مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

1 ‘النفط مقابل البناء’.. برنامج بعثي لإنقاذ العراق

 

هارون محمد العرب
الحاجة إلى برنامج ‘النفط مقابل البناء’ ليست فقط ضرورية وإنما ماسة لإنقاذ قطاع واسع من العراقيين يعيشون تحت معدلات الصفر، إضافة إلى أن التطبيق القانوني النزيه للبرنامج سيوفر للعراق تدفق المليارات من الدولارات على خزانته العامة.

نجح نظام حزب البعث العراقي بشهادة أعدائه في تنفيذ برنامج “النفط مقابل الغذاء” في منتصف التسعينات من القرن الماضي، متعاونا مع منظمة الأمم المتحدة، بشكل أذهل المراقبين السياسيين والخبراء الاقتصاديين في ظل شح الموارد المالية وقسوة الحصار الدولي الجائر.

 

ولا يزال الرجل التنفيذي للمشروع ووزير التجارة الأسبق محمد مهدي الراوي يتلقى الدعوات دوريا من مراكز بحث ودراسات دولية وجامعات عالمية، للحديث عن تجربة البطاقة التموينية المتميزة التي كانت تضم أكثر من عشرين مفردة غذائية جنّبت العراقيين الجوع والعوز والحرمان، وأمنت لهم حياة معيشية ليست مرفهة بالتأكيد، ولكنها وفرت قدرا كبيرا من احتياجات الشعب الأساسية وبأقل الأسعار، حتى أن عوائل عراقية كثيرة كانت تعمد إلى استبدال مواد تفيض عن حاجتها بسلع أخرى، أو بيعها في الأسواق المحلية.

 

واليوم يعود حزب البعث وهو خارج السلطة والحكم، ويطرح برنامجا مشابها على الشعب العراقي والمجتمع الدولي والأمم المتحدة ودول صنع القرار وكل المعنيين بالعراق عنوانه “النفط مقابل البناء” ضمن مشروع وطني شامل وموسع جاء في ورقة سياسية قدمها عضو القيادة القومية للحزب خضير المرشدي إلى المؤتمر الشعبي العربي الذي اختتم أعمال دورته الأخيرة (دورة القدس) في تونس الاثنين الماضي، بعد اجتماعات استمرت ثلاثة أيام وشاركت فيها شخصيات سياسية وأكاديمية من أغلب الدول العربية، بحثت خلالها آخر تطورات الأوضاع في الوطن العربي، والمتغيرات التي طرأت على عدد من بلدانه.

 

وبالتأكيد فإن نجاح أي برنامج وطني في حجم وأهمية “النفط مقابل البناء” تستلزم لتنفيذه حكومة كفؤة وبرلمان نزيه وآليات عمل مثابرة وقيادات ميدانية تتمتع بحس وطني وخبرة في الأداء.

 

وهذه المواصفات لا تتوفر في الحالة العراقية الراهنة، حيث الفساد ينخر مفاصل البلاد ووعود رئيس الحكومة بالإصلاح تتبخر ولا نتائج ملموسة لها، ولم نشهد محاسبة وزير مختلس أو معاقبة نائب عمولات أو محاكمة مقاول، أو سجن سارق. وبالعكس فإن المحاكم قد سنّت بدعا جديدة وأحكاما مضحكة، مثل حسن النية في اقتراف الجرم أو إعطاء فرصة أخرى للسارق، بحجة أنه شاب في مقتبل العمر.

 

وقد اتضح أن المشروع الوطني الذي يبشر به حزب البعث ومن ضمنه برنامج “النفط مقابل البناء” قد انتبهت إليه دول ومنظمات سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا واليابان، رغم أنها ركزت على البرنامج، وثمة عواصم مثل واشنطن ولندن استفسرت عن تفاصيل تتعلق بكيفية تطبيقه بعد أن تغيرت الظروف والأحوال ولم يعد العراق يملك تلك الحيوية في تنفيذ المشاريع الكبرى وليس لديه وزراء تجارة واقتصاد أكفاء ومخلصون كما كان الوضع في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، عندما برز وزراء تركوا بصمات على الوزارات التي شغلوها أمثال عبدالحسن زلزلة وحسن العامري وحكمت العزاوي، وآخرهم محمد الراوي الذي مازال يحمل الهم العراقي ويدور به في المحافل والمعاهد والمراكز الدولية يعرضه ويطالب بإنصاف العراقيين.

