5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 حين أفل نجم الأكراد
فاروق يوسف العرب بريطانيا

لا يزال أكراد العراق ورقة أميركية مضمونة. ما تعرضوا له من انتكاسة بسبب تخلي واشنطن عنهم بعد استفتاء الانفصال لا يعني أن هناك قرارا عالميا بالتخلي عنهم وتسليمهم لحكومة بغداد الطائفية.
الأكراد كانوا دائما ورقة سياسية أميركية

عبر ربع قرن من الزمن عاش الأكراد في العراق في ما يمكن أن يشكّل بحبوحة مريحة بالقياس إلى تاريخهم الغاص بالمآسي والكوارث. لقد حررتهم حرب تحرير الكويت الأميركية عام 1991 من التبعية لحكومة بغداد المركزية. يومها وُهبوا استقلالا كان بمثابة تمهيد بديهي مؤكد لقيام دولتهم القومية.

كان الأكراد عبر تلك السنوات قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم التاريخي. ولم يكن استفتاء عام 2017 الذي دعا إليه زعيمهم التاريخي مسعود البارزاني إلا جزءا من تلك البداهة التي صارت واقع حال. فالأكراد كانوا يشعرون أن على العالم أن يكافئهم على صبرهم وعلى ما تحملوه من فواجع وما دفعوه من أثمان باهظة بسبب كفاحهم البطولي من أجل الحفاظ على هويتهم.

حين اعتبروا تلك المكافأة نوعا من الحق الذي لا يمكن أن يُناقش فإنهم قارنوا أنفسهم باليهود ونسوا الهنود الحمر. وهنا بالضبط أخطأوا في حساباتهم. وهي حسابات لم تكن مضمونة كما تبين في ما بعد.

ما لم ينتبه إليه الأكراد أن أوروبا هي التي أنصفت اليهود وكافأتهم وليست الولايات المتحدة. ولو تعلق أمر اليهود بالولايات المتحدة لما أنصفهم أحد ولظلوا هائمين على وجوههم مثلما هو حال الهنود الحمر. وهنا بالضبط تكمن قوة الأكراد وضعفهم.

الأكراد كانوا دائما ورقة سياسية أميركية بالرغم من أنهم نالوا الكثير من تعاطف وتضامن دول وشعوب أوروبية عديدة.

يوم كان نظام الرئيس الراحل صدام حسين قائما في العراق كانت الورقة الكردية مهمة ورابحة بالنسبة للولايات المتحدة. أما وقد صار العراق كله في قبضتها فأعتقد أنها قد غيرت سياستها إزاءهم. وهو ما كان متوقعا.

لم يكن ذلك الأمر ليخفى على سياسي محنك مثل مسعود البارزاني. ولكنه كما يبدو قد راهن على شعبية لم يكن لها محل في الإعراب بالنسبة للولايات المتحدة التي لم تجد في تطابق موقفها مع الموقفين الإيراني والتركي ما يخل بالتزاماتها السابقة.

لقد تعهدت الدولة العظمى التي احتلت العراق بحماية الأكراد، غير أنها لم تعدهم بإقامة وطن قومي لهم، يكون بمثابة بذرة شيطانية جديدة في المنطقة. سقط الأكراد في فخ اللغة التي لا تقول كل الحقيقة.

لكن البارزاني كان رجلا عمليا بالرغم من أنه كان يرى في منامه أحلام شعبه. لذلك اختار لغة الأمر الواقع، وهي اللغة التي وجدها الأميركيون غير صالحة للحوار معهم. وما كان البارزاني ليستقيل من منصبه رئيسا لكردستان لو أن الأمر كان متعلقا بموقف حكومة بغداد. لقد ذهب الرجل إلى عزلته بأوامر أميركية (عن طريق الإيحاء ربما) بعد أن خيبت الولايات المتحدة رجاءه.

ولكن هل علينا أن نصدق أن نجم الأكراد قد أفل أميركيا؟

لا يزال أكراد العراق ورقة أميركية مضمونة. ما تعرضوا له من انتكاسة بسبب تخلي الولايات المتحدة عنهم بعد استفتاء الانفصال لا يعني أن هناك قرارا عالميا بالتخلي عنهم وتسليمهم لحكومة بغداد الطائفية.

