4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 لن تقوم دولة مدنية في العراق
فاروق يوسف العرب بريطانيا

هناك مَن يعتقد أن إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة في العراق سيحمل إلى الشعب العراقي نوعا من الأمل في الخروج من متاهته.

ينطوي ذلك الاعتقاد على فكرتين مضللتين. أولهما أن العراق بلد مستقل ذو سيادة، تُصنع قراراته المصيرية داخل مختبره الوطني، وثانيهما أن في العراق نظاما سياسيا يسير في الطريق الخطأ، لذلك من شأن إسقاط رموز ذلك النظام أن يؤدي إلى تعديل المسار لتعود الأمور إلى جادة الصواب.

في حقيقته فإن العراق ليس دولة فاشلة، كما يردد الكثيرون. الفساد في العراق من جهتي نوعه وحجمه لا يمت بصلة إلى تاريخ الفساد في الدول، سواء كانت تلك الدول فاشلة أو ناجحة. الفساد هناك لا يحدث إلا إذا كانت الدولة غائبة تماما. وهو ما يصح قوله في الحالة العراقية.

أما على مستوى نظام الحكم فقد أثبتت وقائع مريرة كثيرة أن الطبقة السياسية الحاكمة إنما تحكم بالوكالة. فهي لا تقرر شيئا إلا إذا كان فيه ضرر للعراقيين الذين لا ينتمون للأحزاب والكتل السياسية وهم الأغلبية.

أما القرارات المصيرية فقد صارت الولايات المتحدة تتقاسمها مع إيران، بعد أن كان المحتل الأميركي قد أقر بالهيمنة الإيرانية على العراق حين سمح لأحزاب ذات طابع ديني وطائفي أن تحكمه.

وفق هذه المعطيات فإن العراق الجديد الذي اخترعه المحتل الأميركي موجود على أساس تسوية أميركية – إيرانية. وإذا ما اضطربت عناصر تلك التسوية يوما ما، فإن سكان المنطقة الخضراء، وهم حكام العراق، سيختفون كما لو أنهم لم يكونوا موجودين أصلا.

وإذا ما عدنا إلى التاريخ فإن بريطانيا التي احتلت العراق بعد الحرب العالمية الأولى كانت قد صنعت دولة فيه قابلة للنمو والبناء والتطور، أما الدولة التي اخترعتها الولايات المتحدة بعد احتلالها العراق فإنها دولة هدم وتفكيك وخراب واحتراب. دولة عدوة لشعبها، يقودها فاسدون لم يتعرفوا على الوعي الوطني ولم يدخل الوطن مفردة في قاموس أدبياتهم الدينية.

مشكلة العراق إذن لا يمكن أن تُحل من خلال تغيير الوجوه التي تحكمه. هناك خلل ضرب بعصفه بنية المجتمع العراقي. وهو خلل يعود إلى سنوات طويلة سبقت الاحتلال الأميركي.

لقد وظف المحتل الأميركي مثقفين عراقيين من أجل تعزيز ذلك الخلل.

وهو ما يجعل الأمل في التغيير نوعا من البلاهة. فهل أن دعاة الدولة المدنية بلهاء إلى الدرجة التي تعميهم عن رؤية حقيقة غياب المجتمع المدني؟

بالتأكيد هناك سوء فهم للظرف الذي يعيشه العراق جعل البعض لا يدرك حجم الكارثة التي تعرض لها بلد لم تُحطم دولته فحسب، بل وأيضا لحق الخراب بمجتمعه الذي لم يعد موحدا ولم يعد قابلا للخضوع للقانون والثقة بمبدأ المواطنة التي ما عاد الإيمان بها ملزما لأحد.

غير أن من المؤكد أن دعاة الدولة المدنية يستجيرون بالولايات المتحدة من إيران، وهم في ذلك أشبه بمَن يُطفئ حريقا من غير أن يكلف نفسه عناء البحث عن أسبابه.

