6 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 هل يوم المرأة العالمي عالمي حقا؟ هيفاء زنكنة
القدس العربي

بما ان التقويم الغربي مقسم إلى أيام مكرسة للاحتفالات التاريخية او المصنعة لأغراض الاستهلاك التجاري، وبما اننا في عصر البث التلفزيوني الفضائي والتواصل الاجتماعي وعولمة الاستهلاك، انتقلت الينا من الغرب احتفالات مستحدثة مثل الهالاوين (نهوض الموتى)، ويوم فالانتاين (الحب)، وعيد الام، ليلحقه عيد الأب بالاضافة إلى الاحتفالات الأقدم نسبيا مثل رأس السنة وعيد العمال وعيد المرأة، مع اضافة مفردة « العالمي» إلى العيدين الاخيرين. وقد شهد الاسبوع الماضي، احتفالات عديدة، في ارجاء العالم، بمناسبة عيد المرأة. من بين المحتفلين، نساء ومنظمات وساسة من البلدان العربية، تحدثوا باسهاب حول أهمية دور المرأة في المجتمع، وضرورة زيادة تمثيلها السياسي بينما أشار عدد من اجهزة الاعلام الغربية، خاصة في بريطانيا، على ما اعتبر تطورا في وضع المرأة العربية والمسلمة، والدليل هو السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
يذكرني هذا التغزل الكاذب من الجانبين، ليوم واحد، سنويا، بقصة تكريم أو منح امرأة ما جائزة دولية مع التركيز على كونها عربية أو مسلمة. وهي مسألة رائعة، ان يتم تكريم أي انجاز، مبني على الكفاءة والخدمة العامة، بغض النظر عن دين او قومية او جنس المحتفى به. لكن الامور لا تسير بهذا الشكل حين يتعلق الامر بترشيح واختيار امرأة من البلاد العربية/الإسلامية.
اذ غالبا ما تكون الجائزة انتقائية بامتياز، تقديرا لنشاطها في منظمة مجتمع مدني تناهض «العنف ضد المرأة»، مثلا، وتنحصر في زاوية أضيق حين يكون للعنف الأسري الأولوية في الترشح والفوز.
يصاحب احتفالية منح جوائز، من هذا النوع، مثل يوم المرأة «العالمي»، ضجة اعلامية تجمع بين الشعور برضا المحسنين و فرحة المحتاجين. منبع شعور الرضا لدى مانحي الجائزة، انهم يقومون بعمل فريد من نوعه، حيث يتم منح الجائزة إلى إمرأة من « ذلك العالم» لتشجيعها على الخروج من ظلمة الاستغلال المجتمعي والأسري وبالتالي «تمكينها» من ولوج الحياة العامة، حسب رطانة مانحي الجوائز.
وتنبع فرحة الفائزة من توهمها بالتخلص، عبر تذكرة الجائزة، من عقدة الدونية المصاحبة، لابناء الشعوب المستعمَرة، بالاضافة إلى انه كلما ازداد الحديث عن العنف الأسري ازدادت فرصة الفوز وبالتالي تمكن الفائزة ومنظمتها من ضمان استمرارية الدعم المادي والدعوات إلى المؤتمرات الدولية.
هنا، علينا التنبيه، إلى ان العنف ضد المرأة، بمستوياته المتعددة، لا يقتصر على بلداننا، بل انه «شكل من أشكال الإساءة التي تحدث على جميع مستويات المجتمع وفي جميع دول الإتحاد الأوروبي وفي المنطقة المجاورة» حسب البرلمان الاوروبي، حيث «تتعرض إمرأة من كل ثلاث نساء للعنف الجنسي و/أو البدني، كما تشهد واحدة من كل ثلاثة نساء سلوكا مسيئاً نفسياً من قبل شريك حميم. بينما واحدة من كل إثنتين تتعرض للتحرش الجنسي». ويشير تقرير البرلمان إلى ان «العنف ضد المرأة يسبب ضرراً شديداً للنساء والأسر والمجتمعات المحلية، في دول الاتحاد، ويتجسد حجم المشكلة في تكاليف اقتصادية تقدر بمبلغ مذهل سنويا».
