1 قصة لقائي مع الرئيس اوباما وجوابه الصادم عن غزو العراق
محمد حسب
الراي اليوم بريطانيا
حلَ الرئيس الامركي السابق باراك اوباما ضيفاً على دولة نيوزيلاند في زيارة غير رسمية لغرض الاستجمام. فركض الفضوليون من الصحفيين امثالي للفوز بسباق اللقاء مع الرئيس. وكعادة الرؤساء الامريكيين المنتهية ولاياتهم بعدم رغبتهم بالظهور, رفض باراك اوباما الحديث لوسائل الاعلام.
وبينما اراقب الصحافة الكيوية “النيوزيلاندية” عثرت على غنيمة قد توصلني الى احدى المؤتمرات المغلقة التي تقام احتفاءاً بوصول الرئيس, فحرصتُ على ان اكون احد الحضور, وتحقق ذلك.
ودخلتُ القاعة التي تستضيف الرئيس. وشعرتُ بحاجة كبيرة الى الضحك, وبشغف اكبر الى الاستهزاء, وبعطش الى البكاء, لغير ما سببٍ سوى لصور اعادت نفسها بالوانٍ مختلفة.
فالرئيس الاسود لا يحتمي بحرسٍ خاص, هذا ما شاهدتهُ. يجلس واضعاً رجلهُ اليمنى على اليسرى, مرتدياً كجول, مبتسماً, ناقلاً عينيه بين الحضور متفرساً الجمهور واحداً واحد, او هكذا خال لي. فالحضور لا يتجاوزون المئة وثمانين شخصاً من بينهم الساسة والمسؤولين ورجال الاعمال والبقية الكبرى من الصحفيين وعشاق النجوم, وكان سعر تذكرة الدخول الى المؤتمر هو اربعمائة دولار نيوزيلاندي اي ما يقارب ثلاثة مائة دولار امريكي.
وهذه التذكرة تتضمن وجبة غداء على شرف الرئيس, وحق سؤال الرئيس سؤالاً واحداً يتضمن فترة رئاسته الولايات المتحدة الامريكية لدورتين. علماً انه بدأ حديثه قائلاً بأنه جاء الى جزيرة نيوزيلاند لغرض الاستجمام والاستمتاع بالطبيعة الخضراء وانه سعيد بالاستماع لاستفسارات واسئلة الحضور.
فبدأت الاسئلة تنهال عليه كالمطر, حتى وصل الدور لي فشرعتُ بالتعريف عن نفسي والصحيفة التي اعمل لصالحها سائلاً : ( لماذا فعلتم بالعراق ما فعلتم؟) فرد بكل بساطة وبدم بارد : ( لاننا اردنا ان نعطيك حق الكلام الذي تنعم انت به الان).
لا يا سيادة الرئيس, انتم مخطئون. كنتُ اتمنى لو قلتُ له ذلك, لكن التذكرة لا تسمح الا لسؤال واحد, ولو تمكنت لابتعتُ تذكرة اخرى, لكن كنت مؤمنٌ بأنني حتى لو صرفتُ عشرات الالاف من الدولارات للحصول على التذاكر لما وصلتُ الى هدفي وهو الجواب الشافي. انهم اجدر من ان يأتوا برئيس متلعثم اللسان, او بعيد عن الفلسفة, او جاهلاً دبلوماسياً.
لو سمحت الفرصة لاخبرته بالعبرة التي اعترتني عندما دخلت القاعة, وبالانكسار الذي حطمني وهو يرد ببرودة وكأنه يهتف منتصراً بدماء العراقيين التي سالت نتيجة فعلهم. ولو تمكنت من ان اخبرهُ انه ودولتهُ العظيمة على خطأ من جوابهم هذا, فأن حرية الكلام التي ينادون بها لم نحصل عليها بعد, فنحن اقزام امام الحقيقة, وعراة امام المرتدين غطاء الدين الكاذب, نحن افقر من ان نتكلم, نحن لا نمتلك الا ادوات الاستماع الحديثة التي جلبتها لنا دباباتكم, واجهزة اخرى نصفق من خلالها للنسخ البشرية التي صدرتموها لنا يا سيادة الرئيس.
2 اتركوا كركوك لأهلها
مشرق عباس
الحياة السعودية
مشهد كركوك ومحيطها معقد جداً، فالتوتر بين مكونات المدينة لم يتراجع مع تغير السلطات التي تفرض نفوذها عليها، والبيئة الأمنية هشة جداً إلى درجة الحديث عن إعادة تنظيم «داعش» فرض سيطرته على المناطق التي أعلنت الحكومة العراقية تحريرها، وظهور مجموعات مسلحة جديدة، وتبادل اتهامات حول أعمال تهريب النفط واعتقالات وخطف وتصفيات.