الخوف من إيران له ما يسوّغه من أسباب غير أن اللجوء إلى الولايات المتحدة ليس هو الحل. ذلك لأن دولة الاحتلال هي التي صنعت هذا العراق الذي نراه.

العراق المريض هو صناعة أميركية. أما الإبقاء على العراق مريضا فقد كان مهمة إيرانية ساهم في إنجاحها أتباع الطرفين. فما يُشاع أحيانا عن أن عراقيا مؤيدا للاحتلال الأميركي يقف ضد ما انتهى إليه العراق من مصير مظلم بسبب هيمنة الأحزاب الدينية هو نوع من الافتراء على الحقيقة.

لم تجد إيران فرصتها لتدمير العراق الذي تكرهه إلا بعد أن أقامت الولايات المتحدة وليمة لافتراسه.

لذلك يمكنني القول إن دعاة الدولة المدنية يرفعون شعارا مضللا يوهم الشعب بأن إسقاط المتدينين سيفتح باب الأمل أمام العراقيين.

أمل كاذب ستكون تكلفته إن تحقق باهظة. فالولايات المتحدة لن تقف مع إقامة دولة مدنية في العراق. وهو ما ينبغي أن يفهمه الجميع.
2 الانتخابات القادمة في العراق: تدوير الفساد والفاسدين
سعد ناجي جواد