هناك شيء ما يُخطط له يتعلق بمصير الأكراد في المنطقة. وهو ما يضع الأكراد كلهم في سلة واحدة بغض النظر عن الخرائط السياسية التي توزعهم بين دول أربع. لا يعني ذلك المخطط أن العالم سيكون على استعداد للقبول بدولة كردستان الكبرى. غير أن ذلك لا ينفي أن الولايات المتحدة لا تميل إلى حل، من شأنه أن ينهي معاناة الأكراد في إطار الدول التي ينتمون إليها.

ستبقى المسألة الكردية حية لا في ضمائر الأكراد وعقولهم فحسب، بل أيضا في العقل السياسي الأميركي الذي يرى فيها سببا إنسانيا معقولا للتدخل.
مهما فعلت الولايات المتحدة بالأكراد فإنها لن تكون عدوا من وجهة نظرهم.

2 أم قصي والضابط بلترام.. أمة من الإنسانية لن تهزم
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

التطوع محل رهينة في عملية إرهابية أشبه بالتطوع محل شخص بريء محكوم بالإعدام. ترى كم ساهمت تضحية الضابط الفرنسي أرنو بلترام في تحفيز المجتمع الدولي على محاربة ظاهرة الإرهاب.
ما الذي يبكينا ويفطِر قلوبَنا حزنا كلما ذكر العراق؟

العراقية علية خلف صالح حصدت جائزة أشجع النساء لعام 2018 من وزارة الخارجية الأميركية بحضور السيدة ميلانيا ترامب. الجائزة تمنح عرفانا لشجاعة عشر من نساء العالم لدورهن القيادي في خدمة السلام والعدالة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

ماذا فعلت ابنة الرافدين؟

في يونيو 2014 وبعد أيام من احتلال تنظيم داعش للموصل، أي بعد انتشار أخبار المجازر والانتهاكات وتمدد الوحشية إلى محافظة صلاح الدين، وبعد ذلك الرتل الطويل من الأسرى المتدربين في معسكر سبايكر.

الرتل أو الطابور انتقل إلى مجزرة يندى لها جبين نهر دجلة الذي جرّب لوعة انفعاله على مدى قرون عندما استعادت ذاكرته وحشية وهمجية المغول التي نزلت على أهل بغداد والمدن العريقة وعلى مخطوطاتهم حرقا وتقتيلا وإغراقا ومعها تباطأت وتخلفت مناهج البحث في العلوم والرياضيات والآداب والفنون.

عدد من الناجين من مجزرة سبايكر تلقفتهم سيدة من ناحية العَلم في محافظة صلاح الدين تدعى أمّ قصي، أصبحت لهم أمّا وكانوا لها أولادا في أجواء تنذر بالهلاك وعدم النجاة؛ لم تلجأ للبكاء والعويل والنواح ولم تطلب منهم الرحيل إلى المجهول لحماية أسرتها وبناتها، ولم تسألهم عن قوميتهم أو دينهم أو طائفتهم رغم أن العراق تتحكم فيه أحزاب طائفية وزعماء طائفيون ومحاصصة طائفية ورئيس حكومة في حينها كان نوري المالكي ينزّ تحشيدا للطائفية.

أصغت أمّ قصي لنداء فطرة إنسانية عابرة للبحار والقارات والمحيطات، عابرة لحدود الجغرافيا والسياسة والأيديولوجيا والمزاج واللغات وفوارق الطبقات والثقافات والإثنيات والحضارات؛ استجابت أمّ قصي لبكاء أمومة داخلي، يذكرنا بسؤال يتردد في داخلنا نحن كعراقيين نساء ورجالا: ما الذي يبكينا ويفطِر قلوبَنا حزنا كلما ذكر العراق؟

تقول أمّ قصي “كنّا موقد عز تفرق عنه الأحباب”. بهذه المعاني استبسلت لتحمي هؤلاء الشباب بتدبير مبيتهم وتأمينهم من جوع ومن خوف ولم تكتف بالرعاية بل تصرفت كقائدة لمجموعة في زمن المحنة، إذ سعت لتوفر هويات خاصة لهم كطلاب بأسماء وهمية في محاولة شجاعة وجريئة لعبور 11 نقطة تفتيش لمقاتلي داعش وباتجاه كركوك بسيارة نقل مضحيّة ببناتها لأغراض التمويه؛ وكان لها ذلك بعد مواقف تحبس الأنفاس مع أي خطأ محتمل قد يؤدي بهم جميعا إلى التنكيل والموت.

