1 النازحون العراقيون… ورقة لعب طائفية هيفاء زنكنة
القدس العربي
ما ان قرعت طبول الانتخابات، بالعراق، وبدأ الساسة يتنازعون حول من يتحالف مع من، وأي «المكونات» صالحة للاستخدام كشعار في الحملات الانتخابية، حتى طفت على السطح، مأساة النازحين التي ارادوها مطمورة تحت ركام المباني المهدمة. صار إيجاد حل لمأساة النازحين مطلبا انتخابيا، فكانت النتيجة تحويل النازحين ضحية انتخابية. تبدلت مأساة النازحين من العيش في المخيمات إلى مأساة بشكل آخر. حيث سارعت الحكومة، متمثلة بالقوات الأمنية وميليشيا الحشد الشعبي، بتطبيق سياسة العودة الاجبارية.
صاغت الحكومة شكل المأساة الجديد، لعدة اسباب، الاول: تماشيا مع سياستها الهادفة إلى التخلص من مواطنين لم يجلبوا لها غير المتاعب، حسب خطابها الجيوسياسي في الغربلة الطائفية، التي اصبحت واقعا، فعليا، بعد مرور 15 عاما على تأسيس حكومات الاحتلال. السبب الثاني، هو الظهور، أعلاميا، بمظهر الحكومة الحريصة على حل مشكلة باتت، لفرط حجمها، سببا لجلب انظار المنظمات الدولية الانسانية وعدد من دول «التدخل الانساني»، خاصة، بعد ان احتفل الجميع بالانتصار على تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية». ثالثا: السياسة الدولية الضاغطة حول ربط منح المساعدات والقروض بعودة النازحين. اذ تمت مناقشة الحاجة الماسة لإعادة الإعمار السريع، للعراق، مع المساعدة في إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، في مؤتمر الكويت الدولي لإعادة اعمار العراق الذي عقد أخيرا.
من بين الشروط التي أكدت عليها منظمة الامم المتحدة في العراق، كجزء من الحل المطروح لمعالجة قضية اعادة النازحين، وبالتالي جمع الموارد لتحقيقها، ان تكون «العودة طوعية وآمنة ومستدامة»، اذا ما أريد تحقيق الاستقرار والسلام على المدى الطويل. فعودة النازحين لا تعني «مجرد العودة إلى المنازل وإنما العودة إلى المجتمع» وان كانت «الآثار التي تركتها السنوات الماضية لا تزال موجودة في جميع أنحاء البلاد: مدن متضررة بشدة، ومجتمعات مشتتة، وجيل من الأطفال معرض لخطر الضياع ووجود نحو.62 مليون نازح».
تمثلت استجابة الحكومة لنداءات النازحين، وتفاصيل حياتهم المأساوية، المطبوعة والمصورة، باطلاق التعهدات. تعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهو واقف على منصته الاسبوعية، بإعادة النازحين إلى منازلهم. وتحدث رئيس البرلمان سليم الجبوري، وهو جالس على منصته في البرلمان، عن ضمان مشاركة النازحين في الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو المقبل. وسارع رؤساء «الكتل» باطلاق الوعود، من منابرهم الصحافية، حول ضرورة إغلاق جميع المخيمات قبيل إجراء الانتخابات.تنافس الجميع في سباق الفوز بكأس «مأساة النازحين» شعارا. ونشرت اجهزة الاعلام أخبارا تؤكد إن وزارة الهجرة العراقية وضعت آليات لضمان عودة النازحين إلى مناطقهم بعد تأهيل اماكن سكنهم.
خلال ضجة التصريحات والتعهدات والتوظيف السياسي للعديد من المآسي، تصاعدت اصوات نازحين محتجين بطريقة مختلفة عن السنوات الماضية. ففي السابق، كانت السياسة الشائعة هي منع عودة النازحين إلى مناطقهم، بعد انتهاء الاقتتال بسنوات، كجزء من سياسة التغيير الديموغرافي لتلك المناطق، بينما تقوم السلطات الحكومية، الآن، باجبار النازحين على مغادرة الخيام عن طريق قطع الدعم بشكل كامل عنهم اي حرمانهم من المواد الغذائية والوقود، لاعادتهم إلى مدن مهدمة تحتاج سنوات لتنظيفها من الالغام ومدها بالبنية التحتية، والى منازل، تشكل خطرا على حياتهم، أكبر بكثير، مما لو بقوا في الخيام. لذلك، وبسبب انعدام الأمن والخدمات، في غرب الموصل، مثلا، عادت حوالي 600 أسرة إلى مخيم الحاج علي، محافظة نينوى، خلال كانون الثاني/ يناير.
وفي الوقت الذي انكرت فيه الحكومة اجبار النازحين على العودة، وبرر العبادي قائلا «ربما حدثت بعض حالات العودة القسرية الا أنها حالات فردية «، ذكر تقرير أصدرته ثلاث منظمات اغاثة تعمل بالعراق، هي لجنة الإنقاذ الدولية والمجلس الدنماركي والمجلس السويدي للاجئين بالعراق، في 28 شباط / فبراير، أن السلطات العراقية تجبر آلاف النازحين على العودة إلى ديارهم على الرغم من إمكانية تعرضهم لخطر الموت جراء الأعمال الانتقامية. وان «الكثير من حالات العودة تتم قبل الأوان، ولا تفي بمعايير السلامة الدولية والكرامة والعودة الطوعية». وأن «ما لا يقل عن 8700 نازح من محافظة الأنبار أجبروا على ترك المخيمات والعودة إلى مناطقهم في الأسابيع الستة الأخيرة من عام 2017». يشير التقرير، ايضا، إلى ان أكثر من نصف العراقيين النازحين موجودون في 61 مخيماً ولا يريدون العودة إلى ديارهم.
