5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

1 زيف الوحدة الوطنية في العراق
فاروق يوسف العرب بريطانيا

ما يقوله سياسيو العراق عن الوحدة الوطنية ما هو إلا نوع من تسويق كذبة، يُراد من ورائها إخفاء حقيقة أن العراق لم يعد وطنا لمواطنيه، بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وعرقهم.
التوزيع الطائفي سمح بهدم الوحدة الوطنية

غالبا ما يفضل الناس العاديون أن تمتزج الأمنيات بالواقع من أجل ألّا يتمكن منهم كابوس اليأس. في العراق وهو بلد منكوب منذ عقود، لا يملك الناس سوى أن يقاوموا اليأس بضراوة وإن كان ثمن تلك المقاومة باهظا.

عليهم ألّا يصدقوا كل ما يُقال عن فساد حكامهم وأحزابهم وقضائهم وحوزاتهم الدينية وجيشهم وكل ما يمتّ بصلة إلى دولتهم. فالفساد موجود في كل العالم. في أرقى الأنظمة الديمقراطية هناك فاسدون. أما مستوياته الكارثية في العراق فيمكن التغاضي عنها.

عليهم أيضا أن يرفضوا حقيقة أنهم صاروا، من حيث لا يدرون، مجرّد أدوات تنفّذ من خلالها أطراف معروفة مشاريعها الهادفة إلى تدمير ما تبقّى من العناصر التي يمكن من خلالها التعرف على ملامحهم باعتبارهم شعبا واحدا يملك خصوصياته التي تجمعه، كما هو حال كل شعوب العالم.

قبل الاحتلال الأميركي تعرض العراق عبر أكثر من خمسة عقود من تاريخه إلى محن عظيمة، غير أن أيّ واحدة من تلك المحن لم تكن لتهدد وحدته الوطنية، لا بالمعنى السياسي وحده بل وأيضا بالمعنيين الاجتماعي والثقافي. حتى أن مصطلح الأقليات لم يكن كثير الاستعمال، لا في أدبيات السلطة ولا في الإعلام الذي كان جزءا من تلك السلطة. أما حياة الناس وثقافتهم فقد كانتا مليئتين بكل خبرات العرفان بذلك التنوع.

غير أن الأمور لم تعد كذلك بعد أن فرض المحتل الأميركي مفهوم “المكونات” من خلال مجلس الحكم، وصولا إلى الدستور الذي أقرّ -ضمنيا- أن العراقيين مجموعة من الأقليات. وكان الدستور ذلك الباب الذي انفتح على نظام المحاصصة الطائفية والعرقية.

ولأن مصطلحي “سنة” و”شيعة” هما مصطلحان دينيان، فقد بات الجزء الأكبر من الشعب العراقي يُعرَف بناء على مذهبه الديني. وهو ما يعني أن المحتل أعاد بناء المجتمع العراقي على أساس ديني.

لهذا برز مفهوم “أهل الذمّة” وهو مفهوم لم يعرفه العراقيون في ظل الدولة الوطنية الحديثة التي تأسست في عشرينات القرن الماضي. يذكر العراقيون أن وزير ماليتهم الأول كان يهوديا. كما أن واحدا من أكثر رؤساء وزارتهم شهرة كان كرديا. أما مؤسس أول فوج من جيشهم والذي كان يحمل اسم الإمام المقدس لدى الشيعة “موسى الكاظم” فقد كان سنيا، وغالبا ما كان محافظو البنك المركزي مسيحيين. وكان رئيس جامعة بغداد صابئيا ذات مرة.

كل ذلك يعني أن القانون العراقي يوم كانت هناك دولة حديثة لم يفرق بين مواطن وآخر على أساس الدين أو العرق، بل نظر إلى الجميع متساوين في الحقوق والواجبات. كانت المواطنة هي المبدأ في الحقوق والواجبات.

أما في ظل الدولة الدينية التي فرضها المحتل على العراق حين وزع عربهم بين شيعي وسني فإن “أهل الذمّة” وهو مصطلح ديني صاروا تحت الأقدام. لقد أرسلت الجحيم رسلها على هيئة ميليشيات للقتل في ظل معادلة ثلاثية الأبعاد؛ “إما أن تدفع الجزية وإما تعلن إسلامك أو تُقتل”.

يكذب من يزعم أن تنظيم داعش وحده قتل المسيحيين والإيزيديين. لقد قتلت الميليشيات الشيعية المئات من المسيحيين والصابئة. ناهيك عن عشرات الآلاف التي قتلت من السنة.

