ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | الكرد خارج هيمنة إيران … فماذا عن سنّة العراق؟ | عبدالوهاب بدرخان
|
الحياة السعودية |
كان متوقعاً ومتصَوَّراً أن يتمّ استقلال اقليم كردستان عن العراق في أي وقت، طوال المئة عام التي مرّت، ولم يكن متوقّعاً ولا متصَوَّراً أن يحصل الانفصال ودّياً أو بالتراضي. أن يؤدّي الى «حرب أهلية» أو الى عزلة اقليمية دائمة أو موقتة لـ «الدولة» الوليد فهذا من أثمان الهدف المحدّد: تقرير المصير. لن تغزو تركيا الإقليم، على رغم تهديدات رجب طيّب أردوغان، مبطّنة ومكشوفة. أمّا إيران فلا تراهن على «عمليات مشتركة» مع تركيا لأن لديها أذرع «الغزو بالوكالة» ممثّلة ببعض ميليشيات «الحشد الشعبي» وليس كلّها. وأمّا بغداد التي لم تخرج بعد من حربها على تنظيم «داعش» فليست في وضع أفضل مما كانت عليه الحكومات العراقية السابقة إبان حروبها على الأكراد، وربما تضطرّ الضغوط الداخلية حيدر العبادي الى إجراء عسكري، إلا أنه سيركّز فيه على تأمين وجود لحكومته في المناطق المتنازع عليها، الموزّعة بين محافظات كركوك وديالى ونينوى وصلاح الدين، أكثر مما سيفكّر بتطويع الإقليم لإبقائه في نطاق «الدولة الاتحادية». الأكيد أن الأخطر هو ما سبق الاستفتاء، فالانفصال أصبح أو يكاد انقساماً سياسياً حادّاً وواقعاً نفسياً جماعياً يدّعي مقاومة هذا الاستحقاق فيما هو يعمّق تسويغه. باتت كل كلمة في أرجاء البرلمان، وكل انفعال على الفضائيات، وكل شتيمة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما في الشارع، ترسّخ واقع ما بعد الاستفتاء ولا تبدّده. وكأن عراقيي إيران يستشعرون بأنهم عشية سقوط آخر لنظامٍ آخر يتيح فرصاً جديدة لنهج المغانم، لذا هناك من يتعجّلون شغور المناصب من رئاسة الجمهورية الى وزارات الى وظائف حكومية، كما يتربصون بأملاك ومخلّفات يوشك الأكراد أن يفقدوها. لكن، حتى في الإقليم نفسه، حيث لا تسود هذه الحال المسعورة ضد العراقيين العرب «اللاجئين» الهاربين من جحيم بغداد، توجد حسابات متوجّسة لدى «حركة التغيير» والإسلاميين من أن يفضي الاستفتاء الى إدامة الحال الاستبدادية التي ينعتون بها حكمهم وحكومتهم، بل يتخوّفون من استشراس هذا الاستبداد في ظلّ العزلة المتوقّعة للإقليم. زرع الاستفتاء حدّاً فاصلاً تاريخياً، ولحظة إعلان موعده كانت عملياً لحظة الانفصال، وبالتالي لحظة انتهاء الحوار، إذ لم يفد قبلها، وبالطبع لم يفد بعدها، لا مع بغداد ولا مع الأطراف الخارجية. فرئيس الإقليم سأل مراراً وتكراراً عن «البدائل» و «الضمانات»، وكان مسعود بارزاني مدركاً مسبقاً أن أحداً لن يتمكّن من توفيرها، لأن البدائل التي في خاطره وخواطر الأكراد كافةً ليست صعبةً فحسب بل مستحيلة: ضمان اميركي علني وموثّق بمساعدة الأكراد على تحقيق دولتهم المستقلّة… صحيح أن الولايات المتحدة ملتزمة أمن الإقليم وسلامته، منذ ما قبل الغزو والاحتلال عام 2003، وأن جيمس ماتيس جدّد أخيراً هذا الالتزام بمعزل عن الاستفتاء ونتائجه وتداعياته، إلا أن الولايات