1 أمريكا تعلن حدود الدولة الكردية في سوريا؟ افتتاحية القدس العربي
أعلنت الولايات المتحدة أمس إنها تعمل مع فصائل «حليفة» لها لتشكيل «قوة حدودية» جديدة قوامها 30 ألف جندي ستكون مهمتها الانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالا والعراق باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات.
الفصائل الحليفة المقصودة طبعا هي «قوات سوريا الديمقراطية» أو «وحدات الحماية الكردية» وكلاهما من الواجهات ذات الأسماء المتعددة لحزب العمال الكردستاني في تركيا، (وهو ما يعني أنه حزب يعبّر عن سياق سياسي لأكراد تركيا وليس أكراد سوريا) وهذا ما يفسّر الغضب التركي السريع من الإعلان واستدعاء أنقرة للسفير الأمريكي لديها.
توازى الإعلان مع تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تهدد بمهاجمة مدينة عفرين، وهي مركز أساسي لسيطرة «حزب العمال الكردستاني» لكنه قريب جدا من تركيا (حوالى 70 كم) وبعيد عن حدود نهر الفرات، وهي تصريحات سبق أن كررها المسؤولون الأتراك على مدى سنوات، ولكن رافقها هذه المرة توسيع القصف المدفعي منذ السبت الماضي على مواقع حزب العمال في المدينة وإرسال تعزيزات عسكرية للحدود والحديث عن قرب ظهور تشكيل من 5 آلاف مسلّح مع تحركات تشير إلى هجوم برّي، وكلّ هذه إشارات تدلّ على تصاعد غير مسبوق لغضب الأتراك تجاه الأمريكيين.
لا يخفي «حزب العمال» أبداً خططه لتشكيل دولة «اتحادية» كردية داخل سوريا (مع إمكان توسّعها إلى مناطق نفوذه في العراق وتركيا)، والواضح أن هذا يجد دعماً أمريكياً متزايداً لأن الحزب كان مطواعاً في تنفيذ الأهداف العسكرية والسياسية الأمريكية في سوريا والعراق، ولكونه (على عكس التجربة الأمريكية مع الفصائل العسكرية السورية المعارضة) معصوما عن الهوى «الإسلامي» الذي «يزعج» الإدارات الأمنية والسياسية الأمريكية، وعلى عكس تلك الفصائل، كان قادراً على التنسيق مع النظام السوري و»توحيد القوى» معه ضد «الإسلاميين» بكافة أشكالهم حين يحتاج الأمر.
يمكن ربط النقلة الأمريكية الحالية بتجربة واشنطن التاريخية الطويلة مع الأكراد، لكن إذا وضعنا في حسباننا تخلّي الولايات المتحدة الأمريكية عن استفتاء الاستقلال الأخير في كردستان العراق يمكننا اعتبار ما يحصل في سوريا حاليّاً تطوّرا غير مسبوق.
سحب التجربة الكردية العراقية على تركيا يكشف بدوره تغيّرات مهمة في الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة، ففي حين تدافع واشنطن عن وحدة الدولة العراقية وترفع بطاقة حمراء لاستفتاء استقلال الأكراد هناك، فإنها، في المقابل تحوّل حزب العمال الكردستاني إلى جيش وتحدد له حدود دولة في سوريا (مع قابلية للتمدد)، وهو ينتج بالضرورة أشباح المشابهة بين حال عراق صدام تسعينيات القرن الماضي وتركيا إردوغان الحالية.
يمكننا اعتبار تفكك سوريا وتمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» من العراق إليها مدخلاً للحالة الراهنة، ولكنّ هذا التفكك وصعود «الجهادية» المتطرفة ما كانا ليحصلا لولا الاجتياح الأمريكي الشهير للعراق، وتجاهل أمريكا للوحشيّة الرهيبة التي قوبلت بها الثورة السلمية في سوريا، وبالتالي فإن كل ما جرى يحمل بصمات أمريكا ويجعلها مسؤولة كبرى عما حصل.
ولكن ماذا لو أن كل ما حصل هو نفسه «الاستراتيجية الأمريكية»؟
وماذا لو أن استهداف تركيا كان ضمن هذه الاستراتيجية وليس نتيجة فرعيّة لتفكك سوريا وصعود «الجهادية» المتطرفة؟
2 «ليين»: صناعة ميركل.. من «إنجرليك» إلى «الأزرق»
الاتحاد الاماراتية
«سنستمر في محاربة (داعش)، وسنظل إلى جانب المجتمع الدولي في مهمته من أجل مكافحة الإرهاب حتى استقرار المنطقة». هذا ما قالته وزيرة الدفاع الألمانية «أورزولا فون دير ليين»، السبت الماضي، خلال زيارة أدتها رفقة نواب من البرلمان الألماني، لجنود بلادها المتمركزين في الأردن ضمن قوات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. وتعهدت دير ليين باسم الحكومة الألمانية الجاري تشكيلها، بتزويد الجنود الألمان في الخارج بمعدات وتدريبات أكثر تطوراً وكفاءة، ومنهم الجنود المتواجدون في «قاعدة الأزرق» بالأردن بعد نقلهم إليها من قاعدة إنجرليك التركية العام الماضي. لكن ألا يعكس تعهد ليين باسم حكومة قيد التشكل شعوراً سياسياً بالثقة وبقوة رسوخ موقعها الحزبي؟
تنتمي «ليين»، السياسية والطبيبة والأكاديمية الألمانية، إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، وقد سبق أن دخلت البرلمان، كما تولت حقيبتي الأسرة والعمل في حكومة ميركل.
