1 إيران تتنافس مع إيران في العراق
خيرالله خيرالله العرب [
تتنافس في الانتخابات العراقية إيران مع إيران. يتنافس العبادي مع المالكي. يتنافسان على أي منهما أكثر إيرانية من الآخر. ميزة العبادي أنه يوفر غطاء أميركيا لإيران في العراق. وهذه نقطة تعمل لمصلحته.
تكمن أهمية إيران بنظامها الحالي في مراهنتها على أن الوقت يعمل لمصلحتها. انتظرت طويلا في اليمن كي تقطف ثمار استثمارها في الحوثيين. كان في استطاعة الحوثيين قتل الرئيس علي عبدالله صالح بعيد سيطرتهم على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014، لكنّهم انتظروا إلى أواخر العام 2017 قبل الإقدام على خطوتهم القاضية بالانتهاء من الرجل الذي كان فقد عمليا كل أدوات السلطة منذ تسليمه الرئاسة إلى نائبه عبدربّه منصور هادي في شباط – فبراير 2012. لم يكن من همّ لدى عبدربّه منصور، الذي يدعي أن علي عبدالله صالح أساء معاملته طوال خمسة عشر عاما، سوى تصفية حساباته الشخصية مع الرئيس اليمني السابق. وهي تصفية حسابات صبّت عمليا في مصلحة الحوثيين (أنصار الله)، أي في مصلحة إيران.
كان العراق، وليس اليمن، منطلقا جديدا لإحياء المشروع التوسّعي الإيراني الذي فقد زخمه في مرحلة معينة، خصوصا بعد شبه الهزيمة الإيرانية في حرب السنوات الثماني مع العراق بين 1980 و1988، وهي حرب لم تؤدّ سوى إلى تراجع إيراني مؤقت. كان التراجع تمهيدا للانقضاض مجددا على دول الجوار، على رأسها العراق، حيث ارتكب صدّام حسين حماقة ليس بعدها حماقة تمثلت في احتلال الكويت في صيف العام 1990، غير مدرك لعواقب مثل هذه المغامرة التي ستعيد إحياء العدوانية الإيرانية وروح الانتقام من كل ما هو عربي في المنطقة بكلّ أشكالهما.
ليست الانتخابات العراقية المقبلة التي ستجري خلال أشهر قليلة سوى استكمال لمشروع وضع اليد الإيرانية على العراق بطريقة دستورية، وذلك بعد تسليم جورج بوش الابن البلد على صحن من فضّة إلى إيران في العام 2003. انتظرت إيران خمسة عشر عاما للوصول إلى انتخابات 2018 التي ستتوّج بها سيطرتها على العراق، كما تأمل ذلك. تتمثل تلك السيطرة برئيس للوزراء تابع لها يحظى في الوقت ذاته بغطاء أميركي. هل أفضل من الدكتور حيدر العبادي للعب هذا الدور المعدّ له سلفا بعد إجباره على أن يكون حليفا لبعض تشكيلات “الحشد الشعبي” الذي ليس سوى مجموعة ميليشيات مذهبية ذات عناصر عراقية تابعة لـ“الحرس الثوري” الإيراني؟ انضمّ الجزء الأكبر من “الحشد” إلى العبادي. ما لبث هذا القسم الأكبر أن أعاد النظر في تحالفه مع رئيس الـوزراء. لا بد من ممارسة ضغـوط على العبادي بين وقت وآخر لإقناعه بأنْ لا مجال للخروج من تحت الوصاية الإيرانية، وأن طهران ممسكة بكل خيوط اللعبة العراقية.
يمثل “الحشد الشعبي”، إيرانيا، مستقبل العراق ويجسد المشروع الإيراني في البلد. معظم قياديي “الحشد” قاتلوا مع إيران ضد العراق في حرب ما بين 1980 و1988. هؤلاء إيرانيون قبل أن يكونوا عراقيين. هؤلاء تابعون للولي الفقيه ولا ولاء لهم سوى لغيره. ليس أفضل من هؤلاء ليكونوا حراسا لإيران على العراق وعلى من هو في موقع رئيس الوزراء.
شكّل حيدر العبادي تحت إشراف “حزب الدعوة” الذي ينتمي إليه تحالفا لخوض الانتخابات المقبلة. سيكون منافسه نوري المالكي الذي يشرف “حزب الدعوة” أيضا على التحالف الذي أنشأه تحت تسمية “دولة القانون”. إنها “دولة القانون” التي جاءت بـ“داعش” إلى الموصل في العام 2014 من أجل تبرير عملية تدمير إحدى المدن العراقية الأكثر عراقة والأكثر تنوعا.
أطلق العبادي تسمية “نصر العراق” على التحالف الذي يخوض به الانتخابات والذي يعتبره تحالفا “عابرا للطوائف”. عاجلا أم آجلا، سيتبيّن إلى أي حد هناك قدرة لدى أي سياسي عراقي على التملّص من الوصاية الإيرانية.
باختصار شديد، تتنافس في الانتخابات العراقية إيران مع إيران. يتنافس العبادي مع نوري المالكي. يتنافسان على أيّ منهما أكثر إيرانية من الآخر. ميزة العبادي أنه يوفر غطاء أميركيا لإيران في العراق. وهذه نقطة تعمل لمصلحته. الثابت في المعادلة كلها هو “الحشد الشعبي”. المطلوب أن لا يكون مستقبل العراق وحده، بل مستقبل كل دولة تسعى إيران إلى أن تكون تحت وصايتها. فـ“الحشد الشعبي” في العراق هو الميليشيات الإيرانية في سوريا التي أبقت بشّار الأسد في دمشق وإن في دور الواجهة للإيرانيين والروس. و“الحشد الشعبي” هو أيضا “أنصار الله” في اليمن، و“حزب الله” في لبنان، والميليشيات الإيرانية التي تهدّد البحرين من الداخل.