ما الذي يجعلنا، في هذه الحالة، نتوقف بحذر عند احتفالات يوم المرأة ومنح الجوائز لناشطات يناهضن العنف الاسري، إذا كان ما يقمن به ضمن معالجة عالمية لمشكلة انسانية مزمنة؟
هناك اشكالية يثيرها الاحتفال بيوم المرأة ووصفه بالعالمية، المفترضة للمساواة، على الرغم من الاختلافات السياسية والاقتصادية الكبيرة بين الدول الامبريالية وغيرها. تتمثل الاشكالية باستغلال اليوم لاطلاق تصريحات وشعارات، جاهزة، هدفها تفكيك مأساة العنف العام التي يعيشها المواطن، وانتقائية التعامل مع جانب واحد، أي طمس الحقائق عبر التجاهل، أو التضخيم، أو تسليط الضوء على نقطة محددة، دون غيرها، مما يؤدي إلى حجب الحقيقة تحت ستار المساواة والدفاع عن حقوق المرأة، خاصة في البلدان المحتلة، ومناطق الحروب.
ويشكل الاستخدام الانكلو أمريكي لقضية «تحرير» المرأة العراقية، تبريرا للغزو والاحتلال، وسياسة المستعمر الاستيطاني الصهيوني تجاه الفلسطينيين، والقصف المستمر للشعبين السوري واليمني، وحرمان المرأة من ابسط حقوق الانسان، أي حق الحياة، نموذجا، يستحق التدريس لتعلم كيفية قراءة وتفكيك تبني الدول الكبرى، لحقوق المرأة في البلدان العربية والإسلامية، ومدى اقتراب الاحتفالات « العالمية» من مآسيها، بصورة حقيقية.
في رسالتها من المعتقل، دعت الاسيرة النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني خالدة جرار، بمناسبة يوم المرأة العالمي، والمحكومة بالسجن الاداري القابل للتجديد حسب مزاج المحتل، النساء والرجال سوية « للنضال ضد العنف سواء عنف الاحتلال او العنف الاجتماعي بحق نسائنا».
في ذات اليوم، وقفت شابة من مجموعة «تضامن المرأة العراقية»، في تظاهرة بمدينة « ريدنغ» البريطانية، لتفند الاطروحة الجاهزة حول حقوق المرأة وتمكينها، قائلة : « كيف يمكنك النهوض بحقوق المرأة عن طريق قصف المدارس والمستشفيات والكهرباء وإمدادات المياه؟ كيف يمكن للمرأة أن تناضل من أجل حقوقها في بيئة من الدمار وانهيار سيادة القانون كما يحدث في العراق؟ كيف يمكنك تمكين النساء عن طريق قصف المدن وخلق المزيد من الأرامل والأيتام؟ كيف يمكن للمرأة أن تقدم قضيتها عندما يتم تفكيك المؤسسات التي كانت تطبق القانون؟».
وفي تفصيل مدعم بالارقام، رسمت للمستمعين حال المرأة العراقية: « تشير الإحصاءات الصادرة عام 2009 إلى أن عدد الأرامل يبلغ مليونين، وعدد الأيتام 5 ملايين. ليس هناك تحديث لهذه الأرقام.
بالطريقة نفسها، يتم تجاهل عدد الوفيات بين المدنيين. لكن تقديرات أصدرتها شركة (ORB) (شركة الإحصاء التي ترى وزارة الدفاع البريطانية أنها مناسبة لاستخدامها)، في أيلول/سبتمبر 2007، قدرت عدد المدنيين الذين قتلوا منذ عام 2003 بنحو مليون شخص.
تحولت مساحات شاسعة من البلد إلى مخيمات دائمة للاجئين. ووفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن هناك 2.5 مليون عراقي مهجر حالياً، ويحتاج 11 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية. إن النساء والأطفال يشكلون الجزء الأكبر من المواطنين الأكثر ضعفاً في المجتمع، فهل يمكنكم تصور ازدهار حقوق المرأة في مثل هذه الظروف؟»
واذا كان يوم المرأة عالميا حقا، فكم من الاحتفالات حول العالم، ساندت ودعمت نضال المرأة في بلداننا؟
2 الوجود الأمريكي المتزايد في العراق والحوار السري مع إيران!
فوزية رشيد

