4 مقالات عن #العراق بالصحف العربية يوم الخميس

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1   الخيارات المتاحة بعد استفتاء كردستان

 

 توفيق السيف

 

 

 الشرق الاوسط السعودية
 

العراقيون والأتراك والإيرانيون يحذرون من «إسرائيل ثانية» إذا تحولت كردستان العراق إلى دولة مستقلة. وهذا حكم لا يخلو من مبالغة. إن قيام «إسرائيل ثانية» محتمل فقط إذا تناسى السياسيون الحكمة الضرورية في إدارة الأزمة. إن تأسيس دولة كردية وسط عداء شديد في المحيط الإقليمي، سيجعلها مصدر تأزيم للهويات القومية والمذهبية، قد يشعل صراعات تعصف بالخرائط السياسية، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في وسط آسيا أيضاً. وليس من المستبعد أن يتغير مشهد الصراع العربي – الإسرائيلي على نحو دراماتيكي غير مسبوق. يمكن أن نعتبر هذا الاحتمال سيناريو أسوأ الاحتمالات. وهو ممكن إذا قرر الجيران، ولا سيما تركيا وإيران، حل المشكلة بالتدخل العسكري المباشر. لكنه ليس الاحتمال الوحيد، ولا هو الأقرب للمعطيات المتوفرة إقليمياً ودولياً.

السيناريو الآخر، الذي يمكن اعتباره أحسن الاحتمالات، ينطوي على عملية سياسية تحقق ما أظنه الهدف المركزي للنخبة السياسية الكردية، أي تحويل الوضع القانوني لكردستان العراق من إقليم فيدرالي إلى كونفدرالي. الكونفدرالية اتحاد بين دولتين مستقلتين من حيث المبدأ، تتمتع كل منهما بتمثيل دولي واستقلال مالي وإداري. حدود الاستقلال وموضوعاته يمكن أن تتقرر في اتفاق ثنائي، مدعوم بضمانات دولية.

تمثل الدولة الكردية المستقلة حلماً عزيزاً وقديماً نسبياً للأكراد كافة، بمختلف انتماءاتهم ومواطنهم. وترجع أولى التجليات السياسية لهذا الحلم إلى معاهدة سيفر في 1920 حين أقرت تركيا والدول الأوروبية بحق الأكراد في استفتاء لتقرير مصيرهم. وقدم الوفد الكردي إلى تلك المحادثات، ما أظنه أول خريطة للحلم الكردي، تشمل الأقاليم الكردية في إيران وتركيا والعراق وسوريا.

صحيح أن تلك المعاهدة قد ألغيت، وتم تجاهل الوعد المقدم للأكراد. لكن المهم في المسألة أن الحلم والهوية، قد وجدت أرضاً محددة تتجلى فيها. الأرض المرتبطة بالحلم هي العتبة الفاصلة بين التاريخ والسياسة، بين الثقافة والصراع، هي نقطة انقلاب الهوية إلى مضمون ومحرك لقضية سياسية.

لا شك أن إصرار السيد مسعود بارزاني على الاستفتاء قد رفع مكانته من زعيم لبعض أكراد العراق، إلى ممثل للحلم القومي لجميع الأكراد. وكان لافتاً أن جميع معارضيه قد أعلنوا تأييدهم للاستفتاء؛ لأنهم ببساطة يعلمون أن معارضة الاستفتاء تساوي الانتحار السياسي.

زبدة القول، إن مواجهة الدعوة للاستقلال بالتهديد والوعيد والخنق الاقتصادي، كما يجري الآن، قد تفلح في تحسين شروط التفاوض مع حكومة الإقليم. لكن المفاوضات لن تعيد عقارب الزمن إلى ما قبل 25 سبتمبر (أيلول). سيحصل أكراد العراق من دون أدنى شك على وضع قانوني أفضل مما لديهم اليوم.

ومع الأخذ بعين الاعتبار ما أظنه حقيقة جيوبوليتكية في طور التشكل، فإن الطريق الأكثر عقلانية لحكومة العراق، هو وضع مخطط للتفاوض يستهدف الوصول إلى نقطة متوسطة بين الفيدرالية والكونفدرالية. وأعتقد أن المجتمع الدولي يميل إلى خيار كهذا، وليس أدنى منه ولا أعلى.

