ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | لماذا خاف الغرب استفتاء كردستان؟! | مرح البقاعي
|
الحياة السعودية |
أتى استفتاء كاتالونيا متزامناً مع استفتاء الكرد على استقلال إقليمهم عن الحكومة الاتحادية في بغداد، وما ترتّب عليه من استقطاب سياسي بين مؤيد ومعارض له على المستويين الرسمي والشعبي، ولو أن المعارضين له من الحكومات، وتحديداً في الغرب الأوروبي والأميركي، قد فاقوا المؤيدين أضعافاً مضاعفة. وكانت واشنطن آخر غير المعترفين بالاستفتاء «الأحادي الجانب» كما وصفه وزير خارجيتها، ريكس تيلرسون، داعياً بغداد وأربيل إلى «وقف التهديدات المتبادلة بينهما والعودة إلى الحوار لحل المشكلات العالقة بين حكومتي المركز والإقليم». يجدر بالذكر في هذا المقام أن واشنطن أول من سارع إلى افتتاح قنصلية للولايات المتحدة في أربيل في2011، وتنوي اليوم توسيعها على أرض مساحتها 200 ألف كم مربع لتكون بذلك أكبر قنصلية لها في منطقة الشرق الأوسط. فلماذا خشي الغرب استفتاء كردستان، وهل قرار مدريد كان أشبه بعملية استباقية وقائية لتفادي ما سيترتب على استفتاء كاتالونيا الإسبانية كما حدث في كردستان العراق؟ من البديهي القول إنه على رغم الإقبال الجماهيري العارم على صناديق استفتاء إقليم كردستان حي وافق 90 في المئة على الاستقلال عن العراق، وعلى رغم تقديس الغرب الديموقراطي للاقتراع الشعبي الذي هو أساس ثقافته السياسية، فإن تلك النتيجة شكّلت إنذاراً لا يمكن أن تُصم الآذان عنه لجهة التخوّف من صحوة القوميات وانفصالها في الدول الاتحادية الغربية. ويرتبط هذا الحدث بالذاكرة الأوروبية بما حدث في خاصرتها الجنوبية الشرقية في منطقة البلقان من انتفاضات أتت في سلة واحدة مع حرب أهلية دامية في يوغوسلافيا السابقة استمرت سنوات. فدولة مثل كندا قد تخشى أن يغذّي هذا الاستقتاء شهية النزعات الانفصالية الناشطة فيها. وهكذا يصير صندوق الاقتراع الديموقراطي في الحالة الكردية أقرب إلى التابو في الذهن الديبلوماسي الغربي. من نافلة القول إن النظام المركزي الطائفي الذي جسّده حكم نوري المالكي المرتبط ارتباطاً عضوياً وأيديولوجياً بإيران قد أنهك أحلام الكرد التي راودتهم إثر سقوط نظام الاستبداد البعثي، وكان عليهم الانتظار سنوات لوصول خلفه إلى سدة الحكم حتى يستعيدوا بعضاً من آمالهم المفقودة، إلا أنه على رغم أن حيدر العبادي كان أكثر استقلالية عن حكم الملالي في طهران من سلفه، فإن النخر الطائفي والبيئة السياسية في المركز الاتحادي كانا قد وصلا إلى مرحلة متأخرة من التبعية يصعب علاجها! وهكذا جاء الاستفتاء رداً منطقياً على فشل في تحقيق الديموقراطية الاتحادية المنشودة منذ سقوط صدام حسين عام 2003، أي في فترة تقارب 14 عاماً من المعاناة والانتظار. وبينما كان الكرد قد قبلوا المشاركة في الحكومة الاتحادية بحسن نية وتطلعات كبرى نحو العدالة والشفافية والمشاركة المنصفة في الثروات والحكم، وعلى رغم التجربة المتمكنة والناجحة للإقليم في إدارة حكومته شبه المستقلة منذ حرب الخليج الأولى، فقد أدارت لهم بغداد الظهر في أول محنة تعرضوا لها في مواجهة داعش وامتنعت عن تزويدهم السلاح للدفاع عن مناطقهم وأهلهم، بينما استقدمت وسلحت قوات الحشد الشعبي للقيام