4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1  إنّها كركوك… إنّها نحن   حازم صاغية

 

 

 الحياة السعودية
 

كركوك اليوم مصغّر حالتنا في المنطقة. ضمّها إلى الاستفتاء في إقليم كردستان كان خطوة غير محسوبة بدقّة. الزئير التركيّ في المنطقة يفاقم الخوف من احتمال سيّء «يطمئننا» كثيرون إلى أنّه لن يحصل.

مشكلة كركوك، قبل هذا كلّه وبعده، مشكلة المنطقة. مشكلة التفاوت بين واقع التعدّد الخصب وإدراكه الفقير.

كركوك ليست عربيّة أو كرديّة أو تركمانيّة. إنّها كلّ هذا معاً. لكنْ هل يمكن ذلك في زمن اندفاع الهويّات الهوجاء؟

كركوك عربيّة، بشهادة تاريخ بعض عائلاتها، كعائلة التكريتي التي انتقلت إليها من تكريت في القرن السابع عشر. وكركوك كرديّة، كانت لمئات السنين عاصمة لآل بابان الأكراد، وفي النصف الأوّل من القرن الماضي عاش فيها السيّد وعالم الدين الكرديّ أحمد خناقه، الذي كان مرشد الطريقة النقشبنديّة فيها. وكركوك تركمانيّة، انتقلت إليها بعض عائلاتها، كالعوجي والنفطجي، مع حملة السلطان مراد الرابع في 1638.

حنّا بطاطو، صاحب الكتاب المرجعيّ عن الطبقات الاجتماعيّة والأحزاب السياسيّة في العراق، يضرب مثلاً عن السيولة السكّانيّة للمدينة: في الأربعينات، نما فيها الحزب الشيوعيّ بسبب صناعة النفط، لكنْ «واحدٌ من كلّ خمسة مسؤولين [شيوعيّين] وواحدٌ من كلّ عشرة أعضاء في اللجان الحزبيّة المحلّيّة ولدا فيها».

تعدّدها العربيّ – الكرديّ – التركمانيّ – الأشوريّ، وفي زمن أسبق الأرمنيّ – اليهوديّ أيضاً، هو النعمة التي تحوّلت ولا تزال تتحوّل إلى نقمة. بالمعنى نفسه: كونها المركز النفطيّ الأهمّ في العراق مصدر نعمة آخر يغدو مصدر نقمة آخر.

تاريخ كركوك حافل بالمآسي التي سبّبتها الهويّات القويّة في مقابل الهويّة العراقيّة التي لم تنشأ إلاّ لفظيّاً. الجلاّد والضحيّة كثيراً ما تبادلا الأدوار في هذه اللعبة الدمويّة. في 1959، في الاحتفال بالذكرى السنويّة الأولى لانقلاب 14 تمّوز (يوليو)، أنزل الشيوعيّون الأكراد، المؤيّدون لـ «الثورة»، مذبحة بالتركمان المتحفّظين عليها: عشرات القتلى والجرحى والبيوت المحروقة والمنهوبة.

لكنْ منذ 1991 باشر نظام صدّام حسين عمليّة طرد طالت مئات آلاف الأكراد والأشوريّين من كركوك وسائر المنطقة الغنيّة بالنفط، ليُحلّ عرباً محلّهم.

خلفيّات التاريخ لم تكن أحسن حالاً: احتلّها البريطانيّون في 1918 ثمّ انسحبوا منها ثمّ عادوا إليها. بعد الحرب العالميّة الأولى تواصلت محاولات بريطانيا وفرنسا وتركيّا ضمّ ولاية الموصل، وفي عدادها كركوك، ولم تنجح معاهدة لوزان في 1923 في حلّ المشكلة. فقط في 1926، وبموجب معاهدة أنغورا، أصبحت كركوك جزءاً من المملكة العراقيّة. الأكراد الذين عارضوا، بقيادة محمود الحفيد، قصفتهم الطائرات البريطانيّة وفرضت عليهم الهويّة العراقيّة الجديدة. بعد زمن طويل نسبيّاً، في اتّفاق آذار (مارس) 1970، بين بغداد والملاّ مصطفى بارزاني، كانت كركوك وخانقين الإشكال الأكبر، أو الذريعة الأكبر لتنصّل الحكم البعثيّ من الاتّفاق.

