7 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 محاصصة الأمن الميليشياوي في العراق
حامد الكيلاني العرب بريطانيا

النظام الحاكم في العراق يفر من حقيقة تراجع مفاهيم الجيش الوطني وانحسار عقيدته المهنية بما يجرده من إمكانياته ويهيىء المناخات لولادة قوى مسلحة أخرى.
في أعماق العراق ثورة تصحيح لأخطاء فادحة

الإرهاب في العراق حاوية بمغلفات كبيرة ومتوسطة وصغيرة لا يجمعها مصطلح واحد، ولا تتطابق مع الحرب العالمية على الإرهاب التي أريد لها أن تكون بتصميم متفق عليه نفسيا أحيانا، تحكمه رغبة في ما يتقاسمه المجتمع الدولي من خوف مشترك، أو لأعماقه المتوثبة لرد فعل كأثر تاريخي تم السيطرة عليه في حينها لقرون لكنه كالبراكين الخامدة وبفعل الجيولوجيا تزاح أقسى الكتل بالتدفق لتعلن عن ذاتها وتكوينها.

السياسة الدولية في زمن الحرب الباردة كانت ساحة أو حلبة صراع استفزت المجتمعات الهشة، وأربكت العلاقات الواهنة بين دول متجاورة، وأطلقت سراح حقائق “ناضل” الكثير من قادة الدول الدكتاتورية كأفراد أو أحزاب أو كيانات لمنع وصولها إلى حدود الانتحار بالمجاهرة بما يعتمل من حرائق تحت غطاء السلطة، وإن بصناعة مؤسسات أمنية ينفق عليها ببذخ على حساب غياب العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة.

الضمانات الإنسانية تحقق نسبة مقبولة من التعايش والنمو الاقتصادي والرفاهية، تنصرف معها الشعوب إلى تطوير تعليمها وصحتها، وتتأجل لديها الانتماءات الحادة والأيديولوجيات على تنوع مصادرها لأنها أطروحات تناقض واقعها وما نتج عن فترة الاستقرار.

تأجيل الاختلافات لأكثر من نصف قرن خدمة تقدمها بعض الأنظمة الدكتاتورية عندما تتمكّن من إحداث التوازن في الأمن مع الرفاه الاقتصادي وتنشيط الطبقة الوسطى كعازل لنزعات الطبقات الأعلى أو الأدنى في محاولتها الانفلات نحو الفوضى.

الفارق الزمني مهم جدا لتثبيت هوية المجتمع الجديد ورغبته في مواكبة تقدم المجتمعات الإنسانية، لذا فإن مرحلة ما بعد 50 سنة من الاستقرار تناقض ما بعد مرحلة 50 سنة من الفوضى، أما مرحلة ما بعد 50 سنة من كذبة الاستقرار بسبب القمع فقط واعتقال الحريات فإن النتائج تُقرأ بجحيم الأزمات المحلية في منطقتنا وتسري إلى اتهام المنظومة الدولية، أو بإصدار الأحكام العادلة عليها لتجاهلها تنفيذ التعهدات الكبرى في حفظ السلم العالمي واحترام مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان وعدم التمييز العنصري الذي توسع إلى ممارسات غير محددة بالتوصيف القديم، وصار لزاماً ملاحقة مستجداته لعدم إفلات مرتكبي صفقات تجارة المجازر والإبادات من العقاب وكذلك من العار.

المشروع السياسي في العراق لم يخضع لسلطة الأفكار، إنما لسلطة الطائفة أو الحزب أو لتناحر المرجعيات الدينية

أكبر الجرائم يتم التستر عليها بنفاق قوة سلطة حاكم ما أو قوة غاشمة رغم مخالفتها الشرائع السماوية والوضعية. الحقيقة حالة تتبلور في مجتمعات تقرع جرس المخاطر وتنذر بالكوارث قبل وقوعها، لكن لا أحد من خارج محيطها يتحمل مسؤوليته الأخلاقية، ودائما تكون مؤشرات المنظمات الإنسانية أو التقارير الاستقصائية غير ملزمة أو مؤثرة لعدم امتلاكها قدرة التغيير والردع.

الإرهاب انتهى إلى واقع زئبقي في التعريف أو الحرب عليه أو بما يقدّمه من فوائد لمن يتصدّى له، فبجرد بسيط لحسابات احتلال تنظيم الدولة الإسلامية للموصل الذي بدأ بتدمير المدينة وتشريد المواطنين وتحقيق الأمنيات المكبوتة لولي الفقه الإيراني وتثبيت الحشد الميليشياوي كقوة نظامية ومغادرة الجماهير للتظاهرات والمطالبة بالإصلاح، نستدل على دور تلك الحسابات في بورصة الانتخابات البرلمانية، وجدوى الإبقاء على جاذبية بقايا فلول الزئبق المتفرّق الذي يتجمّع تلقائيا حسب الطلب ليظهر هنا، ثم يباغت في مكان آخر.

ماذا يعني تهديد الإرهاب لكركوك؟ مَن هؤلاء الذين في ظلام المدينة؟ أي لعبة سينجرّ إليها العراق وإقليم كردستان والقوات النظامية الميليشياوية والشرطة والبيشمركة تحت مانشيت تنظيم داعش؟ ماذا عن المدنيين والتعايش وعبارة “تحرير المدينة المحتلة” والصيد في تبادل الاتهامات السرية برفع سوط داعش؟

أيّ مرحلة مقبلة بعد الانتخابات غير التتمات لنظام المحاصصة الطائفية وإن بعناوين مختلفة لأفلام قديمة متهرئة المشاهد يتسيدها الدور الإيراني بإرهابه المقيم على أرض العراق، متخذا من زيادة عدد القوات المسلحة ذريعة لفصول مواجهات رهن إشارة المرشد علي خامنئي بمفارقة تواجد تنظيمات إرهابية أو تواجد قوات عسكرية أميركية ودائماً باستراتيجية تأمين الأمن القومي لولاية الفقيه.

النظام الحاكم في العراق يفر من حقيقة تراجع مفاهيم الجيش الوطني وانحسار عقيدته المهنية بما يجرده من إمكانياته ويهيىء المناخات لولادة قوى مسلحة أخرى تلتقي معه في واجبات الميليشيات. الإرهاب السياسي مرجعية راسخة لمصنفات الإرهاب ترتبط بتخلف الإدارات الدولية والمحلية لاعتمادهما رؤية قاصرة لأفق الحياة البشرية.

