3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 فن العمالة أو عمالة الفن في العراق هيفاء زنكنة
القدس العربي

نشر موقع جمعية التشكيليين العراقيين، خبرا عن زيارة وفد من الجمعية لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم، يوم 28 آذار / مارس. ضم الوفد نائب رئيس الجمعية حسن ابراهيم وأمين السر قاسم حمزة فرهود وسعد الربيعي و محمد شوقي.
كان من الممكن ان يمر الخبر، كما غيره، دون ان يلاحظه أحد، لولا نشره على صفحات التواصل الاجتماعي، واثارته تعليقات تراوح ما بين الاتهام بالنفاق والعمالة للمحتل والانحطاط الفني. فما الذي فعله الوفد بالضبط ليثير هذه الضجة؟ يشير بيان الزيارة إلى ان أعضاء الوفد، استعرضوا، خلال اللقاء، مشاريع الجمعية والمشاكل والمعاناة التي تواجه الفنانين ومتطلبات تسهيل مشاركة الفنانين المغتربين في معارض الجمعية. فعبر رئيس الجمهورية « عن الاستعداد لدعم الفنانين… ومفاتحة الجهات الرسمية ذات الصلة». ثم قدم الوفد لوحة تشكيلية هدية له « تعبيراً عن تقدير الفنانين لمواقفه الداعمة للثقافة ومبدعيها».
هناك، طبعا، هلامية سياسية تحيط بتصريح رئيس الجمهورية حول دعمه للفنانين كما تحيط برد الوفد المثير للاستغراب حول طبيعة ونوعية « مواقفه الداعمة للثقافة ومبدعيها»، وتخويل اعضاء الوفد، انفسهم، النطق باسم المثقفين.
الا ان معظم التعليقات على الفيسبوك، لا تتطرق إلى مصداقية التصريحات أو جوفائيتها بل إلى سبب آخر، وهو التساؤل عن دافع توجه وفد يمثل الفنانين العراقيين لزيارة سياسي، هو وجه من الوجوه المعروفة بتعاونها التاريخي مع المحتل، وتقديم هدية له، بتوقيت يستحق الادانة لا التكريم، أي بمناسبة مرور 15 عاما على الاحتلال، والشعب يعيش ما سببه الاحتلال، من خراب عمراني وبشري، باعتراف شعوب دول الاحتلال نفسها ؟ لا يجد قارئ التهم المتبادلة، بين فنانين اعضاء بالجمعية، أجوبة مقنعة مما يقوده إلى تساؤلات اضافية، على غرار: لم التعليقات الجارحة، وشخصنة المواقف، وتوجيه الاتهامات المعاكسة بالداعشية، ودعم الإرهاب باسم المقاومة… هل هذه هي المرة الاولى التي يزور فيها الفنانون مسؤولين حكوميين، أو يساهمون بمعارض تقام في سفارات دول، لعبت دورا باحتلال العراق وتدميره؟ ماذا عن المعرض الذي إقامته السفارة البريطانية، ببغداد، يوم 4 ـ 3 ـ 2018 « لنخبة من التشكيليات العراقيات وبالتعاون مع جمعية التشكيليين العراقيين وقد حضر المعرض مجموعة من الشخصيات وفِي مقدمتهم السفير البريطاني في بغداد والسيد فلاح العاني مدير العلاقات الثقافية ـ في وزارة الثقافة، والسيد محمد التميمي مدير عام دائرة المنظمات غير الحكومية والفنان قاسم السبتي رئيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين»؟ أليس هناك ما يثير المرارة في اقامة المعرض بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة، وكأن المرأة العراقية تعيش الفردوس الارضي منذ « تحريرها» من قبل القوات البريطانية؟
ولكن، ما الذي يتوجب على الفنان، والمثقف عموما عمله، وهو يعيش تحت الاحتلال أو حكوماته بالنيابة؟ هل يبين رأيه صراحة فيعرض حياته وعائلته للخطر، أو يصمت، أو يماشي القوى الموجودة لحين انقضاء المحنة؟ هذه الاسئلة لا تقتصر على الفنان العراقي بل واجهها، عام 1940، جيل كامل من الفنانين والمثقفين الفرنسيين، الذين كانوا حتى ذلك الحين، يفتخرون بقيادة عاصمة العالم الثقافية، حين وجدوا انفسهم، بعد توقيع اتفاقية « سلام» مهينة، يعيشون تحت الاحتلال النازي وحكومة فرنسية متعاونة مع الاحتلال.
