4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 مستقبل القضية الكردية وفق الرؤى الأميركية
محمد عاكف جمال البيان الاماراتية

عنوان هذه المقالة لا يخفي وعورة الخوض في تفاصيلها بالنسبة لمسؤولين في أعلى المستويات في الإدارة الأميركية لحساسية ما تمس من ثوابت ورؤى تتعلق بالبنى الفكرية والثقافية والسياسية التي تأصلت وتجذرت لدى الأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط على مدى عشرات السنين.

فالمواقف الأميركية من أكراد العراق التي ساعدتهم في الحصول على مكاسب كبيرة تقرب من الاستقلال في إطار الدولة الفيدرالية، ومواقفها الحالية من أكراد سورية أكسب سياساتها قدرا من التهديد لأمن بعض دول المنطقة، خاصة تركيا التي تشهد علاقاتها مع الولايات المتحدة وضعا حرجا بسبب التعارض في المواقف من أكراد سورية حلفاء الولايات المتحدة في الحرب على داعش الذين تنظر لهم تركيا نظرة معادية وتصنفهم كحلفاء لحزب العمال الكردي التركي «بي كي كي» الذي تعتبره منظمة إرهابية، فالولايات المتحدة تلاحقها تهمة العمل على تقسيم بعض دول المنطقة.

ترجع جذور القضية الكردية إلى السنوات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية إلا أنها اتخذت طابعا آخر بعد تقسيم أشلائها في نهاية الحرب العالمية الأولى حين وجد الأكراد أنفسهم مقسمين بين أربع دول، تركيا والعراق وإيران وسوريا، وأصبحت طموحاتهم القومية تهدد اللحمة الوطنية لهذه الدول، حيث لم تخل المراحل التي مرت بها قضيتهم من صراعات مسلحة بين الحين والآخر في العراق أولا ثم في إيران ثم تركيا وهي تندلع الآن في سوريا.

تعاطف الولايات المتحدة مع القضية الكردية ليس حديثا، هنري كيسنجر الواسع الاطلاع على البدايات الأولى لعلاقة واشنطن مع الملف الكردي حين أصبح مستشارا للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لشؤون الأمن القومي في يناير 1969 يلقي الضوء على ذلك في كتابه «سنوات التجديد» المنشور عام 2006 حيث وضع فصلا خاصا من عشرين صفحة تحت عنوان «مأساة الأكراد» لم يخفِ فيه تعاطف الولايات المتحدة مع القضية الكردية التي وصفها بضحية التاريخ والجغرافية.

ويعزي موقف بلاده من القضية إلى دوافع أيديولوجية واستراتيجية بالقول «إن التراث الولسوني، نسبة إلى الرئيس الأميركي الثامن والعشرين ودرو ولسون 1913 – 1921 كان يدفعنا باتجاه دعم وتأييد حق تقرير المصير للشعب الكردي» وهي إشارة إلى المادة الثانية عشرة من المبادئ الأربعة عشر التي أعلن عنها الرئيس ولسون عام 1918.

كيسنجر يُرجع علاقة بلاده الإيجابية بالملف الكردي في العراق إلى عام 1972 في اللقاء الذي جرى بين شاه إيران والرئيس الأميركي نيكسون الذي زار طهران قادما من موسكو بعد لقائه الرئيس السوفييتي ليونيد بريجنيف.

في هذا اللقاء جرى التنسيق بين طهران وواشنطن على دعم الحركة الكردية المسلحة بقيادة مصطفى البارزاني. إلا أنه لم يكن بقدرة الولايات المتحدة آنذاك الالتزام المفتوح الواسع بالقضية الكردية لأن ذلك يتطلب فتح جبهة في جبال وعرة وقاحلة قرب الحدود السوفييتية في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة لا تزال متورطة بالحرب في الهند الصينية، هذا إضافة إلى وجود انقسام وطني آنذاك بشأن هذه القضية حسب ما يذكر كيسنجر.