أمّ قصي، علية خلف صالح، ولدها قصي وزوجها والكثير من المقربين إليها قتلى، كانت مهجّرة تشبه كل أمهات العراق بل تشبه صورة العراق التاريخية في قلب الإنسانية كمهد بريء للحضارات والأبجدية والقانون؛ أمّ بكل ما تحمله من شفقة ورحمة اشتبكت عليها 17 يوما من أطول أيام التاريخ؛ أيام أنتجت لنا رواية عميقة بمثابة اعتذار وبـراءة من ثلمة عـار عمـلاء الاحتلالين الأميركي والإيراني، تعبيرا عن تطويق الخلل ومحاصرته ليعود العراق إلى سيرته الأولى حيث تسكن المعجزات بصمت يتطهر من دناءة الخونة ويتعالى برفض كل طارئ.

كم ساهمت تضحية أرنو بلترام في تحفيز المجتمع الدولي على محاربة الإرهاب كم ساهمت تضحية أرنو بلترام في تحفيز المجتمع الدولي على محاربة الإرهاب

وكما كانت أمّ قصي مفتاحا من مفاتيح الثقة بالآمال العظيمة لغد العراق بما وهبت من شجاعة بلا حدود، كذلك تفتحت في فرنسا وردة أمل في قلب الإنسان أينما كان؛ وردة تعد بالتضامن والإخاء وتجسيد أرقى تعاليم مدارس التضحية والعيش من أجل الآخرين عندما حصد الضابط الفرنسي القتيل أرنو بلترام وسام جوقة الشرف من رتبة قائد بعد أن تطوّع ليحل بديلا لأحد الرهائن في العملية الإرهابية في مدينة تريب جنوب فرنسا.

ترى كم ساهمت تضحية أرنو بلترام في تحفيز المجتمع الدولي على محاربة ظاهرة الإرهاب التي امتدت في استعاراتها لتصبح منهجا للصراع من أجل النفوذ أو إصرار بعض الأنظمة على ارتكاب جرائم الاحتجاز والإبادات وحصار المدن.

أمثلة التضحية بالنفس من أجل الآخرين تزدحم في العراق أو بلدان الأزمات لكن التطوع محل رهينة في عملية إرهابية أشبه بالتطوع محل شخص بريء محكوم بالإعدام.

سلوك يدفعنا للقول: هل الحياة البشرية أفضل بعد العمل الإنساني والبطولي للضابط الفرنسي؟ مراسم التشييع المهيب في باحة متحف ليزينفاليد العسكري حيث يرقد نابليون بونابرت وبحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرؤساء هولاند وساركوزي وأحزاب المعارضة، كانت رسالة إلى بعض حكام العالم من الذين مازالوا يعتقدون أن الشعوب مجرد رهائن في قبضة إرهاب أجهزتهم القمعية.

أمّ قصي سيدة تريد منا ألّا ننسى العراق في وقت مستقطع واستثنائي؛ وألّا نخوض في مستنقع السلطات ومواثيق شرفهم بلا طائل؛ لأن ميثاق الانتماء للعراق لا يحتاج إلى تعهدات ولا إلى قسم أو وعود انتخابية مجربة أو تحريض على محاربة الأمويين أو العباسيين للفوز في انتخابات مايو 2018.

أمّ قصي حكومة للمصالحة والمحبة، بل إن ما أقدمت عليه تحول إلى صفعات قوية على وجه حكومات الاحتلال والمحاصصة الطائفية والسياسية والأغلبية والأقلية؛ ونأمل ألّا يتم تحويلها إلى مزاد سياسي في تقلبات نفاق الانتخابات لتظل السيدة أمّ قصي رمزا لدحر الإرهاب ومبرراته خاصة في نفوس المرضى القادمين من مختبرات الولي الفقيه الذين نقلوا عدوى الميليشيات والاختلافات والانقسامات إلى بلاد الرافدين وأنتجوا بعد مجزرة سبايكر سلسلة من مجازر سبايكر في الرزازة والصقلاوية وسامراء وغيرها… أمّ قصي والضابط الفرنسي أرنو بلترام أمّة من الإنسانية لن تهزم.