بالمهمّة. ومع أن الديموقراطية الكردستانية ليست بالمثالية، فإن ديبلوماسية الإقليم المميزة جعلته يتعامل مع العداوات التاريخية مع جيرانه في المنطقة ببراغماتية عالية، تشهد عليها علاقته الاقتصادية والنفطية مع تركيا على سبيل المثال لا الحصر، ما جلب الرخاء والازدهار لمواطنيه. كما أن البشمركة، وعلى رغم ممانعة الجيش العراقي الرسمي، حققت انتصارات مشهودة على داعش، بل حمت الأقليات العرقية والدينية الموجودة على أراضيها وتعاملت معها بصيغة المواطنة المكتملة في الحق والواجب. الغرب الديموقراطي مطالب اليوم، أكثر من أي يوم مضى، بوقفة أخلاقية مع مبادئه السياسية التي بنى عليها حضارته وبشّر بها الشرق الأقل حظاً وفرصاً سياسية! وبدلاً من المكابرة والضغط لاستمرار زواج سياسي غير متكافئ، عليه الانتصار لقيمه بالاعتراف وبدعم رأي الشعب الكردي الذي أدلى بصوته بشفافية وعفوية وحماسة منقطعة النظير، وعبّر عن أحلامه في دولة حرّة خاب أمله في تحقيقها من خلال فيديرالية بغداد القاصرة. وعلى الغرب الديموقراطي العتيد أن يطمئن أيضاً وألا يتأخر في قول كلمة الحق، فصندوق الاقتراع لا يدعو إلى الانكماش والتوجسّ.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | مزقهم بالاستفتاء!
|
حسين شبكشي
|
الشرق الاوسط السعودية |
يبدو أن العالم يعيش ظاهرة الاستفتاء، فهي على ما يبدو «طبق اليوم» السياسي ونكهة الشهد أيضا. عناوين الأخبار تعج بالجديد والمثير عن استفتاء هنا واستفتاء هناك ولكل تبعاته. بالأمس عاش العالم على أعصابه مع استفتاء اسكوتلندا على استقلالها، وقبل ذلك كان العالم يتابع تداعيات استفتاء جنوب السودان، الذي أسفر عن استقلاله بعد ذلك.
واليوم يتابع العالم بقلق وترقب تداعيات الاستفتاء في كل من كردستان بالعراق وكاتالونيا في إسبانيا، وبناء على النتائج سيظهر حراك مشابه لذلك في اسكوتلندا مجددا، وبعد ذلك في إقليم كيبك بكندا، وكذلك الأمر في إقليم الباسك الواقع بين إسبانيا وفرنسا.
الربيع العربي تلك الظاهرة الفوضوية بامتياز، التي انطلقت من خلال الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي كان العالم العربي فيها هو حقل التجارب لما هو أكبر. فالفوضى الخلاقة التي أعلنتها ذات يوم كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة لم يكن المقصود بها العالم العربي فقط، وهذه النقطة هي ما فطن ووعى إليه كل من أجهزة الأمن في روسيا والصين، وهما دولتان لديهما كثير من الولايات ومن الأقاليم المعبأة بالنزعات الانفصالية والرغبات في الاستقلال.
في الصين هناك منطقة التبت وهناك أيضا منطقة تركمانستان الشرقية، في روسيا هناك أيضا مناطق على هذا النحو. ولذلك قامت الأجهزة الأمنية بمنع مواقع التواصل الاجتماعي ووضعها تحت رقابة شديدة، وأدركت أنهما المستهدفان من حراك الربيع العربي وأنهما الجائزة الكبرى بعد فوضى الشرق الأوسط. وبالتالي كان التعاطي مع «فيسبوك» و«تويتر» على هذا النحو.
الاستفتاء هو الغطاء الجديد للحروب المؤثرة والفعالة، دولة يزعجك نفوذها وحجمها، ما عليك إلا اللعب على وتر الأقليات، وبدلا من إرسال قوات لمساعدتهم على «الاستقلال» اجعلهم «يستفتون» على حق «تقرير المصير»، ويستفيد العالم من خريطة جديدة وعلم جديد ودولة جديدة.