نجحت إيران في لبنان، خصوصا بعدما حوّلت “حزب الله” إلى أداة فعالة على الصعيدين الإقليمي والعالمي. لكن نجاحها الأساسي يبقى في العراق. إنه النجاح الذي سمح لها بتغيير التوازن الإقليمي تغييرا جذريا. لم يكن الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران الذي هب لمساعدة العراق في حربه مع إيران في العام 1981 مخطئا في ذلك الزمن. قال بكل بساطة في تبريره لدعم نظام على رأسه صدام حسين، على الرغم من أنه لم يكن معجبا به بأي شكل، إن الحدود بين العراق وإيران هي حدود بين حضارتين كبيرتين وليست مجرّد حدود بين دولتين. إنّها حدود عمرها مئات السنوات بين الحضارة الفارسية والحضارة العربية. هذه الحدود، على حدّ تعبير الرئيس الفرنسي الراحل، تتحكم بالتوازن الإقليمي. انهارت تلك الحدود لمصلحة إيران في ربيع 2003. انهار معها كل التوازن الإقليمي بعدما قرر جورج بوش الابن اجتياح العراق ونفّذ ذلك بالتفاهم الضمني مع إيران. لم يعد للأكراد الذين شاركوا في عملية الانتهاء من نظام صدّام حسين مكان في العراق الجديد الذي قرّرت إيران إعادة تشكيله بضوء أخضر أميركي. كان من بين أبرز الدلائل على وجود هذا الضوء الأخضر الانسحاب العسكري الأميركي من العراق في عهد باراك أوباما. ترافق الانسحاب مع استسلام أميركي كامل لنوري المالكي، رئيس الوزراء وقتذاك (في العام 2010)، وهو استسلام لإيران ورغباتها.
تتنافس إيران مع إيران في الانتخابات العراقية المقبلة. ما يشهده العراق حاليا هو تتويج لجهود بدأت في العام 1979 وقادها وقتذاك آية الله الخميني الذي اعتقد أن العراق سيكون لقمة سائغة لإيران. الخوف كل الخوف من أن ما تقوم به إيران في العراق سينسحب على لبنان المتوقع أن يشهد انتخابات نيابية في أيار- مايو المقبل بموجب قانون وُضع على قياس “حزب الله”.
تركّز إيران على تعميم تجربتها في المنطقة، وهي تجربة تقوم أساسا على قتل القوى الحيّة في المجتمع وجعل السلطة أسيرة “الحرس الثوري”. من هذا المنطلق، لا يمكن الاستخفاف بأي شكل بما يجري في العراق وما يحضر له في لبنان. إذا كان العراقيون بلغوا مرحلة لم تعد لديهم فيها خيارات كثيرة… هل يستسلم اللبنانيون ويستعدون من الآن لدخول مرحلة الوصاية الإيرانية المغطاة بمجلس نيابي يمتلك فيه “حزب الله” مع حلفائه أكثرية النصف زائدا واحدا، وهي أكثرية يستطيعون من خلالها عمل الكثير؟
2 الكراهية الدينية دمرت الموصل
أسعد البصري العرب
المشكلة تكمن في خطاب الكراهية. في البداية كنا نكره الشيعي والفارسي معا. بعدها صرنا نكره الفارسي فقط وخرجنا بنصف الحلول وهو القبول بالشيعي العربي، في النهاية نحن لا نفهم القيم الإنسانية التي لا تقبل التجزئة.
دفعت كندا لعمر خضر تعويضا قيمته عشرة ملايين دولار مع اعتذار رسمي لأنه يحمل جنسيتها وتعرض للتعذيب بمعتقل غوانتانامو على خلفية اعترافه بقتل جندي أميركي بأفغانستان وكان عمره حينها 15 عاما فقط.
وقال رئيس الوزراء الكندي جستن ترودو ردا على مواطنة كندية معترضة وغاضبة على هذا القرار: من حقك أن تغضبي ولكن هذا درس لنا جميعا ككنديين، وعلينا في المستقبل ألا نسمح بتعذيب مواطن حامل للجنسية الكندية مهما كانت خلفيته. وقال إن الأمر لا علاقة له بسمعة عمر خضر بل له علاقة بسمعة كندا.
في قضية مشابهة، تعرض مهندس الكمبيوتر الذي يحمل الجنسية الكندية ماهر عرار للتعذيب في أحد سجون دمشق في العام 2002 بعد نقله هناك من قبل مسؤولين أميركيين بناء على بلاغ من الكنديين. إلا أن السلطات الكندية أزالت كل الشبهات عن عرار في وقت لاحق وفي يناير 2007 تقدم رئيس الحكومة آنذاك، ستيفن هاربر، باعتذار إلى عرار وتم منحه تعويضا بـ10 ملايين دولار كندي.
إن فهمنا لحقوق الإنسان والديمقراطية بحاجة إلى تثقيف أكبر. نحن في العراق مثلا لسنا أديانا وطوائف كثيرة فقط، بل قوميات كثيرة أيضا؛ آشوري وكردي وتركي وكلداني وفارسي وعربي. كل هؤلاء عراقيون ولا فضل لأحد على أحد.
