1 إعمار العراق يبدأ من العراق
محمد شاكر الدليمي العرب بريطانيا
لا نريد مِنَّة من أحد لأن خير العراق قادر بالفعل على إعماره. ويجب علينا أن نبدأ بأنفسنا.
على العراق أن يعوّل على أبنائه
توالت مؤتمرات إعمار العراق في دول جوار العراق على مدى 14 عاما من مؤتمر عمّان في عام 2004 وصولا إلى مؤتمر الكويت في الشهر الماضي، دون أن يتم تعمير أي شيء.
صرفت الدولة خلال تلك الفترة موازنات تصل قيمتها مجتمعة إلى تريليون دولار دون أن يظهر لها أثر يذكر في بنية الاقتصاد العراقي المتهالكة.
وهنا نتساءل: هل سيتم تعمير العراق بالمساعدات الضئيلة التي لا تتجاوز 1.6 مليار دولار التي تعهدت بها بعض الدول المانحة في مؤتمر الكويت، أم سيتم تعمير البلاد بالوعود الاستعراضية التي تبلغ قيمتها 28 مليار دولار وهي قروض سيادية وغير سيادية سوف تُكبل وترهن مستقبل الأجيال القادمة؟
من دمر العراق مسؤول عن إعماره! وقد تردد حديث واسع عن مشروع مارشال لإعمار العراق خلال السنة الأولى من الاحتلال، لكننا لم ولن نرى له أثرا لأننا لا نملك القوة السياسية لإجبار المحتل على تعمير ما دمره.
نحن لا نملك علاقات قوية مع اللوبيات الدولية الضاغطة، في وقت يقول فيه الجميع إن العراق بلد غني قادر على تمويل نفسه.
لا نريد مِنَّة من أحد لأن خير العراق قادر بالفعل على إعماره. ويجب علينا أن نبدأ بأنفسنا. ولدينا في ما عمره العراقيون في التسعينات خير دليل على أننا قادرون على ذلك.
فقد سبق أن تمكن العراقيون في ظل حصار شامل وموارد شحيحة من إعادة المحطات الكهربائية والمصافي والجسور في أقل من 3 أشهر.
ولم يقف ذلك عند إعمار كل ما دمرته الحرب بل امتد إلى إنجاز مشاريع عملاقة كان مخطط لها منذ عهد مجلس الإعمار في الخمسينات.
وجرى خلال الحصار الخانق إنجاز مشروع المصب العام لتخليص الأراضي الزراعية من الملوحة وبناء أبراج محطة كهرباء الدورة وبرج المأمون للاتصالات وجسر الطابقين الذي صمم ونفذ خلال 8 أشهر، إضافة إلى سد بادوش وسد العظيم والكثير من المشاريع الأخرى.
إعمار العراق يبدأ من العراق ولن يبدأ من أي دولة أخرى. إذا لم نعمر بيتنا فلن يعمره الجيران. علينا فقط أن نرتب أنفسنا ومشاريعنا وملفاتنا وتذليل العقبات أمام المستثمر العراقي أولا.
علينا إبعاد الطارئين من وسطاء الأحزاب والفاسدين وعدم إعطاء الفرصة لسماسرة المشاريع الاستثمارية بالانقضاض على الفرص الاستثمارية الثمينة واختلاق حجج واهية لعدم تنفيذها لحين إيجاد من يشتري الإجازة الاستثمارية منهم.
هناك خلل فاضح في آليات منح الرخص الاستثمارية يسمح للسماسرة بسرقة الفرص وتأخير تنفيذها للمتاجرة بها. يجب إعادة النظر بكل إجازات الاستثمار التي منحت وإعطاء أصحابها مهلة 3 أشهر للمباشرة أو إلغاء الإجازة ومنحها لمن يستحقها فعلا.
علينا سد جميع الثغرات في القوانين والتعليمات بالاستناد إلى الخبرات العملية وليس التنظير. لن تكون هناك جدوى من القوانين إذا لم تجد طريقا إلى التطبيق على ارض الواقع.
يجب إلغاء موافقة الجهة القطاعية من قانون الاستثمار التي أصبحت بابا من أبواب الفساد والعرقلة واعتماد آلية النافذة الواحدة في هيئة الاستثمار لتكون الجهة الوحيدة المخولة بمنح جميع الموافقات.
ينبغي أن تكون هناك مرونة لهيئة الاستثمار بإصدار التعليمات التي تغطيها القوانين، على أن تخضع تلك التعليمات للمراجعة الدائمة لمعالجة الخلل حين تتسبب في ظهور عراقيل (دون قصد) وتصبح فرصة للابتزاز أو الفساد.
كما أن هناك حاجة ملحة في الوقت الحاضر لإيجاد نموذج عراقي وطني جديد لإعادة إعمار العراق.
2 زمن الاقتصاص من الأكراد
فاروق يوسف
العرب بريطانيا
الأكراد اليوم يبحثون عمن يقبل بهم شركاء في العملية السياسية لا أتباعا. وليس من المتوقع أن يلتفت إليهم أحد. لقد ضيعوا فرصة ذهبية يوم تخلوا عن السنة بل غدروا بهم.
أخطأ الأكراد حين راهنوا على حرب طائفية
لعب الأكراد، أقصد زعماءهم السياسيين، دورا هاما في تكريس مفهوم الدولة الطائفية في العراق. كان من مصلحتهم أن يتوزّع عرب العراق بين فئتين متناحرتين. شيعة وسنة وهو ما ينهي سلطة العراق العربي.
من المعروف أنهم كانوا من صناع دستور لا يقرّ بعروبة العراق. أكانوا يخططون لهدم العراق الموحد لكي تسهل عملية الفرار منه؟ لا أحد بإمكانه أن يلومهم على ذلك المخطط الذي وجدوه مناسبا لأحلامهم. لن تقوم دولتهم القومية إلا على حطام العراق، سواء كان النظام الحاكم قوميا أم دينيا. تلك حقيقة لا تقبل الجدل.
لذلك فإنهم رحبوا بالاحتلال الأميركي، لا لأنه أسقط نظام الرئيس صدام حسين، بل لأنه حطم الدولة العراقية التي جرى تأسيسها في عشرينات القرن العشرين. لقد شعر الأكراد يومها أنهم في حل من الالتزام بما يمليه عليهم الانتماء إلى تلك الدولة من شروط وطنية.
العراق لم يعد وطنهم. وهـذا ما عبّروا عنه بلسان صريح في الاستفتاء الشعبي الذي أجري عام 2017. هنا شعب يرغب في الانفصال عن الدولة التي اضطهدته عبر عقود من الزمن، بل هو لا يجد ما يناسبه في العراق الجديد الذي ساهم زعماؤه في صياغته، ضعيفا، مفككا وقابلا للضياع في أي لحظة.
لقد حامت شبهات كثيرة على الدور الصامت الذي لعبه الزعماء الأكراد في مسألة دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى الأراضي العراقية واحتلال الموصل، وقد قيل إن لجوء قادة الجيش العراقي المهزوم إلى كردستان كان متفقا عليه بين نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية يومها، والزعماء الأكراد لكي تفشل عملية مساءلتهم وتقديمهم إلى المحاكمة.
لقد خسرت المدن السنية حربا لم تكن طرفا فيها. يومها خسر الأكراد سندا حقيقيا في صراعهم من أجل أن لا تنتقل حكومة بغداد إلى مرحلة السلطة المطلقة
يسّر الأكراد لحكومة بغداد سبل تطبيق قرارها بإنهاء التمرد السني من خلال تسليم المدن الثائرة لداعش، ومن ثم الإطباق عليها وتدميرها وقتل أكبر عدد ممكن من سكانها بمسوغ محاربة الإرهاب.
اعتقد الأكراد أنهم سيكونون الطرف المستفيد من أي حرب طائفية، يكون العرب حطب نارها متناسين حقيقة أن إيران التي تناصبهم العداء هي التي كانت تدير تلك الحرب برعاية أميركية.
