ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | هل النجف بعد كردستان
|
كافي علي | العرب بريطانيا |
ليس من السهل تهميش الزعامات الفقهية وتفكيك الميليشيات التابعة لها، كما حدث في إقليم كردستان بعد أن رسخت سلطتها من خلال نفوذها في البرلمان.
بعد أن أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني استقالته من منصبه، وبسطت الحكومة الاتحادية سيطرتها على آبار النفط والمنافذ الحدودية، هل ستكون النجف المكان الأخير لتصحيح أخطاء السياسة الأميركية السابقة في العراق وخلقها لزعامات يقبض بعضها بخناق البعض الآخر من أجل المال والسلطة؟
إذا كان حكم الزعامات السياسية وعوائلها للإقليم الكردي قد أنتج نظاما شبه مستقل عن حكومة بغداد، فإن سلطة الزعامات الفقهية في النجف وعوائلها أنتجت نظاما طائفيا يسير حكومة بغداد. وإذا كانت تجارة النفط في كركوك تسيطر عليها الزعامات السياسية والبيشمركة، فإن تجارة النفط في البصرة بيد الزعامات الفقهية الشيعية ومليشياتها.
بالتأكيد ليس من السهل تهميش الزعامات الفقهية وتفكيك الميليشيات التابعة لها، كما حدث في إقليم كردستان، بعد أن رسخت سلطتها من خلال نفوذها في البرلمان، ووفرت الغطاء القانوني لميليشياتها بمصطلح “الحشد الشعبي”، لكن مظاهر أزمة اقتتال بين ميليشياتها والولايات المتحدة بدأت تتكشف على إثر تصريح لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قال فيه إن الوقت حان للميليشيات التابعة لإيران والمتواجدة في المدن السنية بذريعة قتال داعش أن تعود إلى ديارها، ويقصد إلى مدنها الشيعية، بالإضافة إلى أن جميع الجهات الخارجية المتواجدة في العراق تحتاج العودة إلى ديارها ومنح العراقيين فرصة استعادة وبناء دولتهم، ويقصد إيران.
استنكر رئيس الوزراء حيدر العبادي تصريح تيلرسون وقال إن الحشد الشعبي تحت سلطة الحكومة العراقية، وإن المقاتلين في صفوف هيئة الحشد الشعبي هم عراقيون وطنيون.
الحقيقة استنكار حيدر العبادي يفتقر للمصداقية، خاصة بعد استخدامه لعبارة “الحشد الشعبي” كبديل لعبارة “الميليشيات التابعة لإيران” كما وردت على لسان تيلرسون، ربما بسبب حيرته بين مسؤوليته الوظيفية التي تحتم عليه السير وفق الاستراتيجية الأميركية وبين مسؤوليته الحزبية التابعة لسياسة إيران، أو تأرجحه بين الولاء للطائفة الذي يفرضه انتمائه الحزبي، وبين الواجب الوطني في رعاية مصالح العراق وشعبه.
يعلم حيدر العبادي أن الميليشيات الشيعية التابعة لإيران ليست المواطنين المدنيين الذين اضطروا إلى حمل السلاح وقتال تنظيم داعش دفاعا عن أهلهم ومدنهم. الميليشيات التابعة لإيران قوات مسلحة يقودها الجنرال قاسم سليماني، تقاتل لصالح المشروع الطائفي الإيراني، وقد صرحت قيادات تلك الميليشيات في أكثر من مناسبة بأنها تخضع لسلطة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لا لسلطة الدولة العراقية.
وكان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي حذر حيدر العبادي، أثناء زيارته لطهران، من أن الولايات المتحدة الأميركية ستوجه ضربة أخرى للعراق إذا سنحت لها الفرصة. تحذير مريب يدعو إلى التساؤل عن أسباب الضربة الأميركية والجهات المستهدفة منها.
هل هناك غير الميليشيات التابعة لإيران؟ وهل هناك علاقة بين تحذير خامنئي وبين تحذير طهران للزوار الإيرانيين المتوجهين إلى العراق لزيارة المراقد الدينية من الاحتكاك بالعراقيين؟
هل تهديد الأمين العام لميليشيات العصائب، قيس الخزعلي، لأميركا، ووصفه لوزير خارجيتها بالوقح أو الجاهل يعني أن إيران تسعى لفتح جبهة مع أميركا في العراق للدفاع عن نفسها؟
قيس الخزعلي يقول إن الحشد الشعبي ينتمي للنجف وعشائر الجنوب، ماذا عن باقي الطوائف والقوميات التي تقاتل في الحشد الشعبي؟
تبقى سلطة السيستاني على شيعة العراق الحد الفاصل بين بقاء تلك الميليشيات أو تفكيكها. ولأن الأزمة تُحل بالضرورة، صار تعاون السيستاني مع أميركا لعزل العراق عن إيران ضرورة، لا للحفاظ على كيان الدولة التي تستضيف السيد الفقيه، ولكن لمواجهة مشروع الولاية الذي تهدد تداعيات انهياره القريب شيعة العراق ومدنهم. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | وصية البارزاني.. حلم لم يتحقق |
فاروق يوسف |
العرب |
كان الأكراد في ما مضى مجرد عصاة متمردين في الجبل. لكنهم اليوم شعب يقول كلمته في سياق عملية ديمقراطية.
ترك مسعود البارزاني وصيته للأكراد. ليست تلك الوصية سوى الاستفتاء الذي أصر البارزاني على إجرائه وقرر الأكراد بموجبه الانفصال النهائي عن العراق.
لم تعد عراقية الأكراد مادة للتفاوض. لقد قطع الأكراد الطريق على أي جهة تسعى إلى استرضائهم أو إغرائهم بالبقاء في العراق عالقين بين وهم الدولة المتحقق نظريا وبين دولة الوهم التي تم فضحها واقعيا.
كان الأكراد يعيشون حياة مستقلة عن سلطة بغداد التي فقدت مركزيتها، غير أن ذلك الاستقلال الذي شكل عنصر استفزاز بالنسبة لباقي أجزاء العراق التي ظلت تعاني من الإعاقة بسبب نفوذ الأحزاب المشاركة في الحكم لم ينفع الأكراد في شيء وبالأخص على مستوى تحسين أوضاعهم المعيشية.
حلم الأكراد بدولتهم لا يعني تخلصهم من وصاية بغداد فحسب بل وأيضا انطلاقهم نحو العالم باعتبارهم شعبا صنع بإرادته حريته. حلم لم يتحقق منه شيء.