الراي اليوم بريطانيا

عتب علي بعض الاخوان مطالبتي بمقاطعة الانتخابات القادمة، وقال لي احدهم كيف تطالب بذلك وانت الانسان الذي يُؤْمِن بالديمقراطية وينادي بها منذ زمن بعيد. وفِي الوقت الذي أكرر فيه إيماني بالديمقراطية فاني مؤمن ايضاً ان مايجري في العراق منذ ٢٠٠٣ لا يمت الى الديمقراطية بصلة، بل هي عملية فرخت الفساد وتسببت في نهب المال العام وافقرت العراق والعراقيين بصورة غير مسبوقة وجعلت اغلب ابناء البلد اما مهجرين او ارامل او يتامى او سكنة المقابر، ناهيك عن إيصال مزوري الشهادات والفاسدين وسراق المال العام الى البرلمان والى المناصب الوزارية. يكفي القول ان طيلة خمس عشرة عاما لم يتم محاسبة فاسد كبير واحد، لا بل في المرات القليلة التي صدرت فيها احكاما ضد وزراء فاسدين تم تهريبهم خارج العراق وبعلم الحكومة. اي بكلمات صريحة وقليلة ان ما يجري في العراق كل أربعة سنوات هو اعادة تدوير للفساد وللفاسدين. وبعد كل انتخابات يتبجح(الفائزون) بها وبأنهم وصلوا الى البرلمان بفضل الأصوات التي حصلوا عليها وأنهم يمتلكون (شرعية) لا يمكن ان تنتزع منهم او ان ينازعهم فيها احد، اما كيف حصلوا على هذه الأصوات فلا احد يسألهم عن ذلك. كما لا يُسَآءل اي من روؤساء القوائم والنواب ورؤساء الوزارات او الوزراء الذين يصرون على اعادة ترشيح أنفسهم عن انجازاتهم او عن ما حققوه في الفترات السابقة.
من ناحية اخرى فان ما يحمي اية ديمقراطية حقيقية عاملان أساسيان: الاول هو عملية المراقبة، والثاني هو القضاء النزيه. وهذين العاملين كما يعلم الجميع غير متوفرين. فبالنسبة للعامل الاول لا يوجد ما يضمن وجود عملية مراقبة محايدة او دولية، ولنا في الانتخابات السابقة وفِي الاستفتاء على الدستور الكارثي خير دليل على ذلك، وخاصة ما جرى في محافظة الموصل. فعندما شعرت الأطراف التي كانت مصرة على تمرير الدستور، وعلى رأسهم وفِي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية، ان تصويت ابناء الموصل سيكون ضد الدستور مما سيعني عدم تمريره، قاموا بايقاف العد ونقلوا الصناديق الى بغداد ليعلنوا ان نسبة الرافضين لم تصل الى الحد القانوني المطلوب لرفض الدستور، او عدم إيصال صناديق الانتخابات الى مناطق معينة بدعوى انها نائية او غير آمنة، او سرقة إعداد كبيرة من أوراق التصويت و تجييرها لمرشحين معينين. وقسم من هذه الأمور بدأت تحدث منذ الان. واذا ما تذكرنا ان الجهة الأهم المسؤولة عن ذلك ( المفوضية العليا المستقلة للانتخابات) اثبتت انها غير مستقلة و انها أساسا بنيت على المحاصصة الطائفية والعرقية، وان قسم من أعضائها قد اتُهِمٓ علنا بالتلاعب بأوراق التصويت، يمكننا ان نفهم سبب عدم اتخاذ هذه المفوضية اي اجراء رادع ضد المخالفات التي يتم الحديث عنها او تسجيلها. اما القضاء الذي يبت في هذه الأمور فيكفي ان نتذكر انه رغم كل ملفات الفساد التي اثيرت ضد نواب عديدين الا انه لم يتم سحب الحصانة عن اي واحد منهم. لا بل تم تسويف القرار القاضي بمنع من لايحمل الشهادة الجامعية من الترشيح وإعادة نائب سجن في دولة عربية لمخالفات مالية، والسكوت او عدم فضح حملة الشهادات المزورة، او السماح لمن حكم عليهم بتهم سرقة وتزوير و شُمِلوا بقانون عفو اصدره نفس البرلمان للترشيح للانتخابات القادمة، او تبرئة من هو متهم بالارهاب في جلسة قصيرة وإعادته الى البرلمان، الى غير ذلك من الأمور التي لا يمكن تفسيرها الا بعمليات تستر وسكوت عن الفاسدين او تشجيعا لهم.
من ناحية اخرى فان الولايات المتحدة التي طالما صدعت رؤوسنا باعتراضاتها على، او بتشكيكها في نتائج انتخابات جرت في مناطق لا تدور في فلكها، لم تعترض ولو لمرة واحدة على الخروقات الكثيرة والخطيرة التي حصلت في الانتخابات او الاستفتاءات التي حصلت في العراق، وذلك لسبب بسيط هو انها تريد ان توهم العالم بأنها أسست لديمقراطية وان هذه الديمقراطية مستمرة، بدليل ان هذه المرة الخامسة التي يذهب فيها العراقيون للإدلاء باصواتهم، على أساس ان معيار الديمقراطية لديهم هو عدد المرات التي يصوت فيها الناس بانتخابات عامة، اما ماذا حققت هذه الانتخابات للناس، وماهي حالة حقوق الانسان او الحالة الأمنية او الاقتصادية او الفساد، فهذه امور ثانوية وغير مهمة بالنسبة لها. وبالمناسبة فان كل مؤيدي الاحتلال، عراقيين كانوا ام اجانب، يجادلون بذلك.
واخير وليس آخراً عندما تكون الأطراف الخارجية هي من تقرر نتائج انتخابات بلد ما، او تقرر مسبقا من يجب ان يفوز ومن يجب ان يُقاطٓع فلا يمكن ان توصف هذه العملية بالديمقراطية. وهذا ما يحدث بالضبط في عراق اليوم. طبعا ما تقوم به هذه الدول والقوى الخارجية امر مفهوم، بل مطلوب من سياسي كل الدول التي تعمل على حماية مصالحها، واللوم لا يقع عليها ولكن على من يقبل بهذه التدخلات ويمتثل لها مِن مٓن يدّٓعون انهم (ساسة) العراق، والاكثر على الغالبية من ابناء العراق الذين يذهبون الى صناديق الاقتراع ويدلوا باصواتهم، كي يعودوا بعد ايام ليشتكوا من فساد وفشل الذين انتخبوهم. لقد آن الاوان ان يدرك الناخب العراقي ان الأحزاب والقوى التي هيمنت على الساحة العراقية منذ الاحتلال ولحد اليوم، وبغض النظر عن مذهبها او قوميتها او دينها هي من اوصلت العراق لهذه الحالة الماساوية، و انها غير قابلة للإصلاح او ان تُصلِح ما أفسدته، وان اضعف الإيمان هو مقاطعة الانتخابات بصورة واضحة كي تفهم هذه الوجوه بأنها لا تحظ باي تأييد شعبي تتبجح به، والاهم ان تفهم القوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة ان ما جلبته الى العراق لم يكن سوى حكومات طائفية وعنصرية وفاسدة وأنها مرفوضة من الغالبية العظمى من العراقيين، وان افعال الحكومات التي نتجت عن هذه العملية لا تكتسب اية مشروعية، حتى وان صوِِرٓت بأنها صادرة عن حكومة (منتخبة) او برلمان (مختار) من قبل الشعب. وان كل ما يشرعه برلمان مثل هذا او حكومة من هذا النوع، يعتبر باطلا ولاغيا، ولا يتحمل وزره الشعب العراقي وأجياله القادمة، فهل سيقدم العراقيون على مثل هذه الخطوة الجرئية والمطلوبة؟ ام سيكررون نفس الخطأ مرة رابعة، او خامسة اذا ما احتسبنا الاستفتاء على الدستور البائس والكارثي؟
3 إرهاصات في المشهد السياسي العراقي
محمد عاكف جمال البيان الاماراتية

