1 تحرير العراق اهم من الانتخابات
كمال مجيد راي اليوم بريطانيا
ما كل هذا الكلام حول الانتخابات العراقية ؟ فليست هذه الاولى، بعد الاحتلال، لكي نحتفل بوصول الديمقراطية الى ربوع الرافدين. كلا ! لأن الاولى حدثت بالحاح السيستاني و بالرغم من معارضة بريمر. لقد جرت تلك باعتبار كل العراق منطقة انتخابية واحدة وكان قصد السيستاني ان يثبت بأن الشيعة يشكلون اكثرية الشعب. وبعد مقاطعة السنة حقق هدفه الطائفي. وكنتيجة سيطر اعوان الاستعمار الامريكي المحتل على ما يسمى ببرلمان منطقة الخضراء حتى يومنا هذا. وبعدها جرت انتخابات عديدة دون ان تغير شيئا ً ولم يصدر من السيستاني فتوى واحدة تشير الى عدم شرعيتها. فلماذا يبشر قصيرو النظر بأن حدثا ً هاما سيحدث في آيار/ مايو القادم ويتخلص الشعب من آلامه؟
قبل كل شئ من الضروري الادراك بأن العراق بلد محتل من قبل الجيش الامريكي فلا يمكن الاعتراف بشرعية الانتخابات تحت الاحتلال. لقد صرح وزير الدفاع الامريكي، جيم ماتيس، قائد مجازر الفلوجة سنة 2004، والملقب بـ ((الكلب المسعور)) في زيارته الى بغداد، بأن (( جيشه سوف لا يغادر العراق هذه المرة. )) هذا اضافة لما سبق واكدت آيلين ليبسون، نائبة رئيس المجلس القومي للاستخبارات التابع لوكالة المخابرات المركزية C.I.A. بالقول : ((بالتأكيد ان العراق بعد صدام لن يكون ديمقراطيا ً وان ذلك قد يستمر سنوات عديدة..ان الديمقراطية عملية بطيئة ولا تحدث بين عشية وضحاها.)) ( راجع القدس العربي لعطوان في 16/2/1999 ) لقد جاء هذا التأكيد قبل الاحتلال باربع سنوات.
ان تأريخ حكام العراق، منذ الاحتلال وحتى الان، لا يبشر بأنهم قادرون على نشر الديمقراطية. بل على العكس فبالاضافة الى جهلهم في الحكم انهم شاركوا الاستعمار الامريكي بنشر الحرب من شمال العراق في تلعفر الى الفلوجة والى مدينة الثوره و النجف وحتى البصرة.
من المفيد الاشارة بصورة خاصة الى الحرب في النجف، ضد جيش المهدي لمقتدي الصدر، حين رفض السيستاني معارضته لها بل على العكس وافق على السفر، بطائرة بريطانية، الى لندن بحجة انه مصاب بمرض في القلب، وذلك لكي لا يتم اتهامه بأنه ((يشارك العدوان بصمته)) كما ذكر التلفزيون البريطاني.
لقد لعبت هذه الحروب دورا ً مهما ً لنشوء وترعرع قوات الدولة الاسلامية (داعش ) لأبو بكر البغدادي التي تمكنت فيما بعد على احتلال الموصل بل كل الشمال الغربي من العراق. ولحد الآن لم تجر محاكمة نوري المالكي، القائد العام للقوات المسلحة حينذاك، ولا محاكمة قادة الجيش الذين سلموا ثلث العراق الى الدواعش دون اطلاق طلقة واحدة.
كلا لم ينشر اعوان امريكا الديمقراطية في العراق بل قاموا بتقسيمه، بحجة الفيدرالية الفاشلة، الى اقليمين متخاصمين ذو عاصمتين في بغداد واربيل. ونال اعوان الاستعمار واسرائيل في اربيل اليد الطولى، حيث سيطروا على رئاسة الجمهورية وعدد مما يسمى بالوزارات السيادية في بغداد ومنعوا الجيش العراقي من دخول اقليمهم وكأنهم يعيشون في دولة منفصلة عن العراق. لم يستفيد الشعب الكردي من هذه الفدرالية ولهذا انهم ينظمون المظاهرات في السليمانية واربيل ودهوك لاجبار حكومة اربيل على صرف رواتبهم على الاقل.
كرئيس الوزراء يشرف حيدر العبادي وشرطته على سير العملية الانتخابية بسلامة. ولكن العبادي برهن بأنه قليل القابلية. فحين تم تعيينه اكتشف بأن جهاز الدولة مملوء بالموظقين الفضائيين ولكنه فشل في القضاء عليهم. ثم قرر ان يلغي منصب نائب رئيس الجمهورية وفشل. من مسؤولية رئيس الوزراء ان يختار او يقيل الوزراء. فقرر ان يأتي بوزارة جديدة من التكنوقراط. ولكنه اعترف بأنه لا يملك حتى هذه القابلية فاقترح على الدكتور مهدي الحافظ ان يختار وزراءه ولكنه فشل ايضا ً. فاضطر الاستمرار مع وزراء المحاصصة، الذين اعترف بأنهم ليسوا اهلا ً لمناصبهم.