وقد ولدت «جيرترود أورزولا فون دير ألبرشت» في بروكسل عام 1958، لوالدها إرنست ألبرشت، الزعيم السياسي البارز الذي ترأس إقليم سكسونيا السفلى بين عامي 1976 و1990. وقد أمضت طفولتها في بلجيكا، وهناك انضمت إلى «المدرسة الأوروبية» حيث درست باللغتين الألمانية والفرنسية، وأصبحت طالبة في كلية الاقتصاد بجامعة غوتنغن، ثم بجامعة مونستر بداية من عام 1977، قبل أن تدرس الطب في جامعة هانوفر بدءاً من عام 1980، لتصبح طبيباً مساعداً في عام 1988، ثم تنال شهادة الدكتوراه عام 1991 لتغادر ألمانيا في العام التالي نحو الولايات المتحدة، حيث درست الاقتصاد في جامعة ستانفورد بسان فرانسيسكو. وبعد عودتها إلى ألمانيا عملت مساعد باحث في الطب الاجتماعي بجامعة هانوفر عام 1998.
أما بداية مسيرتها السياسية فكانت مع انتسابها لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» عام 1990، أو حتى بعد ذلك في عام 2001 حين انتخبت على قوائمه عضواً في المجلس البلدي لمنطقة هانوفر. ثم انتخبت في فبراير 2003 عضواً في برلمان إقليم سكسونيا السفلى، وفي مارس عُيِّنت وزيرةً للشؤون الاجتماعية والمرأة والأسرة والصحة ضمن أول حكومة للإقليم يقودها ائتلاف «الأسود والأصفر» برئاسة كريستيان وولف عن «الاتحاد المسيحي الديمقراطي». وفي صعود آخر، انضمت ليين في عام 2004 إلى الرئاسة الاتحادية لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، لتتوثق علاقتها بميركل، إذ أصبحت ضمن فريق حملتها للانتخابات الاتحادية عام 2005. وفي نوفمبر من العام ذاته، عقب فوز تحالف «الأسود والأصفر»، أصبحت ليين وزيرةً لشؤون الأسرة وكبار السن والنساء والشباب في الحكومة الجديدة برئاسة ميركل. وفي منصبها الجديد شجعت ليين تطوير دُور الحضانة لتمكين المرأة من الجمع بين العمل وتربية الأطفال، وأيدت حجب المواقع الإلكترونية الإباحية، وقدمت مشروع قانون يسمح للوالدين بالتوقف عن العمل مع الحصول على راتب شهري بنحو 1800 أورو خلال الأشهر الـ14 الأولى لمولودهما. وربما ساعدتها إنجازاتها في الوزارة على دخول البرلمان للمرة الأولى في انتخابات عام 2009، حيث فازت ضمن قوائم حزبها، لتدخل الحكومة الجديدة وزيرةً للعمل والشؤون الاجتماعية. بل طرح اسمها في مايو 2010 عقب استقالة الرئيس «هورست كولر»، كمرشحة محتملة لائتلاف «الأسود والأصفر» في الانتخابات الرئاسية المبكرة، لكن التشكيلات الثلاث ضمن الائتلاف الحاكم فضلت في الأخير «كريستيان وولف» كمرشح توافقي. بيد أنه تم انتخاب ليين خلال المؤتمر الـ23 لـ«الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، في 15 نوفمبر 2010، نائبةً لرئيسة الحزب (ميركل) بنسبة 85% من الأصوات.
وفي الحكومة الثالثة لميركل، أصبحت ليين وزيرة للدفاع في ديسمبر 2013، فكانت أول امرأة في ألمانيا تشغل حقيبة الدفاع، لتشرف على «قوات الدفاع الفيدرالي» (البوندسور)، والتي تخضع في زمن السلم لوزير الدفاع، المدني الوحيد الذي يحق له توجيه الأوامر للعسكريين. وتتكون «البوندسور» من 181 ألف عسكري يتوزعون على القطاعات البرية والبحرية والجوية، إضافة إلى الخدمة الطبية المركزية، وخدمة الإمداد والتنظيم. كما يدير وزير الدفاع الميزانية العسكرية لألمانيا، والبالغة 32.4 مليار أورو، ويشرف على القوات العسكرية ألمانية في الخارج، ومنها القوة المؤلفة من ألف رجل في كوسوفو، والقوة العسكرية الألمانية في قندوز بالشمال الأفغاني (سبق أن زارتها ليين أربع مرات)، بالإضافة إلى القوات الألمانية في قاعدة الأزرق الجوية (موفق السلطي) بالأردن.
