4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 في عصر عولمة الظلم وتواطؤ الصامتين هيفاء زنكنة
القدس العربي

هل هناك طعم واحد للظلم؟ هل لممارسة الانتهاكات والجرائم، بلا رادع قانوني أو أخلاقي، كتيبات توزع على الغزاة والمحتلين ومن يحكم بالنيابة، فتضمحل الفروق عند تفحص لا إنسانية النتائج؟
ثلاثة أحداث مرت في الأسابيع القليلة الماضية تقودنا إلى التساؤل حول تشابه طبيعة الظلم وتمحوره من شكل إلى آخر مهما اختلفت البلدان. تم الحدث الأول، فجر يوم الخميس 15 شباط/ فبراير، في فلسطين المحتلة، حيث أعتقل جنود الاحتلال الإسرائيلي الشاب الفلسطيني ياسين عمر السراديح، البالغ من العمر 33 عاما، فور محاولته الوصول إلى منزل خاله الذي تم اقتحامه من قبل الاحتلال. اعتدت عليه بالضرب المبرح، وتحديدا على معدته وظهره، أمام الجميع، وتم سحله وتقييده وأخذوه وهو لا يعاني من أي مرض، قال شقيق الشهيد سليمان. مساء، أبلغت سلطات الاحتلال عائلة الأسير ياسين، باستشهاده. في اليوم ذاته، في مدينة البصرة، جنوب العراق، تم الحدث الثاني. حيث اعتقلت القوات الأمنية المشتركة الشاب حازم مهلهل حسين، البالغ من العمر 35 عاما. تم، بعد ساعات من اعتقاله، إبلاغ عائلته بوفاته. لم يكن الشاب يعاني من مرض « وتوفي حازم بعد ساعات من اعتقاله في ظروف غير واضحة»، حسب مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة، داعيا اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة إلى « فتح تحقيق بحادثة الوفاة، ومراعاة حقوق الإنسان، خلال حملات بسط الأمن من قبل الأجهزة الأمنية». قام مجلس المحافظة بتشكيل لجنة تحقيقية لتقصي وقائع الحادث. وإذا ما حدث وانتاب القارئ بعض الأمل، في إظهار الحقيقة، عبر لجنة التحقيق، فلابد أنه لا يعرف أن تشكيل لجنة تحقيق حول أي قضية كانت، يعني طمر القضية تحت كومة من اللجان. إنها ملح يُصب على الجروح.
يقودنا الحدثان، بواقعهما اللاإنساني، واختلاف الجهات المسؤولة، وكون الجهة الأولى قوة احتلال والثانية قوة أمن «وطنية»، إلى النظر أعمق في طبيعة الظلم، وتشابهه، وشموليته التي تدفع الكثيرين إلى القبول بمنظور، انطلق من أمريكا اللاتينية حول وجود استعمار خارجي، أوضح أشكاله الامبريالية والرأسمالية المتوحشة، واستعمار داخلي يتمثل بالأنظمة « الوطنية» القمعية في مرحلة ما بعد الاستعمار أو التحرر الوطني. تتحكم بالعلاقة غير المتكافئة بين الاثنين الحاجة إلى السوق ومصادر الطاقة من قبل الأول والحاجة إلى الحماية وديمومة البقاء في السلطة من قبل الثاني. كلاهما يمارس القمع بدرجات، وإذا ما اختلفت درجة القمع، فحسب الحاجة وتواطؤ الصامتين». من الصمت إلى التواطؤ ليس هناك سوى خطوة واحدة»، يقول جان بول سارتر.
يتعلق الحدث الثالث لا بارتكاب جريمة القتل المتعمد، كما في حالة الشابين الفلسطيني والعراقي، بل بسلب حق الحياة، في المعتقلات. ففي فلسطين يسلب المحتل حياة المئات من الأسرى على مدى عقود. نائل البرغوثي، أقدم الأسرى في العالم، كان في التاسعة عشرة حين اعتقل وقد تجاوز، الآن، الستين.