أما تركيا وإيران وسوريا، فهي في حاجة إلى معالجة عاجلة وجذرية لوضع محافظاتها ذات الأكثرية الكردية، باتجاه منحها نوعاً من الحكم الذاتي، وتعزيز التنمية الاقتصادية، لتحييد المطالبة بالانفصال.

ما جرى ليس حدثاً بسيطاً، ولا يصح التساهل فيه. كما أن الظرف لا يسمح بحلول خشنة. مع أن جميع الخيارات المتوفرة مريرة جداً.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2  مشروع التفتيت ينشر ألواحه.. كردستان العراق… يدشن مرحلة تقسيم

 

 كمال الذيب

 

 

 الايام البحرينية
 

 عندما بدأت الحرب في السودان منذ زمن جون قرنق كان أفق هذا الصراع منذ بداياته الأولى هو تقسيم هذا البلد العربي الأفريقي، وهذا ما حصل في النهاية وبهندسة ومتابعة غربية.

الهجمة على الدولة السورية منذ 2011م كانت منسقة ومنظمة منذ البداية، وتحديدًا منذ تهديدات بوش الابن لسوريا مباشرة بعد احتلال العراق في 2003م، عندما اعتبر سوريا امتدادًا لما أسماه آنذاك بمحور الشر. ولذلك فإن الحملة على سوريا كانت تنتهج نفس النهج الذي مارسته الولايات المتحدة الامريكية في العراق منذ الرئيس بوش الابن، مع تعديل في الترتيب: (تفكيك الدولة السورية – حل جيشها العربي بعد انهاكه بالحرب الأهلي اسقاط النظام – إقامة نظام طوائف واعراق، تمهيدًا للتقسيم على أساس عرقي وطائفي)، وهذا ما يجري العمل عليه حاليًا، بتقسيم البلاد الى مناطق نفوذ أمريكية تركية إيرانية وروسية..

وعندما تم إسقاط العقيد معمر القذافي بالتآمر والتواطؤ الغربي وتورط بعض العرب، كان من بين الأهداف الرئيسة لهذه العملية تدمير الدولة الليبية وتفكيك أواصرها الجغرافية والبشرية، وإضعافها بما يسهل السيطرة عليها وعلى ثرواتها، وهذا ما يجري العمل عليه حاليًا. ولعل مستقبل ليبيا الدولة المقسمة حاليًا والمنهكة بالحروب تعكسه السيطرة المليشياوية على مناطقها وأقاليمها، حيث ترسم هذه البنية المليشياوية الحالية الصورة المنتظرة لليبيا كما يريدها راسمو الخرائط الجديدة.

… قبل ذلك، عندما احتلت القوات الامريكية العراق في 2003م لم يكن الهدف هو فقط إسقاط النظام السياسي العنيد الرافض لأي شكل من اشكال التبعية، وإنما كان الهدف أيضا، إضافة الى تهشيم الدولة العراقية وتفكيك جيشها، هو تقسيم هذا البلد بشكل تدريجي إلى كانتونات وأقاليم عرقية وطائفية. وها هو المشروع ينطلق قطاره بالاستفتاء الكردي في الشمال العراقي وتحت أنظار القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، بالرغم من الإعلانات السياسية والإعلامية المفرغة من أي محتوى جدي (لأنها لو كانت جدية، لكان من الممكن عمليًا إيقاف الاستفتاء الكردي دون أية صعوبة، بحكم التأثير الأمريكي الكاسح على المنطقة الكردية منذ 1992م، ولكنها كانت مجرد فقاعات وبالونات ملونة بألوان النفاق السياسي الذي يتأسس على المصالح التي ترى في تقسيم العراق خاصة أضعافًا لمختلف مكوناته وتسهيلاً لعملية السيطرة وترسيخًا للعدوان والانتهاك.