شرح الدكتور احمد الزهيري، الخبير في ( المركز الاقتصادي العراقي) تفاصيل مشروع الرئيس ترامب المسمى (( اعادة اعمار العراق مقابل النفط)) لبناء العراق بكلفة 400 مليار دولار على الاقل. ووافق حيدر العبادي على تنفيذ المشروع بحذافيره. فبعد ان قابل ترامب كتب العبادي في واشنطن بوست في 24/3/2017 بالنص:
(( أننا نحتاج لخبرة الولايات المتحدة واستثمارها في الوقت الذي نعيد فيه إحياء اقتصادنا ونجدد ديمقراطيتنا. إنطلاقاً من روح اتفاق 2008 نريد شراكة تتضمن كل أشكال التعاون السياسي والدبلوماسي والعسكري والأمني والتربوي والثقافي.)) (لاحظ العسكري والامني) واضاف: ((الآن نطلب من الأميركيين مساعدتنا في إعادة بناء بنيتنا التحتية وتنوعنا، والخصخصة الجزئية لاقتصادنا.. نحن بحاجة للاستثمار الأميركي من أجل إعادة إعمار المنازل والمستشفيات والمدارس ومرافق الصرف الصحي والطرقات والجسور. كما أنه يمكننا الاستفادة من الخبرة التقنية الأميركية في تطوير وتوسيع قطاع الاتصالات والمعرفة التكنولوجية والقطاعات الصحية. ))
ان هذا التصريح يبين ان العبادي خضع لترامب في كل شئ ، بما في ذلك بقاء الجيش الامريكي وخصخصة القطاع العام المتكون من انتاج البترول بالدرجة الاولى. والخصخصة هنا تعني تسليم قوت الشعب للشركات الامريكية ليس الا. لقد جاء ((قانون شركة النفط الوطنية العراقية)) تنقيذا ً لهذه الحصحصة. فالانتخابات القادمة لا تزيد عن ما اكده حين كتب:(( نجدد ديمقراطيتنا. انطلاقا ً من روح اتفاق 2008 …))
يكذب العبادي حين يدعي بأنه حقق الانتصارات ضد داعش. لأن الانتصار جاء نتيجة لقيام الطائرات الامريكية بالهدم الكلي للموصل والرمادي وتكريت وبيجي والحويجة، ثم يرجو من المستعمرين الامريكان القيام بـاعادة بنيتنا التحتية فينتقل 400 مليار دولارمن فلوس النفط الى حساب الشركات الامريكية كما ذكر الدكتور احمد الزهيري.
لقد وصف الرئيس الامريكي ترامب حكام العراق بـ ((رهط من الحرامية الذين يفرهدون كل شئ )) وهناك العديد من الدراسات القيمة التي تشرح حقيقة الانتخابات القادمة باسوب واقعي. فتحت عنوان ((عندما يفرض الغرب الديمقراطية على دول العالم الثالث: العراق نموذجا ً)) كتب البروفسور سعد ناجي جواد في رأي اليوم الغراء في 6/2/2018 يقول:
(( وبعد اربع عقود ونصف من فشل التجربة البرلمانية العراقية في ظل النظام الملكي جاءت الولايات المتحدة لتحتل العراق ولتفرض عليه نظاما برلمانيا مشوها لا يصل حتى لمستوى التجربة التي فرضتها بريطانيا بعد الحرب الاولى. والحقيقة التي تغيب عن ذهن اغلب المتحدثين عن ما يجري في العراق الان ينسون او يتناسون ان الولايات المتحدة لم تحتل العراق من اجل تدمير أسلحة الدمار الشامل الذي ثبت انها غير موجودة ولا بسبب عدم وجود ديمقراطية فيه او عدم احترام لحقوق الانسان او لإرساء نظام ( ديمقراطي) يوفر حياة كريمة للعراقيين، كما ادعت، وإنما من اجل تدمير هذا البلد العريق الذي كان يمثل بالنسبة لها بؤرة تحدي لمشاريعها وللمشاريع الإسرائيلية. …))
يختتم الدكتور سعد تحليله ويؤكد:
(( أعيد وأقول انه بدون وقفة شعبية حازمة سوف يستمر الحال البائس في العراق ولا يحق للعراقيين ان يلقوا باللوم الا على أنفسهم لأنهم هم من يدعمون الفساد، ولو بصورة غير مباشرة، ويرفضون الانتفاض عليه او تغييره بموقف موحد وحازم. ))
و تحت عنوان (( في سايكولوجيا تزوير الوعي الانتخابي ومستلزمات النهوض به )) بدأ الدكتور عامر صالح مقالته في مجلة المثقف الالكترونية في 26/3/2018، العدد 4220 بالقول: (( على مقربة من الأنتخابات البرلمانية العراقية الرابعة والتصارع المحموم على أشده للأستحواذ على السلطة السياسية وتقاسم النفوذ هو سيد المشهد مؤطرا بسلوكيات التنافس أللانزيه للفوز، من محاولات التزوير وشراء الذمم والخداع وكذب الوعود، وصلت الى حد حجز البطاقات الأنتخابية وعدم توزيعها، أو شراء البطاقة الانتخابية من المواطن بملبغ بخس وصلت قيمته 80 دولارا في بعض المحافظات مقابل استخدامها في التصويت لصالح بعض الأفراد والاحزاب… )) بينما كتب الاستاذ جمعة عبدالله في نفس العدد: (( تعودت الكتل وقوائم الاحزاب الطائفية الحاكمة، على الفوضى والتلاعب والاحتيال، في عمليات الترويج الانتخابي . بدون ضوابط محددة تنسق العملية الديموقراطية … وانما تترك الحبل على الغارب في المكر والاحتيال، الذي هو يشذ عن الاصول والقوانين واعراف المبادئ الديموقراطية، وانما تتحول حمى محمومة ومسعورة، على شراء بطاقة الناخب بحفنة من المال . او بحفنة من الوعود العسلية الوهمية، في سبيل اعادة انتخابهم من جديد… من يملك رصيد ضخم من عمليات الشراء لبطاقات الناخبين، يكون ضامن مقعد في البرلمان بكل سهولة، الى جانب حزمة من الوعود العسلية… كأن العراق سيدخل فردوس الجنة بعد الانتخابات مباشرة…))
لقد امتازت الانتخابات هذه المرة بقيام عدد كبير من رجال الدين المعروفين من امثال آيات الله العظمى السادة احمد حسني البغدادي و جواد الخالصي والمالكي والمؤيد بارشاد الناخبين الى مقاطعة الانتخابات بغية رفع مستوى الشعب السياسي وبغية فضح دسائس حكام المنطقة الحضراء.