هناك كثير من الوقائع حول العالم تؤكد أن إعادة رسم الخرائط مسألة متواصلة ولا تتغير عبر الأزمنة. ما حدث في يوغسلافيا وفي أفريقيا بشكل مستمر والاتحاد السوفياتي يذكرنا أن الجغرافيا تتغير، ولكن التاريخ مدرسة.
هناك دول كبيرة و«تقليدية» في طريقها للتغير، مثل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا والهند والمكسيك على سبيل المثال لا الحصر، والأداة الجديدة هي الاستفتاء، فهي أكثر أناقة وإمتاعا من الرصاص والبارود. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | الأخطار المُهددة للأكراد حتّمت الاستفتاء من أجل الاستقلال! | هدى الحسيني
|
الشرق الاوسط السعودية |
سأل المسؤول الأميركي مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان: لماذا توقيت الاستفتاء الآن؟ وكان رفض كل الآراء بتأجيله. قال بارزاني: بدأت حكومة بغداد تتسلم أسلحة ثقيلة ومتقدمة من الولايات المتحدة، بينها طائرات عسكرية، أي بعد سنوات قليلة ستميل كفة الميزان لصالح الجيش العراقي. ثم أخبر الضيف الأميركي ما يقلقه، وما يتوقعه هو أن «الشيعة بدعم من إيران انتصروا، والسنة العراقيين هُزموا؛ مدنهم كالموصل والأنبار كلها دمار، و(داعش) هزم، وبرز (الحشد الشعبي) الشيعي، وبحسبة صغيرة، لن يبقى أحد في وجه الحكومة العراقية و(الحشد الشعبي)، ومع جيش مسلح ستتجه الحراب ضدنا للقضاء علينا. لهذا لا بد من استباق الوقت والدعوة إلى الاستفتاء من أجل الاستقلال». ويخبرني محدثي الأميركي، أن بارزاني رفض أي التزام عراقي أو وعود، لا يثق ببغداد. وجاءت الضمانات الأميركية قبل ليلة من الاستفتاء، بأن يجلس الأكراد والعراقيون على طاولة المفاوضات، من دون شروط مسبقة، وتطرح كل المواضيع التي تهم الأكراد وتهم العراقيين، بما فيها الاستقلال. الأميركيون عرضوا أن يلتزموا خطياً بهذا العرض وبنتائج المفاوضات، أما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فقال إنه سيحترم رغبة الأكراد. عندما وصل هذا العرض إلى طاولة مسعود كان تعليقه: «لقاء جاء متأخراً»، إذ إن العرض الأميركي بالضمانات المكتوبة كان يقترح تأجيل الاستفتاء. قال مسعود بارزاني لضيفه: «لقد جيشت كل الشارع الكردي، إنه يتطلع إلى الاستفتاء على أنه حياته ومستقبله، لا يمكنني أن أبلغه بتأجيل الاستفتاء، وإذا فعلت عليّ أن أبحث عن جزيرة منفية ألجأ إليها، لأنني سأفقد كل ثقة شعبي». لم يكن بارزاني بعد كل الجهود التي بذلها مستعداً لأن يشتت ما جمعه. فهو حكم طويلاً، وبدأت أحزاب أخرى تصعد وتعارض وتنشق، أراد لعب دور تاريخي كزعيم أكبر، فدعا إلى استفتاء من أجل الاستقلال. لبت الدعوة كل الأحزاب الأخرى المتفهمة والمعارضة، وعاد لمسعود بارزاني دوره القيادي. منذ الاستفتاء والأكراد لا يسمعون إلا التهديدات من الدول المجاورة، وكلها تحاول إرضاء حكومة بغداد، لكن من يستطيع معاقبة إقليم بأكمله و5 ملايين إنسان؟ هنا يأتي دور المملكة العربية السعودية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع بغداد وحيدر العبادي ومع إقليم كردستان. هي الدولة الوحيدة القادرة على دعوة الرئيسين للتفاوض وبإشرافها. يتردد أن العبادي صار متقبلاً لعراق كونفدرالي، ويجب التشجيع على ذلك، لأن هذا النظام يعطي السنّة العرب أرضاً وحقوقاً ووجوداً في العراق العربي، ويقلص كثيراً من النفوذ الإيراني، خصوصاً أن عراقاً كونفدرالياً تجاور فيه أراضي الأكراد أراضي السنّة، فتشكلان كتلة متصلة ببعضها ببعض ومتوازية مع الأراضي الشيعية، ويمكن لهذه الأرض الممتدة أن تمهد لتوزيع النفط من شمال العراق عبر الأراضي السنية فيه حتى الأردن، ويمكن لها أن تشطر «المد البري» الإيراني من العراق إلى سوريا إلى لبنان حيث «حزب الله». إن استفتاء «كردستان حرة» الذي ضم كركوك الغنية بالنفط ليس مقبولاً من قبل الحكومات المركزية الإقليمية. غير أن الأكراد في المنطقة يرون فيه الخطوة الأولى لتأثير الدومينو على الحركات الكردية الانفصالية في الدول الأربع التي فيها وجود كردي. وكما صوّت أكراد العراق لصالح كردستان حرة، فإن الأكراد في سوريا الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين، وبدعم من الولايات المتحدة يطبقون خطة لإقامة نظام برلماني كردستاني في سوريا. في نظر الحكومات المعنية بالأكراد، فإن مسألة حق تقرير المصير الكردي والاستقلال، ليست مسألة وحدة الأراضي، بل إنها أيضاً الطريق إلى مزيد من الحروب المتعددة الأبعاد في منطقة تتحرك فيها ومنذ سنوات حروب أهلية وعرقية وطائفية وتدمرها. الولايات المتحدة وأوروبا انتقدتا استفتاء 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، لم تعارضاه بل عارضتا توقيته. في المقابل دعمت إسرائيل الاستفتاء، فتمت ترجمة هذا الدعم على يد المعروفين في هذه المناسبات، على أن هناك «أجندة خفية» أميركية تهدف إلى مزيد من التقسيم وإضعاف أي معارضة للمصالح الأميركية. وكان أكثر الناقمين أمين عام «حزب الله» في لبنان السيد حسن نصر الله، الذي اعتبر أن كل ما يدور خارج نطاق آرائه إنما هو موجه أميركياً وسعودياً وإسرائيلياً ضد إيران، إلى درجة أنه يوم السبت الماضي، حذر من «سلام فلسطيني – إسرائيلي» يدرس، وحذر الفلسطينيين من القبول به، لأن أي مصالحة فلسطينية، وأي سلام مع إسرائيل إنما هو للاستفراد بإيران وبمحور المقاومة. تركيا وإيران والعراق هددت بعمل عسكري ضد كردستان العراق. التقارب بين الدول الثلاث سطحي، وأي احتمال لعمل عسكري فردي أو جماعي من شأنه أن يؤدي إلى عواقب جسيمة. والخطر الكبير أن أي عمل عسكري من قبل هذه الدول سيجبر قوات البيشمركة الكردية، على تحويل تركيزها المناهض لتنظيم داعش نحو المعتدي الجديد، مما يتيح لمقاتلي «داعش» المتراجعين فرصة إعادة تجميع أنفسهم، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة أو روسيا أن يحدث. ثم إن بغداد، وعلى الرغم من لهجتها المتشددة، فحكومتها ضعيفة وسجلها في العمليات ضد «داعش» ضعيف، كذلك معالجتها للانقسامات العرقية داخل العراق. ومن دون دعم خارجي (إيران) لا تستطيع حكومة بغداد الوقوف في وجه قوات البيشمركة. بالنسبة إلى الحكومة السورية، وبما أن الروس لديهم مصلحة لدى أكراد العراق – حقول نفط كركوك تحت سيطرتهم – فمن المرجح أن تبقي دمشق الأكراد سعداء لديها، ويذكر أن روسيا استثمرت العام الماضي أكثر من 4 مليارات دولار في قطاع الطاقة في كردستان العراق، متجاوزة الولايات المتحدة كأكبر مستثمر. أما تركيا فإنها ولفترة طويلة كانت متحالفة مع مسعود بارزاني. في المقابل يعارض الأخير حزب