والخلفيّة انطوت أيضاً على تناحر اجتماعيّ، لا سيّما بين التركمان والأكراد. التركمان تفرّعت عائلاتهم الغنيّة عن بيروقراطيّة العهد العثمانيّ. الأكراد ريفيّون في معظمهم، تزايدت هجرتهم إلى المدينة مع نشأة الصناعة النفطيّة وتوسّعها. التركمان في عمومهم أغنياء وأبناء طبقة وسطى. الأكراد في عمومهم فقراء. الأوّلون دائنون. الأخيرون مدينون.

في هذا الزمن المتفجّر بأحقاده، بميراثه التاريخيّ المؤلم، بتفاوت علاقاته الاجتماعيّة…، يُخشى أن تهبط على كركوك مصيبة أخرى، مصيبةٌ «تكافئها» على تعدّدها، وعلى ثرائها أيضاً.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2  أبعد من أزمة كردستان: انكشاف الجغرافيا!  

بهاء أبو كروم

 

 الحياة السعودية
  

 

بمجرد ما استقر نظام الحكم في العراق على صيغة تجاهلت إجراء مصالحة حقيقية وبقيت لا ترضي جميع الفئات، فتح ذلك الباب أمام تنامي التوجهات الكونفيدرالية التي دفعت الأكراد إلى المطالبة بالانفصال، وتتطلع فئات من العرب السنة إلى نموذج مماثل لا بد حاصل في حال استمرت السياسات الطائفية في العراق.

أهمية الخطوة التي بادر إليها إقليم كردستان، وبغضّ النظر عن مآلاتها، تكمن في اعتبارها فاتحة لسياق لن يتوقف عند هذا الحد إنما سيتطور إلى تآكل ما تبقى من مقومات الدولة العراقية. طبعاً التآكل الوطني أصبح من السمات الرئيسية لدول المنطقة ولن يكون بعيداً من تركيا وإيران اللتين يتأجّج فيهما صراع القوميات.

رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني يملك منطقاً متماسكاً يُبرّر فيه حقه بإجراء الاستفتاء حين يعتبر أن اتفاقاً جرى الإخلال به من طرف الحكومة، ومن الطبيعي أن يستتبع خطوات وردود فعل مـــشروعة ومُحقة، وذلك كأي اثنين تعاقدا على شيء وأحدهم أخلّ بمضمون التعاقد. العقد الاجتماعي الذي يتحدث عنه برزاني يتعلّق بالدستور العراقي الذي لم يلحظ تحكّم الميليشيات بالدولة أو تبعيتها لإيران ولا أن يكون العراق دولة شيعية بمعنى الولاء والأداء والتبعية. فبعد 15 عاماً من إسقاط نظام البعث لم يمتلك العراق بعد مقومات التماسك الوطني التي تكفل الحفاظ على وحدة أراضيه، ولم يتخلص من موروثات حقبة صدام حسين ومن عقلية الاجتثاث التي أعقبتها!

الأزمة التي فجرتها كردستان على خلفية الاستفتاء وحجم ردود الفعل عليها دلّا على أن «دولة الخلافة» ليست سبب المعارك التي تدور في المنطقة، وأن الحرب على «داعش» لن تكون آخر الحروب. فمَن بنى سياساته على أن اليوم التالي بعد «داعش» سيشهد انطلاق الحل السياسي في سورية وترتيب المنطقة كان واهماً. ومن يتحدث عن وحدة العراق في ظل تبعيّته لإيران والسياسات الحكومية التي تديرها المرجعيات والفتاوى والحشد الشيعي أيضاً واهم. ومَن يتحدث عن وحدة أراضي سورية في ظل نظام الأسد سيكون بدوره واهماً. وبالتالي فإن اليوم التالي بعد القضاء على «داعش» هو يوم انكشاف الجغرافيا السياسية في المنطقة على وقائع جديدة ما يقرّر فيها هي العلاقة المباشرة للفئات التي قاتلت مع القوى العظمى الموجودة على الأرض إلى جانبها وتنخرط معها في أجندات مشتركة لا تمر عبر أي وسيط وطني أو سلطة محلية، كل هذه «الوسطيات» تفتقد تدريجياً القدرة على التقرير أو الاعتراض.

