مقالان فقط عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 نتائج استفتاء كردستان… فتنة نائمة؟
أحمد الميالي
الحياة السعودية

تعاملت الحكومة الاتحادية في بغداد والقوى السياسية مع الاستفتاء في إقليم كردستان في بادئ الأمر على أنه مشكلة سياسية تحتاج إلى حل، واتخذت سياقات عدة، إذ تعاطت مع القادة الأكراد سياسياً وطلبت التوصل قبل فوات الأوان إلى تسوية للوضع في الإقليم الذي أجرت حكومته المحلية استفتاء على الانفصال، ولم تستطع بغداد حل المشكلة، على رغم اتخاذها خطوات من جانب مجلس النواب الاتحادي بإصدار قرار برفض الاستفتاء وتكليف رئيس الحكومة اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على وحدة العراق، إضافة إلى تصويت المجلس على إعفاء محافظ كركوك من منصبه كإجراء عقابي لضم كركوك للاستفتاء ورفعه علم الإقليم فوق مباني المحافظة، إضافة إلى ملفات أخرى.

وكي تترسخ هذه القرارات طلبت الحكومة من المحكمة الاتحادية أن تفصل بين الطرفين، وفقاً للمادة ٩٤ من الدستور وإصدار المحكمة الاتحادية أمراً ولائياً برفض هذا الإجراء والطعن في دستوريته، إضافة إلى اتخاذ قرارات من مجلس النواب في يوم الاستفتاء بخصوص إرسال قوات عسكرية الى كركوك والمناطق المتنازع عليها، إضافة إلى انعقاد المجلس الوزاري للأمن الوطني وإقراره حزمة خيارات وإجراءات أمنية داخلية وخارجية، فضلاً عن تحرك الحكومة بخصوص المطارات والمنافذ الحدودية والنفط وطلب تسلميها لبغداد من إقليم كردستان.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التوجهات العامة للرأي العام داخل الإقليم تكشف أن معظم الناخبين والفاعلين السياسيين من الممكن أن يقبلوا حلاً وسطياً، إذا حصل الإقليم على مزيد من الاستقلال المالي.

صحيح أن هناك توجهات انفصالية محدودة في الإقليم، دلل عنها تفعيل البرلمان المعطل منذ سنتين واتخاذه قراراً محدوداً بالانفصال، وفي الوقت ذاته تسيطر على الحكومة الكردية شرائح حزبية محددة متمثلة بالحزب الديموقراطي الكردستاني ونسبياً حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، لكن يبدو أن هذه الحكومة وزعامات الحزبين تعهدت المضي قدماً بتوظيف ورقة الانفصال عبر إجراء الاستفتاء كضاغط إضافي على بغداد وبعض المحاور الإقليمية والدولية الممانعة. والواضح أن الناخبين أيدوا الاستقلال والانفصال وهم يعتقدون بأن النتيجة ستكون ملزمة لبغداد والمجتمع الدولي، أياً كانت العواقب وهي تضيف لهم قوة أكبر للتفاوض على مستقبل الإقليم.

كان من البدهي أن الحكومة ستكسب النزاع مع الإقليم دستورياً، فالمحكمة الاتحادية ستقر بأن الاستفتاء غير قانوني بموجب دستور العام ٢٠٠٥، ومن ثم يتم حظر نتائج الاستفتاء وتضطلع السلطة القضائية بمقاضاة جميع من شارك فيها وروج لها.

وفي الواقع أفضى الاستفتاء إلى انقسام داخل الإقليم نفسه إضافة إلى انقسام في بغداد على السواء، فالأكراد، بلغتهم وثقافتهم المميزة، يعتبرون أنفسهم دولة، لكن على رغم أن التوقعات واستبصار المشهد داخل الإقليم تؤكد أن معظم سكان إقليم كردستان يؤمنون ويحلمون بدولة مستقلة لكن ليس في ظل هذه الظروف الصعبة، وذلك لا يعني أن نتيجة الاستفتاء مستقبلاً ستكون في غير مصلحة الأكراد بالإجمال.

