1 اختفى داعش.. الحرب في العراق لم تنته
فاروق يوسف العرب
الحكومة العراقية ماضية قدما في طريق الهلاك الجماعي من خلال إصرارها على عدم الاعتراف بحق العراقيين في الاحتجاج على سياساتها الطائفية غير المنصفة.
ما لم يجبر المجتمع الدولي (الولايات المتحدة الأميركية بالذات) الحكومة العراقية على الاعتراف بأن ما يجري في العراق هو حرب تشنها قوات طائفية شبه رسمية على متمردين ينتمون إلى طائفة أخرى، فإن الحرب على تنظيم داعش ستكون عنوانا لسنوات طويلة من الحرب لا أحد يمكنه أن يتكهن بعددها.
لقد تم الإعلان عن نهاية التنظيم الإرهابي غير مرة غير أن تلك الحرب لم تنته. فبين حين وآخر تأتينا الأخبار معلنة عن اختراق يقع هنا أو هناك يقوم به مقاتلو داعش كما لو أنهم أشباح تستعيد أجسادها متى وأين تريد. وهو ما يدفعنا إلى الشك بوجود ذلك التنظيم بدءا من معارك تحرير الموصل، وصولا إلى اللحظة الراهنة.
هناك الكثير من الألغاز التي قد لا يتم تفكيك عناصرها في وقت قريب.
فقد يكون كل شيء مدبرا من قبل الحكومة العراقية في ظل اتفاق أميركي – إيراني يقوم أساسا على تعطيل حيوية جزء كبير من العراق من أجل أن ينفرد الشيعة بالسلطة. وهو رأي يسنده عزوف المؤسسة القضائية العراقية عن ممارسة سلطتها في ملاحقة المسؤولين عن التخلي عن الموصل عام 2014 لمقاتلين أجانب قدموا من سوريا لا يزيد عددهم عن ألف مقاتل.
في المقابل هناك رأي يؤكد أن داعش هو تنظيم عراقي خالص استضاف عن طريق الحث العقائدي مقاتلين قدموا من مختلف أنحاء الأرض لنصرة قضية غطى غبار المعارك على فحواها. ما يؤكد ذلك الرأي أن قادة التنظيم كلهم من العراقيين.
في الحالتين فإن الحقائق على الأرض تبين ما يلي:
أولا: باستثناء تلعفر، وهي تابعة لمحافظة الموصل، فإن داعش لم يلحق الضرر بمدينة أو قرية شيعية، بل إن ظهوره لم يشكل تهديدا لبغداد أو للأضرحة الشيعية المقدسة، كما أشيع وقتها.
ثانيا: كان الجيش الذي هرب من الموصل تاركا أسلحته الحديثة لداعش يتألف من غالبية شيعية، قادته كلهم من الشيعة، ولم يكن سكان المدن التي احتلها داعش (الموصل وسواها) مسلحين لكي يسهل اتهامهم بالتمهيد لدخول التنظيم الإرهابي إلى مدنهم.
ثالثا: كان الجزء الأكبر من ضحايا الثلاث سنوات التي سيطر فيها داعش على أراض عراقية من السنة، أما الباقون فهم مسيحيون وإيزيدون. كان سنة العراق هم مادة المجزرة العظمى التي ارتكبها داعش.
كل هذه الحقائق تؤكد صحة النظرية التي تقول إن اختراع داعش كان بمثابة ضربة استباقية لإجهاض ثورة محتملة كان في إمكانها لو وقعت أن تنهي كل ما ترتب على الاحتلال وبسببه من أوضاع كارثية أعادت العراق إلى مرحلة ما قبل الدولة الحديثة.
لقد ظهر داعش في الوقت الذي بلغت صرخة سكان المناطق ذات الغالبية السنية مرحلة النضج السياسي القائم على الاحتجاج المنظم والوعي الوطني والمطالبة السلمية بالعودة إلى قواعد العدل، وكانت “المواطنة” هي أكثر ما يخشاه نظام الحكم الطائفي من تلك القواعد. وما حصل بعد ظهور داعش صار معروفا. لقد تم تدمير تلك المدن وإبادة جزء من سكانها وتشريد الجزء الآخر.
ما قام به الحشد الشعبي من عمليات نهب وسلب وحرق لما سلم من البيوت وعمليات تعذيب وقهر وإذلال في حق الأحياء، لم يجر إلا تعبيرا عن رغبة مبيتة في الانتقام. أما مرحلة ما بعد التحرير فقد شهدت أحداثا تؤكد تورط الحكومة في كل ما جرى من عمليات انتقام طائفي.
