يشبه الاعتراف بجسامة الحرب، حيث جاء في الصفحة 715:
“تميزت الفترة التي أعقبت الإطاحة بصدام عن الحكم في مايو 2003 بأنها دموية، تدميرية، وفوضوية، وكانت مهمتي إقناع القارئ بصوابية هذه القضية، وهي قضية تتطلب انفتاحاً ذهنياً، وفكرت كثيراً في الماضي، ما إذا كنت على خطأ، لكني لم أطلب من القارئ أن يفكر معي الآن فيما إذا كنت على صواب”.
• ما خلص إليه بلير في مذكراته، أنه إذا كان تشرشل قد دخل التاريخ لأنه قضى على أحلام هتلر، فإنه دخل التاريخ لمساهمته في القضاء على أحلام صدام!
4 كيف يواجه العبادي تركة المالكي؟ احمد صبري الوطن العمانية
”.. ما يصعب مهمة العبادي في معالجة تركة المالكي أنهما ينتميان إلى الحزب ذاته ـ حزب الدعوة ـ ويقودان تيارين يتصارعان على استمرار الدعوة في إدارة شؤون العراق كل على طريقته، غير أن العبادي أسس لفترة حكمه الأولى نواة أو قاعدة لتجديد ولايته عبر خوضه الانتخابات بقائمة منفصلة عن قائمة المالكي، مبتعدا قليلا عن حزب الدعوة، واستقطب قوى وشخصيات سنية إلى قائمته.”
يحاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن يعالج التركة الثقيلة التي ورثها من سلفه نوري المالكي، رغم مرور أربع سنوات التي قضاها العبادي في إدارة شؤون الحكم، إلا أنه لم يفلح في معالجة هذه التركة بفعل الدولة العميقة التي يديرها سلفه من خلال أتباعه الذين زرعهم في أهم وأخطر المواقع في الدولة.
وما يصعب مهمة العبادي في معالجة تركة المالكي أنهما ينتميان إلى الحزب ذاته ـ حزب الدعوة ـ ويقودان تيارين يتصارعان على استمرار الدعوة في إدارة شؤون العراق كل على طريقته، غير أن العبادي أسس لفترة حكمه الأولى نواة أو قاعدة لتجديد ولايته عبر خوضه الانتخابات بقائمة منفصلة عن قائمة المالكي، مبتعدا قليلا عن حزب الدعوة، واستقطب قوى وشخصيات سنية إلى قائمته – النصر – في محاولة لعزل المالكي وسد أي ثغرة قد ينفذ منها سلفه للعودة ثانية لرئاسة الحكومة.
صحيح أن العبادي يراهن على إنجازاته العسكرية في إعادة المدن التي كانت تحت سيطرة “داعش” وسعيه لمحاربة الفساد وحيتانه، والتأكيد على دولة المواطنة العابرة للتخندق الطائفي، والانفتاح على محيطه العربي، والنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية، غير أنه يواجه باصطفاف يقوده المالكي لمنعه من استثمار هذه المنجزات في حملته الانتخابية.
ولهذا الغرض لم يترك المالكي بابا أمام المصالحة إلا وأغلقه ضمن منهجه في إبعاد خصومه السياسيين والاستئثار بالسلطة.
وأدت سياسة المالكي على مدى ولايتيه التي دامت ثماني سنوات إلى أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وقبل ذلك أمنية وضعت العراق على طريق الفوضى بعد أن أخفق المالكي في معالجة أوضاع العراقيين، والحفاظ على ثرواتهم التي ذهبت إلى جيوب السراق والمفسدين، ناهيك عن خروج نحو ثلث مساحة العراق عن سيطرة الحكومة العراقية بعد سيطرة “داعش” عليها وانهيار قواته، وتخاذل قياداتها التي كانت تحظى بدعم وإسناد المالكي.
وألحقت سياسة المالكي الإقصائية التي كرست منهجه في الاستهداف السياسي لخصومه السياسيين، لا سيما رموز معروفة رفضت إملاءاته وطالبت بتحقيق التوازن والمشاركة في إدارة البلاد على أساس الاستحقاق الانتخابي واشتراطات العيش المشترك.
وناصب المالكي العداء والترصد مع سبق الإصرار لشركائه بالعملية السياسية التي وقع معهم مواثيق لتقاسم السلطة، ومعالجة أوضاع العراق بعد احتلاله، لكنه تنكر وأدار ظهره وتنصل عن كل ما التزم به، سواء تنفيذ اتفاقية أربيل عام 2010 التي أخرجت حكومته إلى النور أو سواها في تفاهمات سياسية، في محاولة لعزل معارضيه لاستئثاره بالسلطة وإبعادهم عن دائرة القرار السياسي.
ويتكشف يوميا من فضائح سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية حدثت خلال ولايتي المالكي تتطلب من رئيس الحكومة حيدر العبادي أن يعالج هذه الإخفاقات بإجراءات استثنائية لتخفيف وطأتها على العراقيين، لا سيما ضحايا المالكي الذين تعرضوا للظلم والإقصاء والتهميش والاعتقال.
وبتقديرنا إن الإجراءات التي نتحدث عنها ينبغي أن تكون تصالحية لتعيد الثقة بين المكونات العراقية؛ لأنها هي من تفتح الأبواب التي أغلقها المالكي لتحقيق المصالحة الوطنية، وتطوي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة.
وحتى تأخذ إجراءات العبادي في حال تجديد ولايته مداها وتؤسس لمرحلة جديدة من الوفاق الوطني ينبغي أن تشمل رموز النظام العراقي السابق الذين نالوا من المالكي وسياسته العقابية الكثير ما يتطلب إعادة النظر بأوضاعهم الإنسانية، وإطلاق سراحهم لا سيما وأنهم أمضوا نحو 15 عاما في الاعتقال، ناهيك عن دورهم في خدمة العراق والدفاع عنه.
فحقوق المتضررين من سياسة المالكي يكفلها القانون؛ لأنها كانت خارج سياقاته واشتراطات العدل والمساواة ينبغي على العبادي أن يأخذها بالحسبان وبالتعاطي مع ظروفها وأسبابها.