9 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 العراق بين حكم “الشريف” وموالاة “الشريفة” سوسن الشاعر الوطن البحرينية
مذيع عراقي يقول في إحدى المحطات العراقية قبل 100 عام طلب العراقيون من أهل الحجاز أن يرسلوا لهم من يحكمهم، فأرسلوا لهم ابن «الشريف حسين» «فيصل» ليكون هذا الملك الأول هو مؤسس الدولة العراقية الحديثة، فحكم هو ومن بعده حكم ابنه غازي، ثم حفيده فيصل الثاني، فكا

نت العراق في أزهى صورها حتى اغتاله العراقيون عام 1958، وجاء حكم الضباط الأحرار على غرار ثورة الضباط الأحرار في مصر 1952، لكن العراقيون لم يفعلوا كما فعل المصريون بترحيل الملك فاروق، إنما اغتالوا فيصل وأسرته.

 

للعلم فقط عندما قتل الملك فيصل الثاني كانت الـ 100 دينار عراقي تساوي 280 دولار أمريكي، واليوم وبعد مرور 100 عام يطالب هذا المذيع أن تستعين العراق هذه المرة بأهل الإمارات بأي من أبناء الشيخ زايد أو أبناء الشيخ آل مكتوم من أجل بناء العراق من جديد، مثلما بنوا الإمارات لتكون مفخرة للعرب، بعد أن جرب العراقيون حكم حزب الدعوة العراقي خلال 14 عاماً فهدم هذا الحزب ما بناه العراقيون في مائة عام وسلموه «للشريفة» إيران.

 

سلم حزب الدعوة العراق لإيران والعراقي يحتاج أن يدفع 250 ألف دينار عراقي ليشتري بهم 200 دولار أمريكي، وعلى طبق من ذهب سلم حزب الدعوة العراق لإيران محطماً مقسماً، تشرد أهله وهجروه، حيث تؤكد رئيسة البعثة الأوروبية لشؤون اللاجئين إيلي أستون أن «العراق اليوم يوضع على رأس قائمة الدول التي يطلب مواطنيها حق اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي ودوله الـ «27» وتزيد نسبة طلبات اللجوء العراقية على 25% من المجموع الكلي للطلبات المقدمة لدول الاتحاد الأوروبي، فيما يليه بالترتيب الصومال ومن ثم أريتريا، وتتركز نسبة اللاجئين العراقيين في ألمانيا وهولندا ومن ثم السويد ودول أوروبية أخرى» وذلك بعد أن كان العراق دولة تمنح اللجوء للمشردين وطالبي العيش الرغد على مدى القرن السابق، ويقول الخبير الاقتصادي العراقي ماجد الصوري في تصريح لـ«باس نيوز» إن «سوء الإدارة المالية التي اتسمت بها الفترة الماضية وانتشار الفساد الإداري والمالي والرشى والمحسوبية خلال السنوات السابقة والتي أهدرت الحكومات المتعاقبة فيها نحو تريليون دولار منذ العام 2003 ولغاية الآن أوصل العراق الى هذه الحالة». مردفاً «لم تستطع تلك الحكومات بناء اقتصاد عراقي حقيقي على أسس ومرتكزات صحيحة، بل على العكس أهدرت الأموال عن طريق مشاريع وهمية أو عن طريق تعاملات يشوبها الفساد الإداري والمالي، وهو ما أدى أن تلجأ الحكومة العراقية إلى الاقتراض وخصوصاً في الفترة الأخيرة منذ عام 2014 حيث بلغت ديون العراق 119 مليار دولار وهو ما لم تصل له العراق طوال تاريخها.

 

وقبل أن يتشدق أحد أن تلك الأحوال التي آل إليها العراق بسبب وجود جماعات إرهابية، فإن البصرة وهي الولاية التي كانت ومازالت خالية من أي وجود داعشي ولا ترى فيها غير التومان الإيراني والإيرانيون يسرحون ويمرحون بل والسياحة الدينية مزدهرة فيها، هرب محافظها المستقيل ماجد النصراوي إلى إيران قبل شهرين، على خلفية تهم بالفساد، وفيما يؤكد مسؤولون محليون أن المحافظة تعاني من فوضى أمنية، دعا نواب إلى فرض حالة الطوارئ في المحافظة قبل خروج الأمور عن السيطرة.

 

وأكد مصدر في الإدارة المحلية في البصرة اليوم الثلاثاء، أن المحافظة تشهد فراغاً إدارياً وأمنياً منذ هروب محافظها المستقيل ماجد النصراوي إلى إيران، في الثاني عشر من شهر أغسطس، موضحاً في حديث لـ«العربي الجديد» أن الأحزاب والمليشيات المتنفذة دخلت في صراع محموم منذ أكثر من عشرة أيام من أجل السيطرة على الحكومة المحلية.

 

وأشار إلى أن بعض أعضاء مجلس المحافظة المتنفذين استغلوا الفوضى الأمنية في البصرة وقاموا بإدخال حماياتهم مع أسلحتهم إلى داخل مبنى الحكومة المحلية، لافتاً إلى حدوث خلافات عميقة بين مكونات المجلس بشأن الشخص المرشح لخلافة النصراوي.

 

إن شئتم فتحنا ملف جميع الدول العربية التي وثقت بالدولة «الشريفة» وتولى حكمهم خدم واتباع وليها «الشريف» لنعرف ما آلت إليه أحوالهم ونقارنها بدول تعتبرها «الشريفة» خصماً وعدواً كالبحرين ولنا الشرف في هذه العداوة والخصومة لأننا لم ولن نخضع لها.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الاستفتاء الكردي بين شبهتي «المؤامرة» و«الخيانة»  

سعد الله مزرعاني

 

 الاخبار اللبنانية
 

 

لا يمكن اختصار أسباب مشروع الاستقلال الانفصالي، عبر استفتاء 25 أيلول الماضي (في كردستان العراق)، بأنه مجرد مؤامرة صهيونية. لا يمكن كذلك اختصار أسباب تعثر هذا المشروع بخيانة فريق كردي مثّله ورثةُ رئيس جمهورية العراق السابق (الراحل بعيد الاستفتاء بأيام) جلال طالباني زعيم حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني».

 

المؤامرة الصهيونية وموقف بافل طالباني، نجل الرئيس السابق، هما عاملان محدودا التأثير في نطاق شبكة معقدة من العوامل الماثلة في مشهد النزاع الدائر في العراق وفي المنطقة، كما انتهى إليه، بالنسبة للأكراد عموماً ولأكراد كردستان العراق على وجه الخصوص. لقد سعت إسرائيل دائماً إلى التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية. وهي حاولت نسج علاقات مبكِّرة مع قادة الحركة الاحتجاجية الانفصالية الكردية. وفي امتداد ذلك نحجت في إقامة علاقات مع الزعيم الكردي المؤسس الأبرز، في أواسط القرن، الماضي الملا مصطفى البرزاني والد رئيس إقليم كردستان الحالي مسعود البرزاني. لكن تلك العلاقات التي لم تنقطع يوماً، لم تتحوَّل، بالمقابل، إلى عامل حاسم في إدارة الدفة الكردية، لا بالنسبة لأكراد العراق، ولا، حتماً، بالنسبة لأكراد تركيا الذين هم أكثرية الأكراد في بلد واحد وأصحاب أكبر ثورة مسلحة اندلعت منذ حوالى أربعة عقود وما زالت مشتعلة حتى يومنا هذا.

