1 الانتاج الفكري العراقي وطائفية حزب البعث هيفاء زنكنة
القدس العربي
نعيش، حاليا، كعراقيين، مرحلة مظلمة، تختلط فيها الحقائق بالاكاذيب، وتجري فيها محاولات اعادة كتابة التاريخ، باستمرار، لاسباب متعددة، يلعب فيها تغير الاجندات السياسية وحاجة السياسيين إلى مأسسة وعي جماعي مستحدث، وهوية حسب الطلب، دورا كبيرا. يساهم في انجاح العملية، انحسار البحث الاكاديمي، العلمي الرصين، في اجواء خيبات الامل المتتالية، وحالة الاحباط العام، وانتشار الزيف الاعلامي، وعدم التدقيق في صحة ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي.
تعزز هذه الاسباب، مجتمعة، تغيير السردية التاريخية، وفق الاهواء السياسية، وتصاعد العواطف، وشعبوية الشعارات، مما يشكل مواقف الناس من الاحداث التاريخية، القريبة والبعيدة. فتكون الحصيلة متطرفة في تصورالماضي والحكم عليه. فهو الفردوس المفقود بالنسبة إلى البعض وعذاب الجحيم بالنسبة إلى آخرين. وبينما تنشط شريحة من الناس بتنقية وتنظيف الماضي من مساوئه، متحسرة عليه، تماشيا مع مصلحتها، تقوم شريحة أخرى باختلاق الاكاذيب وتضخيم مساوئ الماضي عن ذات الفترة. مما يجعل صورة الماضي ملتبسة إلى حد كبير، في غياب النظرة الموضوعية ومصداقية المصدر ومراوغة الذاكرة. الأمر الذي يمنح عمليتي التدوين والتوثيق أهمية قصوى، إذا ما أراد الشعب المحافظة على تاريخه وفهم حاضره وبالتالي بناء مستقبله.
تزايدت الحاجة إلى التوثيق والتدوين كرد فعل على تصاعد فبركة الاكاذيب، في فترة التهيئة للغزو الاجنبي للعراق، التي انطلقت في تسعينيات القرن الماضي، ومع شروع المعارضة بحملاتها لتوفير الشرعية الاخلاقية للغزو والاحتلال، من خلال اختلاق المظالم، احيانا، وتضخيمها في احيان أخرى. هدفها الاساسي، الاستجارة بالاجنبي، للتخلص من نظام قدمته إلى العالم باعتباره نظاما يعتاش على التمييز الطائفي والعرقي، بل وذهب البعض ابعد من ذلك في التسويق الطائفي، خاصة، مدعين تجذر الطائفية لدى الشعب وان لا خلاص منها غير التحرير والديمقراطية. وهي اكذوبة تماثل اكذوبة أمتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل وتهديده العالم خلال دقائق. الحقيقة هي ان النظام العراقي لم يكن طائفيا بل كان نظام حزب واحد بقائد واحد (باستثناء سنوات الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) سلط قمعه السياسي، اعتقالا وتعذيبا، بـ«عدالة» منقطعة النظير، على كل من حاول مس نظام الحزب والقائد «الضرورة». الا انه، خلافا لحبكة المظلومية، لم يكن طائفيا كما بتنا نعرف الطائفية في «العراق الجديد».
من الكتب الجديرة بالاطلاع، والصالحة لاثبات لا طائفية ولا عرقية العراق، فكريا ومجتمعيا، في عراق ما قبل الغزو، كتاب «النتاج الفكري العراقي لعام 1975»، من اعداد المكتبة الوطنية، واشراف وتقديم فؤاد يوسف قزانجي.