لوقت قريب كنا نردد كلاما غريبا مثل كلمة منسوبة حول الإيرانيين “ليت بيني وبينهم جبلا من نار”، وبغض النظر عن صدقها وكذبها فإن هذه الكلمة ربما تمثل قلق رجل في الجزيرة العربية لأن عاصمة فارس في ذلك الزمان كانت المدائن قرب بغداد. وفارس كانت تضم العرب والفرس وغيرهم، كما كانت الخلافة العربية الإسلامية تضم العرب والفرس والروم والهند وغيرها من القوميات. العراق منطقة تلاقح ثقافي وليس منطقة صراع وعداوة. راجع الفترة العباسية مثلا.
فإذا قال قائد سياسي في الجزيرة العربية “ليت بيني وبينهم جبلا من نار”، فإن هذا الجبل الناري سيكون على حدود العراق والسعودية لأن فارس في ذلك الزمان كانت في العراق وعاصمتها المدائن.
كيف يتمنى رجل عراقي لو يقوم بينه وبين العراق جبل من نار؟ أكبر دليل على هذا الخلط الثقافي هو صدام حسين الذي أطلق اسم “القادسية الثانية” على حرب العراق وإيران، والقادسية معركة في القرن السابع الميلادي وقعت في العراق أصلا بين الجزيرة العربية وبلاد فارس.
ولأن المشكلة في اللاوعي والتفكير الخاطئ فقد قام صدام حسين بارتكاب جرائم عرقية مثل تسفير نصف مليون عراقي أبا عن جد لا جريمة لهم سوى أن أصولهم القومية فارسية. ومن قال إن العراقي يجب أن يكون عربيا؟ قد يكون كرديا أو فارسيا أو تركيا أو آشوريا. لقد سلبهم النظام السابق بيوتهم وأموالهم وقامت التسفيرات برميهم تحت المطر هم وبناتهم وأطفالهم على حدود إيران.
أفخر وأعتز بحملي للجنسية الكندية إلى جانب اعتزازي بجنسيتي العراقية، فهي تعني بأن أحدا لا يستطيع تعذيبي أو حتى احتجازي دون حق قانوني لأن كندا تمنع ذلـك وتدافع عن جميع الذين يحملون جنسيتها بالتساوي. أعتز بالمساواة والفهم الأخلاقي للقانون. تلك كانت مناسبة لأن نتذكر إسقاط الحقوق وسحب الهوية العراقية من مواطنين عراقيين؛ لا لسبب، فقط لأن قوميتهم فارسية. ساهم هؤلاء العراقيون الكرام ببناء البلاد وعاشوا بخوف لقرون. فهم بالنهاية لا يمتلكون قبيلة كالعرب، وصبروا وتاجروا وبقوا عراقيين مدنيين لا يحميهم إلا القانون وعطف الناس حتى لو لم تكن هناك “قبيلة” تحميهم، وفي النهاية الحكومة العراقية نفسها تصادر أموالهم وتطردهم من بلادهم.
15 عاما كانت كافية جدا لأن نفيق من غيبوبتنا. كانت هناك سلطة بعثية عراقية تعتبر إيران عدوا، كانت زيارة إيران تعني الإعدام، والاتصال بإيران يعني الإعدام، اللقاء بمسؤول إيراني في أي بلد حول العالم عقوبته الإعدام بتهمة التجسس والخيانة وغيرها. ذلك الزمن انتهى.
نحن ومنذ 15 عاما نعيش حكما جديدا. إيران دولة صديقة وربما حليفة للعراق باعتراف رئيس وزراء العراق. هنا حدثت صدمة لعقولنا نحن “سنة العراق” وبدأ العناد وتحدي الواقع. صرنا نخاطب الحكومة الجديدة بلغة سلطة انهارت وتم شنق رئيسها صدام حسين.
العرب شجعوا بأموالهم وخطابهم على هذه الغيبوبة العقلية. لم يقل أحد لسنة العراق هل أنتم نائمون؟ هذا عراق جديد ودولة جديدة فلا تبطشوا بأطفالكم ومستقبلكم. كيف لطائفة أن تحاكم دولة وحكومة على تحالفاتها؟
ثم كيف لطائفة متمردة على الدولة العراقية التدافع مع إيران وهي دولة حجمها بقدر العراق خمس مرات، وعدد سكانها 100 مليون فضلا عن جامعاتها ومراكز دراساتها وعلمائها وتاريخها واقتصادها وفنونها.
العرب وبسبب تدافعهم السياسي مع إيران لم يقولوا لنا كلاما عاقلا، فدولة قطر وقناة الجزيرة خصوصا كانتا تشجعان على استمرار الوهم السني العراقي، قبل أن تنقلب الدوحة وتتحالف مع طهران فيما بعد. نحن كسنة العراق أطفالنا مشردون الآن والمخيمات ملأت الأنبار والموصل ونرى قطر تتغزل بإيران، بينما السعودية تتغزل بشيعة العراق. علينا الاعتماد على أنفسنا وإيجاد حلول لعذاباتنا بعيدا عن الآخرين.
قبل أن نوجه اللوم للآخرين أريد أن أنتهي من تشخيص مشكلة العقل السني العراقي. حين كان الحكم بأيدينا جلبنا طائرات التحالف تقصف العراق كله وتضرب عليه الحصار لسنوات، وحين فقدنا الحكم والسلطة جلبنا طائرات التحالف تقصف مدننا وتحاصر أطفالنا وتشرد بناتنا. لا بد أن هناك خللا ما في عقولنا وطريقة تفكيرنا.
المشكلة تكمن في خطاب الكراهية. في البداية كنا نكره الشيعي والفارسي معا. بعدها صرنا نكره الفارسي فقط وخرجنا بنصف الحلول وهو القبول بالشيعي العربي. في النهاية نحن لا نفهم القيم الإنسانية التي لا تقبل التجزئة، فلا داعي ولا مبرر لكراهية الفارسي أو الأميركي أو الشيعي.
