3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

1 حرب المخدرات الإيرانية فاروق يوسف العرب

تدمير شعب هو حدث عابر مقارنة بما يمكن أن يدره تنفيذ وصية الإمام الخميني في تصدير الثورة من أرباح خيالية. وهو ما يجب على العالم العربي أن يواجهه بكل ما لديه من قوة.
سيُقال خطأ إن إيران بدلا من أن تصدّرَ ثورتها صارت تصدر المخدرات إلى العالم العربي، إلى العراق تحديدا. ولكن حقيقة ما تفعله إيران في ذلك المجال ينطوي على مفارقة هي جزء من بنية النظام القائم فيها. إيران التي تعهدت بتصدير العقيدة وجدت في المخدرات خير وسيلة لتسميم الأجساد تمهيدا لتسميم العقول.

ولهذا يمكن القول إن مشروع الغزو الإيراني يسعى إلى تكامله من خلال سموم متعددة التأثيرات، يمتزج بعضها بالبعض الآخر لتنتج مجتمعات تسهل السيطرة عليها بعد أن يتم تغييب قدرتها على المبادرة.

ففي العراق، وقد صار ساحة مفتوحة للاختبارات الإيرانية، لم يعد الحديث عن انتشار المخدرات بين فئة الشباب ورواج تجارتها في المدن ذات الأغلبية الشيعية سرا، يمكن للجهات الرسمية أن تبقيه طيّ الكتمان.

وكما يبدو فإن تلك الجهات العاكفة أصلا على صفقاتها لن تقوى إذا أرادت منع الصادرات الإيرانية لا لأنها تجد في استمرار تدفق المخدرات الإيرانية إلى العراق وسيلة لتمتين الاقتصاد الإيراني فحسب، بل وأيضا لأن تلك البضاعة هي جزء من مشروع الثورة ما دامت تحظى بمباركة الولي الفقيه الذي لا يجد في تلك المواد القاتلة ما يتعارض مع اجتهاده الفقهي.

وإذا ما عرفنا أن الولاء للولي الفقيه هو ولاء مطلق، الهدف منه حماية المذهب من غير الاكتراث بمصير أتباع ذلك المذهب، فإن الخضوع لإملاءات ذلك الولي الفقيه يفرض القبول بكل ما تتكرم الجمهورية الإسلامية بتقديمه من خدمات، الغرض منها التقريب من موعد ظهور الإمام الغائب.

الثابت أن إيران تبذل جهودا كبيرة من أجل أن يكون الشعب العراقي جاهزا لاستقبال الإمام الغائب. وهي جهود ينظر إليها سياسيو الشيعة بقدر هائل من التقدير، ذلك لأنها تخدم رغبتهم في حكم شعب غائب عن الوعي. الخطر الإيراني لم يعد في حاجة إلى قناع. لا يهم دولة الولي الفقيه إن تمددت من خلال الميليشيات أو المخدرات.

ما من عائق أخلاقي يقف بين تلك الدولة الشريرة وأطماعها في الأرض، ما تحتها ومَن عليها. إن تدمير شعب هو حدث عابر مقارنة بما يمكن أن يدره تنفيذ وصية الإمام الخميني في تصدير الثورة من أرباح خيالية. وهو ما يجب على العالم العربي أن يواجهه بكل ما لديه من قوة.

إيران المهووسة بتصدير العقيدة تود أن ترى العرب شعبا من المهلوسين الذين لا يفرقون بين غروب الشمس وشروقها.

لقد مضى زمن الخلاف السياسي مع إيران. صار على العرب اليوم أن يفكروا بمصيرهم في مواجهة عدو، تسمح له عقيدته باستعمال كل الأسلحة القذرة. وقد لا أبالغ في توقعاتي إذا ما قلت إن دولا عديدة في المنطقة كانت قد أخفت حقيقة معرفتها بالجهة التي تدير شبكات الاتجار بالمخدرات. إيران هي تلك الجهة. يوما ما كانت إيران دولة عقائدية. ولقد ظن الكثيرون أن مفهوم تصدير الثورة الذي أطلقه الخميني يقوم على أساس تصدير العقيدة. ولكن الرجل كان داعية حرب. وهي حرب لا تزال مستمرة بالرغم من أن كارثتها ضربت شعبي العراق وإيران لثمان سنوات متواليات.