في العراق هناك معتقلون منذ عام الغزو، استنادا أما إلى وشايات « مخبر سري»، أو بتهمة الإرهاب. اعترف النظام بأن شهادات أكثر من 300 مخبر كاذبة، مما يعني أن الآلاف من ضحاياهم أما لايزالون في السجن أو أعدموا، ومع ذلك، لم تتم مراجعة الأحكام الصادرة بحق ضحاياهم. كيف ستتحقق العدالة؟
أما في أمريكا، فمعتقل غوانتانامو وصمة عار لا تمحى ببلد يمنح نفسه غزو بلدان أخرى لأنها لا تحترم حقوق الإنسان. في أمريكا، في ظل « العدالة الأمريكية»، حُكم على د. رافل ظافر، وهو طبيب عراقي أمريكي، متخصص في علاج الأورام السرطانية، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2005، بالسجن مدة 22 عاما. اتّهم د. رافل بجمع تبرعات، وإيصال شحنات أغذية وأدوية إلى العراق، في سنوات الحصار التي أودت بحياة آلاف الأطفال. وهي جريمة بررتها وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت، عند سؤالها عما إذا كان هذا ثمنا يستحق الدفع لأسقاط النظام العراقي؟ فقالت نعم إنه يستحق». وهي الفترة التي استقال أثناءها اثنان من ممثلي الأمم المتحدة في العراق وهما دنيس هاليداي وهانز فون سبونك. عن سبب الاستقالة، صرح دنيس هاليداي قائلا: إن ما يحدث هو جريمة إبادة. استخدم مفردة إبادة لأنها سياسة متعمدة لتحطيم الشعب العراقي». لم ينكر د. رافل « تهمة» إرسال المساعدات، الموجهة ضده. وبينما قضى سنوات حكمه الأولى في سجن، على مقربة من مدينته، إلا أن تصاعد حملة الكراهية ضد المسلمين وسياسة « الحرب على الإرهاب»، أديا إلى وضعه في سجن مشدد الحراسة، مع محكومين مسلمين، ويطلق عليه أسم « غوانتانامو الصغير».
وعلى الرغم من تدهور صحته وإصابته بالعديد من الأمراض وتوفر فرصة تقديم طلب إلى الرئيس أوباما التماسا للرأفة والعفو، لكنه رفض القيام بذلك، قائلا: «كيف يمكن لشخص بريء مثلي أن يطلب تخفيف الحكم عن تهمة مزعومة، من مجرم، بغض النظر عمن يكون؟»
هل مفهوم الظلم واحد؟ بالنسبة إلى الدول العربية، حاول تقرير الأمم المتحدة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) المعنون «الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل» تقديم تحليل لظاهرة الظلم المستشرية في البلاد العربية، أسبابها وإيجاد السبل لمعالجتها. وجاء وأد التقرير المهم على يد الأمانة العامة للأمم المتحدة التي قامت بحجبه بعد يوم واحد من نشره في كانون الأول/ ديسمبر 2016. كان التقرير صريحا في تشخيصه طبيعة التوافق بين الاستبداد المحلي (أو الاستعمار الداخلي كما بات شائعا) والاستعمار الخارجي، وتحميلهما مسؤولية ما يدور في العالم العربي، من قتل المتظاهرين، والمعتصمين العزل، واضطهاد الناس على أساس الدين أو العرق، والانقسام الطائفي وانتهاك حقوق الإنسان، ونشر ثقافة مشوهة سواء ادعت انتماءها للحداثة أو للتراث تكرس الخضوع للاستبداد والبطش. بالمقابل، يؤبن الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل لعلوم الاقتصاد، العدالة « فبدلا من العدالة للجميع، نحن نتطور إلى نظام عدالة لأولئك الذين يستطيعون شراءها». فهل بإمكان الباحثين عن العدالة استعادة مسارها قبل ان تكون سلعة معروضة للبيع؟
2 هزيمة داعش لا تعني النهاية
ماتياس فون هاين البيان الاماراتية

الجميع ذهب يتساءل عن فرص السلام بعد الإعلان عن هزيمة تنظيم «داعش» في العراق من جانب التحالف، فهل يمكن الآن أن تندفع عجلة السلام بعد هزيمته؟ هذا الأمر لن يكون سهلاً. فالمعركة الطاحنة في الموصل دامت تسعة أشهر من سفك الدماء.