تشير المقدمة إلى ان الانتاج الفكري لعام 1975، من خلال التجميع الببلوغرافي الدقيق، قد بلغ 1178 كتابا وهو «أقل من كتب عام 74 وذلك لأن عام 75 هو عام مجانية الكتب المدرسية وانشغال المطابع بطباعتها لكافة المراحل الدراسية». حيث طبعت دار الحرية الحكومية، لوحدها، مليون ونصف المليون نسخة من الكتب الثقافية والمدرسية. الملاحظ من الجرد السريع لقوائم الكتب المصنفة حسب الموضوع واللغة، انها كتب جادة، عموما، معنية بشتى صنوف المعرفة، احتل حقل العلوم الاجتماعية، مثلا، حيزا كبيرا، بلغ 457 عنوانا. وقد شهد عام 75، بسبب اعلان الجبهة بين حزب البعث والحزب الشيوعي والحزب الثوري الكردستاني، ازدهارا في طباعة كتب لمؤلفين من مختلف الانتماءات السياسية أو معنية بنتاجات شخصيات أو موضوعات عابرة للانتماء الحزبي الواحد. فمن بين كتب وزارة الاعلام البالغ عددها 93 : الشبيبي شاعرا لقصي سالم، وتاريخ الحركة الديمقراطية في العراق لعبد الغني الملاح، ومجموعة اعمال ومراجع الفارابي التي بلغت 13 كتابا، صدرت بمناسبة الاحتفال بذكراه في العراق والاتحاد السوفييتي. ومن بين الكتب العلمية والتطبيقية «القوى العاملة في القطاع الزراعي» لغانم حمدون. كما تم نشر 88 كتابا باللغة الكردية وستة بالتركمانية. وتفند المطبوعات الكثيرة في مجالي الدين تهمة الطائفية والتمييز الديني، من بين الكتب المنشورة لمؤلفين يستحقون التوقف عند موضوعاتهم واسمائهم: بحث موضوعي في الجبر والاختيار لمحمد كاظم مصطفوي، ونظرية البداء عند صدر الدين الشيرازي لعبد الزهرة البندر، ومسلم بن عقيل في الكوفة لكامل سلمان الجبوري، وبحوث حول علوم القرآن لمحمد السعدي النجفي، ومعجم رجال الحديث لابو القاسم الخوئي، الحياة بعد الموت لصلاح الدين عبد المجيد، عقد الفضولي في الفقه الإسلامي لعبد الهادي الحكيم، عرفانيات ميرزا غلام رضا، الإسلام سبيل السعادة لمحمد الخالصي، كتاب الطهارة لحسين الحسيني الشاهرودي، الاحكام الشرعية المطابقة لفتاوى فقيه الطائفة ومرجعها الاعلى لمحمد التقي الحسيني الجلالي، موجز احكام الحج لمحمد باقر الصدر والصلاة معراج المؤمن لعبد الرضا الشهرستاني. بالاضافة إلى كتب عن التصوف، والدين المسيحي من بينها: تاريخ دير مار متي للبطريرك اغناطيوس يعقوب الثالث.
واذا كان النتاج الادبي هو احد المؤشرات على طبيعة المجتمع، فان فترة الانفتاح السياسي المؤقتة، في منتصف السبعينيات، بالاضافة إلى لا طائفية النظام، وفرت فسحة لنشر مطبوعات على غرار معالم جديدة في ادبنا المعاصر لفاضل ثامر. كنز الآخرة في مراثي العترة الطاهرة لفاطمة الوصيبعي. تحفة الباكين لمعصومة بنت الملا رضى، ابطال الشهادة على رمال كربلاء المقدسة لفاضل خضير الصفار، ايام صعبة ذكريات شيوعي من العراق لبهاء الدين نوري، تاريخ الجالية العراقية في المهجر لشمعون دابش، شذرات من مذكرات العلامة الفقيد الشيخ محمد رضا الشبيبي تقديم اسعد الشبيبي، ثورة النجف على الانكليز لحسن الاسدي، والاقلية اليهودية بالعراق خلدون ناجي معروف، بالاضافة إلى المطبوعات باللغة الكردية، واصدارات مركز الدراسات الفلسطينية.
واذا كان هناك تنوع كبير وحرية في تصنيف الموضوعات، الا انها سرعان ما تنتفي عند تناول المطبوعات المصنفة تحت المطبوعات السياسية. حيث يقتصر الموجود على كتاب و3 كراسات تضم خطبا لاحمد حسن البكر (الرئيس) وكتابين وكراسين لصدام حسين (نائب الرئيس) وكتابين لميشيل عفلق، وثلاثة كتب للحزب الثوري الكردستاني، واربع مطبوعات للقيادة القومية والقطرية لحزب البعث.
يعكس النتاج الفكري لعام 1975، طبيعة المجتمع العراقي بكل تنوعاته الدينية والمذهبية والعرقية وغناه الذي يبدو منسيا هذه الايام لفرط سموم التمييز والفساد المغروزة في عروقه، كما يبين القدرة والطاقة الخلاقة التي يتمتع بها، وامكانية استعادتها، فيما لو توفرت له، ولو فسحة صغيرة من الحرية السياسية والفكرية.
