1 مستقبل أكراد العراق ليس في بغداد فاروق يوسف العرب [
ما يقدمه الطرف الكردي من تنازلات لا يمس صلب القضية الكردية، وهو ما يجعل حكومة بغداد مسكونة بقلق ألا تؤدي تنازلاتها إلى إعادة الأكراد إلى بيت الطاعة.
فشل مشروع الانفصال الكردي عن العراق بالرغم من أن الاستفتاء الذي أجري من أجل ذلك الانفصال كان ساحقا بنتائجه التي لا تميل إلى أن تبقى كردستان جزءا من العراق.
الغريب أن مسعود البارزاني، وهو داعية الانفصال، قد اعتكف بما يوحي باعترافه بالهزيمة، وهو أمر مشكوك فيه، ذلك لأن الرجل يمتلك من التاريخ النضالي القومي ومن العلاقات الدولية ما يؤهله لإجراء الكثير من المناورات في مواجهة تعنّت حكومة بغداد التي يعرف مدى هشاشتها.
من وجهة نظري فإن البارزاني لم يستسلم بشكل نهائي. لقد قرر الرجل أن يعتكف في انتظار ما يمكن أن يفعله خصومه من الأكراد على مستوى حلّ مشكلات الإقليم مع بغداد في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي.
فما هو لافت أن الأكراد يتفاوضون اليوم مع بغداد اقتصاديا، ولا يتطرقون إلى المسائل السياسية. وهو ما يدفع بغداد إلى أن تتخذ موقف الحيطة والحذر. هناك من يحاول حلبها من غير أن يهبها ما يؤكد هيمنتها على كل أراضي العراق. وهو أمر سيكون من الصعب الوصول إليه في ظل دستور ملتبس.
تتمنى حكومة الشيعة في بغداد أن تتخلص من شبح البارزاني. ذلك لأنه كان واحدا من أهم عرابي وجودها، المؤتمنين على أسرارها. في المقابل فإن المفاوضين الأكراد يرغبون هم أيضا في إنهاء أسطورة عائلة البارزاني المشتبكة بمصير الأكراد.
غير أن الطرفين يدركان في الوقت نفسه أن للتاريخ سطوته، وأن البارزاني وقبيلته هما الرقم الصعب إذا ما تعلق الأمر بالمسألة الكردية. ما يعرفه الأكراد عن قضيتهم يمكن تلخيصه في كفاح، صار بمثابة وصيّة عائلية.
وكما أرى فإن بغداد لا تزال عينها على البارزاني. صحيح أنها فرحة في التفاوض مع خصومه، غير أنها تعرف أنها لن تحصد رضا الشعب الكردي من خلال أولئك الخصوم.
في المقابل فإن الذاهبين من الأكراد إلى بغداد بحماسة مَن يثأر لنفسه لا يمكنهم أن يتحركوا بعيدا عن المعادلات التي وضعها الزعيم الكردي المعتكف. بالنسبة للجميع لم يكن قرار الانفصال من خلال الاستفتاء انتحاريا. كان هناك خلاف على التوقيت ليس إلا.
هل علينا أن نصدق أن برهم صالح وهو الذي يطمح في أن يكون رئيسا للعراق لم يكن انفصاليا؟ أنا على يقين من أن الرجل الذي تعلم جيدا كيف تُدار العلاقات السياسية في الولايات المتحدة وهو المدعوم منها لن يستعرض مهارته في التفاوض كما لو أن مسعود صار جثة.
هناك قيم يحترمها الأكراد في التعامل في ما بينهم. وهي قيم تتعالى على الخلاف السياسي المؤقت. القضية الكردية بالنسبة لجميع الأطراف هي قضية مصير ولا تخضع للخلافات السياسية المؤقتة.
قد تسعى بغداد إلى استمالة عدد من الزعماء الأكراد، ممن تعتقد أن خلافاتهم مع البارزاني ستؤدي إلى فتح الطريق أمام نوع جديد من العلاقة بين الإقليم والمركز.
علاقة قائمة على أساس العودة إلى مرحلة ما قبل الاستقلال الضمني. وهو مسعى سيصطدم بتماسك الموقف الكردي غير المنظور. ذلك التماسك العابر للخلافات. فمهما تكون الخلافات الكردية – الكردية عميقة فإنها لن تؤدي إلى تهشيم حلم إقامة الدولة الكردية المستقلة.
تلك حقيقة يعرفها حكام بغداد لذلك نراهم يماطلون في فتح الملف الاقتصادي كاملا من غير النظر إلى الملف السياسي الذي يحرص الأكراد على الإبقاء عليه مغلقا وغامضا. الطرفان في مفاوضاتهما العسيرة يقدمان خطوة ويؤخران أخرى.