لا شك أن الصهاينة عملوا ويعملون على تفتيت المجتمعات العربية وخصوصاً في البلدان المحيطة بفلسطين. وهم، كما الذين سبقوهم من الغزاة والمستعمرين، لجأوا إلى إثارة الفتن عبر تغذية الخلافات والنزاعات والتباينات القومية والعرقية والطائفية والمذهبية. لكن العامل الرئيسي في إذكاء أوار ونار تلك النزاعات إنما كان سببه الأساسي اضطهاد الأقليات وقمعها ومنعها من ممارسة أبسط حقوقها على المستويات السياسية والثقافية والحضارية… سياسة القمع والمنع هذه تناوب على ممارستها «الرجعيون» و«التقدميون»، الملكيون والجمهوريون، المفرّطون بالقومية العربية من مشايخ وملوك وأمراء، وأصحاب الشعارات القومية ممن استولوا على السلطة وتعاملوا بأساليب أكثر فتكاً واضطهاداً وأرسوا معالم قومية شوفينية تطلب لنفسها ما ترفضه لسواها… ولذلك يجب التفتيش عن أسباب نزعة الاحتجاج لدى الأقليات (والكرد أكبرها وأكثرها تعرضاً للقمع والمنع)، في هذا الواقع وليس فقط في تآمر من سعى، من المستعمرين والصهاينة، لاستغلال هذا الواقع من أجل الإمعان في إضعاف شعوبنا: لإخضاعها وإلحاقها ونهب ثرواتها ومصادرة استقلال وحقوق وحريات شعوبها.

ولا بد من أن نستحضر، في هذا الصدد، المبدأ الشهير في القانون والعلاقات الدوليين: وهو مبدأ حق تقرير المصير. ليس هذا الحق مطلقاً بالطبع، لكن الأساس فيه هو ممارسته: في شروط طبيعية ودون الاعتداء على حقوق الآخرين. وقد كانت حركات التغيير أول من طالب به. وكانت الثورة «البولشفية» التي تصادف مئويتها الآن، أول من كرَّس هذا الحق ومن فضح الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول الاستعمارية على حساب حقوق الشعوب ومصالحها. لكن، للأسف، فإن قيادة تلك الثورة تخلّت عن هذا المبدأ لاحقاً، ومارست بخلافه في الاتحاد السوفياتي نفسه وفي العلاقة داخل المنظومة الاشتراكية. فهذه المنظومة استمرت بقوة دبابات «الجيش الأحمر» (تجربتا المجر وتشيكوسلوفاكيا)، تماماً، تقريباً، كما نشأت بقوة انتصارات هذا الجيش في الحرب العالمية الثانية ضد النازية والفاشية.

لقد انخرطت الحركات الكردية، حيث أمكن لها ذلك، في الأحداث والمتغيرات. حاولت تحسين شروط الصراع لمصلحتها ولو جزئياً. كرد العراق كانوا السباقين في الاستفادة من الحرب الأميركية على نظام الرئيس صدام حسين في العراق حين كانوا تعرضوا بشكل متواصل لقمع بلغ حد استخدام أسلحة الإبادة الشاملة (في مدينة حلبجة مع 5000 قتيل). ومن جهتهم ناور كرد تركيا أملاً في تحسين شروط حياتهم والتوازنات داخل بلدهم، لكنهم عجزوا أمام الإصرار التركي على حجب الأساسي من حقوقهم السياسية رغم ما حققوه من تقدم محدود في هذا المجال. وفي سوريا التي عانى كردها من تهميش وتمييز متواصلين كان على الحركة الكردية فيها أن تنتظر اندلاع الأزمة السورية لتحقيق مطالب سياسية وأمنية تمثل أبرزها في بناء إدارة ذاتية برعاية وحماية الولايات المتحدة مقرونة بطرح قيام حكم فيدرالي وإعلانه من طرف واحد في عز الأزمة السورية وبالاستفادة من هذه الأزمة بالطبع. ولم يحصل أي تحوُّل يذكر لمصلحة كرد إيران وحقوقهم فاستمروا يتربصون التحولات ويغذّون أملاً بأن تحمل لهم جديداً على صعيد أوضاعهم وعلاقاتهم.

لا شك أن الكرد قد لاحظوا بأن بعض ما حققوه من مكاسب (في العقد ونصف العقد الأخير) قد فُرض فرضاً على الدول المعنية في مجرى صراعات المنطقة. الأميركيون حملوا راية الحقوق الكردية من أجل استخدام قوة وقضية الأكراد لإضعاف القوى المناوئة لهم ولتصوير أنفسهم حماة الحرية والديمقراطية. كذلك فعل الصهاينة، وإن بدرجة أقل، وبشكل غير مباشر، وخصوصاً في كردستان العراق. ولذلك فقد قرر مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان العراق، المضي في سياسة تطوير المكاسب وصولاً إلى رفع شعار الانفصال والاستقلال في ظل الأزمة وليس بعد انتهائها. وهو، أيضاً، حاول استخدام الاستفتاء والإصرار عليه، لأسباب تتعلق بصعوباته الخاصة وبتزايد النقمة على حكمه بسبب الاستئثار والفساد والفئوية وتمديد ولايته دون مسوغ مشروع. ذلك ما جعله يختار توقيتاً غير مناسب، وجعله يقحم الاستفتاء عاملاً في الصراع على السلطة، ما جعل الموقف الكردي من الاستفتاء غير موحَّد لهذه الأسباب والاعتبارات، وليس، أساساً، بسبب «الخيانة» التي ينسبها البرزاني ومؤيدوه إلى فريق من منافسيه.

فات البرزاني أيضاً، أن الدول المعنية بالوجود الكردي قد دخلت، مؤخراً، مرحلة تقارب تكاد تصبح نوعية، ما مكنها من صياغة مواقف سياسية واقتصادية، وحتى أمنية وعسكرية، واحدة، ضد مشروع الانفصال. وهكذا تبين، سريعاً، أن الاستفتاء خطوة غير محسوبة، وذات توقيت غير ملائم، ووظيفة فئوية لا تحظى بالحد الضروري من الإجماع الكردي…

طبعاً لا يمكن الموافقة، مرة جديدة، على التعامل مع حقوق الأكراد بوسائل الترهيب والمناورات العسكرية والحصار والقمع والقوة. هذه الأساليب هي امتداد للسياسات الفاشلة أو الفاشية السابقة. ومن شأنها، بالتأكيد، استمرار الأزمة ومفاقمتها. كذلك من الواجب أن تستفيد الحركة الكردية من أخطائها. ذلك أن مسألة كالانفصال ستلحق أضراراً حقيقية بشعوب ودول عديدة ولا يمكن تقريرها بشكل منفرد وبما يخدم مشاريع استعمارية أو صهيونية.

اليوم تعاني شعوب المنطقة من حروب وإجرام إرهابي لا مثيل لهما. هي تعاني، خصوصاً، من تطرف ديني، وظفته قوى معادية متربصة من أجل تعميم الفتن والخراب وتضييع الحقوق والقضايا العادلة لشعوبنا وفي مقدمتها قضية الصراع مع العدو الصهيوني الغاصب والمعتدي… الأحرى بالقوى التي سارعت إلى التوحد ضد الاستفتاء وسواها أن تتوحد ضد العدوان الخارجي والتآمر الأميركي والصهيوني، وأن تتخلى عن كل دور لها في الانقسام الطائفي والمذهبي خصوصاً (فضلاً عن سياسات القمع والاضطاد القومي والاعتداء على الحقوق والحريات). فهذا الأخير، أي الصراع المذهبي، هو الأخطر الآن، ومسؤوليته تقع، بالتأكيد، على القوى المحلية قبل القوى الخارجية المتآمرة!