وفي حال لم يفهم ساسة الحكومة العراقية معنى العودة الآمنة ولم يجب الامتناع عن سياسة الاعادة القسرية، يوضح لهم الأمين العام للمجلس الدنماركي للاجئين كريستيان فريز باخ: «العودة الآمنة والمستدامة تعني أنك تستطيع العودة إلى منزلك، وأن تكون آمناً وتحصل على المياه والتعليم والمساعدة الطبية. مع غياب حل امني وسياسي مستقر، وضمانات وإعادة إعمار، لا يسعنا وينبغي علينا ألا نرغم الناس على العودة». ما الذي تعنيه حقيقة ان نصف النازحين لا يريدون العودة إلى منازلهم، ونحن هنا نتحدث عن العراقي المعروف بصعوبة اقناعه حتى بالسفر لأنه سيشعر بالغربة؟ هذا يعني نجاح حكومات الاحتلال المتعاقبة في ترويع وإرهاب المواطنين، وزرع الفتنة بالاضافة الى، وهنا الطامة الكبرى، نجاحها في نقل فايروس روح الانتقام الذي شكل صلب وجودها منذ عودة ساستها مع المحتل. هذه العوامل المهددة لحياة النازح وحياة عائلته هي التي تمنعه من العودة إلى مكانه الذي يتحرق شوقا للعودة اليه.
هكذا، سيصبح التغيير الديموغرافي الذي سعت اليه حكومات الاحتلال، بكل السبل، واقعا، بامكان الحكومة الادعاء بانها ليست مسؤولة عنه بل انها تعمل على اعادة النازحين بكل الطرق الممكنة. وهو اسلوب يماثل ما تقوم به الحكومات عندما ترغب بخصخصة شركة عمومية مثل خطوط الطيران فتعمل تدريجيا على تدهور عملها إلى ان يصبح مطلب الناس بالنتيجة هو الخصخصة بدلا من المطالبة باجراء التحسينات.
ان استخدام حياة النازحين كورقة لعب يتسلى بها ساسة الاحتلال، سيجر البلاد وما حولها إلى ما هو أعمق من الهوة الحالية، و« لن يكون هناك أمل في السلام في العراق ما لم تضمن السلطات عودة الناس بأمان إلى ديارهم»، كما حذر مدير المجلس النرويجي للاجئين في العراق، «من المأساوي أن نرى الناس يشعرون بأنهم في أمانٍ في المخيمات أكثر مما هم في منازلهم في الوقت الذي يفترض أن يكون النزاع قد انتهى».
2 الأكراد وخط عرض العراق
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
مجرد التلميح بفك الارتباط الكردي مع العملية السياسية، يعتبر خطوة أولى على طريق الاعتراف بجريمة الاحتلال الأميركي ونتائجها التي قوضت العراق القديم بعملية المحاصصة الطائفية والسياسية وتغول الميليشيات وفتح الأبواب للإرهاب.
الأكراد، وتحديدا مسعود البارزاني، فقدوا الثقة بالشريك السياسي
التصويت بالأغلبية على تمرير موازنة العام 2018 في برلمان العراق وما سبقه وما تلاه من مداولات أو مناوشات بين فرقاء وشركاء العملية السياسية، يطرح لنا العراق كدولة ووطن كما لو أنه أسرة مفككة، جميع أفرادها عاطلون عن العمل وبعضهم في سن المراهقة ولا رابط بينهم ولا حيلة لهم سوى العيش المشترك تحت وصيّة تركة المال المتوارثة، والتي تلزمهم بالبقاء تحت سقف البيت الواحد والمكابدة من أجل الاستمرار بالحدّ الأدنى من التوافقات.
رغم أن أصداء الخلافات مسموعة من سابع جار، وكثيرا ما تجاوزت تلك الأصداء حتى الباب المغلق لأن نذر اندلاع العواصف من الداخل يبرر حالة الذهول الشامل وفقدان الحواس بما يدفعهم إلى تجاهل مخاطر الكوارث الخارجية المحيطة ببيتهم حيث غياب معنى العائلة.
إقليم كردستان وبسبب وضعه السياسي الخاص قبل سنوات من الاحتلال الأميركي، ربما يكون أقل المتضررين من المشاريع الإقليمية والدولية التي عصفت بالعراق، ونعني بها السياسات المتهوّرة لعملاء النظام الإيراني على تعاقب الدورات الانتخابية، وتعدد مصادر الإرهاب، والحرب الأهلية الطائفية، وتدمير المدن العراقية التي حوّلت ما جرى في الموصل القديمة من تخريب إلى استعارة لتقادم المصائب على عراق قديم كانت فيه فضائل شعبه الاجتماعية تداري غالبا إخفاقات قياداته السياسية.
القيادات الكردية كان لها دور فاعل في احتلال العراق مع زعماء المشروع الإيراني الذين تحركهم العقيدة المذهبية في الولاء للولي الفقيه كمرجع ديني سياسي، وهؤلاء ميزتهم أنهم خونة بكامل عدّتهم النافرة من كل ثقافاتنا الوطنية والقومية، بل من كل ما تعارفت عليه إنتاجات الشعوب من دساتير وقوانين ونظم حاكمة.
طبيعة تلك العلاقات لم تكن في منطقة غامضة بين الأحزاب الكردية والأحزاب الطائفية لأن ما كان يوثق الصلة بين الطرفين هو نظام الملالي. فولاء الأحزاب الكردية، وبالذات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني للخميني ومن بعده الخامنئي لا يقل عن ولاء الأحزاب الطائفية ودورها في تداعيات حرب الثمانينات من القرن الماضي، أو في انزلاق العراق في أزمات مصيرية استهدفت كيان الدولة.
الأكراد لا يثقون بالسلطة، لكن من من العراقيين يثق بالنظام السياسي الذي تمرس على تفرقة الإخوة في أحد أعظم بيوت الإنسانية؛ وفي بيت روض حتى همجية المغول
كذلك هي علاقة الحزب الديمقراطي الكردستاني مع ملالي إيران، وإن كانت بإيقاعات متقطعة أحيانا لرؤيتها المتعلقة بالحدّ الأدنى من الانتماء إلى البيت الوطني العراقي على خلاف تمادي حزب الاتحاد الوطني وزعيمه مع توجهات النظام الإيراني على حساب العراق.
الأكراد، وتحديدا مسعود البارزاني، فقدوا الثقة بالشريك السياسي ونعني به الكتلة الطائفية الإيرانية الأكبر والمتحكمة بالسلطة في العراق إلى حدّ أن الآراء تذهب إلى فك الارتباط بالعملية السياسية.