نحن في محنة وعلينا أن نجد سببا آخر للوجود غير كراهية إيران وقتال الفرس المجوس بالنيابة عن العرب. فلا أرى ضرورة للحروب وخطابات الكراهية ونحن طرف ضعيف. ثم ما هي المكافأة التي حصلنا عليها بعد هذا التطوع الخطابي والعسكري لقتال إيران والشيعة؟ لم نحصل على شيء سوى دمعة على خد بنات الموصل المشردات، بنات الأنبياء وحفيدات القديسين، حبيبات صلاح الدين الأيوبي. فتيات الموصل فجر الجمال العراقي منذ فجر التاريخ. كان علينا أن نفكر بحلول أخرى غير الكراهية.
3 فوضى التحالفات السياسية في العراق
د. محمد عاكف جمال
البيان الاماراتية
الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها بالعراق في مايو المقبل تثير الكثير من الإشكالات على أكثر من محور على خلاف سابقاتها، فليس هناك إجماع على إجرائها في موعدها بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها عدد من المدن والمناطق التي كانت تحت احتلال تنظيم داعش.
بلغ عدد الأحزاب والتيارات السياسية التي سيحق لها التنافس في الانتخابات مائتين وخمسة كيانات بعد أن حصلت على موافقة المفوضية العليا للانتخابات عند إغلاق باب الترخيص في الخامس عشر من ديسمبر المنصرم.
إلا أن معظمها لن يخوض الانتخابات منفرداً، فقد دخل مائة وثلاثة وأربعون منها في تحالفات بلغ عددها سبعة وعشرين تحالفاً عند انتهاء موعد التسجيل لدى المفوضية في الحادي عشر من يناير الجاري.
ولم تخلُ عملية تشكيل هذه التحالفات من تدخلات خارجية لا تزال أوضاع العراق تسمح بها. تشكيل هذه التحالفات خيار لا بديل له، إذ ليس هناك حزب له حضور قوي يسمح بخوض الانتخابات منفرداً، فبعض رؤساء هذه التحالفات قد دخل الحلبة الانتخابية بأجزاء من حزبه كما هو الحال مع العبادي والمالكي اللذين ينتميان لحزب واحد، حزب الدعوة.
جميع التحالفات بلا استثناء تتسم بالهشاشة والجهوزية للتفكك فهي ليست حول المبادئ، كما أن علاقة المرشح نفسه بقاعدته الانتخابية هي الأخرى هشة طارئة تفتقر إلى التواصل الطويل.
انخراط هذا العدد الكبير من الكيانات في التحالفات يلقي بعض الضوء على مآلات العملية الانتخابية ويكشف أيضاً عن مدى جدية التزام رؤسائها بما سبق أن قطعوه من وعود بانتهاج سياسات عابرة للطائفية واتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد.
ظاهرة تشكيل التحالفات قبل الدخول في الانتخابات تعكس أزمة النظام السياسي، فالعملية السياسية في العراق لم تستطع على مدى خمسة عشر عاماً أن تصنع واقعاً يسمح بظهور بضعة أحزاب بقيادات لها رؤى متميزة قادرة على فرض نفسها.
الوسط السياسي العراقي يسوده التفكك فلم يعد كل من التحالف الوطني وتحالف متحدون يحرص على البقاء موحداً ولم يعد التحالف الكردستاني متماسكاً بعد الأحداث التي شهدها الإقليم إثر استفتاء الانفصال.
التشتت والارتباك هو سيد الموقف بسبب التغيرات التي طرأت على معادلات التوازن في المنطقة والتغيرات في الواقع المحلي الذي اتسم بتفكك التحالفات الكبيرة وانشقاقات في بعض الأحزاب السياسية وظهور قيادات جديدة أفرزتها الإخفاقات المستمرة للنخب السياسية والحرب على تنظيم داعش. ويمكن القول بأن الاتجاه نحو التمسك بخيار التخندق الطائفي قد تراجع بعض الشيء، ظاهرياً على الأقل.
وترجمت بعض القوى ذلك بتحالفات تجاوزت الانتماءات الطائفية استجابة لنبض الشارع العراقي الذي لم تكن الاصطفافات الطائفية جزءاً من ممارساته السياسية، كما لم يجد زعماء سياسيون بعمامات وعباءات دينية ضيراً في التقارب مع قوى مدنية علمانية. إلا أنه ليس هناك ما يستبعد العودة إلى التخندق الطائفي بعد الانتهاء من الانتخابات لاختيار الرقم واحد في العملية السياسية.
الانتخابات عملية تنافس بين الأحزاب والكيانات السياسية للوصول إلى سدة الحكم لتنفيذ برامجها الانتخابية التي حصلت بموجبها على ثقة الناخب. هذا من الناحية النظرية التي لا تنطبق على الحالة العراقية، فمع أن رئاسة الوزارة كانت من نصيب حزب الدعوة على مدى الثلاث عشرة سنة المنصرمة إلا أن أياً من الثلاثة الذين تعاقبوا على تولي هذا المنصب لم يتمكن من تنفيذ برنامج الحزب بسبب طبيعة العملية السياسية المبنية على التوافق التي لا تسمح بتنفيذ برنامج سياسي خاص بالحزب حتى لو كان له الأكثرية في المجلس النيابي.
الصورة المتوقعة بعد الانتخابات القادمة لن تختلف كثيراً، فقد نزلت معظم القوى السياسية لمسرح الانتخابات على هيئة تحالفات يضم بعضها عشرات الكتل السياسية .
