3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

1 حصر السلاح أم الميليشيات بيد الدولة في العراق
حامد الكيلاني العرب
حصر السلاح بيد الدولة، لا أحد يختلف فيه، لكن أي دولة نقصد، والواقع يتجه لتحويل حتى الدول إلى ميليشيات في خدمة المشروع الإيراني.
الاستمرار في تبني لغات مختلفة للميليشيات لا يبني دولة ولا يضع حجر أساس لأي تنمية، ورغم أن العراق عبر تاريخه الحديث اجتهد في وضع قواعد وإعلاء صروح المؤسسات، إلا أنه مع كل تغيير، إن في الانقلابات السياسية أو العسكرية، صعوداً إلى الاحتلال الأميركي، ألغى بالأقساط أو نقدا كل ما تراكم من جهود وخبرات وإنجازات العهود أو الحكومات السابقة.

الميليشيات في العراق هي بناء مسبق التجهيز والتدريب والإعداد، حيث ساهمت تلك الميليشيات في الحرب الإيرانية العراقية بالقتال إلى جانب إيران، وكبدت الجيش والشعب العراقيين خسائر في الأرواح والمعدات، ومن بينها العمليات الإرهابية التي طالت الأبرياء داخل المدن وتحديداً في العاصمة بغداد؛ وهؤلاء انتقلوا بعد احتلال العراق في أبريل 2003 إلى حكم العراق كأحزاب ومنظمات وبرعاية أميركية فجة في سخريتها، لأنها رفعت شعار النظام الديمقراطي الجديد للعراق أو للشرق الأوسط.

الولايات المتحدة الأميركية منذ الاحتلال تدعم الحكومة العراقية وتشد على يديها في دوراتها الانتخابية وزعاماتها، وتنقلت من مرحلة إلى أخرى، من مرحلة ما قبل داعش إلى مرحلة ما بعد داعش وزوال أو اضمحلال التنوع السكاني، مع اختصار المشهد السياسي بتناوب عملاء إيران إن كان نوري المالكي أو حيدر العبادي، أي حزب الدعوة وتحالفه الطائفي لقيادة العراق من سيء إلى أسوأ أو من أسوأ إلى سيء في مداورة إيرانية العناصر وبمباركة أميركية تراوح على لحظة الاحتلال دون أي اعتبار للتخريب في بنية المجتمع العراقي أو للمجازر والإبادات.

هل حقاً الولايات المتحدة الأميركية لا تمتلك الرؤية الكافية لإعادة حساباتها وفق الإحصاءات، ولا نقول وفق التزاماتها كدولة محتلة أو كدولة عظمى أو كدولة تحت كل المسميات لا يمكنها أبداً أن تتنصل من الاعتراف بأنها مشرفة أو متبنية للنظام السياسي في العراق، وهي تتولى قيادة التحالف الدولي ضد إرهاب داعش الذي كان سبباً لتمدد الإرهاب الإيراني في المنطقة، كما أنها في مقدمة الدول الموقعة على الاتفاق النووي، أو بالأحرى الدول الموقعة على تفويض إيران بالتمدد واكتساح ميليشياتها وفتنتها الطائفية لأكثر من بلد عربي؛ إذا كانت أميركا مصرة على ثقتها بأحزاب وقادة العملية السياسية في المرحلة المقبلة، فهذا يعني تناقضاً صريحاً مع وصفها لإيران كدولة أولى راعية وداعمة للإرهاب في العالم.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية التي تقترب من إكمال عامها الأول، وفي قراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس بعد اعترافه بها كعاصمة لإسرائيل، يبدو أنه ينفذ تعهداته لناخبيه تباعا ودون تردد أو مبالاة بالأصداء في داخل أميركا أو خارجها، كما في قضية القدس الحساسة جدا.

بهذا المنطق يمكن قراءة رؤيته لسياسة إدارته في العراق، أي إن العراق على قائمة تطبيقاته في استرداد نفقات الحرب المكلفة لإزاحة النظام العراقي الوطني السابق وإحلال نظام أقل ما يقال عنه إنه نظام محاصصة طائفي بنظام ميليشياوي مؤدلج بعقيدة الحرس الثوري الإيراني.

