4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 مشروع إيران في الانتصار على داعش: من الاستحمار إلى الاستعمار

 

علي الأمين العرب
كان تنظيم داعش في الحسابات الإيرانية وسيلة من وسائل تمدد النفوذ، ليس على قاعدة ترميم المجتمعات والدول العربية، بل بغاية تعميق الانقسامات والاستثمار فيها إلى أقصى الحدود.

 

لم يعد سرا أن النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وجد في تنظيم داعش سبيلا لتدعيم وجوده وتمدده، ولن يزيد على الحقيقة أن صح ما نقل عن قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي الجعفري، قبل أيام، عبر إقراره بهذه الحقيقة التي يعرف أي مواطن كان في دولة داعش المزعومة في العراق وسوريا، أنّ هذه “الدولة” ما كانت إلا سبيلا لعودة الميليشيات الإيرانية إلى مناطق نابذة لها، من دون أن نغيب حقيقة أن هذا التنظيم الهمجي، قتل من خصوم إيران وأعدائها ومن الثوار السوريين ضد نظام الأسد، عشرات الآلاف، وارتكب المجازر في البيئة العربية السنية وحصد عشرات الآلاف من أرواح العراقيين والسوريين المناهضين للمشروع الإيراني والآمنين، فيما لم تظهر شراسة هذا التنظيم القتالية لا ضد إيران، ولا ضد أذرعها في المنطقة العربية كما كان حال البيئة العربية السنّية التي نكّل بها واستبيحت لأنها ثارت على دكتاتورية النظام السوري، أو على رئيس الحكومة العراقي السابق نوري المالكي منذ عام 2013.

 

يستعرض قائد الحرس الثوري وأركانه هذه الأيام قوة ونفوذ إيران، لا بل قدرتها على تهديد أوروبا كما قال نائب قائد الحرس الثوري، إن صواريخه تصل إلى مسافة ألفي كيلومتر، والاستعراض الإيراني هذا يعكس في جانب منه قلقا من التطورات الإقليمية والدولية تجاه إيران ونفوذها في المنطقة، ومن جهة ثانية إبداء إيران استعدادها لتشريع نفوذها إقليميا ودوليا في ظل التسويات الجارية في سوريا. فقائد الحرس الثوري أكد بوضوح أن سلاح حزب الله ودوره هو شأن إيراني، من خلال توصيفه لمهماته المستقبلية في سوريا وفي مواجهة إسرائيل، مقوضا بذلك كل النقاش الدائر في بيروت عن سياسة “النأي بالنفس” التي اشترط رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري التزام حزب الله بها كمعبر لعودته عن موقف التريث من الاستقالة، كما كشف إلى حد بعيد أن السياسة الإيرانية لا تولي أي اهتمام بموقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، بسبب عدم مراعاة محمد علي الجعفري لموقف رئيس الجمهورية الذي أكد على هذه السياسة.

 

الموقف الإيراني هذا يرتكز في أي تسوية مستقبلية على إستراتيجية تعميم نموذج حزب الله في المنطقة العربية، من خلال فرض ثنائية السلطة أو الدولة- الدويلة، أو الجيش- الميليشيا، عبر جعله شرطا أساسيا في كل تسوية إقليمية مقترحة، وتثبيت هذه الثنائية، من خلال حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وقوات الدفاع الوطني في سوريا، والحوثيين في اليمن. هذا الطموح الإيراني يفترض في جوهره تمديد الأزمات في هذه الدول، بل الإبقاء على السلطة في داخلها على توازنات خارجية، تحول دون قيام دولة وطنية يحكمها دستور، والإبقاء على صراع الهويات بأشكالها الطائفية والمذهبية والجهوية. ذلك أنّ المشروع الإيراني الذي يمثله الحرس الثوري لا يحمل في طياته أي رؤية لصوغ النفوذ على شرط الدولة، أو الشعب الواحد والموحد، ولا على رؤية تنطلق من أن الدولة ضرورة وجودية، ومكون ثابت ونموذج لا يمكن تجاوزه أو تقويضه في بناء أي استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي.