وقد خسر «داعش» قبضته على ثاني أكبر مدينة في العراق، ورمز السلطة بالنسبة للمتشددين، حيث قام زعيم الجماعة الإرهابية أبو بكر البغدادي منذ حوالي ثلاث سنوات تقريبا بتنصيب نفسه «خليفة» المسلمين، من على مسجد النوري الذي فجره تنظيم داعش خلال الأيام الأخيرة للمعركة. وحيث في الموصل أيضا، بدأ «داعش» يظهر هالة عن عدم التقهقر، عندما تمكن بضع مئات من مقاتليه من هزيمة الجيش العراقي وإخراجه من المدينة في عام 2014.

ويمكن أن تشكل هزيمة «داعش» في العراق سبباً للاحتفال، إذا كان يعني ذلك ظروف معيشية أفضل للسكان، ووضع برنامج إعادة إعمار للمدن المتضررة بشدة، ومستقبل آمن. لكن تحقيق تلك الأمور يتطلب أكثر بكثير من مجرد الانتصار على التنظيم. وسيستمر التنظيم الإرهابي في شن هجمات انتحارية ضد أسواق المدينة في أعقاب هزيمتها، ويبقى أن نرى من سيملأ الفراغ في السلطة من بعده.

وكان الشيء الوحيد الذي وحد الفصائل المختلفة للتحالف المناهض لـ «داعش» معارضة تلك الفصائل المشتركة للتنظيم. والآن، بعد دحر مسلحي التنظيم خارج المدينة، فإن التنافسات القديمة يمكن أن تسرع في العودة إلى الواجهة السياسية. وقد تجمعت مجموعات مسلحة متباينة في عدة مدن عراقية ومنها: الجيش العراقي، والشرطة ووحدات مكافحة الإرهاب، التي عناصرها إلى حد كبير من الشيعة (كما هو حال الحكومة المركزية في بغداد)، وما يسمى «قوات الحشد الشعبي» (القوات التي يهيمن عليها أيضا الشيعة، وبعضهم لديه روابط مع إيران)، عدا ميليشيات سنية، ومقاتلين من البشمركه من جماعات كردية متنافسة.

وكل جماعة لديها أجندتها الخاصة. على سبيل المثال، سوف يسعى الأكراد إلى الاستقلال من جديد. وقد تقاوم بعض الميليشيات التي يهيمن عليها الشيعة عملية نزع سلاحها. وسوف يكون هناك مزيد من سفك الدماء بين نهري دجلة والفرات تتغذى على الصراعات التي لم تحل بعد بين هذه الجماعات، وستزداد حدة نظراً للتوتر الطائفي بين الشيعة والسنة. كل ذلك سيجري في إطار إقليمي أوسع نطاقاً حيث للدول الإقليمية تأثير على هذا الجانب أو ذاك، وحيث تتدخل الولايات المتحدة وروسيا كقوى عظمى في الخلفية. والجدير بالاعتبار أن «داعش» نفسه هو النتيجة طويلة الأمد لغزو الولايات المتحدة الاستباقي للعراق عام 2003، وهي حرب شكلت انتهاكاً للقانون الدولي.

وقد دفع الجيش العراقي والميليشيات ثمناً باهظاً لاستعادة المدن العراقية من داعش، وسوف يرغبون بتعويضات على شكل نفوذ سياسي، أو على الأقل، سيرغبون في الاستفادة من إعادة الإعمار. لكن الشعب والناس البسطاء العاديين هم الأكثر تضرراً: فالألوف قتلوا فيما فر حوالي 900 ألف شخص فقط من مدينة الموصل، حسب تقديرات وكالة اللاجئين للأمم المتحدة. ويعيش سكان الموصل من السنة في خوف من قوات «داعش» وقوات «التحالف»، الذين اتهمتهم جماعات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب.