من الضروري الادراك بأن عملية تحرير العراق من الاحتلال الامريكي والاطلسي تأتي قبل نشر الديمقراطية. وهذه لا تتم الا بوجود منظمة جماهيرية قادرة على العمل الايجابي بكل انواعه ضد الاحتلال العسكري، بالضبط كما جرى بعد الاحتلال مباشرة. وهذا يشمل اسقاط حكومة المحاصصة وتأسيس دولة عراقية جديدة وموحدة تعمل لتنفيذ الاهداف التالية على الاقل:-
1 – تشكيل حكومة مدنية موحدة وقديرة تعترف بأن العراقيين متساوون في كل الحقوق والواجبات دون تمييز. ومنع تقسيم المسؤوليات، بما في ذلك رئاستي الجمهورية والحكومة، حسب النسب القومية او الطائفية او الدينية. عند ذلك فقط يشعر الكل بالمساوات.
2– الغاء العملية السياسية التي وطدت الطائفية والعنصرية. واخلاء سبيل المشاركين فيها.
3 – الغاء الدستور ورفض كل بنوده، بما في ذلك الفيدرالية، وابطال كافة القوانين التي صدرت بموجبه.
4 – حل كافة الاحزاب والمنظمات الانعزالية، القومية منها والطائفية، التي اثبتت على انها تميز قسماً اوعرقاً او طائفة من الشعب دون غيره ومنع قادتها من العمل السياسي.
5 – فصل الدين عن السياسة ومنع المرجعيات، السنية والشيعية، من التدخل في شؤون الدولة.
6 – الغاء كافة المليشيات كالحشدين الشعبي والوطني وسرايا السلام وكفيلق البدر وعصائب الحق وجيش المهدي والبيشمرغة التابعة للحزبين الكرديين ومنظمات الصحوة وما شاكلها.
7 – تكوين جيش عراقي محترف وموحد يقتصر واجبه على الدفاع عن الوطن من العدوان الخارجي.
8 – ربط علاقات الصداقة مع البلدان المجاورة ومع دول البريكس، اي روسيا والصين والهند وافريقيا الجنوبية والبرازيل.
9 – الدفاع عن مطاليب الشعب اليومية كحق العمل وحق الاضراب عن العمل وحرية الفكر وحق الحصول على الطعام والماء والكهرباء والثقافة والصحة. فالى التنظيم ضد الاحتلال والتقسيم والفساد!
فبدون توحيد الجهود وبدون منظمة واعية وجريئة تقابل المحتلين بالمثل لايستطيع الشعب العراقي المظلوم ان ينال الحرية والرفاه ، والى الامام.
2 حقيقة موقف بغداد من القصف التركي
د. فاضل البدراني
راي اليوم بريطانيا
تركيا بجولاتها العسكرية في شمال سوريا والعراق استهدفت اضعاف القوى الكردية التي تشكل وفقا للمنظور الجيوسياسي خطرا على أمنها، وترفض بشكل قاطع اي احتكاك بين القوى المسلحة الكردية المعارضة لحدودها الجنوبية ذات الغالبية الكردية والتي تعد منطقة نزاع متواصل منذ عقود، وهو الحال الذي تشكو منه أنقرة مرارا، كما يتكلم عنه اقليم كردستان العراق مرارا بالرفض والتنديد.
وتابعنا قبل ثلاثة أسابيع اعلان تركيا عن البدء بشن حملة عسكرية للسيطرة على منطقة عفرين الكردية شمال سوريا، وقد تحقق ذلك، وسط مساومات دولية منها اميركية وروسية وايرانية وتركية، كل طرف منها يريد أن يأخذ حصته من هذا البلد الضحية بسبب خلاف ينم عن غباء سوري داخلي رسمي وشعبي، المهم تركيا بعد ان احكمت سيطرتها على عفرين دارت وجهها بعدها صوب شمال العراق، وكررت نفس بيان التدخل في (عفرين) سوى الاختلاف في (سنجار) وبتهديد ورد على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان بالتدخل بشمال العراق الذي يحتضن العناصر المعادية لبلاده ،وبالفعل بدأت عمليات قصف لعناصر حزب العمال(بكاكا) الذين يحتلون مدينة سنجار ليس لوحدها بل معهم (يكاكا)واخريات تتوزع اعدادها بحسب الاجندات الاجنبية المتنافسة، الأمر الذي يجعل من هذه المدينة خارج نطاق الدولة العراقية، ومن نتاج هذا التزاحم الأمني المضطرب يجعل من سنجار التابعة لمحافظة نينوى إداريا، والواقعة لمسافة 120 كلم شرقي الحدود السورية و104كلم جنوب تركيا المحاذية لحدود العراق من جهة دهوك في الاقليم.. ذات ادارتين بالوقت الحالي وبغداد طرف غير مؤثر فيها.