يكذب البعض على نفسه حين يصوّر إيران دولة للمبادئ. ذلك لأن الإنسانية ليست معيارا معترفا به في إيران. بالنسبة لنظام الحكم الإيراني المتوج بولاية الفقيه فإن كل شيء مباح من أجل الاستمرار في خط الإمام الخميني.
2 محافظ النجف الدعوي.. فتنة الأولاد زيد بن رفاعة
العرب

لم يكن بيان محافظ النجف، الذي يريد براءة نفسه على أنه نوح مع ولده العاق، إلا تعبيرا هزليا عن مسرحية كبرى، صار عمرها خمسة عشر عاما.
أصدر لؤي جواد حسين الياسري محافظ النجف بيانا عقب تورط نجله، جواد، الضابط في جهاز المخابرات بتجارة المخدرات، ولولا شيوع القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم ينبس المحافظ، وهو من السادة الياسرية، بكلمة من هذا البيان.

ليس نجل محافظ النجف هو الأول في اللعب بمقدرات العراق. فقد سبق لنوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة ورئيس الوزراء السابق ورئيس كتلة دولة القانون، وقد سيَّدَ ابنه على الجيش والشرطة، أن أدلى بتصريح خطير عندما ذهب ابنه أحمد لإلقاء القبض على أحد العقاريين في المنطقة الخضراء، بعد الخلاف معه، ووجد لديه مسدسات كواتم صوت. بعده منع ابن هادي العامري رئيس منظمة بدر ونائب قائد الحشد الشعبي، هبوط طائرة لبنانية كانت قد أقلعت من بيروت إلى بغداد، لأنها طارت ولم تنتظره أكثر من الوقت اللازم وكاد يُعرّض الركاب إلى كارثة.

لو أطلقنا لليراع العنان ما توقف في رصد تجاوزات ونفوذ أولاد وأقارب وأصهار زعماء الأحزاب الدينية؛ والمتنفذين من الكتل الدينية المهيمنة، لكننا سنتوقف عند بيان محافظ النجف الياسري، الذي استهله بالبسملة، وآية قرآنية. “بسم الله الرحمن الرحيم. إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم” صدق الله العلي العظيم.

في فقرة أخرى يقول بيان الياسري “وبالنتيجة الجميع مواطنون قد يخطئُ أحدهم أو يسيء إن ثبّت القضاء ذلك، وقد سبقنا إلى ذلك الكثير من أبناء الأنبياء والأئمة الأطهار عليهم السلام والأولياء والصالحين”.

جاء خطاب محافظ النجف، وهو عضو قيادي في حزب الدعوة الإسلامية وعضو في كتلة دولة القانون، برئاسة أمين الدعوة نوري المالكي، تعبيرا صارخا عن توظيف الدين، وقد وضع نفسه موضع الأئمة الطاهرين والأنبياء، وهو تأكيد على جرم الولد وشرف الأب وسلالته. قدم نفسه ذلك المؤمن الذي لم يفته النص القرآني “أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده الأجر العظيم”. لم يحدث في التاريخ الاستهتار بالتلاعب بالدين مثلما فعلت القوى الدينية العراقية.

فلم يترك المالكي رئاسة الوزراء إلا بعد الاستشهاد بموقف علي بن أبي طالب من السقيفة، حسبما ورد في خطابه، وأنه لم يحارب إلا تحت لافتة “مختار العصر”، ومعلوم أن التسمية متصلة بثأر الحسين بن علي، لذلك يحرص الشيعة على الخروج في المواكب الحسينية يسوطون في القدور أمام الكاميرات.

