انقلاب عسكري ضد رئيس زيمبابوي ولكنه فشل

منذ تحركت دبابات جيش زيمبابوي، أمس الثلاثاء، صوب العاصمة، لم يبدُ أن الأمور تسير على ما يرام على الأقل في ذهن مؤيدي الرئيس روبرت موغابي، خصوصًا أن التحرك العسكري جاء بعد مناوشات بينه وبين قائد الجيش، الجنرال كونستانتينو شيوينغا.
اتضحت الأمور حين أعلن الجيش، اليوم الأربعاء، استيلاءه على السلطة، في كلمة مقتضبة عبر التلفزيون الوطني الذي سيطر عليه جنود أثناء الليل، إذ قال متحدث عسكري إن الجيش يتوقع عودة الأمور إلى “طبيعتها” بمجرد استكمال “مهمته”.

وكان جنود قد سيطروا على مقر هيئة البث الرسمية “زد.بي.سي” في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، بحسب موظفين في الهيئة، في إشارة إلى حدوث انقلاب على الرئيس موغابي، بينما أفادت وكالات الأنباء بسماع دوي إطلاق نار قرب مقر الرئيس البالغ من العمر 93 عاماً.

​وكان قائد الجيش حذر المسؤولين عن “تطهير” الحزب الحاكم في البلاد من التدخل إذا لم يتوقفوا عن الإجراءات التي وصفها بأنها تزعزع استقرار البلاد، وذلك بعد قيام رئيس البلاد بإقالة نائبه إيمرسون مناغاغوا، الذي كان ينظر إليه كخليفة رئاسي لموغابي.
وقال قائد الجيش إن الجيش لن يتردد عن التدخل لحماية مكتسبات الثورة، لافتا إلى أن الحزب الحاكم يعمه عدم الاستقرار، مما يتسبب في القلق في البلاد، لكن حلفاء موغابي وجهوا تحذيرا لقائد الجيش من التدخل في السياسة.

ولد روبرت موغابي في 21 فبراير(شباط) 1924، في كوتاما، روديسيا الجنوبية (زيمبابوي الآن)، بعد أشهر قليلة من تحولها مستعمرة بريطانية، ونتيجة لذلك تعرض المواطنون للاضطهاد وواجهوا قيودا على تعليمهم وفرص عملهم.

كان والد موغابي نجارا، وذات يوم خرج إلى العمل في بعثة يسوعية إلى جنوب أفريقيا عندما كان موغابي مجرد طفل، لكنه لم يعد للمنزل، فتولت والدته، وهي معلمة، تربيته هو وأشقائه الثلاثة، مما اضطره للمساعدة في تدبير نفقات الأسرة عبر رعي الأبقار وشغل وظائف غريبة.

كان موغابي محظوظا بما فيه الكفاية للحصول على تعليم جيد، إذ حضر المدرسة في البعثة اليسوعية المحلية تحت إشراف مدير المدرسة الأب أوهيا، الذي علمه أن جميع الناس يجب أن يعاملوا بالتساوي، وفي تلك الفترة وصفه معلموه بـ”الفتى الذكي”، في وقت مبكر للاعتراف بقدراته الكبيرة.

القيم التي نقلها الأب أوهيا إلى طلابه تركت أثرا في موغابي، مما دفعه إلى مواصلة تعليمه ليصبح معلما، فعلى مدى تسع سنوات، درس بشكل خاص في عدد من مدارس البعثات في روديسيا الجنوبية، وواصل تعليمه في جامعة فورت هير في جنوب أفريقيا، وتخرج بدرجة البكالوريوس في الآداب والتاريخ واللغة الإنجليزية في عام 1951. ثم عاد إلى مسقط رأسه للتدريس هناك. وبحلول عام 1953، حصل على درجة البكالوريوس في التربية من خلال دورات المراسلة.

في عام 1955، انتقل موغابي إلى روديسيا الشمالية. هناك، ودرس لمدة أربع سنوات في كلية تشاليمبانا للتدريب، بينما كان يدرس لنيل درجة البكالوريوس في الاقتصاد من خلال المراسلات مع جامعة لندن.
انتقل موغابي إلى غانا، وأكمل درجة علم الاقتصاد في عام 1958. كما درس في كلية سانت ماري لتدريب المعلمين، حيث التقى بزوجته الأولى سارة هيفرون، التي تزوجها في عام 1961. وهناك اعتنق الفكر الماركسي، وفي عام 1960، عاد إلى مسقط رأسه في إجازة، ليجد البلاد قد تغيرت جذريا وقد شردت الحكومة الاستعمارية الجديدة عشرات الآلاف من الأسر، فاندلعت احتجاجات عنيفة.

في يوليو 1960، شارك في مظاهرة احتجاجية من 7000 مواطن، في بلدية هاريسبالي في سالزبوري، احتجاجا على اعتقال قادة المعارضة، وبدأ يشرح أمام المتظاهرين كيفية نجاح غانا فى تحقيق الاستقلال من خلال الماركسية.