الرئيس ترامب في حملته الانتخابية وردا على سؤال يتكرر ويتعلق بسيادة العراق، كانت إجاباته تكتفي بالقهقهة؛ وذلك ما يفترض أن نتوقف عنده لتفسير ما يجري من اندحار أمام داعش، أو انتصار على داعش، أو تأييد بعض الميليشيات لرئيس الوزراء حيدر العبادي نكاية برئيس الوزراء السابق نوري المالكي في موجة تطريب خطابي لما قبل الانتخابات المقبلة وبجملة قرارات و”هوسات” شعبية عن حل الميليشيات التي بدأت تتناوش حل الحشد الشعبي بحالة لا شعورية من جهات فاعلة فيه لأغراض مسايرة التوجهات والميول السياسية، في أعقاب انتصار ملامحه مزدوجة تتقاسمه الدولة كنظام حكومي أو كنظام ميليشياوي.

ليس شيئا جديدا التعاون بين الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، أو التواجد في قواطع عمليات لبنان والعراق وسوريا واليمن، أو في دول مازالت فيها الميليشيات بأدوارها السرية والتي ستطفو إلى السطح عند اكتمال أدواتها أو في حالات الكشف المبكر عنها.

تتفاخر القيادات الميليشياوية بالتعاون الميداني في خطبها وتصريحاتها، أما الضجة الأخيرة حول تواجد عناصر منها عند الحدود اللبنانية فهي تسريب إعلامي مقصود بتوقيته اللبناني وتوقيته الإيراني. وطبعا التوقيت الإيراني هو الأهم لأنه يؤكد على هيمنة قرارها على المنطقة عموما في تجاوز معتاد حتى على “مانشيتات” أتباع المشروع الإيراني في العراق الذين يسايرون حماسة حزب الدعوة الحاكم حول السيادة الوطنية والقرار الوطني المستقل.

مقولة حصر السلاح بيد الدولة، من الرئيس الأميركي إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى رؤساء دول آخرين، هي مجرد نصائح تقليدية للبدء بصفحة جديدة بعد مآسٍ متصلة. الأمم المتحدة أيضاً تأمل في ذلك، لكن التصريحات بشأن تقييم زعماء الميليشيات أو قادتها السياسيين لا تلقى عقولا وآذانا صاغية، إلا إذا صدرت ربما من مراجعة استراتيجية لضمان تحقيق أهداف التداول السياسي للمشروع الإيراني.

لذلك فإن فكرة دمج ميليشيات الحشد الشعبي في القوات العسكرية النظامية تأتي بمثابة كارثة أخرى لتحويل ما تبقى من الاحترافية والمهنية إلى مسارات عقائدية؛ وهذا ليس اتهاما بل موضع تباه بغايات تشكيل الحشد الشعبي، على حد قول قادتهم في ضرورة التأثير المنسجم مع نظرية ولاية الفقيه لتأسيس جيش عقائدي.

الميليشيات في العراق كانت موجودة قبل الحشد الشعبي وقبل القتال مع داعش، وكان بإمكان حشود المتطوعين بعد فتوى المرجعية أن يزج بها في ألوية وفصائل تابعة بإدارتها وحركتها ضمن الفرق العسكرية، وهي عمليات سوق تديرها وفق ضوابط معظم جيوش العالم في حالات الحروب أو الكوارث، ونتائجها مضمونة ولا تحتمل الخروقات أو لزوم إصدار قوانين مثيرة للاختلاف كما في النعرات الطائفية داخل البرلمان والمجتمع العراقي.

الالتفاف على الوطن أو الأوطان بلعبة الميليشيات العابرة للحدود، لعبة خطرة لن تؤدي إلا إلى تهاوي بقايا القوانين الراعية للمواطنة، إذ لا معنى للدستور في وجود ولو فصيل واحد يؤدي واجباته الأمنية بإشراف طائفي وبمرجعية سلاح يقررها رجل دين أو رجل سياسة، وكلاهما بأهداف فرض الإرادات وسلطات المنابر الخاصة.

كذلك قوات البيشمركة الكردية، كان لزاماً عليها وعلى قادتها ومنذ سنوات أن يتم تحويلها إلى جيش وقوات نظامية بكامل معداتها وأزيائها كما في الجيوش المعاصرة، وضمن واجبات الحماية والدفاع عن الإقليم. إنها حسابات يمكن من خلالها توفير رؤية مختلفة لواجبات البيشمركة ومهماتها ومستقبلها كذلك؛ وإلا بماذا تختلف عن شكل ومضمون الميليشيات.

