3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

1 والله زمن يا جيش العراق
حامد الكيلاني العرب
لم يعد مناسبا إطلاق صفة التواطؤ على علاقة الأحزاب والتحالفات الطائفية في العراق بالنظام الإيراني، لأنها علاقة تكاملية في وحدة الأهداف يستحيل معها أن تترك العراق يتلمس طريقه لبناء غده

بعد مرحلة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، تزاحمت دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية مع دولة كبرى مثل روسيا وكلتاهما تدافعان بالمناكب مع حفنة ميليشيات خاضعة لقوات الحرس الثوري الإيراني، رغم أنها بجنسيات مختلفة إلا أنها تقاتل تحت راية تنظيم الدولة الإيرانية؛ اصطف معها رئيس وزراء العراق إضافة إلى حاكم سوريا، في طابور غير مهذب لتبني الانتصار على الإرهاب.

بعد منجزات الحرب على الإرهاب يؤكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حاجة العراق إلى 100 مليار دولار لإعادة الإعمار وتجاوز كلفة ما تسبب به تنظيم داعش في احتلاله للمدن وخلال العمليات العسكرية، والتي كما يبدو كانت حربا مفتوحة وغير مقيدة أو بلا دراسة معمقة سمحت بتدمير المنشآت الحيوية في محاكاة لموقف القوات الأميركية في الأيام والشهور الأولى من الاحتلال، ومهادنتها في تخريب وإشعال الحرائق في المؤسسات. كانت إجابة الجانب الأميركي تتلخص بنصيحة عدم المبالاة لأن الإعمار وتحديث العاصمة بغداد وجميع مدن العراق من أولوياته.

من يراقب ما يجري في الساحتين العراقية والسورية يكتشف وجود مناورات مشتركة متداخلة وعلى نطاق واسع في السياسة ومناقلة القوات العسكرية وصناعة نقاط تماس وتجريب وجس ردود الفعل، كما في استهداف طائرات الدرون لقاعدة حميميم الروسية وقلق مؤشر الاتهامات حتى إسقاط طائرة السوخوي بصاروخ حراري اختلفت المصادر الاستخبارية في كيفية تجهيزه أو اقتناءه من قبل الجماعات المسلحة، وكذلك عملية غصن الزيتون للقوات التركية في عفرين وما يقابلها من عملية صيد الثعالب التي أطلقتها قوات الحماية الكردية، وما بينهما من تجاذبات أميركية وروسية وهوامش رصد النظامين الإيراني والسوري.

في العراق تزامنت تصريحات نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان بأن الولايات المتحدة لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق في العام 2011، مع استباق نائبة برلمانية من كتلة دولة القانون لفتح ملف تواجد القوات الأجنبية بأدوارها ومهماتها وحساباتها المالية، مطالبة بالتحقيق في حادثة قصف قوات التحالف لقوات عراقية في منطقة البغدادي.

وقبلها بأيام تفرّدت قيادات ميليشياوية بمخاطبة رئيس الوزراء لإخراج القوات الأميركية من العراق بعد انتهاء مهماتها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ثم جاء تصريح الناطق الرسمي لحكومة العبادي الذي أعلن فيه تخفيض عدد القوات الأميركية، لكنه أضاف أن عملية الانسحاب الكامل لا تزال في بدايتها.

كل تلك الخلطة من توقيتات الطروحات في العراق تبدو فعلا سرا من أسرار مختبر الكيمياء السحرية لملالي طهران الذين يرجمون في الغيب التحركات الأميركية ويصيبونها كجهد استخباري يكشف عن مناقلات المتعاقدين مع قوات التحالف.

البيادق الإيرانية في العراق مازالت مستمرة ومصرة على سيرتها في ممارسة لعبة الاختفاء خلف الشعارات الوطنية لتمرير مناورات الانتخابات البرلمانية أو القوانين أو بتقديم القرابين من شعب العراق خدمة لمشروع “إيران أكبر” الذي أشار إليه علي أكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي بحتمية تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، متناسيا الانتفاضة في وجه نظام مرشده القمعي، ومطالبة المتظاهرين بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والانصراف إلى معالجة الأزمات المستعصية التي حولت نسبة كبيرة من شعب إيران إلى ما تحت خط الفقر.