إن نظام أسلمة البلد بدءا من الإقرار بتوزيع سكانه بين الطوائف سمح بانهيار وحدته الوطنية فكان لزاما أن يقع الحدّ على غير المسلمين.

لن يكون في إمكان المسيحيين والصابئة والإيزيديين والشبك أن يجادلوا في مسألة مواطنتهم، ذلك لأن مصطلح المواطنة لم يعد موجودا. لقد فقدوا المظلة التي كانت تحميهم من الانتقام.

غير أن المفارقة تكمن في أن سنة العراق وشيعته وأكراده كانوا هم الآخرون قد فقدوا تلك المظلة.

لذلك فإن كل ما يقوله سياسيو العراق الموجودون في السلطة على أساس طائفي عن الوحدة الوطنية ما هو إلا نوع من تسويق كذبة، يُراد من ورائها إخفاء حقيقة أن العراق لم يعد وطنا لمواطنيه، بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وعرقهم بعد أن تمّ تلويث وحدته الوطنية بسخام الطائفية.

2 جيش العراق تحت مطرقة التغيير الديموغرافي
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

دمج الميليشيات بالجيش تخدير موضعي بسلاح ذي حدين؛ سلاح يحز كرسي الدورة الثانية لرئاسة العبادي، وآخر يتجه لتدعيم حظوظه فيها. وفي الحالتين الجهة المنكوبة هي شعب العراق.
ميليشيات لا تبني دولة

آثار التاريخ لا يمكن تطويقها وحصرها بقبور جماعية لمقتنيات ماضي البشرية المدفون تحت الأرض بزوال المدن العامرة نتيجة الكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو الحروب؛ رغم أنها كنوز اعتبارية ومادية تشقى المتاحف العالمية للحصول عليها، أما الآثار الظاهرة كأطلال فقد تحوّلت إلى مصدر للدخول القومية في معظم الدول التي نمت فوق ترابها الحضارات القديمة.

لكن تصمد حقيقة أن الإنسان هو أعظم تلك الآثار الداعمة لتواصل الحياة، وهو الشاهد الحيّ المتبقي أو الراوي لقصة لا تستسلم للوثائق الرسمية أو الأختام لتؤكد انتماءها النوعي للمكان وسلالاته التي أنتجت عائلة متجانسة ضامنة للبقاء، كعائلة العراق التي تجاوزت المحن حتى مع تعدّد الأعراق واختلاف الثقافات والأديان والقوميات والطقوس وأسلوب العيش.

لأن ما وصلنا من قديمها وبعضها من قديم الأزل ينمّ عن مكتسبات خبرة في فن التفاهم وعدم التفريط بالحدود المتوسطة المتكفلة بنجاة المجموعات من الاستسلام للتغييرات السكانية الإجبارية.

أخطر أعراض أوبئة الديموغرافيا غير الترحيل القسري الشامل بحكم الكوارث، ما يجري في الحروب بين الدول والاضطرار إلى الهجرة لتلافي المآسي المتوقعة عند دخول الجيوش؛ لكن ما هو أخطر منها يقع في نطاق منهجية التغيير الديموغرافي والتخطيط لها بأسلوب الحروب الأهلية ومشاكسات الكراهية المقبولة في تجزئتها وتنويعها لبرامج جرائمها وغدرها واحتيالها، إلى يوم جرد الحساب الذي تتكشف فيه أهوال التغيير المتعمد في تركيبة مجتمع قاوم لقرون بل للآلاف من السنين حفاظا على ممتلكاته ومقومات تكوينه وتصميمه النفسي الخاص.

ارتكابات تنظيم الدولة الإسلامية ضد الآثار والمعالم الراسخة في وجدان سكان الموصل، وما تلاها من تدمير أثناء الحرب على التنظيم، لا يقترب أبدا من حجم الخسائر بين المدنيين وهول ما يتم اقتباسه من المشروع الإيراني الطائفي لتنفيذه عملياً وبإجراءات وخطوات مدروسة في نسغ صاعد – نازل من أعلى السلطات التشريعية والتنفيذية في العراق إلى أدنى فصيل مسلح من ميليشيات الحشد التابعة إلى فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

إجراءات حصر السلاح بيد الدولة تأتي لحماية المواطنين وفرض سلطتها؛ هكذا يقول حيدر العبادي رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة بعد مرور ما يقارب سنة ونصف السنة على تشريع قانون هيئة الحشد في برلمان العراق، وكأن العبادي يعترف أن السلاح طيلة المدة الماضية لم يكن تحت إمرته كما كان يردد دائماً مع الأحزاب الطائفية تأكيداً على سلامة تطبيق التكييف القانوني باعتبار الحشد جزءا من القوات المسلحة وهو مقيد بصلاحياته بتوجيهات رئيس الوزراء، أي إن السلاح كان حصراً بيد الميليشيات الطائفية المكيّفة باصطلاح حشد فتوى المرجعية المذهبية والذي تم تكييفه في ما بعد بهيئة الحشد الشعبي.