4 شيعة الولايات المتحدة… والمرجعية (3)
خليل علي حيدر
الجريدة الكويتية

سنتابع في هذا المقال بعض قضايا الأقلية اليهودية في الوسط الشيعي، لا سيما بعد “القاجار”، حيث تولت الحكم الأسرة البهلوية كما هو معروف، فأصبح “رضا شاه” أول ملوك هذه الأسرة، ولكنه تعاطف لاحقاً مع النازية والفكرة الآرية ودول المحور، ويقول كتاب “اليهود في البلدان الإسلامية” الذي نقتبس منه عن إيران بعد رضا شاه إن اليهود أعربوا دائماً في الانتخابات عن تأييدهم للأحزاب الليبرالية المعارضة للأحزاب الإسلامية واليسارية، ويضيف عن “حزب تودة” الشيوعي: “انضمت أعداد محدودة منهم خاصة من بين المثقفين في عقد الأربعينيات إلى حزب تودة الذي تأسس في عام 1941، ثم خرج معظم اليهود الإيرانيين من الحزب بعد أن ساءت العلاقات بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل، وبعد أن تحسن بشكل ملحوظ وضع اليهود الاجتماعي والاقتصادي، وبعد أن أطيح بنظام مصدق في شهر أغسطس من عام 1953، وشكل يهود هذا الحزب رابطة عرفت باسم الرابطة الثقافية والاجتماعية واليهودية”. (ص63).

وكان رجال الدين اليهود في إيران والعراق لا يقلون خشية من نظام التعليم العام ومناهج التدريس الحديثة، وأبدت القيادة الدينية اليهودية في هذين البلدين معارضتها الشديدة لهذه المدارس “لاهتمامها فقط بتدريس المواد العلمانية واللغات الأجنبية، وعدم اهتمامها في المقابل بتدريس المواد الدينية”.

وتزعم الحاخام “يوسف حاييم” الذي كان من أبرز الشخيصات الدينية في القرن التاسع عشر، الاتجاه المعادي لهذه المدارس، “بل أصدر فتوى وقع عليها كل حاخامات الطائفة قضت بمنع أطفال اليهود من الذهاب لهذه المدارس، وصدرت هذه الفتوى بعد أن حاولت “جماعة كل شعب إسرائيل أصدقاء” افتتاح مدارس للفتيات اليهوديات في بغداد، كما عارض الحاخام أيضا محاولات تدريس المواد العلمانية واللغات الأجنبية في المدارس اليهودية التقليدية، وفي إيران زعم الحاخامات أن النظام التعليمي الذي تنتهجه مدارس جماعة “كل شعب إسرائل أصدقاء”، يضعف من مكانة الدين، ومن قوة الروابط الأسرية، بل يشجع الشباب اليهود على اعتناق الديانة المسيحية أو البهائية أو الإسلام”.

وعن مصير هذا النظام التعليمي في كل من العراق وإيران يقول: “بالرغم من معارضة الحاخامات للنظام التعليمي الحديث فإن مدارس جماعة “كل شعب إسرائيل أصدقاء” حققت قدراً كبيراً من النجاح في العراق، فقدر في عام 1910 عدد الدارسين اليهود الذين التحقوا بمدارس هذه الجماعة بثلاثة آلاف تلميذ، ولم تكن هذه المدارس منتشرة فقط في بغداد أو في المدن الجنوبية من العراق فقط، مثل البصرة والحلة والعمارة وخاناقين، وإنما كانت منتشرة أيضا في المدن الواقعة شمال العراق، مثل مدينتي الموصل وكركوك، وفي إيران قدر عدد الدارسين في هذه المدارس في عام 1912 بألفين ومئة يهودي، وانتشرت هذه المدارس في طهران وهمدان وأصفهان وشيراز وكرمنشاه وتوشكرجان ونهاوند، وتزايد عدد الدارسين فيها بعد أن اتضح للجميع أن مناهج التعليم المعتمدة في هذه المدارس تساعد اليهود على الانخراط في صفوف العمل بالجهات الحكومية”. (ص79).

ولم تول هذه المدارس اهتماماً يذكر بالتقاليد اليهودية أو بالتقاليد المحلية وكانت مناهج تعليم مدارس “جماعة كل شعب إسرائيل أصدقاء” في العراق وإيران مناهج أوروبية فرنسية، لم تهتم كثيراً بالدراسات الدينية اليهودية. ويضيف الكتاب: “ومن هنا فلا غرابة في أن التلاميذ اليهود الذين تلقوا تعليمهم في هذه المدارس شعروا بالانفصال التام عن عالم الطائفة اليهودية وعن تراثها الأدبي والفكري، وبالإضافة الى أن التلاميذ اليهود لم يتلقوا في هذه المدارس أي مواد تعليمية تؤهلهم للمساهمة في النشاط القومي للمجتمع أو التعاطف معه.