2 ميليشيات إيران.. بواعث القلق
عبد الوهاب بدرخان الاتحاد الاماراتية
على الأرض تواصل ميليشيات إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن عملها كالمعتاد – تقريباً. على مستوى القيادات هناك ارتباكات متفاوتة، والأسباب متشابهة، فجميعها مرتبطة بقادة «الحرس الثوري»، أي بمرشد الجمهورية وفقاً للتسلسل المعروف. ولا يبدو «الحرس» في حل أزمة طارئة أو استثنائية لكنه مضطر، منذ الانتفاضة الشعبية، للتعامل مع واقع ووقائع داخلية تضطرّه لمواجهتها والتحسّب لاحتمالات تجدّدها. أما لماذا قادة فروعه الميليشياوية الخارجية مُربَكون، والبعض يقول محبطون، فعدا الانخفاض التدريجي لمخصصاتها المالية لهذه الميليشيات، هناك استحقاقات عدة مهمّة تقترب بشيء من التزامن ويشوبها غموض في التوقعات لا بدّ أن ينعكس على التخطيط والاستعدادات، وبالتالي على القرار السياسي.
وأهم هذه الاستحقاقات: الرد الإيراني على أي قرار أميركي في شأن الاتفاق النووي، والإمكانات الفعلية للتصعيد سواء بمعاودة تفعيل البرنامج النووي، أم بإظهار مزيد من التطوير للبرنامج الصواريخ الباليستية. واحتمالات المواجهة العسكرية في سوريا – لبنان، وربما في العراق، ومحاولة تحديد «الخطوط الحُمر» فيها. الخيارات الإيرانية المتاحة في اليمن في حال اقتراب الحرب من نقطة حاسمة بالنسبة إلى «الحوثيين». ردود الفعل في البلدان التي اخترقتها تلك الميليشيات وتواجه فيها حالياً تحوّلات مضادة لها في صفوف ما يُعرف بـ «جمهورها». واحتدام النقاش حول مرحلة «ما بعد خامنئي»، والسعي بعيداً عن الأضواء إلى بلورة اصطفافات معينة مع بروز أسماء طامحة لخلافته.
من خلال الاتصالات مع الأوروبيين تحاول طهران استكشاف التصوّر الأكثر واقعية للسيناريوهات المرافقة لأي قرار يصدر عن الكونجرس الأميركي، أو عن الرئيس دونالد ترامب في شأن الاتفاق النووي. لم تعد تهتمّ بأي عقوبات جديدة مهما كانت خانقة، إذ اعتادت الالتفاف عليها عبر منظومات اقتصادية أقامتها مع الصين وروسيا وغيرهما. لكنها تفضّل، مثلها مثل الأوروبيين، الحفاظ على الاتفاق النووي للاستفادة من الهوامش التي يتيحها لعقد صفقات بناء على العقوبات التي أُلغيت. الإشكالية هنا أن الأوروبيين أوضحوا بما يقبل الجدل أنهم لا يستطيعون تجاهل أي توجّه أميركي، ولذلك يعتبرون أن بإمكان إيران أن تساعد نفسها (وتساعدهم)، إذا تخلّت عن تعنّتها وقبلت بتنازلات واضحة في برنامجها الصاروخي. وقد ساهم استخدام «الحوثيين» عيّنة من هذه الصواريخ ضد السعودية في تسليط الضوء على ارتباط الاتفاق النووي بالبرنامج الصاروخي الإيراني الذي برهن الآن عدوانيته. ورغم أن الخطاب العلني لا يزال محافظاً على تحدّياته إلا أن الدوائر المعنيّة في طهران تبحث جدّياً في طرح مبادرة تهدف إلى استباق أي قرار أميركي، لكنها ستركّز تحديداً على إظهار إيجابية حيال التوقّعات الأوروبية.