المشروع السياسي في العراق لم يخضع لسلطة الأفكار، إنما لسلطة الطائفة أو الحزب أو لتناحر المرجعيات الدينية، ويسري التأثير في ذلك على أي إنجاز ولو كان خدميا، فالمسافة بين قرار وزارة وقرار وزارة أخرى تقاس بما لا تختلف عن مقاسات المحاصصة الطائفية وسعيها لتسويق الصراع بارتداء الأغلبية بحلقات وطن مقطع الأوصال.

مغلفات الإرهاب الصغيرة تستغل الإرهاق العام في فترة مظلمة فقد فيها العراقيون التركيز وضاعت منهم بوصلة خطوتهم الأولى على طريق استرجاع وانتزاع الثقة بغدهم.

مغلف التشهير بالمدمرة مدنهم طرق باب الاستعانة بالأجنبي بعد مسلسل حواضن الإرهاب في محاولة لطرح حمولة المحاصصة الطائفية ومعاصيها بما يقترب من وعود التوبة كل 4 سنوات، أو نصب سيطرة وهمية وما أكثرها لتمر تلك الحمولة الفاسدة والمغشوشة إلى حيث يراد توصيلها لتكون الأدلة دامغة وجرمها مشهود لتبرير المكائد أو ربما لعقاب مضاف ومضاف بإصرار.

في أعماق العراق ثورة تصحيح لأخطاء فادحة، لكنها تفتقد إلى التشخيص وتقع في خطيئة التجزئة وصناعة العدو المختلف، بينما أصلهم في تجميع الطاقة كالبراكين المعتقة بصمت الأرض.

الإرهاب طائفي وسياسي وانتخابي وميليشياوي وصحي وتعليمي. إرهاب يدركه البغادة بمحاصصة توزيع الأمن على محلاتهم السكنية في مضاربات نفوذ الميليشيات تحت شعار حماية الممتلكات والأرواح من الآخر، إلا من نفسي على طريقة الحرافيش في حارة الحضارات الإنسانية.
2
النزيف العراقي يكمل عامه الخامس عشر
عبدالله الأيوبي

اخبار الخليج البحرينية

مرت بهدوء، وكأنها لم تكن ثاني أكبر كارثة قومية بعد ضياع فلسطين منذ عام 1948. مرت الذكرى الخامسة عشرة لجريمة غزو واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في شهر مارس من عام 2003 وتحويله إلى دولة فاشلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، إضافة إلى جعله أكبر وكر ومأوى لأخطر الجماعات الإرهابية التي انبثقت من العراق وانتشرت في أرجاء المنطقة كانتشار النار في الهشيم، الأمر الذي يوحي بأن هذا الانتشار السريع وتدفق هذه الجموع الكبيرة من الإرهابيين إلى العراق ودول الجوار الأخرى، يوحي بأن ذلك ليس سوى جزء من أهداف غزو بلاد الرافدين، ذلك أنه وبعد خمسة عشر عاما من غزو العراق واحتلاله، فإن هذا الاحتلال أفرز نتائج خطيرة لم تصب جسد العراق وحده فحسب، وإنما أصابت كثيرا من دول الجوار والمنطقة بشكل عام.

الحجج التي تذرعت بها الولايات المتحدة الأمريكية وحاولت استخدامها لإقناع الآخرين بالسير وراءها وتأييد عملية غزو العراق وإسقاط النظام السياسي القائم فيه آنذاك، هذه الحجج لم تقنع أحدا حتى في ذاك الوقت، كما أنها لم تعد قائمة بعد أن أثبتت نتائج الغزو أن هذه الحجج ليست سوى غطاء تسترت خلفه واشنطن للمضي في تنفيذ برنامجها البعيد المدى الذي تتعدى أهدافه النطاق الجغرافي والسياسي للعراق، حتى المؤسسات الأمريكية المختلفة بدأت تتحدث علنا عن سقوط الحجج والذرائع الأمريكية، في مقدمتها أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، و«دعم» الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لتنظيم «القاعدة» بقيادة الراحل أسامة بن لادن.

ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق، يعد وفقا لكل المعايير، عملا مخالفا لجميع القوانين والشرائع الدولية، إذ ليس في جعبة الإدارة الأمريكية التي اتخذت قرار الغزو والاحتلال أي مبرر قانوني يعطيها حق الإقدام على تنفيذ هذه العملية، فالعراق لم يتركب أي اعتداء ضد أمريكا ولم يعط مجلس الأمن الدولي أي تفويض لأمريكا كي تقوم بهذا العمل، أي باختصار أن أمريكا لجأت إلى شريعة الغاب ونفذت جريمتها تجاه الشعب العراقي الذي بقي مستمرا في دفع ثمنها حتى يومنا هذا من دون أن تلوح في الأفق المنظور أي بارقة أمل في خروجه من هذه المحنة.

من الناحية النظرية، فقد «أنهت» الولايات المتحدة الأمريكية احتلالها للعراق وسحبت معظم قواتها في عهد ولاية الرئيس الأمريكي السباق باراك أوباما تنفيذا لوعده الانتخابي، لكن من الناحية العملية، فإن الولايات المتحدة هي التي تتحكم في العصب الاقتصادي والسياسي والأمني في العراق، فهذا البلد يعد من الناحية العملية واقعا تحت الاحتلال الأمريكي غير المباشر، فالعراق ليس في وضع يؤهله لأن يرفض الإملاءات الأمريكية ذات البعد الاستراتيجي، فالولايات المتحدة الأمريكية التي أرسلت مئات الآلاف من جنودها لتنفيذ عملية غير قانونية وداست على القانون الدولي واختلفت مع أقرب حلفائها فيما يتعلق بهذه العملية، ليست على استعداد لأن تترك الكعكة العراقية مجانا للآخرين.

فأهم ما تحقق للولايات المتحدة من غزو العراق أنها خلقت عراقا مفتتا منقسما طائفيا وعرقيا، ضعيفا وغير قادر على توفير الأمن لجميع أبنائه، والأهم من ذلك أنها، أي أمريكا، أوجدت عراقا يرفل في مشاكل لا حصر لها تجعله مشلول الإرادة، الأمر الذي يخرجه من دائرة الفعل التي نشط فيها خلال السنوات التي سبقت الغزو والاحتلال، وبذلك فإن المستفيد الأكبر، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، من احتلال العراق، هي الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الكيان الصهيوني الذي وجد في الغزو مكسبا عسكريا وأمنيا كبيرا نظرًا إلى ما كان يشكله العراق من تحد للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية.

