1 عاشق العراق في «نورماندي»
محمد عارف
الاتحاد الاماراتية
لو كنتَ تعيش في «نورماندي» لملأتْ عليك «نورماندي» عقلك وقلبك وذاكرتك. فلهذه المقاطعة الفرنسية شواطئُها الساحرة، ومراعيها الزاهرة، وسفوحها الصخرية على بحر «المانش»، وقلاعها وقصورها منذ عصر «الفايكنغ» والقرون الوسطى، وفيها وقعت حرب «المائة عام»، وأعدم الإنجليز حرقاً الشابة الفرنسية «جان دارك»، وجرت آخر معارك الحرب العالمية الثانية، وإليها ينتسب بعض أشهر كتاب فرنسا؛ «موباسان» و«فلوبير»، ومن فنانيها «بوسان» و«مونيه». وفي هذه المقاطعة التي لا تزال تُدعى «دوقية نورماندي»، أنشأ «صباح الناصري»، الدكتور في الآداب، مدونة «بين دجلة والفرات»، المكرسة لتاريخ العراق الثقافي عبر القرون. كيف حدث ذلك؟.. عندما حاولت العثور على جواب في «المدونة»، شعرتُ بالحرج كمتطفل على حبيبين لحظة الحب. فالمدونة سجل عشق «الناصري» الهائم في أعمال رحالة وباحثين وأدباء وفنانين زاروا العراق، بينهم المؤرخ «هيرودوت»، والرسام «أرثر ميلفيل»، والشاعر «طاغور»، والآثارية «مس بيل»، ومؤلفة الروايات البوليسية «أجاثا كريستي»، والمعماري «لي كوربوزيه»، ومغني الجاز «ديوك إيلنغتون».
و«في العشق كما في الفن، الغريزة تكفي»، حسب الأديب الفرنسي «أناتول فرانس». وغريزة «الناصري» عراقية حرّى تحتويك في المدونة بمعلومات وصور ورسوم عن «جنائن بابل المعلقة»، ولوحة «سوق الزواج البابلي» للفنان «إدوين لونغ»، «وعندما كانت حدود الإمبراطورية الرومانية تصل إلى دجلة»، وتمثالي «آشوربانيبال» في «سان فرانسيسكو» و«سيدني»، و«الإسكندرالمقدوني يموت في بابل»، و«مقتل آخر خلفاء بغداد كما رواه أوروبيان»، و«بداية استعمال التصوير الفوتوغرافي في التنقيب عن الآثار العراقية»، وصور «محطة قطار بغداد عام 1917»، و«حفلة في حديقة الملك فيصل الأول»، و«سيارات نيرن تنقل المسافرين عبر البادية»، وفيلم «البساط السحري» الذي أخرجه «دوغلاس فيربانكس».
و«صباح الناصري» شقيق الفنان المشهور «رافع الناصري»، موهبته مثله تستبطن حياة وأعمال فنانين عراقيين وعالميين. وعندما يُسأَلُ «الناصري» الذي يحقق ويُدّونُ ويؤلف ويصمم مدونته بنفسه: لماذا لا يعهد بالتصميم إلى مصمم محترف، يذكر أنه يريد الحفاظ على بساطتها. ومغفور للمحبين كذبهم. فمدونة «بين دجلة والفرات» عمل من أعمال الحب، تستحق الاحتفاء، ليس في الواقع الافتراضي فقط، بل في معارض عيانية حول العالم. وهل غير محب عراقي غيور يكشف في اللوحة المشهورة «مبعوثي هارون الرشيد إلى شارلمان»، كذب الفنان الفيلمنكي «يودانيس» الذي صوّر مبعوثي هارون الرشيد يركعون خشوعاً وطاعة بين يدي «شارلمان»؟! «فقد جَعلَ من قليل القوة عظيماً يُبّجله مبعوثو حاكم أقوى دولة في زمنه»!
وعيون المحب ترى ما خفي على العالم والعراقيين، وضمنهم عائلتي. فالصورة الفوتوغرافية التي تصور دخول قائد قوات الاحتلال البريطاني «الجنرال مود» بغداد عام 1917 احتلت أغلفة مؤلفات عالمية عدة، واحتفظت بها عائلتي، لظهور منزلها في الصورة التي نشرتها الصحف البريطانية آنذاك شهادة على ترحيب سكان بغداد بالمحتلين. ويرينا «الناصري» غرابتها، حيث البغداديون الظاهرون في الصورة يتوجهون بأنظارهم للمصور، ويديرون ظهورهم للجنرال «مود»!