لقد ظل الآلاف من الأكراد متمسكين بحقهم في اللجوء في أوروبا باعتبارهم جزءا من شعب مضطهد. والأدهى من ذلك أن حكومة الإقليم الكردي كانت ترفض استقبال الأكراد الذين رُفضت طلبات لجوئهم وقررت سلطات الهجرة الأوروبية ترحليهم إلى كردستان.
كردستان الآمنة لم تكن مستعدة لاستقبال أبنائها. بالعودة إلى استفتاء الانفصال يبدو ذلك الرفض ملتبسا.
أما كان في إمكان البارزاني وهو الذي يرفع شعار العلمانية أن يمهد لإقامة دولته المستقلة بمنطقة تنعم بشيء من العدالة الاجتماعية بحيث تستوعب المشردين من الأكراد حول العالم؟
كان من المتوقع أن يراهن العراقيون على نجاح التجربة الكردية باعتبارها تجربة رائدة في مجال الديمقراطية غير أن تلك التجربة كشفت عن هشاشتها في أول اختبار واقعي تمر به.
الحصاد الكردي من الاستقلال الذي استمر أكثر من ربع قرن لم يكن مثلما تصوره الآخرون كبيرا. هناك انقسام داخلي يتوزع بسببه الأكراد بين أربيل والسليمانية، باعتبارهما إقطاعيتين مستقلتين.
ولقد خُيل للكثيرين أن البارزاني من خلال إصراره على إجراء الاستفتاء الذي نجح في الوصول إلى النتائج المرجوة منه قد فتح أبواب الجحيم على الأكراد، فمن خلاله اهتزت الثقة بصلابة وضعهم الداخلي.
لو أن البارزاني أصر على البقاء في منصبه بطريقة غير ديمقراطية لكان ذلك القول صحيحا، غير أن البارزاني غادر منصبه بطريقة كريمة ولائقة وهو تصرف سيضعه في مكانه المناسب قائدا تاريخيا.
ستكون المرحلة التي حكم فيها البارزاني موضع مراجعة ومساءلة غير أن ما نتج عنها كان عظيما في تاريخ الشعب الكردي بشكل خاص وفي تاريخ العراق بشكل عام.
كان الأكراد في ما مضى مجرد عصاة متمردين في الجبل. هم اليوم شعب يقول كلمته في سياق عملية ديمقراطية. وهو ما يعني أن ربع قرن من الاستقلال النسبي قد أثمر كلمة سيكون لها أثرها في علاقة الأكراد بالآخرين.
لقد قال الأكراد كلمة الفصل في تاريخهم ولم يكن ذلك ممكنا لولا المغامرة التي قام بها مسعود البارزاني ويظن الكثيرون أنه دفع ثمنها.
نتائج الاستفتاء غير الملزم الذي أقامه البارزاني ستكون ملزمة تاريخيا.
هذا شعب قرر وفق القواعد الديمقراطية ألا يكون جزءا من العراق. وهو قرار يمكن تفهمه من قبل شعوب العالم الحر كلها بالرغم من أن ثمنه سيكون على حساب العراق الموحد الذي لا تزال صورته الأخيرة موضع استفهام.
عبر ربع قرن نجا الأكراد من المركب الهالك الذي اسمه العراق وهم عن طريق الاستفتاء قرروا أن يلتفتوا إلى مصيرهم المختلف. وصية البارزاني ستكون حاضرة في كل خطوة يلقيها الأكراد في اتجاه مستقبلهم الذي صار واضحا أنه لم يعد جزءا من مستقبل العراق.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | سنة العراق يريدون من العبادي أفعالا لا أقوالا
|
العرب | هارون محمد |
حتى ينجح حيدر العبادي في مسؤولياته وينشط في تنفيذ مهماته التي التزم بها أمام التحالفين الدولي والعربي عليه أن يغادر عضويته في حزب الدعوة الطائفي، وهي عضوية باتت صورية بعد أن أحكم المالكي قبضته على الحزب. نتفق مع التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة على أن رئيس الحكومة العراقية الحالية حيدر العبادي يختلف في السلوك والمسار والخطاب عن سلفه نوري المالكي الصاخب شيعيا والمتعجرف حزبيا، والذي لم تسفر تجربته على رأس السلطة التنفيذية وقيادة القوات المسلحة على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة عن نتائج ملموسة على صعيد الكثير من القضايا، أبرزها المصالحة الوطنية وتعمير المحافظات التي نكبت باحتلال داعش والعمليات العسكرية، إضافة إلى غياب الإجراءات اللازمة لإعادة النازحين إلى ديارهم وسحب ميليشيات الحشد من مناطقهم.
ونؤيد دعوات السعودية والإمارات وقطر والأردن إلى زيادة مشاركة السنة العرب في العملية السياسية وفق سقف الدستور ومساندة العبادي في تطبيق سياسات التغيير والإصلاح التي يتبناها.
ولكن المطلوب من هذه الدول الجارة والشقيقة والصديقة، أن تتعاطى مع العبادي على أساس ما ينفذه من خطوات تعيد اللحمة الوطنية وتنهي نظام المحاصصات الطائفية وتلغي تشريعات الاجتثاث وإبعاد ميليشيات الحشد عن المحافظات العربية السنية وتكريس القانون وتعزيز الأمن والاستقرار ومصادرة السلاح المنفلت.
نقول هذا الكلام عقب النجاح النسبي الذي أحرزته أطراف سياسية سنية في اجتماعها الأخير الذي عقدته بعيدا عن الأضواء ووسائل الإعلام في تركيا، وقررت أن تقدم المزيد من الدعم للعبادي والالتفاف حوله في مواجهة تحديات داخلية وخارجية تعمل على إضعافه شخصيا وسياسيا، وتسعى إلى تطويقه والضغط عليه لتنفيذ أجندة إيرانية تقود العراق والمنطقة إلى صراعات وحروب جديدة تنتج آثارا وخيمة على السلم والأمن الدوليين والضحية دائما الشعوب والبلدان التي تنشد الاستقرار والتنمية بعيدا عن التطرف والاحتقان.
وحتى ينجح العبادي في مسؤولياته وينشط في تنفيذ مهماته التي التزم بها أمام التحالفين الدولي والعربي وتركيا، عليه أن يغادر عضويته في حزب الدعوة، وهي عضوية باتت صورية بعد أن أحكم المالكي قبضته على الحزب مستخدما القوة والمال اللذين حصل عليهما خلال ولايتي حكمه (2006 ـ 2014) في تكريس مكانته السياسية، لأن وجود العبادي في تشكيلة هذا الحزب ولو شكليا، لا يثير مخاوف السنة العرب في العراق فحسب، وإنما الكثير من الأطراف الشيعية والكردية، التي تصنفه حزبيا رغم أنه رئيس مجلس الوزراء العراقي وقائد عام القوات المسلحة العراقية.