لقد خسرت المدن السنية حربا لم تكن طرفا فيها. يومها خسر الأكراد سندا حقيقيا في صراعهم من أجل أن لا تنتقل حكومة بغداد إلى مرحلة السلطة المطلقة، وهو ما تخطط له الأحزاب الشيعية الحاكمة حين تطالب بقيام حكومة الأغلبية السياسية وهي تقصد الأغلبية الطائفية.
ما حدث بعد إنهاء التمرد السني والاقتصاص من سكان المدن التي كانت مسرحا للحرب لم يكن ضمن توقعات الزعماء الأكراد الذين قادوا الدعوة إلى الانفصال عن العراق. لقد تخلت عنهم الولايات المتحدة في خطوة تعد مكملة لدعمها حكومة بغداد في ما سمي بحربها على الإرهاب.
حينها تحولت إبرة البوصلة الشيعية في اتجاههم، وصاروا هدفا ضعيفا مثلما كان حال السنة قبل أن تتولى شأنهم آلات الحروب بمختلف أنواعها والجهات التي تقف وراءها. لقد أخطأ الأكراد حين راهنوا على حرب طائفية كان هدفها معروفا من قبلهم، وهو إسكات الأصوات المطالبة بالحقوق المدنية وأولها حق المواطنة.
وكما يبدو فإن ذلك الخطأ جاء منسجما مع رفضهم التفكير في الحصول على ذلك الحق باعتبارهم مواطنين عراقيين. لم يكن يخطر في بالهم أن أحلامهم بالانفصال ستذروها الرياح ويكونون في حاجة إلى أن يطالبوا بحقهم في العدالة الاجتماعية مثلما طالب قبل سنوات السنة تماما.
الأكراد اليوم يبحثون عمن يقبل بهم شركاء في العملية السياسية لا أتباعا. وليس من المتوقع أن يلتفت إليهم أحد. لقد ضيعوا فرصة ذهبية يوم تخلوا عن السنة بل وغدروا بهم. وهاهم اليوم يدفعون الثمن.
3 تصريحات إيرانية تستثير الوطنية العراقية
عدنان حسين
الشرق الاوسط السعودية
المناسبة مؤتمر يُعقد في بغداد، العاصمة المُرهقة بالصراع الطائفي وبحرب الإرهاب لعقد ونصف العقد من الزمن، بعدما كانت، قبلاً لنحو ثلاثة عقود، مُنهكة بحروب صدام حسين الداخلية والخارجية المتلاحقة المفضية إحداها إلى الأخرى.
والمناسبة مؤتمر غايتُه تأسيس «المجمع العراقي للوحدة الإسلامية» الذي أعلن أمينه العام عن أنه يهدف إلى النهوض «بمهمة المصالحة المجتمعية وترميم ما تركه الإرهاب الداعشي من آثار وخيمة في الفكر المتطرف والعنف والحقد والكراهية والعداء للآخر»، وأن المجمع «يعمل على إعادة اللحمة الدينية والوطنية… وجعل الهوية الوطنية هي المعيار في العلاقة بين جميع مكونات الشعب العراقي».
لكنّ أحد كبار المدعوّين الأجانب إلى المؤتمر اختار ألاّ يأخذ في الحسبان غايات المؤتمر والمجمع المُعلَن عنها، فقال كلاماً يدفع في الاتجاه المعاكس، ما أوقد ناراً في طول العراق وعرضه احتجاجاً على ما فُسِّر بأنه تدخّل في الشؤون الداخلية للعراق ومسعى للتأثير في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في غضون ثلاثة أشهر فقط من يوم إطلاق هذا الكلام، أواسط الشهر الماضي.
أما صاحب الكلام، فهو علي أكبر ولايتي، المستشار السياسي للمرشد الإيراني الأعلى ووزير الخارجية الأسبق الذي تبدّى في كلامه غير مراعٍ للقواعد والأعراف الدبلوماسية مع أنه تولّى الخارجية الإيرانية ست عشرة سنة. وأما المحتجّون فعراقيون من مختلف الأديان والطوائف والقوميات والعقائد السياسية، هيّج المسؤول الإيراني الرفيع بكلامه حفيظتهم، وأثار حميّتهم الوطنية.
ولايتي قال إن «الصحوة الإسلامية لن تسمح للشيوعيين والليبراليين بالعودة إلى الحكم». هو لم يحدّد البلد أو المنطقة التي عناها، بيد أن العراقيين الغاضبين رأوا الكلام يختصّ بالعراق بالذات، لأنه قِيل على أرض عراقية، في قاعة تعود ملكيتها للدولة العراقية، ولأن الكلام قيل عشية الانتخابات التشريعية المتوقَّع أن تسفر عن تقوية وجود التيار المدني في البرلمان بفوز عدد من الشيوعيين وسائر المدنيين.
ما كان يُمكن عدم الربط بين كلام ولايتي وحملة الكراهية التي شنّها أقطاب في أحزاب الإسلام السياسي، خصوصاً الشيعية ذات العلاقة الوثيقة بإيران، ضد المدنيين والليبراليين والشيوعيين، وهي حملة لم يتردّد رئيس الوزراء السابق، الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي، في الخوض بها في ردّة فعل غاضبة على أقوى حركة احتجاجية شعبية في تاريخ العراق، وهي التي تتواصل أسبوعياً منذ منتصف 2015 وتطالب بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد الإداري والمالي وتوفير الخدمات العامة ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة ومساءلة المسؤولين عن اجتياح «داعش» واحتلاله ثلث مساحة العراق وتسبّبه في محنة كبرى لما يزيد على ستة ملايين نسمة، وقد نظّمتها وقادتها جماعات وشخصيات مدنية وليبرالية وشيوعية، واجتذبت إليها أهم تيّار سياسي شيعي هو التيّار الصدري، وفي سياقها جرى تسليط الضوء على فشل الأحزاب الإسلامية التي تمتّعت بالأغلبية في البرلمان والحكومة وسائر هيئات الدولة، في إدارة الدولة والمجتمع. وقد أشرك بعض الأحزاب الإسلامية الحاكمة بعض «الروزخونية» (رجال دين من الدرجات الرابعة إلى العاشرة) في حملة التحريض ضد التيار المدني الذي صنّفوه، عمداً، شيوعياً وملحداً وخطراً يفوق خطر «داعش»!
عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية انطلقت في الحال حملة تنديد بتصريحات ولايتي، بوصفها تحريضاً صريحاً ضد تيار سياسي واجتماعي وطني، وتدخلاً في الشأن الانتخابي. وقبل أن تهدأ هذه الحملة اشتعل أوارها من جديد بدرجة أكبر مع كلام آخر لمسؤول إيراني كبير أيضاً استفزّ أوساطاً أوسع من العراقيين الذين هالهم أن يتجرّأ مسؤول في دولة جارة ليُعلن أن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق ليست سوى تابعٍ لدولته. هذا المسؤول هو عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية الإيراني، رحيم بور أزغدي، الذي قال في مقابلة تلفزيونية: «إيران هي مَنْ قتلتْ رئيس النظام السابق صدام حسين، بعد سعي الولايات المتحدة الأميركية للاحتفاظ به»، مبيّناً أن «جماعتنا قامت بشنق صدام حسين وليس الأميركيون، إذ إن قوات الثورة الإسلامية أعدمته»، مضيفاً أن هناك «خمس دول تخضع للنفوذ الإيراني»، هي سوريا ولبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان.