وكان القسم الشرقي من الموصل خالياً من «داعش» على مدى ستة أشهر، ومع ذلك، تعم حالة من الغضب وعدم الرضا على نطاق واسع. فلا تزال السلطة مفقودة، أما المياه العذبة فيجب أن تشحن إلى ذاك القسم من المدينة من جانب الأمم المتحدة. وقد عادت المدارس وفتحت أبوابها وسط ضجة كبيرة، لكن المدرسين بدون رواتب. وتجد مدناً أخرى تم تحريرها مثل الرمادي والفلوجة وتكريت نفسها في أوضاع محفوفة بالخطر مماثلة.

ولا يعد بإمكان العالم أن يتحمل تنظيم حرب مرة أخرى من دون ترتيبات من أجل السلام. وهناك حاجة إلى مبالغ طائلة من الأموال من المانحين الدوليين لإعادة بناء الموصل. وما جمع مؤخراً لا يكفي، وينبغي أن توضع تلك الأموال في استخدامات مفيدة، ويمكن أن تقطع شوطاً طويلاً في إبطال تلك المشاعر بين الطوائف الدينية في العراق بالتمييز ضدهم. فهذا ما مكّن «داعش» من الصعود إلى السلطة في المقام الأول. دعونا لا نرى صراعاً على السلطة آخر من أجل المدن في العراق وقد خرج عن نطاق السيطرة.
3 التقارب السعودي مع المرجعيات الشيعية
أمل عبد العزيز الهزاني
الشرق الاوسط السعودية
ليس من قبيل المبالغة القول إن ما يقف بين المملكة العربية السعودية، قبلة العالم الإسلامي ومركزه النابض، وبين العراق ما بعد 2003 بتعدده الإثني، هو جسر عبور بسيط كان ينتظر أن تصفو أجواؤه للتحرك. الرياض رفعت يدها تماماً عن العراق احتجاجاً على الاحتلال الأميركي، واحتجاجاً أكبر على سوء إدارة واشنطن للملف العراقي بعد سقوط صدام حسين، وعدم أخذها بجدية نصائح المملكة حول التهديد المحيط بالعراق من النظامين الإيراني والسوري اللذين تسببا بدمار هائل للعراق وتهديد لبقية دول المنطقة.
مع الوقت، كما نرى، ثبتت صحة الرأي السعودي وخطأ الأميركي. الإيراني المتربص بالعراق يحمل جراباً كبيراً لمخططات انتقامية وتراكمات نفسية وأطماع لا حدّ لها، فدخلت إيران بعدّها وعتادها وثقلها إلى العراق بلا إذن، وفي أوجّ قوتها الاقتصادية والسياسية أشعلت نار الطائفية، وأججت الصراعات داخل البيت العراقي الواحد الذي كان يضم الشيعي والسني على السواء، واستجاب لها الكثير من الشيعة العرب الذين ظنوا أن حقوقهم التي سلبها صدام حسين باليد اليمنى ستعيدها لهم إيران باليد اليسرى. راقبوا ما يحصل اليوم، لم يعد يصدق إيران سوى الشيعة المنتفعين سياسياً، أو المضطرين إلى مجاراتها حفاظاً على مراكزهم أو على حياتهم.
اجتاحت إيرانُ العراقَ حتى وصلت إلى عمق بيت الرئاسة والبرلمان ومجلس الوزراء، وأصبح الأقرب حظاً لهذه المواقع هو الأقرب مسافة إلى طهران. وخلال هذه السنوات – نحو خمسة عشر عاماً – همّشت السيادة العراقية، حتى بات من الواضح للعراقيين أن العراق من دون إيران بلد آيل للسقوط بسبب صراعاته مع التنظيمات الإرهابية السنية و«القاعدة» بشكل خاص، والذين كانوا يتسربون من الحدود السورية تحت عين صديقهم بشار الأسد ورعاية طهران. أُريدَ بالعراق أن يكون بلداً ضعيفاً، عسكرياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً، أُريدَ به أن يكون أرضاً للرعب والموت، حتى يكون ملائماً للسيطرة الإيرانية التي تتطفل على الأجساد المريضة. عجزت إيران عن الدول المتماسكة في بنيانها السياسي والاجتماعي لكنها نجحت في أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا وغزة، وكادت تنجح في اليمن.
