1 إعادة إعمار العراق أم تغذية الفساد؟ افتتاحية القدس العربي
على مدار ثلاثة أيام تحتضن الكويت مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار العراق، تشارك فيه وفود أكثر من 50 دولة، ومئات الشركات الخاصة ورجال الأعمال الأفراد، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمات غير حكومية. الحكومة العراقية أعلنت برنامجاً هائلاً للاستثمار في مختلف ميادين إعادة الإعمار، بينها قرابة 40 مشروعاً له صفة استراتيجية. مؤتمر بالغ الطموح إذن، ولكنه يصطدم بسلسلة تناقضات تهدد بتحويله إلى مجرد محفل دولي جديد عن العراق، لا يتجاوز منابر الخطابة وإطلاق الوعود.
أول التناقضات هو أن أمام إعادة الإعمار جدار عازل صلب وكتيم هو استشراء الفساد في البلاد، وتحوله من ظاهرة تخص حفنة من الأفراد والمسؤولين في مختلف مراتب الدولة، إلى مؤسسة متكاملة هائلة السطوة ومتعددة النفوذ ومرتبطة مباشرة بمنظومة المحاصصة السياسية الطائفية والمذهبية التي استقرت رسمياً في العراق بعد الغزو الأمريكي لعام 2003. والبلد يأتي في المرتبة 166 من أصل 176 للدول الأكثر فساداً في العالم، حسب آخر تصنيف لمنظمة «الشفافية الدولية». ورغم استحداث أجهزة مختصة مثل هيئة النزاهة ومكتب المفتش العام وديوان الرقابة المالية، فإن مظاهر الفساد والإفساد تتجذر أكثر فأكثر، والتقديرات الرسمية تشير إلى 24 مليار دولار خسرتها الخزينة الوطنية عبر طرائق نهب متنوعة.
التناقض الآخر هو أن العراق يحتل المرتبة الثانية في منظمة الدول المصدرة للنفط، ويضخ 4.4 مليار برميل يومياً، ويُفترض بالتالي أنه دولة غنية ولا يحتاج إلى استجداء منظمات غير حكومية تتبرع له بمبلغ 300 مليون دولار لمساعدة الملايين من نازحيه. لكن العجب سرعان ما يزول إذا اتضح السبب الرئيسي وراء هبوط العراق من حال الغنى إلى الفقر، أي توحش أنماط النهب التي تستنزف قطاع تصدير النفط بالذات، والتي لم تعد أرقامها سراً على أحد لأنها باتت تُحتسب بمئات المليارات، في بلد تعتمد ميزانيته على عائدات النفط بمعدل 95٪. وإذا كانت منظمة «فايرفاكس ميديا» الأسترالية قد قدّرت أن الفساد ابتلع 800 مليار دولار من التبرعات الدولية للعراق بين 2003 و2015، فلا عجب أن يطلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اليوم مبلغ 100 مليار إضافية!
التناقض الثالث هو أن تدويل الفساد العراقي ليس حلاً ناجعاً كما أثبتت التجارب، وبينها اتفاق التعاون الذي وقعته حكومة العبادي مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتضمن مشاركة مفتشين أممين في التحقيقات حول الفساد. وكان هذا الحل كفيلاً بإنجاز مقدار الحد الأدنى من الشفافية، لولا أنّ مؤسسة الفساد متأصلة في قلب الأحزاب المشاركة في الحكم، مثلما هي حاضرة بقوة في البرلمان والقضاء والوزارات. ولم يكن غريباً أن يعلن العبادي أن «أحد أسباب دخول الإرهاب هو الفساد، وباتت محاربته جزءاً أساسياً وحيوياً».
والهزيمة النكراء التي مني بها الجيش العراقي في مدينة الموصل أمام مئات من مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية»، رغم إنفاق المليارات على تسليح هذا الجيش، كانت أحد الأدلة الفاضحة على مقدار تغلغل الفساد في أعلى الهرم الدفاعي والأمني للبلاد. والأرجح أن مؤتمر الكويت لن يقدم الكثير، إذا لم يؤخر فيغذي أقنية الفساد أكثر!
2 مؤتمر لإعمار العراق أم لسرقة المانحين؟ فاروق يوسف
العرب
الدول التي قررت التضامن مع الشعب العراقي تعرف أن أموالها لن تصل إلى المحرومين، وأن تلك الأموال إن ذهبت إلى جيوب الفاسدين لن تبني بيتا واحدا في المدن المهدمة.
لمَ لا يتقشف العراقيون بدلا من أن يتسولوا على أبواب الدول المانحة ويعرضوا أنفسهم لسخرية شركات الاستثمار العالمية؟
يشكك الكثيرون في موقف الحكومة العراقية من مسألة إعمار بلادها المدمرة بسبب الحروب الخارجية والداخلية، وبسبب السلوك الفوضوي الذي فرط بكل ما كان العراق يملكه من مصانع وجامعات ومشاريع زراعية.
تعرف جميع الأطراف المعنية بالشأن العراقي أن هناك هدرا هائلا للأموال في العراق. وهو هدر منظم سُنت من أجله القوانين وصار مجلس النواب يجتمع دوريا من أجل أن يضفي عليه صلابة تشريعية.
لذلك فمن غير المتوقع أن تستلم الحكومة العراقية ما تحلم بالحصول عليه نقدا. لا لشيء إلا لأن ذلك النقد من وجهة نظر الجميع سيذهب إلى أرصدة الأحزاب التي تتقاسم ثروات البلد في ظل نظام المحاصصة.
ليس المطلوب من الدول التي تتعاطف مع الشعب العراقي في محنته أن تضع أموالها في خدمة من صنعوا تلك المحنة. فالفساد الذي التهم الأخضر واليابس هو في النهاية صناعة عراقية، وإن امتدت جذوره إلى سنة الاحتلال الأميركي الأولى، حين عطل بول بريمر، سيد سلطة الاحتلال، القوانين مما سمح بتأسيس دورة حياة كاملة للفساد.