نشطاء مدنيون وشخصيات سياسية وإعلاميون ليسوا من الأحزاب الإسلامية ثاروا في الحال في وجه هذه التصريحات المهينة للعراقيين ووطنيتهم، ما اضطر وزارة الخارجية العراقية، بعد أيام، إلى إصدار تصريح بلسان المتحدث باسمها قائلاً إن «أي تصريحات تصدر من أي طرف تشير إلى التدخل بالشأن العراقي أو الهيمنة على العراق مرفوضة»، وإنه «لا توجد دولة تهيمن على العراق»، من دون تسمية إيران ومسؤوليها، بل حرص على القول إن «إيران وقفت في الحرب مع العراق ضد الإرهاب ونشكر جهودها ودعمها»، فكان ذلك إمساكاً بالعصا من الوسط تفادياً للتنديد بالتصريحات الإيرانية صراحة، لكنّ رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عبد الباري زيباري (كردي) انتقد التصريحات قائلاً إن «أي تصريح غير منسق مع الحكومة العراقية سيؤثر على التوجّه العام العراقي، وستكون له انعكاسات سلبية خاصة في مرحلة الانتخابات»، كما انتقدها زعيم الحزب الشيوعي العراقي ونائب من التيار المدني في البرلمان، فضلاً عن كُتّاب وإعلاميين ونشطاء مدنيين وسياسيين لا عدّ لهم.
من حيث لم يُرِد أصحابها، رفعت التصريحات الإيرانية من منسوب الوطنية العراقية، وشدّدت من مشاعر التبرّم حيال تنامي النفوذ الإيراني في العراق. ويبدو أن الإيرانيين قد أدركوا قبلاً الموقف الشعبي العراقي الكاره لهذا النفوذ، فجاءت التصريحات تعبيراً عن استشعار النظام الإيراني خطر تصاعد الوطنية العراقية، وتراجع سمعة ونفوذ الأحزاب الإسلامية المقرّبة من إيران أو حليفتها أو التابعة لها، والأرجح أن الانتخابات الوشيكة ستعطي المؤشر الأوضح على هذا.
4 كنت في بغداد (4)
خالد بن حمد المالك الجزيرة السعةدية
على كل من يزور بغداد أن يتذكر أنه هنا في قطعة أرض من التاريخ؛ لا يمكن أن تتحدث عن ديانة أو مذهب أو لغة إلا وستجد أن العراق كان حفيًّا بها. وحين يكون السؤال عن السينما والمتاحف والموسيقى والشعر والأدب والغناء والمسرح فسوف تكون العراق حاضرة. وعندما يخطر في بال أي أحد منا السؤال الطبيعي عن الفنون التشكيلية والرسم والأدباء والنقاد والشعراء والإشعاعات الفكرية في مختلف حقول المعرفة والعلوم، فلن تغيب العراق عن الذاكرة التي نعرفها عن الرموز من المبدعين في هذه المجالات.. لكن في المشهد السياسي العراقي المعاصر فالأمر مختلف حد الشعور بالإشفاق على العراق؛ فقد تعرضت البلاد إلى نكسات كثيرة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الزعيم عبدالكريم قاسم والعقيد عبدالسلام عارف عام 1958م، وقضى به على النظام الملكي في واحدة من أكثر الانقلابات العسكرية دموية؛ إذ طُلب من الأسرة المالكة ومن كان متواجداً في القصر الملكي الخروج من القصر ليواجهوا الموقف المأساوي بحصدهم جميعًا برشاشات الانقلابيين، ومَن لم يكونوا لحظتها في القصر لوحقوا حيثما وُجدوا فقُتلوا جميعًا.
* *
هذه الصورة القاتمة من تاريخ العراق الدموي امتدت منذ الإطاحة بالنظام الملكي وحتى سقوط نظام صدام حسين؛ فالعراق إذاً إلى جانب نهرَي دجلة والفرات هناك نهر ثالث ولكنه من الدماء، ضحاياه ومصادر دمائه رجالات من العراق أبرياء، ليس من ذنب اقترفوه إلا لمعارضتهم سياسة الأنظمة القمعية التي أوصلت العراق إلى ما وصل إليه من تخلف وتراجع وغياب عن بناء العراق العظيم.. غير أن ما نتمناه – وبحسب ما استمعنا إليه من القادة العراقيين خلال زيارتنا الإعلامية للعراق – أن لا تتكرر أخطاء الماضي، وأن يتعلم العراق الجديد من الممارسات السابقة، ويأخذ منها الدروس والعِبر.. وهذا لن يتأتى إلا بالقضاء على الطائفية والمذهبية والتحزُّب بكل أشكاله، والتعامل مع الجميع على قدم المساواة، وعلى أنهم جميعًا مواطنون؛ لهم ما لهم وعليهم ما عليهم من حقوق في وطنهم العراق.
* *
والعراق -بنظري- لا يزال أمامه تحديات كثيرة، بعضها استمعنا إلى معلومات عنها خلال زيارتنا بشكل مباشر، وأخرى بغير ذلك، لكن في مجملها وأهمها القضاء على تنظيم داعش بالقوة العسكرية، لكن الفكر الداعشي والثقافة الداعشية لم يتم القضاء عليهما بعد، ولن يتم ذلك سريعًا؛ فقد تم في فترة غير قصيرة غسل أدمغة الشباب والشابات في المدارس الداعشية، بالترغيب والترهيب، وبحسب الأهداف والممارسات المرسومة التي اعتقدوا أنها ستقودهم إلى بناء دولتهم الإسلامية. وقد ضللوا وخدعوا الناس بأفكارهم، وجربوا مع من لم يقبل ببيت الطاعة ممارسة القتل معهم بمشاهد دامية، وعرضها من باب التخويف عبر قنوات التلفزة والمنصات الإعلامية الأخرى.
* *
وفي هذه الأجواء التي تجمع بين الحزن على ما آل إليه العراق، والتفاؤل بما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، كان أكثر ما يهمنا في الزيارة هو العلاقات السعودية – العراقية المطلوبة في هذه المرحلة، وتمنياتنا بأن يتواصل الاتصال، ويكون التواصل بين الدولتين ذا هدف، تكون نتائجه لصالح الرياض وبغداد، وامتدادًا لصالح دولنا العربية. وقد لاحظنا كمؤشرات ومبادرات جيدة في هذا الشأن أن وزير الخارجية ووزير التجارة السعوديَّين وآخرين من المسؤولين قد زاروا بغداد، وأن وفدًا تجاريًّا سعودياً فعل ذلك أيضًا، وأن المنتخب السعودي لكرة القدم سوف يصل إلى العراق، ويلعب مع المنتخب العراقي – لعب فعلاً في أجواء استقبالية ترحيبية غير معتادة -؛ وكان الهدف من المبادرة حرص المملكة على إعطاء العراق حقه الرياضي بعد أن عُزل بحجة أوضاعه الأمنية غير المستقرة. وقد تُوجت هذه الزيارات بزيارة الوفد الإعلامي عالي المستوى والتمثيل؛ ليكون ضمن هذا الجهد في تحسين العلاقات بين بلدَيْنا، وفي مقابل ذلك فقد زار المملكة رئيسا الجمهورية والنواب ورئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء العراقيين، مما يظهر جدية التوجه نحو بناء علاقات متميزة بين بلدَيْنا.
5 ما هي تكتيكات داعش بعد سقوط دولته؟
د.عبد الرحمن الحبيب
الجزيرة السعودية
إذا كان تنظيم داعش هو اختصار «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فهذه الدولة سرعان ما سقطت وتضاءل عدد مجندي التنظيم، وتدهورت حالته المالية، وتوقفت أغلب مجلاته الإلكترونية التي ساهمت عالمياً بجذب الأتباع..الخ. فهل انتهى هذا التنظيم أم لا زال يعمل؟ وما الذي يعمله الآن ليبقى؟
رغم كل هزائم داعش، فقد خلص الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير عن التهديد الذي يشكله إلى أنه «لا يزال يشكل تهديداً كبيراً ومتنامياً في جميع أنحاء العالم» (ماثيو ليفيت، معهد واشنطن). يذكر آخر تقرير لمجلس الأمن بشأن داعش وتنظيم القاعدة وما يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات، أن داعش لا يزال يشكل تهديداً عالمياً كما شهدنا هجماته الإرهابية في أوروبا وفي جنوب شرق آسيا كالفلبين، وما زال التنظيم الأم في العراق وسوريا يتكيف مع استمرار الضغط العسكري المفروض عليه.