اخبار الخليج البحرينية

‭{‬ في السنوات الماضية وحيث حوار 5+1 حول الملف النووي الإيراني، كان في جزء مهم منه حوار سري، رغم أنه يتعلق بأمر فادح حول التدخلات الإيرانية ومصير دول الخليج العربي والمنطقة، وهو ما اتضح بعد ذلك أن الجانب السري هو الذي أدى إلى فتح باب (الشراهة الإيرانية) في التوسع في العديد من الدول العربية بتواطؤ أمريكي غربي! وتم تبرير ذلك لا حقا، بأن «عهد أوباما» كان قد جاء في خضم (مشروع الفوضى وتطبيقه)، وأن «عهد ترامب» سيكون مختلفا، وهو ما لم يحدث حتى الآن!

وقيل وقيل.. وبين ما قيل إن أمريكا تراجعت عن اهتمامها بالشرق الأوسط! وأنها بذلك تترك فراغا سياسيا أو جيواستراتيجيا تحاول دول أخرى ملئه، منها روسيا وعلى المستوى الإقليمي إيران وتركيا! وكنا نكرر أن مجيء ترامب لن يغير (الجوهر) في الاستراتيجية الأمريكية، لا تجاه أدواتها (إيران وقطر خاصة) ولا تجاه دول الخليج والدول العربية، حتى وإن تغيرت بعض السيناريوهات السابقة! فجاء «ترامب» ومهمته (استنزاف الأموال الخليجية) بطرق مختلفة -وقد قال ذلك بوضوح في عدة فيديوهات قبل وبعد رئاسته- ثم القضاء على القضية الفلسطينية بالإخلال الفادح بحل الدولتين، ثم الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، والعمل على تهويد فلسطين كلها بحيثيات «صفقة القرن!» التي لم يُنشر الكثير من خباياها بشكل علني حتى الآن! إلى جانب تعزيز الوجود الأمريكي في العراق وسوريا، وحيث «ترامب» يرى أنه لا بد من (الاستفادة الكاملة من النفط العراقي وثروات العراق عبر الاستيلاء)! وهو الخط الذي تسير عليه إيران أيضا هناك!

‭{‬ قبل فترة نشرت أخبار الخليج في صفحة (أخبار عربية ودولية) بتاريخ 23/1/2018 خبرا لم يلق اهتماما من الإعلام العربي، وكتبه من بغداد (د.حميد عبدالله) وللأهمية نتطرق إلى أهم ما جاء فيه:

1- أن مصادر أمنية في بغداد قالت إن الولايات المتحدة عرضت على حكومة «العبادي» إنشاء (20 قاعدة عسكرية أمريكية) على الأراضي العراقية، وقوبل بالرفض، واستعاضت عنه واشنطن بنشر قواتها في (20 موقعا عسكريا) من دون معرفة إن كان ذلك قد حظي بموافقة عراقية أم لا! وقد قال النائب «صادق اللبنان» إن (أعضاء مجلس النواب العراقي لا يعرفون الأعداد الحقيقية للجنود الأمريكيين الموجودين في العراق)! وأن الحكومة العراقية لم تكشف عن ذلك للمجلس، رغم أنه يحتاج إلى (غطاء تشريعي) يقره البرلمان!