ما يقدمه الطرف الكردي من تنازلات لا يمس صلب القضية الكردية، وهو ما يجعل حكومة بغداد مسكونة بقلق ألا تؤدي تنازلاتها إلى شيء يُذكر على مستوى إعادة الأكراد إلى بيت الطاعة.
2 أبعاد انسحاب «شل» من حقل مجنون
وليد خدوري
الحياة السعودية
يشكل انسحاب شركة «رويال دتش شل» من عقد تطوير حقل «مجنون» النفطي في محافظة البصرة، حدثاً ذا أبعاد جيواستراتيجية وصناعية مهمة. إذ يشكل التخلي عن تطوير هذا الحقل العملاق انعطافاً تاريخياً مهماً في دور النفط لاحتلال العراق عام 2003. فقد كشف تحقيق «تشيلكوت» أن شركات النفط البريطانية الكبرى طلبت مراراً من حكومتها أن تؤمن لها، بعد احتلال العراق، حصة مهمة في تطوير الحقول العراقية، إضافة الى إنهاء نظام تأميم النفط. كما كشف التحقيق الذي طلبت الحكومة البريطانية إجراءه للولوج في الأسباب التي شاركت فيها بريطانيا في الاحتلال عام 2003، أن المصالح النفطية الاستراتيجية بين بريطانيا والولايات المتحدة كانت مختلفة في الحرب. فقد تسلم البنتاغون ملف النفط قبل الحرب وبعدها. وكانت طموحاته إطلاق عنان النفط العراقي في الأسواق العالمية، للحد من الدور المركزي السعودي على الساحة النفطية العالمية. ووفق شهادات المسؤولين البريطانيين، تخوفت الشركات البريطانية من فقدان حصتها في الغنيمة العراقية، بخاصة لأن مجموعة البنتاغون حاولت استقطاب الشركات الروسية للعمل في العراق بعد الحرب، كوسيلة لكسب تأييد روسيا أو تعاطفها مع الموقف الأميركي. واستمر البنتاغون في إدارة الملف النفطي بعد الحرب، ما دعا الشركات البريطانية للاستمرار في الطلب من حكومتها الاستمرار في الضغط للحفاظ على مصالح هذه الشركات. وبالفعل، حصلت «شل» على كبرى الاستثمارات النفطية في العراق، من خلال المشاركة في تطوير حقلين عملاقين، «مجنون» وغرب القرنة»، إضافة الى العقد الضخم لتجميع الغاز المصاحب في حقول البصرة وتكريره لمنع حرقه، والمشاركة من خلال هذا المشروع في شركة «غاز البصرة».
فازت «شل» وشريكتها الماليزية «بتروناس» بالعقد لتطوير «مجنون»، في منافسة حادة مع كبرى الشركات العالمية. إذ تقدّر احتياطات «مجنون» بـ12.6 بليون برميل، ما يضع الحقل في مصاف الحقول الضخمة العشرة الأكبر عالمياً
واستلمت «شل» الحقل في 2010 وكان إنتاجه حينذاك 50 ألف برميل يومياً. وتعهدت وفقاً للاتفاق بأن تطوره خلال سبع سنوات لينتج أكثر من مليون برميل يومياً. وهي ستتركه في الربع الأول من العام الحالي بطاقة إنتاجية تبلغ 235 ألف برميل يومياً.
لم يصدر بيان رسمي عن «شل» حتى الآن حول سبب انسحابها. وأعلنت وزارة النفط موافقتها الرسمية على الانسحاب. لكن تعددت وجهات النظر حول خطوة «شل»: هل هي بسبب ضخامة التزاماتها الاستثمارية الدولية التي عليها خفضها في ضوء انحسار أسعار النفط؟ هذا السبب لا يبدو مقنعاً، بخاصة مع تقدمها للاستتثمار في الحقل الايراني «ازاديغان» الضخم والذي لا يبعد كثيراً من الحدود الايرانية- العراقية. أم أن السبب هو إفراطها في الاستثمار في العراق والأخطار الناجمة عن ذلك، مثل تطوير حقل «غرب القرنة» العملاق واستثمار الغاز المصاحب في حقول البصرة؟ أم أنها أرادت تغيير بعض بنود الاتفاق الذي وقعته في مرحلة أسعار النفط المرتفعة. وهل وجدت بغداد مصرة على عدم تغييره نظراً للآثار المترتبة على الاتفاقات مع بقية الشركات»
نظراً الى ضخامة الطاقة الإنتاجية للحقل، عاد بعض الشركات التي كانت أبدت اهتماماً بالتطوير سابقاً، فور إعلان «شل»، وكررت اهتمامها بالحقل. فوقعت «توتال» و «شفرون» و «البترول الوطنية الصينية»، مذكرة تفاهم في بغداد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لتطوير «مجنون» معاً.
