1 أكذوبة صوت من لا صوت له
لطفية الدليمي العرب بريطانيا
في العراق تدور اليوم عبر معركة الانتخابات البرلمانية الوشيكة مجابهات وصراعات تعتمد التسقيط والخداع والابتزاز ونصب الفخاخ.
ادعاء بمدنية التوجهات والمساواة بين الجنسين
عندما تتصاعد حمى الصراعات السياسية في بلادنا، تعلو وتيرة الأصوات المتنافسة على المكاسب والمواقع ونهب الثروات استعدادا لمهزلة الانتخابات، ويصدّع الضجيج العالي لشعارات السياسيين وخطبهم رؤوس الناس في فضائيات تملكها الأحزاب الإسلامية، وتتعالى من مكبرات الصوت في الندوات والتجمعات ودور العبادة وعودٌ فردوسية مصحوبة بتهديدات وتواصل الادعاء بأنها تمثل الأغلبية الصامتة التي تعجز عن إيصال صوتها، وفي الوقت ذاته تروج لذلك ملصقات وإعلانات تستجدي أصوات الحشود المخدوعة بلعبة الديمقراطية الزائفة، وتندرج جميع هذه الوسائط ضمن مفهوم الصوت العالي والضجيج الذي يشوش على مصادر الوعي ويقظة العقول إزاء الخديعة السياسية.
ينسى صانعو الضجيج أن لكل منا صوته الخاص وليس بوسع الآخرين تمثيل أصواتنا والتعبير عن حاجاتنا والتحدث باسم الجماعات الثقافية والدينية والعرقية المختلفة في العراق، ولا أحد سوانا بوسعه أن يمثلنا: لا رجال العمائم ولا أعضاء الأحزاب الحاكمة أو المتعاونين معهم ولا ساسة الغنائم والنهب المنظم لثروات البلاد الموشكة على النضوب.
يذكرنا هؤلاء الذين يدعون أنهم “صوت من لا صوت له” ببعض سياسيي أميركا اللاتينية وكتابها الذين تعاونوا مع حركة “لاهوت التحرير” وانطلقت من بينهم صيحة “نحن صوت من لا صوت لهم” فتصدى لهم الكاتب الراحل إدواردو غاليانو قائلا “كلّ الثّقافات تستحقّ أن نعرفها وكلّ الأصوات ينبغي أن نسمعها ولست أشارك أصدقائي المنضوين في حركة لاهوت التحرير Liberation Theology من الّذين يصرّحون ليل نهار بأنّهم يـبتغون أن يكونوا صوتاً لمن لا صوت لهم، لا، لا، لكلّ منّا صوته الّذي ينبغي أن يسمعه الآخرون”.
غير أن ما يحصل -غالبا- في بلادنا التي جرى تدمير بُناها الأساسية والاجتماعية والتعليمية باسم الديمقراطية الزائفة هو أنّ معظم الناس أصبحوا مكمّمي الأفواه ومرعوبين من الكلام تحت وطأة التهديد الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي والجماعات المسلحة التابعة للأحزاب الحاكمة.
تدور في العراق اليوم عبر معركة الانتخابات البرلمانية الوشيكة مجابهات وصراعات تعتمد التسقيط والخداع والابتزاز ونصب الفخاخ، وقد تفتقت عبقرية بعض الكتل عن أساليب يمكن وصفها بالدناءة والوقاحة لخداع الجماهير التي يرون فيها قطيعا تحكمه الغرائز الأولية، وتنطوي هذه الأساليب على احتقار ضمني للمرأة رغم الادعاء الظاهري بغير هذا.
إذ لجأت بعض القوائم إلى المتاجرة بالمعايير الأنثوية المرغوبة لدى معظم ذكور المجتمع المحرومين، وذلك بترشيح نساء لا علاقة لهن بتأريخ سياسي أو ثقافي ولا يتوفرن على خبرات الخدمة المجتمعية أو المراس النضالي أو القدرات القيادية، استخدمتهن الكتل السياسية فخاخاً مغوية لمخاطبة الحرمانات العميقة لدى فئات عمرية مختلفة بين عشائرية وشبابية، وجرى إعدادهن ليكتسبن المقومات الجسدية المطلوبة وفق المعايير المرغوبة، فشهدنا على سطح المعركة الانتخابية مخلوقات أنثوية عجيبة جرت هيكلتها وصباغتها وترميمها في عيادات التجميل التي عززت قبحها، للادعاء بمدنية التوجهات والمساواة بين الجنسين أولا، ولاستكمال نسبة الكوتا النسائية التي تتحدد بـ25 بالمئة من نسبة المرشحين.
وقريبا ستتحدث هذه الدمى الملفقة باعتبارها تمثل أصوات النساء العراقيات بعد أن تشتري الأصوات بمواصفات مظهرية لا بمؤهلات فكرية وقيادية، وستواصل الادعاء بأنها تمثل أصواتنا نحن النساء العراقيات مختلفات الثقافة والتوجهات الفكرية صاحبات الكفاءات والخبرات المشهودة، وسيكرس فوزهن الحضور الصادم في برلمان العمائم والغنائم والنهب باعتبارهن نتاج مجتمع التمدن والديمقراطية الجديدة.