وهو ما يلغي بكل تأكيد وجود برامج تحمل نكهة حزبية متميزة بل ستكون مجرد خطوط عامة مشتركة لدى جميع المتنافسين مما يفقد العملية الانتخابية فحواها ليصبح التصويت ليس على البرامج السياسية، بل على مدى مقبولية هذا المرشح أو ذاك في ضوء ما استطاع بأدائه، كفاءة أو نزاهة، من نيل ثقة الناخب وهما صفتان طالما شهدنا ضعف حضورهما في الوسط السياسي العراقي.
4 ولاية الفقيه والانتخابات العراقية
مشاري الذايدي
الشرق الاوسط السعودية
هل هناك سند دستوري عراقي يجعل من أشهر رجل دين شيعي في العراق مرجعية حاكمة؟
حسب دستور 2005 طبقاً لقراءة الكاتب والباحث العراقي رشيد الخيّون، ليس ثمة سند من دستور يقود إلى هذه الخلاصة، كل ما هنالك، حسب الدستور، صيغ توقيرية «للمراجع العظام» مثلهم مثل «القوى الوطنية»… هذا أقصى ما يمكن قوله عن السند الدستوري.
لمَ إذن نجد هذا الحضور الملحّ من قبل الجماعات الشيعية السياسية للمرجع الشيعي في النجف أو كربلاء، حالياً مرجعية السيد السيستاني؟
هل العراق دولة ولاية فقيه؟
سؤال مدهش خصوصاً مع حلول الموسم الانتخابي والخطاب السياسي العراقي.
ضع مع ذلك، كما يشير رشيد الخيّون في مقالته المهمة بصحيفة «الاتحاد» الإماراتية بعنوان «ولاية فقيه… فلماذا ينتخب العراقيون؟!»، أن السيستاني قد نأى بنفسه عن مفهوم ولاية الفقيه أكثر من مرة.
المقلق هو أن هذا النأي غير محسوم تماماً، حيث نجد لوكيل المرجعية السيستانية، خطيب كربلاء، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة بتاريخ 13 يونيو (حزيران) 2014، كلاماً واضحاً عن ولاية الفقيه حسب الفهم الخميني لها، أي ممثل عن المهدي الغائب، تجب طاعته، لأنه يعبر عن الإرادة الإلهية. ومن ضمن كلام خطيب كربلاء، وكيل السيستاني، أن الاتصال بالإمام يتم عن طريق «الفقهاء العدول مراجع الدين العظام الذين تتوفّر فيهم الشروط التي بيَنها الإمام، هؤلاء تجب طاعتهم، في كل مجالات الحياة».
وعليه هل بقيت قيمة حقيقية للتنافس البرلماني والبرامج الانتخابية: «الأمر بيد نائب الإمام الغائب، الذي نوّه الكربلائي في خطبته بأنه حيُ، يرى ويسمع ما يحدث، ويتدخل عن طريق نائبه؟!».
لقد وضع الكاتب والباحث العراقي رشيد الخيّون يده على موضع الداء، وهو هوية النظام السياسي العراقي الجديد. نعم هو ليس نظام ولاية فقيه، هذا أكيد، وهناك حتى من رجالات بعض القوى الدينية الشيعية مَن يرفض صراحة مفهوم ولاية الفقيه، سواء بصيغته الخمينية الصريحة، أو بالصيغة الضبابية الأخرى: شورى الفقهاء.
العراق أصلاً لا يمكن له أن يتعايش مع فكرة خطيرة من هذا النوع، والعالم كله يرصد حصاد نظام ولاية الفقيه بالجارة إيران، والعراقي بطبعه مجبول على التنوع والتعدد.
كل هذا صحيح، لكنه لا يعني أن هناك من يريد تعميق السلطة الدينية، أو التلحّف بها، قدر الطاقة، وحسب الفرص المتاحة.
إن كان من درس يجب على العراق، وكل العرب وكل المسلمين الوصول له، هو أن من صالح الدين والدنيا، ألا تعتمر الدول عمائم المشايخ والسادة.
5
العراق «المستقر» تسلّطي بالضرورة
رستم محمود الحياة السعودية
قرارات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تجاه إقليم كردستان، خصوصاً رفضه أي بدء للتفاوض قبل التزام الإقليم بعدد من الشروط «التعجيزيّة»، قرارات لو نفذها الإقليم لأدّت إلى تحطيم كل سلطة وخصوصيّة فيديراليّة لعلاقته مع العاصمة المركزيّة. فالعبادي يذهب في قراراته إلى نوع مُحدث من المركزيّة السلطويّة التقليديّة، وإن بالاحتفاظ بالفيديراليّة شكلاً. فهو عملياً يسعى إلى أن تتجاوز سلطة الحكم المركزية في علاقتها مع الإقليم أهم أساسين شيّد عليهما العراق الجديد: ركن الشراكة بين القوميتين العربيّة والكرديّة، اللتين حددهما الدستور كجماعتين تكوينيتين للمجتمع العراقيّ، وتجاوز مبدأ الديموقراطيّة التوافقيّة بين المكونات والجهويات العراقية، والتي على أساسها يتم توزيع المناصب السياديّة حتى الآن.
لا تفعل القوى المركزيّة ذلك مع الطرف الكردي فحسب، فتهميشها وتحطيمها للقوى السنيّة، الذي كان وما يزال مستمراً في كل القطاعات، شكل عتبة لممارسة هذه السياسية تجاه الكرد. وهذا التهميش المرفق بالهيمنة السلطويّة يتطور ليصبح فعلاً يومياً تجاه كل التنظيمات المدنيّة واليساريّة القوميّة الأصغر حجماً، لتعود سلطة الحكم في العراق كما كانت تقليدياً، مختصرة ومحتكرة في شخص أو حزب واحد، طافح المركزيّة والسلطويّة.