يشعر أكراد كركوك بالضيق من الواقع الذي انتهى إليه وضع المدينة اليوم، بعد انسحاب قوات البيشمركة منها، وفرض القوات العراقية من الجيش والحشد الشعبي نفوذاً بديلاً، من دون نسيان أن عرب وتركمان كركوك كانوا بدورهم يشعرون بالضيق للنفوذ الكردي على حسابهم، وأن الشكاوى والمظالم تشمل الجميع من دون إستثناء، يقابلها عجز سياسي متواصل عن وضع حد لتنازع الهوية.
لكن موقف سكان المدينة في آخر قائمة الحسابات السياسية، ولو كان الأمر منوطاً بالسكان عرباً وكرداً وتركمان ومسيحيين، لكانت أزمات المدينة قد حلت منذ أمد بعيد، لكنه يخص النفط أكثر.
ونفط كركوك كما يقول سكانها أنفسهم، هو العلة، وحول النفط واستخراجه وتصديره دارت مأساتهم في العلن والظل، ودارت معه صراعات جانبية يمكنها اليوم تفسير مايحدث من اضطراب.
وحيث كان النفط كانت هناك اتهامات تهريب فبغداد اتهمت أربيل بتهريب نفط كركوك إلى تركيا، وحال سيطرت القوات العراقية على حقول النفط ظهرت اتهامات بتهريب النفط إلى إيران، وفي الأولى كانت شركات مرتبطة بالسلطات الكردية، وشخصيات ذات نفوذ فيها تتولى ملفات النفط، ويتداول الأهالي المعلومات حول استنزاف نفط المدينة لمصلحة أحزاب ومرتبطين بأحزاب، وفي الثانية كانت شركات جديدة وشخصيات ذات نفوذ ترتبط بالحشد الشعبي أو سلطة بغداد تبدأ مشروع استنزاف النفط وتهريبه، كما أن النفط كان دائماً محور اهتمام «داعش» بالمدينة.
وسط هذه الدوامة من الاتهامات يضطرب الأمن في كركوك ومحيطها، وتظهر مجموعات مسلحة غامضة، وعصابات، ويُنهي عناصر تنظيم «داعش» تخفّيهم بين السكان لينفذوا إعدامات جماعية بحق مختطفين، ويحصلون على الوقت والبيئة المثالية لتصوير تلك الإعدامات ونشرها في محاولة استعادة بعض مجدهم الإعلامي الدامي.
وعلى رغم أن السيناريوات التي يتم صوغها اليوم حول أسباب ما يحدث تتناسب مع مصالح الجهات المتصارعة، فإن السيناريو المحكم الوحيد يتعلق بعدم إدراك الأطراف المختلفة بأن قضية فرض النفوذ على كركوك كانت ومازالت جوهر الأزمة، وإن أهل المدينة المتنوعة والمتعايشة جيلاً بعد جيل، هم وحدهم من يحق لهم حماية أنفسهم وإدارة مدينتهم.
والعجيب أن نظرية «الاستحواذ على كركوك» أو على نفطها، التي حاول النظام السابق تطبيقها بالقوة وخلقت الثارات والمظالم وقادت إلى الفوضى، لم تنته يوماً، فالسلطة الكردية على كركوك لم تسع لسنوات مضت إلى كسر دائرة الاستئثار المغلقة عبر سياسات حكيمة تستوعب الأهالي بتنوعهم، وتعود اليوم السلطات الاتحادية وفصائل «الحشد» لتعيد تطبيق النظرية نفسها.
غياب السياسات الحكيمة حول كركوك، كان بمثابة المكافئة المجانية الأبرز التي حصلت عليها تركيا وإيران، ففجأة صارت المدينة مرتبطة مفصلياً بوجود تركيا، وأصبح أردوغان يتحدث عنها كأنها قطعة أرض استقطعها موظف مساحة ضعيف البصر من «القصر الأبيض» في أنقرة، وفجأة أصبحت كركوك درّة التاج الإيراني وصار المسؤولون الإيرانيون يتحدثون عنها كامتداد طبيعي لنفوذ بلادهم.
في حاجة إلى صوت عراقي حكيم لكنه قوي وصادق، يصرخ بالجميع :»اتركوا كركوك لأهلها»، فلا يحق لأحد الحديث باسم أهالي كركوك لا في السابق ولا اليوم، فسكان كركوك القابعون تحت سياط الفقر وانعدام الخدمات والخوف من المستقبل من حقهم أن يحصلوا على حق إدارة مدينتهم، ليس كممثلين ثانويين عن أحزاب إقليم كردستان، وليس كممثلين ثانويين عن فصائل الحشد وأحزاب بغداد.
«اتركوا كركوك لأهلها» فليست هناك جالية تركية في كركوك، ولا جالية إيرانية، بل مواطنون عراقيون شعروا دائماً بأن نفط بابا كركر وباي حسن وخباز هو مواطن الدرجة الأولى في مدينتهم التي عاشوا فيها دائماً كمواطنين من الدرجة الثانية.