2- كشف الكاتب نفسه في الخبر عن أن «مصادر سياسية مطلعة» في بغداد كشفت أن (واشنطن اقترحت جلسات لحوار سري بينها وبين طهران) ربما في جنيف أو مسقط لمناقشة ملفات مهمة من بينها «الملف العراقي» ودور إيران في العراق فضلا عن الملف النووي الإيراني! وأن ذلك سيكون من خلال (وسيط عربي)! وأن شرط واشنطن (أن تبقى المحادثات سرية)!

‭{‬ هكذا نرى أن لعبة الكلام الإعلامي حول تضاؤل اهتمام واشنطن بالعراق وبدول المنطقة ونفطها هو مجرد كلام للاستهلاك، ينقضه الأمر الواقع و(الاستماتة الأمريكية في توسيع قواعدها العسكرية) رغم أفول نجم «داعش»! لتضيف إلى سفارتها التي هي أكبر سفارة أمريكية في العالم والموجودة في بغداد (20 ألف موظف) إلى جانب مناطق انتشارها الأخرى في العراق، تضيف إلى كل ذلك (وبدون تشريع البرلمان) لوجودها هنا (20 موقعا عسكريا) هي في النهاية لا تختلف في آليات عملها عن «القواعد العسكرية» ولكن (بشكل سري) كما يبدو! إذن (الاحتلال الأمريكي لم ينته) كما تم الترويج له إعلاميا وخطابيا وسياسيا! بل هو يسعى إلى ترسيخ نفسه في العراق! وبذلك يتضح لصاحب البصيرة أن (المشروع الأمريكي بدوره لم يتوقف أو ينته) كما يتم الإيهام أيضا من بعض المحللين ومنهم عرب! ولا تعليق آخر!

‭{‬ أما بخصوص (الحوار السري) مع طهران والمزمع عقده، هذا إن لم يعقد، والذي يجيد الطرفان (الأمريكي والإيراني) لعبته في حال تسرب أي خبر عنه، ومنه (لعبة النفي) فإن واشنطن ورغم كل تصريحاتها النارية ضد إيران، لا تزال تعمل على (سرية الحوار بينها وبين طهران) وحول شؤون بلدان عربية أيضا تعتبرهم أمريكا حلفاء لكنها لا تريد أن يعرفوا شيئا عما يدور بينها وبين إيران! وبالطبع السرية هنا في مناقشة ملفات الخلاف، تعني السرية -كما في ملحق الملف النووي- حول (تقاسم مناطق النفوذ والوجود) في العراق وغيرها. ما دام الخبر يتحدث عن (بحث جميع الخلافات) فأين حلفاء واشنطن العرب مما سيتم بحثه سريا (عن دولهم) من هذا الحوار الذي يأتي في خضم تزايد (الخطاب العدائي) المتبادل بين واشنطن/ ترامب وطهران/خامنئي؟!

لقد عرفنا ما أنتجه «الملحق السري» في الملف النووي، من تزايد الإرهاب الإيراني في المنطقة، وتزايد توسعها، فما الذي سينتجه (الحوار السري) هذه المرة من مصائب جديدة، ومازلنا نعتقد أن واشنطن حليف استراتيجي؟!

إن كنت تعلم فتلك مصيبة، وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أكبر!

هل وصلت الرسالة؟!
3 أقدام صدّام مشرق عباس الحياة السعودية

نجح الأميركيون في اقتلاع معظم أجزاء تمثال صدام حسين من ساحة الفردوس ببغداد عام 2003 في مشهد مثير أُريد له أن يكون رمزاً هوليودياً لسقوط نظام ومجيء آخر، لكن التمثال لم يُقتلع تماماً، فأقدامه استمرت مغروسة في المنصة الكونكريتية لنحو أربعة عشر عاماً لاحقة.

سخر أهالي بغداد طويلاً من فشل قادة العراق الجدد بشعاراتهم العريضة وميزانياتهم الهائلة وجيوش حماياتهم الممتدة، في «اجتثاث» صدام من الساحة التي كان من المفترض أن تكون رمزاً لـ «اجتثاث نظامه».