على مدى خمسة عشر عاما من عمر الغزو شهد العراق تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة جميعها لم توفر أي مصلحة للشعب العراقي، بل جاءت كلها عكس الوعود التي روجت لها أمريكا وحلفاؤها وأعوانها الذين نصبتهم على سدة حكم العراق، فحقوق الإنسان يجسدها الانتهاك الصارخ لهذه الحقوق من قبل قوات الاحتلال عبر استخدامها أبشع أساليب التعذيب في سجن أبو غريب السيئ الصيت، أما الديمقراطية التي وعدت أمريكا بجلبها إلى العراق فهي ديمقراطية الأحزاب الطائفية والعرقية الشوفينية، أما «العدالة الاجتماعية»، فإن أبهى صورها تجسدها مليارات الدولارات التي سرقت نتيجة تفشي الفساد والمحسوبية داخل المؤسسات الحاكمة، إضافة إلى ذلك كله، فإن الأعوام الخمسة عشر التي تلت الغزو تمثل أكثر الأعوام دموية وفقدانا للأمن والاستقرار على مدى تاريخ العراق.

منذ الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، فإن المنطقة لم تعرف الهدوء السياسي والاجتماعي والأمني، فالاحتلال فتح الأبواب لانتشار التطرف الديني والسياسي وبروز غير مسبوق لجماعات إرهابية تحت مسميات مختلفة توجت بظهور وترعرع ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» بعد ما أحدثه الغزو الأمريكي من فراغ أمني خطير وفوضى سياسية واجتماعية عارمة في العراق أولا ومن ثم في دول أخرى تعرضت لنفس ما تعرضت له بلاد الرافدين، وإن كان بطرق مختلفة، كما نشاهد الآن على سبيل المثال في كل من سوريا وليبيا.

خلاصة، يمكن القول بأن ما أحدثته جريمة الغزو الأمريكي للعراق من دمار وخسائر بشرية ومادية، وتخريب خطير لنسيجه الاجتماعي، يفوق عشرات المرات، إن لم يكن أكثر، تلك الأضرار التي عانى منها الشعب العراقي طوال حكم الرئيس العراقي صدام حسين، وبغض النظر عن القمع السياسي والأحكام القاسية التي فرضت على معارضي النظام من مختلف الأحزاب والانتماءات، إلا أن النظام السابق لم يكن طائفيا ولم يسرق أموال الشعب العراقي لصالح رجالاته وقادته السياسيين، والحسابات البنكية تؤكد ذلك… فأي فائدة جلبها الغزو الأمريكي لشعب العراق؟
3 الخداع الأميركي في العراق وسورية واليمن
زياد حافظ
راي اليوم بريطانيا

