1 أمريكا في العراق: استقروا فيه آمنين! هيفاء زنكنة
القدس العربي
تؤكد التصريحات الأخيرة لوزارة الدفاع الأمريكية(البنتاغون) نية الإدارة الأمريكية الإبقاء على القواعد العسكرية وتفعيل « الاتفاقية الأمنية والاستراتيجية» مع الحكومة الجديدة بعد اجراء الانتخابات. تتطابق هذه التصريحات مع واقع العمليات التي تخوضها أمريكا، داخل العراق.
فعلى الرغم من سيل خطب وتصريحات الانتصار والقضاء على «الدولة الإسلامية»، وتقديم الانتصار باعتباره قد تحقق «بأياد عراقية خالصة وببطولات وتضحيات العراقيين»، حسب رئيس الوزراء حيدر العبادي، فان طائرات التحالف لا تزال تقصف أماكن مختلفة من العراق، «لمطاردة فلول داعش الإرهابي». ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تُعلن عن انطلاق عملياتها المستمرة في سوريا والعراق، مما يثير التساؤل حول عديد البيانات الصادرة من الجانبين العراقي والأمريكي المتعلقة بالعمليات الموصوفة بانها مبنية على معلومات استخبارية دقيقة. وذلك لاستمراريتها، وكثرتها، واعداد الضحايا من المدنيين في الفترة التي أعقبت إعلانات الانتصار والاحتفال به. فما الذي حدث للوعود الكبيرة بالاستقرار والأمان والاعمار، في الفترة التي اُطلق عليها أسم «ما بعد داعش»؟ وما هو دور الصراعات بين الأحزاب والميليشيات المتنفذة في هذه الفترة، وهل هناك دور أمريكي بالإضافة إلى الإيراني؟ وما مدى صحة كون العمليات العسكرية والقصف يستهدفان، فعلا، بقايا تنظيم « الدولة الإسلامية»؟
بالنسبة إلى وعود الاستقرار، تكفينا عودة سريعة إلى ساحة الطيران، ببغداد، لندرك حجم أكذوبة الأمان الموعود الذي بات سرابا، ما ان يقترب منه المواطن حتى يتحول إلى مشروع موت فردي أو جماعي.
أدى تفجير ساحة الطيران الإرهابي إلى قتل وجرح 80 مواطنا، معظمهم من العمال الفقراء. في مرثية كتبها شوقي كريم حسن، يحدثنا بقلب يختزن وجعا لا حد له، عن بائع الشاي بشار الذي» جاء بغداد من مدينة الشطرة، جنوب العراق، ليسد رمق خمسة اطفال يحلمون بحياة تحفظ كرامتهم.
ظل بشار يمنح الحياة لروح المغني داخل حسن ممزوجا بأحزان الشطرة التي فارقها مكرها. كلما طلبت منه الشاي، ابتسم قائلا: قل لي علة حب أهل الشطرة للشاي والغناء. ونهيم معا في ذكريات قحط وفرار. اليوم، كان بشار بغاية الفرح لأنه قرر زيارة الاطفال والزوجة التي تنتظر، بعد ان وفر لهم ما وفر. وفجأة، تناثرت بسطية بشار. أغمض بشار عينيه محاولا استرجاع وجوه أولاده، لكنه فشل. فشل بعد ان وجد نفسه دون أطراف، دون ملامح. مات بشار. قتلته زمر الفساد التي تتقاتل من اجل نهب البلاد».
إثر التفجير، أصدر الساسة العراقيون بيانات الاستنكار والادانة والاتهامات الجاهزة. شاركهم النحيب المفتعل سفراء وحكام دول عربية، ولم يقصر المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون في ذرف كلمات الأسى. في ذات الوقت الذي تواصل فيه الميليشيات ترويع الناس والأمريكيون سياسة القصف واستهداف المدنيين، الذين لا يعلن عن قتلهم أو احصائهم أو الإشارة إليهم، ما دام مشجب «داعش» لايزال حيا يُغذى بالبيانات، والتصريحات المنمقة، والتطبيل الاعلامي.
