4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 انتخابات العراق
د. محمد عاكف جمال
البيان الاماراتية

في عالم اليوم لم يعد ما يجري في بلد ما شأناً يخصه لوحده بل شأن إقليمي وقد يكون دولياً، حسب أهمية هذا البلد أو طبيعة الحدث الذي يجري فيه أو ظرفه الزمني. الانتخابات الرئاسية تختلف أهميتها حسب أهمية الدولة التي تُجرى فيها وموقعها في النظام العالمي أو النظام الإقليمي، وفق هذا المنظور تعتبر الانتخابات النيابية في العراق، وهي انتخابات رئاسية في الوقت نفسه، ذات أهمية خاصة في الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.

تأتي هذه الانتخابات في ظروف معقدة محلياً وإقليمياً، حيث تتفاقم الفوضى في المنطقة ويشتد عنف المخاض لمولد توازنات جديدة قد تدفع بها إلى واقع جديد من الصعب التكهن بمعالمه في ضوء التنافس المحموم بين القوى الإقليمية والدولية لتحويل حالة الفوضى هذه إلى انعطافه في التوازنات لصالح سياسات تعاني من إعاقات متنوعة.

فالعراق منذ سقوط النظام السابق أصبح محور اللا استقرار الذي أشعل كل النيران الكامنة تحت الرماد في المنطقة بعد أن أصبحت جدرانه غير قادرة على وقف التدخلات في شؤونه الداخلية إلى الحد الذي شلت القدرات على إعادته إلى الأوضاع الطبيعية.

سواد الشعب غير متفائل بما ستأتي به الانتخابات ولم يعد متحمساً للاشتراك فيها حسب ما تعكسه وسائل الإعلام ميدانياً، فمخرجات الانتخابات السابقة لم تلامس الحدود الدنيا من طموحاتهم، فأحوالهم وأحوال مدنهم بجميع مرافقها لا تعكس سوى التداعي والفاقة والإهمال رغم دخل العراق الكبير من النفط. ولم تفلح جميع الوسائل التي لجأت إليها شرائح واسعة من الشعب في التعبير عن غضبها في مسيرات وتظاهرات واعتصامات في صنع تحسن ملحوظ في الأوضاع.

الفشل الذي أدمنته النخب السياسية لم يمنعها من تصدر التحالفات الجديدة التي دخلت الحملة الانتخابية ولم يعمل هذا الفشل على فرز واضح لتحالف له فرصة للفوز لإصلاح الأوضاع على مختلف الصعد.

في سياق ذلك لا يخفي سياسيون عراقيون قلقهم حول مستقبل العملية السياسية بعد الانتخابات النيابية في الثاني عشر من مايو المقبل وذلك لدخول عوامل جديدة لم تكن بهذه القوة في الانتخابات السابقة، وهي الحشد الشعبي الذي يتشكل في الأصل من مجموعات مليشياوية مسلحة.

هذا إضافة إلى أن إجراء الانتخابات في موعدها لم يحظ بإجماع الفرقاء بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها عدد من المحافظات والتي تعيق عملية انتخابات شفافة وحقيقية وهو ما يطرح التساؤلات حول قدرة الحكومة المركزية وحكومات هذه المحافظات في إعادة ما يقرب من مليوني نازح إلى مدنهم وذهابهم أو غالبيتهم إلى صناديق الاقتراع؟.

الولايات المتحدة هي الأخرى لا تشعر بالارتياح لما تتسم به الأجواء الانتخابية من فوضى، فهي ترى بأن تأثيرها في مساراتها تبدو أضعف من ذي قبل لسببين أولهما صعود قوى الحشد الشعبي الذي لا يخفي عداؤه لها ولا ينفك عن مطالبتها بالانسحاب من العراق، خاصة أن تنظيم داعش لم يعد له وجود ملموس، وثانيهما تراجع علاقاتها مع الكرد إثر موقفها السلبي من الاستفتاء على الاستقلال الذي أصرت حكومة كردستان على القيام به في سبتمبر من العام المنصرم.

فهي على الرغم من انغماسها المتزايد في شؤون المنطقة في سوريا والعراق لم تتمكن من تحقيق أبرز أهدافها وهو إقامة معادلات توازن تطمئن فيها على مصالحها ثم مصالح حلفائها. فالوضع في سوريا يزداد تعقيداً مع تدخل تركيا عسكرياً في عفرين وزيادة حجم الصدع في علاقاتها مع هذا الحليف الآسيوي القوي.

إلا أن ذلك لم يدفعها إلا إلى الإصرار على البقاء في سوريا وفي العراق فهي تعلن على لسان نائب وزير خارجيتها جون سوليفان في الخامس من فبراير الجاري، أنها لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق الذي ارتكبته إدارة الرئيس أوباما مما أدى إلى تراجع الأوضاع الأمنية إلى الحد الذي سمح بظهور تنظيم داعش، فانسحاب القوات الأميركية الذي أعلن عنه شمل قطعات لا يتجاوز تعدادها المئات من الصنوف التي لم تعد الولايات المتحدة بحاجة لها في العراق.