نحيي هذه الأيام ذكرى أولى جرائم القرن الحادي والعشرين أي احتلال العراق وتدميره علي يد قوى تحالف الأطلسي وعدد من الدول خارج إطار مجلس الأمن والقانون الدولي والمواثيق الدولية. فالولايات المتحدة التي قادت ذلك التحالف لم تعتبر نفسها معنية بالقانون الدولي أو مجلس الأمن. أما الجرائم الأخرى فهي العدوان الكوني على سورية، وتبنّي جماعات الغلو والتعصّب والتوحّش في كل من العراق وسورية، والعدوان على سورية وليبيا واليمن. فمن يقرأ تاريخ الولايات المتحدة القريب أو البعيد يصل إلى نتيجة قاطعة أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة بشكل عام في اتفاقاتها الشفهية أو حتّى المبرمة بشكل خاص. فثقافة الولايات المتحدة في التعاقد بين الأطراف، سواء كانوا في القطاع الخاص أو في القطاع العام، أو مع الدول الصديقة أو غير الصديقة، تفضي أن الولايات المتحدة ستتخلّى عن أي أتفاق أو أي تعاقد أو أي التزام مكتوب، فما بالك فيما يخصّ الاتفاقات الشفوية، عند أول فرصة تسمح بذلك وإن كانت على حساب مصالحها الاستراتيجية أو سمعتها.
فهذه الثقافة مبنية على قناعة وواقع أن التعاقد بين أطراف هو نتيجة لموازين قوّة سائد عند توقيع الاتفاق أو الالتزام بتفاهمات شفوية أو خطّية. وبما أن سنّة الحياة هي السعي إلى تحسين الوضع لكل طرف فيصبح الاتفاق إن كان مبرما أو شفويا عبئاعلى الطرف الذي استطاع تحسين وضعه. وبالتالي فإن الواجب الأخلاقي (من وجهة نظر الثقافة الأميركية!) هو نقض الاتفاق الذي يحدّ من الإمكانيات المتزايدة خارجه أو الخروج عنه لعقد اتّفاق آخر يعكس بشكل أفضل التغيير في موازين القوّة بين الأطراف المتعاقدة. لذلك أصبح قطاع المحامات في الولايات المتحدة من أهم القطاعات الاقتصادية والمالية لانشغال الأميركيين أفرادا ومؤسسات بالدعاوى!
تاريخ الولايات المتحدة حافل بنقضها لاتفاقات مبرمة سنذكر منها اتفاقين مبرمين لما لهما من أهمية على العلاقات الدولية والاستراتيجية كما سنشير إلى اتفاقات أخرى اقتصادية وسياسية وثقافية تمّ ضربها عرض الحائط. الحالة الأولى هي الخروج عن الاتفّاق لتحديد الصواريخ البالستية المعروف باتّفاق أ بي أم الذي أقدمت على إشعاره إدارة جورج بوش في أواخر عام 2001 ثم تنفيذه عام 2002. كان ذلك الخروج أحاديا لأن الولايات المتحدة اعتبرت أن لا مصلحة لها بالتقيّد بذلك الاتفاق خاصة أنها كانت تنوي بناء منظومة صاروخية مضادة للصواريخ البالستية والتي تحظّرها اتفاقية أ بي أم. وقيمة هذا الاتفاق الذي ابرم عام 1972 أ بين الاتحاد السوفيتي والولاياات المتحدة أنه كان نتيجة المحادثات لتخفيض الاسلحة الاستراتيجية التي رافقتها والمعروفة باتفاقيات “سالط” أي محادثات تخفيض السلاح الاستراتيجي بالأحرف الأولى في اللغة الانكليزية. فهذا الاتفاق كان نتيجة محادثات سالط 1 عام 1972 بينما تعثّرت المحادثات بعد 7 سنوات محادثات سالط 2 بسبب عدم التوازن في التسليح الاستراتيجي والتكنولوجي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. لكن المهم أن اتفاق أ بي أم صمد 30 سنة حتى إدارة بوش. فسباق التسليح بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة بدأ منذ تلك الفترة بعد سنتين من وصول فلاديمير بوتين إلى الرئاسة عام 2000. فقرار إدارة بوش بالانسحاب واجهه الرئيس الروسي بقرار تطوير القدرات العسكرية الروسية نوعا قبل أن تكون كمّا كما كشف عنه في خطابه الأخير في مطلع شهر آذار/مارس 2018. وقد أكّد على مسؤولية الولايات المتحدة في التسبب في سباق التسلّح في مقابلة على الشبكة الأميركية أن بي سي بعد بضعة أيام من خطابه الشهير. والجدير بالذكر أن معظم القادة العسكريين الأميركيين ومنهم فوتل قائد المنطقة المركزية الوسطى ومسؤولين آخرين في البتناغون أخذوا على محمل الجدّ خطاب الرئيس الروسي وأقرارهم أن منظومتهم الدفاعية غير مؤهّلة لمواجهة المنظومة الروسية الحديثة كما أشرنا في مقال سابق.
واليوم يكثر الحديث في أروقة الإدارة الأميركية عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع الجمهورية الاسلامية في إيران رغم اعتراض العديد في الولايات المتحدة ورغم اعتراض الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. هذا يدلّ على عدم اكتراث الولايات المتحدة بالاتفاقات التي تعقدها ولا تهتم بمصالح غير مصالحها وكأن تغيير الإدارات لا يعني استمرارية في الالتزامات وهذا مخالف للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية والدولية.
وهناك اتفاقيات غير مبرمة مع الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينات وقبل سقوطه والتي أفضت إلى قبول الاتحاد السوفيتي بتوحيد المانيا على أساس أن الحلف الاطلسي لن يتوسع شرقا في اوروبا ليتاخم الاتحاد السوفيتي ويهدّد أمنه مباشرة. كما تمّ الاتفاق على أن تصبح أوكرانيا دولة حاجز بين منظومة الاتحاد الاوروبي والأطلسي والاتحاد الروسي. كان ذلك الاتفاق مع إدارة بوش الأب غير أن إدارة كلنتون نقضته مستفيدة من تفكّك الاتحاد السوفيتي ومجيء رئيس روسي ضعيف بوريس يلتسن. وكانت حجّة إدارة كلنتون أن ليس هناك من أي نصّ مكتوب يلزمها بذلك رغم وجود أدلّة قاطعة على التفاهم الشفهي الذي حصل بين غورباشيف وبوش الأب والمستشار الألماني هلموت كول وقيادة الحلف الأطلسي. فكانت حروب البلقان في التسعينات التي أدّت إلى تفكيك يوغسلافيا ومآسي البوصنة والهرزاق توّجها الهجوم الأميركي على صربيا وقصفها من الجوّ لمدة طويلة أدّت إلى إخضاعها وبالتالي إذلال حليفتها روسيا.
الحالة الثانية هي قرار إدارة ترامب بالانسحاب من اتفاقية المناخ التي وُقّعت في باريس عام 2015 والتي كانت تهدف إلى احتواء الاحتباس الحراري وذلك عبر فرض قيود على الانتاج الصناعي وضرورة إيجاد تكنولوجيات ملائمة للحفاظ على البيئة. قرار الانسحاب من ذلك الاتفاق كان من أول القرارات التي اتخذها ترمب حيث اعتبر أن الاحتباس الحراري خرافة ويفرض قيودا وكلفة إضافية غير مقبولة على الانتاج الصناعي الأميركي. والمأساة هنا هي اعتماد الرئيس الأميركي سردية الانجليين المتشدّدين الذين لا يعترفون بالفاعدة العلمية لظاهرة الاحتباس الحراري وأن الأخير هو مجرّد وجهة نظر غير مدعومة بالوقائع حتى وإن كان هناك شبه إجماع عند العلماء على ذلك بما يدحض تلك السردية. فقرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من تلك الاتفاقية، والتى كانت تعتبر من انجازات الرئيس السابق باراك اوباما، لم يخل من الكيدية بحق سلفه وإن كان على حساب المصلحة الأميركية المتوسطة والبعيدة. أما تداعيات الانسحاب من الاتفاقية فهي ستكون وخيمة على الولايات المتحدة والعالم من الناحية البئية ولن تعود بالضرورة إلى منافع للصناعات الأميركية كما تعتقد الإدارة الحالية.
أما على الصعيد الاقتصادي فكافة الاتفاقات التي قد وقّعتها الولايات المتحدة عند انجاز منظمّة التجارة العالمية بتخفيض أو إلغاء التعرفات الجمركية أصبحت بمهبّ الريح مع الإدارة الحالية. أقدم الرئيس الأميركي على فرض تعرفات جمركية على استيراد الصلب والألومنيوم كما فرض تعرفات على المتنوجات الصينية بقيمة 60 مليار دولار بحجة عدم التكافؤ في الميزان التجاري مع الصين. طبعا، هذا القرار أثار حفيظة الحلفاء والخصوم على حد سواء وقد يؤدّي إلى نتائج وخيمة من حروب تجارية وحروب في صرف العملات مزعزعة أكثر مكانة الدولار المهتز أصلا. وهذا القرار اتخذ ضد رأي المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض ما أدّى إلى استقالتهم.