والغريزة العراقية الحرّى تقود «الناصري» إلى العثور مصادفة على ألواح سومرية ثمينة، يعلوها الغبار في متحف آثار في «نورماندي»، يجهل موظفوه كل شيء عنها. ولولا معرفة «الناصري» باللغة السومرية لما اكتشف هذه الألواح المعروضة في فترينة زجاجية، من دون تعريف، «يمر الزوار أمامها من غير أن يعرفوا أنها من أقدم ما أنتجته البشرية من نصوص وأعمال فن». استقصاء «الناصري» حول أصول هذه القطع، كشف أنها جزء من 650 قطعة سومرية عثر عليها المنقب الآثاري «الأب دو جُنوياك» في العراق مطلع القرن الماضي، وعاد بها إلى قريته في «نورماندي»، حيث أهداها إلى المتحف الذي يعرض 14 قطعة منها فقط. و«لم تُنشر بعد ولو دراسة صغيرة عنها بعد 74 سنة من وصولها إلى المتحف»!
2 أهداف عسكرية عراقية تحت القصف
وليد الزبيدي
الوطن العمانية
لم يكن العالم يعرف جميع تفاصيل الحرب ودقائق الأمور، التي تحصل في العراق، ولم يكن باستطاعة العراقيين التعرف على ما يجري في جبهة الحرب، التي أصبحت واسعة وتشمل مختلف أنحاء العراق، أي إن الحرب هذه المرة، لم تحصل في حدود جبهة المواجهة بين القوات النظامية في نطاق جغرافي معين، بل إن الخطة الأميركية، أرادت أن تخلق من العراق جبهة مواجهة واحدة، ونقلت خط المواجهة الأول، من خطوط التماس بين الجيوش المتحاربة، إلى أماكن أخرى، ويمكن القول، إن خطوط المواجهة تلك، انقسمت إلى عدة جبهات هي:
الأولى: تشمل الأهداف المنتخبة، التي أولتها واشنطن أهمية خاصة، وتشمل هذه الأهداف مراكز القيادة والتوجيه، ومن أهمها القصور الرئاسية، والمقرات البديلة المحتملة للقيادة العراقية، ومقرات القيادة العامة للقوات المسلحة، ولم يقتصر ذلك على مدينة بغداد، التي حصلت على حصة الأسد، بل شمل الغالبية العظمى من المحافظات، وفي المقدمة منها، مدينة البصرة، والموصل وتكريت. وتعرضت المباني هناك إلى قصف وتدمير كبيرين، ما عدا القصور الرئاسية، التي لم تتعرض إلى التدمير، الذي توقعه البعض، واقتصر سقوط الصواريخ الفتاكة والقنابل المدمرة في محيط تلك القصور، ولم يستهدف الأميركيون التحصينات الهائلة، التي تمتلكها المواقع الرئاسية، وأثار ذلك استغراب البعض، من المهندسين والفنيين العاملين في تلك المواقع، ورأى البعض أن تلك التحصينات الشديدة، قد تم تشييدها، بطريقة تحميها من القصف الأميركي، خاصةً أن الغالبية العظمى من تلك القصور تم تشييدها خلال عقد التسعينات، وهي مرحلة المواجهة القصوى بين العراق والولايات المتحدة، كما أن القصور، التي تم إنجازها قبل هذه الفترة، شهدت تحصينات إضافية، لتكون بمنأى عن التدمير المحتمل للصواريخ الأميركية، التي تتوقع القيادة العراقية تعرضها إليه في أي وقت كان. وتبين بعد ذلك، إن الأميركيين، حافظوا على تلك القصور، لتكون الملاجئ الحصينة للقيادات العسكرية والمدنية في العراق. ويشمل ذلك جميع المواقع الرئاسية، بما في ذلك القصر الجمهوري في كرادة مريم بجانب الكرخ، الذي أطلقوا عليه الأميركيون لاحقا تسمية (المنطقة الخضراء).
والثانية: مواقع الحرس الجمهوري، وشمل القصف الأميركي البنايات الرئاسية، التي تتخذها قيادات الحرس الجمهوري مقرات ثابتة لها، أو المواقع البديلة، التي تتواجد فيها القطعات خلال السنوات السابقة لبدء الحرب، والتي رسمت لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة التفاصيل الدقيقة لخريطتها في مختلف أنحاء العراق، ولم يقتصر الأمر على تلك المواقع، بل إن القصف الأميركي، شمل المواقع والأماكن الجديدة، التي انتشرت فيها قوات الحرس الجمهوري، خاصةً في محيط مدينة بغداد. ولم يتفاجأ قادة وضباط الحرس الجمهوري، بمثل ذلك الاستهداف، لأنهم يدركون تماما أن الخارطة العسكرية للعراق، قد تمت دراستها بدقة متناهية، من قبل إدارة الحرب في البنتاجون، ووضعت في حساباتها جميع الأماكن المناسبة لتمركز قوات الحرس الجمهوري فيها، في حال نشوب الحرب، كما أن سماء العراق، تحولت إلى ساحة سباق للأقمار الاصطناعية، التي تركز نشاطاتها على تحركات آليات القوات المسلحة، خاصةً أن المواقع الرئيسية لتواجد تلك القوات معروفة لتلك الأقمار، من خلال الخارطة التفصيلية التي تمتلكها لجان التفتيش الدولية، والتي حرصت باستمرار على تحديثها، خشية حصول بعض الأخطاء في توزيع القوات المسلحة في المناطق المحيطة ببغداد.