 

    الهاجس الإيراني في المنطقة العربية إيراني بالدرجة الأولى، وهذا هو حال كل الدول الطامعة في المنطقة العربية، أي أنّها تنظر إلى المنطقة من زاوية مصالحها وحساباتها الوطنية أو القومية

 

الهاجس الإيراني في المنطقة العربية إيراني بالدرجة الأولى، وهذا هو حال كل الدول الطامعة في المنطقة العربية، أي أنّها تنظر إلى المنطقة من زاوية مصالحها وحساباتها الوطنية أو القومية، لكن المشكلة العربية مع السياسة الإيرانية، تتصل ببنية المشروع الإيراني، الذي كشف عن مضمونه وأدواته طيلة العقود الماضية. فإيران لا يستقيم دورها ونفوذها خارج أراضيها، إلا بزعزعة المجتمعات من خلال الاستثمار في البعد المذهبي، ذلك أن البنية الأيديولوجية التي يقوم عليها النظام في إيران ويبشر بها الحرس الثوري خارجها، تقوم على خصوصية مذهبية، نابذة لفكرة الولاء للدولة والوطن، وتجعل من الولاء للأيديولوجيا ورمزها المرشد علي خامنئي فوق كل الولاءات الوطنية أو القومية. وهي قد تأخذ شكلا يختلف حسب البيئات الاجتماعية والسياسية ولكنها واحدة في المضمون، فالقيادة الإيرانية استخدمت عنوان مقاومة إسرائيل، ليس في سياق تحقيق تحرير فلسطين، بقدر ما كان الهدف تجميع أوراق القوة لمشروعها في المنطقة العربية والعالم، وثمة فرق بين الأمرين، ذلك أن عنوان فلسطين والمقاومة هو في خدمة المشروع الإيراني، وليس المشروع الإيراني في خدمة مشروع تحرير فلسطين.

 

سعت إيران إلى محاولة تثبيت وجود لها على حدود إسرائيل أو داخل فلسطين، وهذا الهدف اقتضى في مرحلة معينة وبدعم سوري، القضاء على أي مقاومة في الميدان لا توالي إيران، كما حصل في لبنان بين عام 1985 وعام 1991. وهذا ما قامت به داخل فلسطين حين استثمرت وعمقت الانقسام الفلسطيني، فخونت ياسر عرفات، ومولت كل ما يمكن أن يفشل دوره كصاحب مشروع القرار الوطني المستقل، وأكملت نفس المنهج بعد رحيل عرفات عام 2004 ودائما كان الشعار دعم خيار المقاومة، فيما أثبت الواقع أن هذه السياسة كان هدفها المصالح الإيرانية أولا، وكانت النتيجة المزيد من تراجع القضية الفلسطينية والمقاومة من أجل حقوق الشعب الفلسطيني.

 

إيران تدخلت دعما لبشار الأسد ونظامه في سوريا، لكن استهداف إسرائيل لأهل غزة عام 2008 وما بعدها ورغم كل الدمار الذي طالها، لم ينتج غضبا إيرانيا من إسرائيل بقدر ما كان عليه الغضب الإيراني عندما جرى المس بالأسد في سوريا. وهذا يؤكد أن الأولوية للمشروع الإيراني الذي يجب أن تكون كل الأوراق السياسية والعسكرية في خدمته، أما إذا كانت القضية الفلسطينية هي المستهدفة، فإن الموقف الإيراني يتعامل مع ذلك الخطر الصهيوني بكثير من الهدوء، بل يتفادى أي مس مباشر به.

 

هكذا كان تنظيم داعش في الحسابات الإيرانية وسيلة من وسائل تمدد النفوذ، ليس على قاعدة ترميم المجتمعات والدول العربية، بل بغاية تعميق الانقسامات والاستثمار فيها إلى أقصى الحدود. فأن يخرج أمين عام حزب الله ليعلن انتصار محوره أي المحور الإيراني على تنظيم داعش، وبشكل مستفز، هو بذلك يمهد بل يستدعي مواجهة جديدة في المنطقة، فبادعائه أن إيران وميليشياتها في العراق وسوريا هي التي كانت صاحبة الدور الأساس والفعلي في القضاء على داعش، هو يضع كل العرب السنة في الخانة التي رسمها لتنظيم داعش، علما أن أحدا لا يستطيع أن يبرئ القيادة الإيرانية من المشاركة المباشرة وغير المباشرة لنشوء هذا التنظيم، ولا شك أنّ ما تكشفه الوثائق الاستخباراتية سيجعل من الدور الإيراني أكثر وضوحا مما قاله الجعفري نفسه حين تحدث عن الفائدة التي وفرها داعش لمشروع إيران في المنطقة العربية.