لقد تُركت جثث الضحايا تحت أنقاض البيوت ولم تُنظف ساحة الحرب من الألغام والقنابل غير المنفجرة ومُنع سكان تلك المدن من العودة إلى بيوتهم المهدمة. لا لشيء إلا من أجل أن يتعرضوا لمزيد من الإذلال والهوان. في وضع كهذا أليس من الطبيعي أن تولد منظمات مسلحة تقاتل من أجل الحرية؟
اختفى داعش، ولم يتم القضاء عليه من وجهة نظر الحكومة العراقية. هناك اليوم عشرات الجماعات المسلحة تقاتل لا من أجل استعادة المدن، بل من أجل الانتقام من الحشد الشعبي.
وكما يبدو فإن الحكومة العراقية ماضية قدما في طريق الهلاك الجماعي من خلال إصرارها على عدم الاعتراف بحق العراقيين في الاحتجاج على سياساتها الطائفية غير المنصفة.
بدلا من ذلك الاعتراف الذي من شأنه أن يفتح بابا على المصالحة الوطنية، فإن تلك الحكومة تفضل الاستمرار في تخندقها وراء كذبة محاربة الإرهاب. لقد دفع العراقيون ثمن تلك الكذبة باهظا، وآن للمجتمع الدولي أن يستعيد رشده ليمنع عمليات الإبادة التي تجري أمام عيون ممثليه في ذلك البلد المنكوب.
2 لمحات من زيارتي لعراق العرب والعروبة محمد السلمي الوطن السعودية
يبدو أن لدى العبادي مشروعا وطنيا يسعى لتحقيقه رغم المضايقات وربما الضغوطات، ولكنه أكد على إصراره على شق الطريق عبر خارطة تسمى رؤية العراق 2030
إن قرار زيارة العراق في ظل الظروف الراهنة قد يراه البعض مغامرة وقد يراه آخرون شجاعة، وقد يكون أمرا طبيعيا عند فئة قليلة جدا. عندما تلقيت الدعوة للمشاركة في اجتماع بحثي وفكري لعدد من مراكز الفكر والدراسات الإقليمية والدولية سيعقد في بغداد، كان قراري وليد اللحظة دون أي تفكير، نعم سأحضر وبكل سرور. في زيارتي الأولى لبغداد، التي استمرت لقرابة أربعة أيام للمشاركة في تلك الجلسات الحوارية، انتابني شعور لا يمكن وصفه مطلقا، مزيج من الفرح والحزن، لا أعلم سر ذلك أو تفسيره ولكنه استقر سريعا على حالة من البهجة والسرور الحذرة نسبيا. ظهر يوم الخميس تقلع طائرة الخطوط السعودية من مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة وجميع من عليها من الزوار والمعتمرين العراقيين العائدين إلى بلادهم وليس بينهم سعودي إلا كاتب هذه السطور، وما هي إلا ساعتين وعشرين دقيقة وتهبط الطائرة في مطار بغداد الدولي الذي شيده الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1982، يتم الاستقبال وإنهاء إجراءات الدخول خلال نصف ساعة تقريبا، ثم بعد استراحة قصيرة في تشريفات المطار نتوجه للسيارة التي تنتظرنا أمام البوابة مباشرة، لتتحرك وتعبر الشوارع وعيني على الطريق واللوحات الإرشادية التي تظهر عليها أسماء المدن وأحيانا الضواحي، والتقط الصور وأنا داخل السيارة التي تنقلنا مسرعة نحو ما يسمى بـ«المنطقة الخضراء»، وبداخلها قصر ضيافة رئاسة الوزراء، حيث المكان المخصص للإقامة. لن أتحدث عن النقاشات البحثية ولكن عن مشاهداتي وانطباعاتي الشخصية عن العراق والعراقيين.
نعم أدرك أنها فترة قصيرة جدا وساعات قليلة تلك التي جعلتني أشاهد بعض مناطق بغداد وألتقي ببعض أهلها، ولكن ما لا يُدرك كله لا يترك جلّه كما يقال. هي تجربة بسيطة أردت مشاركتكم إياها فقط. من المهم هنا الإشارة إلى أنه وبسبب الأوضاع الأمنية، وحرص الطرف المضيف على سلامتنا – وذلك يبدو احترازا أمنيا مكثفا لا يعكس بالضرورة الحالة الأمنية في بغداد – كانت هناك صعوبة في التنقل وزيارة الأماكن التي نتمنى زيارتها، إلا أن الفرصة قد سنحت لزيارة بعض الأماكن وإن كان ذلك لوقت قصير جدا. لاحظت أن شوارع بغداد وأسواقها ومطاعمها مكتظة بالناس. فعلى سبيل المثال، تناولنا العشاء يوم الجمعة في مطعم في قلب بغداد وخارج المنطقة الخضراء، وشاهدت الأسر البغدادية تعيش حياتها الطبيعية، وفي إحدى الزوايا يترنم أحدهم بموال شجي من التراث العراقي الأصيل والجمهور متفاعل معه، رجالا ونساء وأطفالا.
