3 مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الثلاثاء

1 أبعد من إسقاط طائرة.. انه اسقاط النظام العربي
معن بشوّر
راي اليوم بريطانيا

لم تكن طائرة ال أف 16، الأمريكية الصنع، الإسرائيلية الاستخدام، هي الوحيدة التي سقطت صباح يوم السبت الماضي، وتوزعت شظاياها، وشظايا الصواريخ التي استهدفتها، بين فلسطين وسوريا ولبنان الأردن، بل سقطت معها معادلات استراتيجية، وتحليلات انهزامية، وعلاقات سياسية، ورهانات تاريخية ومنظومات فكرية أفاض المحللون والمعنيون في عرضها وكشف جوانبها…
لكن الذي سقط أيضاً سقوطاً صارخاً هو النظام الرسمي العربي الذي تحكم بالمصير العربي على مدى السنوات السابقة منذ احتلال العراق، واستدعاء الناتو لليبيا، والانخراط في تدمير سوريا ومصر والأردن واليمن وصولاً إلى دول المغرب العربي والكيانات القائمة في الخليج والجزيرة العربية.
فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين، وتحديداً منذ بداية ما سمي بالربيع العربي، بدا واضحاً أن النظام الرسمي العربي قد اختار سياسة الخرق المستمر لميثاقه وللاتفاقات المتصلة به والانصياع لإرادة صهيو – استعمارية في مواجهة إرادة شعبية عربية واسلامية اختارت طريق المقاومة وكان لها انتصارات في أكثر من ساحة وميدان وبلد.
لم يكتف موجهو النظام الرسمي العربي، ما عدا بعض الاستثناءات، باعتماد سياسة الاستقواء بالأجنبي لتصفية حسابات مع مقاومة متمردة على الإملاءات الصهيونية (دولاً وحركات وافرادا)، بل أحاطت نفسها بمنظومة سياسية وثقافية وإعلامية تخدم سياستها عبر إثارة كل أشكال التحريض الطائفي والمذهبي والعرقي وإشاعة أجواء من الاستسلام والانهزام في تمهيد واضح لتصفية قضية الأمّة المركزية في فلسطين، وفي التغطية على انتقال بعض النظام الرسمي العربي من حال الصمت والتواطؤ مع جرائم الصهاينة إلى حال التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني.
كان الإرهاب بوجهيه الفكري والمتوحش هو أحد أسلحة هذه المنظومة لمواجهة إرادة المقاومة ولضرب وحدة مجتمعاتها وبلدانها وكياناتها مستنداً إلى قوى وجماعات جرى تضليلها واستغلالها في أقذر الحروب التي شهدها العالم، ولكن هذا الإرهاب كان مستنداً بشكل خاص إلى ميزان قوى كان يميل لصالح العدو الصهيوني الأمريكي رغم بروز مظاهر الوهن والضعف التي أخذت تظهر على القوى المهيمنة، وهي تلك التي ظهرت بشكل خاص إثر انطلاقة المقاومة العراقية الباسلة، وتجذر المقاومة اللبنانية الظافرة وتجدد الانتفاضة الفلسطينية ناهيك عن صمود سوري لم يتوقعه كل من خطط لتدمير سورية كواسطة عقد بين قوى المقاومة في الامة والاقليم.
في ظل هذا التأرجح في موازين القوى الذي شهدناه في العقدين الماضيين، اي منذ بداية هذا القرن، طال زمن المواجهات الدموية على امتداد اقطار رئيسية لا سيما في سوريا والعراق واليمن وليبيا وصولا الى مصر، في تعبير صريح عن ان قوى المقاومة والممانعة كانت تمتلك من القوة ما يحول دون سقوطها، ولكنها لم تكن تمتلك القوى الكافية لحسم المعارك لصالحها نتيجة الحشد الهائل بشريا وعسكريا وماليا واعلاميا الذي تواجهه في حرب كونية غير مسبوقة.
واذا كانت موازين القوى قد بدأت في السنوات الأخيرة تميل لصالح قوى الاستقرار والاستقلال والوحدة والسيادة والمقاومة في اكثر من قطر عربي، فإن اسقاط الطائرة الاسرائيلية على يد الدفاعات الجوية السورية المدعومة من الحلفاء هو بداية مرحلة جديدة في هذا الصراع داخل الامة وبينها وبين اعدائها…
كان واضحا لكل المحللين الموضوعيين ان مشروع الهيمنة والفتنة والتدمير في المنطقة يعتمد في قوته على احتياطي استراتيجي كبير هو الدعم الصهيو – امريكي الذي لم يكن يخفي تدخله في اكثر من محطة تاريخية لرفع معنويات حلفائه وادواته كلما اصيبوا بهزيمة موضعية في هذه الجبهة او تلك.
وكانت نقطة القوة الرئيسية في هذا الاحتياطي الاستراتيجي هو التفوق الجوي العسكري الصهيوني الذي كان على مدى عقود الصراع العربي – الصهيوني عامل الاسناد الرئيسي لاعداء العرب.
فكل مقاوم للمشروع الصهيو – امريكي، حاكما كان ام مجاهداَ، كان يحسب في كل مواجهاته حسابا لهذا التفوق الجوي مما يعطي للعدو هامشا واسعا ليس في مجال الضغط على الدول والحركات المقاومة فحسب، بل ايضا دفعا لقوى الفتنة والتدمير لتمضي في غيها وعدوانها.
في هذا الاطار، يشكل يوم السبت في 10 شباط/ فبراير 2018 يوما تاريخيا في حياة الامة، لأن اسقاط الدفاعات العربية السورية للطائرة الاسرائيلية الضخمة هو ادخال المنطقة في معادلة جديدة تفرض على تل ابيب من بعدها ان تعيد حساباتها بشكل جذري على مستوى الامة والاقليم، كما كان انتصار المقاومة في جنوب لبنان عام 2006 الاثر الكبير في بناء معادلة توازن رعب حاكمة في لبنان لاكثر من 12 عاما.
بل في هذا الاطار يمكن ان نتوقع تراجعا ملموسا في حروب الفتنة الكونية، كما اندحارا اسرائيليا عن ارض محتلة في فلسطين والجولان ومزارع شبعا.
في ضوء هذه اللحظة التاريخية، لا بد من دعوة الجميع الى مراجعات جذرية لسياسات اعتمدت، وتحليلات شاعت في ضوء ما أسميته يوما لدى انتخابي اميناً عاماً للمؤتمر القومي العربي في صنعاء في حزيران عام 2003 (بعد احتلال العراق) برباعية الخلاص وهي (1) المقاومة (2) المراجعة (3) المصالحة (4) المشاركة، وهي رباعية تتحصن اليوم بما اسميته لدى مناقشات المشروع النهضوي العربي بثلاثية (1) التواصل (2) والتفاعل (3) والتراكم.
ان الترجمة السياسية لهاتين المعادلتين يكمن في امرين اساسيين:

اعادة ترتيب البيت العربي والاسلامي على مستوى الامة والاقليم على قاعدة الاعتماد على الذات وعدم الرهان على العدو والاستقواء به.
اعادة ترتيب البيت الداخلي في اقطارنا العربية والاسلامية على قاعدة الحوار والمصالحة والمشاركة والخروج من الاحقاد والمصالح الذاتية والفئوية,,,

في هذا الترتيب على المستويين المحلي والبيئي، لا بد من التركيز على امرين
اولهما اسقاط القرارات الجائرة بتعليق عضوية سورية، في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي وفرض الحصار والعقوبات عليها، وهو قرار يتضح يوما بعد يوم خطورته على مصير الامة وقضاياها، خصوصا بعد ان بات واضحا ان كثيرا من هذه القرارات المريبة والمعيبة والصفقات المتصلة بها (صفقة القرن وامثالها) ما كان له ان يصدر لو كانت سورية، وهي العضو المؤسس في المنظومتين حاضرة في المحفل الرسمي العربي والاسلامي.
وقد لا تكون القيادة السورية مستعدة لقرار التراجع هذا اذا لم يرافقه اعتذار واضح لشعبها وجيشها وذوي شهدائها، ولكن ينبغي ان يتحول هذا المطلب الى مطلب دائم للحركة الشعبية العربية وحركة التحرر العالمية.
وثانيهما: اعادة توجيه البوصلة نحو العدو الرئيسي للامة العربية وحشد الطاقات في سبيل مواجهته لا سيما عبر احتضان المقاومة كلغة لا يفهم العدو سواها والتي اثبتت جدواها ليس في ارباك العدو الصهيوني وحلفائه فحسب، بل في دحر الاحتلال عن ارضنا المحتلة.
2 إعادة إعمار العراق… كيف ولماذا؟

غانم النجار الجريدة الكويتية

استقرار العراق وتقدمه يصب في مصلحة الكويت ونموها وتقدمها واستقرارها، والعكس بالضرورة صحيح. ذلك في الشأن المصلحي المباشر، دون الحديث عن القيمة الإنسانية المضافة. هي مسألة يستفيد منها الطرفان، في هذا الإطار نرى انعقاد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق في الكويت، والذي يمثل مبادرة كويتية جادة تنصل منها كثيرون وتصدت لها الكويت كعادتها.