وعند تمحيص مدى استخدام مشجب داعش لتبرير القصف، يتبين من بيان للتحالف، في 12 كانون الثاني/يناير « ان قوات التحالف العسكرية في الفترة من 5 – 11 كانون الثاني/يناير 2018، نفذت 96 غارة تألفت من160 اشتباك ضد إرهابيي داعش في سوریا والعراق». ذلك ان قوة المھام المشتركة في عملية العزم الصلب «ملتزمة من أجل تحقيق الهزيمة الحتمية لداعش والحد من قدرتها على تأسيس شبكات جديدة أو إعادة الظهور في العراق وسوريا»، ويتوسع خطاب الترويع الإعلامي الأمريكي ليتضمن بالإضافة إلى تهديد داعش للعراق وسوريا، تهديدها «المجتمع الدولي ككل». مما يعيد إلى الاذهان حملة التضليل الإعلامي الأمريكي – البريطاني التي مهدت لغزو العراق، باعتباره يمتلك أسلحة الدمار الشامل القادرة على تهديد أوروبا خلال 45 دقيقة!
ان استخدام ذريعة حماية العالم يترجم على ارض الواقع، بأن لقوة المهام المشتركة أو الولايات المتحدة وحلفائها، المبرر الشرعي للبقاء على ارض العراق وسوريا مدة تفرضها هي، ووفق مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. إبقاء حضور داعش، اذن، حيا أو ترهيب الدول والناس، بحضوره، ضرورة يتوجب المحافظة عليها لكل الجهات الراغبة بإبقاء العراق ضعيفا، ممزقا، تسهل الهيمنة عليه. سواء كانت الجهات محلية متحالفة مع الدول الإقليمية، أو الولايات المتحدة، أو كليهما معا.
وفي الوقت الذي ينفي فيه النظام العراقي وجود قواعد عسكرية أمريكية، مؤكدا «أنه لا وجود لقوات مقاتلة من أي دولة على الأراضي العراقية» حسب حيدر العبادي، والاكتفاء بالإشارة البسيطة، أحيانا، إلى ما يسمى «الدعم الجوي»، تؤكد التصريحات الرسمية الأمريكية، من وزارة الدفاع (البنتاغون) بشكل خاص، بأن استمرار وجود القوات العسكرية ضروري، إلى ان يتم «القضاء كليا على داعش».
وقد ذكر موقع «غلوبال ريسيرج» الأمريكي، في 23 كانون الثاني/يناير، ان هناك ست قواعد عسكرية للولايات المتحدة في العراق. وهناك ما يشير إلى انشاء قواعد أخرى. لن تكون هذه القواعد بالحجم السابق الذي كانت عليه قبل انسحاب قوات الاحتلال عام 2011، الا انها ستكون قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة ومنها السيطرة الجوية والاستخباراتية والاغتيالات بواسطة الطائرات بلا طيار. أهم القواعد العسكرية، حسب موقع «ميل اونلاين» البريطاني، هي: مطار صدام الدولي السابق خارج بغداد، وقاعدة تليل الجوية بالقرب من الناصرية، في الجنوب، والقاعدة الجوية المعروفة باسم اتش -1، في الصحراء الغربية، ومطار باشور في شمال العراق. ولموقع أتش 1 الاستراتيجي أهمية خاصة، حيث توجد فرق القوات الخاصة حاليا، لكونه على مسار خط أنابيب النفط إلى الأردن.
فهل هذه طريقة النظام العراقي المبتكرة في انهاء الاحتلال الأمريكي، الذي تحدث عنه محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الاعلى قائلا بأنه سيتم التخلص منه خلال ستة أشهر، وان التعاون معه مجرد تقاطع مصالح مؤقت، كما كرر قادة الأحزاب «الإسلامية» من بعده؟ ماذا عن «كلا… كلا لأمريكا»، شعار السيد القائد مقتدى الصدر دام ظله؟ وكيف ستتفاعل سياسة الحزب الشيوعي «العلماني» باعتبار الاحتلال «تغييرا» مع «كلا لأمريكا» في مرحلة التحالف «المدني» بين التيار الصدري والحزب؟ ماذا عن عموم الشعب العراقي؟ يبدو من متابعة اخبار انتشار القواعد العسكرية، بشكل علني، ان الاحتجاج ضدها آت من اجنحة في الإدارة الأمريكية وعدد من المنظمات الأمريكية والاوربية. أما صوت الشعب العراقي، كقوة رافضة، تساهم في تغيير القرار، ليس مسموعا بعد.