إن المرحلة المقبلة التي تبدأ مطلع عام 2018 بعد الانتهاء من مشكلات تنظيم الدولة الإسلامية وإنهاء احتلاله لمناطق غربي العراق، تحتم على العبادي اتخاذ سلسلة من الإجراءات أبرزها: تنظيم قوات الحشد الشعبي وفق سياقات عسكرية منضبطة تتمثل في استيعاب الجنود والأفراد في تشكيلات الجيش والشرطة ممن لم يتورطوا في عمليات القتل والتخريب، بعد تدقيق نزيه في ملفاتهم خلال اشتراكهم في المعارك التي شهدتها المناطق والمحافظات السنية ضد داعش.
وسيكون على العبادي إبعاد الضباط “الدمج” وأصحاب الرتب العشوائية، والملالي الذين يتولون حاليا مسؤوليات التوجيه الديني والسياسي لدى فصائل الحشد، وإعادتهم إلى أعمالهم ومهنهم السابقة.
وفي حال لم يحسم أمر هذه الفصائل، فإن استمرار هذه الميليشيات في سيطرتها واحتلالها للكثير من المدن والمحافظات سيخلق حساسيات في هذه المناطق من شأنها عودة عمليات العنف إليها، وهو ما تنتظره خلايا داعش النائمة والخفية لتبدأ دورة جديدة من القتال وتعكير الأجواء والعودة إلى المربع الأول من الحرب على الإرهاب.
والإجراء الثاني الذي على العبادي اتخاذه هو السعي إلى تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة، المقرر تنظيمها في نهاية ابريل 2018، لأن الظروف التي يمر بها العراق حاليا والمتوقع استمرارها إلى ذلك التاريخ لا تساعد على إجرائها، وسط مدن ومحافظات مهدمة ومقفرة من سكانها الذين ما زالوا نازحين سواء في إقليم كردستان أو تركيا أو الأردن، دون ظهور مؤشرات على الأرض تؤكد أنهم عائدون إلى ديارهم في المدى القريب.
بالتأكيد سيواجه العبادي تحديا قويا من زعيم حزب الدعوة نوري المالكي وحلفائه قادة الميليشيات، الذين يريدون إجراء الانتخابات المقبلة بـ“من يحضر” في محاولة منهم لتثبيت مواقعهم السياسية والعسكرية والأمنية، وفرض نواب مرشحين من قبلهم في المناطق العربية السنية، والاستمرار في ملاحقة الشخصيات المعارضة للتمدد الطائفي من المشهد السياسي، ليتسنى للمرتزقة وعملاء إيران و“سنة المالكي” الترشح إلى تلك الانتخابات والنجاح فيها بالتزوير والإكراه، خاصة وأن مفوضية الانتخابات الجديدة شكلت وفق المحاصصات الطائفية وبضغط من المالكي وقادة الميليشيات، وضمت تسعة أعضاء منهم خمسة شيعة، يمثلون حزب الدعوة جناحي المالكي وخضير الخزاعي، رياض غازي ومعتمد نعمة عبدالمحسن، وثالث من ميليشيات بدر واسمه أحمد رحيم بشارة ورابع عن المجلس الأعلى وتيار الحكيم ويدعى حازم الرديني، وخامسهم كريم التميمي ويمثل التيار الصدري، فيما توزع الباقون الأربعة على حزب الاتحاد الوطني الكردي، رزكار حمة محيي الدين وحركة التغيير سعد محمد أمين، والحزب الإسلامي وممثله معن عبدحنتوش وكتلة الحل وممثلها غسان فرحان.
يستطيع العبادي بدعم الولايات المتحدة والأمم المتحدة، تأجيل الانتخابات المقبلة، خصوصا وأن بعثة المنظمة الدولية أبلغت أطرافا سياسية محلية وأخرى خارجية بصعوبة إجراء انتخابات شفافة ونزيهة في أبريل المقبل، ما دام أربعة ملايين نازح لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم.
السنة العرب الذين عاشوا الاضطهاد والتهميش والإقصاء ليسوا على استعداد للمشاركة في العملية السياسية السائدة ومعاونة العبادي وهم لم يلمسوا شيئا مفيدا منه غير الوعود والتصريحات، وبالتالي فإنهم سيضطرون إلى الاتجاه إلى خيارات أخرى تؤمن حياتهم وتوفر لهم الحرية والعمل بلا تسلط أو تدخلات من الآخرين. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | قرحة بغداد وحرب دمشق
|
د. أكمل عبد الحكيم
|
الاتحاد الاماراتية |
في المفهوم الطبي، وبالتحديد في علم الأوبئة، يُعرّف المرض المتوطّن بأنه المرض الُمعدي الذي يستوطن في بلد أو منطقة ما بشكل دائم، وتظل حالات الإصابة ضمن معدلات شبه ثابتة، دون تراجع هائل، أو زيادة واضحة خلال الأوقات المختلفة. فعلى سبيل المثال، يعتبر الجديري المائي من الأمراض المتوطنة في بريطانيا، حيث تتواجد دائماً حالات من الإصابة بالفيروس المسبب للمرض، ولكن ضمن معدلات متقاربة من عام لعام. وعلى النقيض من ذلك، لا تعتبر الملاريا من الأمراض المتوطنة في بريطانيا، رغم تشخيص بضع حالات من الإصابة بالطفيلي المسبب للمرض كل عام، غالبيتها حالات لمسافرين عائدين من مناطق حول العالم متوطنة بها الملاريا. وإذا ما انتشر مرض ما بشكل كبير في بلد أو منطقة ما، أو تزايدت معدلات الإصابة به فجأة، فيمنح حينها لقب الوباء.
ومثلها مثل بلدان ومناطق العالم الأخرى، تستوطن بلدان منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط عدد من الأمراض المعدية. من هذه الأمراض العدوى بالديدان المعوية الطفيلية، وديدان الفلاريا المسببة لداء الفيل، وديدان البلهارسيا، ومرض الجذام، وميكروب التراكوما الذي يصيب جفون العينين. ومؤخراً عاد للظهور على السطح مرة أخرى، مرض ارتبط تاريخياً بمنطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد سوريا والعراق، هو داء الليشمانيات الجلدي، والمعروف محلياً بقرحة بغداد في العراق، وقرحة حلب في سوريا.