إن الحقيقة باتت معروفة، وليست مجرد تخمينات وخرائط وهمية ترسم بالألوان الطائفية والعرقية. الحقيقة سبق لمجلة التايم الامريكية في تقرير موسع من ثماني صفحات أن كشفت تفاصيلها، حيث يتضمن هذا التقرير خطة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أنقاض الدولة العراقية الموحدة، واحدة منها في الشمال العراقي (منطقة كردستان)، والثانية للعرب السنة بمحاذاة سوريا، أما الثالثة فللعرب الشيعة، وموقعها في جنوبي العراق. وقد حمل الغلاف عنوانًا كبيرًا «نهاية العراق»، حيث نشرت المجلة خرائط مفصلة توضح مناطق توزع الكرد والعرب السنة والعرب الشيعة على امتداد خريطة العراق الموحدة، وهي خريطة صنعها الامريكان استنادًا الى رؤية تقوم على تكريس مبدأ «استحالة التعايش». مما يفضي إلى الانفصال.

ووفقًا لذات التقرير «سيتم ضم المناطق التي يقطنها الأكراد في سوريا الى الدولة الكردية لاحقًا». ويلاحظ المتابع لهذا الموضوع وبوضوح لا لبس فيه ما يجري حاليًا في سوريا من رسم لمناطق النفوذ لتشكل في المستقبل خارطة التقسيم، فالعمل على تنفيذ ذلك يجري حاليًا من خلال دعم ورعاية قوات سوريا الديمقراطية التي باتت تسيطر على مناطق شاسعة من الأراضي السورية، بدعوى محاربة داعش، في الوقت الذي يجري فيه رشم خرائط التقسيم على قدم وساق.

ولا شك ان المتابع يستذكر بوضوح ان موضوع تقسيم العراق كان مطروحًا باستمرار على طاولة المفاوضات بين القوى الغربية، خاصة بعد العام 1990 عندما ارتكب صدام حسين الخطأ القاتل بدخول الكويت، ونستذكر في هذا السياق مقترح السناتور جو بايدن للتقسيم والذي اقترحه في العام 2006م، لتقسيم هذا البلد الى ثلاث مناطق، وذلك بدلاً من العمل على وحدة الدولة العراقية ووحدة شعبها، بالتشجيع على تنفيذ مشروع سياسي جامع بعيدًا عن الطائفية والعرقية والمناطقية لمواجهة الإرهاب والفوضى.

كما أن الظهور المفاجئ والكاسح والغريب لظاهرة تنظيم داعش الإرهابي كان مخططًا له بشكل أو آخر ليلعب دورًا في تفعيل الفوضى المطلوبة وخلط الأوراق وتسهيل التقسيم وتوظيفه إقليميًا ودوليًا. حيث قادت هذه الفوضى والحرب الطويلة والمنهكة الى تفعيل وإحياء المخططات والمشاريع التقسيمية لدول المنطقة عمومًا وللعراق على وجه التحديد، إذ وفرت هذه الظروف فرصة للأكراد لإحياء طموحاتهم القديمة في الاستقلال، وبناء دولتهم الخاصة بهم على أنقاض العراق المحطم. بل ومنحتهم فرصة العبث بالجغرافية العراقية بضم مناطق أخرى من خارج الإقليم الكردي عبر السيطرة عليها والعبث بديمغرافيتها، ومدينة كركوك مثال على هذا العبث.

إنها البداية، مجرد البداية المخيفة، حيث يكتفي العرب بالتفرج على خرائط أوطانهم يعاد رسمها على نحو مذل دون حراك. ولا شك ان الصمت المريب سيكون دعمًا مباشرًا لهذا التقسيم والتفتيت. لأن التجرؤ على المساس بوحدة الأراضي العراقية هو بداية إعادة ترتيب الواقع العرقي والطائفي والقومي وفق تركيبة تناسب المخططات الغربية ولا سيما في الدول الأكثر تنوعًا مثل العراق، أفغانستان، السودان، ليبيا، الجزائر ولبنان. والعامل الرئيس لتحقيق هذا الهدف يكمن في العمل على القضاء على الوحدة الوطنية والاندماج الوطني في هذه المجتمعات المتنوعة، والحيلولة دون اندماج الأقليات والطوائف في مجتمعاتها، مما يؤكد أن بداية التدمير والتشظي تكون بالقضاء على الوطنية واختراق المجتمعات من الداخل، وإحياء النعرات، وتهديد السلم الأهلي. حيث لم يؤدِ النكوص عن الثوابت العربية، والعمل على التشكيك في الرابطة العربية – هوية ووجودًا -إلى هذا الضعف العربي ولهذا التفكك فقط، وإنما شجع على تضخم الهويات الجزئية وربما يكون هذا التشظي الحالي أشد خطرًا يتهدد المجتمعات العربية على صعيد الوحدة الوطنية، فالانجرار وراء الجزئي – المحلي – الطائفي، يضغط بشدة على كل ما هو وطني ويهدد بضياع المكتسبات الوطنية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3  خانه شركاؤه ولن ينصفه التاريخ