وحتى تنظيم داعش الذي احتل الموصل في صيف عام 2014 خلال ساعات، لم تستطع ميليشيات الحرس الثوري الإيراني أن تتخلص منه لولا التدخل الأميركي، تماماً كما حصل في سوريا التي عجزت إيران فيها عن رد المقاومة وبسط نفوذ بشار الأسد الذي كان يوشك على السقوط لولا التدخل الروسي، وبالمثل في اليمن، الذي كان سيذهب لقمة سائغة لإيران من خلال ميليشيا الحوثي، قبل أن تقرر السعودية التدخل وتشكيل تحالف عسكري لتحجيم عملاء إيران وبسط الشرعية. إيران في الحقيقة لديها تسويق إعلامي جيد لقدراتها العسكرية، لكن في واقع الحال هي فشلت في العراق وسوريا واليمن.
انفرجت أمور كثيرة في العراق، وتغيرت الأحوال عما كانت عليه في السابق؛ فالاحتراب الطائفي بات أقل حدة، وارتفعت أصوات برلمانية وشعبية تنادي بمكافحة الفساد، الذي أرى من وجهة نظري أنه العدو الحقيقي لمستقبل العراقيين، وأقول ذلك لأن العراق لا يملك يداً عليا يمكن لها تنفيذ إجراءات المساءلة والمحاسبة لرموز سياسية كبيرة. حتى رئيس الوزراء – وكما يتردد – لا ترتفع يده كثيراً عن منافسيه السياسيين. هذا ما يجعل هذا الخطر في مقدمة ما قد يواجه العراق من أزمات على مدى طويل.
السعودية حريصة على العراق وعلى تقاربها على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، لكنها بعيدة كل البعد عن التدخل السياسي أو الآيديولوجي، وترى من وجهة نظرها أن العراقيين سواء، مهما كانت انتماءاتهم، ولهذا وجهت دعوة إلى أبرز وأقوى وأشجع الرموز الشيعية وهو السيد مقتدى الصدر، واستقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صيف العام الماضي. وبعدها بشهرين استقبل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في الرياض، رئيس الوزراء حيدر العبادي مع وفد رفيع المستوى، وتم التوقيع على تأسيس مجلس تنسيق سعودي – عراقي لمتابعة التطور الجديد في العلاقة بين البلدين. واليوم يزور بغداد وفد إعلامي سعودي من رؤساء التحرير بدعوة من نقابة الصحافيين العراقية، وكان في جدول الزيارة لقاء مع العبادي الذي أكد أهمية التعاون والتعايش لتحقيق الأمن وتطوير العلاقات على أكثر من صعيد.
هذا التقارب يزعج الإيرانيين الذين تفردوا بالساحة العراقية منذ عام 2003، ويكسر سطوتهم التي بدت أنْ لا حدود لها على جميع المستويات. السعودية لا تنافس إيران على العراق، بل تهدف إلى إعادة العلاقات مع بلد عربي جار وشقيق، مر بامتحانات قاسية من انعدام للأمن وتبديد لثرواته، بل إن الرياض لم تتدخل لتسليح السنة حتى في أوجّ الصراعات الطائفية وتهميش حقوقهم كمواطنين، لإيمانها بأن مثل هذه التدخلات تزيد من شعلة النار ولن تطفئها.
العراقيون اليوم أمام درس من دروس التاريخ، واقع عاشوه واستخلصوا منه العبر، بأن العراق لا بد أن يتطهر من الوجود الإيراني، وأن تكون سيادته مصونة ضد أي تدخل. هذه الدرجة من الوعي ربما لم تصبح مبدأ راسخاً لدى الكثير من العراقيين، خصوصاً الشيعة الذين يعتقدون أنهم الحلقة الأقوى في اللعبة السياسية، لكن الأكيد أن رموزاً وشخصيات عراقية شيعية قيادية رفيعة مدركة لخطر التدخل الفارسي على هويتهم وحياتهم، وخطورة ما آلت إليه بلادهم بسبب جار السوء الذي شرذم العراقيين واستخدمهم ضمن خريطة العبور إلى سوريا، وسطا على عاصمتهم العربية بغداد بأن سمّاها عاصمة للإمبراطورية الفارسية التي يحلمون بها.
