3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 «داعش» و «الحشد الشعبي» وجهان لعملة محاربة الأكراد
إيفان علي عثمان الحياة السعودية

تبتكر الحكومة العراقية أساليب متعددة ووسائل غريبة لمحاربة الأمة الكردية. تارة تقطع عن حكومة إقليم كردستان السيولة النقدية، وتارة ثانية تدعو دول العالم إلى عدم تسليحها، وتارة ثالثة تعرقل قضية الموازنة كي لا يحصل الأكراد على حصتهم منها، ومرة أخرى تصنع من بين هوامش المباحثات والمفاوضات مشكلات لا حصر لها حول النفط.

اليوم تستعمل الحكومة «الحشد الشعبي» وسيلة لمحاربة طموحات الشعب الكردي، فـ «الحشد» هو مجرد تسمية وهمية لمجموعة ميليشيات تتكون من فصائل مختلفة ومتنوعة من التيارات والأحزاب التي ظهرت بفعل موجة الطائفية التي اجتاحت العراق، ومنذ نشوء هذا التشكيل الميليشيوي واجه كثيراً من الاتهامات، من تصفية عرقية طائفية إلى عمليات إعدام ممنهجة وتهجير فئة على حساب أخرى، حيث يدور كل هذا في فلك الدستور، وفق ما يصرّح به المسؤولون العراقيون. فما يسمى «جيش العراق» انهار مع اجتياح «داعش» الموصل، وقبله كان يطلق صرخات النجدة في صحراء الأنبار، ما دفع الفصائل والتيارات الشيعية التي تحكم المنطقة الخضراء إلى تشكيل ما يسمى «الحشد الشعبي» لسببين: أولهما معلن أمام الملأ وهو محاربة الإرهاب و «داعش»، والثاني غير معلن وهو تحطيم أسس الدولة الكردية ودعائمها. وخير دليل على ذلك أن طلائع هذه القوات اللامنظمة فكرياً وعسكرياً واللامنتمية إلى مظلة فسيفساء المجتمع العراقي بكل طوائفه وأعراقه وقومياته، تتقدم نحو حدود إقليم كردستان بحجة محاربتها «داعش» وواصلت زحفها إلى كركوك قلب كردستان.

هنا، لا تعود القضية تحتاج إلى خبراء ومحللين سياسيين، فجوهرها واضح هو احتلال كركوك وزعزعة استقرار مكوناتها التاريخية، وبالتالي كسر طوق حدود إقليم كردستان ووقف عجلة النهضة الكردية من أجل تأسيس دولة مستقلة. فإذا كان «داعش» يشكل خطراً كبيراً يهدد البشرية، فإن «الحشد الشعبي» هو خطر كبير أيضاً، لكن ضمن حدود معينة لا تتجاوز حدود العراق، لأن قضية التشيّع تبقى حاضرة في ما يسمى بالهلال الشيعي وما يخرج عن حدوده لا تأثير له. أما خطورة «داعش» فتكمن في كونها تهدّد العرق الإنساني من جذوره، بينما خطورة «الحشد الشعبي» نابعة من شيء واحد هو تحويل العراق إلى ولاية تابعة لطهران، وهذا غير مهم ولا يحظى بالاهتمام بالنسبة إلى القضية الكردية، فالعراق كان قبل الآن محطة لكل من هب ودب، وفي كل هذه الأحداث التي عاشها كان الأكراد الضحية الوحيدة، فكل من حكم العراق أراد النيل من فكر الشعب الكردي وتراثه وقوميته. اختلفوا بين بعضهم بعضاً لكنهم اتفقوا على إبادة الأكراد. لكن الواقع الآن مختلف لأن الأمة الكردية صامدة، بينما أعداؤها تغيروا. البارحة «داعش» واليوم «الحشد الشعبي»، «داعش» أصبح فعلاً ماضياً مبنياً على اللاشيء، وما بقي منه تتلاعب به قوات البيشمركة كبيادق الشطرنج. يبقى «الحشد الشعبي» هو الخطر القادم، فالعلاقة بين القومية الكردية والعربية ستبقى ضمن حدود معينة متعارف عليها دولياً، لكنهما لن يكونا في يوم من الأيام في خانة الصداقة. ربما يكونان جارَين إذا وصلت حكومة العراق إلى نتيجة حتمية مفادها الاعتراف بكل حقوق الشعب الكردي، وإلا فإن عقلية ساسة العراق ستبقى هي ذاتها وتهدف إلى إبادة الأكراد، وفي هذه الحال الحرب هي السبيل الوحيد لوضع حد لأحلام العراق الفاشية. حرب مقبلة بين جبهيتن: الأمة الكردية في جبهة الدفاع عن دولة كردستان، و «الحشد الشعبي» الذي يسعى إلى طمس هوية دولة الأكراد. لا فرق بين «داعش» و «الحشد الشعبي» فكلاهما ينتهج مبدأ فرّق تسد، يختلفان في المذهب والطائفة والعقيدة والنظام والحكم، لكنهما يلتقيان ضد الأكراد.
2 الأكراد مَطيّة العاطفة؟ غمكين محمد زكي مراد الحياة السعودية
للكردي، عُرفاً، سِمة الصخر من الجبال. لمُحيَّا الكردي أرق الحياة كلها. لروح الكردي فرح الولادة في الموت، كل ما للكردي من مشاعر وأحاسيس وملامح ليس بمقدورها أن تترجم طغيان العاطفة في كيانه! بها ومن ورائها وبتأثيرها، لا يقر للكردي قرار صائب في المحن وتقرير المصائر حين يحتاجه الحسم.