الدوافع وراء مغريات الخصوصية، قومية كانت أو دينية أو مشاريع عقائدية، لا تعمر طويلاً ولن يكتب لها النجاح لأنها أشبه بتوصيلة بين مرحلتين من هشاشة السيادة والأمن وفوضى السلاح وارتباك الغايات والأهداف. حصر السلاح بيد الدولة لا أحد يختلف فيه، لكن أي دولة نقصد، والواقع يتجه لتحويل حتى الدول إلى ميليشيات في خدمة المشروع الإيراني.
2 العرب على مفترق طرق: المتغيرات في السياسة الدولية وانعكاساتها على الأمن القومي العربي
سميرة رجب
اخبار الخليج البحرينية
مقدمة…

اعتقدنا بأننا كعرب، بعد كل سنوات الاستعمار الطويلة، منذ ما قبل وبعد اتفاقية سايكس بيكو، واحتلال فلسطين، اعتقدنا بأننا «خير أمة» فهمت الاستعمار الغربي وعقليته المراوغة، وخطابه الكاذب، وقوانينه المجحفة، وسياساته الظالمة في بلادنا وفي مختلف بلاد العالم الثالث؛ إلا أنه يجب أن نعترف بأن أحداث القرن الواحد والعشرين، ونحن لا نزال في عقده الثاني، تثبت كل يوم بأننا مازلنا لم نفهم هذا الاستعمار الذي يتطور توحشًا في ممارساته وخبثًا في خطابه… هذا الاستعمار الذي نجح في شيطنتنا حتى أصبحنا نقول عن أنفسنا «نعم نحن إرهابيون ونستحق العقاب»، فاستسلم الغالبية منا لمشروع التقسيم والتفتيت للخلاص من العقاب والبطش الدموي.

واليوم ونحن على مشارف نهاية العقد الثاني من هذا القرن يمكننا التأكيد على أن بلادنا العربية دخلت في مرحلة جديدة من الاستعمار المتوحش عبر بوابة الإرهاب، الذي بات وجوده من ضرورات الوجود الاحتلالي والاستعماري، ليمنح المحتل والمستعمر الجديد إعفاءً من مسؤولية جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي الدموي المستمرة على امتداد مساحة الوطن العربي منذ سقوط جدار برلين، وبدء الغارات الانجلوأمريكية على العراق بالقنابل الانشطارية والعنقودية، واليورانيوم المنضب، وقصف المدارس ومصانع حليب الأطفال والجسور ومنظومة الاتصالات، وغيرها، لقطع وريد الحياة على الشعب العراقي، في حرب قال عنها جيمس بيكر بأنها ستُرجع العراق إلى عصر ما قبل الصناعة، بمعنى تحويلنا مجددًا إلى أمة قابلة للاستعمار.

تلك الجرائم بدأت عام 1991 ولم تنته في حرب عام 2003، ولن تنتهي بسحق مدينتي الموصل والفلوجة، ولا بتدمير الرقة ومدن عربية عديدة من المشرق إلى المغرب العربي… فالحرب المزعومة على الإرهاب لا تزال مستمرة.

ومن جانب آخر صار الوجود الاستعماري في بلادنا من ضروريات الحرب على الإرهاب، إلى أجل غير مسمى، في جبهة حرب مفتوحة لامتماثلة، وحروب بالوكالة، لا تحقق سوى أهداف السيطرة والهيمنة الاستعمارية الجديدة من دون أن يتكبد فيها المستعمر خسائر مادية أو معنوية، بل ندفع نحن، شعوب المنطقة، أثمانها وتكلفتها من ثرواتنا، ومن أرواح أبنائنا، ومستقبلهم الضبابي الذي يزداد قتامة كل يوم.

العرب في القرن الأمريكي الجديد…

لربما تذكرون ذلك التقرير الشيطاني الرائع الذي خَطّهُ زبعنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي، «رقعة الشطرنج الكبرى، السيطرة الأمريكية وما يترتب عليها جيوستراتيجيًا»، والذي صدر في نهاية تسعينيات القرن العشرين، أي بعد عقد واحد من انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط النظام الدولي القديم، والذي عبّر فيه عن الرؤية الأمريكية البراغماتية الواقعية الملزمة حول ضرورة استمرار التفوق الأمريكي في القرن الواحد والعشرين بالسيطرة على أوراسيا… تلك الاستراتيجية الأمريكية للبقاء كقوة أولى وأخيرة من دون منافس في العالم.