ولأنها جاءت في الوقت الحرج وفي المكان الحرج، ولأنها مهمة لم يقبل بتبنيها أحد، وتصدت لها الكويت، فقد أثارت اهتمام العالم، وتوافد أكثر من ٧٠ دولة وآلاف الشركات والمنظمات الدولية ومئات الإعلاميين من كل حدب وصوب. صحيح أن الطقس جيد هذه الأيام بالكويت، لكنه بالتأكيد لن يكون سبباً لتواجد هذا الكم الغفير.

الإعلاميون المحترفون يبحثون عما وراء السطور، ولا يكفيهم المعلن والظاهر، ولذلك سألتني “بي بي سي”، في مقابلة بمنزلي قبل يومين، عن سبب عقد المؤتمر، وهل الغرض منه استعادة العراق من النفوذ الايراني؟ السؤال كان يتعامل مع اللحظة لتفسير الحدث الآني، ولا يتعامل بجدية مع النهج الكويتي الذي لم يتوقف بالنسبة لكل مناطق النزاع، التي تحتاج إلى من يتبناها فما بالك بالعراق القريب ليسود منطق “الأقربون أولى بالمعروف”.

من الطبيعي أن يأخذ المؤتمر وأبعاده ونتائجه نقاشاً واسعاً في العراق، تشاؤماً أو تفاؤلاً، فحال العراق لا تسر، لكن المؤتمر إن نجح في تشجيع الاستثمارات الأجنبية فإن تغييراً كبيراً سيحدث، ليس في إنجاز المشاريع فحسب، ولكن على مستوى البنية الاقتصادية وفلسفتها، ودور القطاع الخاص الأجنبي في التنمية. وهي مسألة تتم مناقشتها في الساحة العراقية، دون تفاؤل كبير بطبيعة الحال، فمعدلات الفساد هي الأعلى في العالم، يضاف إلى ذلك مدى تأثير نتائج المؤتمر على الانتخابات القادمة في مايو.

مؤتمرات المانحين في العالم ليست دائماً ناجحة في تحقيق أهدافها، خاصة أنها غالباً ما تركز على السياسة وتنسى التنمية، لكن ربما يكون مدخلها الاستثماري مختلفاً هذه المرة.

من المهم ألا تحرف الانتباه آراء موتورة دائمة ضد الكويت كنائبة عراقية جعلت قصة حياتها الافتراء على الكويت، حتى إنها زعمت يوماً ما أن هناك ٢٠ نائباً في البرلمان الكويتي يحملون الجنسية العراقية، هكذا. كما أن من غير الحصافة أن ترتكز مواقف بعض الكويتيين حول المؤتمر انطلاقاً من أغاليط امرأة، وتحميل العراق وأهله أقاويلها الغائبة عن الوعي، فنصبح كمن يهاجم الكويت لأن نائباً صرح تصريحاً غير مقبول.

التقدم الكويتي الجاد تجاه العراق هو توجه استراتيجي كما أراه، له علاقة بالثنائية الخاصة بين البلدين، وليس في الترتيبات الإقليمية كما يتصورها البعض. العراق غزا الكويت واحتلها، وسماها المحافظة التاسعة عشرة، وغير أسماء شوارعها، ومستشفياتها ومناطقها، وحتى أرقام سياراتها. تلك تجربة مريرة عشناها وقاومنا المحتل بما تيسر لنا لسبعة أشهر، وبالنسبة لنا كأسرى تأخر تخلصنا من ذلك الكابوس لمدة أطول. فقدنا خيرة الناس فينا بين شهيد ومفقود، وما زلنا نبحث عنهم بين الأنقاض هناك، وهم مقيمون في ضمائرنا لا يبرحونها، احتلوا العين والقلب معاً هنا، فهم باقون هنا.