عبر تاريخه الطويل جداً كان الكردي مَطيَّة غيره، على حصان عاطفته، حيث يوصل هذا الغير إلى مُبتغاه وينسى الكردي نفسه، والأمَرّ من ذلك انقلاب الواصلِ بِه عليه، ومن ثم إن تمكن جعله قرباناً لغاياته الدفينة في وسيلة سياسته.

ليس للكردي في خضم عاطفته أي غد، وهو يخوض ساحات الوغى على أرضه الآن وفي ما مضى وعلى جبهات شتى، ويسبح في بحر السياسة العالمية التي خذلته في كل مبادراتها واتفاقياتها المُبرمة عبر هذا الوحل العالمي، ما لم يطعن في قلبه خنجر التمرد على ذاته، مُجَسَداً في عاطفته، ويقطع شريان حياتها.

الكرد شعب كأي شعب آخر، متنوع في كينونته ومختلف ومشرئب، في كل مناحي الحياة، وفي مجال السياسة كأي شعْب أيضاً سيخرج منه: المناضل والعميل والخائن والقواد والسارق والصادق… بالتالي لا تستقيم قضية الكرد من دون طفوّ النسبة العظمى من الشعب فوق كل التصنيفات، والسير فقط وراء حلم راود صغير الكرد وكبيرهم، في وطن يلم شملهم، ولتأتي كل الخصال السابقة بعد ذلك، لكن، بصياغة شعورية أخرى غير العاطفة المستدامةِ، لَمَّاً في أي فاجعة أو نقاً في أي موقف أو فتنة لأيِ حدث.

لا يمكن أن يكون للكردي أي غد، ما دام يستمد إيمانه من منبع لا مستقر له أبداً، أي الإحساس فقط، من دون الانغماس في فعل واضحٍ ونقي يتجاوز ألاعيب السياسيين الدوليين ويصدمهم، -ولا أقصد القوة أبداً-، وذلك في التحكم بإرادتهم الضيقة في إطارها الخاص، كقادة أولاً، ثم كتيارات ثانياً، ولا بد من الخروج من أي صف أو جهة حزبية شعارها فقط: التعلم في كيفية خدمة القضية ومن ثم تجسيدها في أطر ضيقة وذلك بشخصنة المسألة بحكم الحل والربط في يد من يبتغون كتمَ أنفاس الكردي، وإن كان رهيناً وراء ستار خلبي من الوطنية والنضال.

عبر كل التاريخ الكردي وكل تجارب الكرد، كان السيناريو نفسه يتكرر في بقائهم خارج الحدث التاريخي، الحادث في آنه، ولم تكن عبرة لرسم آن أو غد يختمر فيه دم الكردي نشوة، دائماً كان ألعوبة في اللحظات الحاسمة من الحدث التاريخي، نتيجة الانجرار وراء عاطفة أو حتى نزوة الشخصنة اللعينة، إلا في ما ندر سياسياً.
3 استفتاء كردستان والانتخابات القادمة
عبد الاله بن سعود السعدون الجزيرة السعودية