أما الآن وبعد مضي ما يقرب من نصف قرن طرأ تغيير كبير على جميع الأصعدة فقد ساعدت مسارات الأحداث الإقليمية والدولية في خلق ظروف وتوازنات جديدة لم تعد فيها المؤسسات صاحبة القرار في الإدارة الأميركية منقسمة حيال الموقف من القضية الكردية، فسياسة إدارة الرئيس ترامب امتداد لسياسة سلفه أوباما فيما يخص هذا الشأن.

من جانب آخر أصبح للولايات المتحدة حضور ميداني قوي في العراق منذ حرب الخليج الثانية عام 1991 حين فرضت لأكراد العراق منطقة آمنة واستقطعت لهم نسبة من عائدات النفط عندما كان يدار من قبل الأمم المتحدة في برنامج النفط مقابل الغذاء، وتعزز هذا الحضور من خلال الحرب على تنظيم داعش التي أتاحت للولايات المتحدة حضوراً عسكرياً فاعلاً في شرق سوريا وتوفير حماية لحلفائها الأكراد القوة الرئيسية في سوريا للحرب على تنظيم داعش.

وتأتي رسالة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى رئيس إقليم كردستان في الثالث والعشرين من سبتمبر المنصرم، قبل يومين من إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم بمثابة تأكيد على الالتزام بالدوافع التي أشار إليها كيسنجر وعلى اعتراف الولايات المتحدة بالظلم الذي يعاني منه الأكراد منذ العام 1921 في إشارة إلى العام الذي تأسست به الدولة في العراق حيث ألحقت بها كردستان الجنوبية موطن أكراد العراق.
2 العراق… والدور العربي!
صالح القلاب
صحيفة الجريدة الكويتية

مُقدرٌ… وهو في غاية الأهمية، كلُّ هذا الاهتمام “الخليجي”، السعودي والكويتي تحديداً، بالوضع العراقي، فحماية هذا البلد العربي، المحادد والمجاور للسعودية وللكويت، من التدخلات الخارجية السافرة في شؤونه الداخلية لا يمكن أن تكون بـ”التعاويذ والأدعية”، بل بالدعم الحقيقي والفعلي المادي والسياسي والمعنوي، وبالانفتاح على “المكونات” العراقية المذهبية والقومية والحزبية كلها، وإشعار العراقيين كلهم بأنهم إخوة أعزاء لا فرق بين مكون وآخر، سواء أكان عربياً أم كردياً أم تركمانياً أم أزيدياً، وسواءٌ كان سنياً أو شيعياً، أو من أي ملة من ملل ونحل بلاد الرافدين.

هناك تذمر متصاعد في العراق من التدخل الإيراني في شؤون العراقيين الداخلية، وهذا لا يقتصر على فئة دون غيرها، فالأشقاء الشيعة، باستثناء الاستثناءات المعروفة، ما عادوا يتحملون أي تدخل في شؤون بلدهم وشؤون شعبهم، وهذا بات واضحاً ومعروفاً، ويجب تقديره والاهتمام به من الدول المجاورة، المملكة العربية السعودية والكويت والأردن، ومن العرب كلهم… كلهم بدون استثناء، إلا أولئك الذين غدوا يعتبرون أنفسهم من أتباع “الولي الفقيه” ومن المنظومة الإيرانية المنخرطة في استعادة ما يسمى “أمجاد فارس القديمة”.

لقد كان خطأً فادحاً بالفعل أن يُتْرك العراق بكل أهله ومكانته كجدار شرقي للأمة العربية للاستفراد الإيراني الذي أوصله إلى كل هذه التمزقات الداخلية، وإلى عدم الاستقرار هذا، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبداً، ولذلك فإنه يُقدر للكويت ولأهلها ولقيادتها احتضان، نعم احتضان وليس استضافة، مؤتمر إعادة إعمار هذا البلد العربي الرئيسي والأساسي.

وهنا، فإن الأهم من أموال الدعم، على أهميتها، هو إشعار الشعب العراقي بأن أشقاءه يقفون معه وأن أبواب هؤلاء الأشقاء كلها مفتوحة على بلاد الرافدين، وعلى شعبها بكل فئاته، وأنه لم يعد هناك مكان لأخطاء ما بعد حرب عام 2003.