ما لا يُخفى على تلك الدول أن ممثليها في مؤتمر المانحين سيلتقون وجها لوجه مع اللصوص الذين حولوا بلدا ثريا إلى بلد يستجدي هبات الآخرين. سيكون السؤال جاهزا “ماذا فعلتم من أجل إصلاح النظام الاقتصادي في بلادكم التي عاشت ظروفا استثنائية لأكثر من ربع قرن؟”.
لقد نشأت في العراق الجديد فئات طفيلية تمكنت من الإمساك بثروة البلد من غير أن تفعل أو تقدم شيئا لشعبه. تلك الفئات هي التي تتولى تصريف شؤون الاقتصاد في ظل حكومة لا تستعين بخبراء الاقتصاد، بل تخشى أن يقول أولئك الخبراء رأيهم المهني في ما تقوم به. الدولة الريعية التي أنشأها الفاسدون لم تشمل العراقيين كلهم برعايتها.
حين استولى حزب الدعوة على الحكم خص أعضاءه ومناصريه برواتب لا يحلم بها الوزراء في أوروبا. أما الخدمة الجهادية فقد كانت عنوانا لنهب المال العام، فمن خلالها ذهبت مليارات الدولارات إلى جيوب بشر ساهموا يوما ما في تدمير الدولة العراقية.
ما يُضحك في عمليات الفساد أن هناك حوالي ثلاثة ملايين سجين سياسي يجري تعويضهم شهريا بمبالغ خيالية. مَن يعرف تاريخ العراق لا بد أن يدرك أن لا وجود لما يُسمى بالسجين السياسي في بلد عُرف بطغيان لغة العنف.
غالبا ما كان العراقيون يعدمون خصومهم ما إن يتمكنوا من السلطة. كذبة السجين السياسي هي باب من أبواب الفساد ليس إلا. أما بالنسبة لما يتقاضاه المسؤولون الكبار في السلطات الثلاث من رواتب فإن العقل الاقتصادي العالمي سيقف حائرا أمام حجم الفضيحة. تعرف دول العالم أنها تتعامل مع حكومة مترفة.
وكما يبدو فإن تلك الحكومة تحاول أن تستغفل العالم من خلال استعراض خراب البلد الذي تحكمه. وبسبب صلف الأحزاب التي تحكم في العراق، فإنها لا تدرك أن الدول التي قررت التضامن مع الشعب العراقي تعرف أن أموالها لن تصل إلى المحرومين، وأن تلك الأموال إن ذهبت إلى جيوب الفاسدين لن تبني بيتا واحدا في المدن المهدمة.
سيصدم سياسيو العراق بمطالبة الدول المانحة بإصلاح الاقتصاد العراقي. سيصدمون بأن فلسا واحدا لن يذهب إلى جيوبهم. فالبلد الذي أهدروا ثرواته قادر على أن يقف على قدميه من غير أن يتعرض لمذلة التسول.
3 أوطان للإيجار في مكتب دلالية المرشد الإيراني حامد الكيلاني العرب
الراسخ في الموقف الإيراني هو ما قاله الرئيس حسن روحاني عن استعداد إيران للدفاع عن أمن المنطقة وحمايتها، وهو يقصد سياسة المرشد في استئجار الدول وجيوشها من الباطن.
من غير المعقول أن تتداول وزارة الدفاع الأميركية خبر استخدام أو استحواذ ميليشيات إيرانية تابعة لما يسمى بالحشد الشعبي على دبابات من نوع إبرامز كانت ضمن صفقات تسليح القوات النظامية في العراق، باعتبار العقود مع دولة مستقلة وذات سيادة.
دهشة الولايات المتحدة الأميركية من تسرب دبابات إبرامز واستغرابها من امتلاك الميليشيات معدات عسكرية ثقيلة، لا يمكن أن يكون الهدف منهما الإقرار بالمعلومة بعد التأكد منها وتحليلها وفق البيانات وشهادات الميدان.
المعلومات المتيسرة في الشارع العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي وصور المراهقين من المتطوعين في الميليشيات مع أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة والخفيفة الأميركية الصنع وقصصهم منذ سنوات تدحض علامات التعجب عند محللي الاستخبارات الأميركية ومتابعتهم النشيطة التي لا نشك فيها، لكن أهمية الخبر ربما تكمن في التوقيت السياسي.
صنف الميليشيات الذي تستغرب أميركا امتلاكه لدبابات إبرامز هو جزء شرعي من القوات النظامية في العراق ومرتبط بأوامر القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي رئيس وزراء العراق، وتطبيق لقانون الحشد الشعبي الذي تم تمريره بموافقة ومباركة الكتلة الإيرانية الأكبر في برلمان العراق.
أول ظهور لتلك الدبابات كان في جرف الصخر أو جرف النصر كما تسمى بعد تجريف المنطقة من أهلها وتدميرها على غرار ما جرى من نصر في الموصل القديمة والمدن الأخـرى لذات المبررات وبـذات النتائج.
الحشد الشعبي، أو صنف الميليشيات في القوات النظامية، يمتلك السلاح الأميركي وله حصة مخصصة في وزارة دفاع حكومة العراق من جميع العقود المبرمة للتدريب أو لتوريد الأسلحة بما فيها سلاح الطيران.
تجهيزاتهم ليست عشوائية كما يروج لها بعضهم لإضفاء طابع البطولة وتبرير امتلاكهم للأسلحة في خوضهم لحرب عصابات وهمية ضد القوات الأميركية بما ينتج عنها من غنائم حرب يمكن إجمالها “فقط” بالرشاشات الخفيفة والمتوسطة والعملاقة وببنادق القنص وقاذفات القنابل والمدافع والهاونات والنواظير الليلية والعربات المصفحة والمدرعة ومضادات الكمائن وناقلات الأشخاص، ومعدات أخرى ذات صلة بالأعمال الحربية ولجبهات حرب واسعة.