يبدو أن رحلة الاستقرار في العراق ستكون طويلة الأمد إلا أنها ليست لا نهائية فالرهان على إسقاط العملية السياسية لم يعد يلقى ما كان يلقاه قبل سنوات من قبول لدى بعض النخب السياسية، التنافس في البرامج الإنتخابية أصبح المسار الوحيد للوصول إلى المسرح السياسي.

يبتدئ فصل جديد في هذه الرحلة كل أربع سنوات حيث تجرى انتخابات تشريعية سبق أن احتشد الناخبون في ثلاث مناسبات منها وراء شعارات وبرامج براقة ليكتشفوا بعد فوات الأوان مدى خيبتهم بخواء من وقفوا وراءه أحزاباً وبرامج. فصل جديد من هذه الرحلة التي أصبح عمرها خمس عشرة سنة ننتظر إطلالته في مايو المقبل بترقبات متباينة بين التفاؤل الحذر بالتغيير أو التحفظ عليه.

لا يمكن تجاهل الثقل الذي يشكله كل «مُكون» من الشعب العراقي في تقرير مصير بلده في أي تحليل سياسي للمشهد الإنتخابي، إلا أنه يبدو وللوهلة الأولى أن الصراع الآيديولوجي العرقي والمذهبي بين الكيانات السياسية لهذه «المُكونات» قد تراجع بعض الشيء لصالح صراع سياسي أضعفها جميعاً وعمل على تصدعها وأصبح بعضها يباعد نفسه عن مواقفه السابقة ويتحدث عن «الدولة المدنية» بعد أن كان يسوق نفسه انتخابياً بمرجعيات إسلامية.

إلا أن شيوع الحديث عن «الدولة المدنية» في الوسط السياسي شيء والعمل على تأصيل هذا المفهوم وجعله صمام أمان ضد الجنوح نحو تيار سياسي بحلة عسكرية أو عرقية أو دينية شيء آخر. فبعض الكيانات التي ترفع شعاراً كهذا قد لا تكون بالضرورة أمينة على تطبيقه.