جرأة مسعود البارزاني في الإقدام على الاستفتاء رغم النصح الإقليمي والدولي وما ترتبت عنه من نتائج قاسية؛ من أحداث مدينة كركوك إلى جملة العقوبات على الإقليم وحجم التصدع بين الأحزاب الكردية، تتأكد (تلك الجرأة) يوما بعد آخر كارتدادات ندم متأخر، أملته مصالح السلطة واختلاف تطبيق الوعود، على أخطاء تاريخية ارتكبتها الأحزاب الكردية في تعاونها الحميم مع عملاء صغار للنظام الإيراني، وهم عملاء أقل شأنا لوكالة الاستخبارات الأميركية.
إقليم كردستان وقادته سلموا رقابهم طواعية ومجانا إلى النظام الإيراني بل ومن دون موجبات استنادا إلى ما توفر لهم من حماية دولية بعد العام 1991 وقرار منع تحليق الطيران الحربي عند خط العرض الفاصل، وفي ظل استمرار الالتزامات الإنسانية لشعب كردستان كجزء من التزامات في ذمة الدولة العراقية تجاه مواطنيها.
إقرار الميزانية رسخ الشعور المتزايد لدى الأكراد بالغبن والإجحاف، رغم أنها في حسابات الإصرار على الاستفتاء يفترض أن تكون ضمن حساباتهم المتوقعة، وفي مقدمتهم مسعود البارزاني لأنه يدرك أنها تندرج ضمن إرادة القرار الإيراني في معاقبة الشعب الكردي وزعيمه الذي تجرّأ على الانفصال عمليا عن المشروع الإيراني، بما وضعه من خطوة للأكراد في جغرافيتهم المتوزعة على الدول الأربع.
سياسة التخبط واردة عند الحركات المماثلة للشعب الكردي، إلا أن النزوع لتأمين الحاجات الأساسية للمواطنين في الإقليم لن يتمّ فقط وفق النظرة الآنية للأزمة، فمن يتحمل وزر النضال من أجل قضيته، وهي عادلة من دون أدنى شك، عليه وزر حل إشكالية الأخطاء الجسيمة التي مهدت للمحتل الأميركي غزو واحتلال العراق اللذين قادا إلى كارثة التوغل الإيراني وتمدّده إلى باقي الدول.
فك الارتباط الكردي مع العملية السياسية، وذلك مستبعد، إلا أن مجرّد التلميح به يعتبر خطوة أولى على طريق الاعتراف بجريمة الاحتلال الأميركي ونتائجها التي قوّضت العراق القديم بعملية المحاصصة الطائفية والسياسية وتغوّل الميليشيات وفتح الأبواب للإرهاب.
لا ننتظر من الذين لطخوا بأفعالهم تاريخ مجموعاتهم أن ترتقي لديهم نبرة الزعماء التاريخيين الذين يصنعون الفارق في منعطفات حاسمة ولو بكلمة حق شجاعة من بعدها تعلو الكلمات لتواجه واقع الانحدار والإذلال وعار التسليم بالإبادات وسرقة المستقبل تحت ذريعة الأمر الواقع.
خيبة الأمل هي أن ينشغل شعب العراق بدوامة التنافس الانتخابي بين أحزاب وتحالفات الاحتلال الإيراني وهم سقط متاع المحتل الأميركي، ومن المؤسف أن تتورط بعض الشخصيات في طرح نفسها كوجوه جديدة للتغيير في عملية ديمقراطية تشبه فيها الدورات الانتخابية تجديد العبيد لنظام عبوديتهم لسنوات أخرى.
ازدادت قناعات أحزاب إيران المتخلفة خلال سنوات الاحتلال بأن العراقيين ابتلعوا الطُعم الطائفي، وتقبّلوا طعم الإرهاب وطعم التحرير من الإرهاب، وتعايشوا مع تهجير وتشريد إخوة لهم في البيت ومنحوا دماء أبنائهم برخص التراب إلى ميليشيات بأوهام عقائدية لمشروع ولاية سياسية لحلم إمبراطوري قاتل فيه أجداد وآباء لهم لدحره وهزيمته، وقد فعلوا، وسيفعلون.
واقعيا، الأكراد لا يثقون بالسلطة، لكن مَن مِن العراقيين يثق بالنظام السياسي الذي تمرّس على تفرقة الإخوة في أحد أعظم بيوت الإنسانية؛ وفي بيت روّض حتى همجية المغول.
3 الكويتي الذي أصبح وزيرا في العراق
رياض السندي راي اليوم بريطانيا
تعرفت على صفاء الدين الصافي لأول مرة في عام 2008، عندما كنت عضوا في لجنة إعداد قانون المعاهدات في العراق، ممثلا عن وزارة الخارجية. وكانت هذه اللجنة تجتمع بشكل أسبوعي، وفي بعض الأحيان مرة واحدة في الشهر. وكانت اللجنة برئاسة الصافي بإعتباره وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، ووزير العدل وكالة، على الرغم من أنه لم يزر وزارة العدل يوم واحد، طيلة توليه هذا المنصب قرابة السنتين. كما إنه كان يتولى منصب وزير التجارة وكالة أيضا. وهذه إحدى مصائب حكومة المالكي الذي كان يكلف أتياعه الفطاحل بإدارة ثلاث وزارات دفعة واحدة.
وكانت اللجنة تضم بالإضافة له د. فاضل الجشعمي المستشار القانوني لرئيس الوزراء نوري المالكي آنذاك. وكذلك د. عباس الساعدي رئيس الدائرة القانونية في مجلس الوزراء والذي لم يكن يحضر إلا نادراً. ومن وزارة العدل كانت تحضر إحدى مستشارات مجلس شورى الدولة وتدعى ذكرى (على ما أذكر) وكنت أنا أمثل وزارة الخارجية لكوني رئيس قسم المعاهدات فيها.
وفي المرة الأولى التي حضرت فيها معهم، سألت الصافي عن شهادته للدكتوراه فأثار دهشتي عندما قال إنها في القانون الدولي. فقلت أنا على صلة بكليات القانون في العراق منذ عام 1977 لم أراك أو اسمع بك. فإدعى أولا أنه قد حصل عليها في لندن، ثم قال لاحقا إنها من القاهرة، وحتى يومنا هذا لم أتأكد من شهادته. ولكن مداخلاته في اللجنة لا تشير إلى أي إطلاع قانوني أو معرفة قانونية. على العكس من الجشعمي الذي مارس النشاط القانوني رئيسا للدائرة القانونية في التصنيع العسكري في عهد صدام حسين، كما قيل لي في اللجنة انذاك. وكان الجشعمي حاد الطبع داخل اللجنة، وعندما خاطبت الصافي، كما هي العادة في بروتوكول الخارجية بعبارة: يا معالي الوزير. صرخ الجشعمي منذ البداية قائلا: أي معالي؟ لا تقولها مرة ثانية. فدمدم الصافي قائلا: إنهم يحرمون علينا حتى عبارة الوزير. ولكنه كان في كل الأحوال يخشى الجشمعي وهذا ما لم أعرف كنهه. أما الساعدي الذي حضر ذات مرة، فكان على عكس د. فاضل يقَبِّل أكتاف الصافي مع عبارة: دخيلك يا السيد ودخيل جدك. وربما من باب التندر أو الولاء الشيعي.