لم يعد مناسبا إطلاق صفة التواطؤ على علاقة الأحزاب والتحالفات الطائفية في العراق بالنظام الإيراني، لأنها علاقة تكاملية في وحدة الأهداف يستحيل معها أن تترك العراق يتلمس طريقه لبناء غده بإرادة مواطنيه، ولا يوجد دليل على ذلك أفضل مما قاله الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري عن استعداد قواته لخوض الحرب المقبلة بالاعتماد على خطة الاشتباك مع العدو عن بعد، منوها بأن الجيشين العراقي والسوري يشكلان عمقا استراتيجيا لبلاده.

خيبة النظام السياسي الحاكم في العراق بقيادة حزب الدعوة والأحزاب والتحالفات الطائفية تكمن في مداراته وتحايله لإضفاء طابع الدبلوماسية أو العلاقات المتبادلة والمتكافئة بين دولتين جارتين، لكن ما تفعله إيران دائما لا ينسجم أبدا مع سياسة عملائها في الحب من طرف واحد المهينة والمذلة.

نظام طهران يسعى إلى إذلال المتيمين به بإهانتهم ومعاقبتهم على أبسط ما يعتبره خروقات في الولاء المطلق حتى لو كانت تلك الخروقات لأغراض المرونة السياسية مع القوى المحلية والعربية والدولية.

أتباع المشروع الإيراني عندما تواجههم التصريحات الإيرانية المحرجة كالاستيلاء على عواصم عربية، أو اعتبار بغداد عاصمة للإمبراطورية الإيرانية، يتهمون الإعلام بالتكذيب أو بتلفيق الإدانات للنيل من إيران، ترى ما هي تبريراتهم هذه المرة لأقوال حسين سلامي؟

في هذه الفترة الصعبة من تاريخ العراق يجب عدم تأويل الأقوال بالغة الدلالة والصادرة من القيادات الإيرانية على أنها لأغراض الاستهلاك المحلي، وبالذات بعد توقد شرارة الثورة في الداخل الإيراني، وهذا ينطبق على كل قوى الشعب السوري الرافضة أولا للمشروع الإيراني.

ربط الميليشيات في العراق وسوريا ودول عربية أخرى بالحرس الثوري، كما يبدو من وجهة نظر الملالي، أصبح لا يلبي توقعات المرحلة المقبلة أو الاستعدادات الإيرانية لها؛ ولذلك انتقلت إيران إلى تحطيم فكرة الاعتماد على الميليشيات العقائدية كليا، لأنها في كل الأحوال تتحرك بمسافات من الأوامر الحكومية، أو بملاحقة المنظمات الإنسانية وأجهزة المخابرات الدولية.

لكن الجيوش الوطنية أمر مختلف ووصفها بالعمق الاستراتيجي لإيران يعني أن ثمة منهجا وليس تكتيك، يسعى لتحويل الجيوش رغم مآخذنا عليها إلى جيوش سخرة بواجبات التشكيلات العسكرية التي يتم التضحية بها لغايات حماية مقرات المراكز القيادية. الصواريخ الباليستية الإيرانية وبمختلف المديات وبإنتاجها الواسع، حالها حال معظم الأسلحة التقليدية في العالم على تباين تأثيرها والتي يتم تصنيعها للاستخدام في أوقات ذروة الصراعات بعد أن تكون قد استنفدت صلاحية التوازن أو الردع في المخزون.

لكن لماذا نعترض، وبشدة، على اعتبار الجيش العراقي عمقا استراتيجيا لإيران ونحن على دراية بكون النظام السياسي الحاكم في العراق مجرد سلطة مذهبية طائفية تتشكل في كل دورة انتخابية وفق رؤية إيران لمصالحها ومراوحة علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية على حل الكلمات المتقاطعة بينهما في العراق أو في المنطقة أو في الحرب على الإرهاب.