أما على صعيد السياسة الخارجية فنجد الولايات المتحدة لا تكترث للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. فهي تقدم على خطوات خارج مجلس الأمن كاحتلال أجزاء من سورية (وقبل ذلك العراق) وقصف مواقع للدولة والجيش السوري وذلك دون أي تكليف دولي بل ضاربة عرض الحائط كل ذلك. أضف إلى ذلك الاتهامات التي تلصقها مندوبة الولايات المتحدة نيكي هالي بحق روسيا أو إيران دون أي دليل والتهديد المباشر لسورية ولجميع الدول التي لا تلتزم بالموقف الأميركي. فالبلطجة هي أساس السلوك الدبلوماسي في الولايات المتحدة. وإذا أضفنا تصريحات وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو بأن لا جدوى للدبلوماسية فهي مضيعة على عكس ممارسة القوّة العارية التي هي أفعل نرى مدى الانحدار والاستهتار بالقوانين فما بالك بالأعراف الدولية!
قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس هو أيضا مخالف للقوانين والمواثيق الدولية كما أن تمويل الكيان الصهيوني للاستمرار في بناء المستعمرات في الأراضي المحتلّة هو أيضا مخالفة للقانون الدولي. فالولايات المتحدة لا تعتبر أنها مقيّدة بذلك والوعود التي قطعتها على القيادات الفلسطينية بالتوسّط مع حكومة الكيان تبيّن أنها خدعة. نشير هنا إلى كتاب الدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والرئيس الحالي بشّار الأسد حول المحادثات بين سورية والولايات المتحدة والنفاق الذي أظهرته القيادات الأميركية المفاوضةب خلال التفاوض. فما كانوا يقولونه في الغرف المغلقة كانوا ينقضونه في العلن! كذلك الأمر بالنسبة لمهام الموفد الأميركي إلى لبنان دافيد ساترفيلد الذي ادّعى التوسّط بين حكومة لبنان وحكومة الكيان في قضية بلوك رقم 9 لحقول الغاز مقابل شاطئ لبنان الجنوبي تبيّن أنه ينقل وجهة نظر الكيان الصهيوني ضاربا عرض الحائط القانون الدولي بالنسبة لتحديد الحدود البحرية الاقتصادية للبنان.
هناك حادثة يجب ذكرها أيضا لأنها تشكّل مفصلا أساسيا في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. فروسيا تتّهم الولايات المتحدة ودول الغرب بالخداع فيما يتعلّق بقرار مجلس الأمن 1973 عام 2011 المتعلّق بحظر التحليق في أجواء ليبيا وضرورة حماية المدنيين. تعتبر روسيا أن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة استغلّوا القرار لشن هجوم الحلف الأطلسي على ليبيا وتدميرها وقتل رئيسها. فالتفسير الذي تبنّاه الحلف الأطلسي لقرار مجلس الأمن يناقض نصّا وروحا القرار الأممي ما أثار حفيظة روسيا فأدّى إلى انتهاجها دبلوماسية متشدّدة وهجومية تجلّت في التحالف مع الدولة السورية في مواجهة الحرب الكونية على سورية في مجلس الأمن وفي الميدان.
نذكّر هنا محاولات وزير الخارجية الأميركية السابق جون كيري في الولاية الثانية للرئيس اوباما لعقد تفاهمات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف حول تخفيض التوتّر في سورية تمّ إفشالها من قبل أطراف داخل الإدارة الأميركية. فحادثة الهجوم الأميركي على مواقع الجيش العربي السوري في دير الزور عام 2016 أدّى إلى سقوط شهداء واحتلال فصائل داعش لمواقع الجيش العربي السوري، وذلك رغم الاتفاق بين كيري ولافروف الذي سبق الهجوم بعدّة أيام. ومؤخّرا الهجوم في مطلع هذا العام على وحدات روسية في منطقة دير الزور أيضا أدّى إلى سقوط أكثر من مائة قتيل بين القوّات الروسية وإن كانت تابعة لشركات أمنية روسية خاصة، وذلك رغم “التفاهم” المتبادل بين الأميركيين والروس لعدم التصادم المباشر. فكان لا بد من انذار روسي مباشر وواضح تجلّى لاحقا في خطاب الرئيس الروسي محذّرا أن أي اعتداء على أي حليف لروسيا بمثابة اعتداء عليها يستدعي الرد المناسب. فمرّة أخرى تخرق الولايات المتحدة كلماتها لأغراض ظرفية وإن كانت على حساب المصالح الطويلة المدى وكأنها لا تكترث لها.
أما على صعيد منطقة شرق الأوسط فالسلوك الأميركي مع بعض حلفائها يثير ريبتهم. فالتعاطي مع قيادة إقليم كردستان أدّى إلى سقوط الرهان عليه كورقة ضاغطة على حكومات بغداد وطهران ودمشق. والشعور عند القيادات الكردية هو أن الولايات المتحدّة تخلّت عنها. لكن على ما يبدو فإن القيادات الكردية في سورية تعيد كرّة التحالف مع الولايات المتحدة وإذ تجد نفسها تواجه بمفردها الجيش التركي في عفرين وربما في منطقة منبج وعين العرب والقامشلي. من جهة أخرى نشهد تعاظم الحذر التركي بل الريبة من الموقف الأميركي. فالثقة أصبحت شبه معدومة بين الطرفين. ونشير هنا إلى بعض الأوساط الأميركية كرئيس مجلس العلاقات الخارجية ريشارد هاس أنها تعتبر التحالف مع تركيا غير ضروري بل التحالف مع الأكراد هو الأهم. هذا وكانت أصوات عديدة في الولايات المتحدة اعتبرت تركيا غير صديقة لها وإن كانت في معسكر الحلفاء لها.
ونقض الاتفاقات ليس محصورا بالقطاع السياسي والعسكري والاقتصادي بل يشمل أيضا القطاع الثقافي والرياضي. فلا ننسى مقاطعة الولايات المتحدة للألعاب الأولمبية في موسكو عام 1980 ولا ننسى انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الاونسكو التي ساهمت في إنشاءها ودعمها طالما المصالح الصهيونية لم تكن مهدّدة. والآن تقطع الولايات المتحدة مساهمتها في منظمة الانروا بعد أن خفّضت تمويلها للأمم المتحدة عقب التصويت في الجمعية العامة ضد قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس. فالكيد أصبح عاملا أساسيا في اتخاذ القرارات وإن أضرّت بسمعة ومصالح الولايات المتحدة. فتعتبر نفسها فوق كل الاعتبارات!
أما الوعود فلن ندخل في مناقشتها لأنها عديدة خاصة أن الولايات الأميركية لا تحترم حتى حلفائها الأوروبيين. وبالتالي يصبح التساؤل حول مصداقية الولايات المتحدة أكثر جدّية وإن كانت موازين القوّة بين الولايات المتحدة واوروبا ما زالت لصالح أميركا. لكن هل تستطيع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ومع الكيان الصهيوني وبعض دول الجزيرة العربية خوض معارك استراتيجية في المشرق العربي وتواجه كل من محور المقاومة وروسيا ومن ورائهما الصين، خاصة أن الثقة بين أعضاء ذلك التحالف الغربي مهتز؟ سؤال محفوف بالمخاطر التي لا تستطيع الولايات المتحدة ولا بعض الحكومات الاوروبية الإجابة عليه. فهي ما زالت تعتقد أن بإمكانها ضرب تحالف محور المقاومة وروسيا دون أي ردّ فعل مكلف لها ودون تصدّع التحالف الغربي.
هذه بعض الملاحظات التي تجعل الدول الصاعدة كروسيا والصين تشكّك في مصداقية أي كلام يصدر عن الولايات المتحدة. فالمواقف العدوانية الأميركية ضد كل من روسية والصين رغم الاتفاقات المبرمة معهما تؤكّد أن العقوبات المفروضة عليهما عقوبات فاقدة لأي قاعدة شرعية دولية سواء الرغبة الأميركية التي تعتبر أن ما تقوله في لحظة ما هو القانون وليس أي شيء آخرا. فهل يمكن الوثوق بالولايات المتحدة بعد كل ذلك وما هي قوّة القانون الدولي الذي لا تحترمه الولايات المتحدة؟ فشريعة الغاب هي التي تتحكّم بسلوكها. ذلك يذكّرنا بمقولة الشاعر البيروتي الراحل المرحوم عمر الزعتّي الذي كان يردّد بالعامية:
بلا عصبة (يقصد آنذاك عصبة الأمم قبل إنشاء الأمم المتحدة)، بلا مجمع؛
كل دولة الها مطمع؛
الحق بيد القوّة؛
والقوّة ببوز المدفع!
4 بريطانيا تستقبل دواعشها