حيدر العبادي في إعلانه المعاد عن دمج الميليشيات بالقوات النظامية يؤدي دور الدمية في فن الكلام من البطن والباطن اعتقادا وظنا منه أنه صاحب الصوت وصاحب القرار. ثمة إنسان يرحل من بلاد الرافدين ويترك مكانه شاغراً لتحتله حفنة من الميليشيات وتجار الحروب.

دمج الميليشيات بالجيش أو بالقوات النظامية والأجهزة الأمنية حصل حتى قبل فتوى المرجعية المذهبية، وإلا كيف يمكن تفسير تلك المؤتمرات والاستعراضات المسلحة للفصائل وكميات ونوعيات الأسلحة وما تكلفت به من واجبات وعمليات تندرج تحت صلب مهمات المافيات والعصابات الخارجة عن القانون، وبعضها استهدف اختطاف شخصيات لصالح مساومات دولية مع إيران ساهمت في تفاهمات إيداع العراق في حساب ولاية الفقيه ونهاية لعبة جر حبل الاتفاق النووي. كل هذا جرى تحت مرأى ومسمع برلمان وحكومة عراق منتخبين بنظام ديمقراطي.

الجديد في طروحات الدمج يختفي في قرب أداء امتحان الانتخابات تحت تلويح عصا المرشد خامنئي الذي لم يتوانَ عن رفع إنذاراته بإشهار سكاكين مطبخه في عملية ذبح حلال لخصوم مشروع تنظيم دولته الإسلامية في العراق؛ وهؤلاء الخصوم هم مجرد أحزاب أو توجهات تتنافس على مقاعد برلمانية في بلد يبرر المرشد التدخل في شؤونه، بل وشؤون المنطقة على طريقة ليس لأحد حق الاعتراض على ما يجري داخل البيت الإيراني. دمج الميليشيات بالجيش تخدير موضعي بسلاح ذي حدين؛ سلاح يحز كرسي الدورة الثانية لرئاسة العبادي، وآخر يتجه لتدعيم حظوظه فيها. وفي الحالتين الجهة المنكوبة هي شعب العراق.

سلاح الميليشيات هو الرهان، ففي حالة امتلاكها لما تمتلكه القوات النظامية يكون الجيش ميليشياويا بامتياز لكن بغطاء الانضباط للمهنية والاحترافية التي تم التقديم لها بقبول من يرغب بالدراسة من الحشد في الكليات والمعاهد العسكرية، بما يعني في الحقيقة دمج الجيش بعقيدة الحشد، وهو المطلوب والمدعوم من القوى الطائفية ومن معظم الجهات الساندة التي وثقت لفجر الميليشيات الإيرانية في المنطقة.

هل هناك ميليشيات أخرى خارج جيش الحشد؟ الجواب نعم لحاجتهم إلى فوهات بنادق مصوبة إلى شعب العراق وقواها الرافضة للمشروع الإيراني، وأيضاً إلى الأمة العربية والقوى الدولية المتقاطعة بوجودها مع ولاية الفقيه، وكذلك الهدف حكومة العراق ذاتها إن تمردت ولو في لحظة انسجام شخصي مع رأي مستقل أو مزاج كرامة مؤقتة.

جيش العراق رغم تعرضه لتغيير ديموغرافي صريح في المعنى، استبدل تاريخه الوطني والعربي بقوات نظامية حاولت بتعثر أن تداري على شمعة الاحتراف والمهنية رغم خروقات المحاصصة وغياب الكثير من مفاهيم العسكرية وسماتها بمجاهل الرايات المذهبية التي بدأت بحقل التقسيم الطائفي في استمارة التطوع لبناء جيش ما بعد الاحتلال الأميركي.