صنف الميليشيات في القوات المسلحة هو أكبر الصنوف تسليحا، فمعظم تجهيزات الجيش العراقي السابق في حوزته، وكذلك ما تهبه حوزة تنظيم الدولة الإيرانية وقوات الحرس الثوري كجزء من حصة تجهيزات فيلق القدس؛ لأن صنف الميليشيات في العراق يحظى باهتمام بالغ ومباشر من المرشد علي خامنئي، وبالتالي فإن الصلة بينه وبين القادة الكبار في الميليشيات العسكرية والسياسية تلقى اهتماما خاصا من الجنرال قاسم سليماني الذي تم تعيينه منذ مدة طويلة كمستشار أول لرئيس مجلس الوزراء في العراق لشؤون الأمن.
لذلك في حاضرنا تختلط علينا الدوافع والممارسات والتوقيتات والأخبار المقصودة بنصف سريتها أو غاياتها، كما حصل مع زيارة إبراهيم رئيسي المرشح لخلافة علي خامنئي إلى لبنان وتفقده قواعد الميليشيات الإيرانية والتي سبق أن تفقدها وبذات السرية زعيم ميليشيا من ذراع إيران في العراق وإلى ذات المواقع في الجنوب اللبناني.
الخبر الأميركي ليس ببعيد عن تركيبة هذه الخلطة السحرية في توقيت خبر امتلاك حشود الميليشيات لدبابات إبرامز الأميركية، وكذلك الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع إيرانية وأخرى تابعة للنظام الحاكم في سوريا، وخبر إسقاط طائرة أف 16 وإصابة طائرة أخرى من نوع أف15 بعد هجوم قالت عنه إسرائيل إنه يأتي ردا على خرق طائرة مسيرة إيرانية لأجوائها؛ لماذا تمت مواجهة الغارات هذه المرة؟ رغم أن دفاعات النظام الحاكم في سوريا لم تعترض سابقا على عديد الهجمات الإسرائيلية.
في العراق وبالعودة إلى نقطة صفر احتلال، يبدو النظام السياسي مرتهنا ومعتقلا داخل المنطقة الخضراء الأميركية، فهو من الناحية الشعبية لا يمكنه الاعتماد على سياسة التمني في تغيير النظام القائم قبل الاحتلال الأميركي بانقلاب داخلي أو أي تسمية أخرى بغير عار الوصول إلى حكم العراق بالدبابات الأميركية. وذلك شيء مستحيل، فزمنهم اقترب من 15 سنة في السلطة وزمن الاحتلال الأميركي تداعى له العـراق وبحسابات التجارب العالمية لخمسين سنة قادمة أو ربما أكثر.
هكذا تعلمنا من التاريخ، وحتى في حالات النهوض الاستثنائية في هذا المجال أو ذاك، يبقى عار الاحتلال ينتقص من قيمة العملاء أو من تعـاون معهم ضد الوطن الأم، ولا عجب أن يتوارث هذا العار جيل آخر من الأبناء سيدفع ثمن عمالة الآباء والأجداد؛ فميراث المال لا يلغي أبداً آثار جائحة الخيانة.
عملاء الاحتلال الأميركي، بأحزابهم وكتلهم ومجالسهم وتياراتهم بمرجعياتها الطائفية الإيرانية، كانوا وما زالوا يتمنون ويسعون في نضالهم لتحجيم نفوذ السفارة الأميركية لصالح توسيع نفوذ السفارة الإيرانية لتشمل المنطقة الخضراء شكلا ومضمونا.
حكام العراق تدور في عقليتهم أمنيات أخرى تدخل في صلب السياسة تحاول استبدال الاحتلال الأميركي وبأثر رجعي بالاحتلال الروسي؛ وما يجري خلف نصف الباب المغلق من السرية تبوح به الرغبة في إشهار الفعل دون ضمان، لأن الإشهار بمثابة ظرف فارغ بلا رسالة مضمونة التوقعات في مناورات بعض نتائجها قد يكون وخيما على العراق والمنطقة.
اجتماعات على طاولة إيرانية في العراق تضم أيضا روسيا وسوريا، والعنوان محور المقاومة والممانعة أو المحور الروسي الإيراني وآخرها قبل مدة قصيرة. ولنا أن نتخيل مستجدات الـواقع السـوري من معـركة عفرين ومقترباتها بإعلان التحالف الدولي قصفه لقوات موالية للنظام الحاكم في سوريا وسقوط أعداد كبيرة من القتلى دون ذكر هوية المجموعة القتالية لا من الجانب الأميركي ولا الروسي ولا من طرف النظام أو حتى إيران. فالكتمان واحد والتبريرات الروسية دائما تلقي اللوم على عدم التنسيق معها، أو بعدم علمها حتى بوجود قاعدة إيرانية قرب تدمر كما حدث مؤخرا.
تدمر التي لم تعد تُذكّرُنا بفخامة التاريخ، بل بتاريخ المناوبة في حراسة المدينة الأثرية بين القوات الروسية وتنظيم الدولة. روسيا التي تنكرت لهيمنتها على سوريا عندما صرحت بجهلها بخارطة توزيع القطعات المسلحة على الأرض، أو بتأكيدها على سلامة مقاتليها، أو باقتصار دور منظومات صواريخها الدفاعية المتطورة على حماية القواعد الروسية.
كانت مكافأة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للنظام الإيراني بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل استغلها محور الملالي بإسكات انتفاضة الشعب الإيراني، والتضحية بمجرد طائرة مسيّرة في أجواء إسرائيل، وبالرهان على الجيش السوري والجيش العراقي باعتبارهما عمقا استراتيجيا مع الميليشيا اللبنانية للرد الإيراني على أي خطأ ترتكبه إسرائيل على حد قول علي شمخاني أحد قادة محور المقاومة؛ رغم أننا لم نعد ندري على أي خطأ سيرد لكثرة الأخطاء الإسرائيلية.
الراسخ في الموقف الإيراني هو ما قاله الرئيس حسن روحاني عن استعداد إيران للدفاع عن أمـن المنطقة وحمايتها، وهو يقصد سياسة المرشد في استئجار الدول وجيوشها من الباطن، رغم أن روحاني على اطلاع على أن أصحاب العقود العظمى والكبرى في العراق وسوريا والمنطقة يتواجدون خلـف نصف الأبواب المغلقة وكذلك نصفها المفتوح وحتى ما وراء عقود الملالي أيضاً.