د. سعيد جوهر
البيان الاماراتية

أعلن وزير العدل البريطاني ديفيد جاوك مؤخراً أن بريطانيا تستعد لاستقبال البريطانيين الذين انضموا لتنظيم داعش في سوريا والعراق عند عودتهم للأراضي البريطانية. أكد الوزير أن هناك وحدتين منفصلتين في السجون لوضع العناصر الخطرة منهم فيها حتى لا يختلطوا ويجندوا عناصر متطرفة أخرى. يضاف إلى ذلك وضع أطفال الأسر الداعشية تحت الرعاية الإجتماعية بعيداً عن أسرهم لأنها بيئات غير مناسبة للأطفال. وأخيراً شمل الإعلان محاولة إدماج العناصر الأقل خطورة في المجتمع.

تثير تلك التصريحات الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مدى فعالية تلك السياسات في الحد من خطر الدواعش البريطانيين من جانب، والتناقض في تصريحات المسؤولين البريطانيين بهذا الخصوص، والتهديدات التي يمثلها هؤلاء على سلامة المجتمع البريطاني بصورة خاصة والمجتمع الدولي بصورة عامة.

تجدر الإشارة إلى أن عدد البريطانيين الدواعش وصل إلى 850 شخصا، عاد نصفهم خلال الفترة الماضية قبل القضاء الجزئي على التنظيم في سوريا والعراق، ولقي 100 منهم حتفهم. ومن غير المؤكد العدد المتوقع الذي ينوي العودة. ولكن أياً كان العدد، فهل تجدي تلك السياسات القاضية بإدماجهم في المجتمع، ووضع بعضهم في وحدات سجن خاصة منفصلة عن باقي السجناء، وأخذ أطفال الأسر الداعشية من آبائهم ووضعهم تحت رعاية الدولة؟

إن إعادة ادماج العناصر الأقل خطورة فكرة جيدة، ولكن تطبيقها صعب بسبب عدم وجود برنامج إعادة تأهيل شامل من جانب، وتمكن الفكر المتطرف منهم بدرجات متفاوتة، ورؤيتهم القتلى والجرحى جراء الضربات الجوية للتحالف الدولي ضد داعش وبريطانيا جزء من هذا التحالف. ومن هنا فتركيبة كراهية بريطانيا داخل هؤلاء الدواعش متأصلة وعميقة. يحتاج الأمر إلى وقت طويل وبرنامج مدروس بعناية لتحقيق تلك المهمة شبه المستحيلة.

هناك الآلاف من المتطرفين الذين ينتشرون في شوارع بريطانيا ويستغل هؤلاء المتطرفون أجواء الديمقراطية والقوانين للتحرك بحرية. يذكر أنه تم محاكمة عمر أحمد حقي وهو مدرس دين يبلغ من العمر 25 عاما بتهمة قيامه بتربية الأطفال ليكونوا انتحاريين. إن اعتقاد هؤلاء المتطرفين بأن الغرب ضد العرب والمسلمين قد لايتغير لأنهم يرون أن السياسة الخارجية البريطانية هي السبب في التطرف، ومالم تتغير تلك السياسة، فإن التطرف سيستمر.

ومن الصعوبة تصور تغير السياسة الخارجية البريطانية بما يرضي فكر هؤلاء. وبخصوص الوحدات المنفصلة في السجون قد تقلل من تجنيدهم لآخرين داخل السجون، ولكن لا تمنع استمرارهم في إيمانهم بأفكارهم المتطرفة وكراهية المجتمع البريطاني أكثر من السابق. أما فيما يتعلق بعزل الأطفال عن آبائهم فإن الأمر يحتاج إلى تدخل القضاء ليحكم في ذلك.

كما أن بعض الأطفال قام بالقتل مثل جوجو ابن سالي جونز الداعشية البريطانية، فقد قتل سجناء وهو في سن الثانية عشرة من عمره. إن تعقد بعض الحالات مثل جوجو تمثل تحدياً كبيراً أمام السلطات لإعادة تأهيلها.

إن مايعقد الأمور أكثر بخصوص معالجة ملف الدواعش البريطانيين هو تناقض تصريحات المسؤولين البريطانيين بشأن التعامل معهم. فمثلا يرى وزير الدفاع البريطاني جافين ويليامسون أنه لا يجب السماح بعودة الإرهابيين إلى بريطانيا أو أي بلد آخر، ويجب عمل كل شيء لمنع حدوث ذلك.

ومن هذا الفريق مارك راولي أحد كبار المسؤولين عن ملف مكافحة الإرهاب الذي يؤكد على أنه يجب معاملة المتطرفين مثل الأشخاص الذين يستهدفون الأطفال من الناحية القانونية. ولكن على الجانب الأخر يرى ماكس هيل المراجع المستقل لتشريعات مكافحة الإرهاب أنه يجب عدم معاقبة من تم التغرير بهم وذهبوا للانضمام لتنظيم داعش ويجب إعادة ادماجهم في المجتمع، ويؤيد ذلك بالطبع وزير العدل البريطاني.

إن التناقض في التصريحات يعطي رسائل مربكة للدواعش البريطانيين، فبينما يفكر البعض بالعودة، يفكر آخرون بالتوجه لبلدان أخرى.