على أنه في سِيَر جميع الشخصيات والقوى السياسيّة التي حكمت الدولة العراقيّة ونمط علاقتهم مع القوى النظيرة «الهامشيّة»، ومنهم الكرد ومسألتهم السياسية بالذات، ثمة ما هو مشترك في ما بينهم جميعاً. إذ تبدأ كل سلطة عراقيّة في أوائل فترات حُكمها بمهادنة القوى السياسيّة المُقابلة، لكنها ما تلبث أن تعود لفرض هيمنتها وسلطتها عليها وعلى قواعدها الاجتماعيّة، مستخدمة كل أشكال العنف إذا تطلب الأمر ذلك.
كانت سلطة الانتداب البريطانيّة، في أوائل العشرينات، البادئة بتأسيس هذه «السنّة». ففي مسعاها إلى تركيب الدولة العراقيّة الحديثة من الولايات العثمانية الثلاث، البصرة وبغداد والموصل سنة 1920، كانت تستشعر ضعف موقف وموقع الملك فيصل، الذي لم يكن مقبولاً ومدعوماً إلا من طبقة موظفي الدولة العثمانيّة السابقين، وبعض أعيان المدن «السنّة». لذا، هادن الإنكليز الزعامات المحليّة الكرديّة، وعلى رأسهم الشيخ محمود الحفيد، كذلك فعلوا مع طبقة زعماء العشائر ورجال الدين الشيعة. لكنهم ما لبثوا أن قضوا على الحفيد عسكرياً ونفوه، وحطموا كل القوى «الشيعيّة» المناهضة لهيمنتهم وسياستهم «الهاشميّة»، حينما نصّبوا فيصل ملكاً على مملكة عراقيّة مركزيّة، لا تتحمل أي وضع شيعيّ أو كرديّ خاص. عاد الإنكليز للاستعانة بالحفيد حينما ساءت علاقتهم بنُخبة الأعيان «السنّة» التي كانت تتحول إلى نحبة قوميّة عربيّة. لكن ما إن استتب الأمر لهم عقب المعاهدة البريطانية العراقية عام 1924، حتى ألغوا كل الامتيازات التي منحت للكرد أو الشيعة لحكم مناطقهم.
نُخب الحكم العراقيّة الملكيّة استكملت ما بدأه الإنكليز. فكُلما كانت تدخل في أزمة عميقة مع الجيش أو الشيوعيين أو القوميين العرب، كانت تسعى إلى التوافق مع الكرد، وبالذات مع الأخوين أحمد ومصطفى بارزاني، اللذين قادا تمردات كرديّة متقطعة طوال الثلاثينات والأربعينات. وكانت تفعل العكس مع عشائر الأرياف وشيوعيي المدن، وفق تحولات علاقتهم مع الكرد. لكنها في سنوات استقرارها القليلة، كانت تبطش بالطرفين معاً إذا لزم الأمر.
الأنظمة العسكريّة والقوميّة ظلت مواظبة على ذلك. فما إن نجح عبد الكريم قاسم في انقلابه على الملكيّة، حتى منح الكثير من الحريات المدنيّة والسياسيّة، وسمح للتنظيمات الشيوعية والقوميّة والكردية بالعمل السياسي العلني. لكن ما إن تخلص من شركائه في الانقلاب، وعلى رأسهم القوميون بقيادة عبد السلام عارف، حتى ألغى أغلب تلك الحقوق والحريات، وعادت الحرب التقليدية بين دولته المركزية وبين الحركة القومية الكردية والقوميين العرب والحزب الشيوعي العراقي، كل وفق تطلعاته المناهضة لدولة قاسم المركزيّة.
حقبة القوميين، من الرئيسين عبد السلام وعبد الرحمن عارف، ومن بعدهما الحكم البعثي المديد، كانت التطبيق العملي الأكثر دقة وتعبيراً عن السلطويّة المركزيّة. فالاتفاق الأول بين الملا مصطفى بارزاني ورئيس الوزراء القومي عبد الرحمن البزاز سنة 1965، في ظل حكم عبد السلام عارف، انقلب عليه القوميون حينما أعادوا ترتيب صفوفهم، بعد القضاء على التيار البعثي ضمنهم. البعثيون أنفسهم هادنوا الحركة القوميّة الكرديّة بعد انقلابهم الشهير في تموز (يوليو) 1968، وأصدروا بيان 11 آذار (مارس) 1970، الذي أقر الحكم الذاتي للكرد في مناطقهم، لكنهم عادوا وتراجعوا بعد أربع سنوات، بعدما ارتفعت أسعار النفط أوائل السبعينات، ودان الحكم للرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين. حيث فرضوا من جديد حكماً مركزياً أرعن على كردستان. وتجدد الأمر خلال اتفاقيات 1983 بين النظام والاتحاد الوطني الكردستاني، حينما كانت السلطة العراقيّة مأزومة نتيجة تراجعها في الحرب مع إيران، التي مع نهايتها واستعادة النظام قوته، نفذ البعثيون جريمتي الأنفال وحلبجة المروعتين عام 1988.