التوقعات ترى بأن لرئيس الوزراء العبادي وتحالفه حظاً أوفر من غيره فقد حقق بعض الإنجازات التي ميزته عن سلفه إلا أن طموحات العراقيين بعد سنوات المعاناة الطويلة أكبر من أن يستطيع العبادي مقاربتها وهو يقبع في خيمة حزب الدعوة الذي ينتمي إليه ولا يرغب في مغادرته وهي إشكالية تهدد طموحه بالحصول على توكيل لدورة رئاسية ثانية.
2 أساس راتب… سليماني!

افتتاحية الراي الكويتية

في الشركات والكيانات التجارية الكبرى والعملاقة، يتقاضى المدير التنفيذي الناجح راتباً أساسياً مربوطاً بسلسلة مزايا، منها المكافأة السنوية (بونص)، وزيادات تتعلّق بتحقيق الأهداف وتكبير المَبيعات والترويج والتسويق وحجْم الانتشار، إضافة إلى سلسلة بدلاتٍ مثل السفر والتمثيل والضيافة والمناطق النائية والمَخاطر والسهر ليلاً ومواصلة الدوام.
شركاتٌ بعيْنها تضع موازنةً خاصة في تَصرُّف المدير تحت بند «مصاريف سرّية»، كي لا تَدْخل في النظام الرقابي لأوْجه الصرف، وهي مخصصةٌ مثلاً لتمويل حملةٍ إعلاميةٍ من تحت الطاولة بغية ضرْب مُنْتَجٍ معيّن أَطْلَقَتْه شركةٌ مُنافِسة، أو لدفْع رشاوى لمسؤولين في أجهزةٍ معيّنة لتمريرِ صفقةٍ أو ترسيةِ مناقصةٍ، أو لشراءِ ولاءاتِ مديرين وعناصر في شركاتٍ أخرى لمعرفة سياساتها الإنتاجية والتسويقية، أو – كما حصل في إيطاليا وبعض دول أميركا اللاتينية – دعْم مافيات وعصابات مُنَظَّمة بهدف تخويف المُنافِسين ورجال كبار في السلطة من وزراء وقضاة وضبّاط بأن التعرّض لبعض التجاوزات قد يكون ثمنُه الاغتيال أو التهميش.
إذا قلبْنا الطبيعة التجارية وتحدّثنا عن الكيانات السياسية والأمنية الكبرى والعملاقة وتوقّفْنا عند ما أُعلن من تقاضي قائد (مدير تنفيذي) «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني 1250 دولاراً في الشهر راتِباً أساسياً، نلحظ أن استهجان الرقم لدى العامة فيه شيءٌ من التَسرُّع والسطحية، ويمكن للمقرّبين من الرجل أن يثبتوا ببساطةٍ شديدة صدقية الراتب مشفوعاً بورقٍ رسمي من الهيئات المالية المختصة.
وبما أن إيران كيانٌ عملاق يريد التوسّع إقليمياً وحصْد الأرقام الصعبة عالمياً، كان لا بدّ من مزايا وبدلات تُرافِق رواتب قادتها، وأهمّهم سليماني الذي يتولى عملية ترويج المُنْتَج العقائدي والسياسي والفكري والثوري والأمني عبر إدارته التنفيذية لـ«فيلق القدس»، وهي المؤسسة التي تتولى ظاهرياً دعم المُسْتَضْعَفين في كل العالم وعملياً توسيع الإمبراطورية في كل الاتجاهات الإقليمية بحيث تكون لها السيطرة الكبرى على أسواق السياسة وساحات الأمن عبر إنهاء المُنافِسين وإنهاكهم والتفاوض مع الدول الكبرى من موقع القادر المتمكّن.
ولا شك في أن سليماني الذي مُنح رتبة فريق بدل لواء يَعتبر الترقية الحقيقية تسمية المرشد علي خامنئي له بـ «الشهيد الحيّ»، فهذه دونها أثمان وبدلات ومزايا الدنيا كلها، لأنها جمعتْ بين الجنة والأرض. إنما بعيداً من ذلك، فالمنطق يقول إن أساس راتِب الرجل لا يمكن فصْله عن البدلات والمزايا التي استحقّها بحُكْم عمله على رأس «الفيلق» طوال 20 عاماً. فهذه القوة التي بدأتْ بمئات العناصر وكان مدارها محصوراً في العراق بدايةً وتنفيذ عمليات انتحارية ضدّ مصالح أميركية وإسرائيلية، صارتْ جيشاً كاملاً يضمّ عشرات وربما مئات الآلاف من أفغانستان إلى غزة، فيما يتجاوز مدارُ عملِها الفعلي هذه المساحة إلى الخليج وافريقيا وأوروبا والأميركيتين… فبدَلات التوسع والانتشار أرقامُها فلكية وخصوصاً أن العمل انتقَل من المحلّي إلى القاري في أقلّ من عقديْن.
هذا «البونص» ليس كل شيء، فالرجل حقّق من الأهداف الموضوعة في بندِ المزايا ما لم تكن إيران نفسها تتوقّعه. انتقلَ من السيطرة على المناطق والأحياء إلى السيطرة على الدول نفسها مثل العراق وسورية ولبنان وغزة، وما زال يحاول في اليمن والبحرين. فتحَ «أسواقاً» جديدة بضمّ مقاتلين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق مُغْرِقاً العراق وسورية بهم، مع تدوير الوظائف والمهمات لكسْب الخبرات مثل إرسال مقاتلي «حزب الله» إلى العراق وإرسال عراقيين إلى سورية.
لم تَشْهد إيران في تاريخها ترويجاً لـ «مُنْتَجِها» بإدارةٍ تنفيذية كالتي يقودها سليماني. زادَ «المبيعات» عبر حملةِ تسويقٍ غير مسبوقة مربوطة فوراً بالتهديد والتهديم والدم. رجلٌ لا يؤمن بقيَم المنافَسة ولا حتى بالتعاون. يَقْبل فقط بالانصياع وتنفيذ الأوامر. بدلات الخطر والسفر والسهر ومواصلة الدوام مستمرّة لديه على مدار العام لأن موقعه يفرض عليه البقاء الدائم خلف المتاريس لا الكواليس، وبدلات التمثيل واضحة مع سقوط القرى والمدن وضحايا الصواريخ والطائرات، وبدلات الضيافة تتعاظم مع فتْح الصدور قبل البيوت للفاطميين والزينبيين والعصائب وكتائب أبو الفضل العباس والنجباء والخراساني و«حزب الله» والحوثيين، وبدلات المناطق النائية تُدفع مُقَدَّماً كونها – بوصوله – لم تعد تنأى بنفسها عن إيران.
أما بند المصاريف السرية، وهو ما يقول المُنْتَفِضون الإيرانيون عنه إنه بمليارات الدولارات، فقد استَخْدَمَه الرجل على أكمل وجه. تمويلُ حملاتٍ إعلامية للتشهير بالآخرين والطعْنِ في ذممهم الوطنية وإلصاق تهمِ العمالة بهم أو دعْم التكفيريين. دفْعُ رشاوى مالية وسياسية لمسؤولين بغية تمرير مشروعٍ سياسيّ ما أو ترسية مناقَصة «تَوافُقية» على طرفيْن. شراءُ ولاءاتٍ من مختلف المذاهب والتيارات مقابل دورٍ أو نفوذ. استقطابُ مطبّلين ومهلّلين وملمّعين لمحور الممانعة، دعْمُ تنظيمات وأحزاب وميليشيات ومافيات وعصابات منظّمة بهدف تصفية معارضين وتخويف رجال كبار في السلطة.
في حِسبةٍ بسيطة، تدمير نصف العراق، زائد تدمير كل سورية، زائد احتلال قرار لبنان وغزة، زائد مأساة اليمن، زائد المساهمة الرئيسية في «دوْزنة» إطلاق وُحوش «القاعدة» و«النصرة» و«داعش» إلى ساحات الاعتراض لتغيير هوية المعارك، زائد التفجيرات هنا وهناك، زائد عمليات الاغتيال، زائد نصف مليون شهيد سوري وملايين الجرحى والمهجّرين، زائد تأسيس بيئةٍ ممانِعة طائفية في عددٍ من دول آسيا قد تنفجر قنابلها قريباً… تصبح زيادات الرجل وبدلاته والبونص السنوي بحجْم موازنةِ دولة، ولذلك على الجميع أن يصدّقوا أن أساس راتِبه هو 1250 دولاراً.
3 قطع «شريان داعش» والجماعات المتطرفة
د. ابراهيم العثيمين
اليوم السعودية