 

 فاروق يوسف

 

 العرب
من حق الأكراد ألا يفكروا بالطريقة التي تفكر الحكومة من خلالها، فمستقبل تلك الحكومة لا يعنيهم بشيء بعد أن صار العراق كله بالنسبة لأكراد الاستفتاء شيئا من الماضي.

أحرج الأكراد حكومة بغداد حين أظهروا للعالم عجزها عن معالجة مشكلتهم وهم يقفون في لحظة فراق تاريخي ملوحين للعراق. ما كانت حكومة بغداد تتمنى أن يجرها الأكراد إلى ذلك الفخ المظلم. فهي حكومة مستضعفة من قبل صقور الشيعة الموالين لإيران. لذلك فإنها تعتبر انقضاض الأكراد عليها في هذه اللحظة بالذات نوعا من الخيانة.

 

ربما كانت تلك الحكومة تفضل أن يتم الانفصال الكردي عن طريق التراضي، لا عن طريق الفرض القهري من خلال الاستفتاء الشعبي. فتلك الحكومة بتركيبتها الحالية وبالنتائج المأساوية التي انتهى إليها العراق بسبب سياسات الحكومة التي سبقتها، لا تملك أن تواجه حدثا جللا مثل فرض الانفصال عن طريق الاستفتاء وهو ما يتطلب قوة مفقودة وعونا داخليا ليس باستطاعة الميليشيات أن تقدمه.

 

ما تطلبه تلك الميليشيات التي تسيطر على الشارع العراقي هو ثمن لا يقل عن اعتزال الحكومة لوظيفتها بطريقة سافرة، لتُضاف فضيحة جديدة إلى سلسلة الفضائح التي يتألف منها التاريخ السياسي في مرحلة ما بعد الاحتلال.

 

من حق الأكراد ألا يفكروا بالطريقة التي تفكر الحكومة من خلالها، فمستقبل تلك الحكومة لا يعنيهم بشيء بعد أن صار العراق كله بالنسبة لأكراد الاستفتاء شيئا من الماضي الذي لا يستحق الالتفات إليه إلا تحت شعار “لكي لا ننسى” وهو موقف يمكن تفهم أسبابه.

 

غير أن ما لا تفهم أسبابه أن يُترك حيدر العبادي وحيدا في عجمة رفضه لنتائج الاستفتاء، فيما تشهد أربيل وهي عاصمة الإقليم الكردي حضورا مكثفا لشركاء العبادي في العملية السياسية التي يُفترض أنه رأسها.

 

وهو ما يلقي الضوء مرة أخرى على حقيقة أن العملية السياسية في العراق قد أقيمت على أساس الشقاق، وليس على الاتفاق. فها هو جزء من تلك العملية يميل إلى إعلان تضامنه مع الانفصال بالطريقة التي اعتمدها مسعود البارزاني، وإن جاء ذلك الإعـلان عن طريق الـدعوة لعدم التصعيد.

 

بالتأكيد ليست الإطاحة بحكومة العبادي هي الهدف من وراء سلوك سياسيين عراقيين يعتبرون من أركان العملية السياسية كما هو حال رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس مجلس النواب.

 

أما الحديث عن السعي إلى التقريب بين وجهات النظر الذي يشكل دافعا لوجود أولئك السياسيين في كردستان، فليس له مسوغ في ظل انهيار خطوط التفاهمات الوطنية المشتركة بين دعاة الانفصال ودعاة التريث.