العمال الكردستاني، وتظل تركيا الداعم الأكبر اقتصادياً لكردستان، هناك 1730 شركة تركية في الإقليم، كما أن شركة تركية بنت مطار أربيل، الذي حتى الأزمة الأخيرة، لم تكن أي طائرة تهبط فيه من دون أخذ الإذن من بغداد. وإذا راجعنا أعمال إردوغان منذ الأزمة، فإنها لم تعكس تصريحاته النارية. كلامه كان غاضباً لكن أفعاله كانت محسوبة، مقارنة مع إيران التي أغلقت أجواءها ونصحت بغداد بنشر قوات عراقية على نقاط الحدود بينها وبين كردستان. قد يقدم إردوغان على زيادة التعرفة على الأكراد لنقل نفطهم عبر الأراضي التركية، وقد يهددهم بأنه سيدفع عائدات النفط إلى حكومة بغداد. ولن يقدم على عمل عسكري كي لا يعرض المصالح الروسية هناك للخطر، وأيضاً مصالح رجال الأعمال الأتراك. يقول مصدر تركي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث مع إردوغان أنبوب نفط كركوك – جيهان، فشركة «روزنفت» الروسية ترغب بإبقاء الأنبوب مفتوحاً وترى موسكو عائدات حكومة إقليم كردستان كعائد على استثماراتها، ودون خط الأنابيب أو الحدود المفتوحة، أو المدفوعات من بغداد إلى أربيل، فسوف تنهار حكومة كردستان مما يشكل كارثة بالنسبة للمشروع الروسي. قد تتحرك إيران ضد بارزاني عبر بغداد والميليشيات الشيعية التي تحت نفوذها. لكن في هذه الحالة بالذات سيأتي الدعم من أميركا ومن إسرائيل، الذي تحدث عنه حسن نصر الله، ولن تتأخر دول أخرى في تقديم دعمها واللعب في الفناء الخلفي لإيران. لقد وضعت مشكلة كردستان التي فجرها بارزاني الدول الأربع في زاوية صعبة جداً؛ إذا قامت بعمل ضد الأكراد فإنها تخاطر بحرب كبرى تنتفي فيها الحروب بالوكالة. وإذا لم تقدم هذه الدول على أي عمل، فإنها تعطي أكراد العراق فرصة إعلان حريتهم فيلحق بهم إخوتهم في تركيا وإيران وسوريا. والنتيجة في نهاية هذا المسار دموية جداً. إن من يعتقد أن الولايات المتحدة تفقد تأثيرها في المنطقة مخطئ. والحروب بالوكالة عبر الميليشيات، والتي طال أمدها للهيمنة على الشرق الأوسط، ستعود أخيراً إلى «البيوت» التي خرجت منها، ستعود إلى إيران وتركيا. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 |
حكمة الأكراد.. هل تنقذ العراق؟
|
محمد عارف
|
الاتحاد الاماراتية |
سائق تاكسي كردي انثقب إطار عجلة سيارته، فقال الركاب: «قَدَرْ». وبعد ساعة صُدمت السيارة بسيارة أخرى، وصاح الركاب: «قَدَرْ»، وبعدها انفجرت بهم عبوة وصرخ الركاب: «قَدَرْ». فغادر السائق الكردي السيارة، وقال: «إذا قَدَرْ ما ينزل ما أسوق بعد». هذه النكتة ترسم سيناريو الأحداث منذ إعلان نتائج الاستفتاء على استقلال كردستان، فقبل أن ينتهي الاحتفال بالاستفتاء اندفع العراق وإيران وتركيا في العمل الميداني ضده، وأجرت الدول الثلاث مناورات عسكرية مشتركة على الحدود مع الإقليم، وطالب العراق شركات النقل الجوي العالمية بوقف عمليات الطيران إلى أربيل والسليمانية، وهدّد بغلق الحدود البرية. وعلى الصعيد الدولي أصدرت الخارجية الأميركية بياناً ضده، وأعلنت الأمم المتحدة قلقها من عواقبه على الأمن في المنطقة. وبدلاً من أن يكون الاستفتاء الخطوة الأولى في التفاوض صار «معضلة الانفصال التي تثير ردود أفعال عكسية» حسب «أريكا جينويث» أستاذة الدراسات الدولية في «جامعة دنفر».