كان الوضع معقدا. اختار الفنانون السورياليون مغادرة فرنسا هربا من التصفية الجسدية فاتهمهم المتعاونون مع الاحتلال بما هو أكثر من الجبن. اتهموهم بان فنونهم وكتاباتهم « المنحلة» مهدت الارضية لاحتلال فرنسا! كان هذا تبريرهم « الاخلاقي» لخيانة بلدهم أو التعاون، بدرجات مختلفة، مع المحتل، لتقويض الثقافة الفرنسية من الداخل، خاصة وان النازيين، كان يهدفون إلى محاربة الثقافة بنفس القوة المستخدمة لتحقيق الانتصار العسكري.
يميز فريدريك سبوتس في كتابه « السلام المخجل: كيف نجح الفنانون والمثقفون الفرنسيون في البقاء تحت الاحتلال النازي»، بين العمالة السلبية والعمالة النشطة. فتحت « العمالة السلبية» يدرج سلسلة التنازلات التي يبديها «المجتمع الفني» للمحتل ووكلائه، المتراوحة بين الاستمرار في النشر، وأقامة المعارض، أو المشاركة في المسرحيات إلى القبول بالمنح والدعم المادي. أما « العمالة النشطة» فمعناها ان يتصرف المثقف كوكيل للدعاية الألمانية.
وحسب سبوتس « لم يكن هناك نقص في المتطوعين على جميع مستويات المجتمع الباريسي». من بينهم من كان يحلم بحل الماني للوضع السياسي المتدهور بفرنسا ما قبل الاحتلال. من بين أولئك الذين تم تعظيمهم في تلك الحقبة، كتابا وفنانين، قبلوا بشكل متكرر، دعوات كارل هاينز بريمر، نائب القنصل ومدير المعهد الالماني بباريس، إلى حفلات الاستقبال الفخمة في المعهد الألماني. وكان من أهم الأسماء النحات شارل ديسبياو، والشاعر والروائي أبيل بونار، وعازف البيانو ألفريد كورتوت، والكاهن جان مايول دي لوبيه.
ان وضع الفنان والمثقف العراقي، على تعقيداته، ليس فريدا من نوعه، وان التاريخ، رغم التطورات العلمية المذهلة، وتغير هيكلة الجيوش وتحديث اساليب الحرب والهيمنة، لا يزال يكرر نفسه من ناحية تفاعلات السلوك الانساني. حيث تقودنا قراءة تفاصيل عن حياة الشعوب تحت الاحتلال إلى اكتشاف التماثلات إلى حد التطابق، احيانا. فموقف المثقف الفرنسي الحالم بالحل الالماني عبر الاحتلال مماثل لوهم مثقفين عراقيين بـ « التغيير» أو « التحرير « الامريكي.
واذا كان الكاهن الفرنسي لوبيه معروفا بتراتيله الدينية للغزاة وهم يؤدون التحية النازية « هايل هتلر»، فان أكبر وليمة حضرها قائد الاحتلال بول بريمر اقامها له رجل دين عراقي. وبينما كان دخان حرق المكتبات والمسارح والجامعات لايزال يغطي بغداد، وصدى قاذفات « الصدمة والترويع» يرعب الاطفال، وفي لحظة تماثل موسيقى الامبراطور نيرون وهو يراقب حرق روما 68 عاما قبل الميلاد، توجه اعضاء الفرقة السمفونية العراقية، منتصف كانون الأول/ديسمبر2003، إلى واشنطن، برعاية وزارة خارجية دولة الاحتلال، لاقامة حفل حضره وصفق له مجرم الحرب جورج بوش وزوجته، ووزير الخارجية كولن باول، وعددا آخر من المسؤولين الامريكيين، بحضور عضو مجلس الحكم عدنان الباججي، الذي يهوى الموسيقى الكلاسيكية ويعتبرها ضرورية لحياته، ولا يستطيع الاستغناء عنها، كما يذكر بمذكراته « في عين الاعصار». ما اود التأكيد عليه هنا، ان الامثلة المذكورة اعلاه، مثيرة للأسى، أكثر من غيرها، لأنها تمت بشكل تطوعي، ولم يخضع القائمون بها لأي ضغط كان، الا انها تبقى افعالا استثنائية، لا تشمل كل الفنانين أو المثقفين، فهناك من يخاطر بحياته لقول الحقيقة ومواصلة العمل بلا مساومة أو استخذاء، لأنه يؤمن بأنه يمتلك ثروة من الكلمات والالوان لا يستطيع الغزاة والطغاة، مهما حاولوا، الاستحواذ عليها.
2 صراع الإعلانات الانتخابية في العراق
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