وفي عام 2012 رشح الدكتور فاضل الجشعمي لمنصب أمين عام المساعد للجامعة العربية، وقد أرسلت له تهنئة شفوية مع أحد الأصدقاء وقد برر ذلك بأنهم قد ألجأوه ودفعوه إلى ذلك للتخلص منه ومن إنتقاداته في مجلس الوزراء.
تركت هذه اللجنة في شهر تشرين الأول عام 2009 عند نقلي إلى بعثة العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف بسويسرا. ولم يمض شهر حتى جاء الصافي إلى جنيف موفدا لحضور المؤتمر الوزاري السابع لمنظمة التجارة العالمية ومقرها جنيف. ولما كنت قد توليت مهمة القائم بالأعمال المؤقت، فقد أعددنا لاستقباله في صالة الشرف بالمطار. نزل الوفد العراقي برئاسة الصافي بصفته وزير التجارة وكالة. وقد ضم الوفد عدد من المدراء العامين في تلك الوزارة، وعندما جلس الوفد العراقي لبعض الاستراحة وتناول القهوة، أشار الصافي إلى امرأة محجبة تماما بالجلوس بعيدا عن الوفد، وقد إستغربت من ذلك، وسألته إذا كانت ضمن الوفد فلتجلس معه. إلا إنه قال إنها زوجته (أم محمد). تفهمت الأمر، وما هي إلا ثوان حتى جاء مسؤول البروتوكول في البعثة طالبا التحدث مع على إنفراد. فقال إنه يواجه مشكلة بسيطة وهي أن زوجة الصافي تحمل جوازا كويتيا، وأن الجانب السويسري يستفسر عن إمكانية وجود شخص كويتي مع وفد عراقي. فتدخلت شخصيا وجرى تمشية الأمور.
جرى حجز إقامة الوفد في فندق كمبنسكي الشهير والواقع على بحيرة جنيف. وهناك أيضا أثار الصافي مشكلة أخرى فطلب حجز أغلى غرفة له وكان سعرها يزيد على (2000) ألفي دولار يوميا. وطلب أحد أعضاء الوفد أن تكون غرفته مزدوجة لأن زوجته ستلتحق به من لندن، حيث أنه بريطاني الجنسية وما زالت عائلته تقيم هناك.
وقد حرص الصافي طيلة أيام الزيارة على إستغلال أي مناسبة للحديث ضد الدكتور الجشعمي، وأذكر أنه في يوم المغادرة وقفنا أمام البعثة في إنتظار السيارة التي ستقله للمطار، سألني فيما إذا كانت بناية البعثة عائدة للحكومة العراقية؟ ولما أجبته بالإيجاب قال: أن هناك أملاك وممتلكات كثيرة في العالم باسم صدام حسين. ولما أكدت له أنها ليست باسم صدام حسين، ولو كانت كذلك لكان بإمكان أي من أولاده وأحفاده إنتزاع ملكيتها من العراق؟ فقال: ربما هي بأسماء أشخاص أخرين، فبعض الأملاك العقارية كان قد سجَّلها صدام حسين بإسم الدكتور فاضل الجشعمي الذي تعرفه. وهكذا كان نظام الحكم الجديد في العراق يحرض على الإساءة إلى صدام حسين للتغطية على فضائحهم وإنتهاكاتهم وسرقاتهم وفسادهم الذي ملأت أخبارها وسائل الإعلام على الصعيدين المحلي والعالمي.
حضر الصافي إلى جنيف عدة مرات موفدا على حساب الحكومة العراقية، وأخر مرة رأيته فيها كان في مؤتمر تدويل جرائم الإبادة الجماعية في ظل النظام السابق برفقة وزير حقوق الإنسان سابقا محمد شياع السوداني، الذي عقدته وزارة حقوق الإنسان في جنيف للفترة من 19-20 أيلول 2012. وقد أخبرت السفير محمد علي الحكيم الذي قد إعتاد التهرب من هذه المؤتمرات على الرغم من أنه ممثل العراق الدائم في جنيف، حول تلك المشكلة البسيطة في المراسم، فقال: أن الصافي مولود في الكويت. فقلت ولكنه يقول بأنه من مواليد البصرة؟ فنفى ذلك وأكد ولادته الكويتية.
وفي صيف 2013 دعاني الصديق محمد حسن العضاض المقيم في جنيف للقاء النائب عباس الموسوي وهو من المقربين للمالكي وقد دار الحديث عن جنسية صفاء الدين الصافي فأفاد الموسوي أن الصافي جنسيته كويتية، وأنه يقيم في الكويت منذ وقت طويل وإنه كان يعمل محاسباً في إحدى الشركات الكويتية، وما زال يتقضى راتبه منها حتى يومنا هذا.
وبعد أكثر من عشر سنوات إتضح أن هذا الشخص هو إبن عمة عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية سابقا، ورئيس تيار الحكمة الأن. وهذا يعطينا صورة عن أمرين رئيسيين هما:
دور الدول العربية المجاورة للعراق في إحتضان هذه الجماعات التي تختلف معها فكريا ومذهبيا وعقائديا بقصد الإنتقام من العراق كدولة وكشعب، معتقدين أنهم بذلك يثأرون من صدام حسين.
أن العراق الآن واقع تحت حكم العوائل التي مدَّت أذرعها كالأخطبوط، وإن القضاء عليهم يقتضي القضاء على حكم هذه العوائل. لا سيما وأن سفير العراق في القاهرة حالياً هو السيد محمد حبيب الصدر (خال عمار الحكيم).