شكل إعلان الانسحاب صدمة في القطاع النفطي العراق. والسؤال لا يزال مطروحاً حول الأسباب. وأتى القرار في وقت صعب للعراق سياسياً واقتصادياً. فالبلد يمر في مرحلة مخاض سياسي مهم، بعد تحرير الموصل والأنبار من عصابات «داعش». كما هناك انتخابات نيابية مقبلة هذه السنة والمتوقع تشكيل تحالفات جديدة. والأصعب بالنسبة الى وضع «مجنون» هو الوهن الاقتصادي للدولة بسبب تفشي الفساد بمستويات قياسية في التاريخ الحديث للبلد، ما خلق عجزاً كبيراً في الموازنة العامة وفقداناً للثقة بنزاهة مؤسسات الدولة. والأمر الصعب أيضاً هو الأخذ بخيار الاعتماد على الكادر الوطني لتطوير الحقل خلال نصف القرن الماضي. لكن هاجرت مجموعات كبيرة من الخبراء لأسباب أمنية أو معيشية.
اجتمعت «هيئة الرأي» في وزارة النفط في 21 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، واتخذت مجموعة من القرارات بخصوص تطوير «مجنون»، أهمها وفق الخبير النفطي العراقي أحمد موسى جياد، «تشكيل إدارة وطنية تنفيذية لتطوير الحقل، وتحديد الفترة الانتقالية لاستلامه من «شل» في نهاية آذار (مارس) 2018 مع وجود بعض العاملين من «شل» لغاية نهاية حزيران (يونيو) لاستكمال بعض الالتزامات والإجراءات المطلوبة والضرورية، وتحديد الطاقة الإنتاجية للحقل بأكثر من 400 ألف برميل يومياً خلال السنوات المقبلة. وإن من أولويات هذه الإدارة خفض كلفة الإنتاج أكثر من 30 في المئة، وهو المعيار الأساس لضمان كفاءة الإنفاق والإنتاج، إضافة الى تنظيم عملية تعويض العمال الأجانب المغادرين بآخرين محليين».
واضح أن هذه القرارات استبعدت الاعتماد على الشركات الدولية. لذا، ستشكل نقلة مهمة في الصناعة النفطية العراقية. فمنذ السياسة التي اعتمدت بدءاً من 2003، حين استبعدت الشركات الوطنية، يعود المجال مفتوحاً لعودتها ولو في شكل محدود. وبما أن الكادر عراقي، فتكاليف التطوير ستنخفض كثيراً. لكنّ هناك ثمناً لهذا. وكما دلت قرارات الوزارة، تم الكلام عن طاقة إنتاجية لنحو 400 ألف برميل يومياً، بدلاً من مليون، والاستمرار في إنتاج 400 ألف برميل من دون تحديد المدة الزمنية. فمدة التطوير ستطول. ويتوقع أن تعتمد مجموعة الخبراء، كما الشركات الدولية، على شركات الخدمة الهندسية. ونظراً الى ضخامة احتياط الحقل، وطاقته الإنتاجية المحتملة، فهذا سيوفر مرونة للعراق في الاستمرار لزيادة طاقته الانتاجية التي تراوح الآن ما بين 4.50 و5 ملايين برميل يومياً (الثانية في «أوبك»).
3 بريمر لم يفكك الجيش العراقي!
جاسم الشمري الغد الاردنية
الجيوش الوطنية هي الأرضية التي تنبت فيها الدول القوية، والقادرة على حماية سيادتها، وكرامة مواطنيها، وإلا فإن الدول التي لا تمتلك جيوشاً قوية تبقى عرضة للتهديدات الداخلية والخارجية، بل وتكون هزيلة حتى في قراراتها السياسية الإقليمية والدولية، ولهذا فان الدولة والجيش، هما وجهان لعملة واحدة.
جيش العراق منذ أن تأسس في السادس من كانون الثاني من العام 1921، وحتى مرحلة الاحتلال الأميركي كان المظلة الآمنة التي تنشر ظلالها على أرجاء الوطن، وكان السور المنيعة بوجه قوى الشر والظلام، ووقف سداً عالياً بوجه أعاصير الدمار التي أرادت المساس بفلسطين وسورية وغيرهما من الدول العربية، ومقابر الشهداء في الجولان وجنين والمفرق بالأردن وغيرها تشهد بأن جيش العراق هو جيش الأمة الأصيل.