يتنفس العراقيون هواء عربيا صافيا ونقيا يجعلهم متشبثون بتاريخهم، ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، يعيشون الحضارة العربية وتفاصيلها وشواهدها بشكل يومي. فلو تحدثنا عن بغداد فقط، ستجد المواقع والآثار التاريخية التي لا يمكن تجاهلها، كيف ذلك وأسماء مثل هارون الرشيد، المنصور، دار الحكمة، أبو نواس، الرصافة، المسيب، الكرادة، الكرخ، الأعظمية، الكاظمية، المتنبي، وغيرها الكثير، تحاصر البغداديين من كل مكان. هنا في بغداد تشتم عبق الحضارة العربية، والتاريخ المشع، العلم والمعرفة، الأدب شعره ونثره، المماحكات الشعرية، الغزل والفخر والتفاخر، وجمال نهري دجلة والفرات. معظم أسماء الشوارع تعيدك للمراحل الدراسية المبكرة، تتذكر ما تعلمته في بعض المناهج الدراسية وبخاصة الأدبية منها، وكانت بالنسبة لنا حينها مجرد أسماء وقصص وقصائد قد ننساها سريعا، لكن تخيلوا معي الشاب البغدادي الذي يدرس كل ذلك ويتخيل في الوقت ذاته شوارع وأزقة مدينته، هل يستطيع نسيان شيء من ذلك؟ مستحيل في نظري.
هذه الحقيقة الساطعة هي ثوابت وأركان عروبة العراق، وهي الكنز العراقي الثمين الذي لا يجب أن يفرط فيه أي عراقي بغض النظر عن دينه أو مذهبه، وهي أيضا العمق العربي العروبي الذي لن يندثر بسبب غبار بضع سنوات، ستكون في المستقبل مجرد صفحة تاريخية حرجة في الكتاب المشع لتاريخ العراق الطويل.
في حديثي مع المسؤولين والمواطنين العراقيين الذين سنحت الفرصة للقائهم وجدت حالة من الفرحة والترحيب الذي لا يكاد ينقطع وبخاصة عندما يعلمون أنني من السعودية، نسمع كلمات تتردد بين اللحظة والأخرى، من قبيل «أنتم أهلنا، نحن منكم وفيكم، نتطلع لقدومكم، لا تتخلوا عنا»، ومفردات احترام وتقدير أخرى تحمل مشاعر جياشة تؤمن يقينا بأنها تخرج من القلب لتستقر في القلب مباشرة.
خلال الزيارة قابلت بعض الشخصيات العراقية الرفيعة مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي، وشخصيات من رئاسة الوزراء والبرلمان العراقيين. نقاش دار حول العراق وعلاقته مع دول الجوار العربي والعجمي، تحدثنا عن الحشد الشعبي، والمناطق السنية في الأنبار والموصل وغيرها، عن الحاضر الذي نعيشه بكل ما فيه وعن المستقبل المأمول للعراق وأهله. لن أنقل بالحرف وجهات النظر التي سمعتها، بسبب أنها ليست للنشر وتحت بند
(off the record ) ولكن ما سمعته مبشر ويدعو للتفاؤل، ويبدو أن لدى العبادي مشروعا وطنيا يسعى لتحقيقه رغم المضايقات، وربما الضغوطات، ولكنه أكد على إصراره على شق الطريق عبر خارطة تبدو له واضحة المعالم تسمى رؤية العراق 2030، وفي الواقع تبقى الخطوات على الأرض هي الفيصل في كل ذلك. سمعت من العبادي انتقادات حادة لأطراف خارجية ربما كنّا نتوقع عدم إمكانية انتقادها في العراق.
بلد كالعراق لا بد أن ينهض ويتعافى من كثير من الأمراض التي تعرض لها، ولتحقيق ذلك يحتاج العراق للمزيد من الانفتاح على عمقه العربي، وفي المقابل، من الضرورة بمكان أن تقف الدول العربية والخليجية مع العراق وقفة أخوية بما يخدم مصالح الجانبين، نحتاج أيضا إلى تكثيف الزيارات واللقاءات مع أهلنا في العراق، بكافة أطيافهم وانتماءاتهم. أيضا يبدو أن هناك حاجة عراقية للاستثمارات الخارجية وبخاصة الخليجية منها، وقد تكون هناك بعض العوائق حاليا ولكن يجب الإسراع في تجاوزها. في هذا الصدد ربما على الجانب العراقي تفهم حقيقة أن «رأس المال جبان» كما يقال، وأن المستثمرين يحتاجون ضمانات مطمئنة لدخول السوق العراقية، وعلى رأس ذلك الإسراع في عملية مكافحة الفساد وتخفيف الإجراءات البيروقراطية، وتكثيف العمل على الانتقال من مرحلة الهاجس الأمني إلى الوضع الطبيعي، وبناء اقتصاد قوي، ومشروع وطني شامل وجامع.