4 أمريكا دمرت العراق وعليها إعماره
عبدالله الأيوبي اخبار الخليج البحرينية
منذ اليوم الأول لشروع الولايات المتحدة الأمريكية ومعها العديد من الدول وفي مقدمتهم المملكة المتحدة، في فرض حصار خانق على العراق والإصرار على استمراره حتى بعد إنجاز عملية تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي وإفراغ العراق من أي صنف من أصناف أسلحة الدمار الشامل ووسائل تصنيعها ونقلها (شماعة الجريمة والغزو)، وصولا إلى شهر مارس من عام 2003 حين نفذت الولايات المتحدة الأمريكية جريمة غزو العراق خارج نطاق الشرعية الدولية ورغم المعارضة الأممية الواسعة لهذه الجريمة حتى من حلفائها الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا، فإن الهدف الرئيسي والاستراتيجي للسياسة الأمريكية تجاه هذا البلد العربي هو إعادته عشرات السنين إلى الوراء وتدمير كل مقومات النهضة التعليمية والصحية والعلمية التي بناها على مدى عدة عقود وهذا ما تحقق بالفعل حيث نجد العراق يرفل إلى يومنا هذا بالكم الهائل من الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية والاجتماعية، بل والدينية كذلك.
معرفة الهدف الأمريكي من وراء محاصرة العراق وإنهاكه على مدى أكثر من ثلاثة عشر عاما من الحصار الخانق المتواصل وشل قدرة الدولة العراقية على إدارة شؤون مواطنيها وبسط سيطرتها على حدودها الجغرافية السيادية، لا يحتاج لاجتهاد خبراء في علم السياسة والاقتصاد والاجتماع، وغير ذلك من الميادين والحقول، فالنتائج التي أسفرت عنها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق تؤكد ذلك، ومن هنا لم يكن غريبا ولا مفاجئا تنصل الولايات المتحدة من المساهمة في تمويل مشاريع إعادة إعمار العراق وهي المهمة التي من أجلها استضافت دولة الكويت هذا الأسبوع مؤتمرا مخصصا لإعادة إعمار بلاد الرافدين.
من دون أدنى درجة من الخجل يجاهر عدد من المسؤولين الأمريكان برفض مشاركة بلادهم في تمويل إعادة الإعمار في العراق، وهي الدولة المسؤولة بالدرجة الأولى عن تحمل تكاليف هذه العملية كونها الدولة التي شرعت في تدمير العراق من خلال عملية الغزو التي نفذتها في شهر مارس من عام 2003 وأدخلت من خلالها العراق في دوامة تدمير شاملة أتت على جميع مقومات الحياة في هذا البلد، بل وأدت إلى تجزئة العراق عرقيا ودينيا ومذهبيا، حيث عانى العراق خلال السنوات التي تلت الغزو حتى يومنا هذا من حالة عدم استقرار أمني واقتصادي واجتماعي وكان على شفا الانزلاق في حرب أهلية طاحنة بسبب انتشار الإرهاب في كافة ارجاء ربوعه والذي ما كان ليحدث لو لم تنفذ أمريكا جريمة غزوها وتدمر أجهزة الدولة العراقية وفي مقدمتها الجيش وقوى الأمن.
فأمريكا ليست فقط تتحمل العبء الأكبر من مسؤولية إعادة إعمار العراق ودفع تكاليف هذا المشروع، وإنما هي المسؤول الأول عن ذلك لأنها هي من قاد عملية التدمير وخرقت جميع المواثيق والقوانين الدولية وفي مقدمتها تحريم انتهاك السيادة الوطنية للدول، فمهما تذرعت أمريكا وقدمت من الحجج لتبرير جريمة غزوها، وفي مقدمتها استهداف ما اسمته بأسلحة الدمار الشامل العراقية، فإنها أخفقت في تقديم دليل واحد يبرر هذه الجريمة، بما في ذلك «الدليل» الذي رفعه وزير الخارجية آنذاك كولن باول أمام اجتماع مجلس الأمن الدولي قبل الشروع في عملية الغزو.
نعم، هناك دول أخرى تتحمل المسؤولية الأخلاقية فيما يتعلق بإعادة إعمار العراق بسبب مشاركتها في جريمة غزوه، ولكن هذه الدول كلها ما كانت لتقدم على هذه المشاركة لو لم يكن هناك ضغط أمريكي كبير عليه لإضفاء الطابع الجماعي على العملية العسكرية وعدم إظهار أمريكا وحيدة في تنفيذ جريمة الغزو، لكن هذه المشاركة من جانب عديد من الدول لا تشفع لأمريكا ولا تعفيها من تحمل المسؤولية المادية، وقبلها الأخلاقية، لمساعدة العراق على تضميد الجروح الغائرة التي أحدثتها تلك الجريمة النكراء، وهي جروح تحتاج إلى عقود كثيرة لمداواتها وتطبيبها، فالخسائر الكبيرة التي لا تعوض لا تكمن فقط في ضخ الأموال وإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرت، وإنما في إعادة ترميم النسيج الاجتماعي العراقي الذي أصيب بتهتكات شديدة وخطيرة جدا.
ومثلما ساهمت أمريكا بالقسط الأكبر من القوات والقدرات في إنجاز جريمة الغزو، وبالقدر الذي مارسته من ضغوط على حلفائها وأصدقائها لدفعهم للمشاركة، وفق إمكانيتهم وقدراتهم في ذلك، فإن واشنطن تستطيع أن تقوم بالدور نفسه فيما يتعلق بإطلاق عملية إعادة إعمار العراق، فهي التي يجب أن تقود هذه العملية وأن تتصدر قائمة الدول التي تشارك في إعادة الإعمار وتموله، فما تصرفه أمريكا على حروب تدمير الدول ومستقبل الشعوب، كفيل ليس بإعادة إعمار العراق فقط، وإنما حل المشاكل المعيشية والاقتصادية للعديد من الدول والشعوب الفقيرة، وبعضها، بالمناسبة، لم يسلم من مشاريع التخريب والتدمير الأمريكية، كما يحصل الآن في سوريا وليبيا وغيرها من الدول الآسيوية والأمريكية.