ومع أن كلمة «الاجتثاث» أبدلت في العراق، إلى «هيئة المساءلة والعدالة» ويفترض بها أن تعالج تركة النظام السابق، إلا أن جوهر الفكرة لم يتغير، فـ «المساءلة» تفتقر الدقة في الرصد القانوني للمتورطين فعلاً بالدم العراقي، و»العدالة» توسع دائرة الانتقام من أكبر عدد ممكن ممن عملوا تحت ظل النظام من ضباط جيش وشرطة وموظفين.

أخيراً أصدرت الهيئة قوائم مصادرة وتجميد أموال طاولت نحو 5 آلاف شخص، لتثير موجة غير متوقعة من الغضب والاستياء لدى الجمهور العراقي، وهو الجمهور الذي لم تعد ردود فعله مفهومة لدى قادة الأحزاب كما كان الأمر في سنواتهم المزدهرة إبان الحرب الطائفية.

قائمة «الاجتثاث» الجديدة، استندت في الواقع إلى قانون اقره البرلمان العراقي بموافقة كل كتله السياسية في نيسان 2017، وهيئة «المساءلة والعدالة» طبقت القانون بحذافيره لكنها تلقت بعد إصدارها لقوائم المشمولين به سيلاً من الانتقادات، من القوى التي كتبت القانون بيدها ومن ثم صوتت عليه بحماسة.

المفارقة أن القوى السنية التي كانت أكثر من غيرها حماسة لإقرار القانون افترضت انه سيشكل إنجازاً لها في نظر جمهورها قبيل الانتخابات، فهي قد قلصت المشمولين بالقانون السابق إلى النصف، وفرضت تشكيل لجنة لتدقيق الملكيات وأصولها، كما أن القوى الشيعية وبعض القوى الكردية أيضاً اعتقدت أن مصادرة منازل هؤلاء سيكون «ثأراً» صالحاً للمتاجرة الانتخابية.

لكن القوى المختلفة تلقت صدمة كبيرة، فالجمهور السني كما الجمهور الشيعي والكردي هاجم القانون بعنف، طرح الناس أسئلة لم يكن بمقدور عناصر الأحزاب السياسية في البرلمان طرحها على انفسهم، مثل: «إذا كان أي من المشمولين بالقانون وكثير منهم هم ضباط في الجيش الحالي وشاركوا في معارك القضاء على داعش مذنباً لماذا لا تتم محاسبته قضائياً ولماذا القصاص يكون بأخذ منزله فقط؟».

السؤال منهجي، لأنه يستند إلى قاعدة معرفية باتت تشكل زاوية نظر الشعب العراقي إلى قادته وأحزابه، فهؤلاء: «لا يبكون على الحسين كما يبكي بصدق كل عام ملايين العراقيين بل على هريسة عاشوراء»!، والقضية بالنسبة اليهم تتعلق بـ «هبرة» جديدة من المنازل والمزارع والأملاك سيتم تقاسمها بقسمة الغرماء نفسها التي حكمت العراق منذ 2003.

المشكلة أكثر عمقاً ، فالفشل الأساسي كان في عدم قدرة الطبقة السياسية الحاكمة على فهم إحدى البديهيات التي تقول إن بناء تجربة ناجحة كفيل باقتلاع التجربة التي سبقتها، وأن أي اجتثاث وانتقام وثأر من ضباط جيش وشرطة وامن وموظفين سابقين لا يمكنه أن يحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس كما تحدثه العدالة الحقيقية.

عاش السياسيون العراقيون دائماً بهاجس النظام السابق، أهدروا الكثير من الجهد والوقت في الاستثمار بالتحذير من عودة النظام كمفتاح للنجاح السياسي والانتخابي، حتى فوجئوا بأن العمر الافتراضي لتلك الشعارات قد انتهى، وأن أجيالاً شابة جديدة باتت مهتمة أكثر بالتدقيق في طريقة هدر أموال العراق، وتضييع فرص بناء الحكم الرشيد، ودفع البلد عبر أخطاء كارثية ليكون لقمة سائغة لـ «داعش» وملعباً للصراع الإقليمي.