لم يدخل مفهوم «الدولة المدنية» المعجم السياسي العراقي ويصبح قيد التداول إلا حديثاً إذ ليس لدى الساسة العراقيون إرثاً سياسياً – اجتماعياً – ثقافياً حوله أو حول مفاهيم أخرى ذات صلة مثل «منظمات المجتمع المدني». مفاهيم من هذا النوع وهذا الوزن تتطلب أجيالاً من أجل أن تترسخ في ثقافة الفرد وتترك آثارها وانعكاساتها على حياته وحياة مجتمعه وتتجلى في فنونه وآدابه. فإذا أردنا أن نلقي بعض الضوء على معالم «الدولة المدنية» لا نجد ما يسعفنا، فعلى المستوى الأكاديمي العالمي لا يوجد هكذا مفهوم.

مفهوم «الدولة المدنية» قدر أهميته في العلوم السياسية له أهمية لا تقل عن ذلك في العلوم الإجتماعية، إلا أن هناك غموضاً يكتنفه إذ لم تتداوله الأوساط الأكاديمية العالمية لتقلبه على مختلف الأوجه وتقارنه بالنماذج الأخرى للدولة، الدولة العلمانية والدولة الحديثة، التي تتعامل معها بل اقتصر الإهتمام به وبشكل محدود على بعض ما نشر في الأدبيات السياسية والإجتماعية العربية الحديثة، فهو حديث الولادة ترجع بدايات الدعوة له عراقياً إلى العام 2008 بالنداء الذي أصدرته مجموعة من العراقيين ينتمون لمواقع مختلفة سياسية واجتماعية وثقافية لبناء الدولة المدنية في العراق بديلاً لدولة الميليشيات والطوائف وللخروج من حالة التناحر والإنفلات الأمني التي شهدتها تلك الفترة. إلا أن الطريق لم يكن سالكاً للمضي قدماً في تحويل هذا النداء إلى مادة تناقش بجدية واهتمام في الأوساط الفكرية والسياسية إذ لم نشهد حوارات معمقة حول طبيعة هذه الدولة وصيغ بنائها وأدوات حمايتها مما جعل الحديث عنها يقتصر على العموميات.

المشهد الإنتخابي العراقي يشهد تغيرات مثيرة فدخول قوى ذات توجهات دينية في تحالفات مع قوى علمانية يثير قلق الأوساط التقليدية التي تسيدت المسرح العراقي على مدى الخمس عشرة سنة المنصرمة فهو مؤشر مهم على مدى عزلتها، فهناك توجه جارف لم يعد يخفى على المتابع لنبض الشارع العراقي نحو التمرد على هذه الأوساط والخروج من عباءة السرديات اللاهوتية التي تخدم مصالح بعض دول المنطقة، فالعراق عبر تأريخه الحديث كان دوماً أكبر من أن يدور في فلك آخرين.

مولد دولة مدنية بأبسط أشكالها، دولة تتبنى مبدأ المساواة بين أبنائها بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون أو المنطقة، دولة تُعنى بالإنسان بحياته بدُنياه وتوظف موارد البلد المادية والبشرية لهذا الغرض يعتبر حدثاً مهماً في تأريخ العراق منذ ما يزيد على النصف قرن. إلا أن هناك مخاوف ومخاطر حقيقية حول قدرتها على الصمود لضعف أو عدم وجود البنى السياسية والفكرية والثقافية الصلدة أو ما يعرف بـ «الدولة العميقة» التي تضمن تطورها وديمومتها.
4 حرب العراق… صفحة أعقبتها صفعات
احمد صبري

الوطن العمانية

”.. عندما نستعيد ذكريات ومجريات الحرب على العراق بعد مرور 15 عاما على وقوعها فإننا نتوقف عند نتائج الغزو الأميركي للعراق وأسبابه، وماذا حقق للعراقيين بعد كل هذه السنين، حيث تصدر العراق قائمة الدول الفاشلة التي ينخر جسدها الفساد والطائفية، وتغول حيتان الفساد في مرافقه أدى إلى ضياع أموال العراقيين، ناهيك عن فشل الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق…”