إذا كان الأمر كذلك، فما هي التكتيكات التي يتبعها داعش بعد انهيار دولته لكي يبقى عالمياً كتنظيم القاعدة؟ يمكن إجمال أهم تكتيكاته في أربع: إرسال الأموال، تحفيز الهجمات الفردية المستقلة، التحالف من تنظيمات إرهابية أخرى، تهيئة بعض العائدين لتنفيذ هجمات. سنوجز هنا لكل واحدة منها بالاستناد على تقارير الأمم المتحدة، ونلخص للنتيجة المتوقعة لداعش.
لا يزال التنظيم الأم (في العراق وسوريا) قادراً على إرسال بعض الأموال خارج منطقة النزاع إلى مؤيديه. فقبل هزيمته الأخيرة أرسلت قيادة التنظيم أموالاً من مصادره الهائلة آنذاك خارج مناطقه تحضيراً لهزيمته العسكرية. ويجري حالياً تقسيم الأموال إلى مبالغ صغيرة عبر نظام «الحوالة»، واستخدام مقدمي خدمات توصيل المبالغ النقدية المحترفين الذين يتلقون أجراً ويجري اختيارهم بعناية على أساس جنسيتهم وقدرتهم على السفر إلى بلدان محددة، مما يجعل اكتشافها أكثر صعوبة. ويستفيد التنظيم من أعمال مشروعة يستخدمها كواجهة، وكذلك من أفراد «نظيفين» ظاهرياً، قادرين على التعامل عبر النظام المالي الرسمي.
بيد أن هذه الطرق في نقل الأموال تم قطع العديد منها فضلاً عن تقلص الموارد المالية لداعش، لذا أخذ التنظيم يحث المنتسبين إليه على الاعتماد على مواردهم الذاتية مالياً. لكن هؤلاء سيعانون من ضعف التمويل، لذا يأتي التكتيك الآخر وهو التحفيز على الهجمات المستقلة.
فوض داعش مسؤولية صنع القرار إلى مستويات أدنى للقادة المحليين من التنظيم أو الأعضاء أو المتعاطفين مع التنظيم لشن الهجمات الخارجة عن مناطق نفوذه. كما أنه تحوّل إلى الاتصالات المشفرة ووسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع أتباعه والجماعات المرتبطة به. ووفقاً لتقرير مجلس الأمن المذكور، «يتخذ داعش حالياً هيئة شبكة عالمية تتسم بتراتبية أفقية وسيطرة عملياتية أقل على الجماعات المرتبطة به». أي أن القرار صار لمجموعات صغيرة أو لأفراد لتنفيذ الهجمات، بدلاً من التراتبية الرأسية التي تُوجه من القيادة العليا لداعش.
ومن هنا سيضطر داعش للتحالف التكتيكي مع تنظيمات إرهابية أخرى وحتى مع تنظيم القاعدة رغم استمرار التنافس الاستراتيجي بينهما، فالتغير الحاد في الصراع والسيطرة على المواقع يضطر المقاتلين على الأرض بالتنقل بين مختلف الجماعات ذات الإيديولوجية الواحدة والتكتيك المختلف. وحسب تقرير مجلس الأمن، بات أعضاء في تنظيمي داعش والقاعدة مستعدين لدعم هجمات بعضهم البعض، ما يدل على وجود تقارب بين التنظيمين قد يتزايد مع الوقت. ففي غرب أفريقيا، شكل تنظيم القاعدة إلى جانب بعض الجماعات المنشقة عنه، تحالفاً جديداً يسمى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
حسب التقرير، يهدف التنظيم إلى زرع أفراد في جميع أنحاء العالم، فيبدو أن الأفراد الذين يغادرون منطقة النزاع قد تلقوا إحاطة مفصلة عن كيفية التصرف عند مواجهة السلطات الحكومية لتجنب الذهاب إلى بلدان يمكن فيها إلقاء القبض عليهم. أما العائدون، فيندرجون عموماً ضمن ثلاث فئات عريضة. الفئة الأولى العائدين الذين خاب أملهم في داعش كجماعة وفي الإرهاب كإيديولوجية، ولذلك يمكن إبعادهم عن التطرف وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم. الفئة الثانية، وهي أصغر عدداً بكثير، هم الذين يعودون لهدف محدد هو تنفيذ هجمات إرهابية، وبالتالي يشكلون خطراً كبيرا على الدول. أما الفئة الثالثة، فهي الأصعب في التوصيف، لأنها تشمل أفراداً قد قطعوا صلاتهم مع داعش بعد أن خيب آمالهم كتنظيم، غير أنهم يبقون على تطرفهم، وهم على استعداد للانضمام لجماعة إرهابية أخرى إذا أتيحت لهم الفرصة. ويمثل هؤلاء تحدياً خاصاً لأنهم يشكلون تهديداً دون دلائل ملموسة على وجود صلات حالية لهم بالجماعات الإرهابية.
الخلاصة، من وجهة نظري، هي أن تكتيكات داعش هي مجرد تأخير لاندثاره، وهي الآن تؤدي إلى تبعثره، رغم أن أعماله لا تزال تشكل تهديداً لكنها تتقلص مع ازدياد الضغوط عليه عسكرياً وماليا. إلا أنه ينبغي الحذر، فبعض العائدين من داعش يشكلون الخطر الأكبر وقد يكونون البذرة التي قد تنمو من جديد لتكوين كارثة أخرى إذا استمرت البيئة الحاضنة له (فلتان أمني، وسوء الظروف المعيشية) رغم تحسن الوضع في العراق.. ولنتذكر عندما انحسرت قوة تنظيم القاعدة أتى داعش أشد وطأة لأن الأوضاع ازدادت سوءا.
6 حنا كرام والعراق يستاهل
عبدالله العجلان
الجزيرة السعودية
أثبتت مباراة منتخبنا الودية مع شقيقه العراقي على ملعب (جذع النخلة) في البصرة وما صاحبها من زخم اعلامي سعودي بتوجيه واهتمام من معالي رئيس هيئة الرياضة الأستاذ تركي ال الشيخ، ان الرياضة تستطيع ان تكون وسيلة لتحقيق الكثير من الأهداف السامية النبيلة في جوانب عديدة سياسية واجتماعية وثقافية وأيضا إنسانية يحتاجها الشعب العراقي الذي عانى من ويلات الحروب السخيفة والجوع والضياع والألم والتشرد، ومزقته الطائفية البغيضة سنوات طويلة مريرة، كما أكدت ان القرارات العقلانية الحكيمة لابد ان تكون لها نهايات سعيدة ناجحة، وخصوصا في هذه الظروف التي يمر بها العراق، وبمبادرة من دولة بحجم ومكانة وثقل وتأثير المملكة إقليميا وعالميا.
نجاح المباراة وتأثيرها الرسمي والشعبي رأيناه في فرح وسعادة واحتفاء العراقيين بمختلف اطيافهم وتوجهاتهم واهتماماتهم باشقائهم السعوديين، فشكرا لمعالي رئيس الهيئة ولاتحاد الكرة ولكل من فعل وتفاعل بجهده وفكره وحرفه ومشاعره، مع الدعاء لعراق العروبة والحضارة والتاريخ وشعبه العظيم بنهاية ازماته والعودة الى زمن شموخه وعزه ومجده.
جبلين الأمجاد عاد
لم يكن صعود فريق الجبلين لدوري الأمير محمد بن سلمان بالنسبة لي حدثا غريبا او مفاجئا، في مقال الاسبوع قبل الماضي وتحت عنوان (الحليان والقرار الشجاع) توقعت صعوده وبينت اسباب تفوقه هذا الموسم، وقلت ان انجاز الصعود سيكون تتويجا مستحقا ونتاجا طبيعيا لخطوة رئيسه خالد الحليان الجريئة بالاعتماد على ابناء النادي وعلى لاعبي الاندية والمدن القريبة من بيئة واجواء حائل وامكانات وقدرات نادي الجبلين.