الفقر والبطالة يأتيان في مقدمة أسباب التطوع في القوات النظامية، زاد عليها الدمج الميليشياوي أعدادها الغفيرة ليتحول الجيش إلى بطالة مقنعة على هيئة الفضائيين الذين ليس لهم وجود سوى في قوائم الرواتب، لكن في حالة الدمج بالقوات النظامية يترشح واقع جديد لفضاء رسمي يستنزف أموال العراق بمثقب الخوف من تغول الميليشيات.

التخلص من البطالة بالتشغيل في الحروب والأزمات هو تغيير ديموغرافي بانزياحات مالية وإحصائية في مفارقة تعداد السكان الطائفي في عراق ما بعد 2003 الذي ازداد فيه تعداد السكان من حدود 25 مليون إلى ما يقترب من 40 مليون نسمة، وبأسهم تتجه إلى تقرير مصير العراق عند حدود التفكر بعمق بعدد الذين غادروا العراق ومن تناوشتهم الأزمات بالقتل والخوف وفقدان الأمن لصالح من يقف وراءها.

حيدر العبادي في إعلانه المعاد عن دمج الميليشيات بالقوات النظامية يؤدي دور الدمية في فن الكلام من البطن والباطن اعتقادا وظنا منه أنه صاحب الصوت وصاحب القرار. ثمة إنسان يرحل من بلاد الرافدين ويترك مكانه شاغراً لتحتله حفنة من الميليشيات وتجار الحروب.

3 روؤساء عشائر عراقية ينتفضون على الفساد ويلومون المرجعية
سعد ناجي جواد
راي اليوم بريطانيا