وداء الليشمانيات هذا، أو الليشمانيا، هو مرض معدٍ، يتسبب في طفيلي من نوع خاص، ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق لدغة أنثى حشرة ذبابة الرمل، والتي لا يزيد حجمها على ثلث حجم البعوضة، أو من 2 إلى 4 مليمتر فقط. وتوجد ثلاثة أنواع من الليشمانيا، الجلدية والتي تتسبب في قرحة بغداد أو حلب، والأحشائية أي التي تصيب الأحشاء الداخلية وهي الأخطر، والمخاطية الأقل انتشاراً. ويقدر أن الليشمانيا بأنواعها المختلفة تصيب ما بين 700 ألف إلى مليون شخص سنوياً، ورغم أن نسبة صغيرة ممن تعرضوا للعدوى بالطفيلي تظهر عليهم أعراض وعلامات المرض كاملة، ونسبة ضئيلة جداً من المصابين تلقى حتفها بسبب المرض، فإنه بسبب العدد الكبير من المصابين تقتل الليشمانيا نحو 30 ألف شخص سنوياً. ويقع معظم هذه الإصابات بين أفقر شعوب العالم وأكثرهم بؤساً وتعاسة، ويرتبط المرض غالباً بمجموعة من عوامل الخطر، منها سوء التغذية، ونزوح وتهجير السكان، وتدهور الظروف المعيشية والسكنية، وضعف جهاز المناعة، ونقص وشح الموارد المالية.
قائمة عوامل الخطر تلك، اجتمعت كلها مؤخراً في العديد من مناطق وقرى ومدن القُطر السوري، بسبب الحرب الأهلية والصراع المسلح الدائر هناك منذ عدة أعوام، ومثلها في العديد من مدن وقرى العراق الذي يعاني هو الآخر من صراعات مسلحة متتابعة منذ سنوات. وهو ما نتج عنه زيادة هائلة وواضحة في معدلات الإصابة بالليشمانيا بين المجتمعات المحلية، وبين أفراد الأطراف المتسارعة في الدولتين، لدرجة يمكن القول معها إن الليشمانيا الذي حمل دائماً صفة المرض المتوطن، أصبح على مشارف صفة الوباء.
فقبل هذه الكارثة الإقليمية، كانت برامج رش المبيدات الحشرية، وباقي إجراءات واحتياطات الوقاية، ناجحة في الحد من انتشار المرض وحصاره في مناطق محدودة، مع وجود نظام رعاية صحية كفء وفعال، قادر على علاج حالات الإصابة المبكرة، ووقف انتشار الطفيلي من شخص إلى آخر. ولكن حالياً، ومع انهيار البنية الصحية التحتية، وتراكم القمامة والحطام وأنقاض المباني المهدمة، وتوقف نظم الصرف الصحي وشبكات مياه الشرب عن العمل، وانتشار سوء التغذية، وهجرة ونزوح الملايين، عادت «الليشمانيا» لتطل بوجهها القبيح مرة أخرى، في شكل الآلاف من حالات الإصابة المسجلة في سوريا وحدها خلال الأعوام القليلة الماضية. ومما زاد الطين بلة، أن ذبابة الرمل تلك، تعتمد أيضاً على الكلاب الضالة، وعلى الفئران لاستكمال نمو ونضوج بويضاتها، وهي الحيوانات التي زادت أعدادها بشكل هائل خلال سنوات الصراع المسلح الحالي.
وفي الوقت الذي يشكل فيه الأطفال صغار السن والرضع، الجزء الأكبر من ضحايا ووفيات الليشمانيا الأحشائية، تتسبب أيضاً الليشمانيا الجلدية – وهي النوع الأكثر انتشاراً في المنطقة – في قرحة على الوجه أو اليدين، تترك بعد التئامها ندبه كبيرة الحجم، قبيحة وكريهة المنظر، تسبب تشوهاً واضحاً يرافق المريض باقي العمر. وفي ظل حقيقة أن الأطفال الصغار هم الأكثر عرضة للدغة ذبابة الرمل، يمكن بسهولة إدراك فداحة وأثر هذا المرض على وجوههم البريئة، طيلة حياتهم. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 |
ما قصْد بارزاني بحديثه عن «البيشمركة» وجبال كردستان؟!
|
صالح القلاب
|
الشرق الاوسط السعودية |
في رسالته التي وجهها مسعود بارزاني يوم الأحد الماضي إلى برلمان «بلاده» وأعلن فيها أنه لن يكون رئيساً لإقليم كردستان – العراق، وأنه لن يستمر في هذا المنصب… وأنه «لم يقف معنا أحدٌ سوى جبالنا»، بدا الزعيم الكردي كأنه مصمم على تغيير اتجاهاته السابقة وعلى أساس أنَّ حسابات «الدولة» إنْ هي ليست خاطئة فإنه لم يحالفها النجاح، وأنه لا بد من العودة إلى حسابات «الجبال» والمقاومة، وحقيقة أن مثل هذا التحول الصعب فعلاً غير مضمون العواقب، وأنَّ مغادرة المدن التي غدت في ذروة ألقها وازدهارها والانتقال إلى الغابات والأودية قد يكون ممكناً كخيار ولكنه سيكون في غاية الصعوبة من الناحية الفعلية والعملية. إنه لا شك في أن مسعود بارزاني، الذي قضى طفولته وريعان شبابه في القرى المختبئة في جبال كردستان، والذي رافق والده الملّا مصطفى في سنوات العذاب والكهوف والأودية، يعني أشياء كثيرة عندما يقول: «لم يقف معنا أحد سوى جبالنا»، والمقصود هنا هو الجبال الكردستانية كلها، ما منها في العراق وما منها في تركيا وما منها في إيران، وهذا تحذير يجب أن يأخذه المعنيون بعين الاعتبار، وعليهم أن يضعوا في حسبانهم أن العديد من حركات التحرر في هذا العالم الواسع كانت في الخنادق وأصبحت – كما يقال – في الفنادق، وأنها في لحظة اهتزاز للمعادلات الجديدة قد عادت إلى جبالها وخنادقها القديمة! وهنا فإن ما يجب أن يدركه «المعنيون» هو أنَّ هذا القائد وأنَّ والده الملا مصطفى قبله هما من إنتاج الجبال الكردستانية ومن إنتاج الكهوف وليالي الزمهرير والثلوج، ليس في كردستان العراقية وحدها وإنما أيضاً في كردستان الإيرانية وكردستان التركية، وهذا من الممكن أن يتكرر في أي لحظة إذا بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه الصعب الذي تسير فيه الآن. لقد كان مسعود بارزاني واضحاً في رسالته يوم الأحد الماضي، التي لم تكن في حقيقة الأمر موجهة إلى أعضاء برلمان الإقليم الكردي بقدر ما هي