وفي قاعدة الأزرق، أكدت لايين، السبت الماضي، ضرورة الحيلولة دون توطن «داعش» مجدداً في المناطق التي تمت استعادة السيطرة عليها، لأن «الخلافة الافتراضية لم تُهزم بعد». وقالت إن مهمة المجتمع الدولي في مكافحة «الإرهاب الإسلامي»، أي مهمة إحلال الاستقرار طويل المدى في المنطقة، ستستمر لوقت إضافي. ويشارك الجيش الألماني انطلاقاً من قاعدة «الأزرق» في العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي لمكافحة «داعش» بأربع طائرات استطلاع من طراز «تورنادو» وطائرة تزود بالوقود و320 جندياً. وكان الجيش الألماني يشارك في هذه المهمة من قاعدة «إنجرليك» الجوية التركية التابعة للناتو. لكن العلاقات بين ألمانيا وتركيا تدهورت خلال العامين الماضيين على وقع سلسلة من الخلافات السياسية المتتالية، لاسيما عقب رفض ألمانيا طرد العسكريين الأتراك الفارين الذين تطالب بهم أنقرة، وكذلك ناشطي «حزب العمال الكردستاني» المصنف إرهابياً من قبل تركيا. ورداً على ذلك منعت أنقرة، في منتصف مايو الماضي، نواباً ألماناً من زيادة إنجرليك لتفقد قوات بلادهم، فوصفت المستشارة الألمانية ذلك الإجراء بـ«المؤسف»، كما تعهدت بـ«البحث عن بدائل لإنجرليك، بما في ذلك الأردن». وفي أوج الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، أعلنت ليين، في 5 يونيو، أن برلين مستعدة لنقل قواتها من إنجرليك، وأنها حددت قاعدة الأزرق الأردنية كخيار بديل. وفي 21 من الشهر ذاته وافق البرلمان الألماني (البوندستاغ) على نقل القوات من إنجرليك إلى الأزرق. وفي مطلع أكتوبر أعلنت وزارة الدفاع الألمانية اكتمال عملية نقل جنودها الـ350 إلى الأردن.
وعلى خلفية الهزيمة التي مُنيَّ بها «داعش» في سوريا والعراق، توصل تحالف الحزبين «الاتحاد المسيحي» و«الاشتراكي الديمقراطي»، وفقاً لمذكرة تشكيل ائتلاف حكومي منشورة الجمعة الماضي، إلى تخفيض الحد الأقصى لعدد الجنود الألمان المشمولين بتفويض مهمة مكافحة «داعش»، والبالغ في حده الأعلى حالياً 1200 جندي.
ويبدو أن لايين على ثقة هذه المرة من نجاح مساعي المستشارة ميركل لتشكيل حكومة جديدة، ولعلها واثقة من وجودها شخصياً ضمن التشكيل المرتقب، إذ سبق أن ألغت زيارة للأزرق كانت مقررة في نوفمبر الماضي، نظراً لمأزق تشكيل الحكومة الألمانية عقب الانتخابات العامة في سبتمبر الماضي. لكن بما أن عجلات التفاوض على التشكيل الحكومي قد أصبحت على قضبان السكة، وباعتبار الثقة التي تحظى بها لايين داخل الحزب ولدى ميركل شخصياً، فقد قامت أخيراً وزيرة الدفاع في حكومة تسيير الأعمال بزيارتها الموعودة لـ«الأزرق»، متعهدةً باسم الحكومة المقبلة، دون تلعثم ولا تردد! وبدلالة من هذه التعهدات، وقبل ذلك بدلالة إسناد حقيبة الدفاع إليها، واحتفاظها بالحقيبة منذ أربع سنوات.. ينظر المحللون إلى ليين ليس فقط بوصفها وزيرة الدفاع في الحكومة المقبلة، ولكن أيضاً باعتبارها المستشارة الألمانية القادمة بعد صانعتها «ميركل».
3 غروب حزب {الدعوة} العراقي
مشاري الذايدي
الشرق الاوسط السعودية
حزب الدعوة العراقي، الذي يحكم العراق منذ 2005 حتى اليوم، من خلال إبراهيم الجعفري، ثم نوري المالكي، ثم حيدر العبادي، يبدو اليوم أمام امتحان صعب بقرب الانتخابات البرلمانية العراقية الحاسمة، وموعدها الأولي 12 مايو (أيار) المقبل.
العبادي أتى بديلاً للمالكي الذي احترقت صورته بعد فضيحة سقوط الموصل بيد «داعش»، ورائحة الفساد المالي والإداري التي أزكمت الأنوف.