العراقيون، انتبهوا أخيراً إلى أن ساحة الفردوس أُغلقت منذ شهور لتنفيذ «الاقتلاع» المؤجل لأقدام صدام حسين، وعلى رغم أن مساحة الساحة لا تتجاوز عشرات الأمتار، فإن المشروع يبدو معقداً، ومتلكئاً. ليس الأمر إن الأقدام عصية على الاقتلاع من ساحة الفردوس، فتلك مهمة سهلة، المشكلة في إمكانية اقتلاعها من عقول طبقة سياسية ما زالت تعيش فعلياً في ظل نظامه.
4 المرحلة المقبلة في المعركة ضد داعش
ماثيو ليفيت
الوطن السعودية

يواجه «تنظيم داعش» هزائم ميدانية في العراق وسورية، وقد خسر ما يزيد على 90% من مداخيله التي اكتسبها منذ عام 2015، حسب تقرير جديد للأمم المتحدة. وقد تردى وضع التنظيم إلى حد تبني هجمات إرهابية لا علاقة له بتنفيذها. وتوقف داعش عن إصدار بعض مجلاته الإلكترونية التي ساهمت بشهرته عالميا. ولكن على الرغم من هذه النكسات، خلص الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير عن التهديد الذي يشكله داعش للسلام والأمن الدوليين، إلى أن التنظيم لا يزال يشكل تهديدا كبيرا ومتناميا في جميع أنحاء العالم.
ووفقاً للتقرير يتخذ داعش حاليا هيئة شبكة عالمية تتسم بتراتبية أفقية وسيطرة عملياتية أقل على الجماعات المرتبطة به. عمليا يعني هذا أن تنظيم داعش سيعتمد أكثر على أفراد ومجموعات صغيرة لتنفيذ هجمات، مستخدما وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات التواصل المشفرة والإنترنت الأسود للتواصل مع أتباعه والجماعات المرتبطة به في المنطقة.
سيصبح المسافرون المحبطون، أي الأفراد الذين فشلوا في السفر إلى أماكن النزاع، لكنهم ما زالوا متطرفين، والمقاتلون الأجانب العائدون إلى بلادهم، وأولئك الذين انتقلوا إلى مواقع قتالية جديدة، ذات أهمية كبيرة لتنظيم داعش، كلما تناقص مخزونه من المجندين. في الوقت ذاته، بات أعضاء في تنظيمي داعش والقاعدة مستعدين لدعم هجمات بعضهم البعض، ما يدل على وجود مستوى من التقارب بين التنظيمين الإرهابيين، قد يتزايد مع الوقت.
لكن إدامة العلاقات مع الجماعات المرتبطة بالتنظيم إقليميا ودعم الأتباع والمتعاطفين عالميا، يحتاجان إلى أموال. وعلى الرغم من خسارة مداخيل حقول النفط، يستمر داعش في إيجاد طرق لتمويل أنشطته الإرهابية.
وأفادت تقارير الأمم المتحدة بأن تنظيم داعش الأم وفَّر التمويل لفرع التنظيم في الفيلبين، خلال حصار مدينة مراوي. ويقول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إن «الجماعات الموجودة جنوب الفيلبين تلقت مئات آلاف الدولارات من تنظيم داعش الأم، عبر بلد ثالث، قبل الحصار».
على الرغم من هذه الصورة القاتمة، فإن الاستهداف المركز لأموال داعش، واستخدام البيانات البيومترية، والتعاون المستمر بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، يبشر باستجابة فعالة لمواجهة قدرات التنظيم وتهديداته. وفي حين لا تزال المجموعات المحلية في أفغانستان على سبيل المثال تتلقى بعض التمويل من التنظيم الأم، فإن التنظيم يشجع هذه المجموعات المحلية على تمويل أنشطتها ذاتيا، مع أنها ستعاني في سبيل البقاء من دون تمويل داعش الأم. ويعتبر تمويل التنظيم في اليمن لزملائه في الصومال محدوداً ولا يمكن الاعتماد عليه.
لا يزال داعش يُشكل تهديدا إرهابياً خطيرا، لكنه يصبح مع الوقت محدود الإمكانية وأقل موثوقية في تقديم الدعم المالي لفروعه ونشطائه. وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح.