 

يبقى أنّ نصرالله بمحاولة وضعه عملية الانتصار على داعش في السلة الإيرانية، يعكس بمحاولته هذه جعل القضاء على داعش في سياق استكمال تمدد النفوذ الإيراني، وفي سياق الاصطدام مع المكون العربي السني الذي تريد إيران المزيد من تهميشه، انطلاقا من أن طبيعة المشروع الإيراني في بنيته الأيديولوجية المذهبية، باتت محكومة بالمحافظة على نفسه بالمزيد من الاستثمار بالخصوصيات في مواجهة أي مشروع جامع لن تكون إيران بأحسن الأحوال إلا طرفا فيه، بين أطراف عدة.

 

من داعش إلى المقاومة إلى الانتصار المزعوم على إسرائيل، إلى ادعاء التعارض بين مصالح إيران وما فعله داعش في بلاد العرب، ومن تقديس بشار الأسد إلى ادعاء المقاومة من أجل تحرير فلسطين من دون أي طلقة على إسرائيل، ومن الاستهانة بقتل مئات الآلاف من السوريين، وتهجير الملايين إلى ذرف الدموع على أطفال اليمن المظلومين، هي مشاهد إيرانية مستمرة تعبر عن استهانة واستكبار، بل استحمار يمهد للاستعمار ويرسخه على ما قال المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 حزب الدعوة العراقي.. النسخة الشيعية لجماعة الإخوان المسلمين (7 ـ 13)  

    محمد المرباطي

 

الايام البحرينية
 

 

خلافات حزب الدعوة:

 في 19 أغسطس 1960 انسحب الرأس المؤسس لحزب الدعوة آية الله محمد باقر الصدر، وشهدت تلك الفترة انسحاب القيادي المؤسس محمد صادق القاموسي، والمرجع الديني السيد محسن الحكيم الذي أمر ابنيه محمد مهدي الحكيم، ومحمد باقر الحكيم الانسحاب أيضا، ووجه مقلديه بعدم الانتماء لحزب الدعوة، وجاء انسحاب السيد الصدر بعد مراجعة نقدية أعلن تحريمه الانتماء لحزب الدعوة كلياً، وطلب من قيادات الحزب الخروج منه لتصوره أن الحزب يتجه نحو الحزبية والشخصنة والذاتية بعيدا عن الأهداف الرسالية ولا مبرر له شرعاً خصوصاً وقد كان الاستدلال الشرعي له بآية الشورى وأمثالها حيث ثبت بطلانه.

 إن خروج السيد الصدر من حزب الدعوة من الأمور الحاسمة، وكان تراجعاً للمرجعية العربية، ويعتقد البعفص ان خروج الصدر من حزب الدعوة، لإسباب رغبته في أن يكون أباً راعياً للحركة من خارجها بدليل أنه لم يدع أولاده أن ينتموا إلى اي حزب سياسي حفاظاً على الصفة الدينية للمرجعية.

 إن مبدأ ولاية الفقيه كان من أهم اسباب الأزمات التي عصفت بالحزب، وقد يكون السبب المباشر لخروج المراجع الدينية الشيعية العربية من الحزب، ويؤكد ذلك طلب السيد محمد باقر الصدر من اتباعه وتلامذته ترك الحزب، فخرج المرجع الديني السيد مهدى الحكيم ولحقه أخوه باقر الحكيم، والقيادي محمد صادق القاموسي، وجاء انسحاب عبد الصاحب دخيِل المعروف بكنيته أبو عصام رأس المؤسسين الثمانية لحزب الدعوة الإسلامية ضربة قوية لهياكل الحزب وشل قدراته، وكان ابو عصام من القيادات المدنية.