بمعنى أن الأكراد انسلخوا وجدانياً عن أطر الحكم القائمة في المنطقة كلّها ولم يتبقّ عليهم إلا أن يجدوا صيغة مناسبة لتجسيد كياناتهم المحلية في العراق وسورية. وكما الأكراد فإن كل الفئات المغلوبة هي بالواقع مُنسلخة عن أطر النظام المركزي ولم تعد تعنيها أنظمة الحكم القائمة بشيء. هذا طبعاً يمثل الوصفة السحرية لمشاريع التجزئة في المنطقة.

طبعاً هذه الخلاصات هي من نتائج أفعال الأنظمة والدول الكبيرة في المنطقة التي لم تُنهِ مشكلة القوميات عندها على رغم انقضاء عقود من تشكّلها العمري. تركيا التي خلفت الإمبراطورية العثمانية ما كانت لتعجز عن تصفير أزماتها الداخلية والتصالح مع الأرمن والأكراد بدل الاستقواء عليهم، والعراق كان عليه أن لا ينتشي بإسقاط صدام حسين بالآلة الأميركية ليهمّش السنة ويُخيف الأكراد ويستقوي بإيران عليهم، وسورية كان عليها أن تعطي الأكراد حق التكلم وتعليم لغتهم الأم وإشعارهم بالوطنية الســـورية لكي لا يستغلوا اللحظة المناســبة للانفصال، وإيران التي أعلنت هويتها الدينية ووضعت كل الآخرين، قوميات وطوائف، في جهة مقابلة إنما ارتكبت الإثم ذاته. لا يشعر الأكراد بالوطنية في أي مكان من تلك الدول، لأنها مُصادَرة في إطار فئوي يتلطى بالقومية كواحد من أطر الغلبة والهيمنة والتحكّم، فالقومية لا تعني اضطهاد الفئات المنتمية إلى الجغرافيا بحدودها الرسمية.

هذه المرحلة قد تسمح بإعادة التموضع ورسم العلاقات بين الجميع لأن كل القوى الدولية والإقليمية حاضرة على المائدة، أي موجودة على بقعة جغرافية واحدة تحمل كل تلك المتناقضات. إنها لحظة تاريخية للأكراد ولغيرهم لكي يرسموا أطراً مناسبة لحضورهم السياسي في حدود المصالح الدولية. فهذه الوضعية الاستراتيجية قد لا تتكرر كفرصة تاريخية.

ينظر العرب هذه المرة الى مسألة نشوء كيان كردي من منظور يختلف عن منطلق القومية العربية الذي رفعته أنظمة حافظ الأسد وصدام حسين بوجه الأكراد واستظل به الأتراك والإيرانيون. رد فعل إيران وتركيا وتهديدهما بالتدخل العسكري للحفاظ على وحدة العراق فاقما مشاعر التعاطف مع كردستان ككيان سيقف بوجه شطط الطائفية والتبعيّة، فطالما أن الطائفية مزّقت العراق كدولة وحوّلته إلى جماعات فكم بَعدُ تعني العروبة وحدة أراضي هذا العراق! إن السؤال عن الجغرافيا القومية لا بد أن يتلازم مع خيارات الناس وعقدهم الاجتماعي وتفاهماتهم الميثاقية وإلا ماذا تعني السيطرة القومية للجغرافيا أكثر من قمع الأكثرية للأقلية أو العكس.

أكثر ما يمكن استخلاصه من استفتاء كردستان هو أن الجغرافيا عندما تنكشف إنما تكشف معها مفاهيم مُلازمة تتعلق بالخيارات التقليدية للفئات التي تبحث عن الأمان في النظام السياسي الذي يحدّد العلاقة الطوعية بين الناس، وليس في الجغرافيا المفروضة التي تدفن أحلامهم وطموحاتهم كبشر.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3  فتيل استفتاء الأكراد والانفجارات القادمة  هوازن خداج

 

 العرب بريطانيا
 

في دول لا تعترف بالمواطنة المتساوية ولا تلتفت لحقوق الأقليات، فإن استفتاء الأكراد على الانفصال قد يفجر كافة القنابل الموقوتة للأقليات المهمشة.