المتحدة التي اجترحت نظام ما بعد صدام حسين ثم انسحبت بعدما ارتبطت مع حكومة بغداد باتفاقات معروفة، ما لبثت أن ضاعفت التزاماتها مع عودتها لقيادة الحرب على «داعش» وإنهاء سيطرته. لم يكن ممكناً في حال الحرب، إذاً، أن تُقدِم واشنطن على أي تعهّد ستعتبره شريكتها بغداد ضرباً لهيبتها ولسيادة العراق ووحدة أراضيه وانتهاكاً واضحاً للاتفاق بين الدولتَين. وعلى رغم التعاطف الأميركي والغربي عموماً مع الإقليم قضيته، إلا أن التأييد للأكراد لا يبلغ حدّ تجاهل التوتّرات الإقليمية المتصاعدة، بل إن الاستفتاء يزيدها سخونةً، فالشأن الكردي ماضٍ في تعقيد الأزمة السورية على رغم بلوغها احتمال وقف شامل لإطلاق النار، وهو يفاقم مخاوف واقعية لتركيا على وحدة أراضيها، ويثير قلق إيران من وجود انفصاليين أكراد في ربوعها، كما أن المحيط العربي يطرح أسئلةً جدّية ومشروعة عن مصير سنّة العراق في ظل هيمنة إيران واستيعابها للفلول «القاعدية» و «الداعشية» في فلكها… لذلك قيل للإقليم وحكومته أن «التوقيت خاطئ وغير مناسب»، لكن هذه الظروف الإقليمية الصعبة هي بالضبط الظروف المناسبة التي اقنعت بارزاني وقادة كردستان العراق بالذهاب الآن وليس غداً الى الانفصال والاستقلال. وطالما أن الاستحقاق لن يكون سهلاً في أي حال فالأحرى أن يتحقّق في ظلّ انشغال الجوار بمشاكله وصراعاته، لأن كل السيناريوات لمعالجة الوضع الإقليمي وضبطه تفترض تسويات دولية يعتقد الأكراد في ضوء السوابق أنها اذا لم تتمّ ضدّهم وعلى حسابهم فإنها على أقلّ تقدير ستطيح طموحاتهم وأحلامهم. كالعادة انتظر الأميركيون بلوغ «المأزق» نقطة اللاعودة للإيحاء بأنهم لم يقصّروا في تفاديه. هكذا فعلوا في ذروة الأزمة بين حكومة نوري المالكي والمحافظات السنّية عام 2013 حتى منتصف 2014، بل هكذا فعلوا أيضاً في سورية، إذ كانوا على يقين بأن قنبلة الإرهاب «الداعشي» تنتشر وأنها على وشك الانفجار، لكنهم اكتفوا آنذاك برسائل باردة ونصائح باهتة لم يعرها المالكي أي اهتمام وهو المستغرق في تطبيق الخطة الإيرانية: إمّا اخضاع تلك المحافظات وإمّا «استدعاشها» بسحب الجيش والأمن الحكوميَين منها وتركها نهباً للتنظيم ثم استعادتها لمعاودة اخضاعها بعد تدمير مقوّمات العيش فيها. وهكذا فلا مبالغة اذا وُصِف «المشروع» الذي جاء به المبعوث الأميركي الخاص والسفير البريطاني وممثل الأمم المتحدة في العراق كـ «بديل» من الاستفتاء بأنه «صغير جداً ومتأخر جداً»، وبدل أن يقنع الأكراد بالتخلّي عن الاستفتاء أقنعهم بأن أضرار التراجع عليهم ستكون أضعاف الأضرار المحتملة للاستفتاء نفسه. لم يكن متوقّعاً أن يخرج المشروع الثلاثي عن إطار الدستور وضرورة التفاوض مع بغداد لحلّ الخلافات واستئناف «الشراكة» التي كان فشلها أهم حجج بارزاني للدفع بمشروعية الاستفتاء. وإذ قُدّمت مواكبة مجلس الأمن الدولي للتفاوض على أنها ضمانٌ لحقوق الإقليم فإن الواقع الدولي أعطى براهين كافية على عقم مجلس الأمن وعجزه. أما الاعتماد على رحابة صدر بغداد واستعدادها الطيّب للتعاون وتفعيل الشراكة فدونهما صعوبات كأداء يمكن اختصارها بأسئلة ثلاثة: مع افتراض كل حسن النية عند العبادي فهل إن القرار في بغداد أم في طهران، وهل هو وطني أم «حشدي»؟ ومع افتراض الدعم الإيراني للتوافق مع الأكراد وإرضائهم تفادياً للأسوأ، فهل يمكن التعامل بالمثل مع سنّة العراق أم يجوز ايرانياً و «حشدياً» التمييز ضدهم «وفقاً» للدستور؟ ومع افتراض أن التسوية التفاوضية ممكنة مع الأكراد، كمصلحة عراقية وطنية، فهل إن كردستان العراق ستتخلّى نهائياً عن المطالبة بالاستقلال والانفصال؟.. يمكن وضع حديث «الشراكة» على حدة، فهي شعارٌ ولم تكن هدفاً، ولو كانت كذلك لوجب احترامها خلال كتابة الدستور وبعد إقراره وبالأخص بعد إجراء التعديلات المتفق عليها. فالوضع الذي نشأ لم يكن دستورياً على الإطلاق، فالشيعة اعتبروا إرضاء إقليم كردستان بـ «الفيديرالية» كافياً لإطلاق أيديهم في تشكيل نظامهم لا لإعادة بناء الدولة بل لتلبية أطماع إيران ونزواتها، أما الأكراد فتحالفوا مع الشيعة لترتيب مصالح الاقليم وتأمينها ولم يحضّهم «تمسكهم» بـ «الشراكة» على الاهتمام بحقوق المكوّن الآخر السنّي، ولم تكن تقارباتهم الآنية معه سعياً الى تصويب «الشراكة» بل الى استدراج تنازلات من بغداد لقاء إهماله مجدّداً، الى أن ضرب التباعد عميقاً في الأرض بينهم وبين المالكي واستمرّ ولو مخَفَّفاً حتى بعد مجيء العبادي. لو لم تفشل «الشراكة» لربما كانت حجّة الأكراد أقلّ زخماً. أما فشلها فلا شكّ أنه مسؤولية الجميع بلا استثناء ولو بدرجات متفاوتة. ذاك أن سلطة الاحتلال الأميركي كانت المسؤولة عن حلّ الدولة العراقية ومؤسساتها غداة سقوط النظام السابق. وإيران لا تزال المسؤولة عن الاستثمار في الخراب العراقي بموجب «الشراكة» الضمنية بينها وبين الولايات المتحدة. لكن عراقيي/ ايرانيي النظام الناشئ في بغداد مسؤولون عن ادارة «دولتهم» بعقل ميليشيوي – طائفي. وفيما يلام السنّة على تقصيرهم المريع في إدراك المتغيّرات واستيعابها، لا يمكن القول أخيراً إن الأكراد ساهموا في «الشراكة» وحاولوا فعلاً انجاحها، فعندما كانت هناك منافع استفادوا منها وعندما انقطعت يريدون الاستفادة من فشلها لتفعيل الطلاق مع العراق.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | «الإستفتاء».. ليس هذا أوانه!
|
صالح القلاب
|
الراي الاردنية |
لأن المفترض أن أكراد العراق يعرفون، بحكم تجربتهم الطويلة لا بل بحكم تجاربهم المرة، أن مشكلتهم ليست مع العراقيين والسوريين ومع العرب بصورة عامة وإنما مع الإيرانيين والأتراك فقد كان عليهم أن يدركوا قبل رفع راية «الإستقلال» أنَّ هذا التحول التاريخي فعلاً لن يمر بسهولة بل أنه لن يمر أبداً لأن إيران وتركيا تعتبران هذا الأمر خطاً أحمراً وعلى أساس أن «انفصال» كردستان العراقية واستقلالها سينقل العدوى الإنفصالية إلى هاتين الدولتين اللتين تعانيان فعلاً من أنهما يتشكلان من «فسيفساء» قومية وأنَّ حصول إحدى القوميات وبخاصة «الكرد» على استقلالها في إحدى دول هذه المنطقة سينقل هذه العدوى إليهما لا محالة.