 في عام 1981 كان الانشقاق الفكري والسياسي الكبير والذي انتهى بالانتخابات الحزبية التي عزلت القيادي محمد هادي السبيتي ومن يمثل خطه من قياديين وكوادر، ونتج عن هذا الانشقاق ظهور جناح خارج التنظيم العام لحزب الدعوة، عرف بخط البصرة، وفي عام 1984 كان الانشقاق الثاني الذي نتج عن خلافات حول قرار مؤتمر حزب الدعوة بحذف المجلس الفقهي من النظام الداخلي للحزب، وهو المجلس الذي كان يرأسه آية الله السيد كاظم الحائري (فقيه الدعوة) ومعه آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي (الناطق الرسمي) وآية الله الشيخ محمد علي التسخيري (عضو قيادة الحزب). ونتج عنه اعتزال عدد من كوادر الحزب،

وشكل بعضهم حزب الدعوة المجلس الفقهي، فيما اعلن عن قيام جناحاً منشقاً عن الحزب تحت اسم حزب الدعوة تنظيم العراق، وكان الانشقاق العمودي الكبير عام 1999، عندما عقدت مجموعة من قياديي وكوادر حزب الدعوة مؤتمراً تحت اسم مؤتمر الإمام الحسين، إثر خلافات داخلية حادة، وانتهى المؤتمر إلى تأسيس تنظيم جديد، سمي فيما بعد (حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم العراق) الذي تزعمه السيد هاشم الموسوي، ومن هذا التنظيم انشق عدد من كوادره عام 2009، وأسسوا حزب الدعوة (تنظيم الداخل)، وهو الانشقاق الرابع قبيل الانتخابات التشريعية عام 2010.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   مصير العبادي بعد 6 أشهر

 

 عدنان حسين

 

  الشرق الاوسط السعودية
 

الأسبوع الماضي أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن الأخير قد راجع أحد مكاتب التسجيل للانتخابات في العاصمة بغداد وتسلّم منه بطاقته الانتخابية. هو إعلان لم تكن غايته مجرد الحضّ على التسجيل واستخراج البطاقة الانتخابية، على أهمية هذا الهدف، لكنّها إشارة قوية من العبادي إلى أنه عازم على خوض الانتخابات المقبلة المقرّر إجراؤها بعد ستة أشهر، منتصف مايو (أيار) من العام المقبل، بل أيضاً الترشّح لولاية حكومية ثانية.

الولاية الثانية للعبادي طريقها سالكة، بل تبدو مضمونة تماماً. الظروف المساعدة لتأمين هذه الولاية لم تتوفر لأي ممّنْ سبقوه في هذا المنصب. عدد القوات المسلحة والأمنية يزيد الآن كثيراً على ما كان عليه في السابق، وتصويت هذه القوات، المعروف باسم «التصويت الخاص»، مضمون دائماً لرئيس الوزراء بحكم كونه، في الوقت عينه، القائد العام للقوات المسلحة. لكنّ نجاح العبادي في تحرير كامل المناطق التي احتلّها «داعش» جعل له شعبية واسعة، زاد نطاقها – خارج إقليم كردستان – في ظل الأزمة مع الإقليم حول مسألة الاستفتاء. العبادي يسعى الآن للإفادة من هذا كله من أجل ولاية ثانية يشكّل فيها حكومة تتمتع بقاعدة سياسية مريحة. وقد أعلن غير مرة أنه يتطلع لإنشاء تحالف وطني عابر للطائفية والقومية، والطريق ممهّدة أمامه في الواقع، ففي السنوات الثلاث الماضية حدثت تطورات كثيرة عملت لصالح كسر المعادلة السياسية التي ظلّت قائمة منذ إسقاط نظام صدام حسين في 2003، وهي المعادلة القائمة على المحاصصة السياسية – الحزبية المتلبسة بلباس طائفي – قومي.

طوال الحقبة المنصرمة كانت معادلة الحكم في بغداد تقوم على مثلث: شيعة، سنة، كرد، فقد تشكّل ائتلاف بين القوى الشيعية وآخر بين القوى السنية وثالث بين القوى الكردية، وتحكّمت هذه الائتلافات بمفاتيح السلطة والنفوذ والمال في بغداد وحدّدت مصير العملية السياسية برمّتها، بالتوافق وفي كثير من الأحيان خروجاً على أحكام الدستور. وكان هناك ائتلاف رابع موازٍ، غير قومي غير طائفي، هو ائتلاف «الوطنية» (العراقية سابقاً)، الذي لم يكن فعّالاً كفاية، بفعل فاعل بالطبع، هو توافقات التحالفات الثلاثة الأولى وتفاهماتها، فبقي هذا الائتلاف كما لو أنه لا في الحكم ولا في المعارضة!