ومنذ الأيام الأولى لاحتلال العراق في العام 2003 سعى بول بريمر، الحاكم الأميركي المدني للعراق– حكم منذ أيار(مايو) 2003 – حزيران (يونيو) 2004 – لإصدار العديد من القرارات الهادفة لتدمير الدولة العراقية، وإعادة تأسيسها وفقاً لمصالح القوى المحتلة، وبما يضمن تدمير الدولة ومؤسساتها العسكرية الأمنية والاستراتيجية والخدمية.
السنوات الماضية القريبة أثبتت أن الغاية الكبرى من احتلال العراق لم تكن إسقاط الحكومة القائمة، وإنما إخراج الجيش العراقي من معادلة القوى في الشرق الأوسط لصالح الكيان الصهيوني ذلك لأن جيش العراق كان من القوى التي يُشار إليها في المنطقة، ولهذا كانت القوى الكارهة للأمة حريصة على إنهاء هذا الدور الحيوي لواحد من أكبر جيوش الشرق الأوسط.
المتداول في المنظومة الإعلامية في عموم العالم أن بريمر هو من أمر بحلِّ أو تفكيك الجيش العراقي، وهذا الكلام في الواقع يفتقر إلى الدقة العلمية والتاريخية، ذلك لأن قرار بريمر كان نتيجة لمقدمات، ولم يكن هو الذي أمر بحلِّ هذه المنظومة الكبيرة! والسؤال الأبرز هنا إذا كان بريمر لم يأمر بحلِّ الجيش العراقي فمنْ الذي أصدر هذا القرار التاريخي الحاسم؟!
الحقيقة الغائبة عن الكثيرين هي أن الجيش العراقي هو الذي حلّ نفسه بنفسه، ولم يكن لبريمر، ولا للولايات المتحدة أي قرار، بل سارعوا لتأكيد القرار الذي أصدره قادة الجيش العراقي ومراتبه.
من المؤكد أن هذا الكلام بحاجة إلى دليل مادي، ودليله ما ذكره السفير الأميركي الأسبق في العراق زلماي خليل زاده في مقابلة مع قناة الجزيرة (8/4/2016)، والذي أوضح بأن” إعلان حلّ الجيش العراقي من قبل الحاكم المدني الأميركي بول بريمر تمّ في بغداد، ولم يخضع لنقاش متأنٍ في واشنطن، لا من قبل الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش، ولا من القيادة العسكرية، وأن الخطة الأميركية – قبل الغزو والإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين- كانت تقضي بتشكيل حكومة عراقية سريعاً كما حدث في أفغانستان، وإصلاح الجيش وقوات الأمن العراقية للحفاظ على النظام”.
وأوضح زاده أن “الخطة تغيرت بعد الغزو، حيث تمّ حلّ الجيش العراقي. تحدثت في هذا الأمر مع بول بريمر، ومستشار الأمن القومي آنذاك ستيفن هادلي، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ووزير الخارجية كولن باول، وجميعهم أبلغوني بأن ما قاله بريمر هو أن الجيش العراقي حلّ نفسه بنفسه، وأن إعلان حلّ الجيش تمّ في بغداد دون تشاور، ودون نقاش متأن للأمر”.
وعند التدقيق بكلام زاده نجد عبارة “أن الجيش العراقي حلّ نفسه بنفسه”، وهذه العبارة ذكرها أيضاً وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في مذكراته، والتي أوضح فيها أن (الجيش العراقي كما وصفته كلمات بريمر “حلّ نفسه بنفسه”)، وبهذا يتضح أن الجيش العراقي لم يحلّه بريمر بشهادته لبقية القيادات الأميركية، وعليه فإن كل ما جرى بعد ذلك هو نتيجة لواقعة على الأرض، وهي أن الجيش لم يعد موجوداً في مسرح العمليات، وحينها جاء قرار الحاكم المدني بريمر، بحلّ الجيش المسرَّح أصلاً لعدم قناعته بالعمل مع المحتل، وهذه نقطة مميزة تُسجل للجيش العراقي على اعتبار أنه رفض البقاء تحت خيمة المحتل، وكافة القوى التابعة له.
قرار الحلّ الذاتي للجيش العراقي من قبل عناصره يؤكد الانتماء الحقيقي لقادة وضباط ومراتب الجيش لوطنهم لأنهم آمنوا بالانتماء لعراقهم، وأنهم لا يمكن أن يكونوا أداة بيد المحتل.
تحية لجيش العراق في عيده الوطني، وسيذكر التاريخ هذا الموقف البطولي لرجاله الذين صدقوا في حبهم لوطنهم عبر مسيرة مليئة بالانتصارات والصبر والثبات.