لقد كان على الرئيس مسعود البارزاني، صاحب التجربة الطويلة، أن يدرك هذا ويعرفه وأنْ لا يتخذ هذا القرار قبل أن يضمن على الأقل تأييد الولايات المتحدة وباقي الدول الكبرى ومعها الأمم المتحدة وأيضا سكوت معظم الدول العربية فخطوة كهذه الخطوة ستزلزل هذه المنطقة الملتهبة بالفعل وستفتح أبواب صراعات «إثنية» لا نهاية لها ستؤدي إنْ على المدى البعيد أو القريب إلى «خرائط» جديدة في الشرق الأوسط كله غير خرائط سايكس – بيكو الشهيرة التي حرمت الأكراد مما أعطته أو أعطت بعضه للآخرين الأتراك والعرب والإيرانيين.. وأيضاً للإسرائيليين الذين لا علاقة لهم بهذه المنطقة لا من قريب ولا من بعيد.
وهنا فإنه لا بد من التأكيد مجدداً ومرة ثانية وثالثة وعاشرة وألف أنه يحق لهذا الشعب «الشقيق» بالفعل أن يحصل ولو على الحد الأدنى مما حصلت عليه شعوب المنطقة وأن يقرر ولو شيئاً من مصيره وتصبح له دولته المستقلة أسوة بالآخرين لكن فإن عليه أن يختار اللحظة التاريخية بدقة متناهية وأن يتجنب إستفزاز أيٍّ من هذه الدول التي هي ستقاتل وبالتأكيد أي نزعة استقلالية للشعب الكردي الذي إذا أردنا قول الحقيقة فإن من حقه أن يحصل على ما حصل عليه الآخرون!!.
ثم ولقد كان على الرئيس البارزاني أن يتجنب، ما دام أنه كان قد عقد العزم على إجراء هذا الإستفتاء، إثارة القضايا المختلف بشأنها كقضية كركوك فالمعروف أن إثارة هذه القضية ستثير غضب العراقيين كلهم وأنها ستوحد السنة والشيعة وستجعلهم يؤجلون الكثير من خلافاتهم وذلك بالإضافة إلى أنها ستؤجل هذا الصدام المتعاظم بين العرب كلهم والإيرانيين الذين بات هؤلاء ينظرون إليهم على أنهم محتلون وأن إيران دولة محتلة إنْ في بلاد الرافدين وإن في سورية.. وأيضاً إن في لبنان واليمن.
والآن وقد حصل كل هذا الذي حصل فإن المفترض أن تتم «لملمة» هذا الموضوع بدون ترك أي أحقادٍ كردية عربية إذْ أنه قد إتضح وبصورة جلية أن هذا الوقت ليس وقته مادام أنه قد ثبت أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة وكل دول العالم الفاعلة والمؤثرة ستسكت إنْ تحرك الأتراك والإيرانيون بقواتهم في إتجاه كردستان العراقية ومع الإشارة في هذا المجال إلى أن تركيا وإيران رغم كل ما بينهما من خلافات فعلية وحقيقية إلا أنهما تلتقيان عند منع إقامة أي شكل من أشكال «الإستقلالية» الكردية وفي أي دولة من دول هذه المنطقة.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | إيران والعراق… عقدة المكان وعقيدته
|
مصطفى فحص
|
الشرق الاوسط السعودية |
في حديث لشبكة «إيران بالعربي»، رجّح زعيم تيار الحكمة الوطني السيد عمار الحكيم، أن «العراق قادر على تقريب العلاقة بين إيران والسعودية، باعتباره الحيز الجغرافي الوحيد الذي يربط الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالمملكة العربية السعودية»، وأضاف أن «أكبر ثلاث دول في الشرق الأوسط هي إيران والسعودية وتركيا، ويمثل العراق المساحة التي تربط هذه الدول، لذا فهو المؤهل الوحيد للقيام بتقريب وجهات النظر بينهم». كلام السيد الحكيم إشارة واضحة إلى أن هناك إرادة عراقية في استثمار موقعه الجغرافي لصالح مشروع الدولة، بعد أن بدأت طهران تواجه انسداداً في أفق مشروعها الجيوسياسي، يقابله تحول في المزاج العربي تجاه بغداد، شكلت الخطوات السعودية فيه نقله نوعية في العلاقات