إنه غير جائز، لا بل إنه خطأ فادح، إشعار العراقيين، وخاصة الأشقاء الأعزاء فعلاً من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة التي هي أولاً وأخيراً عربية، ومن العرب وإليهم، أنه ليس أمامهم إلا منفذ واحد وحيد هو المنفذ الإيراني، فإيران رغم أن المفترض أنها دولة “شقيقة” يربطها بالعرب تاريخ حضاري مشترك، فإنها تفعل ما هو متناقض مع هذا التاريخ. لكن، وفي كل الأحوال فإنه “أولى لك فأوْلى”، والأولى هو احتضان الدول العربية القريبة والبعيدة للإخوة العراقيين، وفي مقدمتهم أتباع المذهب الشيعي- الاثنا عشري الذي له ولأئمته كل الاحترام.

ولذلك، ومع تقدير هذه الخطوة التي أقدمت عليها الكويت بعقد مؤتمر إعادة إعمار العراق على أراضيها، وفي ضيافة شعبها المعطاء الكريم، فإنه لابد من متابعة هذا التوجه القومي والعروبي الصحيح والعظيم الأهمية، فمواجهة هذه الأمراض الطائفية والعنصرية، التي باتت تتفشى في جسد هذه الأمة التي هي أمة واحدة، تتطلب المزيد من الانفتاح على بلاد الرافدين وعلى شعبها العظيم بكل مكوناته القومية والمذهبية، وتتطلب أيضاً إنقاذ سورية مما غدت فيه من مصائب، لتعود كما كانت: “قلب العروبة النابض” ومثابة الأمة العربية.
3 العراق: انتخابات المصالح المتعارضة
أمير طاهري
الشرق الاوسط السعودية
بعد نحو 15 عاماً من انتهاء الحرب، التي أسقطت نظام صدام حسين في العراق، لا تزال الظروف والملابسات التي أدت إليها، والطريقة التي تمت إدارتها بها مثيرة للجدل. مع ذلك يقرّ حتى أشد المعارضين للحرب بأن إنهاء حكم صدام حسين الاستبدادي قد منح العراق فرصة للسعي نحو مستقبل أفضل قد يتضمن تحولاً إلى النظام الديمقراطي. صحيح أنه لا يمكن فرض الديمقراطية بالقوة، لكن أيضاً يمكن استخدام تلك القوة في تذليل العقبات التي تقف في طريق الديمقراطية كما كان الحال في ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. في هذا السياق تمت الإشارة إلى إجراء انتخابات واستفتاءات حرة ونزيهة في العراق عام 2003 كدليل على إزالة الحواجز التي كانت تحول دون تحقيق الديمقراطية والتي أقامتها الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة في بغداد. مع ذلك لا تعني الانتخابات وحدها، حتى وإن كانت حرة ونزيهة، تحقيق الديمقراطية.
الضامن الحقيقي لأي نظام ديمقراطي هو فهم، ضمني في أكثر الأحوال، لمجموعة من القواعد والأصول الخاصة بامتلاك واستخدام السلطة السياسية. أعتقد أن العراق قد كوّن خلال الخمسة عشر عاماً الماضية ذلك الضامن. يتكون هذا الضامن في أبسط أشكاله من توافق يتجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية والحزبية يتم بموجبه الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات وممارستها عبر المؤسسات.