هل يحق لأي مواطن أن يبحث في أعماقه عن أعذار للتصويت للذين دمروا العراق واستخفوا بكرامته، وتسببوا عن عمد وسبق إصرار في تخلفه وفقره وتراجعه وخصومته مع إخوته في الوطن؟
الشعب في الديمقراطية هو مصدر السلطات

توقع العراقيون أثناء الحملة الانتخابية لاختيار نوابهم في برلمان العراق للدورة الأولى بعد الاحتلال الأميركي أن تكون النتائج تعويضاً لسنوات طويلة من الأحزان التي خلفتها الحروب وفترة الحصار القاسية على جوهر حياة المواطن، بغض النظر عن رؤيته لجميع الكوارث السابقة وفي مقدمتها احتلال العراق في 9 أبريل 2003.

وعلى الرغم من السعار الطائفي والتجييش له حتى من قبل جهات يفترض بها أن تتحلى ببقايا رصانة ورشد، إلا إن تدشين واقع جديد في مناخ انتخابي تحت وقع مفردة الديمقراطية كمنهج واعد للخروج من نفق عقوبات القرارات الأممية ساهم في تسليم الشعب بحقيقة أن جريمة الاحتلال حلت وينبغي التعامل معها للتخفيف من آثارها على المدى القصير والبعيد.

كانت الأسماء في قوائم الترشيح آنذاك غريبة عن الشارع العراقي وينظر لها كعملاء ومرتزقة وخونة فرضتهم الإدارة المدنية للاحتلال الأميركي بتاريخ إيراني للأغلبية منهم.

لكن مع ذلك ولأسباب خارجه تماما عن تطلعات الشعب العراقي أنتج الحث الطائفي من الأحزاب حرارة بتصويت الناخبين، في فعله أو في ردة فعله، من الجهات التي رأت في الانتخابات البرلمانية تكريساً لنشاطها القديم وخطوة عملية لتقسيم المجتمع وترسيخ المحاصصة في كتابة الدستور ونظام الحكم.

ومهما تباينت آراء وتوجهات المواطنين في التأثير على نتائج الانتخابات في الدورة الأولى لكنها ظلت تحسب بمقياس الأمل في حياة أفضل لبداية إعادة الإعمار والبناء، وتجاوز ما لحق بالعراق وشعبه من ويلات.