ولم تنجح هذه المدارس أيضا في أن تجعل من الشخصية اليهودية بالشرق شبيهة بالشخصية اليهودية في فرنسا التي رأت أنها فرنسية في المقام الأول، وأنها تنتمي من الناحية الدينية إلى الديانة اليهودية، وأسفرت المناهج التعليمية لهذه المدارس عن ابتعاد اليهود عن عالم الديانة اليهودية، وعن حركة النهضة القومية اليهودية، وعن عدم تحمسهم للاتصال بالحركة الصهيونية. ويمكننا على هذا النحو تفهم الأسباب التي جعلت الدوائر الدينية المحافظ على كل من العراق وإيران تعرب عن معارضتها لنشاط جماعة “كل شعب إسرائيل أصدقاء”. (ص80).

وفي المنطقة الخليجية، ومنها الكويت، يلاحظ الباحث “يوسف علي المطيري” في كتابه “اليهود في الخليج” أن الاختلاف بين أتباع المذهبين الإسلاميين السني والشيعي في الكويت، “كان واضحاً فيما يتعلق بالموقف من طعام وشراب غير المسلمين، والذي كان ربما يستند إلى مفهوم شيعي خاص بنجاسة أهل الذمة، رغم تعامل بعض المسلمين الشيعة معهم والصداقات التي ربطت بين بعضهم”. ويضيف “المطيري”، أن الحوادث الدالة على هذا الموقف تجاه الأقلية اليهودية قد تعددت في الكويت والبحرين.

ويضيف: “فصالح ساسون محلب اليهودي كان قد أسس مصنعاً للثلج في الكويت عام 1912 فكثر الناس على شراء الثلج، فأخذ بعض الشيعة ينادون بتحريم الشراء منه حتى اضطر إلى إغلاقه، وقام بشرائه أحد تجار الشيعة في الكويت. وفي البحرين كان البائع في سوق الأسماك أو الفاكهة يمنع اليهودي من لمسها لمعرفة الجيد والرديء منها، وأحياناً يقوم بضربه على يده، ووصل الأمر إلى إجبار اليهودي على شراء ما لمسه من أسماك أو فاكهة حتى عُرضت قضيةٌ على حاكم البحرين حين أراد البائع إجبار أحد اليهود على شراء برتقال قام بلمسه، فذكر اليهودي أنه لمس قشرة البرتقال وهي الجزء الذي لا يؤكل منها وهو مستعد لدفع ثمن القشرة، وليس لبّها، فقبل حاكم البحرين ذلك وأصدر قرارا بمنع إجبار اليهود على شراء ما قاموا بلمسه من طعام”.

(اليهود في الخليج، الكويت 2011، ص156-158).

وكان التعامل مشابهاً في شرب الماء والشاي، حيث يقول المطيري: “كان المسلمون الشيعة لا يشربون من الإناء نفسه الذي يشرب منه اليهودي، ويغسلونه بعد شربهم منه، ويذكر أنور منشي كوهين أنه عندما يزوره بعض الشيعة في دكانه في الكويت كانوا يشربون لديه الشاي أو القهوة فقط؛ لأن من يقوم بعمل الشاي أو القهوة كان مسلماً، كما كان لجميع الطلاب في المدرسة الجعفرية في البحرين عام 1931 وعاءٌ للماء غير الذي يشرب منه الطلاب اليهود بطلب من أولياء أمورهم.

5 العراق وتركيا: دلالات الغارات ومستقبل العلاقة

كرم سعيد
الحياة السعودية

برغم نفي العراق وجود أي تحركات عسكرية تركية في فضاء منطقة سنجار، إلا أن الغارات التي بدأتها تركيا في شكل متقطع منذ 10 آذار (مارس) 2018 على شمال العراق، أدت إلى توتر العلاقة بين أنقرة وبغداد التي ترى في الغارات اختباراً حقيقياً لمدى قدرتها على حماية حدودها، وبسط سلطتها على ترابها الوطني. وازداد التوتر مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 25 آذار بدء عملية عسكرية في سنجار، وهو ما قد يؤسس لبداية جديدة، وتغيير كبير في النهج الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية تجاه الأكراد في المنطقة، والتي لا يمكن استقراء منطلقاتها أو تداعياتها بمعزل عن نجاحات تركيا في عفرين السورية.