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   وحدة العراق بمقاسات الحرس الثوري الإيراني  حامد الكيلاني   العرب بريطانيا
 

هل تحققت الوحدة العراقية أخيرا على مقاس المشروع الإيراني، برفع شعار عدم التفريط بشبر واحد من الأرض العراقية خارج سلطة ولاية المرشد علي خامنئي.

ما يقال إن الأكراد في العراق لا أصدقاء لهم سوى الجبال يتردد صداه في جميع أنحاء العراق لأنه من دون صداقة الجبال سيكون العراق فاقدا لأهم عناصر الطبيعة وجمالها ومصايفها ومشاتيها وعيون وشلالات المياه التي طالما كانت مصدرا للسياحة والتواصل والعلاقات الاجتماعية بين أبناء الشعب العراقي.

 

هل بين أهل العراق من لا يحتفظ بذكريات جميلة عن تساقط الثلوج وهي مشاهد نادرة في العراق ومحدودة؟ الانتعاش الاقتصادي كان ينعم به إقليم كردستان كجزء من الدولة العراقية لتساويه في توزيع المرتبات للعاملين والموظفين كما في باقي المدن العراقية، لكنه كان يزيد عليها في واردات السياحة ومعظمها من داخل العراق وحتى من الزوار القادمين من دول الخليج العربي أو من دول الجوار.

 

الصعوبات ارتبطت دائما بعدم الاستقرار وارتباك الأمن ومفاجآت تغير مزاج المناخ السياسي ومغذياته الخارجية في صفة قد تنطبق على مساحة العراق، إلا أنها في كردستان أكثر وضوحا لأسباب شتى أهمها الإحساس الخاص لدى الأكراد بفقدان هويتهم الوطنية الخاصة لعائديتهم إلى عراق بهوية عربية، وهي عقدة لا يمكن تجاوزها بالعلاقات الإنسانية الطيبة أو بالتصاهر بين الأسر أو بالمشتركات التجارية.

 

وقائع المتغيرات أثبتت أن الانكفاء وآثار الانقسامات الطائفية في المدن العراقية بعد الاحتلال الأميركي تكتلت في مجموعات وتبادل سكاني مناطقي خفي وغير معلن يقارب التغيير الديموغرافي السري المتقابل، وهذا يفسر لنا حقيقة المشاعر الكردية تجاه رغبتهم بالانفصال أو الاستقلال بكامل مقومات الدولة دون الإخلال بصلاتهم النوعية مع باقي امتدادهم الجغرافي نزولا إلى البصرة.

 

حتى ثمانينات القرن الماضي كان الكثير من الأكراد يعيشون بعزلة حضارية لا يشكون منها ولا يتذمرون، والتقيتُ برجال كبار في السن لا يعرفون أسماء حكام العراق ولا تعني لهم السياسة شيئا في حياتهم إلا حين تفجعهم المداخلات العسكرية الصادمة لوجودهم، أو حين يتعرضون لاقتحامات الميليشيات الكردية التي كانت تعتاش على أرزاقهم ومحاصيلهم، لكنهم قبل تصاعد الحراك المسلح لم يجرب بعضهم مجرد الوصول إلى مراكز المدن في أربيل والسليمانية لانعدام الطرق الحديثة وصعوبة التنقل ومشاق الرحلة.

 

تعجبت تماما من إدارة بعض القرى البعيدة لشؤونهم الصحية وبالذات الحالات الطارئة، فتبين أنهم يعتمدونعلى العلاجات الطبيعية وخبرات تجريبية لبعض الأفراد من رجال أو نساء. هذا الواقع بلا مبالغة كان حقيقيا تماما إلى بداية الستينات مع بروز التمرد الكردي على سلطة الدولة في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم الذي سمح للقيادات الكردية وأسرهم بالعودة من الاتحاد السوفييتي. في العهد الملكي لم تنقطع المناوشات لكن الحركة الكردية الحديثة تبلورت في العام 1961.

 

هل كانت هناك حقوق خاصة للأكراد قبل ذلك؟ نعم فهم مواطنون عراقيون في تساويهم بالخدمات العامة. في مدارسهم دروس للغة الكردية إلى جانب اللغة العربية لأن الحروف متقاربة مع تغييرات بسيطة تشبه الكتابة اللفظية في العروض العربي، ودرس اللغة العربية كان العرب مشمولين به من الذين يقطنون في المدن الكردية. ومنذ السنة الدراسية 1960 -1961 صدرت تعليمات بتكريد جميع الدروس الإنسانية والعلمية وفتح مدارس معدودة للتلاميذ والطلبة من عرب العراق في المدن الكردية.

 

في السبعينات صدرت تعليمات بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتي بتدريس اللغة الكردية في الثانويات ببغداد والمحافظات الأخرى، وباشرت شخصيات مهمة في الدولة تعلم اللغة الكردية لما يبعثه ذلك من تطمينات في الاندماج في وطن واحد يتم فيه تبادل العلاقات وتهدئة الخواطر والتفاهم أيضا في الحالات الحرجة.

 

بداية اشتعال فتيل الأزمة الأصعب وملحقاتها كانت في طبيعة العلاقة الحدودية مع إيران وفي مناطق جبلية وعرة وشاقة جدا. كانت الحدود قبل العام 1974، كما يتذكر بعض العراقيين، عبارة عن صخرة مكتوب عليها الحدود العراقية وصخرة أخرى بالقرب منها مكتوب عليها الحدود الإيرانية، ولأن المخافر الحدودية متقاربة كانت الحياة اليومية توحد العلاقات بين أفراد المخافر في تلك الأماكن القاسية حد تحريك الصخرة الحدودية إلى أمتار قليلة داخل إيران أو داخل العراق كمزاح بينهم.

 

لكن ما حصل بعد التمرد الواسع في العام 1974 حوّل المناطق الحدودية هذه إلى شريط ملتهب بتداعيات أمنية متفاقمة تدفقت منها الأسلحة المهربة، وطبعا ما أصعب السيطرة عليها عن طريق المشاة أو الآليات القتالية ولذلك كان سلاح الطيران الحل الوحيد لمعالجة الأهداف مما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين في القرى النائية المترامية على الجبال وفي الوديان القريبة من الحدود والتي تشكل ملاذات للمهربين والمقاتلين.

 

دفع ذلك القيادة العراقية إلى اقتراح بناء قرى تتوفر فيها خدمات الماء والكهرباء وبمجمعات قريبة من الطرق الرئيسية في فكرة لإدماجها في واقع جديد اعتبرته الدولة منجزا يساعد تلك العوائل على حياة مختلفة أفضل، ويؤدي كذلك إلى تنفيذ خططها الأمنية، وبدأت بحملة فتح الطرق وتعبيدها وإيصال الكهرباء إلى أقصى القرى.

 

كان ذلك التصرف مفترقا لرفض شديد من الذين شملوا بالقرار رغم أنهم استلموا تعويضات مجزية شملت حتى عدد الأشجار التي كانت ضمن ملكياتهم في قراهم الأصلية. اعتبر الإجراء تغييرا سكانيا قسريا لغايات سياسية وعسكرية مما دفع المئات أو الآلاف من الشباب إلى الانخراط في فصائل الكفاح المسلح للحركة الكردية، لأن القيادات السياسية للأكراد عثرت على فرصة تحريض ضد الدولة بدوافع وصفتها بتهجير ممنهج للسكان الأكراد لوضعهم في مجمعات اعتبرها الأكراد سجونا ومعتقلات.