الخلاصة، وحتى لا يعتقد البعض أننا نقدم صورة وردية عن العراق، نقول نعم هناك في الداخل العراقي من لا يرغب في وجود علاقات وثيقة بين العراق وامتداده العربي والخليجي، ويعملون على شيطنة هذه الدول للحيلولة دون تحقق ذلك التقارب، وهؤلاء في الغالب إما يعملون ضمن بروباغندا إيرانية تسعى للهيمنة على العراق ومقدراته وإبعاده عن محيطه وعمقه الطبيعي، أو متأثرون بتلك الشائعات فقط ولا يدركون حقيقة الأمر والبعد الذي تهدف تلك البروباغندا لتحقيقه. هذا الطيف لا يمكن إضعافه إلا من خلال التواصل المستمر بين العراق وبقية دول المنطقة العربية والخليجية تحديدا. إن مثل هذا التواصل سوف يسرّع عملية اندماج العراق مع محيطه سياسيا وشعبيا، ولكن يحتاج ذلك إلى جهد غير اعتيادي من الجانبين، والأهم من هذا الجهد هو بناء الثقة وترسيخها أولا وقبل كل شيء.
3 السيستاني فقيه العراق
د. فهد الفانك
الراي الاردنية
رئيس وزراء العراق (العبادي) حقق نجاحات مهمة على الصعيد السياسي أو العسكري، وكان آخر تصريحاته يعلن تطهير العراق بأكمله من داعش الإرهابية، والسيطرة على جميع الحدود.
هذا النجاح أعطى الرئيس العراقي قوة وقدرة على اتخاذ القرارات والصمود في وجه الضغوط من أي مصدر جاءت.
آخر المصادر الضاغطة كان أية الله علي السيستاني، الذي طلب شمول المليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) في الجيش العراقي وأجهزة الأمن، أي أن المقصود هو السيطرة على الجيش العراقي نفسه الذي ما زال له نفس قومي عربي لا يمكن طمسه.
في رسالة إلى رئيس الحكومة، طرح السيستاني، نفسه هذه المرة كآمر للحكومة ليقوم بدور الفقيه الذي يتمتع بسلطة مطلقة لا يعرف مصدرها وترقى فوق سلطة المسؤولين المنتخبين.
نموذج الحكم في إيران يراد الآن تعميمه على المناطق العربية الواقعة تحت هيمنة إيران ، ومن الطبيعي أن يأتي العراق في المقدمة، ليس فقط بسبب الاغلبية الشيعية بين السكان، بل أيضاً لأن إيران هي الأقرب جغرافياً من العراق، الذي ينظر إليه باعتباره الساحة الخلفية التي تتحرك فيها الرموز الإيرانية.
من بعيد يبدو كأن الحكم في إيران رئاسي ديمقراطي برلماني. فهناك انتخابات رئاسية ومجلس نواب منتخب، ولكن الترشح ليس متاحاً إلا لمن يرضى عنه الفقيه، مما يعني عملياً أن الفقيه هو الذي يختار الرئيس وباقي المسؤولين، وله حق الفيتو، ويعتبر سلطة نهائية مسؤولة أمام الله فقط على طريقة حكام العصور الوسطى.
إذا انصاع الرئيس العراقي لفتوى الفقيه فإن ذلك يعني وضع العراق بأكمله تحت وصاية الحشد الشعبي الذي أعطى نموذجاً للحكم يقوم على الانتقام والعنف.
إمكانيات نجاح السيستاني في العراق موجودة، ولكنها ليست مفتوحة بدون مقاومة، كما أن نظام الفقيه ليس من المحتمل أن ياخذ فرصة في سوريا، ومن هنا اتجهت الأنظار إلى اليمن الذي تخدم السيطرة عليه عدة أهداف، الاول طرح بديل لأنظمة الحكم الراهنة، والثاني محاصرة السعودية من الجنوب والوصول إلى حدودها، والثالث توسيع رقعة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها القوة الإقليمية التي يجب أن تؤخذ بالحساب.
يقول العراقيون إنهم لم يتخلوا عن العرب ولكن العرب تخلوا عنهم ، بل إن البعض قاطع العراق باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من إيران ونظام حكمها.
السيستاني يقدم نفسه فقيه العراق ليس دينياً أو طائفياً فقط بل سياسياً أيضاً.