فليس هناك أي مبرر أخلاقي يعطي الولايات المتحدة الأمريكية العذر في عدم المساهمة، والكبيرة أيضا، في عملية إعادة إعمار العراق، ناهيك عن وجود أساس قانوني يلزم الحكومة الأمريكية بتحمل مسؤولية ما آلت إليه أعمالها غير الشرعية وغير القانونية، فالعراق لم يعتد على الولايات المتحدة، والإدارة الأمريكية التي نفذت جريمة الغزو لم تحصل على قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز هذه العملية لأنها فشلت في إثبات وجود أي تهديد عراقي للسلم العالمي في ذلك الوقت، وبالتالي فإن جميع أركان الجريمة مكتملة بحق الفعل الأمريكي ومن هنا لا مجال للحديث عن أخلاقية ومشروعية أي تهرب أمريكي عن تحمل الجزء الأكبر من مسؤولية إعادة إعمار العراق.
5 إعمار العراق من الكويت دبلوماسية وقائية
د. ظافر محمد العجمي
الوطن البحرينية
في الكويت نساير العصر قبل أن نسأله، فقد تجاوز صانع القرار السياسي الجرح العراقي في خاصرة الكويت وتجاهل دور القلق التاريخي في صيانة نظرية الأمن الكويتية. ففي ذلك استجابة مرنة وتفكير استراتيجي راقٍ لمستقبل المصالح مع الجار الشقيق. ففي الفترة من 12-14 فبراير يقام مؤتمر إعادة إعمار العراق، يقام في شهر «فبراير» الذي نحتفل فيه باستقلالنا الذي نازعتنا عليه بغداد طويلاً وبقي موضوع ابتزاز منذ حكم عبدالكريم قاسم والبكر ثم الطاغية صدام الذي اجتاح الكويت لنحررها في 26 فبراير 1991. إن هذا المؤتمر خطوة عقلانية تتم بسلاسة والتزام بأولويات المصالح العليا للكويت رغم أن أعلام التحرير سترفرف فوق مركز يتم فيه جمع 100 مليار دولار لإعمار العراق فيما تسجل الميزانية الكويتية عجزاً بــ26 مليار دولار. لكن ليس في العلاقات الدولية أبواب للمنة، فالمؤتمر ليس لطي صفحة الغزو فحسب، وليس لأن الكويت بحاجة إلى أن تكون جاراتها العراق مستقرة، وليس لأن الكويت سبق وأن ساعدت العراق بإخراجه من البند السابع، وتأجيل سدادها للتعويضات الكويتية المستحقة. ليس هذا فحسب، بل لأن على دولة العراق أن ترد التحية بأطيب منها فمتطلبات الاستقرار تدفع العراق صوب محيطه العربي، والمؤتمر رسالة لاحتضان العراق عربياً لتخطّي مخلّفات الحرب، وعلى حكومة العبادي تعديل بوصلة علاقاتها الإقليمية وإحداث التوازن في علاقات بغداد مع إيران والعالم العربي.
لقد قوبلت فكرة مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق بإشادة من الإخوة العراقيين، رغم ما خالطها من همهمات بعثية النفس كانت ترى تسمية المؤتمر باسم «المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق» فراراً من أن يرد اسم الكويت في شيء به خير للعراق. ولا أعلم كيف تجاوزوا أن الكويت قدمت في يونيو 2014 مساعدات إنسانية عاجلة للنازحين جراء تدهور الأوضاع الأمنية. وفي صيف العام ذاته 10 ملايين دولار، كما تبرعت بمبلغ ثلاثة ملايين دولار للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعراق. ومع تفاقم الوضع الإنساني جراء العمليات العسكرية 2015، أعلنت الكويت التبرع بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي وقد قوبل بإشادة من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نفسه. كما قوبلت الخطوة الكويتية بتصريحات للنائبة العراقية عالية نصيف تصف بها الكويت كأخطر دولة على العراق إقليمياً، نهبت نفط وأراضي ومياه العراق، وتدعم النظام المصرفي لـ»داعش»، متجاوزة حقيقة أن «داعش» قتلت في مسجد الصادق بالكويت في يوم واحد أكثر مما قتلت بالعراق في يوم واحد. كما رافق المؤتمر في الكويت صيحات برلمانية عراقية طائفية تقول بمذهبية إعمار الموصل والرمادي ويجب أن يعمر الجنوب العراقي رغم أن «داعش» لم تصله.
* بالعجمي الفصيح:
إن مؤتمر إعادة إعمار العراق بالكويت هو دبلوماسية وقائية، سايرت بها الكويت المرحلة الراهنة دون أن تجعل الماضي الأليم يحول بينها وبين المستقبل مع العراق الشقيق، لكن بعض النفوس الموتورة حملته أكثر مما يحتمل.
6 العراق بين إعمار الأرض وإعمار الذمم فاطمة عبدالله خليل
الوطن البحرينية
«سمو الكويت» هكذا قررت أن أسميها، فقد أثبتت دولة الكويت مرة تلو أخرى سمو أخلاقها وإنسانية أميرها ورقي شعبها، فإذا ما الأمر طال الإنسانية، داست الكويت بكل ما أوتيت من قوة على جراح الأمس محسنة متجاوزة عن من غرس فيها خنجره في وقت مضى.. مؤمنة أن الشعوب لا تحاسب بفساد أنظمتها وطغيانه، بل إن ذلك أدعى للرأفة والإحسان لاسيما الشعب العراقي الذي وقع ضحية نكبات متتالية، ولهذا برزت الكويت الحاضنة للمؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق. والمؤتمر الذي يتخذ طابعه الاقتصادي بالأساس انطلق فعلياً لأبعاد إنسانية وأمنية وسياسية تسعى لضمان استقرار المنطقة وتأمين الحياة الكريمة لشعوبها، فالدول الخليجية أعلنت ترحيبها بعودة العراق وعكفت على أن تهييء له الفرص، والإقبال العراقي على العودة للحضن الخليجي بات جلياً ومبشراً، لكن تبقى ثمة مخاوف عراقية، يمكننا تفهمها قياساً بحجم المعاناة التي مروا بها منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم ما ولّد لديهم تجاه الآخر «أي كان» نوع من أزمة الثقة..!!