الرغبة الصادقة لدى الشعب العراقي بكل جذوره المذهبية والعرقية توحدت باتجاه الصيغة الجديدة للدعوة لتأسيس دولة مؤسسات عابرة للطائفية، والعمل بأمل من أجل المحافظة على وحدة التراب والوطن الموحد، بعد أن عصفت به ويلات الحروب التي كان مرتكزها الصراع على الكرسي الحكومي بقصد الفساد بعيدًا عن خدمة الوطن والشعب الذي لا يزال يعاني من ذل الهجرة والتهجير والتأخير المقصود لعودة المواطنين المهجرين لمدنهم وبيوتهم، وإبقائهم في الخيم تحت قسوة الطبيعة من مطر وبرد وجوع ومرض.. كما أهينت كرامة مواطني تلك المناطق. وكل مؤشرات التحليل السياسي أكدت للمواطن العراقي ترجيح مشاركة جهات سياسية وعسكرية عراقية ذات صلة عمالة بملالي طهران في تسهيل دخول هذه الشرذمة الإرهابية ومجهولة المصدر للأرض العراقية، وتسلطهم على عامة المواطنين الأبرياء من شعبنا العربي، والمعروفة من قبل، ومَن مولها وهيأ لها المال والسلاح والتشكيل العسكري حتى سك العملة المعدنية باسم خلافتهم المزعومة، ومستشفيات إيران فتحت أبوابها لتضميد جرحاهم.. والآن بكل وقاحة يعلنون تمسكهم بالاتفاقيات والمواثيق الدولية لمحاربة الإرهاب.

ويمر العراق اليوم بأخطر مرحلة سياسية منذ احتلال بغداد عام 2003م، ولم يستطع القادة السياسيون الوصول لمرحلة أولية للمصالحة الوطنية وفتح صفحة جديدة من الثقة والمحبة بين كل أبناء الرافدين، ومحاولة غلق كل ملفات الإسقاط السياسي.. وقد كانت شخصيات عراقية عربية وطنية ضحية لهذه الحملة الطائفية السياسية. وشهد المشهد السياسي تشظي العديد من الكتل السياسية العرقية والمذهبية؛ ففي إقليم كردستان انقسم الشارع الكردي بين مؤيد للاستفتاء العام الهادف لخيار الوطن القومي الكردي والعودة لماضي مملكة مهاباد. وهذا الشعار رفعه الزعيم الكردي مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تعرض لرفض شديد من الجوار العراقي، وكان لاتحاد القوى المعارضة الكردية في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني الصديق اللدود للنظام الإيراني، والذي تواطؤه مع قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي كان السبب المسهل لاستعادة محافظة كركوك النفطية للسلطة الاتحادية. وبهذا الدعم من الجناح الكردستاني المعارض لجناح الرئيس مسعود البرزاني سقط الاستفتاء، وانتهى دور الكتلة الكردية في تحديد مستقبل الانتخابات والحكم في العراق. وسيحتل هذا المركز المميز دخول الحشد الشعبي كقوة سياسية جديدة، سيكون لها قوة جذب شديدة لمنح كرسي رئاسة الوزراء للجهة التي تميل لميزانها، وستدخل العملية السياسية تحت عنوان (كتلة المجاهدون) المكونة من المليشيات المسلحة، التي ترتبط مذهبيًّا بولاية الفقيه، وتحت قيادة خامئني، وجميع زعمائها تجندوا مع الجيش الإيراني، وقاتلوا الجيش العراقي في معركة القادسية عام 1980م حتى أن أحد زعمائه البارزين (أبو مهدي المهندس) يفتخر بأنه جندي بقيادة الجنرال الإيراني سليماني الذي سمته الحكومة الاتحادية بالمستشار العسكري تغطية لأحد العناصر البارزة للنفوذ الإيراني في الدولة العراقية. ويضم هذا التكتل الجديد عددًا من مليشيات الحشد الشعبي كحزب الله العراقي والنجباء ومنظمة بدر والعصائب. أما باقي تشكيلات الحشد فستؤيد مرجعها المذهبي السيد السيستاني. ومن مرشحيه حزب الدعوة والحكمة والأحرار. وستظهر القوى المذهبية الشيعية على حقيقتها من الصراع السياسي حين حلول الانتخابات البرلمانية وسط مايو القادم.

المحلل السياسي للمشهد العراقي لا يمكنه أن يغفل أهمية طهران كمركز توجيه لتلك القوى السياسية الشيعية، سواء المنطوية في التحالف الوطني والتي ينتمي لها الرئيس حيدر العبادي أو تحالف (المجاهدون) الجديد ومرشحه القيادي هادي العامري رئيس الحشد الشعبي ومنظمة بدر الذي عرض اسمه كرديف وبديل للعبادي. وتؤكد معظم القوى السياسية أن رجل المرحلة القادمة هو حيدر العبادي؛ وذلك لمساندة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري والحاكم في حركة الشارع السياسي العراقي. ويعتقد الكثيرون أن صوت الناخب العربي لا يزال حائرًا في اتجاهاته لانشطار القوى السياسية العربية وتصارع رموزها. وقد يكون التحالف مع القوى الكردية في قائمة واحدة يعطي للصوت العربي أكثر أهمية وتأثيرًا في مستقبل العراق ما بعد الانتخابات القادمة في مايو القادم.