موجهة إلى من يعنيهم الأمر في هذه المنطقة كلها، عندما قال «مشدداً» إنه سيبقى مقاتلاً في قوات «البيشمركة» وإنه سيواصل العمل من أجل الحفاظ على المكاسب التي حققتها كردستان. ربما أنَّ البعض يرى في هذا الذي قاله مسعود بارزاني في رسالته الآنفة الذكر بعض المبالغة، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن كلَّ شيء جائز، وأنه حتى الإنسان عندما يصبح ظهره إلى جدار أصمّ يلجأ إلى أكثر مما هو متخيَّل ومتوقَّع، والواضح أن هناك حتى من بين الكرد أنفسهم من يدفع هذا القائد الكردي دفعاً إلى ما يعتبرونه انتحاراً، وحيث إن مغادرة أربيل والصعود إلى الجبال والعودة بـ«البيشمركة» إلى ما قبل بدايات تسعينات القرن الماضي، عندما كانت تقاتل بأسلوب حرب العصابات: «اضرب واهرب»، ليست سهلة بعد فترة الاسترخاء الطويلة هذه. إنه غير صحيح، وعلى الإطلاق، بل إنه تجنٍّ ظالم أن يصل الافتراء بالمعارضين لهذا الرجل إلى أن يصفوه بأنه مؤسس الحكم الذاتي في هذا الجزء من كردستان القومية «الكردية»، وأنه هو من هوى بهذا الحلم نتيجة مغامرة «الاستفتاء» الأخيرة الخطيرة، فالمعروف أن كفاح الشعوب يمر بمنعطفات متعددة، وأنَّ الصعود إنْ ليس في كل الأحيان ففي بعض الأحيان يتبعه نزول، فهذه هي سنن الحياة، والمعروف أن مثل هذا التوصيف قد أُطلق على العديد من القادة التاريخيين من قِبل مناوئيهم، وأن تشي غيفارا لم يسلم منه، وأن شارل ديغول كان قد تعرض له، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القائد الجزائري الكبير أحمد بن بيلا، وأيضاً إلى القائد الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار). نعم… ربما أخطأ مسعود بارزاني في حساباته التي ذهب على أساسها إلى خطوة «الاستفتاء» هذه، والمفترض أنه كان عليه قبل الإقدام على هذه الخطوة الخطيرة أن يستطلع الموقف الأميركي، وأن يجس نبض الدول الإقليمية كلها، وأن يدرك أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، وأن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي استعان به لمواجهة أكراد ديار بكر لن يتخلى عنه وفقط بل سيضع يده في أيدي الإيرانيين للقيام بكل هذا الحشد الذي قاموا به، ثم ولقد كان على هذا القائد الذي واجهته صعاب كثيرة خلال مسيرته التاريخية الطويلة أنْ يؤمِّن جبهته الداخلية قبل الذهاب إلى هذه الخطوة التي أشعرت طهران وأنقرة بالخطر، وبأن العدوى الاستقلالية والانقسامية ستنتقل إليهما إنْ لم تتحركا سريعاً وفي اللحظة المناسبة. والسؤال هنا هو: هل يا ترى أنَّ هناك من شجّع مسعود بارزاني على الاستعجال بخطوة الاستفتاء هذه، وأن هناك من دفعه دفعاً إلى القيام بهذه الخطوة وفي هذا الوقت غير الملائم لتحجيمه والقضاء على الحلم الكردي وإبعاد التطلع الاستقلالي عن أكراد إيران وتركيا وبالتالي عن أكراد العراق ولسنوات طويلة؟! إن كل شيء جائز، وإن سرّ هذه المسألة وبلا أدنى شك عند مسعود بارزاني وعند الطرف الآخر الذي هو إمّا إيران وإما تركيا وإما الولايات المتحدة وإما بعض أطراف الحكومة العراقية… وأيضاً إما روسيا… لمَ لا؟ فالأمم لها سياسات واستراتيجيات، ولعل مَن لعب هذه اللعبة له مصلحة في إسقاط هذا القائد الكردي… الرمز فعلاً، وله مصلحة في إحباط الحس القومي للأكراد العراقيين والأتراك والإيرانيين… والأيام قادمة… وإنَّ غداً لناظره قريب! والمهم، وخلافاً لما يتوقعه كثيرون، فإنّ مما لا شك فيه أيضاً أن هذا «الزلزال» الذي ضرب كردستان العراقية قد أيقظ الوجدان القومي الكردي لدى أكراد تركيا ولدى أكراد إيران… وأيضاً لدى أكراد سوريا، والمؤكد أن هؤلاء جميعاً باتوا ينظرون إلى مسعود بارزاني كما كان أجدادهم وآباؤهم ينظرون إلى والده الملا مصطفى، أولاً بعد انهيار جمهورية مهاباد الكردية الإيرانية المعروفة، ثم بعد عودته من منفاه الشديد القسوة في الاتحاد السوفياتي، وأيضاً بعد اتفاقية الجزائر الشهيرة بين صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي في عام 1975. ربما لا، بل المؤكد أن حسابات البيدر لن تتطابق مع حسابات الحقل بالنسبة إلى الذين ظنوا أن إفشال خطوة «الاستفتاء» هذه التي ترتبت عليها كل هذه التطورات التي أهمها ما حصل مع هذا القائد، ستعني غفوة طويلة للوجدان القومي الاستقلالي الكردي، وستعني غياباً بلا نهاية لما يعتبر مشكلة كردية. فالواضح، حتى حدود اليقين، أنَّ ربَّ ضارة نافعة، وأن هناك إرهاصات ومؤشرات واضحة على أن هذا الذي جرى سيُنعش الثورة في أفئدة الكرد في كل الدول التي يوجدون فيها، وأن هؤلاء يتحلقون حول مسعود بارزاني الذي ثَبَت، وكما كان أبو عمار يردد في الأوقات الصعبة والعصيبة «يا جبل ما يهزك ريح»، أنْ لا منافس له وأنْ لا قائد غيره في المدى المنظور. الآن هناك ثورة كردية مسلحة في كردستان الإيرانية، وهناك استمرارية ضاغطة لعمليات حزب العمال الكردستاني – التركي الـ(PKK)، وهناك انتعاش كردي في سوريا بعد تحرير مدينة الرقة وبعد الإنجازات التي حققها تنظيم «سوريا الديمقراطية»، وهذا يعني أن مسعود بارزاني عندما قال في رسالة يوم الأحد الماضي: «لم يقف معنا إلا جبالنا» وأنه سيبقى مقاتلاً في قوات «البيشمركة» فإنه يعني ما يقول… والأيام قادمة وستحمل معها الكثير من المستجدات على هذا الصعيد وعلى غيره!