2 البداوة السياسية إذ تقود العراق إلى المجهول
حميد الكفائي
الحياة السعودية
التمزق السياسي الذي يسود الساحة العراقية مـــنذ ٢٠٠٣ أصبح يهدد تماسك الدولة، وعلى رغم أن عـــدد الأحزاب المسجلة تناقص من ٥١١ عام ٢٠٠٥ إلى ٢٠٤، إلا أنه ما زال كبيراً. وإن كان هذا «التعدد» مفـــهوماً في البداية فإنه لم يعد مبرراً بل أصبح عبئاً ثقيلاً على العراق، خصوصاً أنه لا يعبّر عن تنوع سياسي حقيقي بقدر ما هو سعي أناني نحو السلطة والنفـــوذ. إنه بداوة سياسية وانعدام القدرة على التفاهم بين الجماعات العراقية المختلفة.
لقد امتد هذا التشرذم حتى إلى الأحزاب المتماسكة سابقاً كـ «حزب الدعوة» الذي عجز عن دخول الانتخابات موحداً بسبب الصراع الداخلي، وإصرار نوري المالكي على البقاء في القيادة على رغم تراجع شعبيته واستحالة وصوله إلى الحكم من جديد.
كان يمكن أن يختفي معظم هذه الجماعات منذ الانتخابات الثانية أو الثالثة لأنها تفتقر إلى الرؤية السياسية والبرنامج الإصلاحي الذي يميزها عن بعضها، لكن الذي أمد في عمرها هو الدخول في تحالفات سياسية غير متجانسة قبيل الانتخابات وإيهام الناخب بوجود كيان سياسي متماسك وذي أهداف موحدة. هذه التحالفات غير مبنية على أسس فكرية ولا تمتلك برامج سياسية متميزة إنما هي تحالفات مصلحية وقتية سرعان ما تنتهي بعد الانتخابات لتبدأ كل جماعة بالتفاوض على حصتها في السلطة.
رئيس الوزراء، حيدر العبـادي، شكل تحالفاً سماه «النصر» في إشارة إلى انتصاره على الإرهاب، لكنه ضم إليه جماعات مفلسة تكاد تغرق سياسياً بسبب سجلها السيئ وفسادها المفضوح، فمد إليها حبــل النجــاة لتــبــقى تمارس الـفساد وتــعرقـل عمله مستقبلاً إذا افترضنا أنه سيحتفظ برئاسة الوزراء.
جماعة «دعاة الإسلام» مثلاً، وهي جماعة منشقة عن «حزب الدعوة» منذ ١٩٩٩، كانت تنتحل اسم «الدعوة» مع لاحقة «تنظيم العراق»، إلا أن المحكمة الاتحادية قضت بعدم جواز استخدامها الاسم لأنه مسجل لحزب آخر، وأن لاحقة «تنظيم العراق» لا تميزها عن «حزب الدعوة» لأنه هو الآخر تنظيم عراقي. إن كانت هذه الجماعة مختلفة عن «حزب الدعوة» فلماذا تتحالف معه؟ وإن كانت تشترك معه في التوجهات السياسية فلماذا لا تعود إليه؟
جماعة المجلس الأعلى هي الأخرى غير متماسكة وقد انشطرت قبل أشهر عدة إلى شطرين بسبب التناحر بين قادتها، لكنّ الشطرين المتخاصمين ائتلفا من جديد لمصالح انتخابية بحتة، فالخلافات ما زالت عميقة بينهما، لكن القادة يعرفون أنهم لن يتمكنوا من البقاء من دون التحالف وقتياً. وهاتان الجماعتان دخلتا في تحالف العبادي ما يمنحهما عمراً جديداً لأنهما ستفوزان بأصواته.
جمـــاعات أخــــرى صغيرة لا تمثل تيارات سياسية حقيقـــية، مثل جماعات الجعفري والشهرستاني والفضــــــيلة، هي الأخرى تحالفت مع الـعبادي وسوف تستفيد من شعبيته وتبقى في العملية السياسية.
نوري المالكي بقي زعيماً لائتلاف «دولة القانون» الذي شكله عام ٢٠٠٩ والذي يضم أصهاره وأبناء إخوته وأعمامه وأتباعه ومؤيديه. من غير المتوقع أن يحصل على تمثيل كبير كالسابق، لأن العراقيين بمعظمه يلومونه على انتشار الفساد وضياع أموال العراق وسقوط المدن العراقية بأيدي الجماعات الإرهابية وتأجيج الطائفية.