الآن وبعد التجريب المستمر للعملية “الديمقراطية” في العراق بشخوصها وأحزابها ودوراتها الانتخابية، هل يحق لأي مواطن أن يبحث في أعماقه عن أعذار للتصويت لهؤلاء الذين دمروا العراق واستهانوا واستخفوا بكرامته ورجاحة عقله ورشده، وتسببوا عن عمد وسبق إصرار في تخلفه وفقره وتراجعه وخصومته مع إخوته في الوطن؟

التحشيد في الانتخابات الحالية بمبررات التخوف من ضياع الأصوات أو تزويرها، وبحجة الحماسة للتغيير في العراق، إنما هو تحشيد تتبناه ذات القوى السياسية الطائفية بمرجعياتها الفكرية والمذهبية والسلطوية التي أصبحت متنفذة وتفرض إرادتها وتتبنى مناهج وبرامج وتحالفات انتخابية تدعو للغرابة، رغم إن زمن الاستغراب غادرنا منذ اليوم الأول الذي تولت فيه حكومات الاحتلال السلطة في العراق، ونصّبت من العملاء قادة وثوارا بفضل خدماتهم للاستخبارات المركزية الأميركية ولقوات الباسيج الإيرانية.

الشعب في الديمقراطية هو مصدر السلطات، وأي شعب يتخلى بإرادته عن قيادة مصيره لأسباب الولاء، إن كانت قومية أو دينية أو إثنية أو مذهبية أو حزبية أو شخصية، كأنما يكتفي بالحياة في ساقية صغيرة سرعان ما تجف وتنضب مواردها أو تكون عرضة للعدوان في حتمية صراع من أجل البقاء والاستمرار لغياب منابع المفاهيم الوطنية الجامعة، ولتناسيه أن الشعب هو أيضاً مصدر الثورات.

ماذا يعني التغيير الانتخابي في 12 مايو 2018 لشعب العراق؟ وهل سيكون أكثر من تلاعب لفظي هزيل يشبه استبدال نوري المالكي زعيم أعتى أحزاب الطائفية السياسية والمنفذ الفعلي للحرب الأهلية بتداعياتها. استبداله يقترب من الاعتراف بجريمته حين يشهر الحرب على المحاصصة والطائفية، ويلقي بحمولة سيئاته وإخفاقاته وما يجري من فساد وإرهاب على عملية سياسية اتسمت بالمحاصصة.

انتخابات يصفها زعيم ميليشيات بأنها محطة لتغيير الفاسدين، ويتهم الأصوات المطالبة بمقاطعة الانتخابات بأنها تريد إبقاء الفاسدين في السلطة؛ وآخر بالضد من الميليشيات يدعو للمشاركة في الانتخابات لأنها فرصة لتأكيد فشل العملية السياسية في تجربة تستغرق 4 سنوات أخرى بعدها يكون الشعب معذورا في الانتفاضة على حكامه.

الدول تنهار عادة لأن تفاصيل المعاناة للشعب ليست من ضمن اهتمام النظام السياسي والإداري لتفاوت المواطنة على لائحة الدولة؛ فماذا ينتظر الشعب من نظام سياسي جاء به المحتل الأميركي وبكامل عدته الإيرانية وبعد لدغ استمر 15 سنة وبدورات انتخابية متتالية ترقى إلى جرائم حرب ضد الإنسانية لأنها أدت إلى تفشي الإرهاب والميليشيات في العراق والمنطقة.

عندما يطالب الطائفيون وقتلة الأبرياء وزعماء الميليشيات بالتغيير فيجب على العراقيين أن يتغيروا تماماً بالضد منهم، وعندما يتحدثون عن فراغ انتخابي فالفراغ في غياب الدولة، وعندما يشيرون إلى اكتشاف سرقة في النفط وتصديره إلى إيران قبل الانتخابات فالقصد أنهم كانوا دولة بسيادة كما لو كان تعهداً خطياً ببداية صفحة جديدة في العلاقات مع إيران لتجاوز نقمة الشعب عليهم.

دون أن ننسى تصاعد نبرة الميليشيات ضد التواجد الأميركي لصيد أكثر من هدف بحجر واحد في محاولة منهم لمصادرة المقاومة لصالح إيران بأثر رجعي قبل سنة 2011 واحتكارها طائفياً بالميليشيات الإيرانية.