في النهاية أعتقد أنه يجب التعامل مع هؤلاء خارج الأراضي البريطانية، ومن الخطورة جلب هؤلاء الذين يشكلون تهديداً كبيراً على أمن وسلامة المجتمع إلى الداخل البريطاني قبل التعامل معهم عقائدياً وفكرياً ونفسياً.

يضاف إلى ذلك ضرورة العمل الجاد على برنامج إعادة تأهيل شامل يغطي كافة الجوانب المتعلقة بالمتطرفين وتطبيقه في منطقة ما خارج بريطانيا. إن ذلك قد يوفق بين وجهتي النظر والتوصل لطريق وسط يحمي المجتمع البريطاني من جانب، ويساعد بعض الدواعش على الشفاء من مرض التطرف والعنف.
5 قوانين عراقية معطلة
مشرق عباس
الحياة السعودية

ينهي البرلمان العراقي دورته الثالثة ليختتم كما هو مفترض 12 عاماً من العمل البرلماني المتراكم، كما يختتم موسماً آخر من القراءات الانتقائية للدستور العراقي والقوانين التي فرضها.

ومع أن الكثير من نصوص الدستور وآليات التعديل عليه شهدت مساجلات وطعوناً واجتهادات طوال سنوات، فإن عدم نجاح البرلمانات المتعاقبة في إقرار قوانين ذات طابع تأسيسي استمر موضع تساؤل.

وابتداء من المادة 7 من الدستور التي جاء في نصها «يحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، بخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه» بدأت المشكلة المفاهيمية حول الأولويات.

فمن جهة، ساهم غياب القوانين الحاكمة في انفلات خطابات الكراهية العنصرية والطائفية والإرهابية، ليكون السياسيون العراقيون أبرز المتداولين لها، ومن جهة أخرى تم التعامل مع قضية البعث كمحصل وحيد انتقائي وسياسي للنص الدستوري فيما أهمل جوهر النص.

في المادة 12، يفرض الدستور سن قانون لـ «علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي» وبدت تلك القضية شكلية وغير أساسية لدى القوى السياسية، حتى بعد سنوات من خلافات المواطنين العراقيين حول علمهم.

المادة 22 حتمت على الدولة تكفل «حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية» لكن البرلمان عجز عن إقرار هذا القانون لأنه لم يتمكن من ضمان إعتاق النقابات من سطوة الدولة ومؤسساتها، كما الحال في أزمة نقابة الصحافيين.

الغرفة التشريعية الثانية التي فرضها الدستور في المادة 56 كانت «مجلس الاتحاد» ويضم «ممثلين عن الأقاليم والمحافظات» والمجلس من المفترض أن يحل أزمة التمثيل المكوناتي والمناطقي ويضمن عدم تصادم حقوق المحافظات والأقاليم مع حقوق السلطة الاتحادية، وهو التصادم الذي كاد في مناسبات مختلفة يطيح وحدة البلاد.

الوزارات العراقية والهيئات والمؤسسات المختلفة التابعة للدولة يجب أن يعمل كل منها بقانون، حسب المادة 86 لكن وزارات كثيرة ومؤسسات لم تجد قانونها بعد ثلاث دورات برلمانية، بل إن البرلمان عجز عن تمرير قانون المحكمة الاتحادية الذي فرضته المادة 92 من الدستور.

وكانت المادة 105 صريحة في تأسيس «هيئة عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة» لكن هذه الهيئة لم تر النور، على رغم كل الأزمات التي تسبب فيها غيابها.

والحال تنطبق على المادة 106 التي فرضت إقرار قانون تتشكل بموجبه «هيئةٌ عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، وتتكون من خبراء الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات».
6 من صدام إلى أردوغان
أحمد الحناكي
الحياة السعودية

لفت نظري تغريدة لاسم انثوي مجهول تقول فيه إن جزءاً من السعوديين يحبون صدام على رغم انه حارب السعودية وغزاها ودخل الخفجي .. وجزءاً آخر يحب الدولة العثمانية ويقدسها على رغم انهم هجروا وأحدثوا مجازر مرعبة.. وهذان الاثنان كلهما يجمعان على كره اميركا التي اكتشفت النفط، ولم تغزو السعودية، وطول عمرها حليف.

نعود لما ذكرته، نعم هناك جزء من السعوديين يحبون صدام، وجزء يحب تركيا اردوغان في الوقت الحالي، وليس الدولة العثمانية، لكن ان يجمعهما كره اميركا وجهة نظر اخرى، فإجمالا بعض من يكرهون السياسة الاميركية هم ألد الاعداء لبعض كمتطرفي السنة والشيعة.

لا اتفهم التعاطف مع صدام او مع اردوغان بالنسبة لبعض السعوديين غير ان هذا لا يعني بالضرورة ان يحبون الاميركيين او يكرهونهم ونحن هنا نتحدث عن السياسة الخارجية.

وعلى أية حال معظم هؤلاء يعتقدون ان صدام حسين هو بطل للمذهب السني، وهي سذاجة ما بعدها سذاجة، فصدام ينتمي الى حزب الطغاة وهم فئة لا يوجد لها مبدأ ولا مذهب واذا كان ضحى بازواج بناته آباء احفاده بسبب خلاف سياسي لا يضر به او بالعراق (فهم هربوا وطلبوا اللجؤ للاردن اي لم يحاولوا التشويش او مهاجمته) غير انه استدرجهم بداعي الصلح ولم الشمل ثم قصف المنزل عليهم راكلا بالهواء استغاثات بناته واحفاده وتوسلاتهم، اقول اذا كان عمل هذا فكيف ينتظر منه ان يكون ممثلا لمذهب مع اعتراضي وشجبي على مفهوم صراع سني او شيعي فكلاهما مسلمين.

اما اردوغان فقد وافق اعجاب الاسلاميين العرب هوى في نفسه التي تنزع دائما للسلطة وهو يعرف يقينا انه لن يحقق احلام اولئك المساكين بخلافة او غيره من الاوهام غير انه احسن استغلال الاعجاب ايما استغلال في تحقيق شعبية في العالم العربي وفي بلاده نتيجة لذلك.