 

بهذه الوقائع والروحية الخاصة كانت تتفاعل الحركات الكردية والأحزاب المعروفة الآن والتي يمكن اختصارها بالعشيرة أو القبيلة البارزانية وتاريخها. كل الآخرين كانوا جزءا منها أما الانفصال عنها بأحزاب أخرى فهو نتيجة منطقية لنمو الشخصيات وتراكم الخبرات والأفكار.

 

الطابع الأساس لجميع القوى الكردية لا صلة له بقواعـد السياسة العامة، محلية كانت أو دولية، والتعاطي السياسي حتى لما نراه الآن مبني على قواعد قبلية مسلحة تشعر بالظلم العام حتى مع توفر كل اشتراطات التحرر لأنها بلا هوية وطنية معترف بها دوليا.

 

إنسانيا التعاطف لا يلبي الطموحات، والأكراد جربوا العالم ودول الإقليم والدولة العراقية. الشعور بالمؤامرة على قضيتهم لم يكن هوسا فقط بل كان، في بعض مفاصلها، حقيقة متكررة لأن ذلك أساسيات أي دولة حاكمة في رفض استخدام القوة من قبل أي مجموعة تخضع لصلاحياتها.

 

كل القوى السياسية الكردية خرجت من معطف الملا مصطفى البارزاني لذلك هناك أبوة نوعية وضمنية لابنه مسعود البارزاني عليها وعلى الشعب الكردي عموما، لا علاقة لها بانقسامات الواقع السياسي أو المصالح أو القرب من الأطراف الإقليمية.

 

لذلك فإن ما جرى في كركوك من انسحاب تم إيجازه من قبل الحزب الكردي الأم ونعني به الحزب الديمقراطي الكردستاني بمفردات الخيانة. سبق أن وصل النزاع في التسعينات إلى حد الاقتتال واستعان مسعود البارزاني رغم الواقع السياسي وصعوبات الحصار على العراق حينها بالقيادة العراقية التي أعادت الأمور إلى توازنها بين حزب جلال الطالباني وحزب مسعود البارزاني، وربما ما يحصل اليوم هو انتقام مؤجل استغلته إيران مع حزب الاتحاد الوطني.

 

هل تحققت الوحدة العراقية أخيرا على مقاس المشروع الإيراني برفع شعار عدم التفريط بشبر واحد من الأرض العراقية خارج سلطة ولاية المرشد علي خامنئي. الحقيقة في زلة لسان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مؤخرا عندما أراد أن يقول الحشد الشعبي إلا أنه استبدل كلمة الحشد بالحرس ثم استدرك؛ لكن متى يستدرك العالم زلة احتلال العراق؟

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  أسئلة انسحاب داعش أو طرده

 

 عدلي صادق

 

   العرب
ستظل غائبة حقائق الممارسات والخطط والمواقف التي اكتنفت قيام داعش وحطامه. اليوم، بدأت مرحلة المحاصصات واللعب والمقايضات على وحدة الأراضي السورية، وكذلك مرحلة المحاصصة السياسية وعطايا النفوذ.

وسط غابة من الألغاز، شوهدت صور انسحاب بقايا تنظيم داعش من الرقة، وهو انسحاب لم يجر اعتراضه ولا استكمال نَبَئِه بإيضاح الوجهة التي انسحب إليها الإرهابيون المتوحشون. فقد مر نبأ الانسحاب، مثلما مر ويمر فعل “الطرد” دون “السحق” في البيانات العسكرية، التي تفاخر بأنها طردت داعش، دون أن تكلف نفسها صراحة، الإيضاح إلى أين كان هذا الطرد؟

 

فمن المؤكد أن الانسحاب، مثل الطرد، يكون إلى موضع قتالي آخر للقوة الظلامية المتوحشة الموبوءة بأسوأ أمراض الخيانة. وليس مستبعدا أن يصدر عن داعش نفسه بيان يلـمح إلى انتقال القوة المنسحبة إلى مدن أوروبية أو إلى سيناء أو الجزائر، وسط استغراب الجميع كيف ينتقل هؤلاء بهذه البساطة ومن الذين يساعدونهم، بينما المسافرون الطبيعيون أصبحوا يعانون شقاءً في السفر والتفتيش اليدوي والممغنط. ثم ليس لداعش بقعة ذات طبيعة اجتماعية سلمية، لكي ينسحب إليها المهزومون منه، لكي يستأنفوا حياة عادية كالبشر المسالمين. لذا يُحال إلى عالم الألغاز، ما يُقال إنه انسحاب للتنظيم الإرهابي من هذا المكان أو ذاك. داعش لم يدع لأحد هامشا للاجتهاد بشأن أهدافه واحتمالات توبته. فمن بين شعاراته المطلقة ما قاله أبومحمد العدناني، أقوى ناطقيهم فصاحة وبلاغة ووضوحا “لا يطمعنّ أي مسلم أن تقام دولة الإسلام إلا على الجماجم والأشلاء.. فلحم العدا أشهى طعام”.

 

في معركة الرقة تبدت عناصر الجهالة والإجرام عديدة تتوخى النجاة وتتحاشى الموت. وبشفاعة ما قيل إنها وساطة عشائرية في الرقة، سُمح لهم بالانتقال إلى مواضع أخرى، ليصبح القضاء عليهم فيها، معادلا موضوعيا لتدمير القرى والمدن التي يسيطرون عليها. وهنا تنهض الأسئلة التي تقوم من تحت أنقاض قرى وحواضر أخرى. فما هو تفسير لحظات التهدئة التي تتيح لداعش أن ينسحب، علما بأن الغالبين كانوا ولا زالوا يدمرون حيا أو شارعا أو قرية أو مدينة بأكملها، بنيران من الأرض والجو، للإجهاز على مقاتل داعشي واحد؟

 

ما الذي سيحدث أكثر من المتوقع حدوثه، حين تعترض أي قوة من الجيوش المتحالفة، طريق المنسحبين إلى أماكن أخرى فتفرض عليهم إما التسليم وإما الإبادة؟ إن غياب الأجوبة عن هذه الأسئلة، معطوف على الألغاز التي اكتنفت ظهور داعش قبل بدء الحملات العسكرية فادحة الثمن للإجهاز عليه.

 

في بعض الجزئيات التي ظهرت بعد معركة تحرير الرقة، ظهرت عينة من تشابك الخيوط وتقاطعاتها. فوزير الدولة السعودي المكلف بشؤون الخليج ثامر السبهان، طار الى الرقة واجتمع مع ضباط حزب العمال الكردستاني الماركسي، ويكون الجواب عن كيفية اجتماع الشامي مع المغربي أن ثمة ترتيبات مسبقة متفق عليها، ولعل هذه من ضمن المعادلات التي يصعب تفكيها وفهمها؛ فأين موقع الأميركيين الداعمين لما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، وأين موقع الإيرانيين من السياق؟ بل أين من المعادلة، النظام السوري وهو الذي يتحدث، ليلا نهارا، عن السيادة وعن دوره في تحرير الرقة؟

 

في خضم هذه التطورات، بدا لافتا أن الأميركيين ألقوا بالأكراد في المأزق بعد أن استخدموهم حتى استنفدوا أغراضهم. ولم يُستثن من هذا الاستخدام، أي مكوّن كردي. وكان قادة الشعب الكردي المسلم، قد استأنسوا بالأميركيين، وجعلوا إسرائيل مفتاحهم إلى المستقبل، حتى رفع الأغرار والمضللون أعلام دولة الاحتلال خفاقة، ثم عندما دنت ساعة الحقيقة، أتاحت واشنطن للإيرانيين الإجهاز على حلم مسعود البارزاني في ليلة واحدة، عندما اجتاح الحشد الشعبي الموالي لهم مدينة كركوك وسيطر على حقول البترول، وهي المقوّم الاقتصادي المفترض، للدولة المستقلة التي يتوخاها الأكراد.