وفي استعراض المواقف من التدخل التركي في شمال العراق، فبعض الأطراف الكردية تحمل بغداد المسؤولية بحجة أنها متفقه مع انقرة، وبعض آخر يستنكر صمت بغداد من القصف والتهديد بالتدخل، ومع أن الخارجية العراقية استنكرت القصف واعتبرته تجاوزا على سيادة العراق، لكن على ما يبدو ان بغداد التي تعارض تواجد حزب العمال الكردستاني تريد ان توظف هذا التجاوز التركي وتجعل منه درسا مفيدا يدفع بالأقليم للعودة لحضن الدولة العراقية بشكل حقيقي، خاصة عندما يشعر المواطن الكردي الذي ينزح حاليا من دهوك ومن مناطق شمال اربيل باتجاه عمق الاقليم، سيجعله يفكر جديا بالعودة للانتماء لبغداد عاصمة الدولة العراقية من اقصى الشمال العراق لأقصى جنوبه، ناهيك عن ضغوط الازمة الاقتصادية التي تهدد بنسف كيان الاقليم وتشكل حالة مخيفة لمستقبله ان لم يلتئم ببغداد جديا، وأيضا الازمات السياسية وغياب الثقة بين الطراف الكردية ذاتها التي هي بحكم القاموس السياسي العلمي تحتاج لربع قرن حتى يندمل الجرح من قلوب المكتوين به، كل هذا يبدو انه يجعل بغداد ان لم تكن متفقة فأنها ساكته بحكم الرضا عن التدخل التركي بشمال العراق.
وواضح انه سواء وافقت بغداد أو رفضت التدخل التركي فان تهديد تركيا بالتدخل بالأقليم أو القصف فانه لن يدم بغض النظر عن مخاطر استهداف ارواح المدنيين او عمليات التهجير الصعبة للمواطنين بلا ذنب، لكن موضوع التدخل لن يحصل ولو حصل لن يؤثر مستقبلا لسبب أن تركيا بالأصل تشعر بقلق من التطورات الدولية التي جعلت من الارض العراقية والسورية ،وتحديدا الشريط الكردي الشمالي منها منطقة ساخنة سياسيا و مضطربة أمنيا بالوقت الحالي، وربما تزداد في المستقبل الاضطرابات الأمنية ،ولكن هذا يفرض على حكومة اقليم كردستان العراق ومواطنيه، وتحت وطأت الظروف الصعبة التي تعانيه أن يلجأ لخيار الاندماج الحقيقي مع بغداد اجتماعيا وجغرافيا وسياسيا، ومن ضمن ذلك التركيز على ادخال اللغة العربية في مدارسها وازالة شعور الكراهية الذي غرسته في اذهانهم القوى السياسية ليس لخيار يخص مصلحة ومستقبل الكرد، بل يخص مصالحهم الشخصية التي انهارت في لحظة غير متوقعة من طرفهم في اعقاب اجراء استفتاء الاستقلال في 25 ايلول 2017.وادت الى ان يكون الاقليم بوضع صعب للغاية. وواقع الحال يشير الى انه لمجرد عودة الانتماء الكردي الحقيقي لبغداد فسيكون الموقف العراقي الرسمي صلبا من التهديدات الكردية.
3 ضحايا «داعش»: زوجات وسبايا
خليل علي حيدر
الايام البحرينية
لم يحطم «داعش» المدن والقرى ويدمر آثار العراق وسوريا الرائعة، أو ينهبها ويبيعها فحسب، ولم يتسبب في قتل المئات والآلاف وجرح وتشويه وضياع أثر أعداد أكبر من ذلك، بل وترك كذلك عدداً هائلاً من الأطفال والأرامل، ونساء سوريات وعراقيات ومغربيات وأوروبيات محطمات يندبن حظهن، لا يعرفن مصير الأزواج والأولاد بل ومصيرهن، بعد انهيار دولة «داعش» الدموية، وسقوط خلافته المزعومة.. على رؤوس من بنوها!
الشابة التونسية «خديجة» كانت بين الهاربات من مدينة «الرقة» السورية تحدثت مع كثيرات أخريات إلى «قناة موسكو» في يوليو الماضي، حول الحياة والمعاناة كزوجات داعشيات، وتجربتهن القاسية. فبعد أن قُتل زوج «خديجة» طلبت منها والدتها العودة إلى «تونس»، إلا أن السكان المحليين في «الرقة» بسوريا اقترحوا عليها أن تتزوج ثانية، وعرضوا عليها رجلاً مقعداً، فوافقت. تقول خديجة إنه لم يكن أمامها خيار آخر؛ لأنها كانت ستُقتل لو حاولت العودة إلى تونس على يد عناصر «داعش». «نور الهدى» زوجة لبنانية من «طرابلس»، زوجها ضمن المجموعة المتطرفة من أعضاء «داعش»، وقد أقنع الزوجة بتلك الأفكار، وأخذ يقنع زوجته بأنه لا شيء سيئ في هذا الأمر، ثم لحقت به في سوريا ثم إلى تركيا، وهناك تعرفت على حياة النساء في كنف «داعش».