شيء شبيه تماماً مارسه البعثيون مع التنظيمات الشيوعيّة المنافسة، من خلال الإغراء بالجبهة الوطنيّة، ومن ثم البطش بتنظيماتهم بعد إخماد التمرد الكردي بدءاً من أواخر السبعينات. كذلك فعلوا مع الزعامات الدينية الشيعية، وعلى رأسها المرجع محمد صادق الصدر، الذي هادنه واستخدمه البعثيون أولاً لمجابهة المراجع «غير العراقية»، ثم تمت تصفيته.
لأجل كل ذلك، لا تبدو سلطة «المنتصرين» العراقيين الجدد وكأنها تفعل شيئاً غريباً عما كان في العراق تقليدياً، لكن ذلك يثبت أن ما تغير في العراق في حقبة ما بعد صدام حسين هو هوية الحكام، لا هويّة السلطة نفسها، التي بقيت تستند إلى القوة المحضة فحسب.
6 عراق ما بعد داعش واحتجاجات إيران محمد آل الشيخ الجزيرة السعودية
في 12 مايو المقبل ستجري انتخابات برلمانية، وبالتالي حكومية، في العراق. أهمية هذه الانتخابات – على الأقل للمملكة والخليج – أنها تأتي بعد الهزة العنيفة، التي شهدها الداخل السياسي الإيراني، والتي استطاعت قبضة الملالي الفولاذية أن تقمعها، غير أن تأثيراتها الارتدادية على سياسات النظام الحاكم في إيران، لا بد وأن تكتنف مرحلة ما بعد تلك الأحداث.
في العراق الأحزاب السياسية المسجلة بشكل رسمي أكثر من مائتي حزب سياسي بقليل، وجميعها تطرح أنها مع وحدة استقلال الجغرافيا العراقية، ومع الوطنية بما فيها كردستان العراق، وضد الإرهاب، وضد الفساد المالي والإداري، غير أنها عند التطبيق، تفكر في الغنيمة السياسية، وربما المالية، فتدور مع تلك الغنائم، حيث دارت واتجهت، متناسية ما جاء في برامجها. لذلك فإن الديمقراطية الحالية في العراق هي ديمقراطية فوضوية، وهي كذلك شكلية أما المضمون، فليس لها علاقة بها، تحكمه تكتلات أحزاب تغير توجهاتها وتحالفاتها بين اليوم والآخر، الأمر الذي جعل هذه الديمقراطية الوليدة، أقرب إلى تجاذبات ومصالح فئوية وطائفية، يغلب عليها الفساد السياسي والمالي بكل أنواعه.
كما أن الأحزاب السياسية بمعناها العريق في الديموقراطيات التقليدية، لا وجود لها في العراق، فزعيم الحزب، وانتماءاته الطائفية والفئوية، هي التي ترجّح قوة وشعبية هذا الحزب أو هذا التكتل. فمثلاً هناك تكتل حيدر العبادي، وهناك تكتل نوري المالكي، أو تكتل الصدريين، أو تكتل إياد علاوي، أو تكتلات الأحزاب الكردية، هي التي توجه الناخب العراقي الى ممثله النيابي، كما أن التخندق الطائفي، وكذلك الإثني، ما زال قوياً وفاعلاً في الساحة السياسية العراقية، بل أجده أولوية في اصطفافات الكتل السياسية، رغم أنها دون استثناء تزعم أنها تتجاوز الطائفية. ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي هو سبب رئيس لاجتياح داعش واحتلالها أجزاء كبيرة من العراق بسهولة، نتيجة لطائفيته، وممارساته التي تضع الطائفة فوق الوطن، ومع ذلك ما زال المالكي حاضراً في التكتلات السياسية التي ستدخل الانتخابات، مع أنه ضعُف كثيراً، بسبب انشقاق حيدر العبادي عن تكتله (دولة القانون)، وإنشاء تكتل جديد تحت مسمى (نصر العراق)، والتكتلان ينتميان إلى (حزب الدعوة) المتأسلم والطائفي في العراق، إلا أن العبادي لم يذهب بعيداً في توجهه الوطني اللا طائفي، بعد أن دعا الحشد الشعبي للانضمام إلى تكتله لكن (الحشد الشعبي) رفض دعوة العبادي، مما أحرجه واضعفه كثيراً. رغم أني لا أعتقد – حسب متابعتي للشأن العراقي – أن العبادي في توجهاته الطائفية على الدرجة نفسها التي كان عليها نوري المالكي، الذي كان له القدح المعلى في (تبعية) العراق للمشروع التوسعي الإيراني.
قوة ونفوذ إيران، كما يتوقع كثير من المتابعين والمحلّلين، لن تكون على الأقل في المستقبل المنظور، مثلما كانت قبل الاحتجاجات والتظاهرات الأخيرة، فثورة الجياع التي اكتسحت أغلب المدن الإيرانية، ستحد جزماً من إمكانياتها وقدراتها على النفوذ في الشأن العراقي، أضف إلى ذلك أن هناك نزعة عراقية، بدأت تتسع وتتجذر، تقدم الوطن على الطائفة، وهذه النزعة الوطنية، يتصدر قيادييها كثيرون، على رأسهم إياد علاوي ومقتدى الصدر، وكلما اتسعت هذه النزعة الوطنية أكثر، ستكون بلا شك على حساب نفوذ وتوسع الإيرانيين، وتراجع نفوذهم في داخل العراق.
كما أن العلاقات الأمريكية الإيرانية المتوترة، ستسهم بلا شك في تراجع النفوذ الإيراني في العراق؛ فالرئيس الأمريكي ترامب، ليس كالرئيس السابق أوباما، الذي سلّم الإيرانيين العراق على طبق من ذهب، مقابل توقيع الاتفاقية النووية معهم، لتكون أهم منجز حققه ذلك الرئيس في تاريخه.