 

لقد حل مصطلح التريث محل مبدأ الحفاظ على وحدة التراب العراقي، وهو ما يعني أن الحكومة نفسها لا تملك من الخيال ما يؤهلها للامتناع عن الانزلاق إلى فخ الانفصال وهو أضعف الإيمان. بالنسبة للعبادي فإن ما فعله شركاؤه هو أسوأ مما فعله البارزاني.

 

لقد تركوه وحيدا فريسة لصقور الشيعة من حملة السلاح الموالين لإيران. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إخراج الرجل من لحظة الانتصار التاريخي على الإرهاب صفر اليدين.

 

لقد حلم رئيس الوزراء الذي يقف اليوم حائرا في مواجهة خصوم كثرت أعدادهم وتنوعت أهدافهم، بالإصلاح المعتدل وهو ما لن يجد له طريقا إلى الواقع بعد اليوم.

 

هذا في حالة نجاته من عاصفة الاستفتاء التي لا تزال في بداياتها ولا أحد في إمكانه التكهن بمآلاتها. من المؤكد أن حيدر العبادي هو الأسوأ حظا مقارنة بسواه من أفراد الطاقم السياسي الذي اختاره الأميركان لحكم العراق.

 

غير أن الرجل، الذي استطاع أن يدير الأزمة التي نتجت عن هزيمة الجيش العراقي واحتلال الموصل، يبدو اليوم عاجزا تماما عن العثور على أبجدية تعينه على التعامل مع أزمة الانفصال الكردي، وهي أزمة غير مسبوقة في التاريخ السياسي العراقي الحديث.

 

فلأول مرة يمزق الأكراد خارطة العراق، لا على الورق بل على الأرض. من حق العبادي أن يشعر بالغبن التاريخي. فبغض النظر عن الظروف سيُقال دائما إن في عهده قد تفكك العراق. وهو قول غير منصف من جهة الحقيقة غير أنه أمين على مستوى الواقع.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  استفتاء كردستان.. آخر مسمار في نعش العملية السياسية

 

 إبراهيم أحمد

 

 العرب
الطائفيون الشيعة تنفيذا لمخطط إيراني توسعي يمضي عبرهم إلى سوريا ولبنان وشواطئ المتوسط، تنازلوا عن القومية من أجل المذهب، وتنازل متزعمو الأكراد عن المذهب من أجل القومية.

لو كان الاستفتاء مجرد استبيان موقف الناس، لقبل ضمن حق إبداء الرأي والجهد المعرفي؛ لكن ما رافقه من طقوس واحتفالات وهياج وتغييب للعلم العراقي ورفع لعلم كردستان فقط، وبعضهم لوح بعلم إسرائيل، وإعلان مسعود البارزاني أنه خطوة نحو الاستقلال، وإذا لم يستجب الطرف الآخر لحواره الذي هو نفسه قرر موعده وموضوعه وأسسه، فإن الاستقلال يكون قد أصبح أمرا واقعا على الأرض، وكل يحتفظ برأيه وموقفه، كل ذلك يجعله بمثابة إعلان لدولة كردستان.

 

ومثل هذه القضية المصيرية لا يمكن أن تتم إلا بتوافق الطرفين، (ناهيك عن جارتين كبيرتين ترفضانه تماما) ولو كل مدينة أو ثلاث مدن في العالم تستفتي سكانها لتستقل لأصبح وضع الدول على زلازل وبراكين، ولصارت دول العالم اليوم شظايا ومِزَقًا، ولتحولت الأمم المتحدة إلى ناد لسباق الخيل.

 

لذا فإن الحديث عن الاستفتاء صار حديثا عن الانفصال، وكان طبيعيا أن يحدث انعكاسات وإفرازات كبيرة وثقيلة وبحجمه في مختلف الأماكن والاتجاهات. أهم تداعياته ونتائجه هو أنه ضرب العملية السياسية الجارية في الصميم مُنزلا آخر مسمار صدئ في نعشها، كاشفا عن كونها فضيحة وكذبة كبرى أو كما أسماها عراقيون “عرس واوية”.

 

فهي ودستورها قاما وبمباركة أميركية على تحالف بين متزعمي الشيعة الطائفيين المرتبطين بإيران وبين متزعمي الأكراد المعروفين بعنصريتهم وبعدهم عن مصالح غالبية الأكراد من الفقراء والكادحين، وكان لكل طرف هدفه المعلن والمضمر.