قد لا يكون هذا الأمر مبهراً بالنسبة إلى الشعوب في البلاد ذات الأنظمة الديمقراطية الغربية، لكن بالنسبة إلى الشعوب التي لطالما تم التعامل معها كجماد طوال تاريخها، يمثل هذا الأمر أهمية كبيرة. نظراً لأن النظام الديمقراطي في العراق لا يزال يافعاً وهشاً، يجب التعامل مع كل عملية انتخابية في ذلك البلد بحرص وعناية شديدة؛ وتتطلب الانتخابات العامة المقبلة تحديداً عناية خاصة وتحضيراً. قد يعني ذلك تأجيلها إلى أن يتم توفير الظروف المثالية.
هناك عدة أسباب لذلك؛ الأول هو تزعزع التوافق، الذي كان متحققاً خلال الانتخابات التي أعقبت تحرير البلاد، فقد أحدث استفتاء إقليم كردستان العقيم على الاستقلال شرخاً، في حين حدث صدع آخر بسبب الانقسام رباعي الأطراف في صفوف الشيعة. كذلك لم يعد هناك إجماع فيما يتعلق بالتواريخ والطرق وهو ما كان سائداً خلال الانتخابات السابقة. السبب الثاني هو احتمال عدم توافر الظروف اللوجيستية والمادية اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في الكثير من المناطق المهمة.
كذلك تفتقر المحافظات الأربع، التي عانت من ويلات قتال الجماعات الإرهابية المتعاقبة، والتي كان آخرها تنظيم داعش، إلى البنية التحتية المناسبة لتنظيم الحملات الانتخابية، ناهيك عن إعداد سجلات الناخبين، وتجهيز مراكز الاقتراع، وضمان توفير الإشراف الكافي على العملية الانتخابية. وقد أسفرت العمليات القتالية ضد تنظيم داعش بحسب الأمم المتحدة عن نزوح 2.8 مليون شخص لا يمكن تحديد وضعهم الانتخابي قبل 12 مايو (أيار)، وهو التاريخ الذي حدده البرلمان العراقي الأسبوع الماضي. كذلك هناك مشكلة أخرى تتمثل في المناطق «المتنازع عليها» بين الأكراد، والتركمان، والمسيحيين، والشيعة، والعرب السنة. ومن المشكلات الأخرى أيضاً هي وجود العديد من الجماعات المسلحة، التي تنتمي إلى ديانات وطوائف وخلفيات عرقية مختلفة، في ثماني محافظات من إجمالي 18 محافظة، ففي بعض الأماكن مثل الموصل تسيطر تلك الجماعات بشكل غير رسمي في ظل غياب قوات الشرطة والجيش وهو ما قد يجعل تنظيم الحملات الانتخابية، وعملية التصويت، وإحصاء الأصوات الانتخابية أموراً إشكالية. كذلك تنشط في بعض الأماكن الأخرى، وأبرزها التسع محافظات، التي يمثل الشيعة فيها أغلبية، جماعات مسلحة مثل الحشد الشعبي، والتي يُعتقد أنها تابعة لإيران، كأحزاب سياسية، في حين يمثل هذا مخالفة لقانون الانتخابات العراقي، الذي ينص على ضرورة تخلي أي فرد في الجيش يرغب في خوض الانتخابات عن منصبه.