أحزاب تحتاج إلى وثيقة شرف للتنافس الانتخابي بعد امتهان مواثيق شرف سابقة ابتغت الحفاظ على دماء العراقيين وتعايشهم، لماذا لا تدفع هذه الوثيقة المواطنين من أبناء العراق دون استثناء للتوقيع على وثيقة شرف بعدم المشاركة في الانتخابات ليصل صوت العراق الحاسم إلى المجتمع الدولي برفض العملية السياسية، بما يعنيه الرفض من رفض للاحتلال الأميركي والإيراني ولتجربة سنوات من الفشل وتكرار تعطيل قدرة العراق على التعامل مع الحقائق.

في الانتخابات الماضية وفوق أحد البنايات السكنية رُفعت لافتة كبيرة لأحد المرشحين من الكيانات السياسية، ولأن المكان خاضع لتقاسم النفوذ تقرر إزالة اللافتة المثبتة بالحديد والإسمنت على طريقة الميليشيات في كل زمان وذلك بتهديد الأبرياء بتفجير البناية لاتهامهم بالتواطؤ مع المرشح، ولخوفهم اتصلوا بالحزب صاحب العلاقة وكان الجواب: احملوا السلاح ودافعوا عن اللافتة الانتخابية لأنها مستقبلكم وشرفكم. انتهت الأزمة بانتصار الميليشيا لكن السباق الانتخابي انتهى بفوز الطرفين في الانتخابات وخسارة قاطني البناية الذين امتهنوا الفقر ومحاولة النجاة بأنفسهم من المأزق الانتخابي واستعدوا لكل طارئ، رغم أن بعضهم لم يفلح في البقاء داخل البناية أو المدينة أو الوطن أو حتى الحياة.

إنها قصة صراع على الإعلانات الانتخابية التي ستبدأ “رسمياً” في 10 أبريل 2018 أي في اليوم التالي من تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق.