نظام المحاصصة والتوافقات فشل فشل ذريعاً في إدارة العراق، وهذا ممّا صار يقرّ به ويعترف أقطاب الائتلافات الأربعة أنفسهم، فضلاً عمّا تفضحه أوضاع العراق المزرية أمنياً واقتصادياً واجتماعياً ووقوع ثلث مساحته تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي الذي لم تنتهِ تماماً الحرب معه. والآن، بعد بلوغ هذا النظام طريقاً مسدودة، تجري مساع للعمل في اتجاه آخر. انفرط في السنوات الأخيرة عقد التحالفات التقليدية، فالقوى الشيعية لم تعد موحدة، بل تعرّضت لانشقاقات، كما حصل مع دولة القانون (جناحي العبادي والمالكي)، ومع المجلس الأعلى الذي انشقّ عنه تيار الحكمة، ومع تيار الأحرار (الصدري) الذي خرج على التحالف الوطني (الشيعي) تماماً. وكذا الحال بالنسبة للكرد، فحركة التغيير والجماعة الإسلامية الكرديتان نأتا بنفسيهما عن التحالف الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان قوة رئيسية في التحالف الكردستاني، يواجه عملية تشظّ بدأت في عهد مؤسسه وزعيمه الراحل الرئيس جلال طالباني. أما القوى السنية فهي الأكثر تشرذماً منذ أن اجتاح تنظيم داعش كامل المناطق السنية وتسبّب في نزوج الملايين من سكان المدن السنية التي ما لبثت أن تعرّضت إلى التدمير بفعل الحرب التي خاضتها القوات العراقية لتحرير هذه المدن من سيطرة التنظيم الإرهابي، وينتاب الرأي العام السني سخط بالغ على القيادات السنية، التي يرى أنها انصرفت إلى تأمين نفوذها والانخراط في عمليات الفساد الإداري والمالي.

هذه، إذن، أفضل فرصة عراقية لتشكيل ائتلاف عابر للطائفية والقومية، وهي فرصة متاحة للعبادي على وجه الخصوص، فهو رئيس السلطة التنفيذية، ومقبوليته داخل العراق وخارجه تتقدم باطّراد. وفي الأيام الأخيرة حظي بدعم علني من أكثر القوى الشيعية شعبية، التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر. وثمة معلومات تفيد بإمكانية قيام تفاهمات مع قوى شيعية أخرى وقوى كردية وقيادات سنية جديدة أفرزتها مرحلة الاحتلال الداعشي، ومن المرجح نشوء تفاهم من نوع ما مع ائتلاف «الوطنية» الذي يقوده إياد علاوي. ومن متطلبات هذه التفاهمات قيام صيغة للحكم (الائتلافي) تختلف عن الصيغة التي تكرّست في عهد الحكومة السابقة، واستمرت بقدر ما في عهد الحكومة الحالية، هي صيغة التفرّد باتخاذ القرارات.

المؤكد أن العبادي سيزيد من حظوظه في قيادة ائتلاف موسع (وطني) والحصول على الولاية الثانية، إذا ما شرع في تنفيذ تعهّده المتكرر في الأسابيع الأخيرة: مكافحة الفساد الإداري والمالي، واستعادة الأموال المنهوبة على مدى 14 سنة، وتُقدّر بمئات مليارات الدولارات. هذا ملف مهم للغاية، ويتجاوب فتحه مع أكثر المطالب شعبيةً وإلحاحاً. لكنّ العبادي يواجه على هذا الصعيد عقبة كبيرة للغاية تتمثّل في أن عمليات الفساد في معظمها كانت، ولم تزل، تُدار من قيادات الأحزاب المتنفذة في السلطة، وهي في الغالب إسلامية، وبفتحه ملف الفساد سيكون العبادي كمن يدسّ عوداً محترقاً في عش دبابير. ومثل هذا سيكون استحقاق حظر حمل السلاح خارج إطار الدولة وفرض سلطة القانون.