4 الفقر في بلاد الرافدين كاظم الموسوي

الوطن العمانية

” ساهمت الحرب ضد “داعش” خلال ثلاث سنوات، في تزايد حدة الفقر في البلاد نتيجة نفقاتها الباهظة وتدمير الكثير من البنى التحتية ومنازل السكان. علما أن الآلاف بل الملايين من العراقيين في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى تضرروا من سيطرة “داعش” على مناطقهم منذ العام 2014، ونزح الكثير من تلك العوائل إلى مناطق آمنة في إقليم كردستان ووسط وجنوب العراق،”
ـــــــــــــــــــ
عنوان صادم، الفقر في بلاد الرافدين، ولكن الوقائع تفزع بذلك، ويصبح الحال أكثر إيلاما حين تعلن مؤسسات دولية في تقاريرها الدورية أرقاما ونسبا مئوية للفقر والفقراء في هذه البلاد. وليس آخرها التقرير الذي صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) يوم 2018/2/11 وجاء فيه، أن ربع أطفال العراق يعانون من الفقر بعد الحرب على داعش. أو أن طفلا من بين كل 4 أطفال في بلاد الرافدين يعيش في حالة فقر، وأن 4 ملايين طفل يحتاجون للمساعدة كنتيجة للحرب على تنظيم “داعش”. وأن نصف مدارس بلاد الرافدين بحاجة إلى إصلاح بينما تعطلت العملية التعليمية لأكثر من 3 ملايين طفل، وأضاف التقرير، أن الأمم المتحدة تحققت من وقوع 150 هجوما على منشآت تعليمية، و50 هجوما على مراكز صحية وموظفيها منذ 2014.
تقرير المنظمة بأرقامه وإحصاءاته مؤلم وقاس على الحريصين فعلا على البلاد والعباد، وعلى مستقبل بلاد الرافدين. وهذا الوضع يضع أمام من يتحمل المسؤولية مهمات جسيمة واختبارات محسوبة بدقة. كما هو معروف، أن هناك لجنة عليا لسياسات التخفيف من الفقر، أو التقليل أو مكافحة أو ما تسمى به، عقدت اجتماعات، وآخرها برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي في بغداد، يوم 2018/1/22 وأقرت اللجنة استراتيجية وطنية للتخفيف من الفقر في العراق بين أعوام 2018 ـ 2022 وتحقيق هدفها الأساس في خفض مستويات الفقر العام. وشدد العبادي على أن العراق يجب أن يغادر حالة الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي باتباع إجراءات تستهدف الفئات المهمشة خلال مدة تنفيذ هذه الاستراتيجية. وأكد العبادي على توفير فرص عمل للشباب، والترويج لإنشاء القرى الرائدة في الريف العراقي، مشيرا إلى ضرورة مواصلة تقييم بدائل بناء السكن الاقتصادي لمعالجة السكن العشوائي.
من بين ما توصلت إليه اللجنة الموافقة على المشروع الطارئ لدعم “الاستقرار الاجتماعي والصمود”، لقرض البنك الدولي على أن يوزع على مشاريع التشغيل والقروض لأغراض العمل. وإطلاق تمويل إكمال المشاريع المنجزة (غير المدفوعة) الخاصة بسكن الفقراء وبناء المدارس. وهذه أقوال أو أفكار مكررة تحتاج أن توضع على المحك وتقرأ النتائج والحلول الواقعية وإنجازات الأهداف منها.
في الوقت نفسه، تعمل وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي على الخطة التي أطلقت استراتيجية مكافحة الفقر لسنوات (2018 – 2022) في خطوة لخفض معدلاته التي قاربت الـ 23٪. حسبما صرح المتحدث الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي، وقال: إن الاستراتيجية الجديدة تتعامل مع الواقع الموجود حاليا لاسيما أن مؤشرات الفقر لاتزال مرتفعة، حيث يعيش نحو 23 ٪ من سكان العراق تحت خط الفقر بواقع نحو 10 ملايين شخص، مشيرا إلى أن تلك النسبة تعتبر كبيرة ومرعبة وتتطلب وضع حلول ومعالجات لتقليل نسبة الفقر.