 

فالطائفيون من الشيعة كان هدفهم الحصول على أغلبية برلمانية تضمن سيطرتهم على الحكم، فيستبعدون السنة عن مركز القرار ويتمتعون بإذلالهم والانتقام منهم بحجة أحداث وأوهام يدعون وقوعها قبل مئات السنين وتنفيذا لمخطط إيراني توسعي يمضي عبرهم إلى سوريا ولبنان وشواطئ المتوسط، فتنازلوا عن القومية من أجل المذهب، وتنازل متزعمو الأكراد عن المذهب من أجل القومية.

 

هكذا عُقد عرس الواوية في أشهر عسل متواصلة تبادلوا فيها العناق بين المنطقة الخضراء وقصور مسعود البارزاني وجلال الطالباني. فتوافقوا على حل الجيش الذي كان يمكن أن يكون حافظا لأمن الدولة واستقرارها، ما فتح الباب للإرهاب وشتى أنواع الميليشيات.

 

الطائفيون من الشيعة حلوا الجيش لأنه دحر مخطط الخميني في احتلال العراق. وحله القوميون الأكراد انتقاما لحروبه الطويلة معهم، التي ارتبطت في فترات كثيرة بشاه إيران وزيارات البارزاني الأب إلى إسرائيل عارضا بندقيته للإيجار لطعن العرب من الخلف، وعلى أيدي هذا التحالف صار قانون حل حزب البعث تصفية للسنة ومحاصرتهم.

 

لذا لا نعدو الحقيقة إذ قلنا أن هذا الحلف الطائفي العنصري الذي حاصر السنة ومدنهم وخنقهم بهذه الكماشة الكبيرة هو الذي خلق الظروف والأسباب والبيئة الخصبة لظهور التطرف والإرهاب وصار حاضنة للقاعدة ثم الدواعش فيما بعد.

 

من يحكم العراق اليوم هي مجموعات دينية تمارس تطرفها وإرهابها في كتمان ينتج المزيد من التطرف والإرهاب على الطرف الآخر، فحزب الدعوة الذي هو النسخة الشيعية من الإخوان المسلمين وجد حليفه في النسخة السنية ممثلة بسليم الجبوري وأقرانه الذين رضوا أن يكونوا مجرد ديكور في حكم لا حول لهم فيه ولا رأي، فالقرار هو دَعْوَتي إيراني أولا، ثم كردي صار يتضاءل يوما بعد آخر لقاء توسع متزعمي الأكراد واستحواذهم على مناطق عربية وتركية وتركمانية ومسيحية وإطلاق يدهم في استخراج وتصدير النفط.

 

اليوم وقد تصادمت مصالح الطرفين، فتعاركوا وتهاتروا بأن المسروق والمنهوب والمبيت، وصار واضحا للناس جميعا بعد أن كان بصرخات احتجاج واهنة هنا وهناك يتهم كل متحدث به أنه ضد العملية السياسية وعميل للإرهابيين ويساق للسجن وفق المادة “4 إرهاب”.

 

في ظلال هذا الحلف المدمر استفاد الطرفان وأتباعهما ماديا وإن خسروا أرواحهم في حلف فاوست الشيطاني الذي بموجبه يمنح كل شيء، مقابل أن تمسك الروح لتساق في منحدرات الشر. استفاد الطائفيون الشيعة أنهم تربعوا ولا زالوا على سدة الحكم غير مكترثين أن دولتهم تعجّ بالفاسدين واللصوص والمرتشين، ملهين الناس بالبكاء واللطم وتزييف التاريخ والقيم والشعارات ونشر الخرافات.

 

وتربع الأكراد على سلطتين في آن واحد فهم رجال حكم كاملو الدسم في بغداد، وحكام مطلقو الصلاحية في كردستان بلا رقيب ولا حسيب، بينما رئيس الوزراء في بغداد لا يستطيع تعيين أو عزل فراش مدرسة في أربيل ناهيك عن تحريك قطعة عسكرية في دهوك أو السليمانية أو التساؤل عن استيلاء البيشمركة على كل ما أسموه بالمناطق المتنازع عليها والتي وصلت إلى جلولاء وحدود بغداد.