صار علينا أن نسعى بوعي لعدم تكرار ذلك، فأيدينا لم تكن بالماء، بل في وسط النار الحارقة، عشناها تجربة مؤلمة من ألفها إلى يائها، فلا يزايدن أحد على أحد، وتستاهل الكويت. ولذا فإن المؤتمر وعقده في الكويت، ومن قبله أفعال كثيرة، هي خطوات في سبيل ضمان أمن الكويت، ليس بشراء ذمم، وتخريب ضمائر، ولكن بخلق تبادل مصالح على أرض الواقع.
3 توقف التفتيش لكن الملف لم يغلق
وليد الزبيدي
الوطن العمانية

بعد انتهاء القصف الأميركي على العراق خلال “حرب الأيام الثلاثة” اواخر أيام العام 1998، توقفت عندها عمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، لكن ذلك لا يعني اغلاق الملف العراقي في أروقة البيت الأبيض، وكان الحصار متواصلا والاستحضارات قائمة على قدم وساق وفي مختلف المجالات.
لكن في يوم السبت الموافق للثالث والعشرين من نوفمبر عام 2002، حصل تطور مهم بالنسبة لعمليات البحث عن الأسلحة العراقية فقد انتهت القطيعة بين فرق التفتيش عن الأسلحة والحكومة العراقية، بعد أن غابت هذه الفرق، لما يقرب من الأربع سنوات، ففي هذا اليوم، وصلت طلائع المفتشين من لجنة (انموفيك) لتستأنف عمليات التفتيش وفقاً للقرار الصادر عن مجلس الأمن المرقم (1441) الذي صدر في 8/11/2002 وأعلن العراق قبوله في 13/11/2002. وجلبت هذه اللجنة معها أجهزة ومعدات تزن اكثر من 20 طنا، وبعد يومين من وصول المجموعة الأولى، كشفت صحيفة (الاندبيندنت) البريطانية، أن هناك خططا لمداهمة المواقع الحساسة، في حين قال بعض أعضاء فريق التفتيش، إن واشنطن ترغب في أن يتم التحرك بشكل سريع في إجراء عمليات التفتيش.
عشية عودة المفتشين إلى بغداد صدر تصريح في غاية الأهمية لأول رئيس للجان التفتيش هو السويدي رولف ايكيوس، قال ايكيوس ومع عودة المفتشين إن احتمال وقوع الحرب وصل الآن إلى اكثر من 70 في المائة. اللافت في كلام ايكيوس، أنه قال عام 1997، عندما غادر منصبه رئيسا لفرق التفتيش، أن ما تبقى من أسلحة العراق قليل.
أما بالنسبة للبرنامج النووي، فكان ايكيوس متأكدا من انتهائه، وينطلق المسؤول الأممي من حقائق عديدة، تتمثل في معرفته بصعوبة إنتاج أسلحة الدمار الشامل، خاصة في مثل أوضاع العراق، لأن المصانع الكبرى قد تم تدميرها، كما أن هناك رقابة شديدة على الشركات الكبرى، وهذه الشركات معدودة ومعروفة، وتخضع لمراقبة أجهزة المخابرات في الغرب، التي تكاتفت فيما بينها بخصوص العراق، وتحديدا فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل. كما أن هناك معضلة شحن المعدات الأساسية للعراق، لوجود رقابة صارمة على استيرادات العراق، وعدم وجود طيران إلى بغداد. ثم تأتي معضلة الموارد المالية، التي يحتاجها العراق، وصعوبة توفير المبالغ الطائلة لذلك، بعد فرض الحظر الاقتصادي منذ صيف عام 1990.
ربما لم ينتبه الكثيرون إلى توقعات رولف ايكيوس، التي رجحت الحرب على السلم، رغم أن جميع الدلائل تشير إلى عكس ذلك، منطلقة من أن تفسير موافقة العراق على القرار 1441، دون قيد أو شرط، والتي نصت على فقرات قاسية كثيرة، وأتاحت للجان التفتيش الوصول إلى أي مكان واستجواب أي شخص، بما فيه الرئيس صدام حسين، وفتح جميع الأبواب والأماكن، دون أي عوائق، هذه الموافقة، أعطت انطباعا شبه مؤكد، أن العراق لا يمكن أن يوافق على هذه الشروط، في حال كانت لديه أسلحة دمار شامل.