حلم الصعود وصدارة المجموعة والمنافسة على درع الدوري هذه مجتمعة لم تأت هكذا مصادفة او بضربة حظ، بل حصاد تعب وبذل وتخطيط سليم ليس فقط لتحقيق هدف الصعود وانما لبناء فريق شاب واعد يستطيع الدفاع عن اللون البني سنوات طويلة قادمة وبتكاليف مادية معقولة تتلاءم مع ظروف وواقع النادي، وهذا بالتأكيد استثمار مربح ومنجز مهم لحاضر الجبلين ومستقبله ويدعم الفريق في مشوار الاولى الاقوى.
المحايدون يرون ان وجود الجبلين في دوري الثانية لا يليق بتاريخه وعراقته وشعبيته، واحتفاء الكثيرين بصعوده من داخل حائل وخارجها يبرز مكانته ويجسد حقيقة التعاطف معه، ويثبت ان لديه الكثير لتقديم نفسه وتحقيق امال وطموحات جماهيره، كما يعيد من جديد لرياضة حائل وللمنطقة بصفة عامة الوهج الكروي الجميل والمثير مع شقيقه الطائي المؤهل والمنافس بقوة على بطاقة الصعود لدوري المحترفين..
مبروك لحائل المنطقة، ولمحبي وجماهير الجبلين، شكرا لاعضاء الشرف الداعمين ولكل من ساهم في صناعة هذا الانجاز وتحديدا ادارة النادي برئاسة الخلوق خالد الحليان ونائبه الباذل الداعم عبدالله العديم واعضاء مجلس الادارة والجهاز الفني ونجوم الفريق، تهنئة للاصدقاء والاحبة الجبلاويين وبالأخص الوفي المخضرم عبدالرحمن الجويره.
الاتحاد وفضيحة الاستثناء!
قدم نادي الطائي احتجاجا على مشاركة لاعب فريق الخليج المواليد محمد متولي بحجة عدم نظامية تسجيله، بعد قرابة ثلاثة اسابيع قرر اتحاد الكرة قبول الاحتجاج شكلا ورفضه موضوعا، الى هنا يبدو قرار الرفض طبيعيا وان الاتحاد اتخذ القرار لان لديه ما يثبت سلامة اجراءات تسجيله، لكن رد لجنة الانضباط فيما بعد على استفسار نادي الطائي عن سبب عدم قبول احتجاجه رغم تقديمه ما يؤكد صحته خاصة في موضوع انه ليس لديه اقامة نظامية بالقول ان هنالك استثناء للاعب عن هذا الشرط من اللائحة من قبل رئيس اتحاد الكرة، هو الذي زاد من قوة ومنطقية موقف الطائيين واثار شكوكهم واستغراب المتابعين من هذا الالتفاف على لائحة التسجيل الواضحة الصريحة..!
لا يوجد في نظام اتحاد الكرة ولا لوائحه ما يجيز لرئيس الاتحاد استثناء اللاعب او غيره من تطبيق شرط اساسي أقره واعتمده الاتحاد نفسه ليكون ضمن المتطلبات المهمة والضرورية لتحقيق الفائدة المرجوة للكرة السعودية من الاستعانة باللاعبين المواليد المقيمين فيها بموجب إقامة نظامية، لا ان يأتي بتأشيرة زيارة كما هو معمول به في التعاقد مع اللاعبين غير السعوديين، الأسوأ والأخطر من هذا ان الاتحاد فتح على نفسه بهذه المخالفة باباً واسعاً للتشكيك به وبقراراته وكذلك ازدواجية معاييره وتعامله وعدم مساواته بين الأندية..!!
الان وبعد ان اتضحت الأمور على حقيقتها، وقبل ذلك لانصاف نادي الطائي ستكون لجنة الاستئناف (الجهة القضائية) في الاتحاد هي الفرصة الأخيرة والمؤهلة بحكم تخصصها والقادرة بصلاحياتها على انقاذ ما يمكن إنقاذه وتحقيق العدالة بلا ضغوط ولا تدخلات ولا استثناءات..!
7 منتخب البصرة.. وقاسم سليماني!
عبدالرحمن الطريري
عكاظ السعودية
بالصدفة وجدت على أحد رفوف مكتبي، الكتيب المصاحب لمعرض المملكة العربية السعودية بين الأمس واليوم، والذي اقيم في القاهرة في العام 1987، وقد جال قبلها وبعدها في عدة مدن، حيث أقيم لأول مرة في مدينة كولون الألمانية، وانتقل بعدها إلى شتوتجارت ثم هامبورغ، وتابع رحلته التي استمرت لسبع سنوات بين مدن عربية وأوروبية.
حينها كانت الصورة الذهنية عن المملكة، تختزل في ثلاثة أمور؛ الكعبة والصحراء والنفط، وتغيرت تلك الصورة عند أغلب من حضروا هذا المعرض، هذا بحسب اللقاءات الصحفية التي أجريت مع بعض الزوار الغربيين للمعرض آنذاك.
اليوم ما زالت المملكة هي مركز العالم الإسلامي، ودولة عربية مهمة، ودولة إقليمية مؤثرة في الشرق الأوسط، لكنها بالإضافة إلى ذلك تتبوأ المملكة اليوم مكانة اقتصادية مهمة، ضمن مجموعة العشرين G20، والتي من المفترض أن تستضيف قمة العشرين في العام 2020.
كما أن السعودية بنت قوة عسكرية تتناسب مع حجمها وتأثيرها، وتعمل على تطوير منظومتها العسكرية، وتنويع سلة أسلحتها، كما يظهر معرض أفد المقام حاليا في الرياض، التطور الذي بلغته الصناعات العسكرية السعودية، على مستوى نقل المعرفة وتوطين الصناعة بأيد سعودية.
لكن الجميل أيضا أنها تقوم بوثبات كبيرة في تغيير نمط الحياة، وأصبح هناك العديد من البرامج الترفيهية، والمشاريع الطموحة كنيوم والقدية والبحر الأحمر، مما يزيد ارتباط الناس واستمتاعهم داخل بلدهم، بعد أن عاش جيل يعتبر بوابة المطار هي أجمل مناطق المدينة.
بالتوازي مع كل هذه الأمور، تأتي أهمية القوة الناعمة السعودية، من دراما وموسيقى وثقافة، والثقافة هنا لا أختصرها في المنتج الثقافي، بل يتعدى ذك إلى تسويق المأكولات والملبوسات، ونمط الحياة بشكل عام، لأن القوة الناعمة تزيد من التأثير السياسي في العالم العربي، وتجعل الصورة الذهنية أكثر إشراقا.
وشاهد ذلك ما حصل في المنتدى الاقتصادي «دافوس» هذا العام، حيث قام «مسك» بدعوة الكثير من الضيوف الأجانب ليستمتعوا بوجبات سعودية، من صنع طباخين سعوديين، مستمعين أثناء وجبتهم لموسيقى يعزفها شباب سعودي، على أوتار العود وقانون حب الحياة.
حين نعود بالذاكرة للحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، نجد أن مواطنا آسيويا أو أفريقيا يعرف الكثير عن نمط الحياة في أمريكا، يعرف الجينز والهمبرغر والموسيقى الأمريكية، لكنه لا يعرف طبقا سوفييتيا واحدا، رغم احترامي للأدب الروسي لكن هذا يظل مجهودا فرديا.
استرجعت هذه المقارنة وأنا أسترجع السنوات السبع التي هزت العديد من الدول العربية، وسمحت بتمدد إيراني في عدة دول، وربما في الحالة العراقية يعود الأمر إلى 2003، روجت الآلة الإعلامية الإيرانية طوال هذه الفترة لثلاثة أمور، أولا إلصاق تهمة الإرهاب بالسعودية، وأظهرت الحقائق يوما تلو الآخر، أن إيران هي التي آوت ودربت، والحقيقة الأوضح أنها لم تستهدف من الإرهاب، بل استهدفت المملكة ودولا عربية أخرى.