الجدير بالذكر أن مسعود بارزاني الذي لا يبدي مرونة حتى الآن في التفاهم مع بغداد أشار إلى إمكان عقد حوار جديد مع القيادات السياسية داخل الإقليم، لمناقشة مستقبل الأكراد ما بعد الاستفتاء وليس قبله.

أما القوى السياسية في بغداد فهي منقسمة في رؤيتها لما بعد الاستفتاء، فمنهم من يرى الأمر باعتباره مشكلة سياسية تحتاج إلى حل، ومنهم من يراها فتنة يجب سحقها وهذا يعقّد المشكلة أكثر، لاسيما أنه تم رفض التوصل إلى حلول وسطية بين الطرفين (الإقليم والمركز) في أكثر من وفد متبادل بينهما.

لكن إذا بحثنا عن جوهر المشكلة سنجدها مشكلة اقتصادية وسياسية وليست فتنة، على الأقل ضمن منظور بغداد. فعلى المستوى السياسي، داخل الإقليم تتراوح المشكلة بين الصراعات والتجاذبات بين القوى السياسية، خصوصاً رئاسة الإقليم والانتخابات والحكومة ومستقبل الإقليم. وعلى المستوى الاقتصادي يعيش الإقليم أزمة مالية خانقة قد تؤدي الى إضطرابات اجتماعية تضرب الاستقرار والتعايش، ولهذا عليه أن يسعى الى الاتفاق على حل المشاكل الداخلية بين قواه السياسية ثم ينتقل الى بغداد للاتفاق على المشكلة الاقتصادية، ومن الواضح أن أفضل الحلول هو إعطاء الأكراد مزيداً من الاستقلال المالي، مثل الكثير من التجارب الاتحادية في العالم، كإقليم الباسك في إسبانيا الذي يُحصّل ضرائبه ويدفع حصته المتفق عليها للخزانة الإسبانية.

لكن بوادر وجود حلول وســط حول الاستقلال المالي بين الطرفين لا تبدو قريبة، فهناك انقسام داخل بغداد وداخل الإقليم، وأيضاً ضـــواغط إقليـــمية ودولية حول الانفصال وشرعيته وكيفية احتوائه. ونقطة الـــبداية ستكون بالتأكيد للأكراد أن التهديد بالانفصال لم يعد ورقة تساومية ناجزة على الدوام، لأن هناك تساؤلاً مطـــروحاً عنـــوانه ماذا بعد الاستـــفتاء؟ وهل يملك الأكراد مقومات دولة؟ وهل سيحصلون على الاعتراف الدولي والإقليمي؟

قد لا يتبقى لبغداد بعد تجريب الخيارات والبدائل السياسية، إلا أن تتجه للتعامل مع الانفصال ونتائج الاستفتاء على أنه فتنة يجب سحقها باستخدام القوة بمفهومها الشامل، ومنها الخيار الأمني لتثبيت الحقائق والمواقف، لكن هذا يحتاج تفاهمات إقليمية ودولية وأممية، كي يتشرعن، لكن هناك التباس حيال هذا الأمر، اذ ان الرفض التركي والأميركي والخليجي لم يتضح انه حقيقي وفاعل، بل قد يتم احتواء واستيعاب الاستفتاء والتعاطي معه كواقع حال، وأيضاً قد يوظف في مواجهة إيران والحكومة الاتحادية وبعض القوى السياسية الممانعة لهذه المحاور.

لقد تعامل الطرفان، بغداد والإقليم، مع الدستور العراقي باعتباره حجراً صلباً وليس وثيقة حيّة تخدم الدولة المعاصرة الديناميكية. وإذا استمر ذلك فإن وقت المنطق سرعان ما سينتهي وتتحول كل المشاكل السياسية إلى فتنة تتسارع الأطراف الواقعة فيها إلى سحق بعضها بعضاً. وفي هذه الحال يجب ألا ننتظر لتأتي المشاكل إلينا كي نتصدى لها، ولا بد أن تسود عقلية التشاور ثم الحسم بدلاً من عقلية التأجيل والترحيل، والكلمات والخطابات الإعلامية وحدها ليست كافية بل يتعين وضع سياسات جديدة تستند إلى احتواء الجميع ومنحهم الحقوق والفرص.