الأمر المهم الآخر، هو العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان. استقرار العراق وتحقيق التنمية المستدامة المنتظرة والمتوجّبة في حقبة ما بعد «داعش»، يعتمدان بدرجة كبيرة على العلاقة بين بغداد وأربيل. حال التوتّر ستلقي بظلالها الثقيلة على كامل الأوضاع العراقية. وفي مقابل أخطاء ارتكبتها أربيل، وربما قبلها، وقعت بغداد هي أيضاً في أخطاء بنفس المستوى. الطريقة التي سيعالج بها العبادي هذه المشكلة بالذات سيكون لها دور في تحديد طبيعة الحكومة المقبلة ومصير العراق للسنوات الأربع التالية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  سئمنا الحديث عن محاربة الفساد في العراق: وكيف عرَّفَ الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام النزاهة؟

 

 سعد ناجي جواد

 

 

   الراي اليوم بريطانيا
  

لا احد يستطيع ان يتجاهل حجم الفساد في العراق منذ عام ٢٠٠٣، ولا كيف سرقت و اهدرت مليارات الدولارات في العراق، ولا كيف يتمتع الفاسدون بثروات هائلة نتيجة لنهبهم لثروات البلاد و لتفشي الفساد واستمراره. لقد اصبح الحديث عن وجوب محاربة الفساد حديثا يوميا و مكررا وبدون اية اجراءات حقيقية وملموسة لردعه. والمضحك المبكي ان وسائل الاعلام،  المطالبة قبل غيرها بفضح هذه الظاهرة ومحاربتها،  تستضيف يوميا عشرات من المتهمين بالفساد لكي يحدثوننا بدون خجل عن حجم الفساد وضرورة محاربته وإحالة الفاسدين الى القضاء.

في الأيام القليلة الماضية صرح السيد رئيس الوزراء بان الخطوة التالية في برنامجه هي محاربة الفساد والفاسدين. ولا يزال يكرر ذلك يوميا. وللإنصاف فان السيد العبادي اظهر، عكس ما كان متوقعا، قدرة جيدة في التعامل مع الملفات الشائكة آلتي واجهته. فاولا استطاع ان يرمم علاقات العراق المتأزمة مع بعض دول الجوار وخاصة العربية منها، ثم استطاع ان يقود حملة عسكرية ناجحة ضد تنظيم داعش الإرهابي وأصبح قاب قوسين او ادنى من القضاء علي وجوده العسكري في العراق. ثم وقبل ان ينتهي من هذه الأزمة الخطيرة واجهته أزمة اخطر تمثلت في اقدام رئاسة اقليم كردستان العراق على اجراء استفتاء اعتبرته خطوة أولى لإعلان الاستقلال والانفصال عن العراق. وكان تعامله مع هذه الأزمة ناجحا وفعالا ايضا. واستطاع ان يعيد الاقليم الى حجمه الطبيعي من دون الذهاب الى مواجهة مسلحة كانت متوقعة، (ولو ان هناك محاولات لافشال عمله في هذا المجال ولكن هذا الامر يحتاج الى مقال اخر)، والآن قرر ان يواجه الفساد والفاسدين. ويجب الاعتراف بان هذه الخطوة هي اخطر بكثير من محاربة تنظيم داعش الإرهابي لسبب بسيط هو ان المواجهة العسكرية مع تنظيم ارهابي مسلح تعرف القوات المسلحة اهم مناطق تواجده وقواعده، هو امر واضح و بيّن، في حين ان مواجهة الفاسدين  تتطلب الضرب بقوة وحزم على يد عناصر تمتلك نفوذ مالي وسياسي وهذه العناصر تحيط به ومدعومة  بمليشيات مسلحة وإجرامية و منتشرة في كل مكان ، لا بل موجودة حوله وقريبة منه ، و فاسدين منتمين لحزبه ومدعومين من قوى إقليمية. والخطورة الأكبر تتمثل في احتمال تصفيته جسديا من قبل الفاسدين الكبار الذين كما قلت يعملون حوله.