والأمران الآخران، أنها منقذة الشيعة العرب وأنها نصيرة الأقليات، وهو عنوان يعلقة أيضا بشار الأسد، بحكم القراءة من الكتاب نفسه.
ولنكتف بمثال العراق حيث افتتحت إيران وجبة الدم، بقتل الشيعة قبل السنة، بدءا من طياري الجيش العراقي، وصولا إلى كل شيعي رفض العمل السياسي ضمن المظلة الإيرانية، كما أن العراقيين يعرفون أن من فجر مرقد الإمامين العسكريين هي إيران، لأن بضاعتها الوحيدة هي الطائفية.
وحين ضاق العراقيون من فساد النخبة الحاكمة، خرجوا في البصرة قبل أعوام ليقولوا «إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة»، فهذه أرض عصية على المحتل لمن يقرأ التاريخ، والعراقيون ومن البصرة برمزيتها خرجوا في هذه المظاهرات، ولم يخرجوا من الفلوجة أو أربيل.
من شاهد مباراة المنتخب السعودي مع المنتخب العراقي في «البصرة»، يدرك أثر القوة الناعمة السعودية، وشوق العراقيين لعمقهم العربي، وتلمح بالتوازي حنق قاسم سليماني من الحضور الجماهيري الكبير للقاء، حيث خرج مباشرة للقول إن «مكان الشباب العراقي في المعارك لا في الملاعب».
هذا يختصر بضاعة إيران تجارة «الموت»، وهذا يفسر ضيق الإيرانيين وسعيهم لإلغاء المباراة، وبالمناسبة منعت إيران القيام بأي تعداد سكاني منذ 2003، ظنا منها أن هذا الاستفتاء قد يؤثر على الأغلبية الشيعية في البرلمان.
لكن مباراة كرة قدم كانت كافية، لتقول للجميع البصرة مدينة عراقية، وبالتالي مدينة عربية لا فارسية.
8 وبعضٌ من الغناء “يا عراق” بكاء عثمان الصيني الوطن السعودية
ما لم يصرح به القادة العراقيون هو أن الطائفية والمذهبية لا تزالان موجودتين، وتؤثران على مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية، وأن بعض المكونات السياسية ما زالت تتلقى أوامرها من إيران
حين تكون على جسر الجمهورية متجها إلى ساحة الحرية، وترى النصب التذكاري الذي أبدعه الفنان العراقي جواد سليم عام 1961، وتتجه يمينا إلى ساحة الفردوس حيث أسقطت القوات الأميركية تمثال صدام، وتقلب عينيك في أرجاء بغداد لترى آثار الحروب والحصار والفساد والإرهاب، تعلم أن نزاراً عندما ألقى قصيدته «إفادة في محكمة الشعر» في مهرجان الشعر التاسع ببغداد بعد النكسة، وضع اللوم على قريش وعبد شمس، ولم يعلم أنها خلاخل والبلا من داخل، وفي نظريات السيمانتك أو المعنى ليس المعول عليه هو الخبر الظاهر المعلن، وإنما في المسكوت عنه أو النص الغائب، وهي المعاني التي تدخل في علاقات غير مباشرة يكون فيها المعنى مختلفا تماما عن المعنى أو الخبر الظاهري.
على الرغم من حديث القادة العراقيين عن أن المرحلة السوداء من الطائفية والمذهبية قد ولت أو خفّت إلى حد كبير، لكن ما لا يصرح به هو أنها رغم ذلك لا تزال موجودة، وتؤثر على مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية، وأن بعض المكونات السياسية ما زالت تتلقى أوامرها وتوجيهاتها من إيران، وأن النصر على داعش على الأرض لم يقض تماما على الفكر الداعشي والقاعدي، ويتم الحديث عن كل ذلك بدبلوماسية شديدة النعومة كالانتقال من المحاصصة إلى الائتلاف، وأن الحرص على توازن المكونات يأتي خوفاً من الماضي والمستقبل حسب تعبير رئيس الجمهورية، أو كما يقول دولة رئيس الوزراء «إننا نجحنا في التحكم في الطائفية السياسية، ولكننا كمسؤولين لا نستطيع معالجة الطائفية، وإنما هي بيد المواطنين»، وكثير من القادة العراقيين يبررون تغول إيران في العراق بأنه بعد انهيار الدولة وتوحش داعش الذي وصل إلى مشارف بغداد من كل الجهات، مدت إيران يدها للعراق في حين تخلى العرب عنه، وهو تبرير يفتقد الواقعية؛ فالكل يعلم تغول إيران في العراق بعد 2003 وسيطرة أذرعها العسكرية، وما قامت به حكومة المالكي بعد ذلك، مما لم يتح مجالاً للعرب لمساندة العراق رغم الزيارات العراقية بأعلى المستويات لدول الجوار العربية، وقد يكون للقادة العراقيين وقتها رغبة صادقة في العودة للمحيط العربي، ولكن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، والتعاون الإقليمي والدولي لا يتحقق بالنوايا الحسنة فقط، فهناك في العراق أربع منظمات لا تدين بالولاء لغير إيران، هي: (1) حزب الله العراقي الذي يضم لواء أبي الفضل العباس وكتائب كربلاء وكتائب زيد بن علي وكتائب علي الأكبر وكتائب السجاد، واندمجت معا في 2007، ويرأسه واثق البطاط. (2) منظمة أو فيلق بدر الذي تكون في إيران أيام صدام حسين، ويرأسه حاليا هادي العامري. (3) عصائب أهل الحق التي تأتمر بالولي الفقيه في إيران، ويرأسها قيس الخزعلي. (4) سرايا طليعة الخرساني الذي يعمل أمينها العام علي الياسري تحت إشراف الحرس الثوري مباشرة. أما الحشد الشعبي الذي يقدم نفسه على أنه مكون وطني يضم الشيعة والسنة والكرد والتركمان فعلاقاته العسكرية والسياسية المباشرة مع إيران واضحة، وتحسب المكونات السياسية العراقية حسابها، وهو لا يحسب حسابا في العراق لأحد سوى السيد علي السيستاني. وهذه المنظمات استخدمت الاغتيال كما تستخدم الآن الترهيب والترغيب، أو على الأقل وضع العصا في دواليب القاطرة الوطنية التي تسعى للعودة إلى المحيط العربي.
هذه المنظمات التي تغذي وتحرك الهجوم ضد السعودية، وتتهمها بأنها السبب في تصدير داعش للعراق، تعلم علم اليقين، ويعلم أيضاً كثير من النخب العراقية أن القاعدة وداعش في العراق والشام صناعة عراقية سورية، وهم يعلمون أن نواتهم كانت من مجموعات الأفغان العرب التي استقدمها صدام أثناء الحصار، ووفر لها معسكرات في المنطقة الصحراوية غرب العراق، وأن حملة اجتثاث البعث بعد الاحتلال دفعت كثيراً من البعثيين إلى الاستعانة بالإرهابيين أو التحالف معهم، والمرحلة الثالثة عندما أحس السنّة باضطهاد الإرهابيين الغلاة من الشيعة لهم في فترة نوري المالكي بالاغتيال والسجن والمحاكمات الصورية والاعتداء على الأموال والأعراض، فانضم بعضهم إلى داعش أو تعاطف معهم، والجميع يعلم أن 8 من قيادات داعش العليا الاثني عشر هم من الحرس الجمهوري، وأبوبكر البغدادي من سامراء، وأخيرا اتفاقات قاسم سليماني مع بعض قيادات داعش في السر ومحاربتها في العلن.