أخيراً تعد أهم حجة مؤيدة لتأجيل إجراء الانتخابات هي تنامي الاتجاه بعيداً عن السياسة الطائفية مع التركيز على الابتعاد عن المفاهيم العرقية والدينية نحو مفهوم الوطنية والقومية الذي يشمل ويضم الجميع. هناك تحفيز بالفعل على التحرك في هذا الاتجاه، وهو ما يبعث على الأمل في ابتعاد أكثر الأحزاب والحركات السياسية عن النظام الطائفي الذي يقوم على المحاصصة، وتقاسم المقاعد في البرلمان، الذي وضعه بول بريمر، الـ«باشا» الأميركي الذي جاء بعد سقوط نظام صدام حسين. مع ذلك تتطلب تلك العملية المزيد من الوقت لتحقيق نتائج مستدامة. في الوقت الذي يرفض فيه العديد من القادة السياسيين الشيعة، ومنهم نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، وعمار الحكيم من تيار «الحكمة الوطني»، ومقتضى الصدر، تأجيل الانتخابات، تشير الأصوات القادمة من النجف إلى أن المرجعية الشيعية، أو رجال الدين الشيعة، ترى عدم التوجه إلى معارضة تأجيل الانتخابات في إطار خطة واضحة لضمان تحقيق الأمن والعدالة وحرية الانتخابات.
كذلك لديّ شعور بأن تأجيل الانتخابات، إذا تم ذلك من خلال الإجماع مع تجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية، سوف يحظى بدعم من كافة الأحزاب الكردية التي لا تزال تعاني من آثار ذلك الاستفتاء المحبط الفاشل. ما أراه غريباً هو أن إدارة ترمب في واشنطن، ونظام الخميني في طهران يتفقان على دعم إجراء الانتخابات في 12 مايو. توجد للولايات المتحدة قوات قوامها نحو 6 آلاف جندي متمركزين في ثماني قواعد في أربع محافظات، وهناك خطة لزيادة عدد القوات إلى عشرة آلاف، مع توسيع منشأتين لتحويلهما إلى قاعدتين دائمتين، لتحلا محل قاعدة إنجرليك في تركيا إذا دعت الحاجة إلى ذلك. سوف تحتاج هيكلة ذلك الوجود الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط إلى دعم واضح وصريح من حكومة عراقية سيتم تشكيلها بناء على نتائج الانتخابات ذات المصداقية. على عكس ما تعتقده إدارة ترمب، لن تخدم انتخابات، يتم إجراؤها بتسرع، ويمكن طعن قطاعات كبيرة من العراقيين على نتائجها، المصالح الأميركية.
وتشعر إيران من جانبها بالقلق من أن تسعى حكومة بغداد المستقبلية، التي ربما لن تعتمد على حسابات طائفية في الانتخابات، إلى التصدي للوجود السياسي والعسكري لطهران في العراق. تمثل إدارة العلاقات مع العراق أهمية كبيرة لإيران أياً كان نظام حكمها؛ فقد يمثل عراق موحد وقوي خصماً ونداً لإيران، بل ربما يمثل لها تهديداً. كذلك قد يصبح العراق، إذا ما بات بلداً ديمقراطياً، نموذجا يتضمن إغواء بالنسبة لإيران التي يمثل فيها الشيعة أغلبية، في حين يمثل العراق الضعيف تربة خصبة للجماعات المسلحة من العرب السنة المنخرطة في «تنظيمات جهادية».
لذا ما يريده قادة طهران هو الإبقاء على انقسام العراق بحيث لا يكون شديد الضعف ولا شديد القوى، حتى يضطر دوماً إلى الاعتماد على إيران. لذا تتوافق انتخابات، لا تجعل العراق موحداً، وبالتالي أقوى، مع مصالح طهران. ما على العراقيين فعله هو أن يسألوا أنفسهم ما الذي يخدم مصالحهم الوطنية.
4 من يقرر مصير الوجود الأميركي في العراق؟
احمد صبري