على انه (اردوغان) يثبت يوما بعد يوم انه يخدع هذه الشعوب ملقيا بأمالهم الى الحضيض، بل انه اصبح امتدادا لطموحات واطماع اسلافه الاسلاميين (العثمانيون) منهم او العسكريين او الاتاتوركيين، فالاتراك بكل تياراتهم واحزابهم يختلفون على كل شيء لكنهم يتفقون على مسألتين مهمتين احداهما عدم منح الاكراد اي مجال او استقلال سواء اكراد الداخل ام الخارج، وثانيا شعور الهيمنة والرغبة بالوقوف في مصاف الدول الكبرى مهما كان الثمن.

غزو عفرين واحتلالها بكل ما حدث اثنائها من قصف وتعسف وقتل وسحل ونهب يثبت بشاعة السياسة التركية ومع ذلك استمر الاسلاميون بهذا الدفاع المحموم عنه مصيبا كان ام مخطئا.

محاولة اللعب على نغمة الديموقراطية من الاسلاميين كون اردوغان وصل من خلالها غير مقبولة فلا هم يقبلون بالديموقراطية من جهة، ومن جهة اخرى يقاتل اردوغان شيئا فشيئا للاستحواذ والهيمنة. لماذا نذكر ذلك الان؟ لان الطيب رجب اردوغان الرئيس التركي يستطيع من خلال تعديل الدستور ان يعين 12 من 15 قاضيا، يعني سيطرة كاملة على القضاء.

واذا كانت تركيا وبعد المحاولة الفاشلة قد زجت بمئات الالوف واقالت وفصلت من العمل كثيرين بل وسجنت صحافيين بحجة انهم يتعاونون مع غولن الذي يتهمه اردوغان بانه هو المسؤول عن الانقلاب الفاشل ضده، فكيف ستصبح بعد انتخابات 2019 والذي سينجح فيه اردوغان بالتاكيد؟

واقول لصاحبة التغريدة ليس بالضروري ان اتعاطف مع صدام او اردوغان لاكره سياسة اميركا، فمبدأي اننا يجب التعامل مع جميع الدول بمبدأ المصلحة الوطنية لنا بعيدا عن الشعارات التي يطلقونها.

7 قرارات عراقية «مطبوخة» في إيران
زياد الشيخلي
الحياة السعودية

يقول الشاعر والعالم الإنكليزي جون ميلتون: يبدو الثأر في البداية حلو المذاق لكن أثره مردود فيما بعد.

بداية حزينة لمقال حزين يتكلم ويسأل ويتساءل لماذا هذا الانتقام الأسود من الدولة التي طالما صدعت رؤوسنا بالديموقراطية وحقوق المواطنين. وبعد نحو 14 عاماً على مجيء هذه الطبقة السياسية بمختلف اتجاهاتها، وبعد أن أضحت السلطة بيد أحزاب الإسلام السياسي، أصدرت الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة في العراق،(وهنا أضع بليون خط أحمر تحت مفردة الوطنية) قرارها القاضي بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لرجالات العراق، (ولا أقول النظام السابق) وشمل 4354 اسماً. وبغض النظر عن كونهم ضباطاً أو كوادر حزبية أو غير ذلك، فهم كانوا من منتسبي مؤسسات الدولة العراقية. وأرفض القول إن هذه الكوكبة من رجال العراق، هي من النظام السابق، ليس تنصلاً أو إجحافاً بالنظام السابق، بل لأنهم أبناء هذا البلد، سواء كانوا في السابق أم النظام الحالي أم في النظام اللاحق الذي سيأتي بعد هذه الطبقة السياسية. لكن السؤال: ما ذنب هؤلاء الذين حُجزت أموالهم؟ وهل هذا القرار من قرارات السلطة أم تم طبخه في أروقة المخابرات الإيرانية وبأوامر الولي الفقيه؟

لا شك في أن هذا القرار وهذه القوائم والأسماء التي عرضت على الشعب، قد تم تدقيقها وتفصيلها في طهران وأعطي الضوء الأخضر للسلطة العراقية لإصدارها. فما هو الذنب الذي اقترفوه، لقد حوكم هؤلاء لأنهم سحقوا الجيش الإيراني في حرب ضروس دامت ثماني سنوات. وفي الحقيقة أن كل ما فعلته هذه الطبقة السياسية في العراق بعد عام 2003 أنها أسست لبناء سلطة وليس لبناء دولة. وإذا سلّمنا جدلاً بأنهم ينتقمون من النظام السابق، فالنجاح في بناء دولة محترمة ومواطنة صحيحة هو أكبر انتقام. المهزلة التي يجب أن نقف عندها هي أن هذه القوائم شملت أسماء بعض الذين حاربوا مع الدولة الحالية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي واستشهدوا دفاعاً عن أرض العراق، وعلى سبيل المثل لا الحصر الشهيد اللواء الركن احمد صداك البطاح الذي استشهد في محافظة الرمادي عندما كان يقاتل في صفوف الشرطة المحلية. والكارثة الأخرى هناك أسماء ظهرت في هذه القوائم، هم أصلاً حوكموا من جانب النظام السابق. وهناك من تمت تبرئتهم من جميع التهم الموجهة لهم وأطلق سراحهم من محاكم السلطة الحالية!

القضية الأخرى، لماذا هذا الانتقام البشع، ضد رجال خدموا العراق وبكل إخلاص، وعند العودة إلى التاريخ ودرس السياسات من أيام الملكية وصولاً إلى نظام البعث، نجد حقيقة مهمة هي ان أياً من هذه الحكومات من أربعينات القرن الماضي إلى 2003 لم تتخذ مثل هذه الإجراءات العقابية والتعسفية ضد أي عراقي، سواء كان معارضاً أم خائناً أو حتى جاسوساً. وإذا كان ساسة العراق اليوم يتحدثون متهمين نظام البعث بأنه قمعي وديكتاتوري، لكن حزب البعث، ورغم أنه حزب علماني وليس إسلامياً، حتى ولو اتخذ إجراءات عقابية، فإنها لا تصل إلى حجز ومصادرة دار السكن الوحيد للعائلة. وبعد هذه القوائم البائسة لن يبقى إلا معاقبة جميع الوطنيين.

يجب على أصحاب السلطة ان ينتقموا من أفعالهم التي أوصلت العراق الى ما وصل اليه من فقر وتخلف ومجاعة وفساد مالي واداري، وأن يواجهوا فشل الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ويعملوا على رفع روح المواطنة بين أبناء الشعب، وعلى عودة ملايين النازحين إلى بيوتهم، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين، ومحاربة الفساد بيد من حديد، وإرساء دولة القانون والعدالة، فهذا هو الانتقام الصحيح للحق والعدل.