في ذلك التقرير يذكر راسم السياسات الخارجية الأمريكية بأن هذا الحلم كي يتحقق لا بد من السيطرة على منطقة أوراسيا (أوروبا-آسيا) التي تمثل قلب العالم، وموئل معظم شعوب العالم والموارد الطبيعية والنشاط الاقتصادي والقوة النووية…. نعم هذه هي المنطقة التي صارت ساحة الإرهاب بشكل عام، بعد أحداث البرجين في نيويورك عام 2001.

حلم الإمبراطورية الأمريكية…

باختصار يعرض المفكر الاستراتيجي الأمريكي في تقريره المذكور كيف يجب العمل على بناء الإمبراطورية الأمريكية كقوة تحكم العالم عبر المثالية الأمريكية وثقافاتها الموجهة من جهة، والقوة الأمريكية بأبعادها المتنوعة من جهة أخرى.

يتحدث أيضًا عن الدور الأمريكي في إدارة النزاعات والصراعات في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط على نحو لا تصعد معه أي دولة عظمى منافسة تهدد المصالح الأمريكية، بل لمواجهة جميع المنافسين الجدد، الحقيقيين والمحتملين، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

باختصار وضع بريجنسكي في تقريره البنود الرئيسية التي تفسر لنا ما وراء العاصفة الأمريكية التي لاتزال تهب بالكوارث المدمرة على العالم عمومًا ومنطقتنا العربية خصوصًا، من أجل تأسيس الإمبراطورية الأمريكية التي يجب ألا تغرب عنها الشمس أبدًا.

تمارس الولايات المتحدة اليوم دورًا فريدًا، لتحقيق مصالحها في مواجهة المنافسين الاستراتيجيين على المستوى الجيوبولتيكي في منطقة أوراسيا، والتي تقع منطقتنا العربية في قلبها، جغرافيًا واقتصاديًا… أن أوراسيا كما تراها الولايات المتحدة هي المركز الحيوي للنمو الاقتصادي والنفوذ السياسي المتعاظم عالميًا، بما تشكله كل هذه العوامل من قوة معقدة يجب السيطرة عليها لمنع ظهور قوة معادية للسيادة الأمريكية.

ونجحت الولايات المتحدة في تطوير سياساتها العسكرية والخارجية وقوتها التكنولوجية والاتصالاتية والمعلوماتية والمالية والتجارية بما يحقق لها السيطرة على البعد الجيوبولتيكي الذي يحقق مشروعها. فهي تستخدم القوة العسكرية والأمنية المتوحشة، مع قوة ثقافية متمثلة في مجموعة من المثاليات في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والأصولية الدينية، ورغم التناقض بين القوتين المستخدمتين إلا أنها نجحت في تحقيق أهدافها حتى الآن في منطقتنا العربية على أقل تقدير.

ولم ينس أن يذَكّرنا بريجنسكي بأن المشروع الأمريكي يتطلب التفكير في تهميش قضايا الحدود والبعد القومي لبعض الدول المشمولة في استراتيجية الهيمنة الأمريكية… مع التلميح لوجود العصبيات الدينية والعرقية التي يمكن أن تُستخدم لتبقى أمريكا الحارس الأمين على بوابة العالم… ويذكر بأنه في الحرب الباردة الأمريكية السوفييتية «استخدم كل طرف آيديولوجيته لتعزيز سيطرته على أتباعه ومؤيديه بطريقة تذكرنا إلى حد ما بعصر الحروب الدينية»… إذ لتفادي الصدام النووي استخدم الأمريكان الوسائل غير العسكرية ضد السوفييت «وهي وسائل الحيوية السياسية، والمرونة الآيديولوجية، والدينامية الاقتصادية، والإغراء الثقافي التي أصبحت كلها ذات أبعاد حاسمة للصراع»، كما جاء نصًا في التقرير المذكور.