نجح العبادي بدعم عراقي وإقليمي ودولي في «ترميم» شيء من الضرر الذي أحدثته حقبة المالكي التي امتدت من 2006 إلى 2014. ومن أعظم خطايا العهد المالكي تكريس الاستقطاب الطائفي في العراق دون حجاب.
«الدعوي» حيدر العبادي وعد بوحدة وطنية وثورة على الفساد والمحاصصة وهزيمة «داعش»… فهل وفّى بهذه الوعود؟
الرجل أعلن للعراقيين النصر على «داعش» بالعراق، مع أن فلول الجماعة الشيطانية ما زالت تنشط هنا وهناك، لكن لا ريب في أن العبادي قاد جهداً رائعاً للقضاء على عاصمة «داعش» بالعراق؛ الموصل.
لكن يظلّ الوعد بالقضاء على الفساد، وتحسين الخدمات؛ الكهرباء خاصة، وصون القرار العراقي من التأثير الخارجي، خصوصاً الإيراني، وتمكين الدولة العراقية بالضد من منطق الميليشيا، والقضاء على المحاصصة الطائفية… وعداً بعيد المنال.
العبادي عنون قائمته بـ«النصر»، والمالكي بـ«القانون»، لكن ما زال العراقيون على بعد مسافات ومفازات من الوصول لمياه الأمل وشطآن المستقبل.
العبادي قال في بيان تشكيل قائمته، إنه شكل ائتلافاً «عابراً للطائفية» يسمى «ائتلاف النصر» لخوض الانتخابات البرلمانية. لكن لا يعني وجود اسم سنّي على القائمة العبادية أنه تم إشراك السنّة شراكة حقيقية في قرار العراق. الأسماء يجب أن تكون نتيجة ترشيح سنّي شعبي صادق.
الأمر الأهم من ذلك، هو الإيفاء بالوعد الحقيقي بالقضاء على ثقافة التوزيع الطائفي بالعراق، وحزب كحزب الدعوة، أو «الحزب الإسلامي العراقي» (الإخوان المسلمون) تجسيد ناصع للتوظيف السياسي للدين.
هناك حالة من الضجر والغضب من حصيلة سياسية امتدت منذ 2003 بعد سقوط صدام حتى اليوم، وهي مرحلة هيمن فيها على قرار العراق التشكيلة الشيعية الإسلاموية. وعليه، فإن القنوط هو من الفكر الذي يرفد هذه الأحزاب وتلك الشخصيات، يعني المشكلة جذرية؛ ليست على الأشخاص وأسماء القوائم؛ «قانون» أو «نصر»!
ربما لاحظ هذا المزاج الشعبي العميق، رجل «شعبي» هو مقتدى الصدر الذي علّق على إقحام العبادي طوائف من «الحشد الشعبي»، بقيادة هادي العامري، بقائمته، ووصف الصدر ذلك بـ«الاتفاق السياسي البغيض».
بعدما ضيّع نوري المالكي الفرصة لأن يكون قائداً عراقياً للكل، هل استوعب السيد حيدر العبادي الرسالة العراقية؟
4 تمهيد الطريق لانتخابات كركوك برقابة أميركية
مايكل نايتس*
الوطن السعودية
من المقرر أن تجري محافظة كركوك انتخابات محلية في 12 مايو القادم، للمرة الأولى منذ عام 2005، غير أن كركوك المتعددة الأعراق والثقافات أصبحت -أكثر من أي وقت مضى- أشبه ببرميل من البارود.
وللمحافظة عليها من «الانفجار»، يتعيّن على السلطات العراقية والكردية نزع فتيل التوترات بسرعة، والتوصل إلى توازن مستدام، وفي هذا الصدد، ستحتاج إلى بعض المساعدة من الخارج.
وفي 20 أكتوبر، ذكّرت وزارة الخارجية الأميركية بقوة جميع الأطراف بضرورة الحُكم المشترك في كركوك، وغيرها من المناطق الأخرى المتنازع عليها، إذ قالت: إن إعادة تأكيد السلطة الفيدرالية على المناطق المتنازع عليها، لا يغيّر وضع هذه المناطق بأي شكل من الأشكال. فهي ستظل موضع نزاع إلى أن يتم إيجاد حل لها، وفقا للدستور العراقي. وإلى حين يتوصل الطرفان إلى اتفاق، نحث كل منهما على إجراء تنسيق كامل بغية ضمان الأمن وإدارة هذه المناطق. ومنذ ذلك الحين، حافظ الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة على بعثة استشارية عسكرية صغيرة في قاعدة «K-1».
والآن، يتعيّن على واشنطن أن تضع الأسس البلاغية والعملية لسياسة أميركية طويلة الأجل في كركوك.
أما الظروف الحالية، فتختلف كثيرا عن الأيام التي كان يوجد فيها أكثر من 100 ألف جندي أميركي. ولكن ضرورة وجود مراقب عسكري دولي، والحاجة إلى التنسيق في كركوك لم تتضاءلا. ومن ثم، ينبغي إنشاء «آلية أمنية مشتركة» مع فريق عمل رفيع المستوى يجمع مكتب المحافظ، ومجلس المحافظة، و«بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق» (يونامي).