الزعيم الديني مقتدى الصدر أبدى جرأة سياسية نادرة عندما تحالف مع الحزب الشيوعي وجماعات علمانيــــة متفرقة. وعلى رغم أن تحالف «سائرون» يضم أطرافاً قد تبدو متناقضة فكرياً، إلا أن هناك أسساً سياسية جمعت مكوناته منها السعي الى تمثيل الفقراء والمتضررين وإقامة دولة مدنية ومحاربة الفـــساد وتشكيل حكومة من التكنوقراط والتخلي عن المحاصصة التي تشكلت وفقها الحكومات السابقة.
ومن أغرب التحالفات الجديدة تحالف العلماني أياد علاوي مع الإسلامي سليم الجبوري الذي تدنت شعبيته بسبب تقلباته وسوء إدارته البرلمان. هذا التحالف سوف يمنح سليم الجبوري عمراً سياسياً جديداً لأنه سيستفيد من شعبية علاوي بين العلمانيين والسُنّة.
أما زعيم منظمة بدر (فيلق بدر سابقاً) فقد شكل تحالفاً انتخابياً باسم «الفتح» ضم فصائل عدة معظمها مسلح، وبعضها متطرف ومتهم بارتكاب أعمال خطف وقتل. وكانت هذه الجماعات تقاتل «داعش» تحت عنوان «الحشد الشعبي» الذي يفترض ألا يشارك في الانتخابات باعتباره جزءاً من القوات الأمنية، غير أنها ظلت تمارس العمل السياسي مع إبقائها على فصائلها المسلحة، ومعظمها مرتبط بإيران.
وكان العامري قد تحالف مع العبادي لكنه انسحب لأسباب «تقنية» وفق قوله، لكن السبب الحقيقي على ما يبدو أنه يعتقد بأنه سيحقق نجاحاً أكبر إن بقي منفرداً، معتمداً على سجله في محاربة الجماعات الإرهابية، كما إنه إن تحالف مع العبادي فسوف يساهم في فوز فصائل منافسة كجماعات الحكيم والفضيلة والمجلس الأعلى.
الأحزاب الكردية هي الأخرى تعاني من الانقسام وتراجع الشعبية، فحزب «بارتي» بزعامة مسعود بارزاني قرر عدم خوض الانتخابات في المناطق الواقعة خارج الإقليم والتي اعتبرها «محتلة» بعد أن عادت للارتباط بالمركز إثر اندحار تنظيم «داعش». لكن السبب الحقيقي لعدم المشاركة هو تراجع شعبية بارزاني بعد فشل الاستفتاء على الاستقلال واتضاح سوء إدارته تلك المناطق التي سيطر عليها بالقوة إثر انشغال المركز في محاربة الجماعات الإرهابية.
أما حزب «يكتي» فقد انقسم بعد رحيل زعيمه جلال طالباني الى أجنحة عدة، بينما انشق عنه برهم صالح وأسس تنظيماً جديداً. حركة «كوران» ما زالت قوية على رغم غياب زعيمها، نوشروان مصطفى، وذلك لأنها حاربت فساد حكومة الإقليم التي يديرها حزبا «بارتي» و «يكتي» ووقفت ضد انفراد أسرة بارزاني بالسلطة وعارضت الاستفتاء على الاستقلال. ويتوقع مراقبون أنها ستحصل على تمثيل أكبر في الانتخابات المقبلة.
النظام الانتخابي الحالي «سانت ليغو المعدل عراقياً» يخدم التحالفات الكبيرة ويمكِّن مرشيحيها من الفوز بأصوات قليلة، وكم «فاز» مرشحون بأقل من مئة صوت، بينما أخفق آخرون على رغم حصولهم على آلاف الأصوات، مثل جاسم الحلفي (١٦ ألفاً) وهيفاء الأمين (ثمانية آلاف) في الانتخابات الماضية.
لا شك في أن رفض العبادي الانضمام إلى تحالف المالكي إجراء صائب ومبرر، لكن تحالفه مع جماعات ضعيفة وفاسدة سوف يديم التشرذم والتمزق في الساحة العراقية ويمكِّن هذه الجماعات من البقاء وإضعاف الدولة. ما لم تحصل اندماجات حقيقية تقوم على توجهات سياسية متميزة وبرامج اقتصادية مدروسة، فإن مستقبل العراق كدولة متماسكة سيكون في مهب الريح.