مشروع التغيير الجيواستراتيجي القسري، الشرق الأوسط الجديد…

كان لا بد من الرجوع إلى تقرير بريجنسكي لنتفهم بعضًا من دوافع المشروع الذي يُدعى بالتغيير الجيواستراتيجي في منطقتنا، والذي يدّعي أصحابه بأنه يهدف إلى تصحيح أخطاء مشروع السيدين سايكس وبيكو الذي مر على تنفيذه مائة عام… مشروع استعماري دموي قسري آخر سيخلف المشروع الاستعماري القسري الذي سبقه… لأننا أمة يعتبرونها قاصرة في تحديد وتطوير مصيرها، بل هي بحاجة إلى من يصحح لها واقعها على مدار التاريخ.

وإن كان ذلك التقرير يفسر بعضًا من أسباب ومظاهر الانتشار الأمريكي واهدافه في المنطقة الأكثر حيوية في العالم، فهو أيضًا يؤكد بأن الحرب على الإرهاب تعد أحد أهم أدوات نجاح مشروع التغيير الجيواستراتيجي المزعوم في الشرق الأوسط. ولا شك أن 11 سبتمبر 2001 كان مفصلاً تاريخيًا لانطلاق تلك الحرب، أو أنه نُظّمَ ليكون كذلك.

وتكفي قراءة خريطة الانتشار الأمريكي في العالم بعد هذا التاريخ المفصلي مع أخذ كل الإجراءات الاستخبارية والامنية والمالية التي اتخذتها أمريكا في الاعتبار، ليتبين ان عدة الحرب التي أعلنتها أمريكا على الإرهاب أقرب إلى أن تكون عدة حرب عالمية ركيزتها الاساسية هذا الانتشار الذي لا مثيل له.

ونكرر هنا بأن الحرب على الإرهاب أعطت المبرر الضروري للتغيير الجيوستراتيجي القسري، مهما كان دمويًا وكارثيًا ومزلزلاً، ذلك المشروع الذي أطلقت عليه جونداليزا رايس في عام 2006 اسم «مشروع الشرق الأوسط الجديد»… المشروع المنقذ الذي سيحول المنطقة إلى جنة ديمقراطية، ويجتث الإرهاب والفكر الإرهابي بحسب ادعاءاتهم، بعد تصحيح أخطاء خريطة سايكس بيكو الغبية.

تدمير العراق والحرب على الإرهاب…

بإيجاز شديد، بات في حكم الأكيد أن المشروع بدأ بالعراق ليُكتب له النجاح في باقي المنطقة… لقد كان العراق العائق الأكبر أمام هذا المشروع الشيطاني، فتم احتلاله لتسهيل نشر الإرهاب بكل مذاهبه على كامل مساحته… إرهاب دموي مذهبي في الجنوب وآخر في الشمال وعلى كامل الحدود شرقًا وغربًا، وهذا الإرهاب كفيل بإلغاء حدود ورسم حدود خريطة طائفية لتحل محل خريطة سايكس بيكو… لذلك كان ولا يزال دور إيران مهمًا جدًا لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي عملت على رسم المشروع وتنفيذه على مدار العقود الأربعة الماضية…

فبعد أن كانت أسلحة الدمار الشامل ذريعة غزو واحتلال العراق، أصبح اليوم الإرهاب ذريعة استمرار ذلك الوجود الاحتلالي المتعدد الأطراف على هذه الأرض الفاقدة للسيادة والقوة الدفاعية بكل معنى الكلمة، وذريعة لانتشار قوى عسكرية متعددة في مختلف انحاء الأرض العربية التي باتت مفتوحة أمام جحافل الإرهاب القادم من كل اتجاه.

تعاني المنطقة العربية اليوم، من انتشار عمليات تدفق السلاح والمال الأمريكي، المتوازي مع انتشار الإرهابيين المجندين من كل الجنسيات وفي كل اتجاه. لقد بدأ ذلك الانتشار ولا يزال ما بين المناطق الحدودية، وبين المناطق النفطية المستهدفة جميعها في مشروع التغيير المذكور، لتثبيت قواعد جديدة وترسيخ السيطرة ونشر النفوذ والتحكم في مصادر الطاقة.

وبعد أحداث «الربيع العربي» بات في حكم المؤكد أن النموذج العراقي هو الذي من المقرر تعميمه بشكل وبآخر في باقي مناطق النفط العربية، إن لم تتدخل عوامل دولية أو إقليمية أخرى في إفشال هذا المشروع… وهذا موضوع آخر بحاجة إلى صفحات وحوارات طويلة.