إضافة إلى ذلك، ينبغي وجود «مركز تنسيق مشترك» مع «مقر دائرة شرطة كركوك» في القاعدة الجوية الإقليمية في مدينة كركوك، بهدف تضافر جهود القوات الاتحادية وقوات المحافظة والقوات الكردية. وسينصب التركيز الأولي لهذه الآلية الجديدة على تطوير تعاون أفضل قبل الانتخابات المزمع إجراؤها هذا العام.
أمّا المسألة الأكثر تعقيدا، فهي إذا كان سيتم إجراء انتخابات في كركوك، فمتى وكيف سيتم ذلك؟
وأيّا ما كان الأمر، يتعيّن على الولايات المتحدة وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، أن يشجّعا المشرِّعين الاتحاديين العراقيين على إدراج ترتيبات لكركوك في مشروع قانون انتخابات المحافظات الذي يقومون بتعديله حاليا. وقد طلب مجلس النواب العراقي من مجلس كركوك توفير مدخلات بشأن هذه المسألة، غير أنه لا يمكن استقاء أي مساهمات، إلا بعد استئناف الهيئة المحلية عملها.
وعلى المدى البعيد، يجب على الائتلاف ألا ينسى الاتفاق العرقي الأساسي الوارد في المادة 140 من الدستور العراقي، الذي دعا إلى حل النزاعات المتعلقة بالملكية ومقر الإقامة، وإجراء إحصاء سكاني، واستفتاء حول المستقبل الإداري لكركوك، فضلا عن التغييرات المحتملة في الحدود. كما ينص الدستور بوضوح على أن حقول النفط في كركوك يجب أن تُدار من الحكومة العراقية، لذا يتعيّن على جميع الأطراف الموافقة على هذا الشرط خلال المفاوضات التي تدعمها الولايات المتحدة.
وقد يكون من المفيد إعادة النظر في هذا الخيار، في ضوء التطورات المحورية في كركوك، إذ إن خطر معاودة ظهور «تنظيم داعش»، ونشوب صراع جديد بين القوات الاتحادية والكردية، يبرّران وجود بعثة مراقبة أميركية مستمرة.
5
مستقبل الشرق الأوسط بين النفوذ الإيراني والهيمنة التركية
محمد بن سعيد الفطيسي
الوطن العمانية
” .. من الواضح ان كل من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا تدركان تمام الإدراك تلك المساحة المكتسبة من القوة والسلطة والنفوذ التي تملكهما كل من تركيا وايران في منطقة الشرق الأوسط , بالرغم مما يبرز بين الحين والآخر من سلوكيات وتصرفات سياسية. يغلب عليها حالات الصدام وما يشاهد من سيناريوهات الضغط والعقوبات ومحاولات احتواء الولايات المتحدة للجمهورية الإيرانية عبر تضييق الخناق عليها.”
ــــــــــــــــــــ
ادى استمرار تراجع النفوذ الاميركي “أحادي القطب” في منطقة الشرق الاوسط في الفترة (2001م – 2018م ) من جهة. وانشغال الروس بحماية ما تبقى لهم من مناطق النفوذ والسلطة والمصالح الاستراتيجية الرئيسية في هذه البقعة من العالم من جهة اخرى. خصوصا في سوريا (2013- 2018). إلى اتساع مساحة الفراغ الجيوسياسي المركزي. الأمر الذي مهد بدوره, إلى محاولات واضحة وصريحة للعديد من القوى القارية وتلك الإقليمية بمختلف احجامها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية للنفاذ عبر تلك الفراغات والقنوات المتكونة للقوة والسلطة والهيمنة. من خلال اشكال ووسائل مختلفة بهدف ملء ذلك الفراغ. سواء كان ذلك عبر تحرك احادي , او عبر تفاهمات او تحالفات سياسية او عسكرية اقليمية او دولية.
وفي العادة تحصل هذه التطورات (حينما تحدث تغيرات كبيرة في خارطة القوى على الساحة الدولية, وعلى الأغلب عندما تنهار امبراطورية كبيرة – او يبدأ نفوذها بالتراجع – فتجلب معها موجة من الفوضى وعدم الاستقرار إلى المناطق المحيطة بها – بنفوذها- وتستمر هذه الاضطرابات لسنين عديدة )( ). وهو ما حدث ويحدث بالفعل مع تراجع مساحات نفوذ وهيمنة الولايات المتحدة الاميركية على رقعة الشطرنج العالمية. الأمر نفسه الذي حدث بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وادى إلى بروز الولايات المتحدة الاميركية كقوة مركزية حينها. حيث يؤكد بريجنسكي قائلا: (صير انهيار الاتحاد السوفيتي قلب ارض اوراسيا فراغا سياسيا )( ).