3 العروبة والإرهاب
عبد حامد
الحياة السعودية
قبل سنوات، بدأ التحالف الدولي حملته على الإرهاب، وتناقلت وسائل الإعلام العالمية مشاهد من المعارك الطاحنة، خصوصاً في سورية والعراق. وطوال هذه السنوات المريرة، المليئة بالخراب والدمار وببحور من دماء الأبرياء، لم نشاهد بالصورة، التي هي أكثر دقة وصدقاً في نقل الحقيقة على الأرض، غير ملايين المهجرين واللاجئين والنازحين، من المدنيين العزل، وهم في أسوأ حال. ولم نر ولو بضع مئات من العناصر الإرهابيين الذين انطلقت تلك الحرب الدولية لاستهدافهم، وشاهدنا ألوف معسكرات اللاجئين، ولاحظنا كيف يتم التعامل مع سكانها كما يتعامل الأعداء مع أسراهم، بل وأسوأ بكثير من ذلك. ولم نشاهد ولو بضع مئات الأسرى من التنظيمات الإرهابية، ورأينا عشرات الآلاف من المعتقلين، الذين قضوا تحت التعذيب، من المدنيين العزل، وبينهم أطفال ونساء، وكم كان ذلك صادماً ومروعاً. ولم نر ولو مئات المعتقلين من العناصر الإرهابية الإجرامية، الذين كان يجب أن يظهروا لتشفي صورتهم صدور آباء وأمهات فقدوا أبناءهم بفعل تدخل هذه العناصر الإرهابية.
في المقابل، شاهدنا مئات آلاف القتلى والمعوقين من المدنيين العزل، ولم نر ولو جثث مئة من الإرهابيين. ورأينا كيف تم تدمير مدن بكاملها، ولم نر داخل هذه البيوت المدمرة غير أوصال الأطفال من أبناء هذه المدن، ولم نر أوصال وجثث الإرهابيين، المعروفة أوصافهم جيداً، حتى بات الواقع على الأرض يبدو وكأن الحرب قائمة على العروبة لا على الارهاب، بل وأكثر من ذلك شاهد العالم كله، عبر وسائل الإعلام العالمية، كيف تم نقل العناصر الإرهابية بحافلات مكيفة، هم مع عوائلهم وأسلحتهم إلى أماكن آمنة، بينما تُرك المدنيون العزّل الهاربون من ظلمهم ومجازرهم، في العراء يتساقطون جوعاً وقهراً، وجلهم من الأطفال والنساء.
الجميع شارك في اقتراف هذه المجازر المروعة، من القوى الكبرى في غرب العالم، والدول الصاعدة في شرقه، على حد سواء، ومن الموجع والمفجع حقاً، أن بعض العرب شارك، بطريقه مباشرة أو غير مباشرة ، في اقتراف مثل هذه المجازر.
4 من يعوّض ضحايا التحالف الدولي من المدنيين؟!
كاظم الموسوي
الوطن العمانية
” معلوم أن واشنطن شكلت تحالفا دوليا بشكل غير شرعي ومن دون موافقة مجلس الأمن منذ أغسطس 2014 بزعم محاربة الإرهاب، في سورية والعراق، في حين تؤكد الوقائع أنها تحارب وتدمّر البنية التحتية والمنشآت الصناعية والزراعية، وترتكب المجازر بحق المدنيين مستخدمة ترسانات الصواريخ (الذكية) والقنابل الموجهة والأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل الفوسفورية، في مدينة الرقة وغيرها. ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس هذا آخر خبر عن ضحايا مدنيين تقصفهم الطائرات الأميركية في العراق أو سوريا، وليس ما حصل أول مرة ، القصص متداولة وكثيرة والضحايا كثر وبلا حساب.
من يعوّض؟ من يسأل عن الضحايا؟ من يحاكم المجرمين الذين ارتكبوا جريمة القتل هذه؟. من يضع حدا لمثل هكذا جرائم؟!. هذه أسئلة لا جوابا عليها وتظل قائمة دون تقادم، مهما تغولت الإدارات القائمة بها اليوم.
الخبر يقول ان الطيران الأميركي ارتكب في وقت سابق من يوم (2018/1/27 ) مجزرة في ناحية البغدادي غرب الأنبار راح ضحيتها 20 شخصا بين شهيد وجريح، فيما وجهت قيادة العمليات المشتركة بفتح تحقيق في الحادثة. وأكد مجلس محافظة الانبار، أن ما حصل من قتل للمدنيين في ناحية البغدادي، من قبل الاميركان هو مدعاة لإعادة النظر في حركة القوات الأميركية بالعراق.