التاريخ الوطني للعشائر العراقية حافل بالمآثر، ولعل ما فعلوه اثناء ثورة العشرين المجيدة (30 حزيران / يونيو 1920) سيبقى عملا خالدا في سفر أعمالهم عندما هزموا قوات الاحتلال في معارك الرارنجية والشامية، وقبلها في منطقة كوت- العمارة، وسامراء و خان ضاري-الفلوجة، والسليمانية، و غنموا الأسلحة التي تركوها في ارض المعركة بعد هروبهم، ناهيك عن الأسرى. هذه الهزيمة المدوية دفعت الحكومة البريطانية آنذاك، وبأمر من وزير مستعمراتها ونستون تشرتشل، الى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد العشائر الثائرة في جنوب العراق، وعندما ووجه بأسئلة حول هذا الموضوع من قبل مجلس العموم البريطاني لم ينكر بل تبجح بقراره ولم يستنكره، وإنما استنكر ان تتم مسآءلته عن استخدام هذا السلاح ضد العرب، والذي وصفهم بأوصاف اقل ما يقال عنها بأنها دونية و عنصرية مع محاولات دنيئة للحط من آدمية العراقيين. و حتى اليوم عندما يستذكر العراقيون الثورة يستذكرون ايضاً الاهازيج التي صدح بها شيوخ وأبناء العشائر اثناء المعارك. هذه الاهازيج آلتي ظلت خالدة ليومنا هذا. مثل الأهزوجة التي وجهها احد الشيوخ الى الجيش الإنكليزي الغازي والتي تقول ( ودوا يبلعنه وغص بينه) ( ودوا اي أرسلوه بلهجة ابناء الجنوب). والاهزوجه الظريفة التي رددها احد المقاتلين العشائريين الذي كان يقاتل بفالة، والفالة لمن لا يعرفها هي آلة كالرمح باربعة او خمسة رؤوس لصيد الأسماك في الأهوار، و التي كان يقاتل بها جنودا مدججين باحدث الأسلحة، و ضرب بها احد الجنود الإنكليز وبعد ان أستقرت في جسد الجندي هرب من ساحة المعركة فصاح المقاتل العشائري خلفه (رد فالتنه احتاجيناها مشكول الذمة على الفالة) اي ان ذمتك مدينة لي بالفالة. والاهزوجة الأهم والاقوى والأدل كانت تلك التي تغنى بها المقاتلون الشجعان عندما غنموا مدفعا من القوات البريطانية، مع جملة ماغنموا، بعد ان هاجموه بالمكاوير ( المكاوير جمع مكوار وهو عصا كانوا يغلفون احد رؤوسها بالقار)، وسحبوه الى خطوطهم القتالية وهم يردددون (الطوب أحسن لو مكواري)، والطوب هو المدفع بلهجتهم، وهكذا بالفالة والمكوار استطاع أولئك الأبطال ان يهزموا جيشا حديثا، حتى استخدمت بريطانيا الطائرات والأسلحة المحرمة لإخضاعهم.
المهم ان هذه الثورة قلبت الموازين والتفكير البريطاني عن العراق وحوله. واثبتت ان هناك شعورا وطنيا وشعبا عراقيا موحدا، خاصة بعد ان شارك في الثورة عشائر من كل العراق عربية وكردية، ومن كل المذاهب والمناطق. كما كانت شخصيات بغداد الوطنية قد أشعلت الروح الوطنية التي قادت الى الثورة، واستمرت في معارضتها السياسية للاحتلال البريطاني، مما اسهم في استمرار الثورة. وكان الشاعر خالد الذكر السيد محمد سعيد الحبوبي بحق شاعر الثورة ومحركها. كما وقفت أغلبية المرجعيات الدينية في الكاظمية والنجف وكربلاء وسامراء هي الاخرى موقفا مشرفا في دعم الثورة. (ومن المؤسف ان يسيء بعض احفاد هذه الشخصيات الوطنية الكريمة، العشائرية والمدنية والدينية، لتاريخ آبائهم وأجدادهم ويتعاونوا مع من غزا واحتل بلدهم فيما بعد). وبالنتيجة وبعد ان كانت بريطانيا قد خططت لاحتلال العراق وحكمه بصورة مباشرة، من خلال تمزيقه على أسس طائفية وعرقية، اعادت النظر في سياستها ولجأت الى تشكيل حكم وطني شامل ونصبت المرحوم فيصل الاول كأول ملك على العراق، واناطت المناصب للضباط والشباب العراقيين من كل المكونات. صحيح ان المستشارين البريطانيين والضباط السياسيين وعلى رأسهم المندوب السامي البريطاني كانوا هم من يديرون الدولة، الا انه صحيح ايضاً بانه بعد عقد واحد من قيام الثورة، اثبت ابناء العراق كفاءة كبيرة في بناء الأسس الصحيحة لبلدهم و تم ترشيح العراق عام 1930 لكي يكون اول دولة عربية مستقلة تدخل عصبة الامم، وهذا ما حصل في تشرين الاول / أكتوبر ١٩٣٢.
قبل ايام عادت العشائر العراقية، او بعضها، الى الواجهة بصورة إيجابية ، تختلف عن الصورة السلبية التي تميزت بها تصرفات بعضها الاخر مثل الاحتفاء بسياسيين فاسدين واستقبالهم بأهازيج لايستحقونها. فلقد اصدر عدد قليل من روؤساء العشائر العربية في الجنوب والوسط ( العْبُوده، البْدور، ربيعة، عْكَيل والبو فياض) بيانات متتالية أعلنوا فيها رفضهم التام مقابلة اي سياسي فاسد وأبرأوا ذمتهم من جميع الأحزاب والسياسيين الفاسدين. ودعوا الى عدم الوقوف مع الفاسدين الذين دمروا العراق ونهبوا خيرات ابناءه. والاهم من ذلك، وهذا يحدث لأول مرة بصورة علنية، ان بعضهم وجه اللوم الى المرجعية الدينية لدعمها لهولاء الفاسدين. حيث من المعروف عن روؤساء العشائر، وخاصة الجنوبية، تقديرهم العالي للمرجعية. كما خاطبوا المرجعية بصورة واضحة بأنهم لن ينتخبوا مرشحين فاسدين تدعمهم المرجعية، او هم يدعون بان المرجعية تدعم ترشيحهم. (ونتيجة لاصدار هذه البيانات تعرض شيخ العبود، الذي رفض استقبال مرشح فاسد، الى محاولة اغتيال قبل ايام نجا منها بأعجوبة). ان هذه البيانات وهذا الشعور الوطني العراقي، والذي يجب ان يحتذي به و بصدق باقي روؤساء العشائر في جنوب وغرب وكردستان العراق ، يمكن ان يحدث تغيرا، بل ويجب ان يحدث تغيرا، خاصة اذا ما التزم به الروؤساء و شمل عشائر اخرى، والاهم اذا ما تبعه حث من هؤلاء الروؤساء لابناء عشائرهم على عدم التصويت للفاسدين والفاشلين. كما وانه وقبل هذا على روؤساء العشائر ان يعملوا ايضاً على تطهير عشائرهم ويتبرأوا من الفاسدين والمجرمين الذين يحتمون بالعشيرة، او من أولئك الذين يستندون الى سطوة عشيرتهم كي يأخذوا الديات المادية الكبيرة ، او ما هو معروف بالفصل العشائري، وخاصة من الأطباء والمدرسين والمعلمين المساكين الذين يحاولون القيام بواجباتهم رغم كل الظروف الصعبة التي يمرون بها او يعملون فيها، او الاعتداء الجسدي عليهم. كما ان عملية مقاطعة الفاسدين وعدم اللقاء بهم هي مسالة ليست بالكافية ولا حتى بالهينة، فلقد اصبح عرفا عند الوجوه الفاسدة ان تستقصي أفراح واتراح العشائر وتحضر هذه المناسبات مع حماياتها وتفرض نفسها فرضا. ولهذا يجب استغلال هذه المناسبات ايضاً لفضح الفاسدين امام الملأ، كما فعل احد ابناء العشائر الشجعان عندما زارهم معزيا احد الأشخاص الذي كان من اكثر من روج ورحب واستفاد من الاحتلال، فأخبره امام الجميع ان فقيدهم الشاب قتل بسبب الفوضى التي احدثها الاحتلال الذي جاء به هو وامثاله وكانوا من اهم اسبابه، وان ارواح الضحايا تبقى في رقبتهم، ولم يستطع هذا الشخص ان يقول اي شيء وخرج مطأطأ الرأس. وفِي هذا الوقت بالذات يجب على روؤساء العشائر ان ينتبهوا لزيارات الفاسدين لمناطقهم وهم ينثرون أموال السحت الحرام التي نهبوها على البسطاء لكي ينتخبوهم، لا بل ان هناك دلائل تشير الى تورط بعض روؤساء عشائر بذلك. وأخيرا وليس آخراً فان على روؤساء العشائر الذين اصدروا هذه البيانات الجميلة والمعبرة ان يدعموا الشباب الواعي و الحركات والاحتجاجات المدنية السلمية التي يقودونها لإنهاء هيمنة الأحزاب الدينية والوجوه الطائفية والعنصرية ومن كل المكونات. واذا ما حصل ذلك فان مثل هذه المبادرات سيكون بالإمكان اعتبارها بداية للاقتداء باباءهم و بأجدادهم الذين تصدوا للمسؤولية الوطنية بغيرة عالية وشرف كبيرين. وعند ذاك يمكن ان تعتبر بياناتهم بداية لصحوة وطنية حقيقية والتي يمكن ان تحدث ما احدثته ثورة اجدادهم قادة ثورة العشرين من توحيد للصف وراب الصدع الذي احدثه الاحتلال ومن جاء معه، ويمكن ايضاً ان تجعل من غزا العراق، او من يحاول ان يجعل منه جزءا من مناطق نفوذه، يغص به كما غص به من سبقه.
4 عراق
طفلـــــة الخليفــــــــة
اخبار الخليج البحرينية