ففي أحاديث جانبية حرصت فيها أن أستمع لهموم ومخاوف بعض الأخوة العراقيين، بدى جلياً التخوف من حجم المنح لإعادة إعمار العراق، من باب أن الفساد في العراق لا يجعله أهلاً لثقة المانحين وكيفية إنفاق أموالها فيما ينفع، غير أن ذلك تكفله المؤسسات الدولية القائمة على المؤتمر مثل منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي، ما يمكننا من خلاله أن نبدد بعضاً من المخاوف العراقية في هذا السياق.
مما طالته مخاوف العراقيين أيضاً ما يتعلق بموضوع استثمار الشركات الدولية في الداخل العراقي وكيف يمكن للعراق في ظل الفساد المستشري بداخله أن يؤمن الضمانات لنجاح المشروعات التي سيقبل عليها المستثمرين هناك، بما يحمي المستثمر الأجنبي ويجعله أكثر إقبالاً على المزيد من الضخ المالي للدولة. والسؤال مشروع ولعله يعيدنا لمشكلة استيلاء الثوريين على أموال الشركات الأجنبية تحت غطاء ما يسمى بالتأميم في منتصف القرن الماضي. ولرفع تلك المخاوف عن الشعب العراقي علينا السؤال إذا ما وضعت الحكومة العراقية قوانين تحمي المستثمر الأجنبي من الفساد، وإذا ما حددت سلفاً المرجعية في هذا الموضوع لمن، فهل ستكون المرجعية لمحكمة العدل الدولية، أم للقضاء العراقي؟!! إذ إن الوقوف على المرجعية الأخيرة تفرض علينا أيضاً البحث في مدى نزاهة القضاء في العراق..!!
* اختلاج النبض:
بينما تمد المنظمات والمؤسسات الدولية وبعض دول الجوار يد العون للعراق، يبقى أنه لن يدفع بالعراق نحو الاستقرار والنهضة من جديد إلاَّ أبنائه، وإذا أحكمت الإدارة العراقية قبضتها جيداً على سيرورة عملية الإعمار والنماء في الدولة ستعود دولة العراق.. وإن لم تعد –لا سمح الله– ستكون قد أفلتت أهم أطواق النجاة لتبحر في تيهها حتى يحدث الله أمراً..!!
30
7 مرجعية أم ولاية فقيه سُنية؟!
رشيد الخيّون
الاتحاد الاماراتية
طُرح موضوع تأسيس مرجعية لسنة العراق، وجاءت ردود الفعل متباينة، عن المرجع المُرشح وآلية عمله، مع أن هيئات سُنية تصدرت المشهد بعد (2003)، لكنْ لم يُجمع على مرجعيتها، وحتى المرجعية الشيعية لم تبقَ واحدة، فالأحزاب الدينية اليوم لها مرجعياتها، ومقراتها بالنجف مركز المرجعية التاريخي.
ظهرت المرجعية الإمامية في القرن (4هـ)، بعد الغيبة (329هـ)، وكانت فقهية، لأن فكرة «الانتظار» حرمت طلب الحُكم، فالثَورات الشيعية، على مر التاريخ، لم تكن اثني عشرية، وإنما معظمها زيدية وإسماعيلية (انظر: مقاتل الطالبيين)، وإذا احتج أحدهم بالحسين (قُتل 61هـ)، لم يكن اثني عشرياً ولا سُنياً، كان النِّزاع بين هاشميين وأمويين، فالمسجد كان واحداً والأذان واحداً، ولا اختلاف بالمعاملات والعبادات.
غير أن ظهور المرجعية واستمرارها ظل بعيداً عن العمل المؤسساتي العام، فحسب المرجع أبي الحسن الأصفهاني (ت 1946) نظامها «في اللانظام»، أي المرجعية الحرة. بينما هناك مَن أعجبه نظام الفاتيكان بانتخاب البابا من قِبل الكرادلة، لكن ذلك قد يؤدي إلى التفرد، فحُبذ بقاء المُقلد حراً في اختيار مرجعه، لا بالتعيين ولا بالانتخاب (الحكيم، المرجعية الدينية).
لم يعرف الإسلامُ الكهنوتيةَ، مثل بقية الأديان، مع إشارة الجاحظ (ت 255هـ) إلى أن «جميع الأمم يحتاجون إلى الحكم في الدِّين، والحكم في الصناعات، وإلى كل ما أقام لهم المعاش» (كتاب الحيوان). غير أنه في العهد الأموي (41-132هـ) بدأت الحاجة إلى الفقهاء، فرجاء بن حَيوة (ت 112هـ)، وبقوة وصية الخليفة سليمان بن عبد الملك (ت 99هـ)، تولى تنصيب عمر بن عبد العزيز (99-101هـ)، وهدد هشام بن عبد الملك (ت 125هـ) بقطع رأسه إذا امتنع عن البيعة (الطَّبري، تاريخ الأُمم والملوك).
ظهر في العهد العباسي أبو يوسف (ت 182هـ)، والماوردي (ت 450هـ)، واستحدث العثمانيون منصب «شيخ الإسلام»، وأشهرهم أبوالسعود (1574م)، وآخرهم الصيادي (ت 1909)، لكنَّ هؤلاء كانوا مع الحاكم يديرون الشأن الفقهي، ولم يُسمح لهم بتأسيس مرجعية مستقلة. كذلك في العهدين الفاطمي الإسماعيلي (296-567هـ) والصَّفوي الإمامي (1501-1723م) غاب دور المرجعية الدينية، وبرز في ما بعد، ثم نراه مكتوماً في ظل نظام ولاية الفقيه بإيران.
في حالة سُنَّة العراق، بعد قيام الدولة الوطنية (1921)، انتقلت دائرة «مفتي بغداد» من العثمانيين إلى الدولة العراقية، واستمر التقليد العباسي والعثماني في رسمية المذهب الحنفي، المناسب للدول المختلطة دينياً، بالمقابل للإمامية مراجعهم، وإدارة أحوالهم الشخصية والفقهية. تتفق المرجعية الإمامية مع فقهاء السنَّة في عدم الخروج على الحاكم، مع اختلاف التبرير، فقالوا: «كل راية تُرفع قبل قيام القائم (المهدي المنتظر) فصاحبها طاغوت» (الكُليني، الكافي)، ولهذا الموقف علاقة بكثرة الثورات والحروب.