قال عضو في مجلس المحافظة في تصريح لوكالة اخبار محلية إن “قرار بقاء القوات الأميركية او انسحابها من قواعدها في الانبار متروك للحكومة المركزية, كون القرارات التي بموجبها اتخذت تلك القوات مكانا لقواعدها لا نعلم بتفاصيلها”. وأضاف ان “عملية حركة القوات الأميركية من مكان إلى آخر أيضاً من صلب اعمال الحكومة المركزية والحكومة المحلية والقيادات الأمنية لا تتدخل بمنع هذه الحركات لوجود اتفاقيات مبرمة مع الحكومة المركزية تسمح للطرف الثاني بالحركة دون اللجوء إلى تلك الجهات”. وأوضح أن “ما حصل في ناحية البغدادي يدعونا إلى إعادة النظر في حركة القوات الأميركية وان يكون هنالك تنسيق امني قبل القيام بعمليات المداهمة والاستطلاع”، مبيناً أن” مدن الانبار شهدت في الفترة الماضية العديد من هذه الحالات منها في حديثة والقائم ولم تتخذ الإجراءات الكفيلة للحد من هذه الأخطاء”.
كما طالب مجلس محافظة الانبار بعد يوم بتحقيق عاجل لمجزرة ناحية البغدادي غرب المحافظة ومعرفة المسبب الرئيس لها. وفي كل الاحوال، لم تخرج اللجان بجديد، لان التجربة تؤكد تكرار ما حدث قبل ذلك. وهذا الوضع المفتوح ورمي المسؤولية على أطراف متعددة يوصل إلى أن القضية برمتها ضاءعة ولا حلا موضوعيا وتحملت واضحا المسؤولية والإجراء اللازم وعدم الإفلات من العقاب.
مثل كل مرة يصرح ناطق بأسم مجلس المحافظة او الحكومة المحلية أو المركزية او مصدر مسؤول كما تعرّفه الوكالة التي تبث الخبر بان مجلس المحافظة او أية جهة اخرى لن يسكت عن ما حصل من مجزرة في البغدادي، داعيا الى ضرورة تشكيل لجنة تحقيق عاجلة للوقوف على السبب الرئيس لهذه المجزرة.
الوقائع المتواصلة لجرائم التحالف الدولي ضد المدنيين لم تتوقف، وفي أغلبها متعمد ومقصود، وليست اخطاء عفوية. والإنكار الرسمي دليل عليها. او التهرب من المسؤولية وضبط الاعداد وكشف التحقيقات وما يترتب عليها قانونا وانسانيا.
سجل مثل هذه الجرائم حافل، ويتكرر مع تكرارها. ولعل من بين المنظمات المهتمة بموضوع الضحايا واعدادها في الحرب التي يشترك فيها التحالف الدولي منظمة “اير وورز” غير الحكومية التي تتخذ من لندن مقرا لها، تضع كل مرة في تقاريرها إحصاءات ومتابعات ترشد وتدل. فقد أشارت في تقرير لها مؤخرا، أوردت مقتطفات منه صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إلى أن الغارات الاميركية انتقلت العام الماضي إلى أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان بحجة أن تنظيم “داعش” الارهابي يسيطر عليها وعمدت إلى قصفها وهو ما تسبب بارتفاع اعداد الضحايا من المدنيين بشكل خطير.
وتابعت المنظمة التي اعتمدت في تقريرها الذي نشرته وكالات الانباء يوم (2018-01-19 ) على معلومات وسائل الاعلام ومواقع التواصل على الانترنت ومصادر أخرى أن ما بين 3923 و 6102 مدني سقطوا في القصف الجوي او المدفعي الذي نفذته واشنطن وشركاؤها في التحالف ولا سيما البريطانيون والفرنسيون العام الماضي، غير أن أغلب الغارات وعمليات القصف نفذتها القوات الاميركية.
لفتت صحيفة واشنطن بوست إلى أن نتائج تقرير منظمة “إير وورز” حول عدد المدنيين أعلى بكثير من المعطيات التي قدمتها القيادة المركزية الاميركية حيث زعمت في تقريرها الاخير ان 817 مدنيا فقط سقطوا في عمليات التحالف الاميركي منذ بدئه عام 2014. وحتى هذا العدد من الضحايا تناور قيادة التحالف في الاعتراف به وفي تحمل مسؤوليته.