بين البلدين منذ 1991، والتي تزامنت مع مرحلة متغيرات داخلية أتاحت أمام المجتمع والدولة في العراق فرصة فعلية من أجل بلورة الشخصية الوطنية العراقية، وفي إعادة الربط بين ثابتين شكلا منذ أكثر من 5 قرون حيوية العراق ونكبته، باعتباره يملك استثناء يمكنه من الدمج بين الجيو – سياسي والجيو – ديني؛ خاصة أنهما يشكلان معاً هويته المركبة المحكومة بموقعه وجواره سياسياً، وبغناها الحضاري والديني اجتماعياً، ما يجعله حتماً يؤثر ويتأثر بمحيطه، والقلق من تأثيره أدى تاريخياً إلى قيام صراعات دموية من أجل الهيمنة عليه، حيث تَوَاجه العثمانيون والصفويون والقاجاريون لقرون، من أجل وضع اليد على الامتيازات الدينية والجغرافية التي تتمتع فيها بلاد ما بين النهرين. تاريخياً تؤكد أغلب المصادر التاريخية أن فترة احتلال الشاه إسماعيل الصفوي للعراق التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 1508، حصل فيها تنكيل لكل فكر مناهض لحُكمه، وتم هدم بعض الأماكن السنية، ويشير المؤرخ الروسي نيكولاي إيفانوف في كتابه «الفتح العثماني للأقطار العربية 1516 – 1574» أن «بغداد وغيرها من المدن العراقية شهدت موجات من الفرس، وانتشرت فيها اللغة الفارسية، وأغدقت الهبات على الأماكن الشيعية، وحصلت قبائل القزل الباش المقاتلة على أفضل الأراضي والمراعي، وأصبح خاناتهم حكاماً من ذوي السلطة المطلقة في العراق»، وبعد قرون أدت تحولات ما بعد 2003 إلى عودة الهيمنة الإيرانية عليه، والتي طبقت حرفياً المنهجية الصفوية في العلاقة الاستتباعية مع العراق، فقد أصرت طهران على التعامل معه كبلد مبعثر، غارق في أزمة مستمرة بين المركز والأطراف، وكأنه عاجز عن إدارة نفسه، وذلك نتيجة قلقها الدائم من موقعه الجغرافي الذي شكل لها تاريخياً عقدة عثمانية فرضت شروطها على الصفويين الذين هزمهم الأتراك مرتين هناك، وعلى ورثتهم القاجاريين الذين اكتفوا بالدور الاجتماعي، بعدما اعترفت السلطنة العثمانية لهم بامتيازات دينية واجتماعية، مقابل احتفاظها بالسيطرة السياسية والعسكرية عليه، إلا أن العنجهية الإيرانية في محاولة الاستتباع الكامل للعراق لم تتعلم من دروس الماضي، عندما استفاد العثمانيون من اتباع حكام العراق في العهد الصفوي سياسة التطرف الديني وملاحقة الخصوم وإعدامهم لأسباب مذهبية وعرقية، إضافة إلى أعمال الابتزاز والفوضى التي مارستها قوات القزل باش ضد العراقيين، والتي أدت إلى تعاطف شعبي عام مع العثمانيين، وهو ما لا يختلف اليوم عن تصرفات بعض فصائل «الحشد الشعبي» المدعوم من طهران التي كانت أحد أسباب الترحيب الرسمي والشعبي في الانفتاح السعودي على العراق، من أجل تحقيق توازن مع النفوذ الإيراني المترهل، إضافة إلى تراكم الامتعاض من أداء الإيرانيين اللاغي للشخصية العراقية التي انفجرت حساسيتها وحساباتها، عندما حاولت طهران فرض اندماج كامل للعراق معها تحت غطاء التكامل، وتحويله من حيز جغرافي له هويته السياسية إلى امتداد لمشروعها الإمبراطوري، وتطلب ذلك تغيير الواقع الديني بشكل يتناسب مع الواقع الجغرافي الجديد، فضغطت طهران من أجل إنتاج مرجعية خاضعة لها خارج الإطار الكلاسيكي لمرجعية العراق النجفية، من أجل ضمان إمساكها بالمكان والإبقاء على ارتباطها الديني فيه، ولكن من منطلق استيلائي يضعه المفكر اللبناني الراحل السيد هاني فحص ضمن إطار بسط النفوذ، حيث يقول: «الإيراني استيلائي، لا يُحب أن يكون له دور، وإنما نفوذ. الدور يعني الشراكة، الدور يشترط الآخر، والنفوذ استتباع واستلحاق، زبائني ريعي يشتري الرقبة والقرار، يهمّه الوصول إلى هدفه، هو براغماتي جداً ومسكون بهاجس الإمبراطورية التي يريد استعادتها بمنطق القوة الفارسية أو الشيعية أو الإيرانية مقابل الكثرة العربية». |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | أزمة الاستفتاء