إنهم يعلنون الدكتاتورية الدينية، والدين الذي يمارسونه هو النسخة المشوّهة، التي تحمي الفاسدين وتمثل الطريق السهل إلى السلطة. مَن ينسى خطاب أحدهم في الدورة الانتخابية السابقة “يريدوننا أن نترك ديننا، يريدوننا أن نترك مرجعيتنا”؟ كل شيء لديهم دين في دين، لأنه اللعبة المقبولة عند البسطاء.

كان ذلك منذ تأسيس الأحزاب الدينية، ولم يكن بيان محافظ النجف، الذي يريد براءة نفسه على أنه نوح مع ولده العاق، إلا تعبيرا هزليا عن مسرحية كبرى، صار عمرها خمسة عشر عاما. وإلا كيف وصل ولده إلى مركز متنفذ في جهاز المخابرات العراقية كي يتجرأ على نقل المخدرات، التي أخذت تتفشى في المجتمع العراقي؟ لولا أن الأولاد عرفوا بهواية الآباء في لعبة الدين والسياسة. السؤال كيف يُطمأنُ لجهاز المخابرات أن يحمي العراقيين من الإرهاب وكارثة المخدرات، وأولاد “التقاة” الدعويين المسؤولين فتنة؟
3 السياسة وأسطورة «المبادئ الرفيعة»!
رشيد الخيّون
الاتحاد الاماراتية

ظهرت في غمرة الاستعداد للانتخابات العراقية (15/5/2018)، شبكة من الأحلاف خارج عقائد الأحزاب، كحلف اليسار العلماني مع اليمين الديني، على افتراض أن المبادئ لا تؤثر فيها طوارئ الليل والنهار، مع أن الأحزاب تعمل في واقع سريع التغير، تسقط فيه الثوابت، والكل يبحث عن التأثير في الجمهور، بينما الحس الديني والعشائري مهيمنان في النفوس، تحت سطوة تحالف الأحزاب الدينية بمسلحيها مع العشائر، وفي ظل هذه الأجواء يستحيل الرجاء بأمل منظور.

إنها الفوضى المشرعة والمعمدة بالحبر الأزرق، والتي عبّر عنها كاتب عراقي نابهٌ بمصطلح «الديمقراطية السجينة» (ساطع راجي، صحيفة «المدى»)، ديمقراطية عقيمة لا تلد القادم الأفضل، ومع هذا الإحباط، قد يكون الحقُ مع مَن يطالب بإلغاء الانتخابات ومقاطعتها، كي تبقى القوى المسؤولة عن كوارث الخمسة عشر عاماً (2003-2018) وجهاً لوجه مع النَّاس بلا شرعية، ولا يتحقق تدوير الوجوه القديمة بعناوين مخاتلة، فبث العراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي لائحة ساخرةً بأعضاء أبرز التكتلات الانتخابية: فلان الجراح الكبير، والمهندس المعماري الدولي، وخبير البنوك.. وهي رسالة تحذير من أن خبرات وكفاءات هؤلاء، لا شيء سوى المصاهرة والقرابة!

حاول أبرز الأحزاب الإسلامية بعد تعرضه لهزات في الصميم، خلال رئاسته للسلطة التنفيذية أفقدته الألق الذي شاع عنه خلال سني المعارضة، الهروب مِن واقع الحال، كي يبقي على «أسطورة المبادئ الرفيعة»، فأعلن عدم مشاركته في الانتخابات، وسيدعم المخلصين من أعضائه في القوائم التي يختارونها، وهم كارثة على البلاد وفقاً لـ«أسطورة المبادئ الرفيعة»، ومن المجربين في الدورات السابقة. تستر حزب إسلامي آخر وراء أسماء وعناوين مموهة بألفاظ الإصلاح والمدنية والوطنية.