وهكذا يستمر الدمار الشامل في المنطقة، وتستمر مسيرة الموت والتهجير والعنف والتطرف والتفقير والتجهيل حتى الوصول إلى لحظة الاستسلام الكامل… لحظة قبول المشروع حلاً لوقف النزيف.

وأخيرًا…

إن الأمة العربية جمعاء، من المحيط إلى الخليج، تواجه مصيرا واحد في مشروع أمريكي واحد، وهو مشروع معلن يتم تنفيذه بأعلى درجات الخبث والدهاء الاستعماري…

والتدمير لا يزال مستمرًا ومتصاعدًا في ظل صمت أو استغفال عربي خطير…

صارت الفوضى حقيقة وواقعًا، والإرهاب المدمر الوحشي جزءًا من الحياة العربية اليومية…

ألا يؤكد لنا كل ذلك بأننا مازلنا لم نفهم ذلك الاستعمار، الذي يمسك بخناق حاضرنا ومستقبلنا؟؟

ليس سؤالاً مبطنًا، ولا استصغارًا للقدرات العربية، ولكنه سؤال مصيري، بعد أن ثبت أننا كأمة جمعاء لم نتعامل مع هذا الشأن الاستعماري الجديد بموجب مقتضيات العصر الذي بدأ مع سقوط الاتحاد السوفييتي كقطب رئيسي في النظام الدولي، وما تبع ذلك من الدخول في صراع دولي من نوع آخر لتأسيس نظام جديد.

وأخيرًا لا يسعنا إلا أن نؤكد بأننا إن لم نفهم هذا العدو الظاهر الخفي، المدمر، فإننا بكل تأكيد سنبقى جاهلين سبل مواجهته ومقاومته، سياسيًا ومعرفيًا، قبل أي نوع آخر من المقاومات؟؟
3 دُحِرَ داعش.. ماذا يفعل المُحْتَلّ الأميركي؟
محمد خروب
الراي الاردنية

بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سحب قسم كبير من القوات الروسية التي انخرطت في الحرب على الارهاب وإحباط مخطط اسقاط الدولة السورية منذ الثلاثين من ايلول 2015 وتأكيده ان العسكريين الروس «انجزوا مهماتهم في محاربة الارهاب، ما اتاح الحفاظ على سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة، تمهيدا للتسوية السياسية تحت رعاية الامم المتحدة».. لم تعد ثمة مبررات لبقاء قوات الاحتلال الاميركي على الاراضي السورية, وبخاصة ان حربها المزيّفة ضد داعش قد انكشفت, وباتت اتفاقاتها مع هذا التنظيم الارهابي معروفة على نطاق واسع وبخاصة في ما وُصِفَ كذبا معركة تحرير الرقة, تلك المعركة المزعومة التي لم تكن سوى صفقة مع داعش تم فيها تسليم المدينة لمرتزقة سوريا الديمقراطية, بعد ان اخذ الاميركيون على عاتقهم مهمة تدمير هذه الحاضرة السورية العريقة ووجدت قوافل داعش وقادتها طريقها الى الداخل السوري, الذي تسيطر عليه «قسد» وما زالوا حتى الان داخل تلك الاراضي. على ما قالت صحيفة التايمز البريطانية في عددها الصادر يوم اول من امس الاثنين, كاشفة النقاب عن «آلاف من عناصر داعش يتجولون بِحُرية في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة اميركياً, التي سمحت لهم قسد البقاء في مناطقها اثر انسحابهم من مدينة «منبج», التي سيطرت عليها قسد بدون قتال كما هو معروف، بل ان الصحيفة كشفت انه «تم منح هؤلاء القادة «وثائق تجول» تبدأ اثمانها من 20 دولاراً وتصل الى آلاف الدولارات في بعض الحالات».

التشكيك الاميركي بصدقية الانسحاب الروسي, لا يعدو كونه مجرد ذريعة لتخريب الحل السياسي للازمة السورية, والإبقاء على دور لعملائهم في قوات سوريا الديمقراطية, الذين باتوا يشكلون جيبا انفصاليا ولا يتورعون عن اتخاذ اجراءات عنصرية ضد الرافضين لهيمنتهم, سواء من زعماء العشائر والقبائل العربية في تلك المنطقة ام القوى الشبابية والنسائية الذين تعرضوا لقمع هذه القوات بعد ان نظّموا مظاهرة لـ»دعم القدس» سارعت قوات القمع خاصتهم الى تفريقها بعنف, بذريعة انها لم تحصل على ترخيص(…).