|
د. شملان يوسف العيسى
|
الشرق الاوسط السعودية |
لا يزال الزعيم الكردي مسعود بارزاني ملتزما بإجراء الاستفتاء في وقته في 25 سبتمبر (أيلول) الحالي رغم مطالبة الحكومة العراقية والولايات المتحدة ودول الجوار مثل إيران وتركيا والدول العربية على عدم إجراء الاستفتاء الآن. السؤال لماذا الإصرار على الاستفتاء في سبتمبر والدعوة للاستقلال الآن… دون الاتفاق مع الحكومة العراقية؟ الإجابة عن هذا التساؤل واضحة، وهي أن الزعيم الكردي يحاول إيجاد حل للأزمة التي يعيشها وحزبه الديمقراطي الكردستاني منذ عامين، بمعنى آخر هو يستعجل قضية الاستفتاء لمنع تكتل الأحزاب الكردية الأخرى ضده… أما السبب الثاني للإصرار على الاستفتاء تمهيداً للاستقلال فيعود إلى الوضع المتدهور في العراق، فقد أكد في مقابلة له مع جريدة الحياة (الأربعاء 9 – 8 – 2017) أن الدولة العراقية مقسمة عملياً وانتهكت أسس الشراكة والدستور، واستدرك قائلاً الحرب الطائفية موجودة ولا توجد سيادة للدولة بالتأكيد ليس الإقليم مسؤولاً عما آلت إليه الدولة العراقية. ولكن ما هي إمكانيات نجاح الاستفتاء؟ وهل هنالك إمكانية لاستقلال الإقليم فعلياً… كل التوقعات تشير إلى أن الاستفتاء سوف ينال قبول الأكراد، لأن هذا حلم الأكراد القومي لكن تبقى المعضلة بالمراحل ما بعد الاستفتاء، فمعارضة الاستفتاء تجمع كل عواصم المشرق من بغداد إلى طهران إلى أنقرة، إضافة إلى الدول العربية والدول الغربية الرئيسية بما في ذلك الولايات المتحدة الراعي المهم لحكومة إقليم كردستان. نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أكد بأن موسكو ستحلل نتائج الاستفتاء في كردستان العراق في 25 سبتمبر الحالي، لكن مسألة الاعتراف بنتيجته أو عدمها غير مطروحة حالياً، وأكد بأن بلاده تدعم وحدة وسلامة الأراضي العراقية وتدعو للالتزام بدستور البلاد. تعارض إيران وتركيا الاستفتاء، وحذر المستشار الأعلى للقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى رحيم صفوي من حرب وفوضى طويلة الأمد في حال استقلال إقليم كردستان، وأكد صفوي بأن هناك مؤامرة جديدة يتم التحضير لها بعد هزائم الإرهابيين في سوريا والعراق. داخلياً رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أكد بأن الحكومة لن تلتزم بنتائج الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، وأكد بأن الاستقلال الذي يريده الإقليم هو خطوة غير شرعية وغير دستورية، وليس هناك أي رغبة لقبول فكرة الاستقلال في البلاد، وأنه لا يحق لطرف أن يغير واقع العراق برغبة أحادية الجانب من دون موافقة الطرف الآخر. الكتل النيابية في البرلمان العراقي وجهت انتقادات إلى الزعماء الأكراد لاستعجالهم في إجراء الاستفتاء، وشمول الاستفتاء مناطق متنازع عليها بما في ذلك محافظة كركوك، ودعا النواب إلى طرد كل مسؤول كردي من منصبه في بغداد