الجيوش تتبع سلطاتها السياسية وليس العكس، وسلطة كالتي في العراق أو في سوريا حتما ومن تحصيل الحاصل أن يكون جيشاهما عمقا استراتيجيا للإرهاب الإيراني.
2 تركيا اردوغان تقاتل الجميع: الروس والاميركان والسوريين والعراقيين!
طلال سلمان

راي اليوم بريطانيا

لم تغادر تركيا “السلطنة” تماماً، بل أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يتحرك ويتصرف ويتحدث كسلطان عثماني تشغله هموم مدّ المدى الحيوي للسلطنة، وتوكيد تفوقها وسيادتها على المحيط بمعزل عن “الحدود”.
كذلك فان تركيا لم تُسقط من ذاكرتها ومتن سياساتها كراهية العرب، بل احتقارهم … وهي لا يمكن أن تنسى “انقلابهم” على السلطنة، وثورتهم ضدها، وانحياز الشريف حسين إلى بريطانيا والغرب عموماً وإعلانه الثورة العربية ضدها بتحريض منها ولحسابها.
ولا يخفي الاتراك الطورانيون اصرارهم على انكار الصلة التاريخية بالعرب وتساميهم بأصولهم التي لا علاقة لها بالعرب من بعيد او قريب.. وما خروجهم من “استعمار” اللغة العربية وتفضيلهم الحرف الافرنجي لكتابة “لغتهم” التي تختلط فيها لغات كثيرة الا التعبير البدائي عن قومية إمبراطورية تتبدل قواعداً ونطقاً باختلاف الجغرافيا، وان ظلت الاصول طورانية.
ويعتز الاتراك بأنهم قد “استعادوا” كيليكيا واسكندرون فاقتطعوها من مساحة سوريا و”تركوا” أهلها ومنعوهم من التحدث بلغتهم العربية، كما حرموا عليهم ارتداء الكوفية والعقال او حتى الطربوش وفرضوا القبعة الاجنبية في محاولة للقطع مع تاريخهم المشرقي وتنسيب أنفسهم إلى الغرب الذي ما زال يتعاطى معهم كوافدين اغراب يحملون في أعماقهم “روح الاسلام” والنزعة التوسعية.
وأذكر انني ذهبت يوما إلى الاسكندرون، في صيف العام 1964، للحصول على وثائق معينة من السيد صلاح الشيشكلي، شقيق الانقلابي السوري المعروف اديب الشيشكلي.. فلم أجده.. ولكنني تعرفت على عائلته، وأصر نجله على مرافقتي كدليل خلال زيارتي القصيرة. وكنا نقصد أحد المقاهي لاحتساء القهوة. ذات يوم، غادرنا المقهى ومشينا في طريق جانبي، فسمعنا من ينادي خلفنا بالعربية: “يا اخوان.. يا استاذ، يا أخ”.. والتفتنا فاذا هو النادل في المقهى وقد لحق بنا “لأتحدث لغتي التي كاد المنع ينسينا اياها”.
المهم أن تركيا الآن تمارس سياسة توسعية، وبالدم احيانا، على حساب العرب، بدءاً بسوريا، مروراً بالعراق، وصولاً إلى قطر الخ..
ويستحيل تبرئة تركيا من جريمة تسهيل عبور جحافل “داعش” الصحارى والبوادي التي تفصل وتوصل بين تركيا والعراق وتركيا وسوريا من دون أن يراها حرس الحدود التركي المتأهب او الطيران الحربي التركي.. خصوصاً وان قوافل السلاح والعتاد التركي إلى اكراد البرازاني في العراق كانت تمخر تلك الصحراء دورياً.. كما أن الرقابة التركية وتمرير قوافل السلاح إلى عصابات “النصرة” و”الزنكي” و”احرار الشام” كانت تتواصل بوتيرة متسارعة.