 

ستظل في عداد الأسرار، حقائق الممارسات والمواقف التي اكتنفت قيام داعش وحطامه. اليوم، بدأت مرحلة المحاصصات والمقايضات على وحدة الأراضي السورية، وكذلك مرحلة المحاصصة السياسية وعطايا النفوذ. بينما المراقبون حائرون، يفتشون عن عنصر الربط بين هذا كله، وانسحاب داعش وليس سحقه، أو طرده دون الاستمرار في مطاردة المطرودين حتى القبض عليهم أو إبادتهم.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     

كركوك وأزمة الدولة المركزية

 

   سلام السعدي     العرب
وصلت الحرب على داعش إلى نهايتها باستعادة السيطرة على معاقله في العراق وسوريا. ومعها عاد المرض المزمن المتمثل بأزمة الدولة المركزية الاستبدادية الطائفية المعززة بطغيان إيراني وسلبية أميركية وضياع أوروبي.

بدا للوهلة الأولى أنها عملية عسكرية خاطفة سيطرت فيها قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي بدعم إيراني وصمت أميركي على كركوك في غضون ساعات، ونتجت عن ذلك هزيمة مريرة للأكراد. تبين لاحقا أن حكومة كردستان العراق وقوات البيشمركة كانت قد قررت الانسحاب لتجنب الدخول في معركة مع الجيش العراقي الذي دخل المدينة الغنية بالنفط من دون قتال، ولكن ذلك لا يلغي أن ما حصل هو هزيمة مدوية للأكراد ستكون لها تبعاتها الداخلية. كما تُظهر تلك الهزيمة أن إستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية، التي حصرت كل جهودها بمحاربة تنظيم داعش من أجل الاستقرار، هي إستراتيجية قصيرة النظر بل هي وصفة للفوضى والنزاع لعقود قادمة.

 

وكانت قوات البيشمركة قد استغلت فرار القوات العراقية أمام هجوم داعش في العام 2014 للسيطرة على مدينة كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها. ومع خسارتها للمدينة يخشى البعض من تجدد الحرب الأهلية الكردية التي اندلعت في أعوام 1994 -1997 بين الحزبين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني والتي انتهت بوساطة أميركية وتقاسم السيطرة على الإقليم، ليسيطر الأول على أربيل والثاني على السليمانية. ولهذا الانقسام عزا البعض سوء التنسيق أو الخيانة في التصدي لقوات الحشد الشعبي والجيش العراقي والانسحاب من المدينة من دون قتال.

 

ولكن الأزمة كشفت أيضا عن أزمة أكثر عمقا تتمثل في وجود دولة مركزية إقصائية ونزاعات أهلية مزمنة في العراق كان يتم حجبها دوما بأولوية “الحرب على الإرهاب” التي كانت تنحي الخلافات الداخلية جانبا بضغط أميركي. ولكن، ما إن تتوقف تلك الحرب بعد هزيمة الإرهاب، فإن انفجار تلك النزاعات الأهلية ودخول البلاد في الفوضى هو مسألة وقت فقط.

 

ليست هذه الأزمة المزمنة بشيء جديد خاص بالحرب على تنظيم داعش، بل تعود جذورها إلى بدايات الغزو الأميركي للعراق. في الفترة التي سبقت الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تردد الأكراد في حضور الاجتماعات التي نظمتها الإدارة الأميركية مع المعارضة العراقية لدراسة عملية تغيير النظام العراقي والتنسيق لمرحلة ما بعد الغزو. كان شرط الحزبيْن الكرديين للمشاركة الصريحة في أي عملية أميركية لتغيير النظام، أو حتى دعمها، هو ألا يجري استبدال دكتاتور بآخر، وأن يجري تأسيس نظام فيدرالي ديمقراطي تعددي. وقد اقترح الحزب الديمقراطي الكردستاني دستورا في هذا الصدد قبل الغزو.

 

لم تلتفت الولايات المتحدة إلى مهمة بناء الدولة بعد غزوها وتدميرها، فلا هي نجحت في إرساء الأمن والاستقرار ولا في تشكيل نظام سياسي ديمقراطي جامع ودستور حديث غير طائفي. وضعت أميركا هدفا وحيدا يتمثل بقتال تنظيم القاعدة الذي تنامت قوته بعد الغزو وخصوصا منذ العام 2005، ودفعت جميع الأطراف لقتاله وتأجيل موضوع الصراع الداخلي. وعندما تراجع خطر تنظيم القاعدة في العام 2010، بدأت بوادر انفجار داخلي بين الأكراد والعرب السنة من جهة، والحكومة المركزية الشيعية من جهة أخرى.

 

خسر رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في انتخابات 2010 من ناحية عدد المقاعد وفاز إياد علاوي، ولكن تحالفا داخليا بدعم إيراني-أميركي أوصل المالكي للسلطة. انتهج الأخير سياسات طائفية واضحة ونكث وعود الدولة المركزية للأكراد والعرب السنة الذين هزموا القاعدة، بل زج بشبابهم بالسجون ولاحق قادتهم واتهمهم بالإرهاب فاضطروا لمغادرة البلاد. باختصار خلق المالكي، في ظل الصمت الأميركي، الظروف المواتية لنشوء تنظيم داعش التي أزاحت الانفجار الداخلي من الواجهة، ليحل مكانه من جديد مسألة مكافحة الإرهاب لدى واشنطن.

 

أمل البعض في ذلك الوقت أن تكون الولايات المتحدة قد أدركت خطأها السابق والمتمثل في تجاهل بناء دولة تعددية، والعمل على إستراتيجية واسعة تخلق تلك التعددية وتنزع عوامل الانفجار الداخلية. وبالفعل بدأت أميركا الحرب على الإرهاب هذه المرة بالإطاحة بنوري المالكي كرئيس للوزراء في إدراك واضح لدوره السابق في خلق الأزمة الحالية واستحالة حلها بالتركيز فقط على الحرب على الإرهاب، بل بضرورة وجود مسار سياسي يوازي المسار العسكري. ولكن النظام العراقي بقي كما هو، استبدادي وفاسد وطائفي، ومهيمن عليه من قبل إيران وعملائها في العراق، وبالتالي مولّد للقلاقل والانفجارات السياسية. فيما عادت الولايات المتحدة لتجبر الجميع على محاربة داعش وصرف النظر عن مظالمهم ومخاوفهم الخاصة بالمستقبل.

 

قبل عام على الأزمة الحالية في مدينة كركوك، أعلنت بغداد وقيادة إقليم كردستان هجوما مشتركا، بدعم أميركي إيراني، على الموصل لانتزاعها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. كانت تلك أيام التفاهم والعمل المشترك لاستئصال التنظيم المتطرف واستعادة الاستقرار في العراق.