واذا ما اعتبرنا ان السيد العبادي جاد في حملته في محاربة الفساد واسترداد الأموال المسروقة والهائلة، وهو ما يردده يوميا، فانه مطالب بالبدء بالرؤوس الكبيرة قبل الصغيرة. علما بان الفساد كان قد بدأ منذ عام ٢٠٠٣ وان اول الفاسدين الذين يجب محاسبتهم هو الحاكم المدني الامريكي في العراق سيّء الصيت بول بريمر الذي كتبت صحيفة الغارديان البريطانية الرصينة تسأله عن مصير ثمانية مليارات ونصف دولار تبخرت في عهده القصير دون ان يوجد اي توثيق لصرفها، ثم يأتي بعده اعضاء مجلس الحكم والوزراء الذين نصبوا منذ ذلك التاريخ ولحد اليوم وكذلك النواب في جميع الدورات المختلفة ونزولا الى اعضاء مجالس لمحافظات والمدراء العامين واللجان الاقتصادية في الاحزاب المشاركة في العملية السياسية والقيادات العسكرية. وفِي بلد تحوم فيها الشبهات حول ٩٠٪‏ ، إن لم يكن اكثر، من من تبوأوا مناصب رسمية ، ويتستر بعضهم على البعض الاخر، لا يمكن ان تتم هذه العملية في ايّام او أسابيع قليلة، ولا يمكن ان تكون هذه المهمة بالهينة او السهلة.  ولكن اذا أراد السيد العبادي ان بسهلها على نفسه وان يسرع من وتيرتها فان الامر يتطلب إلقاء القبض على بعض الرؤوس الكبيرة كي تنهار منظومة الفساد باكملها عن طريق اعتراف البعض عن البعض الاخر. حيث اثبتت بعض الوقائع ان سلسلة الفساد مترابطة، وان من يحمي الفاسدين الصغار هم الفاسدون الكبار. علما بان العراقيين المتضررين من هذه الظاهرة السيئة والكارثية سوف لن يصدقوا مثل هذه الحملة الا اذا شاهدوا بعض الفاسدين مهما قل عددهم في البداية، خلف القضبان وأمام القضاء.

من المؤسف ان حملة السيد العبادي قد بدأت بداية خاطئة، فهو اولا لجأ الى تنبيه الفاسدين عن طريق مطالبته لهم بان يعترفوا بافعالهم المشينة مسبقا وان يقوموا بإعادة ما سرقوه لكي يتجنبوا العقاب. وهذا الامر لا يمكن ان يحصل. واذا ما أعدنا التذكير بان أكثر المتحدثين عن الفساد ووجوب محاربته هم مسؤولون فاسدون فيمكننا ان نعرف مسبقا رد الفعل على طلبه هذا. كما ان هرب عدد غير قليل من الفاسدين الى خارج العراق واكتسابهم جنسيات اخرى امر سيساهم في تعقيد مهمة رئيس الوزراء. ثانيا فان ما أًُعلٍنٓ من إجراءات بخصوص حملة محاربة الفساد موخرا اظهر ان العقوبات شملت موظفين بسطاء ولم تشمل اي من الرؤوس الكبيرة التي أكدت هيئة النزاهة انها قدمت ملفات كاملة عن فسادهم. وأخيرا وليس اخرا يجب ان تبدأ الحملة بإلقاء القبض على المشتبه بهم والتحقيق معهم من قبل قضاء نزيه وقضاة عرفوا بالنزاهة، وحسب علمي فان الجهاز القضائي العراقي مليء بمثل هذه الكفاءات. لا بل ان القضاء العراقي كان دائما يشار له بالبنان  كأحد الأجهزة النزيهة في العراق والوطن العربي. وأسمح لنفسي ان أسوق هذه الحادثة التي حدثت معي. في سنين الحصار الظالم زار متجر والدي لبيع الساعات قاض معروف. و لما كان والدي قد أقعده المرض كنت انا وإخوتي نشرف على أعماله التجارية، وتعرفت على الرجل وتذكرت علاقة الصداقة التي تربطه بابي. فاستقبلته، والشاب الذي كان معه، استقبالا يليق به. ثم قال لي ان الذي معه هو ابنه الذي تخرج توا من الجامعة بدرجة مشرفة ويريد ان يشتري له ساعة يدوية كهدية له. فطلبت من البائع ان يعرض عليهما نماذج من الساعات السويسرية التي كان والدي يمثلها في العراق. وشعرت ان الابن قد اعجب بساعة غالية الثمن قليلا في حين ان والده كان يُرَغبهُ بواحدة أرخص منها. وشعرت بحرج الوالد، فقلت للأب يا عمي الكريم انا أستاذ جامعي وأقدر كثيرا المتفوقين وادعمهم في هذا الوقت الصعب فأرجو ان تسمح لي بان اقدم هذه الساعة هدية لابنك على تفوقه، ولكن الرجل رفض رفضا باتا، واعتبر الامر مسا بكرامته. فاعتذرت منه وقلت طيب اعرض عليك حلا وسطا وهو اني اقبل منك ثمن لهذه الساعة مساويا لثمن الساعة التي كنت تُرٓغِب ابنك في شرائها. وقلت له ان والدي كان سيفعل نفس الشيء معك ان لم يكن اكثر اكراما لصداقته الطويلة معك، وانت تعلم بانه وانا ايضا ليس لنا اية مصلحة في فعل ذلك سوى اكرام الصحبة الطيبة التي تجمعكما. ثم بدأنا نتحدث عن الصعوبات التي يعاني منها العراقيون نتيجة للحصار الظالم. وقلت له ان راتبي كأستاذ جامعي لا يكفيني لإعالة عائلتي الصغيرة، وإني ألجأ الى الكتابة في الصحف العربية لزيادة مدخولي. فقال لي انه يعاني من نفس المشكلة ولو ان الدولة زادت من رواتب ومحفزات القضاة لكي لا ينحرف من لا يتمكن من توفير حياة كريمة له ولعائلته. ثم اعتذر مني بسبب انزعاجه من عرضي الاول وقال ان  عمله كقاضي فرض عليه عدم  قبول اية مغريات حتى وان كانت لا تتعلق بالقضايا التي تعرض عليه. ثم قال لي ان الانسان ورغم كل شيء يجب ان تكون التقوى هي ما يحدد سلوكه. قلت لم افهم تماما ما تقصد، فقال ان اي إنسان كي يعيش مرتاح البال والضمير يجب ان تكون مقولة آلامام علي عليه السلام نبراسا لحياته، حيث تكلم الامام في احدى خطبه عن التقوى الواردة في القران الكريم، فسأله سائل وما التقوى قال (التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل). ومنذ عام ٢٠٠٣ وانا اتذكر هذا القول الجميل عند كل حادثة اسمع فيها عن فاسد يدعي انه من اتباع الامام علي او حين اسمع ان احد الفاسدين قد ذهب للقضاء بسبب تهم فساد و تم إسقاط التهم عنه بعد ساعة او ساعتين من مواجهته للقاضي المختص. وانا هنا لا اتهم قضاة العراق في هذه الأيام بعدم النزاهة، حاشا لله، ودليلي اني قلت قبل قليل ان الجهاز القضائي العراقي مليء بالكفوئين والذين يتمتعون بالنزاهة، ولكن ونحن نسمع عن التصفيات التي تعرض لها بعضهم وبعض المفتشين، وضغوطات الاحزاب التي تحمي الفاسدين والمشاركة في الحكم، والتي تمتلك مليشيات مسلحة و منفلتة، واضطرا عدد من روؤساء هيئة النزاهة الى ترك وظائفهم واللجوء الى مناطق آمنة خارج العراق او داخله، كردستان العراق، كل ذلك يحب ان يؤكد ان أية حملة ناجحة لمحاربة الفساد سوف لن تنجح إلا اذا رافقتها إجراءات  حماية لحياة القضاة الذين سيتولون عملية محاكمة الفاسدين.