2 اللاوعي بكارثة فصل شمال العراق
د. عبدالله جمعة الحاج الاتحاد الاماراتية
الاستفتاء الذي أجري في إقليم كردستان العراقي مؤخراً حول فصله عن الوطن العراقي أقام دنيا المحيط الإقليمي للعراق ولم يقعدها، دع عنك جانباً ما أثاره من سخط وامتعاض في تركيا وإيران وسوريا ومعظم الدول العربية الحريصة على سلامة العراق ووحدة أراضيه وتماسك لحمة شعبه بكافة قومياته من عرب وأكراد وغيرهم.
زعماء النخبة السياسية الكردية وعدد من أفراد العوائل الكردية المتنفذة جانبهم الصواب كثيراً عندما تزعموا عملية إجراء الاستفتاء وزعوها وساندوها، وفي المقام الأول سمحوا بها أصلاً، فعملية كهذه كان عليهم أن يكونوا حذرين جداً من حدوثها لأنها تعني تفتيت العراق بصورته القائمة وإضعافه وتمزيق وحدة الصف التي يتمتع بها شعبه، وبالتالي إتاحة الفرصة لأعدائه المحيطين به بافتراسه في نهاية المطاف، خاصة إيران وما تحمله من نوايا سيئة جداً ومبيتة تجاه العراق وكافة دول العالم العربي دون تمييز، ويكفي ما سمعناه مؤخراً حول موقفها السلبي وعدم تقديم أي شيء في مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي عقد في الكويت في فبراير الماضي.
السؤال المهم هو: ما الذي أرادته النخبة الكردية من وراء فصل مناطق أكراد العراق عن الوطن العراقي الأم، رغم أن هذا الوطن ومنذ سقوط نظام “البعث” قدم للأكراد الكثير من الامتيازات وحقق لهم العديد من المطالب؟ وبالإضافة إلى هذا السؤال توجد في المخيلة العديد من التساؤلات التشككية حول النوايا الحقيقية التي تقف وراء هذه الرغبة الجامحة من قبل بعض الأكراد في الانفصال.
فهل هم مغرر بهم من قبل أطراف خارجية لا تريد بالعراق وأهله خيراً؟ أم أن قادة النخبة الكردية ومن يتفوق خلفهم يريدون تحقيق أمجادهم الشخصية على حساب وحدة العراق وتماسك أراضيه وشعبه؟ أم هل أغوتهم المزايا الاقتصادية التي يتمتع بها الإقليم بالاستحواذ الأناني على هذه المزايا بعيداً عن أطياف الشعب العراقي الأخرى؟ وهل تستطيع مناطق أكراد منفصلة تكوين دولة مستقلة حقيقية وقادرة على حماية ذاتها من أطماع الجيران خاصة إيران وتركيا؟ وأين تقف إسرائيل من كل ذلك؟
في واقع الأمر، ورغم المآسي التي يعيشها العراق من تمزق وشتات منذ أن تعرض للغزو عام 2003، حقق الأكراد لأنفسهم العديد من المكاسب والمزايا، فرئيس الدولة العراقية كردي، وأجزاء واسعة من عوائد نفط الشمال تذهب مباشرة إليهم، وتقوم إدارة الإقليم، أو كما تسمي نفسها بحكومته بجبي الرسوم والضرائب والأتاوات بعيداً عن سلطة الدولة المركزية العراقية، ومنذ أمد طويل الوجود الشرعي للقومية الكردية معترف به وثابت، وجميع الحقوق الثقافية واللغوية وما يرتبط بها من تفاصيل للقومية الكردية مقرة، ويتم تدريس اللغة الكردية في جميع مراحل التعليم ومؤسسات في مناطق الأكراد وتم تعميم الأعمال الأدبية والثقافية والعلمية والسياسة المعبرة عن الطموحات القومية للأكراد وأقرت اللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في جميع المناطق ذات الأغلبية السكانية الكردية إلى جانب العديد من المزايا الهامة الأخرى التي تم توفيرها لهم، فماذا يراد بالانفصال بعد ذلك؟
لقد رحب الشعب العراقي بفئاته وقومياته الأخرى، بما في ذلك العرب أنفسهم، بجميع تلك الإجراءات عن طيب خاطر على أمل إنهاء حالة التوتر في شمال البلاد وإنهاء الحروب الأهلية التي ألمت بالمنطقة منذ أمد طويل، ولم تعد على الأكراد والعرب وغيرهم من مكونات الطيف السكاني العراقي سوى بالويل والقتل والدمار والتشريد وهدر الموارد التي كانت ولا زالت عملية التنمية وإعادة البناء في العراق أولى بها.
ويلاحظ بأن ردة الفعل الإقليمية على إجراء الاستفتاء لم تكن هينة، فقد هددت كل من تركيا وإيران بالتدخل العسكري المباشر في المنطقة، في حين أن الحكومة المركزية في بغداد تدخلت بشكل رسمي ومباشر لإيقاف نتاج الاستفتاء بالقوة، لذلك فإن الأمل معقود بأن يتوب المنادون بالانفصال إلى رشدهم وأن ينسوا مسألة الانفصال جملة وتفصيلاً لأن ما ستعود به على الأكراد أنفسهم سلبية في جميع الأحوال.