 

وصلت الحرب على تنظيم داعش اليوم إلى نهايتها باستعادة السيطرة على معاقله الرئيسية في العراق وسوريا، الموصل والرقة. ومعها عاد المرض المزمن المتمثل بأزمة الدولة المركزية الاستبدادية الطائفية والمعززة بطغيان إيراني وسلبية أميركية وضياع أوروبي للظهور مجددا اليوم. هو مرض غياب حل عادل واسع ورحب، وباعث على الأمل لجميع مكونات هذه البلاد.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     بين كتالونيا وكردستان

 

       د. محمد عاكف جمال     البيان الاماراتية
 

 

 

التزامن في الاستفتاء بغية الانفصال في كتالونيا الإسبانية وكردستان العراقية يسمح بتسليط الضوء على المشتركات والفوارق بينهما، الحالة الكتالونية لم تحظى من قبل الاتحاد الأوروبي والغرب عموماً بتعاطف، على الرغم من أن الاستفتاء وحتى الانفصال إن حصل لن يقلق أمن القارة الأوروبية، فالأزمة الكتالونية إلى حد بعيد شأن إسباني داخلي.

 

إلا أن الحالة الكردستانية ليست كذلك فهي ليست فقط شأناً عراقياً محضاً طالما أن دول الجوار وبشكل خاص تركيا وإيران تعتبران وجود دولة كردية على حدودهما تهديداً خطيراً لأمنهما القومي، وتعتبرها الدول العظمى في الوقت الحاضر عاملاً جديداً لدفع المنطقة الملتهبة أصلاً إلى المزيد من العنف واللا استقرار، فالمعارضة التي لقيها الاستفتاء في الغرب لم تكن حول المبدأ بل حول التوقيت. كتالونيا لديها خلافات مع مدريد فقط.

 

إسبانيا والعراق يواجهان أبرز تهديد لكيانيهما ووحدتيهما ولمكانتيهما إقليمياً ودولياً، بالنسبة لإسبانيا منذ انتهاء الحرب الأهلية في ثلاثينيات القرن المنصرم وبالنسبة للعراق منذ تأسيس دولته مطلع العشرينيات، الحكومتان في البلدين رفضتا الاستفتاء وحصلتا على قرار قضائي بمخالفته دستورياً، وبالتالي أصبح تدخل القوات الأمنية لمنع إجرائه مشروعاً.

 

في إقليم كتالونيا كان هناك حضور قوي للدولة الإسبانية ممثلة بقواها الأمنية التي تدخلت بعنف لمنع الاستفتاء، أما في إقليم كردستان وفي المناطق المتنازع عليها كان هناك حضور لقوات البيشمركة وغياب للدولة، لذلك مرت عملية الاستفتاء.

 

هناك بعض التشابه بين موقفي الرئيسين في كتالونيا وكردستان، الرئيس الكتالوني وقع إعلان الاستقلال وعلق تنفيذه لإعطاء المفاوضات مع مدريد فرصة، وهذا ما فعله رئيس كردستان، وهناك مواقف متشابهة أيضاً لدى الحكومتين في مدريد وبغداد اللتين رفضتا التعامل مع سيناريو كهذا واشترطتا إلغاء الاستفتاء لعدم شرعيته قبل الدخول في تفاوض، فهو قد أجري من طرف واحد.

 

مدريد وجهت إنذاراً للعاصمة الكتالونية برشلونة وأمهلتها خمسة أيام للتراجع وإلغاء الاستفتاء، وبغداد عملت الشيء نفسه من دون تحديد مهلة إلا أنها أرفقت ذلك بحزمة عقوبات مشددة على كردستان، في الحالة الإسبانية الحكومة المركزية تهدد بتعليق العمل بالنظام الفيدرالي للإقليم فالمادة 155 من الدستور الإسباني تسمح لها القيام بذلك، أما في الحالة العراقية فذلك لم يجري التطرق إليه لأنه لا يوجد ما يقابل هذه المادة في الدستور العراقي.

 

في كتالونيا هناك معارضون كثر للانفصال وهناك في كردستان معارضون كثر له كذلك، ومنهم من لم يظهروا للعلن إلا أخيراً حين قررت السليمانية انفصالها عن أربيل في صفقة مفاجئة مع بغداد لم يكشف عن تفاصيلها، غيرت معادلات التوازن حيث انسحبت على إثرها قوات البيشمركة من كركوك ومن جميع المنشآت الحيوية فيها وسلمتها لقوات الدولة الاتحادية، وكذلك من المناطق الأخرى التي كانت تحت إدارة الدولة الاتحادية قبل ظهور تنظيم داعش، وليس من المتوقع أن تذهب قوات الدولة الاتحادية إلى أبعد من ذلك فيما يتعلق بالمساس بحدود إقليم كردستان التي كان عليها عام 2003.

 

خطوة السليمانية تنهي حالة السلم مع أربيل وتفتح أبواب التوقعات عن مستقبل وحدة الإقليم نفسه وتعيد السخونة إلى الصراع القائم بينهما منذ تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني عام 1975، كما أن هذا الانفصال سيترك تأثيرات سلبية كبيرة على القضية الكردية وعلى مستقبل قادتها الذين أوصلوها إلى هذه النتيجة.

 

إسبانيا لا تحتاج إلى أطراف خارجية لمعالجة الأزمة الكتالونية في حين يحتاج العراق ذلك وبقوة لمعالجة أزمة كردستان، فباب الحوار بين بغداد وأربيل قد أوصد منذ سنوات تفاقمت فيها الخلافات وتعقدت التداخلات على الأرض خلال الحرب على تنظيم داعش مما يتطلب تدخلاً خارجياً خاصة من قبل الولايات المتحدة التي يزداد انشغالها بشؤون المنطقة وفي المقدمة الشأن العراقي، حيث يوجد لديها في كردستان وحدها عدد من القواعد العسكرية، خاصة وأن الرئيس ترامب أعلن صراحة أنه ضد استفتاء كردستان العراق.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7  محنة للأكراد … ولكنْ للعراق أيضاً

 

 حازم صاغية

 

    الحياة السعودية
 

 

أن يحصل للأكراد ما حصل في كركوك فهذا محنة كبرى. لكنْ لأنّ الأمور لا تقاس تجاريّاً، بالربح والخسارة، تبقى قضيّة الأكراد في الاستفتاء، وفي الاستقلال، قضيّة مُحقّة. مهزومين كانوا أم منتصرين، قضيّتهم على حقّ.

 

فوق هذا، فالمحنة التي تفوق محنة الأكراد حجماً هي محنة العراق كوطن وكمشروع. فأن يتولّى قاسم سليماني وأزلامه الطائفيّون «تحرير» كركوك وإعادتها إلى «الوطن»، فهذا هو الوجه الآخر لهزيمة الجيش العراقيّ في الموصل حين سطا عليها «داعش». العبرة من ذلك أنّ العراق بات لا ينتصر إلاّ بالإيرانيّين وأزلامهم. من دونهم ينهزم. إذاً: الوطنيّة الموعودة إنّما تشيّدها إيران وقوى طائفيّة ما- دون وطنيّة.

 

نبدأ مع الأكراد. الكثير ممّا يقال في قياداتهم صحيح للأسف: الفساد المشترك بين الطرفين البارزانيّ والطالبانيّ. عشائريّة الطالبانيّين فوق فسادهم. الفشل في فهم العالم وسياساته، وخصوصاً سياسة أميركا، وبالأخصّ في ظلّ ترامب، وصولاً إلى إدراج كركوك، البالغة التعقيد، في نطاق الاستفتاء.