أما المواجهة العسكرية المحتملة بين إسرائيل والإيرانيين في سوريا – لبنان فقد لا تكون مرتبطة بقضية الاتفاق النووي، إلا أنها تتداخل فيها بالضرورة، بدليل أن المعلومات الشائعة في واشنطن تفيد بأن مناقشة الإجراءات المتوقّعة تنفيذاً لاستراتيجية الحدّ من نفوذ إيران تأخذ في اعتبارها تداعيات القرار الأميركي المتعلّق بالاتفاق النووي، والردّ الإيراني عليه. وبطبيعة الحال امتد هذا النقاش قبل أيام إلى اجتماع مجلس الأمن القومي بعد إبداء ترامب الانسحاب من سوريا، خصوصاً أن معظم التقديرات اعتبر أن «داعش» وإيران سيكونان المستفيدَين الأولَين من هذا الانسحاب، إذا حصل قبل/ أو من دون توجيه ضربة للوجود الإيراني في سوريا. وفي أي حال تتواصل استعدادات الميليشيات الإيرانية وسط تقديرات إسرائيلية وأخرى لخبراء غربيين تقول، إن المواجهة حتمية ومسألة وقت، إلا أن روسيا تحاول بدأب تأخيرها من دون أن تطرح مبادرات صلبة لمنعها.
لكن مصدر القلق لطهران أن ميليشياتها لم تعد تتمتّع بأوضاع مريحة في بلدانها، ومن ذلك مثلاً الانكشاف الجليّ لـ «عدم شعبية» إيران في سوريا الموالية للنظام والارتياح المتزايد لوجود الروس في شوارع دمشق وغيرها من المدن، وفي العراق تتغيّر باطّراد النظرة إلى «الحشد الشعبي» الذي لا يتوقّع له المراقبون نجاحاً معتبراً لمرشّحيه في الانتخابات، وحتى في لبنان حيث سيمكّن قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر «حزب الله» من إحراز عدد من المقاعد الإضافية في البرلمان إلا أن شعبيته تتراجع حتى داخل بيئته الحاضنة. أما في اليمن فتبدّلت على أكثر من صعيد، إذ أن «الحوثيين» يخسرون باستمرار وفقدوا آخر حلفاء كانوا إلى جانبهم. قد يقال إن سطوة هذه الميليشيات لم تتأثّر بعد، وهذا صحيح بسبب تسلّحهم وترهيبهم مواطنيهم، إلا أن مواطنيهم الذين تأذّوا من ممارساتهم باتوا يضيقون ذرعاً بالمشروع الإيراني اللاوطني الذي يعملون في خدمته.
3 أطلقوا سراح المنطقة الخضراء
مشرق عباس
الحياة السعودية
لا تستند الحكومات العراقية المتعاقبة إلى أي قاعدة قانونية تسمح لها باستقطاع عشرات الكيلومترات من قلب بغداد والمدن الأخرى، وتحويلها إلى مناطق أمنية محظورة إلا على أفراد الطبقة السياسية العراقية وعائلاتهم.
القضية لا تخص فقط أحياء كرادة مريم والتشريع والحارثية وجزءاً من القادسية التي أطلق عليها الأميركيون “المنطقة الخضراء” بعد عزلها بالأسوار الكونكريتية، بل يتعلق الأمر بمربعات أمنية كبرى استقطعت لمصلحة رئاسة الجمهورية وعدد من المسؤولين والمؤسسات والشخصيات في الجادرية والكرادة الشرقية والمسبح والمنصور واليرموك والنسور في بغداد، ومربعات أخرى تحتل أفضل المواقع وأكثرها أهمية في المدن العراقية الأخرى.
ولو كانت هذه المساحات المستقطعة بالكتل الإسمنتية تقع في أطراف مدينة كبغداد لكان في الإمكان التعامل معها، لكنها عملياً تشل العاصمة وتقطع أهم شرايينها الحيوية، وتحيل ما تبقى من شوارعها إلى جحيم من الزحامات والاختناقات المرورية.
في مثل هذه الأيام من عام 2016 قرر مئات الآلاف من المتظاهرين اقتحام أسوار المنطقة الخضراء، وقتل على أعتاب تلك الأسوار شبان بغداديون بأيدي حراسها، كما قتل طوال السنوات الماضية عشرات من شبان وشابات بغداد المحتجين وهم يحاولون عبور جسر الجمهورية للوصول إليها، وقيل دائماً، إن المتظاهرين يتجاوزون القانون، وينتهكون التعليمات، ويستحقون القتل.