واليوم تتناقل الأخبار ترشيح صفاء الصافي لمنصب أمين عام المساعد للجامعة العربية بديلا عن فاضل الجشعمي. وهذا يعطي الإنطباع الأولي أن الجامعة العربية إنما تقف ضد تطلعات الشعب العراقي وتدعم الحكومات الظالمة والعميلة كما دعمت صدام حسين حتى النهاية. كما يشير إلى حقيقة قرب نهاية هذا النظام الذي إستمر لأكثر من عقد ونصف دون أن يحقق شيئاً للعراق والعراقيين بل أمعنوا في تدميره وسرقة ثرواته. وكما يقول المثل -قياسا مع الفارق- أن الفئران أول من يفر من السفينة التي وشك على الغرق. وقد سبقه من ذات العائلة (عائلة الحكيم) محمد علي الحكيم سفير العراق السابق في نيويورك، الأمريكي من أصل عراقي الذي رشحه إبراهيم الجعفري لمنصب المدير التنفيذي لمنظمة الأسكوا في نيسان 2017.
وهنا وبعد كل هذه الحقائق، لا يحق لنا كعراقيين أن نستغرب من كل الدمار الذي جرى على بلدنا ما دام الأجانب يحكمون العراق منذ 2003، وإذا كان محاسب كويتي قد أصبح وزيرا في العراق، ويبقى العراقيون على أمل مجيء حكومة من الوطنيين الحريصين عل بلدهم.
ومن حقنا أن نتساءل: كم أجنبي مثل الصافي ما زال يتولى مناصب سيادية في العراق؟ وكم من أمثاله ما زالوا يتنعمون بخيرات العراق وينقلون ثرواته إلى الخارج؟ وهذا ما يجعلنا ندرك لماذا سعى هؤلاء الأجانب لطرد أبناء العراق بالتهديد والوعيد والتفجيرات بفعل ميليشياتهم الإجرامية التي لا تقل إرهابا عن القاعدة وداعش.
4 الكويت ومؤتمر إعمار العراق
محمد حسن الحربي
الاتحاد الاماراتية
دولة الكويت، تُشكر على السابق واللاحق من جهودها الكبيرة والمضنية، تلك التي تبذلها في سبيل الأمة العربية، على ما في هذه الأمة من تجزئه وتبعيّة وعذابات لا تنتهي، التعامل معها يورّث الصداع أحياناً، والأسى في أغلب الأحيان، لكأن قدر دولة الكويت أن تكون في صميم المشكلات القوميّة؛ فهي تريد أن تحافظ على مجلس التعاون الخليجي، متماسكاً قوياً ومتنامياً، تجاه الوحدة الخليجية – الحلم، وتكافح لتحقيق هذه الغاية؛ فهي تنظر إلى مجلس التعاون الخليجي، على أنه درعها الأول الواقي للصدمات، من قريب كانت تلك الصدمات أم من بعيد، من وراء الماء. وهي تريد في الوقت ذاته، أن تحافظ على هذه الأمة العربية، متحدةً قويةً وكريمةً، وإن عزَّ ذلك، فتماسك دولها الوطنية من الانهيار، أمام الريح الجارفة، وإن صعب ذلك واستحال، فأضعف الإيمان، امتلاك خزين القدرة الاستراتيجي، لمداواة الجروح، وجبر الكسور والخواطر، وتنقية النفوس، وإعادة ضخ الروح في الأوصال المتعبة لجسد الأمة، والعودة مجدداً إلى مهنة تربية الأمل.
قدر الكويت أن تظل منسجمة مع شعارها وتاريخها، وألاّ تتعب من حمل صخرة (سيزيف) والوصول بها إلى القمة. الكويت دولة لا مانع لديها أن تبدأ أي موضوع، وللمرة الألف، من المربع الأول. قدرها أن يجدد خطاها، على درب وعر وطويل، صدق سعيها العروبي، ونواياها الخيِّرة من أجل (بلاد العُرب أوطاني). غادرت الكويت الشهر الماضي، قبل انعقاد (مؤتمر إعمار العراق) بيوم واحد، وفي المطار قرأت لافتة، تدعو إلى (مؤتمر الاستثمار في العراق)، وبدا لي – كما لغيري – أن الإعمار والاستثمار اجتمعا في مؤتمر واحد. عُقُد وانتهى، وجاءت نتائجه أقل من المتوقع، على مستوى المنح (33 مليار دولار)، وعلى مستوى الاستثمار المباشر أيضاً، وذلك بحسب المراقبين والمهتمين، بينهم عراقيون.
في المؤتمر مَنح من منح، لكن عند الاستثمار كان التردد، ولذلك أسباب وجيهة، الحديث فيها يطول، وينطوي على شيء من الألم. الاستثمار لا يذهب إلا حيث الاستقرار السياسي والأمني، إلى حيث يضمن حمايته، وحركته السلسلة من الداخل إلى الخارج، وبالعكس، تعزز ذلك حزمة من الإجراءات والقوانين، وهذا ما لم يستطع العراق أن يكون فيه مقنعاً، لم يستطع أن يُشعر المشاركين في المؤتمر، بأن الاستثمار على أرضه سيكون آمناً، ورغم محاولته بقيت ظلال الشك لم تتبدد، بأن الصورة التي رسمتها له التقارير الدولية – خاصة تقارير الشفافية – لا تعكس الواقع على الأرض، وأن عليهم ألا يصدقوا أنه البلد الأول في قائمة الفساد على مستوى العالم، كما بثت ذلك قناة (مونت كارلو) الفرنسية، يوم 4 مارس الماضي، في مقابلة أجرتها مع الباحث العراقي د. صباح الخزعلي، الذي قال (إن ميزانية العراق لهذا العام تعاني من عجز بلغ 18 مليار دولار، وأن ليس بمقدور الحكومة توفير ميزانية يمكنها معالجة المشكلات القائمة في البلاد، وأن علّة العراق تكمن في الفساد الإداري والمالي).