تقول لنفس القناة الروسية، «يقوم مقاتلو داعش» بقتل الرجال ويوزعون النساء على عدة أماكن للإقامة، ويقومون بفصل المتزوجات عن العازبات وعن السبايا». وذكرت نور الهدى في المقابلة أن مغربية اسمها «أم آدم»، كانت مسؤولة عن السكن النسائي، وكانت شديدة قاسية تحبس النساء لأي خطأ في حجرة دون نوافذ، مع فتحة أسفل الباب لإدخال الطعام وأخذ الأواني».
وسلطت كل من خديجة ونور الهدى الضوء على سلوك الدواعش مع الزوجات و«السبايا»، اللواتي يشترونهن من السوق! وتقول خديجة، «تعيش الزوجة في مكان مستقل عن المرأة الأخرى – أي العبدة أو السبية – ويُمضي الرجل يوماً مع زوجته ويوماً مع السبية». وتقول «نور الهدى» إن «المقاتلين كانوا يُظهرون حرصاً على السبايا، يشترون لهن المواد التجميلية لبيعهن لاحقاً بمبلغ 15 ألف دولار، وإذا كانت السبية بكراً يصل ثمنها حتى 30 ألف دولار». إلى جانب هذا تضيف: «كانت هناك حالات بيع فتيات صغيرات، وهناك فتاة لم تتجاوز 10 سنوات كانوا يريدون بيعها مقابل عشرة آلاف دولار».
وروت ثلاث سوريات للصحيفة نفسها قصص زواجهن بـ «دواعش» أجانب، إحداهن «سعاد» المنحدرة من «حمص»، التي تزوجت من زوجها الثاني المغربي الجنسية بعد سفرها إلى الرقة بداية عام 2015، حيث كان عنصراً في تنظيم «داعش». سعاد في العشرينات وكانت تحلم أن تكون مدرسة لغة انجليزية بعد أن درست الأدب الإنجليزي ونالت شهادة الدبلوم في الترجمة في حمص، وتزوجت عام 2010 من شاب حمصي قُتل عندما كان ذاهباً لشراء الخبز برصاصة قناص. وبعد فترة قررت السفر إلى الرقة. «عندما وصلت إلى كراج الرقة، منعني عناصر الحسبة – أي الشرطة الدينية – من إكمال طريقي إلى تركيا أو العودة نحو دمشق لأنه لم يكن معي مرافق مَحرَم، وقالوا إنني مسلمة ويجب أن أعيش في ظل الخلافة».
أما الزوجة «نور»، 22 سنة، فقد انتقلت عائلتها إلى الرقة قبل الأحداث لأن والدها كان يعمل في التجارة، فانتقلت الأسرة من حلب إلى هذه المدينة، حيث تعرفت على «عنصر ماليزي» تعرف على شقيقها عام 2014، وطلب يدها ورفضت ثم وافقت «لأنه كان متديناً ورجلاً ملتزماً ويتحدث اللغة العربية الفصحى، تزوجنا وأنجبت منه طفلين». وتقول «الخنساء»، «إن والدها كان مع «داعش» فانتقلوا من مدينة «حماة» إلى الرقة، وطلبني عنصر تونسي، ووافق أبي عليه وكأنه فارس الأحلام! أما أمي فوقفت لجانبي لكنها كانت عاجزة مثلي. وبعد عام قُتل زوجها في مايو 2016 لتتزوج من تونسي آخر على صلة بزوجها الأول.
وتضيف الخنساء: «الجنس والنساء هاجسان رئيسيان في حياة أي مقاتل أجنبي منتسب للتنظيم، غالباً ما يتخذ المقاتل أكثر من زوجة واحدة ويبحث عن السبايا، ثم يُطلقون بعد شهر أو شهرين».
وتحدثت الخنساء عن عنف داعش وجرائمه وإسراف مسلحيه في الذبح والإعدامات الجماعية، وكان المدنيون يخشون من أحكامه المتشددة وعقوباته التي كان أبسطها بتر الأطراف أو الَجلْد.
واتفق زوج «نور» الماليزي مع مهرب لإيصالهم إلى مناطق «قوات سوريا الديمقراطية»، ودفع مبلغ 2000 دولار، و«عندما وصلنا للحاجز رفعنا علماً أبيض، عرّف زوجي عن نفسه وأنه كان مقاتلاً سابقاً في التنظيم، اقتادوه إلى سجن مدينة عين العرب، على أمل الإفراج عنه بعد انتهاء التحقيق». وبالفعل أطلق سراحه وحاولوا الهرب ثانية، «ولكن عندما تحدث زوجي اللكنة التونسية كُشف أمره.. وأخذوه إلى السجن ومنذ 45 يوماً لا أعلم عنه أي شيء».
ومما كشفت عنه الخنساء أن زوجها كان ينقل إليها تذمره لأن التنظيم كان يرسل الأجانب إلى الخطوط الأمامية، «أما المقاتلون المحليون فكانوا إما أمراء أو قادة أو مسؤولين أمنيين»!