تجري الوزارة مسوحات ميدانية بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والبرنامج الإنمائي وتستهدف تلك المسوحات جميع فئات وشرائح المجتمع حيث يتم تحديد خط الفقر وفقا لحاجة المواطن في عدة أبعاد منها الصحة والسكن والدخل اليومي والتعليم والحماية الاجتماعية فضلا عن تمكين المرأة.
أكد ذلك وزير التخطيط العراقي، سلمان الجميلي (04 شباط/ فبراير 2018 ) موضحا أن استراتيجية الحد من الفقر للعراق تستمر على مدى الفترة من 2018 ولغاية 2022. وقال إن الاستراتيجية تعتمد على قاعدة بيانات دقيقة تشمل نسبة الفقر والأوضاع الاقتصادية للسكان على مستوى البلاد. وسوف تركز على تنمية الطبقة الفقيرة، من خلال مشاريع استراتيجية تتيح فرص عمل للباحثين عنها، فضلا عن تقديم العون ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية. وكانت آخر الأرقام الرسمية المعلنة من وزارة التخطيط عن معدل الفقر في البلاد، نهاية 2013، بنسبة 16٪. بينما أشارت التقديرات إلى ارتفاع تصاعدي في معدل الفقر منذ ذلك الوقت، بوصوله إلى 22 ٪ خلال 2014، ثم ارتفع إلى 30 ٪ خلال العام 2016. أي أن معدل الفقر في العراق في ازدياد منذ 2014، نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي تشكل إيراداته نحو 95 ٪ من ميزانية الدولة.
ساهمت الحرب ضد “داعش” خلال ثلاث سنوات، في تزايد حدة الفقر في البلاد نتيجة نفقاتها الباهظة وتدمير الكثير من البنى التحتية ومنازل السكان. علما أن الآلاف بل الملايين من العراقيين في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى تضرروا من سيطرة “داعش” على مناطقهم منذ العام 2014، ونزح الكثير من تلك العوائل إلى مناطق آمنة في إقليم كردستان ووسط وجنوب العراق، حيث فقد أغلبيتهم بيوتهم وما كانوا يملكونه.. وقد تسببت الحرب على عصابات الإرهاب في تدمير نسبة كبيرة من البيوت في المناطق التي كانت تحت سيطرة عصابات “داعش”.
رغم المعطيات الرسمية يصعب إعطاء رؤية مستقبلية للفقر في العراق لأن المستقبل الاقتصادي للعراق يرتبط بمجموعة من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي تؤثر في الملامح المستقبلية للاقتصاد العراقي منها ما يتعلق بالوضع الأمني وحجم الإيرادات النفطية وتقلبات أسعار النفط وكيفية التعامل مع الديون والتعويضات، وحجم الاستثمار المتوقع في العراق، وقد كشف مؤتمر الكويت الأخير لإعمار العراق بعض هذه الوجوه والتعقيدات للرؤية البناءة.
اللجنة العليا ولجان وزارة التخطيط والتعاون وغيرها من الجهات المكلفة بالحد من الفقر وتفاقم مشكلته، يقتضي عليها إلا تكتفي بعقد اجتماعات وإصدار بيانات وإطلاق تصريحات عن خطط واستراتيجيات فقط وحسب، بل العمل الفعلي على تنفيذ استراتيجيات منتظمة وإنجازات الخطط الموضوعة والتصريحات عن النتائج والمنجزات المتحقق منها. وهذه لا تتم بدون تشريعات وقوانين ومكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين أو المعرقلين للتنفيذ والتطبيق. وبدون الخطط الاستراتيجية وشبكات الرقابة والشفافية ومراكز البحث والإحصاء والمقارنة بين الأهداف والإنجاز والإخلاص في التخلص من العوامل والأسباب المؤدية فإن القضية المفزعة ستستمر وأن الفقر في تصاعد والأزمة في تفاقم وكل ما سبق يصير كلاما في شبك…