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | حكومة بغداد والأكراد: التفاوض أصعب المعارك
|
عبدالوهاب بدرخان | الحياة السعودية |
تستدعي واقعة الاستفتاء الكردي وانعكاساتها تساؤلات عديدة: هل كان الاستقلال كحلم تاريخي طموحاً واقعياً منذ إقرار دستور 2005 الذي شارك الأكراد في صوغه؟ وهل أن ظروف الدعوة إلى الاستفتاء كانت مواتية إقليمياً ودولياً؟ وهل أقنعت التداعيات، بعد إجرائه، القيادة الكردية بأنها ارتكبت أخطاء ليست في مصلحة الإقليم وشعبه؟ وهل يمكن أي مفاوضات مع الحكومة المركزية أن تمكّن القيادة الكردية من معالجة تلك الأخطاء، أو تعيد الإقليم الى ما كان عليه قبل خسارة سيطرته على «المناطق المتنازع عليها؟».
لم يمت حلم استقلال كردستان بتنحّي مسعود بارزاني، ولا حتى بـ «الخيانة العظمى» كما سمّاها بالإشارة الى إقدام بيشمركة حزب الاتحاد الوطني الديموقراطي على تسليم كركوك الى ميليشيا «الحشد الشعبي» التابعة لإيران، ولا بتقاطع مصالح الآخرين من أصدقاء وخصوم. لكن الحلم الذي بلغ مئة عام وأكثر تأجّل مجدّداً وقد يواصل الابتعاد الى أجل غير معروف. فالدول الأربع المتضرّرة، تركيا وإيران والعراق وسوريا، ظنّت أن الترتيبات الدستورية العراقية وجدت حلّاً للمسألة الكردية، عبر فدرلة الإقليم بما تتضمّنه من حقوق واستقلالية، لكن الاستفتاء والاستعداد للانفصال أعادا المسألة الى المربع الأول ودقّا ناقوس الخطر: فمنذ الآن يعود الأكراد خطراً على الأمن القومي في تلك الدول التي ستُسخّر في مواجهته كل مصالحها وعلاقاتها الخارجية وسياساتها الدفاعية.
كان بارزاني دائم الإيحاء بأن ما يحدث في كردستان العراق غير معنيّ بطموحات أكراد دول الجوار وأوضاعهم، وحرص على علاقات جيّدة بين أربيل وطهران وأنقرة ودمشق (قبل أن تغرق في دوّامتها)، وبالنسبة الى سورية كان أقرب الى الأكراد المعارضين لنظام بشار الأسد منه الى أكراد «الاتحاد الوطني» المتفرّع عن «حزب العمال الكردستاني» (المناوئ للحكم في تركيا). وكما قاتلت بيشمركة كردستان العراق تنظيم «داعش» تماهى الحزبان الأصل والفرع لمحاربته في سورية حيث ظهرت صور عبدالله أوجلان في الرقّة وصور لمقاتلين وشعارات الـ «بي كي كي» في دير الزور. وتفيد مصادر عدّة بأن أكراد الجوار، بمن فيهم أكراد ايران، أوصلوا رسائل الى بارزاني تبلغه فيها أن «توقيت الاستفتاء» غير مناسب لها، بل إنه قد يعرّضها لأخطار. فمقاتلو «بي كي كي» في سورية ملتزمون مع «ب ي ج» (وحدات حماية الشعب)، في اطار «قوات سورية الديموقراطية»، المساهمة في الحرب الأميركية على «داعش»، قبل أن يعودوا الى تركيا وقد اكتسبوا خبرة قتالية. ومقاتلو «ب ي ج» في «قسد» انجزوا جانباً كبيراً من مشروع «الإقليم الكردي» في سورية ويوشكون أن يحصلوا على ضمان روسي له، إضافة الى الضمان الأميركي، وشعروا بأن استفتاء أربيل قد يخلق عراقيل غير متوقّعة. أما أكراد ايران الذين يواصلون تنظيم أنفسهم فيخشون ارتدادات انفصال كردستان العراق عليهم.
المؤكّد أن تركيا وإيران ما بعد الاستفتاء لم تعودا كما قبله، والواقع أن اجراءات القطيعة وإغلاق الحدود لم تكن مفاجئة. فهي كانت جزءاً ثابتاً في حسابات أي خطوة استقلالية من جانب كردستان العراق، وفي السابق كان تُضاف اليها تلقائياً اجراءات مماثلة من دول عربية مجاورة، إلا أن ظروف الحرب السورية والصراع مع ايران بدّلت مزاج المنطقة العربية وفتحته على إمكان قبول المتغيّرات ولو على مضض. وإذ تؤكّد الدول كافةً اليوم تأييدها بقاء العراق موحّداً، على أمل أن تبقى سورية موحّدة (فضلاً عن اليمن موحّداً وليبيا موحّدة)، فإن عودة المسألة الكردية الى الواجهة، بإصرار اميركي وعدم ممانعة روسية، أدخلت المنطقة كلّها في سياق اعادة النظر في الخرائط، ورسمت علامات استفهام فوق وحدة أراضي تركيا وإيران وغيرهما. لكن الأهم أن الإبراز الدولي (الأميركي) لـ «إنصاف الأكراد»، كنتيجة لفوضى الحروب الأهلية والإرهابية في المنطقة العربية وتصحيح للظلم التاريخي المتعمّد في اتفاق سايكس – بيكو، يطرح في حدود المعطيات الحالية إجازة أربعة أقاليم/ دويلات كردية تُقتطع من أربع دول، بما يعنيه ذلك من اضطرابات واسعة، وسيكون صعباً وصل هذه الإقاليم/ الدويلات في دولة واحدة بسبب التناقضات بين الأكراد أنفسهم.
يعرف بارزاني كلّ هذه التعقيدات لكنه اعتقد أنه الزعيم الكردي الأول الذي تجمّعت لديه ظروف ملائمة لإعلان كردستان دولة مستقلّة، ومن الخطأ ألّا يستغلّها، بمعزل عمّا اذا كانت نواةً لـ «الدولة الكردية» المتوخّاة أم لا. واقعياً، لم تكن الظروف ملائمة، لا كردياً ولا عراقياً ولا اقليمياً ولا دولياً، بدليل الضغوط التي مورست عليه لتأجيل الاستفتاء ولم يُرِد أن يأخذ مغزاها في الاعتبار، حتى أن العديد من الأصوات داخل الإقليم اعتبرت أن عناده «الشخصي» تغلّب على دوافع «المصلحة القومية».