الطريف أن تركيا التي “حالفت” مسعود البرازاني ضد الحكم في بغداد، وشجعت اكراد سوريا على انتهاج سياسة انفصالية، تضطهد اكرادها الاتراك والذين تناهز اعدادهم العشرين مليون نسمة، ويواصل جيشها التعامل معهم كعصاة، فيقتل منهم على مدار اساعة ويدمر مدنهم وقراهم.
ولم ينس المصريون بعد أن حكومة اردوغان المتحدرة من اصول اخوانية قد دعمت حكم الاخوان المسلمين في مصر، فلما تم اسقاطه بثورة الميدان التي صادرها الجيش المصري، وفرت تركيا الملجأ والملاذ “للإخوان” المصريين إلى جانب “الإخوان” السوريين الذي احتشدوا فيها واتخذوها منطلقاً لحربهم على النظامين المصري والسوري.
كذلك فان النزعة التوسعية التركية لا تترك خلافاً عربياً-عربياً الا وتغذيه، وقد دفع الطموح الاتاتوركي اردوغان إلى انشاء قاعدة عسكرية بحرية في قطر، مستفزاً بذلك كل دول الجزيرة والخليج.
بالمقابل فان العلاقات التركية مع العدو الاسرائيلي تتطور باستمرار، كماً ونوعاً، مدنياً وعسكرياً.. ولا تنفع التصريحات والخطب العنترية عن حقوق الشعب الفلسطيني في التغطية على الانحياز التركي إلى العدو الاسرائيلي.
في لقاء، قبل سنوات، مع الرئيس التركي اردوغان، في القصر الرئاسي بأنقره، وجدت نفسي اغرق في تأمل تصرفات وكلمات اردوغان وهو يتحرك كإمبراطور، وحين لمحت إلى عصر السلطنة العثمانية، ابتسم اردوغان وهو يقول: أظنكم، انتم العرب، تحملونها المسؤولية عن كل ما اصابكم ويصيبكم الآن.. أما نحن فقد تخلصنا من سلبياتها وها نحن نبني على الايجابيات فيها.
ها هي تركيا، الآن، تصطدم بروسيا، عبر اسقاط الطائرة الحربية الروسية فوق الارض السورية، التي يهاجمها الجيش التركي في منطقة عفرين وجوارها بذريعة مقاتلة الاكراد و”تطهير” المنطقة (السورية) منهم (وهم سوريون) في ارضهم.
كذلك فهناك احتمال أن يتصادم الاتراك والاميركيون على الارض السورية، فضلاً عن التصادم الحتمي بين القوات السورية والاميركيين الذين شجعوا الاكراد السوريين على احتلال أجزاء مهمة بعنوان مدينة الرقة السورية التي ليس فيها الا أقل من 3% من الاكراد .. لكن الاميركيين جعلوها اشبه بمسمار جحا، ليحجزوا لهم دوراً في أي مشروع “للتسوية” وانهاء الحرب في سوريا وعليها.
أن “السلطان” يهرب من مشكلاته الداخلية العديدة إلى احلام الامبراطورية التي باتت من الماضي الملعون منه ومن كل رعايا تلك “السلطنة” التي فرضت التخلف والقهر والجوع على العرب.. ومعهم الاتراك.
أن غرور السلطان يقابله تهافت العرب وتفكك دولهم التي يصطنع بعضها بئر نفط او حقل غاز..
وما لم ينتبه العرب إلى ما يُدبر لهم من “سلاطينهم” قبل سلاطين الآخرين، فسيظل المستقبل العربي رهينة الواقع المهين!
3 تفاءلوا بالعراق تجدوه
محمد عارف
الاتحاد الاماراتية