وخلال رحلة الطيران التي استغرقت ساعة، من الكويت إلى الشارقة، كنت أفكر في العراق وأتساءل: كيف يمكن له أن يصبح بلداً مستفيداً من حصيلة المنح ؟ وهل يكفي هذا الرقم من المنح كي يعدّل من وضعه شيئاً ؟ لكي في الأقل، يصبح بعد فترة، بلداً مفيداً لنفسه وشعبه أولاً، ثم لمحيطه العربي والعالمي. ولو افترضنا جدلاً، أن أموالاً استثمارية طائلة دخلت غداً البنوك العراقية، فما سيكون مصيرها وتلك البنوك محلية، أغلب معاملاتها مرتبطة بطهران فقط؟ عملياً، هل سيكون العراق هو المستفيد الوحيد؟
5
دواعش «الرايات البيضاء»
د.يوسف الشريف
البيان الاماراتية
خلال الشهور الثلاثة تم تداول أخبار عن التنظيم الجديد والذي يسمي نفسه تنظيم «الرايات البيضاء» أو «الفدائيون»، والذي يتخذ من المناطق الشمالية في العراق، وخصوصاً في محافظة كركوك، مكاناً يصول ويجول فيه، ورغم شح المعلومات والتقارير حول التنظيم إلا أن بعضها أفاد بأن أعداد عناصر التنظيم قد وصلت لقرابة 800 شخص من مختلف الجنسيات والانتماءات من بينهم عناصر سابقة لداعش، ومجموعة من الميليشيات الكردية المسلحة المعارضة للسلطة، ومثل هذه الأمور تجعلنا نضع أحد أخطر السيناريوهات؛ عودة داعش أو فكر داعش بمسمى وشعارات مختلفة، خصوصاً أن بدايات هذا التنظيم شبيهة ببدايات داعش من خطف لشاحنات الغذاء والبترول وحرق المباني ومهاجمة رجال الشرطة!!.
استطاع تنظيم داعش خلال السنوات الماضية أن يُجند ما لا يقل عن 50 ألف مقاتل من أكثر من 145 دولة حول العالم، تنوعت جنسياتهم وأديانهم ولغاتهم وانتماءاتهم، ولكن وبعد أن أعلن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الانتصار على داعش في العراق، ومع وجود تقارير عسكرية تُفيد أن التنظيم قد خسر الكثير من معاقله في سوريا، وهو ما أعلنه الرئيس الروسي بوتين، قد نتساءل أين ذهب كل هؤلاء المقاتلين؟ هل قُتلوا جميعاً؟
ليس من المنطق أن يكون التنظيم قد خسر 50 ألف مقاتل في الاشتباكات التي قام بها سواءً مع القوات العراقية أو التنظيم الدولي لمكافحة داعش بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أو مواجهاته مع نظام الأسد والقوات الروسية، إذن أين يتواجد هؤلاء الآن وما هي خططهم القادمة؟ وهل مازالوا يبايعون أميرهم المختفي؟ كل هذه الأسئلة تعمل من أجل حصر إجاباتهم أجهزة استخبارات عالمية لتفادي وقوع أي حالة أو عملية إرهابية.
مواجهة تنظيم داعش كتنظيم له معاقله ومساحة جغرافية محددة يتواجد عليها أسهل بكثير من انتشار أفراده حول العالم أو رجوعهم إلى دولهم أو انضمامهم لجماعات جديدة تحمل نفس الفكر والمنهج، وهذا ما تخشاه الدول الأوروبية وقد حذرت الشرطة الأوروبية «يوروبول» من احتمالية تنفيذ أعمال إرهابية تخريبية في أوروبا من قبل أفراد تنظيم داعش العائدين إلى أوطانهم، والمواجهة هنا تتطلب حرصاً شديداً وبحزم أشد، فتسلل أحد أفراد التنظيم إلى أي دولة وهو محمل بفكر تكفيري ومدرب تدريباً يمكنه من تنفيذ عمليات إرهابية سيؤدي لكوارث لا تحمد عقباها.
داعش يخطط لأن ينشئ تنظيماً عابراً للقارات، ويستغل الأفكار التكفيرية المتشددة التي ربى عليها أفراده والتدريبات العسكرية التي سلح بها مقاتليه ليزرعهم حول العالم كقنابل موقوتة لاستهداف مناطق ومبانٍ حساسة وتعم فوضى الإرهاب من جديد، وإن كان سؤالنا أين تبخر هذا التنظيم وأين اختفى الخمسون ألف مقاتل فلنبحث عن الأماكن التي بايعت تنظيم داعش وأعلنت ولاءها وبيعتها لأميرهم المجرم، وأيضاً مراقبة حركة الجماعات والتنظيمات الجديدة، والقضاء عليها منذ البداية قبل أن تتوسع وتنتشر.
التنظيمات والجماعات الإرهابية ليست بحاجة لمنطقة جغرافية تفرض سيطرتها عليها لتمكنها من تنفيذ مخططاتها الإجرامية، فالمجال الإلكتروني مفتوح للجميع، ويربط قارات العالم وكأنه بيت صغير وداعش أصبح خبيراً في هذا المجال ولديه جنود إلكترونيون يعملون من عدة دول، فلا يعني القضاء على تنظيم داعش على الأرض أننا بذلك ننهي تواجدهم إلى الأبد، فالفكر المغلوط والبيعة لأميرهم على السراء والضراء هو أساس ما يجب القضاء عليه للانتهاء من حقبة سوداوية دموية إرهابية.
الإرهاب فكر ينتقل كالسرطان يصعب إيقافه بالطرق التقليدية، لذا علينا مهاجمته من حيث لا يدري، وبذل كافة السبل لمنع انتشاره، وعلينا أن نتعلم من تجاربنا مع تنظيم الإخوان الإرهابي وكيف عمل على إيجاد ما يسمى «الخلايا النائمة» والتي تصبر طويلاً على أشد الظروف لتنفيذ مخططها المشين، وهذا ما فعله «الإخوان المسلمون» في فترة من الفترات بعد أن اعتقلت السلطات المصرية مرشدهم العام والقياديين في الجماعة.
هذه الجماعات متلونة كالحرباء تتأقلم مع جميع الظروف لتواصل مسيرتها المشينة، وسواء كانت من حملة الرايات السوداء أو البيضاء أو الخضراء، فجميعها هدفها ومخططها سوداوي يريد زعزعة الأمن والاستقرار ليجعل لنفسه مكاناً يفرض سيطرته ونفوذه عليها، ويمارس هوايته التخريبية.
لنتعلم من تجربتنا مع الإخوان المسلمين وما عملته هذه الجماعة من تجنيد خلاياها النائمة والتي استمرت على مبايعة المرشد العام حتى بعد أن تم حل الجماعة وتنفيذ إعدامات بحق أبرز وأهم عناصر التنظيم، وهذه التجربة المؤلمة والتي أثرت وعطلت مسيرة التنمية في الكثير من البلدان العربية يجب أن تكون درساً للتاريخ من أن هذه الجماعات يجب محاربتها حتى آخر رمق والقضاء على فكرها وما ترنو إليه من أفكار ضلالية ظلامية باستبدالها بفكر متسامح متعايش.