اخيراً وليس اخرا فان مهمة محاربة الفساد وملاحقته والتحقيق فيه يجب ان تترك للقضاء النزيه فقط وان لا تكون موكلة للجان اغلب أعضائها تحوم حولهم شبه فساد كبيرة، مثل لجنة النزاهة البرلمانية

و اعيد وأقول بانه وحتى يشاهد العراقيون المجموعة الاولى من حيتان الفساد خلف القضبان وتم استرداد الأموال التي سرقوها سيبقى التشكيك بالحملة هو الشعور السائد بينهم. في كانون الثاني/يناير ٢٠١٦ اخبرنا السيد العبادي ان ذاك العام سيشهد نهاية الفساد، وهذا لم يحصل، وربما كان عذره هو التركيز على محاربة داعش، فماذا سيقول لنا اذا لم يفعل شيئا يذكر او حقيقي في هذا الملف ؟ او اذا جاء وقت الانتخابات في العام القادم  وبقي الفاسدون في مناصبهم ورشحوا أنفسهم في الانتخابات،  واستخدموا السحت الحرام الذي سرقوه للفوز فيها؟ ان مستقبل السيد العبادي الشخصي والسياسي، و رغم كل نجاحاته، سيبقى معلقا عَلى نتيجة حملته هذه و نجاحه فيها. فهل سيقبل بان ينهي حياته السياسية والمهنية بفشل في هذا المجال؟