أما لماذا لم تكن الظروف ملائمة كردياً فلأن الأحزاب الأخرى تشير منذ زمن الى أن «دولة» الإقليم تعاني من أمراض دولة العراق نفسها (فساد ومحسوبية وهيمنة حزب واحد)، وتدعو الى اصلاح اوضاعه وقوننتها إعداداً لاستقلاله، ثم أن الاستفتاء شكّل اختباراً محرجاً لـ «الاتحاد الوطني» في علاقته الوثيقة بإيران… ولم تكن ملائمة عراقياً لأن حكومة بغداد وجيشها يخوضان حرباً على «داعش» فيما يواجهان منافسة شديدة من أتباع ايران وميليشيات «الحشد»، وبالتالي فإن أي تعامل غير صارم مع استقلال كردستان كان سيفجّر الصراع الداخلي، وإذا كان الاستقلال يتطلّب تفاوضاً مع بغداد فإن الدستور والانقسامات السياسية لا يتيحان لها الاستجابة… ولم تكن ملائمة اقليمياً بسبب هواجس تركيا وإيران وقلقهما من الاستخدام الأميركي للمسألة الكردية للمسّ بوحدة أراضيهما، لذلك اندفعت أنقرة الى القطيعة والتصعيد السياسي، أمّا طهران فأمرت قاسم سليماني بدفع الفرقة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين الى حدّ تسليم كركوك… وأخيراً لم تكن الظروف ملائمة دولياً لأن الاستفتاء وضع الدول كافةً أمام خيار «إمّا مع الأكراد أو ضدّهم» من دون التشاور المسبق معها، بل الأهم أنه دفع بـ «الحليف الأميركي» الى اختبار لا يريده وهو في ذروة حاجته الى حكومة بغداد، وفي بداية تصعيد مواجهته للنفوذ الإيراني.
مع استعادة المناطق التنازع عليها، وتضاؤل أوراق المساومة في أيدي القيادة الكرديّة، جاء تنحّي بارزاني واتهامه «الجميع» بخذلان الأكراد ليضعف أيضاً موقف التفاوض للإقليم. فلا «تجميد» نتائج الاستفتاء مقبول لدى بغداد حتى لو اضطرّها الضغط الأميركي إلى تجاوزه، ولا التفاوض سيكون على أساس ما كان بارزاني يطرحه للتخلّي عن الاستفتاء أو تأجيله. والأكيد أن صعوبات كثيرة استجدّت أمام المفاوض الكردي، وأبرزها أن بغداد تشترط سيطرة الدولة الاتحادية على أراضي العراق قبل الشروع في التفاوض، الذي يُتوقّع أن يبدأ من نقطة الصفر. وطالما أنه سيُجرى على أساس الدستور فإنه قد يفتح نقاشاً جديداً على المصطلحات والمفاهيم: الدولة الاتحادية، الإقاليم الفيديرالية، تقرير المصير، الحدود، الحقوق، النفط، الدفاع، الأمن، السياسة الخارجية… وبناء على موازين القوى الحالية فإن الأكراد سيحاولون الحدّ من الخسائر في المكتسبات التي حقّقوها، ولا يمكن التوصّل الى اتفاق إلا اذا وافقوا على أن يبقى الإقليم جزءاً في كنف الدولة الاتحادية. هذا منطقيٌّ دستورياً لكنه أقلّ من «حلمهم»، وإذا لم تتغيّر الظروف داخلياً وإقليمياً سيصعب عليهم تفعيل سعيهم الى الاستقلال.
كل ذلك لا ينفي أن «الدولة الاتحادية» نفسها ليست مؤهّلة عملياً للتفاوض، صحيح أن الدستور يمنحها الحجة والصلاحيات لتصويب العلاقة بينها وبين الإقليم، لكنه لا ينفع حَكَماً بينها وبين الأكراد من دون سواهم. فـ «الدولة» تكون فوق الجميع، بمن فيهم أتباع ايران، أو لا تكون. ولا يبدو دفاع حيدر العبادي عن «الحشد» مقنعاً، لسبب بسيط هو أنه يتجاهل انتهاكاته التي بلغت في كركوك وغيرها حدّ تكرار «حملة الأنفال»، ومارست وتمارس في كل المحافظات السنّية اضطهاداً منهجياً للمواطنين. وإذا لم تحتكر الدولة الجيش والأمن والمعاملة القانونية المتساوية للجميع فستكون كمَن يدعو الأقاليم والمناطق الى المطالبة بالاستقلال والانفصال.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | كردستان بالمقاس التركي الإيراني | احمد صبري
|
الوطن العمانية |
”.. بحسب مصدر كردي فإن صيغة الاتفاق بين بغداد وأربيل نصت على موافقة بغداد على أن تدير السلطات المحلية في كردستان مطارات الإقليم، ومنافذه الحدودية مع تركيا وإيران، بإشراف السلطات الاتحادية، مع بدء مفاوضات بين الجانبين للتوافق على صيغة بشأن العوائد المالية المتأتية من المنافذ وحصة الإقليم من الموازنة العامة.”