على ضوء ذلك برزت بعض من القوى القارية والاقليمية التي استغلت ذلك الوضع أو التراجع أو الضعف في مناطق نفوذ تلك القوى الدولية الكبرى. كان على رأسها كل من ايران وتركيا. صحيح ان كل منهما كان له نفوذ وحضور جيوسياسي لا يستهان به في هذه المنطقة الجغرافية من العالم منذ عقود طويلة. الا ان ذلك لم يكن بهذا الاتساع والقوة والتدخل المباشر والصريح وفي مناطق كانت تدور ولسنوات طويلة في فلك كل من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا كما هو الحال في العراق وسوريا وبعض دول شبه الجزيرة العربية وشمال افريقيا والقرن الإفريقي ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى.
بناء على ذلك، يتضح ان هناك العديد من العوامل الحاضرة بكل بقوة في استراتيجيات وعقائد الصراع بين القوى المتنافسة على ملء الفراغ الجيوسياسي سالف الذكر, والتي رفعت من سقف اهمية هذه البقعة الجغرافية من العالم, وبدورها ستدفع حقوق التنافس إلى مرحلة من الخطورة والتأزيم بينها خلال الفترة الزمنية القادمة – العقد الثالث من القرن 21- يقع على رأس تلك العوامل منابع النفط, والموقع الجغرافي للشرق الأوسط في قلب العالم القديم والذي يعتبر قلب الهيمنة الجيواستراتيجية والنفوذ الاقتصادي الدولي , وهو في ذات الوقت بات البطن الرخو في النظام العالمي المتشكل . نظام التعددية القطبية الفضفاضة .
يضاف إلى ذلك ان كلا من تركيا وايران تدركان تمام الإدراك ان استمرار سيطرة تلك القوى الكبرى على الشرق الأوسط خلال العقد الثالث من القرن 21 , خصوصا انه عقد يتجه اكثر فأكثر نحو نظام حكم الكثرة أو التعددية القطبية الفضفاضة. سيؤثر في مساحات النفوذ والمصالح الجيوسياسية الخاصة بهما في الشرق الأوسط تحديدا. في وقت اصبح فيه التحرك نحو الأمام ضرورة حتمية لا بد منها للمحافظة على مصالحها الاستراتيجية من جهة, ولخلق مناطق يمكن ان تشكل لها بعض الأمان الاستراتيجي ولو بشكل مؤقت من جهة اخرى. حتى وان كان ذلك يعني تعاونهما المباشر والصريح في قضايا الشرق الأوسط. وبالطبع فإن ذلك لا يعني غياب الخلافات بين الجارين اللدودين، وآخر دليل اندلاع معارك بين أنصار الجانبين من الأكراد في سنجار على الحدود السورية-العراقية. لكن مسارات النزاع وأبعادها الدولية تدفع الطرفين إلى الحذر حتى لا يتحول التجاذب على صفيح الشرق الأوسط إلى ما لا يخدم مصالحهما). ( )
وتعتبر تركيا وايران محاور جيوبوليتيكية مهمة في منطقة الشرق الاوسط, حيث تملك تركيا القوة العسكرية والبشرية والتقدم التكنولوجي والقوة الاقتصادية والرغبة الواضحة في النفاذ القاري إلى مساحات النفوذ والسلطة والقوة في اوقات الفراغ الجيوسياسي. في المقابل تمتلك ايران القوة العسكرية والبشرية والمساحة الجغرافية رغم الضعف الاقتصادي. وهي بالفعل حاضرة بكل قوة في كل من العراق وسوريا ومنطقة الخليج العربي على سبيل المثال لا الحصر. بحيث يمكن التأكيد على ان كلا منهما سيناضل من اجل المحافظة على ما حققه من اوراق رابحة سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الأمني أو عبر توسع دائرة المصالح الجيوسياسية والتحالفات الجيواستراتيجية في الشرق الأوسط. وستندفعان اكثر فأكثر نحو شراكات ثنائية مع بعضهما البعض أو ثلاثية مع روسيا. مع مراعاة اتفاقيات الشراكة والتعاون مع العديد من الدول في مناطق التأثير السياسي والاستراتيجي “الدول المحورية”.
ومن الواضح ان كلا من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا تدركان تمام الإدراك تلك المساحة المكتسبة من القوة والسلطة والنفوذ التي تملكهما كل من تركيا وايران في منطقة الشرق الأوسط, بالرغم مما يبرز بين الحين والآخر من سلوكيات وتصرفات سياسية. يغلب عليها حالات الصدام وما يشاهد من سيناريوهات الضغط والعقوبات ومحاولات احتواء الولايات المتحدة للجمهورية الإيرانية عبر تضييق الخناق عليها. وكذلك بالنسبة لتركيا في اوربا او في بعض مناطق نفوذها من خلال نفس السياق والضغوط ومساعي الاستبعاد.