 

إنما ظهر بعد الاحتلال وزراء لا ذمة لهم ولا ضمير، ومنهم من سرق المليارات وهرب إلى بريطانيا التي يحمل جنسيتها واشترى ضياعا وأملاكا حتى كاد أن يشتري ناديا رياضيا، لولا انتباه مسؤولي النادي إلى الشبهات التي تلاحقه، والمفارقة أن هذا الوزير اللص قيادي في حزب الدعوة وسجادة الصلاة تحت إبطيه دائما ومسبحة المئة خرزة لا تفارق أصابعه، في حين أن سلمان الجميلي وزير التجارة الحالي بالوكالة، وهو مقرب من رئيس الحكومة حيدر العبادي، سرح ابن شقيقه ومرافقه الشخصي نصير الجميلي يصول ويجول في الوزارة، يعقد الصفقات ويوقع المقاولات ويقبض ويحول لعمه معالي الوزير، الصافي في نهاية الأمر.

 

ولعل أغرب الاستفسارات حول برنامج “النفط مقابل البناء” جاءت من لندن وواشنطن، وتساءلت عن قدرة حيدر العبادي في تنفيذه، فجاء الجواب من الوقائع والأحداث، التي بطلها العبادي خلال مسيرة عمله الحكومي، من وزير للاتصالات في ظل الحاكم الأميركي المدني بول بريمر، إلى رئاسته للجنة الاقتصادية ثم المالية لثماني سنوات، وأخيرا رئاسته للحكومة الحالية منذ ثلاثة أعوام ونصف العام، كان فيها خاملا وقلقا ويتجنب اتخاذ القرارات التي تخدم الشعب.

 

إن الحاجة إلى برنامج “النفط مقابل البناء” في المرحلة الراهنة، ليست فقط ضرورية، وإنما ماسة لإنقاذ قطاع واسع من العراقيين يتضورون جوعا ويعيشون تحت معدلات الصفر، وينصف العمال والفلاحين والكسبة، وينعش الطبقة المتوسطة التي ذوت وتلاشت، إضافة إلى أن التطبيق القانوني والنزيه للبرنامج سيوفر للعراق تدفق المليارات من الدولارات على خزانته العامة، من شأنها معالجة العجز المالي الذي تعاني منه حكومة حيدر العبادي وأخفقت في مواجهته.

 

وصحيح أن برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، نفذته إرادة حرة لم تعد موجودة حاليا، وتابعته أجهزة منضبطة ومقتدرة، لا وجود لها الآن، الأمر الذي أسفر عن نتائج حمت المواطن العراقي من الفاقة وجنبته المجاعة، ولكن الصحيح أيضا أن هيئات المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول المعنية بالعراق، التي ستجتمع في الكويت قريبا، لو حسنت نواياها بالفعل في دعم العراق بشكل جدي، فإن برنامج “النفط مقابل البناء” هو السبيل الوحيد المتاح حاليا على الأقل، لوقف هدر المال العام في العراق وإعادة الموارد الوطنية إلى مسارها الصحيح والانتفاع من النفط في مشاريع خدمية وإغاثية، شرط أن يقوده مسؤولون من خارج الأحزاب الدينية ولم ينخرطوا في العملية السياسية، وما أكثرهم في العراق بين مغيّب ومعزول وملاحق، ومنهم بالطبع الدكتور محمد الراوي الذي يعيش في شقة متواضعة بعمان ويكدح ليل نهار لتوفير لقمة العيش الكريمة لأسرته وهو الذي كانت الملايين من الدولارات تتراقص بين يديه، ولكن الشرف والاستقامة والضمير الحي والنفس العفيفة هي التي كانت تحكم وتسود.