ومن غير المقبول ادانة التطرف والعنف والإرهاب والتقسيم فيما هناك نواقص للوحدة، إذ لا زالت هنالك مواصلة نسبية من الجميع لسياسات تشجع على السلبية والمشاكسة وعدم احترام القانون والدستور.
2 الأكراد ضحايا العاطفة
غمكين مراد
الحياة السعودية

للكردي، عُرفاً، سِمة الصخر من الجبال. وكل ما للكردي من مشاعر وأحاسيس وملامح ليس بمقدورها أن تترجم طغيان العاطفة في كيانه. بِها ومن ورائها وبتأثيرها، لا يقر للكردي قراراً صائباً في المحن وتقرير المصائر حين يحتاجه الحسم.

عبر تاريخه الطويل جداً كان الكردي مطيّة غيره، على حصان عاطفته، حيث يوصل هذا الغير إلى مبتغاه وينسى الكردي نفسه، والأمر من ذلك انقلاب الواصلِ بِه عليه، ومن ثم إن تمكن جعله قرباناً لآلهة غاياته الدفينة في وسيلة سياسته.

ليس للكردي في خضم عاطفته أي غد، وهو يخوض ساحات الوغى على أرضه الآن وفي ما مضى وعلى جبهات شتى، ويسبح في بحر السياسة العالمية التي خذلته في كل مبادراتها واتفاقياتها المبرمة عبر هذا الوحل العالمي، ما لم يطعن في قلبه خنجر التمرد على ذاته، مجسداً في عاطفته، ويقطع شريان حياتها.

الكرد شعب كأي شعب آخر، متنوع في كينونته ومختلف ومشرئب في كل مناحي الحياة، وفي مجال السياسة كأي شعب أيضاً سيخرج منه المناضل والعميل والخائن والعاهر والسارق…. والصادق. وبالتالي لا تستقيم قضية الكرد من دون طفو النسبة العظمى من الشعب فوق جميع التصنيفات، والسير فقط وراء حلم راود صغير الكردِ وكبيرهم، في وطن يلم شملهم، ولتأتي كل الخِصال السابقة بعد ذلك، لكن، بصياغة شعورية أخرى غير العاطفة المستدامة لَمَّاً في أي فاجعة أو نَقْاً في أي موقف أو فتنة لأي حدث ما.

لا يمكن أن يكون للكردي أي غد، ما دام إيمانه مستمداً من منبع لا مستقر له أبداً، أي الإحساس فقط، من دون الانغماس في فعل واضح وصريح ونقي يتجاوز ألاعيب الساسة الدوليين ويصدمهم- ولا أقصد القوة أبداً- وذلك في التحكمِ بإرادتهم الضيقة في إطارها الخاص، كقادة أولاً، ومن ثم كتيارات ثانياً، ولا بد من الخروج من أي صف أو جهة حزبية شعارها فقط التعلم في كيفية السبيل في خدمة القضية ومن ثم تجسيدها في أطر ضيقة وذلك بشخصنة المسألة بحكمِ الحل والربط في يد من يبتغون كتم أنفاس الكردي وإن كان رهيناً وراء ستار خُلبي من الوطنية والنضال.

عبر كل التاريخ الكردي وكل التجارب التي عاشها الكرد، السيناريو نفسه يتتالى في بقائهم خارج الحدث التاريخي، ولم تكن عبرة لرسم آن أو غد يختمر فيه دم الكردي نشوة. دائماً كان ألعوبة في اللحظات الحاسمة من الحدث التاريخي، نتيجة الانجرارِ وراء عاطفة أو حتى نزوة الشخصنة اللعينة، إلا في ما ندر سياسياً.