الوطن العمانية

”وطبقا للراشح من المشهد السياسي فإنّ أغلب الأطراف في العراق حتى الشيعية منها، لا ترغب بانسحاب للقوات الأميركية في الوقت الحاضر لكنها لا تستطيع أن تصرح بذلك بشكل علني خوفا من رأي الشارع وإيران وحلفائها في العراق. وتربط أطراف سياسية ما حدث في صيف 2014 عندما سيطر “داعش” على ثلاث محافظات عراقية وبين عملية الانسحاب الأولى للقوات الأميركية.”

تتداول الأوساط السياسية العراقية معلومات حول حجم الوجود الأميركي في العراق والموقف الرسمي من استمراره أو تحجيمه.
وعلى الرغم من حساسية الموضوع وتداخل وتباين المواقف إزاءه إلّا أن قرب الانتخابات وعودة “داعش” إلى المناطق الغربية من العراق بهجومه المفاجئ على منطقة الرياض بكركوك، فضلا عن تهديد بعض فصائل الحشد الشعبي باستهداف القوات الأميركية تضع كل هذه الأطراف أمام خيارات قد تضعف حكومة العبادي التي تحاول استثمار دور التحالف الدولي في دعم العراق في حربه ضد “داعش”.
وطبقا للراشح من المشهد السياسي فإن أغلب الأطراف في العراق حتى الشيعية منها، لا ترغب بانسحاب للقوات الأميركية في الوقت الحاضر، لكنها لا تستطيع أن تصرح بذلك بشكل علني خوفا من رأي الشارع وإيران وحلفائها في العراق.
وتربط أطراف سياسية ما حدث في صيف 2014 عندما سيطر “داعش” على ثلاث محافظات عراقية وبين عملية الانسحاب الأولى للقوات الأميركية.
ويعتقد على نطاق واسع أن الحاجة لبقاء القوات الأميركية ضرورية بسبب عدم زوال خطر “داعش” بشكل نهائي من داخل البلاد ومن جواره، فضلا عن عدم استكمال القوات العراقية كل قدراتها وخاصة في ما يتعلق بالغطاء الجوي والاستخبارات.
ويقابل هذه الحاجة لبقاء القوات الأميركية جبهة رافضة لبقائها، وهي أجنحة أغلبها مسلحة وقريبة من إيران إلى حد التهديد باستهدافها .
واستنادا إلى تقرير أميركي صدر مؤخرا حول مغادرة القوات الأميركية العراق، يؤكد أن هذه القوات تعمل على بقاء دائم من خلال عدة قواعد عسكرية منتشرة في غرب العراق.
وما بين الرفض والدعوة للبقاء يقف العبادي حائرا يحاول أن يمسك العصا من الوسط بموقف خجول بالتأكيد على أن هناك خطة لخفض عدد قوات التحالف تدريجيا، لكنه أضاف أنّ الخطر ما زال موجودا في سوريا، وأن العراق بحاجة لتغطية منطقة كبيرة من الجو ملاصقة للحدود.
فيما يبرر التحالف وجوده العسكري الدائم في العراق بأنه سيكون مرتكزا على الظروف ويتناسب مع الحاجة وبالتنسيق مع الحكومة العراقية.
وتشير المعلومات إلى وجود ما يقرب من 9 آلاف جندي أميركي في العراق يساعدون في مهمة تقديم المشورة والمساعدة مع الجيش العراقي.
وتتوزع القوات الأميركية في عدد من القواعد العسكرية، وهي قاعدة “فيكتوري” في مطار بغداد و”التاجي” شمال العاصمة، وقاعدة بلد الجوية في صلاح الدين، وقاعدة قيارة (جنوب الموصل)، وقاعدة أربيل، بالإضافة إلى قاعدتي الحبانية، وعين الأسد في غرب الأنبار، فيما تشير مصادر إلى وجود قواعد جديدة أنشئت في القائم، ووسط الصحراء الغربية، كما هي موجودة في مطار الصديق في طوزخرماتو، فضلا عن قاعدة تحت الإنشاء قرب الحدود العراقية السورية.
وهذا الرد والأخذ في موضوع مغادرة القوات الأميركية، سيتصاعد كلما اقتربنا من موعد الانتخابات المقررة في الثاني عشر من شهر مايو – أيار المقبل لا سيما وأن العبادي بطرحه “خطة خفض القوات” يبحث عن مكاسب انتخابية جديدة، للتقرب من بعض المعترضين الشيعة وخاصة القوى القريبة من “الحشد الشعبي” على وجود تلك القوات .وكانت بعض قوى “الحشد” مثل كتائب حزب الله، قد كررت تهديدها بمهاجمة القوات الأميركية. وقال المتحدث باسمها نحن جادون في عملية إخراج الأميركان بقوة السلاح لأن الأميركان لا يفهمون إلّا هذه اللغة حسب قوله.
وعلى الرغم من كل الاعتراضات على الوجود الغربي، لا تزال قدرات القوات العراقية محدودة، وبحاجة إلى دعم القوات الغربية خاصة في مجال التصوير الجوي وهذا ما دفع حلف الناتو إلى وضع خطة لتدريب وتأهيل القوات العراقية.
على أي حال فإن مصير الوجود الأميركي في العراق قد تقرره نتائج الانتخابات المقبلة واحتمال صعود قوى فاعلة من الحشد الشعبي إلى سلطة القرار السياسي، ناهيك عن أنه مرتبط بتطورات الوضع في الإقليم والموقف الأميركي من إيران.