يعد التمويل أحد الأعمدة الرئيسية في بناء وهيكلة الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وتنظيم داعش الإرهابي انتهج إستراتيجية رئيسية منذ قيامه وهي ان المال قبل القتال. وبالتالي سعى للحصول على المال بكل الطرق ويقدر المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، الإيرادات السنوية لتنظيم داعش ما بين 870 مليون دولار الى 1.9 مليار دولار بين عامي 2014 و2016. وقد تنوعت مصادر تمويل «داعش»، تجارة الآثار والمقتنيات الضرائب وعمليات المصادرة والابتزاز. الا ان أبرزها كانت تجارة النفط. فمنذ ظهوره في العراق وسوريا سعى التنظيم جاهدا الى السيطرة على منابع النفط. يذكر مؤلفو كتاب «مال الإرهاب – تحقيق حول الاتجارات التي تمول الإرهاب»، دينيس بولار، وهو صحفي مستقل، وفابيان بيليو، من صحيفة «لا تريبون» الفرنسية. إن هناك 160 بئرا كانت تضخ النفط في سوريا لداعش في العام 2015، وهو ما يدر على التنظيم المتشدد دخلا يوميا يقدر بنحو 1.4 مليون يورو قدرت إدارة مكافحة تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأمريكية أن عائدات داعش من تصدير النفط كانت تبلغ نحو 500 مليون دولار سنويا بين عامي 2014 و2015. فالنفط هو إحدى الوسائل الأساسية لهذا التنظيم كي يمول ذاتيا ويكون قادرا على توسيع نطاق عملياته دون الاعتماد على اي تمويل خارجي. اما تجارة الآثار، ف%8