وفي بيت صغير على مبعدة 50 كيلومتراً شمال غربي الرقة، في مخيم «عين عيسى»، كتب المحرر «كمال شيخون» للشرق الأوسط، عن مكان مخصص لاحتجاز نساء مقاتلي داعش: «كانت إحداهن من بلجيكا، بالإضافة إلى ثلاث نسوة من روسيا، واثنتين من الشيشان، وفرنسيات من أصول مغاربية، وإسبانية وهولندية وأذربيجانية، وعربيات من تونس والمغرب وليبيا وغيرهن كثيرات».
«نعم، فرحت كثيراً عندما قُتل زوجي، لم أصدق أنني تخلّصت منه ومن ظلمه». بهذه الكلمات، تقول الصحيفة، روت «حبيبة عفيف» – 33 سنة – وهي سيدة إسبانية من أصول مغربية، التحق زوجها بـ «داعش» فتركوا إسبانيا إلى سوريا، للالتحاق بـ«جبهة النصرة»، الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، ليبايع الزوج لاحقاً تنظيم «داعش». وتقول «حبيبة» إنها رفضت بشدة، لكن زوجها، تقول: «هددني بحرماني من فلذات كبدي، وبأنه سيأخذهم بالقوة، ووافقت تحت الضغط والضرب».
ومن نساء أو زوجات «عين عيسى» بالقرب من الرقة، الفتاة الأذربيجانية، «ديلبر آرتور»، 18 عاماً. وقد بدأت قصتها عام 2014 عندما سيطر «داعش» على الرقة، وقرر والدها السفر برفقة أطفاله إلى تركيا، ثم إلى سوريا بعد عبور الحدود. كان والد «ديلبر» مقاتلاً تولى مناصب قيادية في معارك «داعش» بحلب، ثم انتقلت العائلة للسكن في مدينة الرقة، لكنهم لم يحتملوا مشاهد القتل والإعدامات الجماعية التي صدمت حتى الأب الذي خطط للفرار. لكن قبض عليه وقتل مع ثلاثة آخرين من «أذربيجان» بتهمة أنهم «خوارج»!
وتابعت «ديلبر»: «لم أشعر بطفولتي، أجبرت على الزواج من مقاتل تركي عندما كان عمري 15 سنة بسبب ضغوطات التنظيم، وأنجبت منه طفلاً، قُتل زوجي لاحقاً بضربة طيران»، حيث زادت مسؤوليتها وهي بهذا السن المبكرة لترعى إخوتها إلى جانب طفلها الصغير، وتضيف: «تزوجت مرة ثانية من تركي أيضاً، وقتل هو الآخر بعد أشهر في مدنية المنصورة العراقية، وقتها قررت الفرار من قبضة التنظيم».
4 بولتون و«مجاهدو خلق».. وحدود تغيير النظام الإيراني
جيسون رضائيان
واشنطن بوست
بولتون، وآخرون نجحوا في عام 2012 في الضغط بنجاح من أجل إلغاء تصنيف «مجاهدي خلق» كمنظمة إرهابية، وإن لم يكن لذلك تأثير كبير في تغيير الطريقة التي ينظر بها الإيرانيون العاديون إليها
أدى تعيين الرئيس دونالد ترامب لجون بولتون، مستشاراً جديداً للأمن القومي، إلى إثارة ضجة بين خبراء السياسة الخارجية الأميركية. سبب الضجة يرجع إلى أن الرجل معروف بآرائه التي تعكس قدراً كبيراً من التشكيك في المؤسسات الدولية (بما في ذلك الأمم المتحدة، حيث عمل سفيراً للولايات المتحدة في إدارة جورج دبليو بوش)؛ وأنه دعا إلى توجيه ضربة استباقية ضد كوريا الشمالية، واقترح مراراً وتكراراً «تغيير النظام» – وهو ما يعني الحرب- في طهران.
وبما أن القضية الأخيرة، هي واحدة من أكثر القضايا التي تواجه إدارة ترامب من حيث التعقيد، فإنها تستحق منا أن نلقي عليها نظرة عن كثب. تعكس وجهات نظر بولتون المتشددة حول إيران، آراء إسرائيل، بالإضافة إلى أحد شركائه الأيديولوجيين الرئيسيين، وهي منظمة «مجاهدي خلق».
و«مجاهدو خلق» الحالية تحمل شبهاً ضئيلاً، بمجاهدي خلق السابقة عندما كانت قوة معارضة شديدة التنظيم، وقوية النفوذ في إيران، سعت لإطاحة الشاه خلال ثورة 1979. في البداية تعاونت المنظمة مع الحكومة الدينية الجديدة، بل انضم العديد من أبناء كبار مسؤوليها إلى صفوفها.
عندما أصبح من الواضح، أن «مجاهدي خلق» لم تعد قادرة على التعايش مع نظام الجمهورية الإسلامية، انسحب بعض أعضائها منها، وسُجن آخرون. وبعد خروجهم من السجن، تبرأ بعضهم من المنظمة وعادوا إلى صفوف المجتمع، ومن لم يفعل ذلك جرى إعدامه.