وتأتي الغارات في إطار إستراتيجية استباقية تتبناها تركيا لمواجهة الصعود الكردي، في دول الجوار، وبخاصة العراق وسورية. والأرجح أن الغارات التركية على سنجار، وجبال قنديل في العراق، أدت إلى عودة التوتر بين البلدين، وتجلى ذلك في التصريحات، والتصريحات المضادة، وذلك بعد إتباع تركيا السياسة نفسها التي تبنتها في سورية من خلال توجيه تهديدات لبغداد في 21 آذار، بإمكان القيام بتنفيذ عملية ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في سنجار بشكل فردي في حال عدم تعاون حكومة العبادي معها، على نحو دفع بغداد إلى رفض هذا التوجه، معتبرة أن حجة تركيا في الحرب ضد تنظيم «داعش» انتهت بعد تحرير الموصل.

وهذا التوتر لم يكن هو الأول من نوعه بين البلدين، فقد دخلت العلاقة مناخ الشحن في العام 2016، ووصل الأمر إلى حد التراشق اللفظي بين رئيس الوزراء العراقي، والرئيس التركي، على خلفية دخول قوات تركية للأراضي العراقية وتمركزها في معسكر «بعشيقة» قبل بدء عملية تحرير الموصل التي انطلقت في تشرين الأول (أكتوبر) 2016 لتحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فضلاً عن تمديد البرلمان التركي في الشهر ذاته مهمة قوات بلاده في العراق عاماً إضافياً.

وبرغم أن شمال العراق يتعرض بصورة متقطعة لعمليات قصف متكررة من قبل تركيا منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، تستهدف من ورائها عناصر الكردستاني إلا أن الغارات الراهنة تبدو مختلفة، وتحمل دلالات مغايرة:

أولها نفاد الصبر التركي من الدعم الأميركي للفصائل الكردية في المنطقة، وبخاصة حزب الاتحاد الديموقراطي وجناحه العسكري (وحدات حماية الشعب)، وأن تركيا قد لا تبالي بتحالفها الاستراتيجي مع واشنطن إذا وجدت أن أمنها بات في خطر. وثانيهما أن الغارات التركية على سنجار، وجبال قنديل تشكل رسالة مفادها أن أنقرة باتت أقوى بعد السيطرة على عفرين، وسيطرتها بحسب معلومات أولية على مدينة تل رفعت، ومطار منغ العسكري، بموجب تفاهمات بين مع موسكو.

خلف ما سبق، فإن الاستهداف التركي للأكراد في شمال العراق، يحمل رسالة مفادها أن تركيا ماضية في مواجهة صعود نفوذ حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق، والتحرك لإخراجه من منطقة سنجار، والتي تشكل مع قنديل وكراتشوك السوريتين مثلثاً حيوياً تحت سيطرة الكردستاني. وفي هذا السياق تعمدت أنقرة الإشارة إلى إمكان شن عملية عسكرية مشتركة مع بغداد لمواجهة تمدد الكردستاني في سنجار، أو القيام بها بشكل منفرد، ما دفع حكومة العبادي للتنديد بهذا التوجه. أما الدلالة الرابعة، فإن الغارات التركية المتقطعة على سنجار تأتي قبل اجتماعات محتملة تجمع الرئيس التركي مع الرئيسين الروسي والإيراني، إذ تستهدف أنقرة إيصال رسالة تؤكد أنها باتت طرفاً فاعلاً في إدارة المشهد الإقليمي برمته.

في المقابل، فإن هذه الغارات تكشف استثمار تركيا توافقها من طهران لجهة تحجيم النفوذ الكردي ومحاصرة حلفاء واشنطن الأكراد جنباً إلى جنب استثمار الارتباك الحادث في الإدارة الأميركية التي شهدت سلسلة من التغيرات في مستويات قيادية عليا.

وبرغم تحسن محدود في العلاقة منذ زيارة رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم لبغداد في كانون الثاني (يناير) 2017 إلا أن الغارات التركية الأخيرة على مناطق شمال العراق، منها بلدة هاكورك كاني راش، وناحية سيدكان الحدودية وقضاء العمودية في محافظة دهوك، أدى إلى تراجع العلاقة.