لكن واقع الحال أن من حق أي مواطن عراقي الدخول إلى المنطقة الخضراء، التي تضم شوارع وأنفاقاً وجسوراً هي ملك الشعب ووضعت في الأساس ليستخدمها السكان، وأن حدود المؤسسات الحكومية والتشريعية ومنازل وقصور المسؤولين والسفارات والشركات، هي أسوار بناياتها كما هي مسجلة في الخرائط الرسمية، وليس الشوارع والممتلكات العامة.
تلك المقاربة القانونية لم يتم التصدي لها في العراق، لأن السلطات تعاملت دائماً مع أهالي بغداد والمدن الأخرى ومعاناتهم والتضييق عليهم كحق من حقوقها، ولأن المسؤولين اعتبروا أن أمنهم أكثر أهمية من أمن أطفال العراق ونسائه وشيوخه وشبابه.
منازل الرؤساء من مواطني الدرجة الأولى العراقيين، تبعد ما بين 10 إلى 20 كيلومتراً عن أقرب شارع يحق للمواطن من التسلسلات المتدنية الوقوف فيه، يسبقه في ذلك مواطنون يمتلكون بطاقات تجاوز الأسوار تصنّف بألوان وفق أهميتهم، من السوداء إلى الزرقاء إلى الحمراء والبيضاء.
بعد 15 عاماً من الاحتلال الأميركي، ليس من حق مسؤول أن يطالب العراقيين بالمزيد من الصبر على الكانتون العنصري الذي يتجذّر في قلب عاصمتهم، ولا من حقه مطالبتهم بالرضوخ لتعليمات ليس لها سند قانوني، تقطع أي شارع وأي جسر وأي مساحة حق عام في المدن.
ولأن العراق يمر اليوم بمرحلة الانتخابات، فمن الضروري أن يطرح موضوع المناطق الأمنية على التصويت، وأن يكون معياراً من معايير الانتخاب، وأن يدخل في صميم برامج المرشحين، فليس من المعقول أن يكون كل إنجاز الانتخابات العراقية هو نقل مغمورين من مناطق الدرجة الثالثة إلى المربعات الأمنية!.
يحتاج العراق في المرحلة المقبلة إلى حكومة تقرر أن على كل مسؤول خائف أن يبني حول منزله جداراً يصل إلى السحاب، ويعين حراساً لحماية أطفاله، ولا يستولي على شارع من حق الناس ولا يضيق على حياتهم، ويحتاج إلى نخب تقرر أن الوقت حان لرفع دعاوى قضائية لإجبار المسؤولين المستولين على الشوارع والساحات في بغداد والمحافظات على إخلائها، قبل مطالبة سكان العشوائيات من الفقراء بذلك.
تعايش العراقيون مع الموت في الشوارع لسنوات طويلة، تكيفوا معه وتكيف معهم، وحان الوقت أن تُجبر الطبقة السياسية التي لا تتوقف عن التباكي على مصير الناس وتستثمر في دمائهم، أن تتكيف بدورها مع مخاطر العيش داخل العراق، أو تغادره.
إذا امتلك الزعماء المتبارون على صناديق الاقتراع اليوم ما يكفي من شجاعة المواطنة، فإن عليهم إعلان موقفهم من المربعات الأمنية التي تخنق بغداد والمدن الأخرى وتستولي على دجلة والفرات معاً، والتعهد بإعادتها إلى السكان كحق قانوني أصيل تم سلبه منهم لسنوات، حينها يمكن أن نخلق جيلاً سياسياً جديداً أقل اغتراباً عن جمهوره.
4 في ذكرى سقوط بغداد
زهير ماجد
الوطن العمانية
يوم التاسع من أبريل 2003 كانت الدموع تنهمر من عيني وأنا أرى الدبابة الأميركية تختال في بغداد .. مشهد لايصدقه عقل، وسؤال ألح علي ترداده، أين المقاومة العراقية، وأنا أعرف أن العاصمة العراقية محشوة إلى حد التخمة بالسلاح من كل نوع، فهي حسابات النظام القديم وخوفه من تقلبات الزمن.
سقط صدام حسين كما أوحت الطريقة الأميركية للتعبير عن هذا الفهم، حين أسقط الجنود الأميركيون تمثاله الأكبر في ساحة الفردوس. كان في تقدير العراقيين المنقسمين أمام ذاك المشهد، أن القسم المعارض له، دبت فيه حماسة الفرح وانطلق كالريح يرقص ويهزج، أما الآخرون، فلملموا المشهد الفظيع بعيون دامعة وسكنوا بيوتهم بدون كلام سوى الصمت كأفضل تعليق.