ما يزيد من السخرية ان الاميركيين يحاولون تزييف الحقائق حول وجودهم غير الشرعي على الاراضي السورية بالقول تارة انهم «باقون في سوريا تفاديا لترك (فراغ) ولدعم مرتزقتهم في قسد, حتى انجاز مفاوضات الحل السياسي في جنيف» على ما قال الجنرال جون توماس المتحدث باسم القيادة المركزية الاميركية الوسطى (سنتكوم).. وطورا في استفزاز موسكو والتشكيك بصحة قرار الانسحاب وفق المتحدث باسم البنتاغون ادريان غالواي، قال: «..ان تصريحات روسيا حول سحب قواتها لا يعني عادة تقليصاً فعليا لعسكرييها، ولا يؤثِّر على اولويات الولايات المتحدة في سوريا». فيما ذهب مسؤول اميركي آخر طلب عدم كشف هويته الى القول: «..ان واشنطن تعتقد ان روسيا ستجري انسحابا (مَحْض رمزي).. من سوريا يشمل بعض الطائرات. مضيفا: انها «قد تطلب بعد حين ان تنسحب القوات الاميركية بالكامل من سوريا».

اصرار اميركي على البقاء غير الشرعي في سوريا رغم انتفاء الذريعة التي جاؤوا بها الى هناك, وتغطية لدعمهم الارهابيين لا محاربتهم, ومن اجل الحؤول دون انتصار الجيش السوري وحلفاؤه وعلى رأسهم القوات الروسية التي جاءت بطلب من الدولة الشرعية ووفق قواعد القانون الدولي، فضلا عن ان الاميركيين طالما وجّهوا ضربات للجيش السوري لمنع هزيمة داعش كما حدث في دير الزور والبادية السورية, القريبة من معبر التنف الذي سيطر عليه الاميركيون. وايضا في التحرش بالطائرات الروسية العسكرية وتزويد داعش بإحداثيات المواقع السورية والقوات الرديفة.

اكثر ما يثير الغضب هو الإدّعاء الاميركي المزيّف, بانهم هم ومرتزقتهم في قوات سوريا الديمقراطية من هزَموا داعش, كما زعم المتحدث باسم سنتكوم الجنرال جون توماس قائلاً: «رغم مساهمة روسيا ونظام بشار الاسد في محاربة داعش، فإن التقدُّم الذي تم احرازه, يعود بشكل (كبير) الى قوات سوريا الديمقراطية على الارض, والتحالف الدولي.. جواً».

صفاقة وغطرسة اميركية معروفة، لكن ثمنها هذه المرة سيكون باهظا بعد ان قالت الميادين العسكرية كلمتها, وبعد ان اخذ مسار استانا طريقه الى الامام بثبات مناطق خفض التصعيد, وبعد ان لم يعد ثمة مخاطر كبيرة يمثلها داعش وداعموه ومشغّلِوه, الذين غسلوا ايديهم (غَصْبَاً بالطبع) من هؤلاء, ولم يعودوا يراهنون عليهم, حتى لو بقي الاميركيون «يدّخِرونَهم» لأيام مقبلات.. بل ثمة تخوفات اميركية (لها ما يبررها بالطبع) من ان قواتهم المحتلة في سوريا, ستكون عرضة لعمليات وهجمات استنزاف على نحو يعيد اليهم ذكريات المقاومة العراقية الباسلة, التي اجبرتهم على الرحيل والانسحاب دون اي مكاسب او قواعد او صفقات كما كان جورج بوش ورهط المحافظين الجدد يُمنّون انفسهم او يتوعدون.

بقاء الاحتلال الاميركي بعد دحر داعش لن يكون مريحا, ومحاولات تضخيم دور ومستقبل المرتزقة في قوات سوريا الديمقراطية لن يكتب لها النجاح، وسيكتشف هؤلاء بان مشغليهم الاميركيون سيتخلوا عنهم ويخذِلونهم عند اول منعطف.. فلينتَظِروا.