فتحت التطورات التي شهدتها كردستان العراق خلال الأيام الماضية في أعقاب تنحي رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني من رئاسة الإقليم، وتموضع القوات العراقية في كركوك وعودتها إلى معابر الحدود مع دول الجوار العراقي، فتحت الطريق أمام بغداد وأربيل للبحث عن حلول واقعية تخرج الأزمة من حال عدم الاستقرار إلى حراك قد يفضي إلى تفاهم جديد بين الحكومة الاتحادية وسلطة كردستان. هذه المعطيات الجديدة في الأزمة التي تفجرت في العراق بسبب إجراء الأكراد الاستفتاء قد تسرع الانفراج في ظل توصل الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان إلى تفاهم مشترك حول الإدارة المشتركة للمعابر الحدودية والمناطق المتنازع عليها. وطبقا لمراقبين فإن كردستان عدت ما تحقق مع بغداد بعد أزمة الاستفتاء بأنها خطوة متوازنة بعد أن شعرت بالعزلة لا سيما بعد أن أجرت الاستفتاء الذي لم يحظ بمباركة من المؤثرين بالشأن العراقي. في حين أن بغداد لم تخسر شيئا بسبب الاتفاق الذي جرى بإشراف أميركي. والموقف الأميركي الذي كان وراء التفاهم بين حكومة بغداد وقيادة إقليم كردستان يندرج في إطار حرص واشنطن على تحقيق الصفحة الأخيرة في الحرب على تنظيم “داعش” وتفرغ جميع الأطراف لإنجاز هذه المهمة مهما كانت الخسائر في صراع القوى العراقية على الأرض العراقية. وبحسب مصدر كردي فإن صيغة الاتفاق بين بغداد وأربيل نصت على موافقة بغداد على أن تدير السلطات المحلية في كردستان مطارات الإقليم، ومنافذه الحدودية مع تركيا وإيران، بإشراف السلطات الاتحادية، مع بدء مفاوضات بين الجانبين للتوافق على صيغة بشأن العوائد المالية المتأتية من المنافذ وحصة الإقليم من الموازنة العامة. وعلى الرغم من ردود الأفعال العاطفية من مؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني إلا أنها هدأت لتبدأ مرحلة في معالجة كل الاستحقاقات المنتظرة من حكومة الإقليم. وأول هذه الاستحقاقات عملية إعادة ترميم العلاقات بين أربيل وبين كل عواصم المنطقة وأولها طهران وأنقرة؛ لأن الأحزاب الكردية مطالبة من جهتها بإيجاد أسس وثوابت جديدة ومختلفة للعلاقات فيما بينها، متخطية مرحلة الصراعات الحزبية من أجل توحيد الرؤى والخطط، وهو الأمر الذي تحتاجه كردستان في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى والتعاطي مع مستحقاته واشتراطاتها الجديدة. والسؤال بعد الذي جرى في كردستان: هل تنحي مسعود البرزاني عن صلاحياته كرئيس للإقليم يكفي محور طهران ـ أنقرة وربما واشنطن لفتح صفحة جديدة لطوي صفحة الاستفتاء وتداعياته، وإعادة استئناف دول المنطقة العلاقة مع أربيل بحلتها الجديدة؟ أم أن هناك اشتراطات جديدة تحتاج لوقت إضافي لإقناع العاصمتين بما تحقق قبل التطبيع مع أربيل؟ |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | برزاني يعود للمربع الاول
|
جهاد العيدان
|
راي اليوم بريطانيا |
عادت الحرب الكلامية مجددا بين اربيل وبغداد بعد ان رتبت اربيل اوضاعها بهدوء وتظاهرت بالقبول باجراءات انتشار القوات الاتحادية في المعابر والمخافر الحدودية واعلن مسعود برزاني عدم تجديد رئاسته للاقليم راسما صلاحياته بشكل دقيق ومحدد لعائلته بما يسمح له بتحريك الاوضاع من وراء الستار وقد اكدت مصادر كردية مطلعة بان خطاب برزاني اعد وكتب له من خلال مستشارين صهاينة اشرفوا على كلماته وصاغوه بالشكل العدائي للعراق ولشعبه وبما يضمن له العودة الى المشهد في الوقت المناسب. السيد رئيس الحكومة الاتحادية حيدر العبادي اشتكى من تراجع الاكراد عن مسودة الاتفاق التي تم التوصل اليها مع وفد اربيل بخصوص انتشار القوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها واشار ان الاكراد اعادوا الامور الى المربع الاول قبل تحرك القوات الاتحادية للسيطرة على المعابر والمخافر الحدودية واشار الى ان داعش دخلت وسيطرت على الانبار والموصل من خلال تلك المناطق والمنافذ والمخافر التي كانت تحت سيطرة البيشمركة الكردية . من جانبها هددت قيادة القوات العراقية المشتركة ايضا، باستئناف العمليات العسكرية، واتهمت قيادة اربيل ووفدها المفاوض بالتراجع عن مسودة الاتفاق التي تم التوصل اليها مع الوفد الاتحادي المفاوض بشان المناطق المتنازع عليها. وقالت القيادة ان حكومة اربيل تستغل المفاوضات للعب بالوقت حيث قامت خلال المفاوضات بتحريك قواتها وبناء دفاعات جديدة لمنع انتشار القوات الاتحادية، محذرة القوات المرتبطة باربيل من استهداف القوات الاتحادية عسكريا،لافتة الى انها مامورة بتأمين المناطق الحدودية وانها ستطارد بقوة القانون كل من يتمرد عليها او يتحداها وان جميع المناطق التي ستنتشر فيها ستكون تحت حمايتها. اربيل سارعت الى نفي وجود اتفاق، وهددت بمواجهة عسكرية مع اي تقدم حكومي اتحادي في المناطق المتنازع، وزعمت ان المطالب المقدمة اليها كانت غير دستورية وغير واقعية وتشكل خطراَ على منطقة كردستان ومواطنيها. واتهمت القوات العراقية بانها اشركت الحشد الشعبي في عمليات كركوك والمناطق المتنازع عليها،مشيرة الى ان قواتها العسكرية البيشمركة باقية في هذه المناطق. هذه التجاذبات تقودنا الى طرح عدة تساؤلات هل كانت تهدف اربيل الى ايقاع العراق في الفخ من خلال بعض التنازلات الظاهرية بغية استيعاب الزخم العسكري والسياسي الذي كانت تتمتع به بغداد بداية انطلاق عمليات اعادة المناطق المتجاوز عليها للسلطة الاتحادية ؟هل نفهم ان اربيل تراوغ في مواقفها مع بغداد وان قضية عدم تجديد رئاسة مسعود للاقليم كانت مجرد مسرحية لتمرير اجندات جديدة وخطيرة على بغداد؟ مامعنى لغة السلام وغصن الزيتون مع قتلة الجيش العراقي في مخمور جنوب شرقي الموصل وفي قضاء سنجار ومناطق اخرى ولكن الحكومة الاتحادية تتستر على هذه الاحداث خوفا من انفجار نزيف الكراهية الذي قال حيدر العبادي بالحرف الواحد ان قنوات وجهات كردية تعزف عليه وتمارسه بشكل استفزازي؟. كما ان عددا من الكتاب الكرد طرحوا تساؤلات عن اسباب خسارة مسعود العسكرية والسياسية قبل عدة اسابيع ولماذا يحاول الان لملمة الوضع والدخول في صراع جديد مع حكومة المركز ,هل هي لعبة جديدة يريد مسعود التعاطي معها ام انه اخذ ايعازا من تل ابيب بالعودة الى التسخين واشغال القوات العراقية بعد سقوط داعش المدوي . بالطبع هذه القراءات معقولة في اطار العلاقة التاريخية بين ةمسعود وكيان الاحتلال كما انها تاتي في سياق منع اية تسريبات يتم الكشف عنها بخصوص علاقته بداعش وانه السبب في ادخالهم للعراق والتامر معهم لاحتلال كركوك وبقية المناطق العراقية المتجاوز عليها . ان سيناريو الحرب القادمة باتت متوقعة وان برزاني بصدد التخلص من السليمانية وبغداد على حد سواء وان ماقاله في خطابه لم يكن مجرد استسلام للامر الواقع بل هو تخطيط للقادم فهو لم يتهم جماعة السليمانية بالخيانة العظمى جزافا بل انه كان يريد ان يرتب عليها مخططات ومؤامرات واجراءات معينة كما انه اراد استدراج القوات العراقية الى المخافر والمواقع الحدودية ليضرب ضربته الغادرة التي ستكون في صميم الوضع العراقي . |