مر بعدها زمن على العراق مازالت آثاره واضحة في الشعب والمدن والأرياف، في تفاصيل النفوس التي أصاب المرض النفسي أكثرها، وفي البيوت التي صار في كل منها صورة لشهيد أو أكثر .. كأنما سقوط الرئيس صدام، أدخل على العراقيين نقمة لم يخرجوا منها بالهين.
بعد احتلال بغداد وكل العراق، استيقظت الأفكار عند العراقيين .. ماالذي جرى، وكيف قبلنا بالاحتلال الأميركي مقابل إسقاط أقل مايقال فيه إنه زعيم وطني كان يمسك بالعراق بكل تفاصيله، من أمنه إلى حياة شعبه المختلفة. وفي لحظة فارقة، دوت في بغداد أول عملية مقاومة ضد الأميركي، ثم تتالت اللحظات الوطنية العراقية في أبهى صورها، وتلاقت الأيدي في كل العراق وهي تنشد إخراج المحتل مهما كلف الثمن، وقد كانت كلفته على كل حال باهظة في الأرواح والممتلكات.
في تلك الأيام العراقية الصعبة، متفجرات في كل مكان وقتل بلا حساب واحتلال يقاوم بشراسة، وفقر لايوصف لبلد من أغنى بلدان العالم نفطا، كان السؤال الذي سمعته من كثير من العراقيين، كيف استبدلنا صدام بالأميركي .. وكلهم عرفوا الإجابة، أن رئيسهم ذاك كان موهوبا بالأمن وسلامة شعبه، وهي قضية وصلت إلى الخطر على كل عراقي إبان الاحتلال الأميركي، صارت الحياة تساوي شربة مي كما يقال، وصار لا أمل في غد ولا بعده، والذين جاؤوا لحكم العراق على ظهر دبابة كانوا أبعد من أن يكون لهم حضور وطني، بل كان الفساد ديدنهم والسرقة حلالهم.
احتلت بغداد قبلها عام 1258 من جيش هولاكو .. لابد أن العراقيين آنذاك كانوا منقسمين أيضا، وأن فيهم من بكى وصرخ وتأوه، ثم لجأ إلى الصمت كأفضل تعبير عن سخطه. أقول بصدق العبارة، إن لافرق بين الاحتلال المغولي والاحتلال الأميركي، كلاهما عنوان كبير لواقع غرائبي لابد أن ثمة من قاوم الأول، مثلما فعل العراقيون في مقاومة الثاني. لابد للبطولة من مكان سواء في التاريخ الذي مضى أو ذاك الذي عشناه. محطتان متشابهتان لشعب مارس كل وطنيته .. وهانحن نتذكر دائما مافعله هولاكو بالمدينة العريقة ثم انتهى عهده وسقط كما انتهى عهد الأميركي ولسوف ينتهي أكثر ليسقط في دائه.
يالها من سنوات عرفها العراقيون وتنقلوا فيها من احتلال إلى آخر، ومن قوى مجرمة إلى أخرى .. من هنا نفهم سبب هذا العدد الكبير من الشهداء ، ومن الخراب ، ومن القلق الذي مازال يساور النفوس.
لكن، بعد كل تلك السنين، من يمكنه أن يلغي صدام حسين من التاريخ العراقي ، ومن كل لفتة في بغداد وكل مدن العراق.
5 عراق.. يا عين عروبتنا
احمد حسن الزعبي
الراي الاردنية
مهمّا تجمّل لا تختفي ندبة الحزن من تقويمه، مهما ادّعى الفرح لكنه لا يخلع ثوب الحداد.. نيسان بكل ربيعه لا ينسيني خريف بغداد..كل وروده البريّة لا تنسيني زعتر التاريخ ،اقحوانة العروبة،وسنبلة المجد..
* * *
بم نذكرُ بغداد؟ وهل نسيناها حتى نذكرها؟..بغداد مثل الأم فتحنا أعيننا فرأيناها تحرّس أسرّتنا ،تهزّ غفوتنا، تغني لرموشنا المثقلة بالنعاس، كل ما في بيتنا كان فيه بعض من رائحة العراق،خارطة الوطن المعلقة في صدر البيت، أكياس التمر، دفاتر المدارس،أغاني سعدون جابر،وصوت ناظم الغزالي الذي يصدح من الراديو القديم وقت الضحى..