وهناك قضية أخرى بدأ العراقيون يتنبهون لها، وهي الدور القطري والإخواني في العراق، فالذين غذوا التحرك والاحتجاجات والمظاهرات في العراق في الساحات بنفس تكتيك ميدان التحرير ورابعة العدوية في مصر هم الإخوان وبأموال قطرية، وكشفت وثائق واعترافات خميس الخنجر العراقي الذي يحمل الجنسية القطرية منذ 2012 عن الدور القطري الواضح في العراق، واستغلت الأذرع الموالية لإيران والإخوان في محاولة لصرف الأنظار عن الدور القطري بإقحام السعودية في ذلك، وهي لا علاقة لها بذلك من قريب أو بعيد، ولعل أذكى ربط لعلاقة قطر بالإرهاب في العراق ما قاله نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي، من أنه منذ مقاطعة السعودية ومصر والبحرين والإمارات لقطر لم تحصل في العراق أي عملية تفجير مفخخ أو اغتيال، وهذه الملاحظة سمعتها أيضاً من بعض الباحثين في الداخلية العراقية.
يعول المسؤولون العراقيون كثيرا على مجلس التنسيق السعودي العراقي الذي بدأت تظهر آثاره على تسريع العلاقات التجارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فمن الرحلات الجوية المباشرة إلى طلب فتح المزيد من المنافذ البرية، وتسهيل إجراءات الاستثمار في العراق، وهم يتطلعون إلى الاستثمار السعودي بشغف كبير، إذ يقول أحد المسؤولين العراقيين إن العراق المعروف بأرض السواد نسبة إلى كثافة النخيل والزراعة أصبح يستورد سنوياً ما يعادل 50 مليار دولار من الخارج، أي حوالي نصف الموازنة العراقية، والمؤلم أن العراق البلد الزراعي صار يستورد حتى الخضار والبطاطس من الخارج، وهناك نحو 4 آلاف شركة إيرانية ومثلها تركية في العراق، ويهمها ألا تتحسن علاقاته مع السعودية، ويبقى ضعيفاً محتاجاً إليها، فيما يرى وزير الصناعة العراقي أن الصادرات السعودية تمتاز على غيرها بثلاثة أمور: سرعة الوصول والجودة العالية وانخفاض السعر، ولعل معرض بغداد الدولي الـ 44 في أكتوبر 2017 يكشف حجم المملكة في العراق، فالعادة أن يحضر المعرض في كل دورة من 200 – 300 ألف زائر، وهذه السنة وصل العدد إلى مليون و300 ألف، وكان الزحام الأشد على جناح المملكة العربية السعودية.
إن اعتماد السعودية على كل عناصر القوة السابقة يجعلها تأخذ مكانتها الطبيعية في العراق، كما هو عبر العقود السابقة وأفضل، متى ما توفرت لدى القيادة العراقية الجديدة، القادمة بعد أشهر في انتخابات مجلس النواب الذي سينتخب بدوره رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، الرغبة الصادقة في جعل العراق حرا مستقل الإرادة مستقل القرار، بعيدا عن التأثير الإقليمي الذي يؤثر على مصلحة العراق العليا.
9 تدمير آخر أسلحة العراق
وليد الزبيدي
صحيفة الوطن العمانية
قبيل بداية الحرب في العام 2003 بعدة أيام باشرت لجان التفتيش الأممية بتدمير آخر اسلحة العراق، وسبق ذلك تدمير المنشآت التابعة للتصنيع العسكري والمختبرات وكل شيء مرتبط بالسلاح العراقي، لكن تدمير آخر ما تبقى من صواريخ اثار في حينها تساؤلات جوهرية، ففي الوقت الذي تصعد فيه الإدارة الأميركية من لهجتها وتهديداتها بقرب شن الحرب ضد العراق توجهت لجان التفتيش إلى منطقة شمال بغداد وتحديدا إلى معسكر التاجي (30 كم شمال العاصمة)، وباشرت هناك بتدمير صواريخ “صمود اثنان” وهو الاسم الذي اطلقه العراق على هذه المنظومة من الصواريخ، وسبب التساؤلات والاستغراب لدى المختصين العراقيين والمراقبين أن هذه الصواريخ غير مشمولة بقرارات مجلس الأمن لأن مداها مائة وخمسين كيلومترا، وهي لا تقع ضمن الصواريخ الهجومية، لكن يبدو أن الادارة الأميركية عملت على تهيئة الأراضي العراقية بطريقة تضمن فيها عدم تعرض قواتها التي ستدخل العراق لأي هجوم بالصواريخ.
أصبحت أزرار الحرب تحت الأصابع، ولم يعد بمقدور أحد أن يقدم قراءات اخرى، وأعلن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في (16/3/2003) قائلاً: لا شك أننا اقتربنا من نهاية الجهود الدبلوماسية في إطار الأزمة العراقية.
ما عزز من قناعة العراقيين، بأن الحرب وشيكة، إبراز وسائل الإعلام الأميركية لتقرير يشير إلى أن الاستخبارات الأميركية تعجز عن تقديم أدلة محددة إلى الكونجرس أو البنتاجون عن أسلحة العراق المحظورة. ويتضمن التقرير (نشرته الواشنطن بوست في 16/3/2003) معلومات تقول إن كبار المسؤولين في الاستخبارات الأميركية يقولون إنهم مقتنعون بأن العراق يخبئ أسلحة دمار شامل، إلا أنهم يشعرون بأنهم لن يكونوا قادرين على إثبات ذلك، إلا بعد الغزو، حيث تكون للقوات العسكرية الأميركية ومحللي الأسلحة الأميركيين فرصة مطلقة غير مقيدة داخل العراق. وهنا لا بد من التذكير بأن جميع اللجان التي حققت عن اسلحة العراق المزعومة بعد الغزو لم تجد أثرا لتلك الأسلحة على الاطلاق.
بعد هذا التمهيد، الذي يتلاءم وطبيعة التصعيد الأميركي، لتهيئة الأجواء لشن الحرب على العراق، جاء الإنذار النهائي الذي وجهه جورج بوش إلى الرئيس العراقي صدام حسين ونجليه بمغادرة العراق خلال (48) ساعة. وتم إلقاؤه عبر التلفزيون الأميركي في ساعة متأخرة من صباح الثامن عشر من مارس، وسبق ذلك إعلان كوفي عنان بسحب المفتشين وجميع موظفي الأمم المتحدة من العراق، كما أعلن تعليق برنامج النفط مقابل الغذاء.
جاء الإنذار النهائي للرئيس جورج دبليو بوش، ليضع حدا للتصورات المتناقضة، التي كانت تسيطر على العراقيين، وأغلق الباب بصورة نهائية، بوجه الذين يعتقدون، أن السياسيين الأميركيين، يعتمدون أسلوب المناورة السياسية، لتحقيق أهدافهم الكبرى، دون استخدام السلاح.
عندما وصل انذار الرئيس بوش إلى غالبية العراقيين، أحدث هزة ليست بسيطة عند الكثير من العراقيين، واختلطت الأمور عندهم، فقد كان الإنذار واضحا، لا يقبل اللبس أو المناقشة، وعزز من القناعات بحتمية وقوع الحرب، وانتشرت الأخبار المتسارعة بسحب الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية أعضاء لجان التفتيش، كما صدرت أوامر فورية بإجلاء بقية الموظفين، وسارعت العديد من السفارات إلى الإعلان عن مغادرة موظفيها ودبلوماسيها العاصمة العراقية، على وجه السرعة.
ما إن أرخى الليل سدوله، وأدرك العراقيون أن الوقت يقضم الساعات المتبقية بسرعة، حتى وجد الكثيرون أنهم في حالة فوضى في ترتيب الأوراق، دون أن يعرفوا إلى أين يسير القطار بعرباته الكثيرة، التي تزخر بالغموض والتشويش.