عودة تنظيم داعش يبقى هو السؤال الأهم في هذه الحلقة، فالجهود العالمية الجبارة التي استطاعت القضاء على هذا التنظيم ودك معاقله عليها أن تستمر، ونحن كمثقفين وأصحاب قلم علينا مواصلة وملاحقة هذه الجماعات لدحر فكرها عن مجتمعاتنا التي تنشد السلم والسلام.
6 كنت في بغداد (5)
خالد بن حمد المالك الجزيرة السعودية
في زيارتنا لبغداد أمكننا أن نلتقي بكل القيادات العراقية من رئيس الجمهورية إلى رئيس مجلس النواب إلى رئيس مجلس الوزراء، مروراً بعدد من الوزراء والمسؤولين، وواحد من المراجع الدينية، وقد أخذنا في كل لقاء الوقت الذي أردناه من كل واحد منهم، وتحدثنا لهم، واستمعنا منهم، وكانت حواراتنا ومناقشتنا في غاية الصراحة والوضوح، وهم كانوا كذلك.
* *
تركزت أحاديثنا، وأنا في هذه السلسلة من الانطباعات استخدم صيغة الجمع في بعض المعلومات، لأني هنا أنقل آراء ومداخلات وتساؤلات الزملاء بشكل عام، وهذه المشاركات تركزت على العلاقات السعودية – العراقية، وعلى القضاء على تنظيم داعش ودولتهم التي بشروا بها، وعلى الانتخابات العراقية القادمة، وعلى الإرهاب، والفساد، والطائفية والمذهبية، والعلاقة العراقية – الإيرانية، وموضوعات أخرى كثيرة تتمحور حول أن يعود العراق قوياً ومؤثراً بعيداً عن الهيمنة الإيرانية.
* *
كان من الواضح لي أن المسؤولين العراقيين بما فيهم الرؤساء توقعوا من الزملاء ومني أن نطرح مثل هذه الموضوعات، وقد استعدوا لإعطاء كل ما لديهم من معلومات وآراء حولها بروح من التفاعل الإيجابي، والترحيب بإيضاح الحقائق، وكشف ما كان – ربما – مستوراً أو هكذا كما كنا نظن، وكان أجمل ما في هذه اللقاءات الروح العالية التي كانوا يستقبلون بها مداخلاتنا وأسئلتنا دون أدنى تحفظ في الإجابة أو التعليق عليها.
* *
زاد من اهتمامهم بالوفد الإعلامي استقبال بعضهم لنا في منازلهم، وإقامة حفلات عشاء لنا مثلما فعل ذلك وزير الخارجية الدكتور إبراهيم الجعفري الذي قال إنّ جذوره وأصله من أشيقر في المملكة العربية السعودية، والمرجع الشيعي السيد عمار الحكيم الذي أولم لنا بعد انتهاء مباحثاتنا معه، بل إن امتداد فترة اللقاءات بالرؤساء الثلاثة إلى ثلاث ساعات تقريباً، وأن تتم في إجازة نهاية الأسبوع – الجمعة والسبت – هو من مظاهر الاحتفاء برؤساء التحرير، يضاف إلى ذلك أن وزير الداخلية رأى أن يكون اللقاء به في واحد من الأسواق التجارية (المول) للتأكيد على استتباب الأمن في العراق، حيث وجدنا الترحيب من المتسوقين.
* *
وكل من التقيناهم من المسؤولين العراقيين، ممن كانوا قد زاروا المملكة تحدثوا بانطباعات جيدة عن زياراتهم، وأثنوا كثيراً على ما وجدوه من تفهم لدى قيادة المملكة للأوضاع التي يمر بها العراق، وكان بعضهم وهو يتحدث وكأنه يتوقع زيارة الملك أو ولي العهد لهم في المستقبل في ظل تحسن الأجواء الأمنية في بغداد، ويشيرون في هذا الصدد إلى أن رئيسي الجمهورية والنواب وكذلك رئيس مجلس الوزراء زاروا المملكة، وكانت مباحثاتهم ناجحة.
* *
في شأن العلاقات العراقية – الإيرانية، والتوجه العراقي لإيران بدلاً من العرب كان السيد عمار الحكيم واضحاً وصريحاً، فقد علق على ذلك بالقول: حين قُضي على النظام السابق كان هناك فراغ، وكان العراق في حاجة إلى من يساعده، إيران استغلت هذا الفراغ، بينما ابتعد العرب ولم يكن لهم أي حضور، مع أن العراق كان ينتظر مشاركة إخوانه العرب، غير أنهم كانوا غائبين، فيما كانت إيران حاضرة على الأرض، هذا رأيه، أما رأينا فلم يكن متطابقاً ولم يكن متفقاً مع ما ذكره السيد الحكيم، لكن قدر العراق أن تكون إيران جارته، وأن تتعاون أمريكا مع نظام طهران للوصول إلى ما وصل إليه الوضع في العراق.