3 عندما يصبح المثقّفُ واجهةً
عبدالرزّاق الربيعي عمان العمانية

اعتدنا أن نرى في الشوارع الرئيسية في المدن الكبرى صورًا لمشاهير في الغناء، والسينما، والتلفزيون، وحتى في المسرح، تلك الصور غالبا ما توضع للترويج لحفلات غنائية، أوموسيقية، أو مهرجانات، أو لتروّج لمنتج تجاري، أو للإعلان عن مناسبة فنية، وربما يبث بعضها رسائل توعوية، كما جرى مع صورة الفنان صالح زعل، الكابتن علي الحبسي، وفخرية خميس، وخالد الزدجالي، وسعود الدرمكي، ونجوم آخرين عندما وضعت صورهم في شوارع مسقط، وتقاطع طرقاتها، بمناسبات مختلفة مع إرشادات، ورسائل من بينها التنبيه إلى ربط حزام الأمان، وهي بادرة تستحقّ التقدير، وتحسب للفنانين، لما نعرفه من أهمية مشاركة الشخصيات العامة في توجيه رسائل توعوية للأفراد، والمجتمع، وكونها شخصيات مؤثّرة، بأسلوب جاذب، يمكن له أن يؤثّر بسرعة أكبر من الكلام المجرّد، وكذلك تعزز من قيمة الفنان، ومشاركته في الحياة العامة، وفي الأسبوع الماضي، عندما كنت في الطريق إلى مقر إقامة ضيوف «منتدى الفجيرة الثقافي»، قادما من مطار دبي، لاحظت عددا من اللوحات الإعلانية التي تحمل صور فنانين مشاهير، كما اعتدنا في أماكن كثيرة، ولكن فجأة لفتت أنظاري صورة لم نعتد على رؤيتها، فقد كانت لأديب هو الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، وقد وُضِعت على واحدة من اللوحات بمكان بارز مع عبارة تشير إلى موعد ومكان إقامة «منتدى الفجيرة الثقافي»، وبعد عدّة أمتار طالعتني صورة ثانية للأعرج، وثالثة، ورابعة، وقد فوجئ الكاتب واسيني الأعرج، فرغم تجربته الطويلة مع الكتابة التي تكللت بجوائز عديدة لم يحدث أن رأى صورة له في شارع من الشوارع!!
ثم لمحت صورًا للشاعر كريم العراقي، وأخرى للشاعر علي الخوار، وقد يبدو الأمر ليس معتادا بالنسبة لي، ولسواي، أن تشاهد صورة لأديب، أو شاعر على لوحة إعلانية لتنبيه الناس لفعالية ثقافية، فهذا أمر يعطي زخما لحضور المثقف في المجتمع، ويجعل صورته واجهة، فالأمم تتباهى بمثقفيها، وأدبائها، والمثقف يمكن أن يكون نجما، وعنصرا من عناصر الاستثمار الثقافي، وقد أشرت لهذا في جلسة الافتتاح التي حملت عنوان: (مستمدات المثقف في صناعة الثقافة)، فـ«الهيمنة الثقافية» أقوى بنظر الفيلسوف الإيطالي غرامشي «من الاقتصادية»، لأن «المثقف العضوي» لا ينفصل عن المجتمع، وحركته كونه صاحب مشروع حضاري.
ولكنّ الأديب العربي، غالبا ما يعاني من الإهمال، والتهميش، مع وجود استثناءات قليلة، ينسجم خطابها مع الخطاب الأيديولوجي السائد، بينما نجد أن الأديب في الغرب قد أخذ وضعه الطبيعي في المجتمع منذ عقود عديدة، فالكاتب الروسي مكسيم غوركي، (المولود في 1868 والمتوفى 1936)، أصدر في مقتبل شبابه مجموعة قصصية هي كتابه الأول، وسرعان ما اشتهر اسمه وصار نجما في الأوساط الثقافية، والعامة، رغم أنه لم يكن يبلغ العشرين من العمر، حتى أن صوره كانت تطبع على القمصان، والأكواب، كما قرأت في مقال عن سيرته، وهذا من شأنه أن يدفع الأديب إلى الأمام، خصوصا أنّ الشاعر العربي كان يحتل في المجتمع مكانة رفيعة، كما تشير كتب التراث، وكانت تنحر الذبائح، وتقام الولائم عند ظهور شاعر في أمة يمثل الشعر فيها «ديوان العرب» لأنه لسانها الناطق باسمها، والمدافع عنها، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الوضع سلبا على المثقف فيبتعد عن المجتمع وقضاياه، ويصبح معزولا عن الحراك المجتمعي، فيتراجع تأثيره في المجتمع، ولو قامت المؤسسات بجعله واجهة، فيمكن لهذا أن يعزز موقعه في المجتمع، كما نرى في بعض الدول المتقدمة عندما تسمّي شوارعها بأسماء مبدعيها، وتطلق أسماءهم على القاعات الثقافية، وتنشئ جوائز باسمهم، تخليدًا لهم، وتعزيزًا لمكانة المثقّف في المجتمع، فالثقافة تبقى العنصر الأبرز من عنصر التطور الحضاري، والمثقف هو صانع المنتج الثقافي، والمحرك لكل نهضة، وحين تعطي المجتمعات للمثقّف قيمته الحقيقية، فإنه من الطبيعي أن يقابل الإحسان بالإحسان، فيعطيها عصارة فكره، ويندمج مع حركته أكثر، ويصبح مؤثرا، وفاعلا، هذا التأثير يعود بالنفع العام على المجتمع، فعندما نجعل المثقف واجهة، فإننا نساهم في رفع مستوى الوعي، وتخيلوا الأثر الإيجابي الذي سيكون في نفوس النشء الجديد عندما يرون صورًا لشعراء، وأدباء عمانيين معلّقة في شوارع مسقط!