فما كشفته المنظمة أن غارات “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة بزعم محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، تسببت بمقتل نحو ستة آلاف مدني في هذين البلدين، العام الماضي، وهو ما يمثل أكثر من ثلاثة اضعاف الارقام التي تم الاعلان عنها العام الذي سبقه بهذا الشأن. ويعلن بشاعة الجريمة والمجرم. وكانت منظمة “اير وورز” قد اكدت غير مرة أن عدد الضحايا المدنيين الذين يسقطون جراء غارات ما يسمى التحالف الدولي في سورية والعراق يفوق ما يعلنه الجيش الأميركي بأضعاف حيث يتعمد إعطاء تقديرات منخفضة جدا.
معلوم أن واشنطن شكلت تحالفا دوليا بشكل غير شرعي ومن دون موافقة مجلس الأمن منذ أغسطس 2014 بزعم محاربة الإرهاب، في سورية والعراق، في حين تؤكد الوقائع أنها تحارب وتدمّر البنية التحتية والمنشآت الصناعية والزراعية، وترتكب المجازر بحق المدنيين مستخدمة ترسانات الصواريخ (الذكية) والقنابل الموجهة والاسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل الفوسفورية، في مدينة الرقة وغيرها. وكذا فعلت ذلك في تدمير المدن العراقية، الرمادي والموصل. كما قامت بتدمير الكنوز الحضارية والتراث الإنساني في المنطقة التي تدعي شن الحرب عليها. وفي المحصلة النهائية، ومهما اختلفت الاعداد، أن ضحايا مدنيين، سقطوا، ويسقطون جراء هذه الحرب، بتعمد وتقصد، مما ترقى إلى جراءم حرب وإبادة، ولابد من محاكمة المسؤولين عنها والعمل على منعها وعدم الإفلات من العقاب.
5 العراق: صراعٌ وتسابق للظفر بالرئاسة والتغييرُ شعارهم!
عبد اللطيف الزيدي
راي اليوم بريطانيا
رفعت الأقلامُ وجفت الصحف، وخرُست كل الألسنة المطالبة بالتأجيل والاخرى بضرورة إقامتها في موعدها؛ فلا قرار ولا رأي بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق بإن الانتخابات ستُجرى في موعدها ولا يهم ان إجريت النيابية والمحلية في آن واحد ام ستتأجل الاخيرة.
المهم كيف سيكون شكل المرحلة المقبلة والتي أصبح لزاماً تغييرها او تعديلها بشكل كبير ، فالاوضاع والمعطيات الحالية تغيرت بشكلٍ كبير، والاولويات تبدلت عما كانت قبيل هزيمة تنظيم داعش الذي إحتل مناطق شاسعة من أرض العراق .
حتى بعض القوى تغيرت ولاءاتها ونفوذها ومصادر تمويلها ، وتشظى الحزب الواحد والكتلة الواحدة بل وحتى المكون الواحد ، مما ينبىء بتغيرات محتملة خصوصاً مع تغير اللاعب الدولي والاقليمي في المعادلة العراقية من حيث ضعف البعض وقوة الاخر.
من كان ينادي بتأجيل الانتخابات لضرورات كثيرة أهمها كان وضع النازحين سرعان ما غير رأيه وأعلن موافقته على اقامتها وانه داعمٌ لها، ومن كان يريد اقامتها في وقتها أكد انه مع التغيير وضرورة العمل على تقويم العملية السياسية واللذين هم الأساس فيها.
اذن من يريد التغيير، ومن سيغير ، وكيف سيتغير ، والوجوه هي ذاتها والاحزاب كذلك سوى بعض الجديدة منها ، والتي تدخل الانتخابات لإول مرة والتي قد لا تعُطى حقها وقد يمارس التسقيط بحق بعض رموزها وهذا ما بدأ فعلياً من دون ذكر اي اسمٍ منهم حتى لا يحسب على الكاتب دفاعهُ عن أحد.
اكثرُ من مائتي حزبٍ سيشاركوا في العملية الانتخابية في تسع تحالفات تقريباً تم الاتفاق شكلياً وسُجلت في المفوضية العليا للانتخابات المستقلة برغم الانسحابات بشكل شبه يومي منها ودخول بعض الاحزاب منفردةً فيها.