 

لقد عجزوا حتّى عن توحيد البيشمركة. تنافُسهم الصغير والوضيع استعاد أجواء أواسط التسعينات، حين استعان طرف منهم بإيران وطرف ببغداد الصدّاميّة. وأمام المحنة الأخيرة، وضمور تجربة أربيل – السليمانيّة، يُخشى ألاّ يقوى إلاّ الخطّ الأوجلانيّ العدميّ الذي يُحتفى به اليوم في الرقّة، لا سيّما إذا تصرّف الأميركيّون على أساس أنّ أكراد سوريّة أنجزوا المهمّة ضدّ «داعش» وعليهم أن يختفوا هناك أيضاً.

 

أبعد من هذا، وهو ما يؤلم، أنّ مسعود بارزاني بدّد فرصة هائلة لكي يكون زعيماً تاريخيّاً استثنائيّاً على مدى الشرق الأوسط، زعيماً بديلاً من الزعماء القبليّين والفاسدين الذين نعرفهم. لم يفعل هذا. لم يبن ديموقراطيّة. لم يكافح الفساد والعشائريّة. اختار أن يعطّل البرلمان ويُرخي الحبل للسارقين الفاسدين من أقاربه ومقرّبيه. اختار أن يكون شيخ عشيرة في مقابل شيوخ العشيرة الفاسدة الأخرى التي تحكم السليمانيّة.

 

معركة كركوك الأخيرة سلّطت الضوء على بارزاني بوصفه وريثاً شرعيّاً لياسر عرفات ولنمط في الزعامة تكون فيه القضيّة كبيرة والزعامة صغيرة.

 

مع هذا كلّه، يبقى أنّ أكثريّة الأكراد الساحقة صوّتت لمصلحة الاستقلال. هذه الحقيقة لا يمكن تجاوزها واعتبار أنّها لم تكن.

 

ما يقال في قيادات بغداد أفدح. والمدهش أنّ الأبعاد الخطيرة جدّاً للدور الإيرانيّ الأخير لم تحظَ بما تستحقّه من عناية، بل من استنفار. فكأنّ «الإنقاذ» الإيرانيّ صار أمراً بديهيّاً لا يستدعي التعليق عليه في دول كرتونيّة وفي مجتمعات كرتونيّة. لقد جاء في الخبر الرسميّ أنّ حيدر العبادي أمر الميليشيات الطائفيّة بمغادرة كركوك. الخبر الفعليّ أنّ تلك الميليشيات التي تحرّكها طهران صار يمكنها، ساعة تشاء، أن تأمر العبادي بمغادرة بغداد. ذاك أنّ دور إيران الأخير يعادل الانكشاف الوطنيّ العراقيّ كما نمّت عنه مواجهة كركوك.

 

التجربة تستدعي المراجعة العميقة والنقد الجذريّ الذي يعود بها إلى ساعة التأسيس في 2003. آنذاك باشرت القيادات الشيعيّة التي حلّت محلّ صدّام حسين، تسليم أمر العراق إلى إيران. آخر «ثمار» هذه التجربة ثلاث: أنّ الوطنيّة العراقيّة صارت إحدى الصناعات الإيرانيّة الخفيفة. وأنّ الطرفين العراقيّين، الشيعيّ والكرديّ، اللذين مثّلا ركيزة المعارضة لصدّام، دخلا حقبة العداء المفتوح الذي قد تزيّنه «حوارات» سخيفة. وأنّ ما يسري على العراق ككلّ يسري على مكوّناته واحداً واحداً. في ظلّ هذه الشراكة في التفتّت، لن يُتاح أيّ مكان للقضايا مهما كانت عادلة. ينهار العراق ولا تنشأ كردستان. ينهار العراق ولا ينشأ شيء. هناك إيران وهناك أطياف «مسّ بيل» البعيدة.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8  كردستان المريضة وقلبها الذي توقف في نصف يوم

 

 داريوس الدرويش

 

    الحياة السعودية
 

 

لم تكن أنباء سيطرة القوات العراقية على مدينة كركوك مما يسهل على الكرد تجرعه، ولا على جمهور بغداد تصديقه. كانت السيطرة سريعة وصادمة، وكانت طعنة حادة للكرد الذين اكتشفوا ليلتها أن أيديهم مكبّلة لا يستطيعون استخدامها. سمع الكرد أثناء المعركة، وليس قبلها، أن أخوتهم عدلوا عن رأيهم في دوكان، وأنهم لن يقاتلوا أخوتهم الآخرين في الحشد الشعبي! حينها فقط باتت كل سيطرة على كلّ حيّ جديد تمثيلاً بجثة ميتة، لن تفيد معها كثرة الطعنات لاستجداء الدماء. هذه شهادة انتصار المنتصرين.

 

هي كركوك إذاً من فضح خواء السياسة الكرديّة. كل تلك العملية السياسية والحوارات والاجتماعات، من واشنطن إلى دوكان، لم تفض إلى انتصار عسكري كما كنا نتمنى حينها، ولا حتى إلى هزيمة عسكرية كما كنا نتمنى لحظتها، بل إلى انسحاب مذل لقطعان من البيشمركة، ليس لأنها ادّعت مفاجأتها عسكريّاً، ولا لأنّها لم تكن معركة متكافئة، بل فقط لأنّ يداً كانت في دوكان وأخرى في بغداد، ليُنتزع القلب في كركوك. هل ذهبت كركوك لأنها «بيعت بالتفاح والبرتقال»، كما قالها يوماً إبراهيم أحمد، جد بائع اليوم، لمصطفى بارزاني عقب اتفاق شباط (فبراير) 1964؟ مهما يكن، فهي الآن هناك، وهي الآن هناك فقط لأن هناك من أراد واستطاع تسليمها.

 

لا شكّ أنّ في جعبتنا الكثير من الحلول السهلة، كسهول كركوك، لسحب يد أخوتنا من أيدي الأعداء، لمنعهم من إرادة التسليم، فما المانع من إعادة تفعيل البرلمان؟ سوى أنّه كان قد فُعِّل للتو قبل الاستفتاء؟ وسوى أنه شهد موافقة الاتحاديين على استفتاء الاستقلال؟ وما المانع من توحيد بيشمركة الأحزاب في وزارة سوى أن قوات الوزارة نفسها، التي يقودها اتحاديٌّ، هي التي انسحبت أمس في كركوك بعد «أربع ساعات من المقاومة» لم تكف لصنع لفافة تبغ، وأول أمس في طوز خورماتو من دون حتى ربع ساعة من «المقاومة»؟ ما المانع من إجراء حوار جدّي بينهم، سوى أنّ الحوار كان عقد قبل يوم في دوكان، ومنذ سنوات طويلة في أروقة الشراكة الحكومية، وهي بازار ومحاصصة؟

 

الحل المتأخّر حتماً، الذي لا يأتي إلا عند ارتطام الرأس بحجر القبر، والذي ما كان له أن يراود أحداً قبلاً، هو أنه كان على 93 في المئة من الكرد التفكير جيداً في قول 7 في المئة منهم بأن الاستفتاء ليس في وقته، ولكنْ كتهديد وليس كتحذير. ما كان لمخيّلة الكردي أن تلجأ لرفاهيّة الترفّع عن تصوّر أقبح سيناريوهات الهزيمة وأكثرها نأياً، ما كان لها أن تجفّ وتخون الكرد في هذه اللحظة بالذات، وألا تهديهم إلى ما يمكن أن يصله عقل مريض ومهووس بالانتقام لتاريخ حسبناه خلف ظهورنا، فقط لنجده أمامنا اليوم. فقط لو كنا نعلم ذلك، لكان حينها من الإنصاف القول في مناقب جلال طالباني حين وضع في قبره: «وحده، رمى الراحل ذلك التاريخ خلفه».