في حيّنا كانت تستريح الشاحنات المتعبة من مشوار العودة، وقد علق على خشب الصندوق رمل عراقي ،وصيف حارق لم يفارق «اوضة السائق».. بعد غياب بين عمان و»البصرة» و عمّان و»الرمادي» ، كان يحضر الآباء هدايا الأولاد من متاجر الرشيد، «حرامات جديدة» ،وسائد» دراجات هوائية ،دبس عجوة ، «زيت ذرة»، وصابون عربي ،وكثير من الكرامة..مزاجنا منذ القدم «عراقي» ، لا الحدود ولا جوازات السفر كانت تعني لنا شيئاً،هوانا شرقي مهما حاول البعض تبديل اتجاه الهوى ، لباس سائقي الشاحنات الأردنيين اشتهر بــ»اللفة» العراقية ،المصطلحات ،الصداقات ، الأغاني التي كان يضعونها في مسجلات الــ»200»لفّ ، وحتى دبكة «التشوبي» هي الأخرى تم إحضارها على شاحنة الفرح ودخلت أعراسنا واتّحدت مع تراثنا وكأنها منه وله.. فلا فرق بين الكلام الأردني والعراقي ولا فرق في الوجد والعناد والكرامة ونطق «التشاه» المشبع بالرجولة ، فنحن بعض من العراق والعراق بعض منا..
في التاسع من نيسان ، كسرت بوابة الشرق ، وسقطت العباءة عن اكتاف «…» ، وتدحرج العقال أمام الغزاة..وجلسوا في صدر البيت من كانوا «…» ، في التاسع من نيسان بكينا كثيراً ،فجعنا كثيراً، خسرنا سيفاً كان يذود عنا بلا مقابل ، يصدح بالعروبة لا غيرها ، القدس في ذمة بغداد،وعمّان في ذمة بغداد أيضاَ ، كلما توجّع قطر شقيق مدّ انبوب نفطه وقال خذ واكتف، لكن لا تمدّ يدك لغير أخيك، وكلما هدّد استقرار قُطرٍ شقيق ارسل جنوده وقال نحن لك المهم الا تجزع وألا تركع..وعندما تلقى العراق الرصاص بصدره وحيداً..سارع الجميع بدفنه حتى دون تضميد جراحه او الاستماع إلى نبضه الأخير..هل عرفتم لماذا نبكي العراق إلى الآن وسنبكيه الى الأبد..لأننا خسرنا عين عروبتنا!!.
6 جريمة حرب العراق
بيتر سينغر
الشبيبة العمانية
في الشهر الفائت أحيت صحيفة نيويورك تايمز الذكرى الخامسة عشرة للحرب التي قادتها أمريكا على العراق بعمود مؤثر لسنان انطون وهو روائي عراقي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان « قبل خمس عشرة سنة، دمرت أمريكا بلادي». لقد عارض انطون كلا من الدكتاتورية الوحشية لصدام حسين وغزو العراق الذي قادته أمريكا سنة 2003 والذي أغرق البلاد في الفوضى وأثار التوترات العرقية وأدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين علما أن الحرب أدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة مما ساهم في صعود تنظيم داعش والذي في أوج قوته احتل أجزاء مهمة من الأراضي العراقية وقطع رؤوس خصومه ومارس التطهير العرقي ضد الأقلية اليزيدية بالإضافة إلى نشر الإرهاب حول العالم.
إن مما لا شك فيه أن الحرب للإطاحة بصدام كانت خطأ مأساوياً حيث يعتقد انطون أنها كانت جريمة كذلك ولو كان هذا الكلام صحيحا فإن مرتكبي تلك الجريمة ما زالوا طلقاء. إن قلة من الأمريكان سيأخذون على محمل الجد التأكيد بأن الرئيس جورج بوش الابن وغيره من أعضاء إدارته –بما في ذلك نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد وجون بولتون والذي تم تعيينه مؤخراً من قبل الرئيس دونالد ترامب كمستشاره المقبل للأمن القومي- هم مجرمو حرب كما أن قلة من البريطانيين سينظرون إلى رئيس الوزراء توني بلير كمجرم حرب كذلك ومع ذلك فإن الحجة بأنهم ارتكبوا جريمة هي حجة قوية على نحو مفاجئ.