كشف مصدر في لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ان وفدا رفيع المستوى سوف يرافق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في زيارته المرتقبة للعراق، وبيّن المصدر أن وزراء ومسؤولين كبارا سوف يرافقون الأمير محمد بن سلمان، وأن عددا من الاتفاقيات الاستراتيجية سوف توقع بين العراق والسعودية خلال الزيارة التاريخية لأرفع مسؤول سعودي يزور العراق منذ عام 1989.

معروف أن هناك محاولات لإعادة العراق إلى حضن الأمة العربية والابتعاد بها عن السيطرة الإيرانية التي باتت تخنقها وتضيق عليها من كل جانب ولا تجعل لها قرارا ولا رأيا وتجعلها تلعب دور التابع الذليل، لكن هل يمكن ذلك؟؟؟ هل يمكن أن يعود العراق إلى حضن الأمة العربية؟؟؟ هل يمكن ان يعود حاميا وسدا منيعا أمام إيران بعد كل ما جرى وبعد تدمير الجيش العراقي وبعد جعل المليشيات الطائفية هي المسيطرة وصاحبة الأمر والنهي، انه أمر صعب ولكنه ليس بالمستحيل.

انه بحاجة إلى خطة محكمة وإلى تكاتف من الداخل العراقي مع الدول العربية المهتمة بأمر العراق ومستقبل العراق والشعب العراقي، وإلى حوارات ومكاشفات صريحة.

إن تزويد العراق بالمال والحال على ما هو عليه لن يغير شيئا، وربما تذهب الأموال إلى جيوب سرّاق العراق لكن مع الخطط الملائمة قد تكون هناك فرصة.