 

الآن، كلّ ذلك التاريخ، وكركوك، صارا خلفنا، ويُكتَب لمن سلّم كركوك، ولمن صفّق له من دول الإقليم، نجاحهم المبهر في هذه العمليّة. ولكن يكتب لهؤلاء الأخيرين بخاصّة أنهم نجحوا في إفشال مشروع بارزاني لمصلحة المشروع الإيراني في العراق. وما على بارزاني، الذي فشل في إضعاف القادرين على تسليم كركوك، وفشل في إغراء الراغبين في تسليمها، سوى الإعلان رسميّاً عن فشل مشروعه ونجاح المشروع الإيراني، وتقديم زيارة طاعة لعرّاب الشرق الأوسط، قاسم سليماني. وهو إن فعل حرصاً على الوحدة الكرديّة، فليعلن اليوم شعار المرحلة المقبلة: أهلاً سليماني.

 

 

 

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
9 أوهام بارزاني

 

 مصطفى زين

 

 صحيفة الحياة السعودية
 

 

اعتقد مسعود بارزاني أنه يستطيع اللعب على التناقضات وسط الفوضى التي تضرب الشرق الأوسط ويقظة العصبيات القومية والطائفية، والمستعمرين القدماء والجدد الجاهزين لإعادة رسم الخرائط بالحديد والنار. صادق تركيا وإسرائيل، ولم يعادِ إيران. أصبح الناطق باسم الولايات المتحدة في العراق. لم تبخل عليه واشنطن بشيء، من تدريب ميليشياته وتسليحها والدفاع عن إقليمه إلى دعمه سياسياً في كل مساعيه (زلماي خليل زاد مقيم في أربيل). فرنسا حافظت على احتضانه، من أيام ميتران وزوجته دانيال في ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم. روسيا، هي الأخرى، حافظت على علاقاتها معه. رجب طيب أردوغان عامله كرئيس دولة كبرى، كان يستقبله وعلم كردستان مرفوع إلى جانبه، ويرسل وزير خارجيته إلى أربيل من دون المرور ببغداد. ابنه بلال ونجل بارزاني مسرور شريكان في تجارة النفط. للشركات التركية في الإقليم الأولوية.

 

هذا بعض من العلاقات الإقليمية والدولية التي نسجها بارزاني، بعد الاحتلال الأميركي ومشاركته في حكم «العراق الديموقراطي الجديد». أما في داخل إقليمه فحجّم كل القبائل المناوئة، خصوصاً الطالبانيين، وأبعد حركة «التغيير» المعارضة، وأغلق البرلمان، وخاض حرباً أهلية ضد حزب «الاتحاد الوطني». و «كرّد» كركوك، بحجة أن النظام السابق «عرّبها». واضطهد المسيحيين، ما اضطر معظمهم إلى الهجرة وترك أراضيهم وممتلكاتهم للأكراد. كل ذلك في ظل حملة إعلامية واسعة، شاركت فيها صحف عالمية كبرى في تحقيقات عن تسامح الأكراد وديموقراطيتهم التي يجب دعمها. أما عن الفساد في إدارته والمحسوبيات وإسناد المناصب إلى رجال قبيلته فالحديث يطول.

 

علاقة بارزاني مع بغداد لم تكن جيدة طوال السنوات الماضية، وكان الراحل جلال طالباني يلعب دور الوسيط بينهما. ووجد في ظهور «داعش» وتمدده فرصة ثمينة للمشاركة في إضعاف الحكومة، وبعد انهيار الجيش في الموصل لم تحرك «البيشمركة» التابعة له ساكناً إلا عندما وصل التنظيم إلى أبواب أربيل، عندها فقط طلب دعماً أميركياً فأوقفوا الهجوم على عاصمته. وبعدما استعاد الجيش قوته وبدأ تحرير المناطق التي احتلها التنظيم، تحركت «البيشمركة» وبدأت قضم سهل نينوى وضمه إلى الإقليم، وتمددت في كركوك والمناطق الأخرى. أي أنها كانت تقاتل من أجل إعادة رسم حدود الإقليم، استعداداً للانفصال عن العراق، بدعم إسرائيلي واضح، فالدولة العبرية تخطط منذ عقود لإقامة قواعد لها في شمال العراق على مقربة من الحدود الإيرانية بالتعاون مع البارزانيين، وكي تضعف بغداد أكثر.

 

اعتقد بارزاني أن أصدقاءه الدوليين، خصوصاً الأميركيين والفرنسيين، سيهبون للدفاع عنه ويدوّلون قضيته ويدافعون عنه، وأنه يستطيع تحييد أردوغان الذي لديه مصالح اقتصادية كبيرة في كردستان، وأن إيران المعزولة في محيطها لن تستطيع نجدة العبادي. واعتقد أن الغلبة التي حققها بالقوة في الإقليم وتحجيم معارضيه، فضلاً عن ضعف بغداد، تتيح له الانفصال وإعلان دولته ووضْع الجميع أمام الأمر الواقع. لكن تبين أنه كان متوهماً، وأن قراءته للأحداث كانت خطأً. أصدقاؤه تخلوا عنه، عدا إسرائيل. الحكومة الاتحادية ليست ضعيفة. أردوغان لا يستطيع الموافقة على انفصاله خوفاً من تقسيم تركيا. وإيران لم تنكفئ. أكراد الإقليم الذين قمعهم طوال سنوات كانوا ينتظرون الفرصة لاستعادة شيء من حريتهم، والمحافظة على بعض المكاسب التي حققوها خلال السنوات الماضية. كركوك التي كان يعوّل على نفطها لتمويل دولته لم تعد تحت سيطرته.

 

هل سيتراجع بارزاني عن هذا الخطأ التاريخي؟ هل ينتفض الأكراد ضده أم أنه سيستمر في حالة الإنكار؟ هل سيقتنع بأنه كان أداة وليس في حجم تقرير مصير العراق ومحيطه الإيراني والتركي والسوري، وبأن الدول الكبرى لا يهمها مصير الشعوب ولا الصداقات عندما يتعلق الأمر بمصالحها؟

 

تجارب الماضي مع آل بارزاني تؤكد أنه لن يعترف بهزيمته، ولن يتراجع، فهو مثل أي ديكتاتور صغير أو زعيم قبيلة سيحاول شد عصب رعاياه للمحافظة على مكانته، وأي تحرك ضده في الإقليم ينذر بتجدد الحرب القبلية وتقسيم كردستان بدلاً من تقسيم العراق.

 

مصير الأكراد ليس مرتبطاً بصداقاتهم الخارجية. وانضمامهم إلى سائر شعوب المنطقة في السعي إلى الحرية ينقذهم وينقذ هذه الشعوب. أما العصبية القومية ومعاداة الآخرين فستحولهم إلى كيانات أشبه بإسرائيل تعقد مصالحات مع الأنظمة وتعجز مع هذه الأنظمة عن اكتساب شرعية وجودها.

 

أوهام بارزاني لا تصنع دولة.