«يالأهوال الأكاديمي الوطني النجفي»، كان عنوان هذا المقال، عندما شرعتُ بكتابته عن «حكمت شُبّر»، الذي شغل مناصب جامعية عدة، بينها عميد «معهد الدراسات العليا في القانون والعلوم السياسية» في النجف، وعميد «كلية القانون» في «جامعة أربيل»، وأستاذ القانون الدولي في «الجامعة المستنصرية» في بغداد. وفي كل هذه المواقع واجه الأهوال، لوقوفه ضد الطائفية، والعنصرية، والاحتلال. أعلن ذلك في مؤلفاته المنشورة، وبينها «الحروب العدوانية وما أفرزته من قروض وتعويضات بحق العراق»، و«الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية إلى أين؟»، و«الشكل القانوني للنفوذ الاستعماري في البلدان العربية».

«في عيوني دمعتان، دمعة أطوي بها ذُلّ المكان، دمعة أخرى لأحزان الزمان»، بيت شعر من قصائد «شُبّر»، وبعض شعره ينبجس في هوامش بحوثه القانونية، كأنّ النص قاصر عن التعبير. «من عهد فرساي ما انفكّت تلاحقها، أطماع قومٍ أباحوا أرضها سلباً، تقاسموها جزيرات مبعثرة، لم يبق بينهم أفّاك ما نهبا. مقطوعة النهد والأطراف شامخة، مرفوعة الرأس يعلو هامها السحبا». هذه الأبيات حَشَرَت نفسها في دراسة عنوانها «الكرد والمادة 14 من الدستور» تتضمن أحكاماً من القانون الدولي، تؤكد حق الأكراد بتقرير المصير. وفي بحوثه عن القضية الكردية يجمع «شُبّر» بين موقفين قد يبدوان متناقضين، وهما الدفاع عن حق الأكراد في تقرير المصير، وانتقاد التجاوزات الكردية على قانون الفيدرالية. «فالأخوة الأكراد الذين طالبنا وما زلنا نطالب لهم بحق تقرير المصير، أساؤوا كثيراً للدولة العراقية، ولإخوانهم في المركز، حيث تصرفوا وما زالوا يتصرفون كدولة مستقلة لا تتقيد بقواعد الدستور العراقي، التي لا يحق لهم بموجبها امتلاك جيش منفصل (البشمركة)، فالجيش الذي من مهماته الأساسية الحفاظ على وحدة وأمن البلد، والدفاع عن حدوده وسلامة أراضيه يكون تحت سيطرة المركز، وهم استحوذوا على سلاح الجيش العراقي بعد الاحتلال».

وتفاءلوا بالعراق تجدوه في «حكمت شبر»، فهو الباقي من أسرته النجفية العريقة، بينما غادر أشقاؤه وأبناؤه وأحفاده إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وسويسرا، والسويد، وكندا، وأميركا. ورَفَض «شُبّر» منصباً رفيعاً في رئاسة الجمهورية، وشتم بالأسماء معارفه وأصدقاءه الذين تعاونوا مع حكومات الاحتلال، لم يستثنِ سوى «كامران قرداغي» رئيس ديوان رئاسة الجمهورية خلال عهد جلال الطالباني، ربما بسبب وشائج عاطفية منذ دراستنا في «جامعة لينينغراد»، وتُسمى الآن «بطرسبرغ»، حيث أسّسنا نحن الثلاثة «لجنة الدفاع عن الشعب العراقي»، وكانت جزءاً من حركة عالمية لمناهضة انقلاب عام 1963، تزعمها الشاعر محمد مهدي الجواهري، ودعمها الفيلسوفان، الفرنسي «سارتر»، والبريطاني «راسل» اللذان اعتبراه «انقلاب النفط والدم».

و«شُبّر» شاعر رغم أنف الشعر، فهو لا يُراعي قواعد الوزن التقليدية في قصائده المنشورة في دواوين، ومن أرقِّها «الزنبق الحلو» عن زوجته «إيمان الرفيعي»، وفيها يقول: «وأزهر الورد من أطلال بسمتها، والزرع من فرحة نوراً يغطينا. يا نجمة الصبح يا حوراء فاتنة، أزحتِ هماً ولوّنتِ أمانينا». وهو روائي رغم أنفي. فأنا لم أنجز بعد رواية شرعتُ بها في الجامعة، فيما أصدر هو روايات عدة، بينها رواية عن منافستي الغرامية على عراقية جنوبية، أنا وصديق المراهقة الأكاديمي العراقي الألماني «نعمان بابان» الذي زامل «شُبّر» في «جامعة أربيل». وروايته عن «إيزيس» زميلته أيام الجامعة، منعتها زوجته التي تدون أعماله على الكومبيوتر. و«إيزيس» جوهرة روسية لا أدري لماذا أُغرمت به، ربما لأنه بركان لا يهدأ حتى في لحظات الأنس. كنا نستجيب لدعوته بالذهاب إلى «الحمّام الروسي»، فينذرنا طوال الطريق بأنه سيموت بنوبة قلبية في غرفة «البارنايا» وتعني «البخارية». و«البارنايا» النسخة الأرضية من الجحيم، لم أكن أستطيع المكوث فيها دقائق، فيما يغفو «شُبّر» عارياً من دون منشفة الحمَّام!