أما هؤلاء الذين نجحوا في الإفلات من قبضة السلطات، فقد فروا إلى العراق، حيث وفر لهم صدام حسين- الذي كان قد غزا إيران في عام 1980- المأوى والملاذ. وحمل الكثيرون من أعضاء المنظمة في العراق السلاح، وحاربوا مواطنيهم الإيرانيين، الذين أطلقوا عليهم اسماً غير رسمي هو «المنافقين». وهذه التسمية ما زالت ملتصقة بالمنظمة، ومعظم الإيرانيين داخل البلاد، بغض النظر عن ميولهم السياسية، يستخدمونها في الإشارة للمنظمة، التي يكرهها معظمهم بسبب الخيانة التي ارتكبتها عندما قاتلت إلى جانب العراقيين، ضدهم.
لكن النشاطات التي مارستها المنظمة في العقود التي تلت ذلك، هي التي عززت سمعتها كطائفة مرتبكة. لعقود كان مركز القيادة التابع للمنظمة في محافظة ديالى العراقية، حيث كان يعيش أكثر من 3000 فرد من أعضائها في الأسر. وقال عدد قليل من الذين تمكّن من الفرار منهم، إنهم قد فصلوا عن عائلاتهم، وأجبروا على زيجات مدبرة، وتعرضوا لعمليات غسيل مخ، واعتداءات جنسية، وتعذيب.
وقد جرى تنفيذ كل هذا تحت إشراف قائدي المنظمة مسعود ومريم رجوي، الزوج والزوجة، اللذين يحتلان قمة هرمها. ومسعود رجوي مفقود منذ الغزو الأميركي عام 2003، ويفترض أنه قد مات؛ أما مريم، فهي التي ما زالت تدير شؤون المنظمة، وتجري لقاءات علنيةً منتظمةً مع أصدقائها الأقوياء في الغرب – مثل بولتون.
ومع أن «مجاهدي خلق» ظلت لفترة طويلة على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية، لأنها قتلت مواطنين أميركيين؛ فإن بولتون وآخرين نجحوا في الضغط بنجاح من أجل إلغاء هذا التصنيف في عام 2012؛ وإن لم يكن لذلك تأثير كبير في تغيير الطريقة التي ينظر بها الإيرانيون العاديون إليها.
في السنوات السبع التي أمضيتها في إيران، كان العديد من الناس يعربون عن انتقاداتهم للمؤسسة الحاكمة- وهو ما كان يمكن أن يشكل خطراً سياسياً كبيراً عليهم. كان البعض من هؤلاء يأمل في تغيير النظام بالقوة العسكرية، وكان آخرون يحلمون بعودة النظام الشاهنشاي، في حين كان يرغب كثيرون في الانتقال السلمي إلى بديل علماني لحكم الملالي. ولكنني وطيلة السنوات التي قضيتها هناك، لم ألتق شخصاً واحداً كان يرى أن منظمة مجاهدي خلق، يمكن أن تقدم بديلاً قابلاً للتطبيق عن النظام الديني القائم.
وقد فشلت جهود عديدة في عرقلة الاتفاق النووي مع إيران. وعلى الرغم من القائمة الطويلة من الأفعال الشنيعة التي لا تزال ترتكبها طهران، فإن أكبر تهديد كانت إيران تشكله على الأمن الدولي – وهو تهديد اتفق حلفاء أميركا وقوى عالمية أخرى على ضرورة مواجهته- قد جرى تحييده بالفعل. ومن يرون أن هذا الاتفاق لا يجري الالتزام به، يرون أن تغيير النظام في طهران، يبقى هو الحل الوحيد. وبالنسبة إلى «مجاهدي خلق، وبولتون، إذا ما أُخذت كلماته حسب ظاهرها، فإن الطريق الوحيد لتغيير النظام في طهران يمكن أن يكون هو الحرب. و«مجاهدو خلق» ظلت لفترة طويلة على استعداد للقيام بكل ما يتطلبه هذا الأمر، بما في تقديم معلومات استخبارية زائفة، عن برنامج إيران النووي.
من ضمن الفوائد التي خرجنا بها من خلال مفاوضاتنا المطولة مع إيران، أنه قد بات لدينا الآن المزيد من المعرفة حول الجمهورية الإسلامية والسكان الذين تحكمهم؛ وهو ترف لم نكن نتمتع به عام 2003، عندما كانت شخصيات من المنفى مثل أحمد الجلبي، قادرة على إقناع إدارة بوش بأنهم يمكن أن يساعدوها على تحويل العراق إلى ديمقراطية مزدهرة. نحن نعلم عن إيران الآن ما يكفي من معلومات، وهو ما يجعلنا نؤمن بأننا لا نستطيع خداع أنفسنا، إلى درجة تصديق أن منظمة «مجاهدي خلق» يمكن أن توفر بديلاً صالحاً للنظام الحالي. فهذه المنظمة هي، في نهاية المطاف، جماعة من جماعات الهامش، التي يمكن أن تقيم مخيماً عبر الشارع مقابل البيت الأبيض، وتوزيع منشورات. وهذه هي أميركا – التي تسمح للمعارضين بالحديث كما يشاؤون. هذا حقهم، ولن أقترح أبداً منعهم من القيام بذلك، لكن إعطاء منظمة مجاهدي خلق صوتاً في البيت الأبيض فكرة غريبة في الحقيقة. ولكن في شخص مثل جون بولتون، يمكن أن يصبح لديها، من يمكن أن يحقق لهم ذلك.
5 حرب العراق.. وأوسمة الشرف!