7 تذكروا .. السياسات الإقصائية هي من تصنع الدواعش
ابراهيم بدوي
الوطن العمانية
” .. جاءت قوانين التطهير تتوالى، واستولدت الحكومات العراقية المتعاقبة من رحم الحقد المتوارث ضد كل ما هو بعثي، لتبدأ في مراحل أخطر وأشد تسعى إلى إذلال والتنكيل بمكون يمثل ثلث العراق، وجرى بريمر ورفاقه ممن أتوا في ركابه يشرعون القانون تلو الآخر، ويضعون الدساتير التي لا تحترم مكونات الشعب العراقي، والتي حرصت على تكريس الحكم الطائفي المذهبي، وتمسكت بنفي إجباري واختياري لكافة من له صلة بماضٍ عراقي استمر في الحكم أكثر من 25 عاما،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بغداد تقرر مصادرة أملاك صدام حسين وأكثر من 4 آلاف من أقربائه ورموز حكمه، إنها ليست نكتة سخيفة، أو إشاعة عبثية يطلقها أعداء الحكومة العراقية الحالية، إنه قرار حكومي، لكن بالحق فهو يحمل بين طياته من العبث والفكاهة السخيفة ما يفوق التصور، إن فكرة عقاب نظام سقط منذ 15عاما، وأقارب رموزه الذين يتحدث عنهم القرار في الشتات منذ عقد ونصف العقد، وأموالهم داخل العراق تمت مصادرتها منذ أولى حكومات الحاكم العسكري الأميركي بريمر، الذي حكم العراق بعد الغزو، هو من جاءوا في ركابه من متطرفين، فور صعودهم للحكم بدلا من أن يعدلوا فهو أقرب إلى التقوى، تملكت منهم غريزة الانتقام، وبدأ مخطط تقسيم العراق باستبعاد أحد مكوناته الرئيسية، وما عقب ذلك من فتح مظلمة تاريخية، جعلت العراق رهينة هذه الحرب الطائفية الدائرة منذ الغزو وحتى الآن، والتي حصدت أرواح ملايين العراقيين، لم تزهق أرواحهم في فترة (استبداد) صدام حسين، أو في أي من مراحل تاريخ العراق في العصر الحديث، خاصة المراحل التي شهدت عدم استقرار في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
وجاءت قوانين التطهير تتوالي، واستولدت الحكومات العراقية المتعاقبة من رحم الحقد المتوارث ضد كل ما هو بعثي، لتبدأ في مراحل أخطر وأشد تسعى إلى إذلال والتنكيل بمكون يمثل ثلث العراق، وجرى بريمر ورفاقه ممن أتوا في ركابه يشرعون القانون تلو الآخر، ويضعون الدساتير التي لا تحترم مكونات الشعب العراقي، والتي حرصت على تكريس الحكم الطائفي المذهبي، وتمسكت بنفي إجباري واختياري لكافة من له صلة بماضٍ عراقي استمر في الحكم أكثر من 25 عاما، وسدت الآفاق في تحقيق مصالحة، كان يحتاجها العراق، مصالحة تقوم على الاعتراف بالجرم، كما كان الحال في جنوب إفريقيا التي مارست الفصل العنصري لعقود، وارتكب سكانها البيض أبشع أنواع الجرائم، لكن مانديلا كان يسعى لبناء دولة تتسع للجميع، لا دولة سوداء ينتقم فيها السود من البيض، فشرع في تحقيق مصالحته التاريخية، فكانت المصالحة خير وقاية من نزيف المزيد من الدماء كان سيستمر إذا انتهج مانديلا هذا المنحى العقابي الذي مارسته عراق ما بعد الغزو.
ولا حتى التزم الساسة الذين يخرج معظمهم من رحم جماعات تستمد مبادئها من الدين الإسلامي، بما قام به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما فتح مكة وقال لمن أذوه، وأجبروه على الهجرة ومن قتلوا بعض أهله، اذهبوا فأنتم الطلقاء، إنه ديدن كل من يسعى لإقامة دولة العدل والمساواة هو التسامح والتغاضي عن الأحقاد القديمة، أما من يريد التحزب المذهبي والطائفي، وفرض سيادته، فلن يتمكن من ذلك، بل ستظل بلاده رهينة الأحقاد، وأسيرة الشعور بالغبن من هذه الطائفة أو تلك القومية، وستظل نعرات الفرقة هي صاحبة الصوت الأعلى، وهو صوت نشاز يضر العراق، أكثر مما ضرها الغزو الهمجي تتاريا كان أم أميركيا.
إن ساسة العراق لم يتعظوا حتى من الماضي القريب، عندما ظن نوري المالكي إنه قادر على إسكات الطوائف التي شعرت بالتهميش، وأنه قادر على جعل الأمور تستقر وفق حصصية طائفية لا تراعي الأغلبية العظمى من المواطنين، فكان الرد المزلزل، من الموصل، حيث رضيت أن تكون تحت حكم تنظيم إرهابي كداعش، على أن تكون تحت حكم طائفي آخر، ولا أزال أتذكر كلمات صديقي العراقي، الذي أكد أنه برغم معرفته بإرهاب داعش، وأن هذا التنظيم الإرهابي، قد يقتله، كما قد تفعل ذلك المليشيات الأخرى، وقتها لم استوعب كيف يقبل أشخاص بحكم تنظيم إرهابي مثل داعش، فجاءت التجاوزات التي مارستها بعض فصائل الحشد الشعبي والتي اعترف بها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، والذي أصدر أمرا بفتح تحقيقات فيها، لتجيب عن سؤالي.
لكن مع تصريحات العبادي المطمئنة، وحديثه الدائم عن عراق يتجه نحو مصالحة شاملة شعرنا بالأمل، وبأن حصن العروبة سيعود لمكانته، وسيمد العبادي يد المصالحة لجميع العراقيين دون استثناء أو إقصاء، ليبعد عن العراق خطر التقسيم الذي اقترب أكثر وأكثر في ظل القانون الحالي، هذا القانون الذي سيعمق جراح لاتزال ساخنة، وسيجعل تقارب عربي كردي، يسعى إلى التقسيم بدافع تلك القرارات الرعناء التي تنظر تحت أقدامها فقط، ولا تستشرف المستقبل، وتبحث عن آفاقه، حيث يشمل القرار 4257 شخصا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف ممن يمتون إليهم بصلة، فالقرار استهدف الرئيس السابق صدام حسين المجيد الذي أعدم في 2006 وأولاده وأحفاده وأقربائه حتى الدرجة الثانية، ووكلائهم ممن أجرَوا نقل ملكية الأموال المشار إليها في هذا القانون وبموجب وكالاتهم، كما شمل هذا القرار، جميع المحافظين ومن كان بدرجة عضو فرع فما فوق في حزب البعث المنحل، ومن كان برتبة عميد في الأجهزة الأمنية للنظام السابق كجهاز المخابرات، الأمن الخاص، الأمن العسكري، الأمن العام، وفدائيي صدام. ولعل أفضل تعليق على هذا القرار ما قاله نجل طارق عزيز الذي يعيش في منفى اختياري منذ 15عاما، حيث قال نجل القيادي البعثي: نحن نتعرض للضغوط والإقصاء والظلم، كفى. متى ينتهي الحقد.. سمعنا عن عقوبات تستهدف من اتهموا بارتكاب ما قيل إنها جرائم بحق الشعب العراقي، لكن لماذا يتم استهداف الأقارب من الدرجة الثانية.