أشعل استفتاء الأكراد على الانفصال فتيل التحشيد الإعلامي والعسكري والحصار الاقتصادي خوفا من تداعيات مستقبلية لن تقف عند حدود بناء دولة كردستان في العراق، بل ستنتقل إلى دول الجوار والأقليات الموجودة فيها. المشكلة الكردية رغم خصوصيتها المتعلقة بالتقسيم الاستعماري للمنطقة وتوزع الشعب الكردي على أربع دول هي جزء من مشكلة الأقليات ككل، وحق تقرير المصير الذي ينشده أكراد العراق سيؤدي إلى بروز مشاكل متجددة مع كافة الأقليات في الكثير من دول المنطقة وعجزت عن إدارة مكوناتها بالطريقة الصحيحة ووقفت في وجه قيام دولة المواطنة.

 

ما حققه أكراد العراق خلال فترة الحكم الذاتي منذ عام 1992، والصلاحيات التي أعطاها الدستور العراقي للإقليم عام 2005 بتشكيل حكومة خاصة به، سهل لكردستان العراق الانتقال من مرحلة السيادة المحدودة على أراضي الإقليم، إلى مطلب السيادة الكاملة المتناغمة مع الرغبة التاريخية للأكراد بوجود دولة خاصة بهم عبر استفتاء الاستقلال، وبغض النظر عن نتائجه المستقبلية بات أمرا واقعا وملهما لأقليات كثيرة في المنطقة للخروج عن صمتها تجاه الاستلاب الذي تفرضه الحكومات، وسيرفع سقف مطالبها حتى لو لم تصل إلى مرحلة فرض دويلات بجغرافيا منفصلة عن الدول المركزية. فكافة الأقليات لم تصل بعد إلى فكرة الدولة كمفهوم سياسي، ومطالبتها بالاستقلال ستفجر الصراعات بينها وبين الدول المركزية.

 

وهو ما يترجم الانتفاضة الواسعة ضد استفتاء إقليم كردستان لخنق فكرة الانفصال قبل أن تنتقل مؤثراتها نحو الدول ذات العلاقة بالمسألة الكردية، تركيا وإيران وسوريا، والتي عانت من خلل تاريخي في التعامل مع الخصوصية الثقافية للأكراد، وأنكرت حقوق بقية الأقليات، نتيجة سياسات التهميش التي مورست على مدار عقود، وهي ترفض التنازل عن وحدتها لأن ذلك سيضعفها اقتصاديا وجيوسياسيا. لكن هذا لن يقف عائقا بوجه بعض الأقليات لمحاولة الاستقلال أو المطالبة به، خصوصاً أن تجربة تنظيم داعش وسيطرته على أراض بين سوريا والعراق وإقامة دولة ولو لحين بقوة السلاح رفعت منسوب التعصب لدى الأقليات والأكثرية دينية أم إثنية.

 

الأثر الواسع للانفصال عن دولة العراق أدركه مسعود البارزاني، فرغم إصراره على الاستفتاء فتح بابا للحوار مع بغداد والمجتمع الدولي، وسعى لطمأنة الجوار بأن “الدولة الكردية الجديدة لن تتدخل في شأن أكراد الدول الأخرى”، كما تزايد الحديث في أوساط القيادة الكردية عن الكونفيدرالية وإجراء تعديل على الدستور العراقي تتحول فيه البلاد إلى اتحاد كونفيدرالي بين دولتين، كردستان والعراق، كحل واقعي للتوتر، كونه يخرج كردستان من معادلة الدولة الفيدرالية السابقة وتطبيقها الذي سمح بهيمنة العراق والهيمنة الإيرانية وضغوط ميليشيات الحشد الشعبي على إقليم الإدارة الذاتية.

 

في دول لا تعترف بالمواطنة، فإن استفتاء الأكراد قد يفجر كافة القنابل الموقوتة للأقليات المهمشة ويشعل المواجهات بينها وبين حكوماتها، والفيدرالية كحل مطروح يتعلق بوجود قرار دولي بتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى أنظمة فيدرالية، لن تكون بالسهولة التي يتوقعها البعض وستكون بداية لخلق سايكس بيكو معدلة، ولن تبني سوى دول مريضة مادامت تتخذ منحى التقسيم الديني والطائفي والإثني.