جيمس روبرتس رئيس مركز المحاربين الأميركيين القدامى
واشنطن بوست
لم يحصل أي محارب سابق، لا يزال على قيد الحياة، في حرب العراق على «وسام الشرف»، وهذا ظلم كبير لـ 1.5 مليون أميركي خدموا بالتناوب في تلك الحرب
تُكرم الولايات المتحدة في الخامس والعشرين من شهر مارس أبطال الجيش بمنحهم وسام الشرف، وفي هذا اليوم نقف ونتأمل إرث أبرز أبطال الولايات المتحدة وأعلاهم شأناً. واجتمع نحو 30 من بين 71 من المحاربين القدامى الأحياء في واشنطن للاحتفاء بذلك الوثاق الذي وحدهم على مدار سبعة عقود، من الحرب العالمية الثانية إلى الحروب في كوريا وفيتنام وأفغانستان.
لكن هناك صراعاً حديثاً آخر جدير بالملاحظة أيضاً، بسبب ضعف تمثيله، ألا وهو: الحرب على العراق. فقد حصدت تلك الحرب التي استمرت 8 أعوام حياة زهاء 4500 أميركي، وخلفت ما يربو على 32 ألف مصاب. ووقعت أشرس المعارك – منذ فيتنام- في العراق، بمدن مثل بغداد والفلوجة والرمادي، وكثرت فيها الأعمال البطولية.
ومن أبرز تلك الأعمال قصة جندي البحرية الأميركية العريف «برادلي كاسال»، ففي 13 نوفمبر 2004، دخل مبنى يحتله متمردون في الفلوجة، وكان عبارة عن فخّ وصفه الجنود الأميركيون بـ«بيت الجحيم»، من أجل مساعدة رفاقه من جنود القوات الخاصة الأميركية الذين تفاجأوا بقوة كبيرة لدى المتمردين. وفي خضم المعركة، قتل «كاسال» أحد المتمردين، وبينما كان يحاول سحب أحد رفاقه المصابين إلى مكان آمن، تلقى 7 رصاصات من سلاح ناري، لكن «كاسال»، المصاب إصابة شديدة، آثر استخدام الضمادات القليلة التي كانت بحوزته في علاج زميله بدلاً من معالجة نفسه.
وعندما ألقى المتمردون قنبلة يدوية نحوهما، حمى «كاسال» بجسده رفيقه المصاب، وتلقى أثر الانفجار وعانى من 43 إصابة بالشظايا. ورفض مغادرة المنزل حتى تأكد من أن جميع رفاقه الآخرين آمنون. وأصبحت صورة فوتوغرافية التقطت لـ«كاسال» لدى سحبه من المنزل وسلاحه بيده، بمساعدة زملائه، بينما كانت ثيابه مضرجة بالدماء إحدى الصور الرمزية في الحرب على العراق. ونال «كاسال» مؤخراً «وسام البحرية»، وهو ثاني أعلى وسام يُمنح لأفراد القوات الخاصة والبحرية الأميركية. لكن هل من أحد يشك حقيقة في أن بطولة «كاسال» تستحق أيضاً «وسام الشرف»؟
وهناك كثير من المقاتلين الأميركيين الذين خاضوا الحرب على العراق ممن لديهم قصص مؤثرة مثل قصة «كاسال»، وقد التقيت كثيراً منهم. وهم أشخاص استثنائيون، لكن من دون منحهم «وسام الشرف»، فإن قصصهم ستُنسى بكل تأكيد مع مرور الوقت. ويرجع ذلك إلى أن وسام الحرية يمنح الحاصلين عليه طابعاً فريداً، إذ يصبحون مطلوبين كمتحدثين في المؤتمرات المدنية والعسكرية وفاعليات المؤسسات، والأكثر أهمية لدى المدارس والمنظمات الشبابية.
وحقيقة أنه لم يحصل أي محارب سابق، لا يزال على قيد الحياة، في الحرب على العراق على «وسام الشرف»، وهو ظلم كبير لنحو 1.5 مليون أميركي خدموا بالتناوب في تلك الحرب. ولاسيما أنه تم منح 1.523 وسام شرف لأبطال الحرب الأهلية، و126 وساماً لأبطال الحرب العالمية الأولى، و471 وساماً لأبطال الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى 145 في الحرب الكورية و260 في حرب فيتنام. وفي الصومال، حصل جنديان قتلا في عام 1993 على الوسام، بينما ناله 14 جندياً قاتلوا في أفغانستان. ورغم ذلك، لم يحصل سوى 4 جنود فقط ممن قاتلوا في الحرب على العراق على الوسام بعد مقتلهم.
وحتى عام 2009، لم يكن هناك من بين الجنود الأحياء الذين قاتلوا في أفغانستان أحد قد نال وسام الشرف، وفي ذلك العام، أعرب وزير الدفاع الأميركي آنذاك «روبرت جيتس» عن عدم تصديقه أن من بين 2.5 مليون محارب سابق في العراق وأفغانستان، لم ينل أي من الجنود الأحياء وسام الشرف. وبدأت الأمور تتغير بشكل كبير بعد ذلك مباشرة، إذ تم منح 11 وسام شرف لمقاتلين سابقين أحياء في أفغانستان، وكان أحدث الحاصلين عليه «إدوارد بايرز» في عام 2016، تكريماً له لإنقاذه أحد المدنيين أثناء المعارك. ومن غير المبرر أنه لم يذهب أي من تلك الأوسمة إلى أي من مقاتلي الحرب على العراق.