وسلطة الإقليم الآن كما في النكتة عن كردي يُعزي صديقاً بوفاة والده لإصابته بإطلاق ناري، ويسأله: «وين تصوَّب المرحوم الوالد؟». أجاب الصديق: «فوق عينه». قال الكردي «زين ما صابت عينه». فزعماء الإقليم لم يتوقعوا قوة ردود أفعال المجتمع الدولي ضد استفتاء الانفصال، ولم يعرفوا أن لا سند في القانون الدولي لحق الانفصال، ولا الولايات المتحدة أو أي قوة عظمى تجبر، أو تقسر، أو ترشو الدولة المراد تجزئتها، حسب «بريدجيت كوغينس» عالمة السياسة الأميركية. وكيف يعرفون ذلك وبين مستشاريهم الصهيوني «برنارد ليفي» يطمئنهم إلى أنهم شعب الديمقراطية المختار، ويستنفرهم ضد جميع بلدان المنطقة العربية والإسلامية؟
وذكرت «نيويورك تايمز» أن «ردة الفعل الدولية القوية كشفت هشاشة وضع كردستان وعيوبها، فالإقليم لم يبادر في الأيام الأولى بعد الاستفتاء لوضع أسس الدولة، بل جاهد للتخلص من شدّ خناقه. وكان يمكن مواجهة العاصفة لو أن الحكومة ديمقراطية حقاً. إلاّ أن حكومة الإقليم تفتقر إلى أسس الديمقراطية، وحكم القانون، وإلى الانتخابات الحرة والنظيفة، والمجتمع المدني، والسلطة التشريعية المالكة لقوة حقيقية تتحدّى حكم السلالة العائلية». ونقلت الصحيفة عن «رابون معروف»، عضو البرلمان الكردي عن «حركة التغيير»، قوله: «ليس عندنا حكم القانون بل الحكم الملكي». ويحدث هذا في وقت انسحبت القيادة الأميركية بشكل متزايد، فهي لا تحل ولا تربط، أو على الأقل تمّيع التناقضات، فالنظام الدولي قائم على فكرتين، ظهر أنهما مترابطتان: الحدود مقدسة، والناس يصممون وضعهم السياسي. والأول يعني عدم تشجيع أي غزو أو دعم حركة انفصالية، والثاني يحمي حقوق المواطنين من الدكتاتوريين والمحتلين، لكن عندما يصمم قطاع من المواطنين الانفصال يتصادم هذان المبدآن. ويذكر «كريستوفر بورغن»، أستاذ القانون في جامعة «سانت جونز» بالولايات المتحدة، أن «لا حق للانسحاب في القانون الدولي، والانفصال ليس حقاً ولا قانونياً بالضرورة».
وإذا لم تنجم عن الاستفتاء إقامة الدولة الكردية، ولن تنجم، فردود الأفعال الإقليمية والدولية التي فجّرها، كشفت عن الثقل الجيوسياسي للأكراد الممتد عبر جنوب غرب آسيا، وهنا الحكمة التي يعجز عن رؤيتها الفكر العنصري والطائفي. فالأكراد الموزعون على العراق وتركيا وإيران وسوريا وأرمينيا صلة الوصل الجغرافية والتاريخية والثقافية. والحكمة ليست في تقطيع أوصال هذه الصلة، بل في نسيجها الذي يشكل قوة الأكراد البازغة. رأى ذلك الشاعر الكردي الراحل «شيركو بيكه س»: «يوم قلتُ: إني الجواد الوحيد، ذو الصهيل الأصيل، بَعْدَها نشبت حرب الجياد. هذه الدماء لن تنطفئ حتى أوقد حقيقة داخل رأسي: إني لستُ وحدي الجمال والألوان كلها. إني لستُ وحدي الشمس والأشعة كلها. إني لستُ وحدي الجياد والصهيل كلها». |