*زميل فرومر- ويكسلر ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب – (معهد واشنطن) – الأميركي
5 في العراق: عندما يتحالف… «الشيوعي» مع «الشيعي»
محمد خروب
الراي الاردنية

في انتظار الثاني عشر من أيار القريب, بما هو موعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي ستجري هذه المرة بعد «النصر» الذي تحقق على داعش، وخصوصا بعد انهيار معادلة التحالفات والاصطفافات السياسية التي سادت طوال المرحلة التي تلت الاحتلال الاميركي, عندما نهضَت على تحالف «شيعي ـــ كردي» نال «حصة» الاسد في نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية الذي ساد وما يزال، رغم الانتكاسات والخلافات والصراعات التي حصلت بين الاطراف المتحالفة ذاتها’ وبينها وبين من اعتبروها قسمة «ضيزى» ولكن في اطار قبولهم قواعد اللعبة, التي رعاها وباركها وأشرف على تنفيذها واستمرارها المحتلّ الاميركي, بهذه الكيفية او تلك ما دام يُمسك بالخيوط ويرى ان الافرقاء.. يسارهم ويمينهم، متدينهم كما من يدّعي العلمانية, لا يخرجون على الاطار المحدّد والمرسوم..ولم يكن مقتدى الصدر كما قادة الحزب الشيوعي العراقي, وممثلهم الذي شارك في اول «مجلس حكم» شكّله الاميركي بول بريمر 12تموز 2003، ونقصد حميد مجيد موسى الذي قاد الحزب الشيوعي العراقي منذ العام 1993.. خارج إطار اللعبة القائمة على المحاصصة الطائفية والمذهبية والعِرقِية

المشهد العراقي الجديد الآخذ بالتبلور والبروز, بعد هزيمة داعش والأحداث التي جرت في اقليم كردستان بعد استفتاء 25 ايلول الماضي، وقبل شهرين من الانتخابات البرلمانية، لفتَ انتباه المتابعين للشأن العراقي التحالف غير المسبوق بين زعيم التيار الصدري رجل الدين المُعمّم مقتدى الصدر والحزب الشيوعي العراقي, صاحب الراية الحمراء التي تحمل شعار المنجل والشاكوش، ما اثار تساؤل – وربما الريبة والشكوك – حول الدوافع التي وقفت خلف تحالفا كهذا, لم يكن يخطر على بال احد في العراق او في غيره, اللهم الا إذا كان في مواجهة المحتلّ, وهو امر لم يتحقّق عندما كانت الكلمة والقرار للمحتل الاميركي, بل مضى كل منهما بـ»طريقته» «في الانسجام» مع الوضع الجديد وبخاصة الحزب الشيوعي العراقي وسكرتيره بالذات, الذي انضوى تحت راية مجلس الحكم وراح يتصرّف وفق ما وضعه الاميركيون من جدول اعمال, لم يكن منسجما بالضرورة ودائما مع مصالح الشعب العراقي, وخصوصا لجهة «الوعود» التي بذلها ساسة العراق الجُدد, الذين جاؤوا على ظهور دبابات الاميركية وبحمايتها.

ما علينا..