في مثل هذه الأيام قبل 15 عاما بلغت التحضيرات الأميركية والبريطانية لشن الحرب على العراق ذروتها بارتفاع نبرة التهديد للقيادة العراقية من قبل الإدارة الأميركية التي دعت علانية إلى مغادرة الرئيس العراقي صدام حسين السلطة، ولم يتأخر الردّ العراقي الذي رفض التهديدات الأميركية وعدّها تدخلا في خيارات العراقيين، ومخالفة لمبادئ وأحكام القانون الدولي، وتندرج في إطار استحضارات شن الحرب على العراق.
وعندما نستذكر الظروف التي كانت تخيم على العراق وتحديدا في بغداد التي استقبلت مئات الصحفيين من جميع أنحاء العالم لتغطية الحدث إلّا أن معظم ممثلي وسائل الإعلام كانوا مترددين في البقاء في بغداد مركز الحدث أو مغادرتها خوفا من الآتي.
وما عزز الانطباع بوقوع الحرب واستشعارا بحتميتها تلقي وسائل الإعلام الكبرى تعليمات من إداراتها بضرورة توخي الحذر إلى حد دعوتهم إلى مغادرة العراق خوفا من تداعيات الحرب على حياتهم، وخيم على بغداد والمكان المحيط بالمركز الصحفي الذي يقع أسفل وزارة الإعلام في منطقة الصالحية ببغداد جو مشحون بالترقب والقلق من تداعيات الحرب، لا سيما وأن المكان الذي نتحدث عنه يقع في دائرة استهدافات الضربة العسكرية المرتقبة. ولاحظنا أنّ سكان العمارات السكنية المقابلة والمحيطة لوزارة الإعلام بدأوا بالرحيل عن المنطقة إلى أماكن أكثر أمنا وفضّل من بقي من وسائل الإعلام العربية والغربية في تلك الفترة التي سبقت بدء الحرب على العراق متابعة مستجدات الأحداث من داخل المركز الصحفي اعتقادا منهم أنه الأكثر أمنا غير أن الوقائع أثبتت أن الصواريخ الأميركية والغارات لم تستثنِ أي مكان في بغداد، ولا سيما المركز الإعلامي ووزارة الإعلام التي نالت نصيبها من القذائف والصواريخ، الأمر الذي دفع ممثلي وسائل الإعلام إلى نقل مكان عملهم إلى فندقي عشتار شيراتون وفلسطين ميرديان المطلين على ساحة الفردوس تفاديا لهجمات جديدة على المركز الصحفي.
وعندما نستعيد ذكريات ومجريات الحرب على العراق بعد مرور 15 عاما على وقوعها فإننا نتوقف عند نتائج الغزو الأميركي للعراق وأسبابه، وماذا حقق للعراقيين بعد كل هذه السنين، حيث تصدر العراق قائمة الدول الفاشلة التي ينخر جسدها الفساد والطائفية، وتغول حيتان الفساد في مرافقه أدى إلى ضياع أموال العراقيين، ناهيك عن فشل الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق والحفاظ على ثرواته، والانقسام الطائفي بين مكونات العراق؟ غير أن العراق ليس كما زعم بوش الابن لم يتحول إلى واحة للسلام والديمقراطية كما روج لهذا النموذج للعراقيين والعالم عندما أقدم على غزو العراق واحتلاله.
وما يفضح مَنْ روج لغزو العراق واحتلاله بزعم امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل خلوُّه من هذه الأسلحة المحظورة، كما جاء بلسان صقور الحرب على العراق الذين أجمع معظمهم على خلوه من الأسلحة المحظورة.
وما يؤكد ما ذهبنا إليه عمليات التفتيش التي قامت بها فرق المخابرات الأميركية بعد الاحتلال في بغداد وعرض العراق وطوله، ولم تعثر على تلك الأسلحة المزعومة، ما يشير إلى أن الذهاب إلى العراق كان هدفا وقرارا متخذا من قبل إدارة بوش الابن وليس له علاقة بأسلحة الدمار الشامل وتهديد العراق للأمن القومي الأميركي، وهنا تكمن الحكاية…