لم يُشر إلى مؤسسة الإفتاء ببغداد مرجعيةً مستقلةً، والسَّبب أن فقهاء السنَّة لا يختلفون بالأُصول مع الدولة عبر التاريخ، مثل اختلاف الإمامية، واستقلال مراجعهم مالياً عن طريق «الخُمس»، فريضة بدأ فرضها العباسيون على المكاسب، في عهدهم السِّري، يُحصلها النُّقباء الاثنا عشر، وعرفت بـ «نفقات الشِّيعة»، شيعة بني العباس (الطَّبري، تاريخ الأمم والملوك).
أتينا على المقابلة بين مرجعية الإمامية، عمرها ألف عام، وأحوال فقهاء السنة، كي نضع أمام الداعين لمرجعية سُنيَّة، بأن المرجعيات لا تؤسس، بل يفرضها الظرف التاريخي، ولم توازِ الدولة، ويكون تدخلها عند الأزمات وبحدود، كتدخل الأزهر في حسم حكم «الإخوان»، أو هيئة كبار العلماء السُّعودية في قضية جهيمان (1979)، يقابله تدخل مرجعية النجف في فوضى (2003)، و«داعش» (2014).
أرى من الصعوبة بمكان، أن تصبح لسُنَّة العراق مرجعية، على غرار المرجعية الشيعية، وبتأثير سياسي، أما فقهياً، فيمكن أن يقوم الوقف السُّني بالمهمة، أو مؤسسة إفتاء سُنيَّة، فالتَّقليد الفقهي، الذي أنشأ المرجعية الشيعية، غير ملحوظ بين السنة، وأئمة المساجد يقومون بالمهمة، ولا يحتاج الأمر إلى مرجع تقليد، ناهيك عن عدم وجود «الخمس»، وهو القوة التي تعتمد عليها المرجعيات.
لكن متى لا يلجأ العراقيون إلى مؤسساتهم الفقهية، أو مرجعياتهم، في شأن سياسي وحياتي عام؟! ذلك عندما تتحقق دولة تتولى الإعمار وتبسط الأمن، لا تنظر لمواطنيها على أساس الدِّين أو المذهب أو القومية. لا تُهددها «داعش» باحتلال بغداد، ولا ترفع الميليشيات صور رموزها الدَّينية وسط تكريت. عندها ستُحَيد المرجعيات الدِّينية تلقائياً.
قيل: «إن الأُمور إذا دنت لزوالها/ فعلامةُ الإدبار فيها تظهرُ» (العسكري، جمهرة الأمثال)، وبحث العراقيين عن مراجع بدلاء للدولة أوضح إشارة إلى الإدبار. فالمرجعية المطلوبة، على ما يبدو، ليست للفقه، لأن أمر تبيان الحلال والحرام لم ينقص أهل السنة، لكنها مرجعية السياسة، ومَن يدري، فلعلها تماثل «ولاية الفقيه» التي صادرت الشيعة، بتقليد الفقيه في الشَّأن السِّياسي والحياتي.
لا ينفع في وضع العراق غير الدولة المدنية، حيث تستقل دوائر الإفتاء ومرجعياته، على غرار ما بينه الجاحظ: سلطة للدين، وأُخرى للصناعات، أي الاقتصاد، وقيل: «السياسة اقتصاد مكثف» لا ديانة مكثفة!
8 بين إعمار العراق وإعمار البدون
غانم النجار الجريدة الكويتية
سينتهي “المؤتمر الدولي لإعمار العراق” دون أن نعلم بالدقة نتائجه، فهذا أمر طبيعي لمؤتمرات من هذا النوع. اعتدت المشاركة، كخبير مستقل، في الكثير من مؤتمرات المانحين بعدد من دول العالم، وهي في مُجملها أداة لا تحقق المُراد منها. فحالما يبدأ المؤتمر، تتعهد الدول بدفع مبالغ معيَّنة أمام الإعلام، لكنها تغادر موقع المؤتمر دون أن تدفع شيئاً. وعندما يحسب الحاسبون الحصيلة النهائية المدفوعة يُصابون بخيبة أمل. مؤتمرات المانحين حققت نتائج باهرة، قليلة، لكنها تبقى إحدى الوسائل التي ليس هناك بديل عنها.
المؤتمر الحالي مختلف عن سابقيه، فهو مؤتمر تطغى عليه الصبغة الاستثمارية، فمؤتمرا المانحين لسورية، واللذان تبنتهما الكويت، وساهمت فيهما بمئات الملايين من الدولارات، كانا للمانحين فقط، وجاءا بطلب من الأمم المتحدة. وربما كانت الكويت هي الدولة الوحيدة التي أوفت بالتزاماتها كاملة، وسلَّمتها لهيئات الأمم المتحدة.
المؤتمر الحالي أثار جدلاً على وسائل “التناحر الاجتماعي”، ليس في الكويت فقط، لكن في العراق أيضاً، وهو أمر متوقع، بين مؤيِّد ومعارض ومشكك، وبين مؤلف لروايات “أرسين لوبين”. وككل الأمور، سينتهي المؤتمر ويذهب كلٌّ إلى داره، وسينتقل الناس إلى قضايا جدلية أخرى. الموضوع كُلُّه قائم على فرضية أن مؤتمراً كهذا سيسهم في إعادة إعمار العراق، وبالتالي المزيد من الاستقرار.
إعادة الإعمار ليست “كبسة زر” تتجمَّع لها الأموال وتنتهي القصة. فلدينا في الكويت مشاريع كثيرة يستغرق بناؤها وتكلفتها أكثر مما استغرقه بناء الأهرامات، ومشروع جامعة الشدادية ليس إلا واحداً منها. يحدث ذلك في بلد مستقر متوافر به المال. أما إذا كان الوضع مضطرباً، وغير مستقر، وتتجاذبه الدول، ومؤشرات الفساد كبيرة، كما هي حال العراق، فإن المسألة تصبح أكثر تعقيداً. ومع كل ذلك، أظن أن عقد المؤتمر مفيد للكويت، ولمستقبل الاستقرار بالمنطقة، كما أنه مفيد للعراق، فلا ندرك معنى المستحيل حتى يتحقق.