التحالف الجديد بين «الشيوعي والشيعي» الذي يحمل اسم «سائرون نحو الاصلاح»، ويضم ست كتل حزبية ابرزها التيار الصدري والحزب الشيوعي, بات قائماً ومُعلناً وتم إشهاره, وسينخرط في المعركة الانتخابية عندما تبدأ, اذا لم تحدث بين اطرافه خلافات تُفضي الى تصدّعه وانهياره وهو امر نحسب ان امكانية حدوثه واردة, كما كل شيء في العراق الذي تكاد لعبة تحالفاته واصطفافاته السياسية والحزبية تشبه ما يحدث في لبنان. اذ ينام اللبنانيون على تحالف بين فريقين او اكثر لا يلبثوا ان يفيقوا صباحا على معركة من التخوين والاتهامات بينهما, تكاد تشعل حربا اهلية او مواجهة مفتوحة ودائما على معايير طائفية ومذهبية.

ما يبرّره طرفا تحالف «سائرون نحو الاصلاح» في شأن هذا التزاوج الغريب بين اصحاب ايديولوجيتين مختلفتين حدود التضارب والتضاد, وبخاصة قولهم: ان ما يجمعهما هو التقائهما على الملفات الرئيسية, كالمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات. وهي مطالب يكاد لا يختلف عليها احد في عراق ما بعد الاحتلال، يدفع للاعتقاد ان الطرفين الرئيسيين في هذا التحالف وهما «الصدريون والشيوعيون» لم يجدا من يتحالف معهما من القوى والمكونات السياسية والحزبية, فاضطرا لتحالف كهذا, بهدف إحداث ما يمكن تسميته بـ»الصدمة الايجابية»، وهي صدمة تحقّقت على المستويين الإعلامي والحزبي بدلالة ردود فعل القوى الاخرى التي راحت تُشيطن تحالف كهذا بين حركة اسلامية واخرى ذات طابع علماني ، الى حد ان احزابا إسلامية عراقية وصفت هذا التحالف بـ»الفضيحة».الامر الذي رد عليه احد قادة التيار الصدري بأنه «دليل على ضعف الفاسدين… وقُوّتِنا».

من المبكر الحديث عن «القوة» التي يذكرها هذا الكادر الصدري, اذا ما اخذنا في الاعتبار حجم التمثيل البرلماني الراهن للمتحالِفَيْن, فالتيار الصدري يتوفر على 33 مقعداً «من اصل 383 هي عدد مقاعد البرلمان العراقي» فيما لا يتوفر الحزب الشيوعي سوى على» مقعد واحد». ناهيك عما يمكن للكتل الاربع الاخرى في التحالف, ان تتوفر عليه من قوة, كونها جديدة وذات خبرة متواضعة في العملين… الحزبي والسياسي.

تبدو تبريرات رائد فهمي، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي لقيام تحالف كهذا مقبولة نظرياً وإن كانت غير مُقنِعة, وبخاصة ان حوارا معمقا حول قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية مع التيار الصدري لم تجر او تتبلور وفق اتفاق او برنامج مُلزِم, يعرف كثيرون ان زعيم التيار الصدري لا يلتزم به… طويلاً.

صحيح ما يقوله شرف:ان مطالب التحالف «حول الاصلاحات ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات لا ترتدي طابعا طائفيا, وهي مكرّسة من اجل مشروع وطني مدني يهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية».. الا انه صحيح ايضا ان هناك قوى ديمقراطية وذات افق سياسي اوسع يمكن التحالف معها. وليس مأثرة كبيرة ان هذه المطالب «سمحت للناس الذين ينتمون الى حركة إسلامية وعلمانية في العمل معاً».. فهذا يتم عبر جبهة وطنية واسعة ومتنوعة, وفي إطار برامج سياسي واقتصادي واجتماعي بأفق تقدمي، «اما قوله: ان العمل المشترك بين مدنيين ورجال دين يُعدّ تجربة ثقافية وسيكون له تأثيرات على المجتمع العراقي». فنحسب ان «اختبار النتائج»في الثاني عشر من أيار, هو الكفيل بالإجابة عليه وليس الجزم به منذ الآن.