 

واستفاد ممثلو السنة خاصة جماعة الإخوان المسلمين من تربعهم على مناصب لم يكونوا يحلمون بها، وضلع بعضهم بالفساد أيضا فاستحوذوا على الكثير من الثروات والأموال وفتحوا في عمان ودول في الخليج مكاتب لبيع حصتهم من المناصب والمقاولات والامتيازات.

 

واستنادا لذلك يمكن القول إن خطوة استراتيجية ستتحقق على طريق سد منابع الإرهاب والفساد وزوال أكبر أسبابهما بأن يسقط هذا الحلف الطائفي العنصري، ويقوم مكانه حلف ديمقراطي وطني بين القوى والعناصر التقدمية والمدنية يمتد من الشمال والوسط والجنوب عابرا التسميات القومية والطائفية مؤكدا على الهوية الوطنية العراقية. بذلك يمكن القول إن أرض العراق لم تعد صالحة لتنبت الإرهابيين والفاسدين، بل ستكون قاعدة لخلاص المنطقة من شرورهم.

 

لكن قادة التحالف الشيعي ومتزعمي الأكراد لا يريدون الإقرار بموت العملية السياسية الحالية وإعلان نهايتها وسيظلون متمسكين بها يغذونها بالحقن والمنشطات ويخفون احتضارها، فهم يستثمرون فيها الأسهم والسندات الطائفية والقومية وهي مجالهم الحيوي والماء الذي لو خرجوا منه ماتوا كالسمك، متجاهلين الشعب شمالا وجنوبا شرقا وغربا وهو يعاني مآسيه المتلاحقة.

 

وهكذا نراهم اليوم باسم عدم الانجرار للصراع وضرورة الحوار لا يتحدثون عن جوهر ما يحدث: وهو انتهاؤهم كقادة لعملية سياسية لم تؤد سوى إلى تفكك البلاد إلى دويلات ومناطق نفوذ غارقة في الفساد والإرهاب والفاقة والدمار.

 

مهما رقعت هذه العملية السياسية ووضع على وجهها من ماكياج فإنه لن يعود إلى ما كان عليه، وإن تغيرات نوعية وكمية قد حصلت في الواقع العراقي على مستوى سياقات الأحداث وتفكير الناس وما حل في الأرض من استحقاقات وديون سياسية كبيرة واجبة الدفع.

 

وسيكون دستورها المتخم ببنود التناقضات والصياغات الطائفية والقومية أول من يستدعى للتحقيق والمحاكمة والحكم بإلغائه. وسيدفع الطائفيون في بغداد للجماهير الثائرة تكاليف استعلائهم وتجاهلهم لآلام الناس وخنوعهم لإيران، كما سيدفع العنصريون والقوميون في أربيل والسليمانية ثمن غطرستهم وأنانيتهم وتلاعبهم بقضيتهم.

 

وسيدركون أن التاريخ الذي تجاهلوه طويلا لم يتجاهلهم، فهو قد سجل لهم مسارهم المثقل بالخطايا والآثام والذي تسبب بخراب العراق ووضعه في مهب الرياح وزعزعة استقرار المنطقة.

 

البارزاني بحركته الانفصالية الفاشلة سلفا لفت الأنظار إلى وضعه المتضخم والمتخم بما حلب هو ومن حوله من ضروع العراق، مذكرا بحكاية رجل كان لسنوات يحمل بطاقة مزورة يدخل بها مطعما للمسنين ويتناول وجباتهم دون أن يدفع شيئا، ومرة اشتبك مع نادل المطعم بمشادة حول طبق لم يعجبه فلفت إليه أنظار إدارة المطعم ففقد وجباته الشهية ومثل أمام القضاء.

 

ربما إذا سارت الأحداث في اتجاه صحيح ولو لفترة قصيرة سيفقد البارزاني وجباته الشهية التي تمتع بها لسنوات طويلة في أربيل وكركوك والمدن الأخرى، وقد يمثل أمام القضاء ليس وحده طبعا بل ومعه حلفاؤه العرب المتواطئون في بغداد لسنوات طويلة.