الغاية من كل تلك التكتلات والتحالفات الحصول على النسبة الاعلى من المقاعد النيابية مما يساعدها بتشكيل الحكومة والحصول على اكثر مكاسب ومناصب والاهم من كل ذلك منصب رئيس الوزراء.
ذلك المنصب قربَ البعيد ، وبعدَ القريب بين صقور الكتل الكبيرة وأقصد هنا صقور التحالف الوطني الحاكم في العراق ؛ فما حدث من انسحابات ودخول في قوائم جديدة يؤكد بما لا يقبل الشك الصراع بين الكبار على رئاسة الوزراء.
قبيل الخوض بالتكهن بمن سيكون الرئيس القادم، ورئيس الوزراء مع الاهمية القصوى للأخير، لا يزال البعض مراهناً على حدوث شيء سيعيق هذه العملية الديمقراطية وقد يساهم بدخول اميركا وبريطانيا بشكل مباشر وتغيير الوجوه الحالية بنسبة ٤٠٪ ، ويرى أخرون بان الكثير من الوجوه سوف يُطاح بها أما بسبب الفساد ، او بعد اقرار قانون عدم جواز الترشح للانتخابات إلا لمن يمتلك شهادة البكالوريوس او ما يعادلها وهذا ما يعني حرمان اكثر من مائة نائب حالي من الترشح للدورة القادمة .
الكاتب سمير عبيد المحلل المحلل الاستراتيجي والسياسي تحدث من جانبه عن إحتمالية حدوث “إنقلاب ابيض ناعم” على الطريقة الاوكرانية قائلاً:
نعم ستُجرى الانتخابات صورياً، ولا يهم عدد ونسبة المشاركة من عدمها، لأنها ستقتصر على (الذين حدّثوا بياناتهم)فقط.
وان هناك خطة اميركية وبريطانية مضت واسمها (سحب البساط من المثيرين للجدل دون ضجة ومع ابتسامة صفراء)وسوف تُعتمد.
وعلى ضوء هذه الخطة توزعت الأصوات والنسب على التحالفات الورقية أستباقياً ، وما المفوضية الا (شاهد زور) على حد قوله.
واسترسل في كلامه قائلاً :
سوف تعم العراق مظاهرات شعبية (مُرتبة من الآن) وخصوصا في العاصمة بغداد، يقودها رجال دين ومثقفين وشباب (الآن تحت التدريب بدعم من الشركات الكبرى لهذه المهمة ) على انهم رجال دين وطنيين وأنهم أصوات وطنية تنادي بالتغيير (وبالأحرى هم متدربين جدد بغطاء ثوري وعروبي وقومي وديني معتدل .
أي أكثر براغماتية وديناميكية وأكثر مرونة وابتسامة من العملاء السابقين)وكله بأشراف اميركي مباشر وغير مباشر ، وتكون الهتافات والشعارات (رفض نتائج الانتخابات ، ورفض الوجوه القديمة ان تبقى بصدارة المشهد السياسي ).
كل ما سبق قد نتفق او نختلف معه ، المُتفق عليه إن الإنتخابات في وقتها وستجرى اياً كانت نسبة المشاركة ، لكن من سيشكل الحكومة الكثير يتحدث عن ان العبادي قد يحظى برئاسة الوزراء لولاية ثانية ، وهذا ما استبعده شخصياً من وجهة نظري، فهناك صراع واضح للعيان وأن لم يكن إعلامياً .
المرحلة المقبلة قد تكون مرحلة منافسة شديدة بين العبادي مهندس النصر على داعش وبين هادي العامري مخطط المعارك والقائد “الفعلي” لها ، وما بين السيد نوري المالكي الذي يرى نفسه الأهم والأصلح والانسب لتلك المرحلة وبدأ يتحدث عن ذلك ويمهد لذلك ، فالمتابع يرى لسان حاله قائلاً :أما أن اكون رئيساً للوزراء او ان هناك مؤامرة كونية عميقة برعاية دول الشر والتي لا تريد الخير للعراق ولذلك لم تم استبعادي من ذلك المنصب، الذي يتصارع عليه كل الصقور والاسود للظفر بالحصة الأكبر من كعكعة العراق المهشمة ما بعد العام ٢٠٠٣ ولحد الان .