وبرغم محاولة أنقرة طمأنة بغداد، وتأكيد السفير التركي لدى بغداد عد تفكير بلاده في هذا التوجه من التشاور مع حكومة العبادي، فضلاً عن تراجع الحكومة التركية عن تصريحاتها الأخيرة بشأن إطلاق عملية عسكرية لمطاردة عناصر حزب «العمال الكردستاني» في قضاء سنجار، ومهاتفة رئيس الوزراء التركي نظيره العراقي قبل أيام، إلا أن فرص التوتر تتصاعد، وكان بارزاً، هنا، نشر الجيش العراقي قوات تابعة له في مناطق بلدة سنجار فضلا ًعن رؤية قطاعات معتبرة في الداخل العراقي للنشاط التركي في شمال العراق باعتباره احتلال، ورغبة في استعادة إرث الدولة العثمانية.

والواقع أن توتر العلاقة قد ينعكس سلباً على عدد من الملفات المشتركة، في مقدمها الملف الاقتصادي، إذ يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يقرب من 12 بليون دولار، وجميعها لصالح تركيا، حيث إن العراق يمثل سوقاً أساسية للبضائع التركية. في هذا السياق، فإن فرص تراجع العلاقة تبقى هي الأرجح، لكنها لن تصل إلى حد القطيعة بفعل اعتبارات مهمة، من بينها رغبة تركيا في إعادة تصفير مشاكلها مع محيطها الإقليمي، بخاصة بعد التوتر الحادث مع دول الخليج على خلفية دعمها قطر، واستمرار توترها مع القاهرة. كما ترغب تركيا في تعزيز التعاون الأمني، ولاستخباراتي مع العراق لضبط الحدود التي تصل إلى ما يقرب من 311 كيلو متراً.

أيضاً تدرك أنقرة تراجع مركز إقليم كردستان حليف تركيا المهم، بعد فشل استفتاء استقلال الإقليم، وتباعد المسافة بين أربيل وأنقرة التي ناهضت طموحات التحول إلى دولة مستقلة. وتهيمن بغداد على مركزية القرار في كردستان العراق اليوم.

على صعيد متصل فإن العراق تمثل بوابة مهمة لجهة موازنة الدور الإيراني المتصاعد في المنطقة، وكبح جماح «الحشد الشيعي». وعلى الجانب العراقي تظل تركيا بوابة رئيسة لنقل النفط العراقي إلى أوروبا، كما تمثل تركيا سوقاً مهمة لتلبية الاحتياجات الاستهلاكية للعراق ناهيك عن حرص العراق على جذب الاستثمارات التركية لجهة إعادة إعماره.

6 جدلية السني والشيعي في عالم متمدن
خالد عباس طاشكندي
عكاظ السعودية

زرت بغداد أواخر شهر فبراير الماضي، مع أول وفد إعلامي سعودي يجري زيارة رسمية إلى العراق الشقيق منذ قرابة ثلاثة عقود، وبعد تحسن العلاقات، والتقينا خلالها بقيادات الحكومة وتجولنا في عدد من المرافق والأماكن العامة للتعرف على واقع الحياة في العراق اليوم، وخلصنا إلى أن هناك إرادة قوية على الصعيد الرسمي والحكومي والشعبي لتجاوز الخلافات وما خلفته الحروب والصراعات والأزمات بمختلف مستوياتها وأصعدتها، والعمل الجاد على إعادة وتحسين العلاقات الإقليمية وفقاً لمبادئ حسن الجوار والسعي نحو إيجاد قواسم إيجابية مشتركة مع الجميع ومراعاة تقديم المصالح العامة والمشتركة في إطارها الإيجابي وحتمية الكفاح للمضي قدما باتجاه البناء والتنمية وتعزيز الأمن والاستقرار، وإلى هنا انتهت الزيارة وعدت إلى أرض الوطن محملاً بانطباعات في غاية الإيجابية عن بلاد الرافدين المعروفة بعراقة تاريخها وحضاراتها الثرية بالتعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي الزاخر.. وما إن عدت إلى أرض الوطن إلا واصطدمت بأسئلة من بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول مدى تأثير الخلفية المذهبية لبعض كبار المسؤولين على عودة العلاقات بشكل حقيقي، وما إذا كانت ستؤثر المرجعيات والأحزاب السياسية الشيعية في تقارب أكبر مع إيران مقابل تقارب وهمي مع السعودية ودول الخليج؟