الا ان ذلك لا يمكن ان يخفي مساحات الالتقاء والتفاهمات سواء ما كان منها مرئيا للجميع. أو خفيا في قضايا ومصالح اخرى بين كل من الولايات المتحدة الاميركية من جهة , وتركيا وايران من جهة اخرى. لذلك يقول بريجنسكي من انه ولأجل (تنمية الاستقرار والاستقلال جنوب القفقاس واسيا الوسطى – وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد – ينبغي على اميركا , ان تحذر استبعاد تركيا , كما ان عليها ان تستطلع امكانيات تحسين العلاقة الاميركية الايرانية ). ( )
اما بالنسبة لروسيا فيلاحظ اختلاف واضح في نظرية التعامل والاحتواء لكل من تركيا وايران, فهي فضلت التعاون المباشر وتقاسم الهيمنة كبديل للصدام والتفرد المركزي, وهي بذلك ستكسب من جهة حلفاء لهم من القوة النفوذ الكثير في منطقة الشرق الأوسط, وشركاء في نظرية احتواء القوة الاميركية وحلفائها في ذات المنطقة من جهة اخرى. على اعتبار ان ذلك هو الاختيار الجيواستراتيجي الأنسب امامها في ظل الظروف والمتغيرات الدولية الراهنة . وهو ما حصل بالفعل في سوريا والعراق على سبيل المثال لا الحصر. حيث وجدت في التعاون الثلاثي بديلا للصدام والمنافسة رغم وجود بعض الاختلافات في وجهات النظر حيال بعض القضايا السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.
ونستنتج مما تقدم (ان روسيا في سعيها نحو المنطقة العربية – ولا سيما منطقة الخليج- قد ابتعدت عن الاسلوب الايديولوجي الذي كان الاتحاد السوفيتي السابق ملتزم به, وهو ما يعني ان تغيرا واضحا وبدرجة كبيرة طرا على السياسة الروسية منذ انتهاء الحرب الباردة يقوم على معيار المصلحة … فروسيا تحاول خلق علاقات متوازنة مع جميع الاطراف في منطقة الخليج سواء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية او العراق او ايران )( )وكذلك الحال مع القوة التركية التي لا شك ان الروس يدركون تمام الادراك مكانتها الاستراتيجية ومدى نفوذها وقوتها على رقعة الشطرنج الشرق اوسطية. وقد شهد العام 2017 تقاربا كبيرا بين تركيا ورسيا نتج عنه اكثر من 5 لقاءات على مستوى الرؤساء, والتوقيع على اتفاق لتوريد منظومة إس 400 الصاروخية الروسية لتركيا وتأسيس صندوق استثماري مشترك واتفاقية مع تركيا بشأن خط أنابيب الغاز “التيار التركي”، وكذلك تم مباشرة أعمال بناء محطة الطاقة النووية في منطقة أكويو بولاية مرسين الواقعة على البحر الأبيض المتوسط.
على ضوء ذلك وكما يؤكد زبغينيو بريجنسكي من ان مستقبل الشرق الاوسط واسيا الوسطى (يمكن ان يصاغ في نهاية المطاف نتيجة لظروف اكثر تعقيدا. وسيتوقف فيها مصير دولها – وكذلك مستقبل الاستقرار والأمن – على التفاعل المركب للمصالح الروسية والتركية والايرانية والاميركية )( ). وهو ما يؤكده في نفس السياق دافيد بتاشفيلي المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الجورجي. ففي مقال نشرته صحيفة جيروزاليم بوست قال: (بأنه ما لم ينته الأمر بإيران بحرب كارثية مع الولايات المتحدة فستبقى إيران وتركيا أبرز قوتين إقليميتين في المستقبل المنظور، وسيحدد الصراع والتنافس بينهما التطورات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط )( ).
6 خذ الحكمة من عميد الاسرى العراقيين: وزن العرب في العالم والإقليم!
د. منصور محمد الهزايمة
راي اليوم بريطانيا
في زمن فقدت فيه الأمّة القدرة على الفعل، أو حتى ردة الفعل، ونبذت جميع صور الوحدة، أو العمل المشترك، لغايات حماية مصالحها أو أمنها الوطني أو الغذائي أو المائي، فإنه في الوقت ذاته يشتد الحصار على الأمّة من قوى عديدة، ومن كل جهة، بل ليت الأمر اقتصر على المتربّصين في الإقليم وخارجه، لكنَّ الأمّة اليوم تحاصر نفسها، ويستقوي بعضها على بعض بقوى ذّاتية أو تحالفات خارجية.
غنيٌّ عن القول أن العرب يشكلون الكتلة الأكبر في الإقليم من حيث عدد السكان والمساحة، ويمتلكون ثروات هائلة، ولديهم من أصول القوة الناعمة الكثير، فبلادهم موطن الديانات السماوية الثلاث، وعندهم ظهرت أعظم الحضارات، ويكفي أن لسانهم هو شرط العبادة لمليار أو أكثر من المسلمين من غير العرب، ولهم من أسباب القوة الخشنة ما ينبغي أن يجعل منهم أسياد الإقليم دون منازع، شرط اجتماع كلمتهم وتعظيم المشترك فيما بينهم لكنَّ هيهات!.