أصبح أمين الدعاية للحزب الوطني الديمقراطي في عام 1960 وعين في العام التالي قائمًا بأعمال الأمين العام للاتحاد الزيمبابوي الشعبي الذي كان محظورا.

في عام 1963، أسس وغيره من أنصار نكومو حركة مقاومة، وعاد إلى بلاده قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه بسبب “خطاب تحريضي”، ليبقى في السجن لأكثر من عقد من الزمان.

عام 1964، أثناء وجوده في السجن، اعتمد موغابي على الاتصالات السرية لإطلاق عمليات حرب العصابات باتجاه تحرير روديسيا الجنوبية من الحكم البريطاني.

في عام 1974، سمح رئيس الوزراء إيان سميث، الذي ادعى أنه سيحقق حكم الأغلبية الحقيقية، لكنه ما زال يعلن ولاءه للحكومة الاستعمارية البريطانية، أن يغادر موغابي السجن ويذهب إلى زامبيا (روديسيا الشمالية سابقا)، لكن موغابي بدلا من ذلك عبر الحدود إلى روديسيا الجنوبية، وقاد حرب العصابات الروديسية على طول الطريق.

استمرت المعارك طوال السبعينيات. وبحلول نهاية ذلك العقد، كان اقتصاد زمبابوي في حالة أسوأ من أي وقت مضى. في عام 1979، حاول سميث التوصل إلى اتفاق مع موغابي، ووافق البريطانيون على مراقبة التحول إلى حكم الأغلبية السوداء ورفعت الأمم المتحدة العقوبات، وعاد موغابي ليصبح رئيسا للوزراء فى البلاد التى استقلت حديثا وأعيد تسميتها بعد عام.

وبحلول عام 1980، تم تحرير روديسيا الجنوبية من الحكم البريطاني وأصبحت جمهورية زيمبابوي المستقلة، وقد تم انتخاب موغابى تحت رئاسة حزب زانو، رئيسا للوزراء فى الجمهورية الجديدة بعد أن خاض انتخابات ضد المناضل نكومو.

في عام 1981، اندلعت معركة بينهما بسبب جداول أعمالهم المختلفة. في عام 1985، أعيد انتخاب موغابي مع استمرار القتال.

في عام 1987، عندما قتل مجموعة من المبشرين بشكل مأساوي من قبل مؤيدي موغابي، وافق موغابي ونكومو أخيرا على الاتحاد والتركيز على الانتعاش الاقتصادي للبلاد.

وفى غضون أسبوع واحد من اتفاق الوحدة، تم تعيين موغابى رئيسا لزيمبابوى، وألغى دور رئيس الوزراء في عام 1987 عندما تولى الرئاسة، واختار نكومو واحدا من كبار وزرائه.
كان الهدف الرئيسى لموغابى هو إعادة هيكلة واصلاح الاقتصاد الفاشل فى البلاد. وفي عام 1989، بدأ بتنفيذ خطة مدتها خمس سنوات، ولكن في الوقت نفسه كان يشرف أيضا على حملة قمعية ضد المعارضين السياسيين التي أودت بحياة 20 ألف شخص.

وبحلول عام 1994، وفي نهاية فترة الخمس سنوات، شهد الاقتصاد بعض النمو في صناعات الزراعة والتعدين والصناعة التحويلية. كما تمكن موغابي من بناء عيادات ومدارس للسكان السود، وخلال ذلك الوقت، توفيت زوجة موغابي، سارة، ليتزوج بعدها غريس ماروفو.

تولى موغابي الرئاسة بلا منازع، لكنه خسر انتخابات عام 2008 أمام مورغان تسفانغيراى، مما أثار العنف السياسى الذى تقول جماعات حقوق الإنسان إنه أدى إلى مصرع أكثر من 200 شخص.

في وقت لاحق من ذلك العام تم تجريده من الدرجة الفخرية، التي نالها في عام 1994، على ما وصفته وزارة الخارجية بأنه إساءة استخدام حقوق الإنسان و “تجاهل صارخ” للديمقراطية.

ساءت الأوضاع الاقتصادية للبلاد التي كانت من أغنى البلدان الأفريقية بفضل ثرواتها المعدنية، لدرجة أنه في العام الماضي، كان هناك أكثر من 4 ملايين مواطن في حاجة للمعونة الغذائية، وواجه موغابي اتهامات بتزوير الانتخابات والفساد.

كما واجه انتقادات بأنه يمهد الطريق لزوجته غريس لتكون رئيسة للبلاد، ولذلك أطاح بنائبه الذي يتمتع بشعبية كبيرة، حتى زادت دعوات المعارضة والمنتقدين لمطالبته بالتنحي، قبل أن يأتي التدخل العسكري بعد فترة اضطرابات كادت تعصف بالبلد.