هذا النوع من التساؤلات يعيدنا حتماً إلى حقول الألغام التي زرعتها الفتن الطائفية والمذهبية التي طالما يحاول المسؤولون ومن خلفهم العقلاء والحكماء التخلص والهروب منها بعد أن اكتوى من نارها الجميع بما يكفي لأن يتصدوا لها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة لتجاوزها، وبحكم أنني وقفت على المشهد العراقي من قرب، أستطيع أن أقول أن الانخراط في العمل السياسي ومواقع المسؤولية تحكمه أطر يحددها دستور الدولة ورؤاها وأهدافها وإستراتيجياتها، وبمجرد وصول أي فرد لموقع المسؤولية فهو ملزم بواجباته ومسؤولياته الوطنية وما تمليه عليه سياسة بلاده، والدول تبني علاقاتها وفقاً لسياسات الدول ونهجها العملي.

ولكن تبقى مسألة تأثر المجتمعات بالعديد من الموروثات والعادات والتقاليد السلبية والإيجابية على السواء، بما فيها المسائل الدينية – العقدية والفقهية -، أمراً يجب الوقوف أمامه بحرص ومعالجته بعناية فائقة حفاظاً على الأمن والسلم الاجتماعي، ومستقبل الأجيال القادمة التي لن تحتمل توارث الخلافات المذهبية ما بين السنة والشيعة في ظل آلية وطبيعة التعايش في زمن الألفية الثالثة أو عصر الرقمنة الذي يتسم بالتطور التكنولوجي الهائل ووفرة المعلومات وزيادة الاعتماد على التواصل الافتراضي الذي حوَّل العالم بأسره إلى قرية مصغرة، وبالتالي فرض العولمة والانفتاح على المجتمعات.

علينا أن نزرع في مدارك أفراد المجتمع، خاصة الأجيال القادمة، أهمية تقبل واحترام الآخر بشكل عام، سواء على صعيد الثقافة أو العادات والتقاليد أو الخلفية الدينية والمذهبية، فالناس يولدون من بطون أمهاتهم في هذه الدنيا ولا يفقهون شيئاً إلا ما سيشكلهم عليه آباؤهم وثقافة مجتمعاتهم، فإذا ولدت في الصين من أبوين صينيين فعلى الأرجح أن تكون بوذيا، وإذا ولدت في التيبت ستنشأ وفقاً لثقافة مجتمع التيبت، وبالتالي سترحب بالضيوف بإخراج لسانك أمامهم، وإذا ولدت في الهند فقد تتزوج على طريقة «البراهما»، حيث تتقدم لأسرتك الفتاة الراغبة للزواج منك وفقاً لعادات وتقاليد بعض المناطق هناك، وكل ثقافة مجتمعية تبني قناعاتها، فبعض الصينيين يكرمون الأموات بوضع أفخر أصناف الطعام على أضرحتهم، وعندما تعجب بريطاني من ذلك الفعل، متحججاً بأن الميت لا يأكل؟ رد عليه صيني: أنتم تضعون أجمل الزهور على قبور أمواتكم بالرغم من أن الميت لا يشم!.

وبالنظر في جذور نشأة الخلافات التاريخية ما بين السنة والشيعة نجد أنها نسخة شبيهة بخلافات الكنيسة والمذاهب، أو ما وصفه وفسره بعض الفلاسفة والمفكرين بأنه صراع ما بين «الواقعية» و«المثالية»، والكثير ممن درسوا هذه الخلافات بحياد ومن زاوية سوسيولوجية، مثل ميلتون ينغر في كتابه المعروف «الدين في الصراع على السلطة»، خلصوا إلى أنه لا يوجد في هذه الخلافات ما هو حق مطلق أو باطل مطلق، خاصة أن الخلافات في أصلها ليست فقط عقائدية بل تخللتها صراعات سياسية وتقديم للمصالح الدنيوية التي أفسدت المبادئ الحقيقية التي نشأت على أساسها الرسائل الإلهية.

وطالما أن الكثير من الدول والحكومات لا تخلط ما بين الموروثات الاجتماعية والدينية ومنظومتها السياسية، إذن علينا أن نعمل على تجاوز هذه الجدليات التي لا تنتهي، ولن تنتهي إلا بالعمل على تغيير فكر الخلاف مع الآخر وتقديم مبادئ تقبل واحترام الآخر.