2 يذهب «داعش» ويبقى الإرهاب

 

 

    عادل الراشد

 

 البيان الاماراتية
  

ذهب تنظيم داعش الإرهابي، أو ربما يكون في آخر محطاته، ولكن الإرهاب لا يزال حاضراً. فالإرهاب ليس «داعشي» المنشأ، بل إن «داعش» هو نسخة مطورة لفيلم طويل ملطخة أحداثه وشخصياته بالدماء. فالإرهاب داء فيروسي يتبدل ويتطور حسب البيئة الحاضنة له. والاستنساخ هو وسيلته لصد كل وسائل مكافحته.

 

 

وعندما يكون الإرهاب «خارجي» الفكر والمنهج تتضح الصورة وتنفرز الأطراف. فتتكون المعادلة من شرعية دولة ومؤسسات مقابل قوى وتنظيمات لا شرعية وخارجة على القانون ومعادية للمجتمع. وهنا، رغم قسوة المواجهة وارتفاع أثمانها، تبدو المعركة واضحة المعالم وسالكة الطريق، كما هو الحال مع «داعش» و«القاعدة.

 

 

أما إذا لبس الإرهاب لباس الدولة، واحتمى بقوانينها، وانضوى ضمن مؤسساتها، واعتلى منابرها، وتسلح بأموالها، فإنه يصبح جيشاً بفكر ميليشياوي وعقيدة متطرفة ذات أهداف مدمرة.

 

هنا يصبح الإرهاب تحت رعاية مباشرة وعلنية من الدولة، يفتك بالداخل ويهدد الخارج. وهذا هو الحال مع «جيش القدس» الذي يقوده الإيراني سليماني وميليشيا «الحشد الشعبي» في العراق وميليشيا حزب نصر الله في لبنان والحوثي في اليمن.

 

ومن رحم هذه التنظيمات الإرهابية، التي تحولت إلى مؤسسات عسكرية إرهابية تقودها إيران، يتم استنساخ تنظيمات إرهابية ربما تستخدم خطاباً طائفياً أو سياسياً مناقضاً .

 

ولكنها تسير على نفس المنهج وتخدم نفس الأجندة، حتى إذا ما حققت أهدافها يكون القرار بفنائها، كما يحدث مع «داعش» الذي تآكلت دولته التي أعلنها في العراق وسوريا، ليفتح الطريق أمام تمدد حشد إيران الشعبي، فيحقق حلم طهران بالوصول الى البحر المتوسط.

 

 

سعت إيران واتباعها، الظاهرون وأولئك المتدثرون بباطنية الخطاب، حثيثاً لتسليط الأضواء على وجه واحد من وجوه الإرهاب، مستفيدة من المزاج الغربي وخاصة الأميركي في فترة حكم باراك أوباما، لتكريس الحالة الطائفية في الدول العربية والإسلامية، ومن ثم الانقضاض على العواصم العربية واحدة تلو الأخرى.

 

وكما أزال تنظيم داعش الحدود بين العراق وسوريا تحت رايته السوداء، تعمل طهران الآن إلى مسح هذه الحدود وتجاهل الحقوق السيادية لدول عربية. وبعد دخول ميليشيا الحشد العراقي الأراضي السورية واقترابها من الحدود الأردنية ظهر قيس الخزعلي زعيم ميليشيا «عصائب الحق» العراقية في جنوب لبنان.

 

 

هكذا يتطور الإرهاب ويتشكل حسب أجندة القوى الصانعة له والمستفيدة من جرائمه. وإذا كان «داعش» والقاعدة قد انحسرا بفعل ضربات التحالف الدولي فإن إرهاب إيران مستمر ومتغول تحت ناظري ذلك التحالف.