10 تحدي (داعش) ما بعد أفول (خلافته)
حسن أبو هنية
صحيفة الراي الاردنية
رغم الإعلان عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» والقضاء على مشروعه السياسي كدولة مع نهاية 2017، فإن التنظيم لا يزال يعمل كمنظمة لا مركزية ويتمتع بالقدرة والفعالية على تنفيذ هجمات مركبة في مناطق عديدة في العراق وسورية، وهو لايزال يسيطر على جيوب عديدة وينتشر في مساحات واسعة، ولا تزال فروع التنظيم وولاياته الخارجية تتمتع بالقدرة على تنفيذ هجمات كبيرة في بلدان عربية وإسلامية مختلفة، وتشكل شبكاته ومجاميعه المنسقة وخلاياه الفردية النائمة و»ذئابه المنفردة» خطرا على أمريكا وأوروبا.
تلك هي أحدى الخلاصات التي خرج بها مؤتمر دولي عقد على مدى يومين في 27 و28 فبراير الماضي في العاصمة الأميركية واشنطن، ونظمته وزارة الخارجية الأميركية والإنتربول والمعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون، وشارك فيه قضاة ومسؤولون في أجهزة إنفاذ القانون ودبلوماسيون من حول العالم بهدف تعزيز التنسيق في جهود محاربة تنظيم «داعش»، وقد تحدث منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز عن الحرب ضد «داعش، وقال أنهم حققوا انتصارات عليه في كافة ميادين المعارك إلا أن «التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا»، وأضاف: «أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم داعش يصبح لامركزيًا على نحو متزايد».
لقد جادلنا في دراسة سابقة على انعقاد مؤتمر واشنطن حول مآلات ومستقبل تنظيم داعش ما بعد أفول حلافته، وخلصنا إلى ذات النتائج التي انتهى إليها منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز، فلا يزال تنظيم «داعش» رغم طرده من مناطق سيطرته الحضرية المدينية يتمتع بقدرة على التكيّف، وأن الإعلان عن هزيمة نهائية للتنظيم لا تزال بعيدة المنال، وذلك من خلال التفريق بين نهاية المشروع السياسي لتنظيم الدولة، وبين التنظيم كحركة تمرد سنبة سلفية راديكالية تعمل كمنظمة تتوافر على هيكلية تنظيمية وإيديولوجية وتمويل، فمرحلة الانكماش والأفول بعد فقدانه لمناطق سيطرته الرئيسية ونهاية مشروع «الدولة» دشنت حقبة العودة إلى حالة «المنظمة» بالاعتماد على نهج حرب العصابات، ورغم أن عودة التنظيم مرة أخرى للتمدد وفرض سيطرته المكانية في العراق وسوريا مرة أخرى مستبعدة على المدى القريب، لكنها لا تزال ممكنة على المدى المتوسط والبعيد، نظرا لتوافر الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أدت إلى بروزه وصعوده المثير.
أعلنت الولايات المتحدة خلال المؤتمر الدولي الأخير، أن تنظيم «داعش» يتطوّر ويتكيّف مع الهزائم التي مني بها في كل من العراق وسوريا، محذرة من أن تحوّل التنظيم المتشدد إلى اللامركزية يجعله أكثر انتشارًا وخطورة، وقال ناثان سيلز: «نحن نلفت نظر المجتمع الدولي إلى أن سقوط ما يسمى دولة الخلافة في العراق وسوريا لا يعني أن تنظيم داعش لم تعد لديه سلطة، بل على العكس من ذلك».
وأكد على إنه «مع تحقيقنا الانتصار تلو الآخر على تنظيم داعش في ميدان المعركة، فإن التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا»، وأضاف: «المعركة لم تنته على الإطلاق، إنها مجرد مرحلة جديدة، نحن ننتقل من جهد عسكري بالدرجة الأولى إلى جهود مدنية وقمعية متزايدة»، وتابع: «أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم داعش يصبح لامركزيًا على نحو متزايد … إنه آخذ في التطور والتكيف».
لا جدال أن تحولات تنظيم «داعش» وتكيفاته تفرض تحديا يتطلب اتباع نهج مغاير يتعامل مع أنماط جديدة من المخاطر تتجاوز المقاربات العسكرية التقليدية وبحسب سيلز، فإن الإدارة الأميركية تعتمد في حربها ضد التنظيم المتشدد على أدوات عديدة أبرزها العقوبات المالية وقائمة بأسماء المسافرين جوًا واستخدام البيانات البيومترية في ضبط الحدود، وهي توصي بقية دول العالم بأن تحذو حذوها، وقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، في 27 فبراير 2018 إدراج عدد من الجماعات على صلة بتنظيم الدولة الاسلامية «داعش» ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، وقال بيان للخارجية الأميركية، إنها أدرجت على لائحة الإرهاب «فروع داعش في كل من إفريقيا الغربية، والفلبين، وبنغلادش، والصومال، ومصر، إلى جانب جند الخلافة في تونس.
في ذات السياق كشف منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب، أنه على صعيد العقوبات المالية فإن الإدارة الأميركية أدرجت على قائمتها السوداء للمنظمات والأفراد «الإرهابيين» سبعة فروع لتنظيم داعش واثنين من قيادات التنظيم، هما أبو مصعب البرناوي زعيم جماعة بوكو حرام الجهادية في نيجيريا وغرب أفريقيا، ومهد معلم القيادي في تنظيم داعش في الصومال، وأضاف أن «هؤلاء الإرهابيين نشروا حملة تنظيم داعش الدموية في أربع جهات الأرض، وأن العقوبات ترمي إلى تأكيد أن تنظيم داعش هو «شبكة دولية» تصبح «أكثر فأكثر لامركزية».
ثمة سوء فهم والتباس في الإعلان عن هزيمة تنظيم «داعش» رغم طرده من معاقله الحضرية المدينية في العراق وسوريا، فلا يزال الخوف من هجمات التنظيم الخارجية يحتل المرتبة الأولى في قائمة المخاوف العالمية حسب مسح قام به مركز «بيو» في 1 آب/ أغسطس 2017، إذ لا يزال التنظيم حسب معهد دراسات الحرب يعمل على تصدير رؤيته لمسألة الخلافة إلى فروع خارجية، ويتكيّف بتحويل أيديولوجيته عن الخلافة من مجتمع مادي إلى مجتمع افتراضي منظم يعمل على نقل أهداف داعش بشكل مستقل عن المنظمة، فهزيمة داعش في سوريا والعراق قد لا تكون كافية لهزيمة تنظيم داعش العالمي.
خلاصة القول أن خطر تنظيم «داعش» لا يستند لمجرد كونه حركة جهادية إرهابوية بل لأنه مثّل لكثير من الشباب إيديولوجية احتجاجية سنيّة غاضبة لما آلت إليه أحوال العرب السنة في المنطقة من إقصاء وتهميش وإذلال بعد نهاية الحرب الباردة ومرحلة إحتلال العراق وحقبة تدمير الانتفاضات العربية فتنظيم الدولة الإسلامية بإعلانه إعادة تأسيس خلافة إسلامية سنيّة لم يكن مجرد حركة جهادية متطرفة بأهداف محدودة ولم يتمكن من خلق جاذبيته وتجنيد آلاف المقاتلين السنة العرب والأجانب بفضل قدراته التنظيمية ودعايته السياسية فحسب، بل إن معظم أنصار ومؤيدي «داعش» في العالم الإسلامي لا يتوافقون مع رؤيته الإيديولوجية الدينية المتصلبة وطرائق حكامته الفظة وأساليبه وتكتيكاته العسكرية المرعبة، فالتنظيم شكل خيارا اضطراريا لأجيال شابه محبطة تشعر بوجود مؤامرة مركبة محلية وإقليمية ودولية تهدد هويتها السنية، وتستهدف حاضرها ومستقبلها، تلك هي أخطر سردية يؤمن بها أنصار «داعش»، وهي ما تستحق العناية والملاحظة تفاديا لولادة نسخة «داعشية» جديدة أكثر خطورة وأشد تطرفا.