يذكر السيد نزار السامرائي أحد أشهر الأسرى العراقيين في إيران في مذكراته، أنه جاءهم يوما أحدُ المسئولين الإيرانيين، وسأل الأسرى العراقيين عن مفهومهم للاستعمار، فسمع إجابات كثيرة، رفضها جميعا، ولما سألناه عن التعريف حسب رأيه، قال “الاستعمار الحقيقي هو أن تُفرض عليك لغة الغير، وأن تتعبد بلسان غير لسانك، أي أن العرب-بحسبه- هم من يستعمرون إيران!.
تنقسم “الأمة الواحدة”- اقواس التحفظ- إلى اثنين وعشرين أمّة، تبدو متناقضة في الرؤى والأولويات والاستراتيجيات، بل لكل منها همومها الخاصة، مما يدفع دائما باتجاه تصعيد الأزمات حد الاشتباك فيما بينها أو مع غيرها، مما ينعكس دائما على التنمية والإصلاح، الأمر الذي يجعل الإنسان العربي دائما يدفع ضريبة القرائن الثلاث في بلادنا “الفرقة والاستبداد والفساد”.
الإنسان العربي في جميع أصقاع الوطن العربي يعاني الفشل الذي تصنعه أنظمة تقتات على الأزمات، لكن العربي المغترب أو “الغريب” في ديار العرب كان كثيرا ما يعاني أكثر من غيره بسبب العقوبات التي قد يتعرض لها جرّاء الاختلافات التي لا يد له فيها، بل كثيرا ما يقع العربي ضحية سياسة التناحر بين بلده وبلد إقامته، لأسبابٍ لا يتفهمها ولا يأبه لها. عدد العرب اليوم يناهز 400 مليون نسمة، ما زالت نسبة الأمية التقليدية بينهم من أعلاها على مستوى العالم، وتقارب نسبة الشباب نصف عدد السكان، لكن فرص العمل الفعلية لهم ما زالت ضئيلة، وتقدر نسبة البطالة لديهم بحوالي 20%، والعرب أكثر من ينفقون على شراء السلاح (6%) من الناتج القومي، بالمقابل فإن المساهمة في الناتج العالمي تكاد لا تُذكر، فباستثناء- النفط والغاز- لا تُصدّر مجتمعة مثل دولة أوروبية متوسطة -فنلندا مثالا-.
نصف العالم اليوم-على أقل تقدير- يضم ديمقراطيات محترمة، تُبجّل فيها الإرادة الشعبية، وتعتبر حجر الأساس في صناعة السياسات المحلية والخارجية، في ذات الوقت فإن الاثنتين وعشرين دولة عربية لم يدخل أي منها نادي الديمقراطيات، وذلك بحجج واهية لم تقنع أحداً، ومن ثم كانت السياسات فيها تخضع للاعتبارات الخارجية، والفرق في إنتاج القرار بين الديمقراطيات وغيرها، أشبه ما يكون بالكلب وذيله “في الدول الديمقراطية، الكلب في الداخل يهز ذيله في الخارج، امّا في غير الديمقراطيات فالذيل في الداخل، يهزه الكلب من الخارج”، والوصف هنا للسياسات، والقصد طبعا-اذا سمحتم-أن السياسة الداخلية هي التي تقود السياسة الخارجية في الدول الديمقراطية، ويحدث العكس تماما في الدول غير الديمقراطية.
كل دولة عربية اليوم لها سياسة منفردة، وأولويات احادية تجعلها تلهث وراء مصالح آنية، بالتحالف مع قوى خارجية أو إقليمية، فتبقى هي الحلقة الأضعف، كما أن الثقة معدومة بين الأنظمة في أقطار العروبة، التي غالبا ما تُبدل تحالفاتها بشكل موسمي في السنة.
لا يؤمل اليوم من أي نظام عربي أكثر من المحافظة على القارب من الاهتزاز وحفظ رقعته على طاولة الشطرنج، بألّا يبيع أو يتاجر أو يؤجر، أمّا الثروات فهي منكرة على المواطن، مباحة للنظام وزبانيته في الداخل والخارج، حتى عزّ رغيف الخبز على الإنسان العربي في بلاد الخير والثروة.
النظام الرسمي العربي اليوم أقرب ما يكون إلى الفلاح الذي يزرع على حجر صلب متحرك، لذا فإن فرصة امساكه بالبذرة أو العكس للإنبات أو الإزهار أو الإثمار شبه معدومة، وبالقياس فإن فرصة العرب بالإمساك بدورهم أو استعادة أرضهم وسمعتهم أو حتى المحافظة على ترابهم بعيدة المنال في ظل نظام رسمي لا يجيد غير المكايدات ولا يستقوي الّا على المواطن.