غير أن الحزب الذي يدعي أنه يتمسك بالمبادئ الرفيعة، كان من أكثر الأحزاب انشقاقاً عبر تاريخه، وكل جماعة تنشق عنه تُسقط الأُخرى، والبداية بين العمائم والأفندية، وعاد إلى العمائم، بعد أن أصبحوا آيات الله، لإصدار فتاوى تكفير لكل من ينتخب غير الإسلامي. اضطر الحزب أن يعلن موقفه الصريح من أخذ أحد كوادره في قضية فساد، وما فعله هذا الرجل لبغداد، عندما تولى أمرها، أن يظهر في حفلات «تكليف» الفتيات ذوات السبع سنوات، كي يتم تكوينهن ضمن مسار تدين حزبه، وآخر يجري العمل على تسليمه عبر الإنتروبول، كل هذا والحزب يرفع قولاً في موقعه، مؤكداً على إخلاصه للمبادئ الرفيعة: «كلُّ وعي سياسي لا يمتد إلى الإسلام فهو سطحي، يدرس العالم من زاوية المادة البحتة، التي تمون البشرية بالصراع والشقاء في مختلف أشكاله وألوانه»! أما الذين أُعلنت أسماؤهم ويدعمهم الحزب فهم بحسبه المخلصون والأكفاء، المعروفون بالتدين والتُقى!

معلوم أن التناقض بين السياسة والعقيدة، جعل فروع الجماعات الدينية، تميز بين الجماعة الدعوية والحزب، كي يعلقوا مساوئ السياسة عليه، ليحتفظوا بأسطورة المبادئ الرفيعة، لكنها كانت لعبة مفضوحة، فلا عناوين العدالة والتنمية ولا الحرية والمواطنة سترت واقع الحال، حتى غدوا عُراةً أمام الملأ بأكثر من مكان، وتلاحقت الانشقاقات الكبرى التي لا تبقي ولا تذر.

اقتبستُ العنوان من الباحث في علم الاجتماع علي الوردي (ت 1995)، «أسطورة الأدب الرفيع»، وضعه هازئاً ممن اعتقد أن القوة في الألفاظ لا بالأفكار والمواقف، وأن ضمير الأمة بشعر المديح والحماسة والهجاء، عليهم بلغة العبارة لا عمق الفكرة وسلوك الشاعر، وبهذا لم ير الوردي في من رد عليه واتهمه بالجهل سوى أنه واهم بأسطورة الأدب الرفيع، وصور حالة حال طه حسين (ت 1973)، عندما هوجم على كتابه «في الشعر الجاهلي» (1926). تمسك نُقاد الوردي بغلاف اللغة لا بلب الفكرة. لا تنحصر أسطورة «الرِّفعة» في الأدب واللغة، إنما نجدها ناطقةً في أحوال الأحزاب الدينية، أينما كانت، والتي جُربت في السلطة، وهي لم تُثبت أسطورة مبادئها على أرض الواقع، مثلما هي ظاهرةً في ألفاظ شعاراتها.

سيقول البعض، وهل غير الدينية طبقت صريح عقائدها في المساواة والحرية؟! نقول: ارتكبت خطأً عندما جعلت العقيدة، أممية أو قومية، حزباً وسياسة، فاستهلكت العقيدتين في العمل الحزبي والسياسي، لكننا أمام حزب يعتقد بالدين نظرية سياسية، فإذا قيل لهم: «الدين لله»، قالوا: نحن «حاكمية الله». هنا يكمن الفرق بين عثرة الحزب الديني واللاديني، الأولى تدمر ضمائر الناس، ورجاءهم بالله، ذلك إذا علمنا أن الدين ضمير، والثانية تُثبت عدم صحة عقيدة بشرية، تُخطئ وتُصيب بحدود معتنقيها.

يقول صفي الدين الحلي (ت 752هـ): «لَما رأيتُ بَني الزَّمانِ، وما بهم/ خِلٌ وفيٌّ، للشدائدَ أصطفي/ أَيقنتُ أَن المستحيلَ ثلاثةٌ/الغُولُ والعَنقاءُ والخِلُّ الوفي» (الديوان). هذا، وأجدها مناسبةً إذا أكملنا مستحيلات الشَّاعر الثَّلاثة برابعة: «مبادئ سياسية رفيعة»، كالتي تُقدمها الأح