وعلى أية حال، وللأسباب التي تطرقت لها سابقاً، لا أعتقد أن العراق بعد الانتخابات القادمة، سيكون كما كان عراق المالكي ولا حتى عراق الحيدري، فقواعد اللعبة هناك اختلفت إلى حد بعيد.
7 العبادي بين الحشد والمالكي العبادي بين الحشد والمالكي
الوطن العمانية
”.. في معرض تبرير انسحاب ائتلاف الحشد من لائحة العبادي أوضح نائب في قائمة الحشد أنه لا نسمح لأنفسنا أن نكون جزءا من منظومة الفساد وتدوير بعض الشخصيات التي أساءت للعراق. ويضم (الفتح المبين) 9 قوى من الحشد الشعبي، أعلنت مؤخرا فك ارتباطها مع أجنحتها العسكرية تمهيدا لخوض الانتخابات.”
مثلما بدأت سريعة انفرط عقد أكبر التحالفات السياسية التي ستخوض الانتخابات العراقية المقبلة بعد ساعات من إعلان أسمائها للرأي العام، وتحول أكبر تحالف يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى مسرح للخلافات بين أركانه، حيث انسحب ائتلاف الفتح الذي كان أبرز مرتكزاته، وهم فصائل الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري، وتعرض ائتلاف النصر الذي يقوده العبادي، إلى هزة عنيفة بعد ساعات من إعلان تشكيله، وذلك عقب انسحاب جميع مكونات (تحالف الفتح).
أسباب متعددة دفعت إلى انفراط التحالف، أبرزها اعتراض قوى الحشد على شخصيات متهمة بالفساد دخلت ضمن الحلف الجديد، واتساعه بشكل زاد عن الحد المعقول.
وتجاوز عدد الكيانات السياسية، التي انضمت إلى (تحالف النصر)، حاجز الـ30 تشكيلا سياسيا بين قوى شيعية وسُنية قليله ووزراء ونواب. الأمر الذي دعاه إلى اللجوء إلى خيار خوض الانتخابات بشكل منفرد وعدم الانضمام إلى تحالفات جديدة.
وظهر تحالف العبادي إلى العلن بعد يومين من إغلاق مفوضية الانتخابات باب تسجيل التحالفات. ولم تبت المفوضية حتى الآن بقانونية تحالف النصر.
وإزاء هذا المأزق الذي تعيشه الأحزاب الدينية قد يضطر (حزب الدعوة) إلى التراجع عن قراره الأخير بعدم خوض الانتخابات، للتخلص من مأزق قانوني يهدد بحرمان أعضائه الراغبين بالترشّح بالاستبعاد أو تقديم استقالات جماعية من الحزب.
وفي معرض تبرير انسحاب ائتلاف الحشد من لائحة العبادي أوضح نائب في قائمة الحشد أنه لا نسمح لأنفسنا أن نكون جزءا من منظومة الفساد وتدوير بعض الشخصيات التي أساءت للعراق. ويضم (الفتح المبين) 9 قوى من الحشد الشعبي، أعلنت مؤخرا فك ارتباطها مع أجنحتها العسكرية تمهيدا لخوض الانتخابات، بالإضافة إلى 9 تشكيلات أخرى انضمت إليها لاحقا أبرزها المجلس الأعلى الإسلامي.
وفي أول رد فعل عن انسحاب قوى الحشد من تحالف العبادي قررت كتلة الحكمة، التي يتزعمها عمار الحكيم، الانضمام إلى تحالف النصر، إذ أعلنت اندماجها بتحالف العبادي.
ويرى مراقبون في انسحاب فصائل الحشد الشعبي بانها تفتح الطريق لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لإعطاء الضوء الأخضر لأنصاره الانضمام إلى ائتلاف العبادي بعد أن وجه انتقادا لرئيس الوزراء لتحالفه مع قوى الحشد الذي عده محاولة لتكريس التخندق الطائفي مجددا في العراق.
وعن أسباب انسحاب فصائل الحشد الشعبي من ائتلاف العبادي كشفت مصادر مقربة من رئيس الوزراء عن شروط الأخير التي ترفض منهج المحاصصة وعسكرة المجتمع وتغول السلاح في المجتمع، فضلا عن اختيار الشخصيات الكفوءة ودعم الإجراءات المتخذة بحق الفاسدين، في حين أن الحشد اتهم العبادي بقبول انضمام شخصيات عليها شبهات فساد في ائتلافه.
وطبقا لذات المصادر فإن الصدر اشترط للانضمام إلى تحالف العبادي توقيع وثيقة معلنة بعدم التحالفات لاحقا مع جهات أخرى أو أطياف من قوى الحشد في إشارة إلى استبعاد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في أي تحالفات بعد الانتخابات.
وقد تحمل الأيام المقبلة مفاجآت جديدة ربما تغيّر خريطة تحالفات القوى الشيعية البارزة، بعد تشظي أكبر الائتلافات التي أدت إلى انسحاب فصائل الحشد من ائتلاف العبادي الذي كان يراهن على جمهورها، غير أنها فاجأت الشارع بتحالف العبادي مع الحشد بعد أن كان يؤكد أن قائمته وطنية وعابرة للتخندق الطائفي والعرقي.
واستنادا إلى ما تقدم فإن الخاسر الأكبر في المشهد السياسي الذي سيتشكل بعد الانتخابات هو المالكي الذي فضل أن يخوض الانتخابات بقائمة دولة القانون بعد رفض الحشد الشعبي الانضمام إليه، الأمر الذي يمهد الطريق للعبادي للفوز بولاية ثانية.