الإشكالية الأخرى، أن متخذ القرار كان الحكومة، دون إشراك الناس، على الأقل في البُعد المعلوماتي والطبيعة الاستثمارية للمؤتمر، وطبيعة العبء المالي المتوقع أن تتحمَّله الكويت، والذي سيتجاوز بكثير بند “الزهور”. كما أنه كان من المفترض نشر المعلومات الخاصة بدعم الكويت للعراق في السابق، حتى لا تختلط الأمور، وحتى لا يتعامل البعض وكأن المسألة مبتورة ولا سوابق لها.
مكسب آخر للكويت تحقق بقدوم هذا العدد الكبير من الدول والشركات والمنظمات الدولية والإعلاميين، حتى حاز خبر المؤتمر الصدارة بين الأخبار العالمية، مع التقدير الضمني للدور الرائد الذي تلعبه الكويت في مضمار تقريب الناس والأمم، ودورها الإنساني، وهو أمر مستحق للكويت أن تفخر به، في كثير من الجوانب، لكنه يثير “المواجع” في جوانب أخرى. فالملاحظ على وضع حقوق الإنسان، وخاصة في قضايا حرية التعبير وتعريض العشرات للسجن، أنها تتراجع بانحدار سريع.
أما خارج إطار المؤتمر، فقد كنت أظن أن فكرة الإعمار قد تسحبنا من أيدينا إلى الحالة البائسة التي يعيشها البدون في تيماء والصليبية وغيرهما، والتي لن يتخيَّل أحدٌ أنها موجودة في الكويت، لكن لا يبدو أن ذلك على سلَّم الأولويات.
إعمار العراق، إن نجح في تحقيق أهدافه القريبة والبعيدة المدى، ونأمل له أن ينجح، يجب أن يرغمنا على صياغة مشروع حقيقي لإعمار البدون، فقد تم تدمير أحلامهم، والعصف بمستقبلهم، وتكسير آمالهم، وبالذات الشباب.
بعد أن انتهينا من مؤتمر إعادة إعمار العراق أظن أنه آن أوان التفكير جدياً في إعمار البدون، وفي ذلك سيتحقق إعمار حقيقي داخل الكويت ينعكس على أمنها واستقرارها، وقبل هذا وذاك إنسانيتها.
9 أين ذهب رجال البغدادي؟
د. فهد الفانك
صحيفة الراي الاردنية
من المفهوم أن يتمكن الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي من الاختباء في مكان ما عند انهيار دولته ، حتى لا يقع في قبضة أعدائه ، لكن غير المفهوم أن يختفي بضع مئات ، إن لم يكن آلافاً من رجاله الإرهابيين المدربين الذين كانوا يشكلون قوام الدولة.
هناك نظريات عديدة تحاول أن تفسر ما حدث ، ولكن لا أدلة على صحة أي نظرية ، وربما سيتم الكشف عن الحقائق في المستقبل ، لأن هذا العدد الكبير لا يمكن أن يحتفظ بالسر إلى الأبد.
أميركا هي المطالبة بتقديم التفسير لمصير إرهابيي البغدادي لأن تنظيم سوريا الديمقراطية التابع لأميركا تمويلاً وتدريباً وتسليماً وقيادة هو الذي استولى على العاصمة الرقة ، وبالتالي فإن الفاتحين كانوا ينفذون تعليمات أميركا.
لماذا تحاول أميركا وتنجح في إزالة الإرهابيين كأفراد من الصورة العامة ، وأين ذهبت بهم؟.
يذكر البعض أن الرئيس الأميركي طلب أن لا يخرج من الرقة إرهابي حي ، فهل تم إعدامهم بالطريقة التي كانوا يعدمون بها الأبرياء.
لماذا لا يصف لنا أحد ما حدث للرقة كمدينة ، فهل تم تدمير مساكنها وجميع مرافقها؟.
ليس مستبعداً أن يكون الإرهابيون قد تسربوا إلى تركيا التي تستطيع أن تؤمن عودتهم إلى بلادهم الأصلية مقابل الثمن.
تركيا ظلت تقدم تسهيلات للإرهابيين، أولاً نكاية بسوريا ، وثانياً لأطماعها في الشمال السوري ، وإيجاد مبرر لتدخلها العسكري ، إلى أن أصبحت هي نفسها من ضحايا الإرهاب.
من ناحية أخرى يقال أن أميركا تحتفظ بإرهابيي الرقة كذخيرة حية يمكن استعمالها في المستقبل شأن المجاهدين في أفغانستان الذين دعمتهم أميركا لمقارعة الروس لدرجة أدت إلى انسحابهم ، بعد ذلك لم يعودوا في نظر أميركا مجاهدين بل أصبحوا إرهابيين وبأيديهم سلاح أميركي.
من الممكن إطلاق هؤلاء الإرهابيين المتمرسين على إيران مثلاً لزعزعة نظام الحكم الرافض للدخول في بيت الطاعة الأميركي ، وربما ترسلهم إلى لبنان لمقارعة حزب الله وتطويع التنظيمات الطائفية الأخرى.
كل هذا وغيره من الاحتمالات ، وارد ولكن من حق العالم أن يعرف الحقيقة ، والخطط ذات العلاقة لاستعمال الإرهابيين لزعزعة أنظمة دول أخرى قد لا تستثني حلفاء أميركا.
في هذا الباب يخطر بالبال ما سمي صفقة القرن. فهناك مقاومة للصفقة من أكثر من جهة ، يستطيع تنشيط الإرهاب تطويعهم. لماذا تقاوم مصر صفقة القرن وترفض التخلي عن شمال سيناء طالما أن شمال سيناء مصدر إقلاق راحة ومصنع للإرهابيين المتمرسين وهكذا؟