إذا كان مؤيداً للاستفتاء. دول الخليج العربية ملتزمة بوحدة التراب العراقي، وقد دعت دول المجلس السياسيين في العراق إلى توحيد صفوفهم، وإعلان حكومة وحدة وطنية توحد كل مكونات الشعب العراقي… أما ما يخص استقلال الأكراد فهنالك تداعيات إقليمية خطيرة على المنطقة ككل، فاستقلال الأكراد في العراق سوف يشجع الأكراد في كل من تركيا وإيران وسوريا على الانفصال عن بلدانهم، وهذا أمر لا يمكن قبوله في أي من الدول المجاورة للعراق. المشكلات حول استقلال الأكراد بدأت حتى قبل أن يجري الاستفتاء في 25 سبتمبر الحالي، حيث اتهم رئيس الجبهة التركمانية العراقية أرشد الصالحي محافظ كركوك نجم الدين كريم باستقدام 200 مسلح من حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا. فنشر هذه القوات في غرب كركوك سيزيد من التوترات في المنطقة، وحذر بأن هنالك لعبة تحاك ضد المناطق التركمانية في العراق. ما يحتاج إليه العراق اليوم هو حكومة وبرلمان وطني يدير البلاد من خلال دولة علمانية قانونية ديمقراطية، لأن زج الدين بالسياسة خلق حكومة طائفية مزقت نسيج المجتمع العراقي، وأدخلته في متاهات جديدة هو في غنى عنها. التعليقات |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 | إسرائيل والأكراد.. والجوار القلق
|
قاسم شعيب
|
راي اليوم بريطانيا |
موافقة البرلمان الكردستاني على إجراء الاستفتاء في موعده كان دفعة إضافية لإصرار مسعود البرزاني على تمريره رغم الضغوط الدولية الداعية إلى تأجيله، ورغم تحذير رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من فتنة جديدة وحديثه عن التدخل العسكري إذا لزم الأمر. غير أن تلك الضغوط الغربية لا تبدو لنا حقيقية. فالموقف الأمريكي والأوروبي الرافض للاستفتاء والداعي إلى التأجيل ليس إلا محاولة لخداع الرأي العام العراقي والعربي المناهض للاستفتاء. لا يسع الغرب إلا مراعاة المصالح الاسرائيلية والعمل من أجلها في السر والعلن منذ أن أصبح خاضعا بالكامل للوبيات الصهيونية في داخله. لم تُخف إسرائيل تأييدها لاستفتاء الأكراد. فهي تريد عراقا مقسما لأنها تعرف أنه يمثل خزّانا استراتيجيا لدول الطوق وأنه يشكل تهديدا مستمرا ضد وجودها رغم الفاصل الجغرافي. ولا بد من الاستمرار في استهدافه بشتى الطرق حتى يبقى ضعيفا ومقسما ومنزوع الأنياب. وهي أيضا تحلم بحضور علني أوسع في العراق من خلال المدخل الكردي. لا تفسر العلاقات الإسرائيلية القوية مع أربيل منذ زمن طويل وحدها الدعم الصهيوني للانفصال عن العراق، بل إن موقف حلفاءها الغربيين الداعم للانفصال بشكل غير معلن هو ما شجعها على ذلك.. فالولايات المتحدة الأميركية المعارضة علنا لتوقيت الاستفتاء، تختار، عادة، الإعلان عن أشياء تفعل نقيضها في الواقع. يبقى التقسيم هدفا استراتيجيا أمريكيا، أما المتغير فهو فقط تفاصيل تنفيذه وظروفه وإمكاناته. لكن دول الجوار هي التي تخشى هذا الاستفتاء بسبب تركيبتها السكانية. وهي التي تقف بقوة ضد هذا الاستفتاء. فالأكراد يمثلون جزءا من مواطني تركيا وإيران وسوريا. وانفصال أكراد العراق يعني آليا التأثير على أمن تلك الدول واستقرارها الداخلي. توجد اتفاقية بين تركيا وبريطانيا منذ سنة 1926 تجيز للأتراك المطالبة بالموصل وبحصص من النفط وحتى التدخل إذا كانت هناك مخاطر على التركمان في العراق. وهذا يعني أن التدخل الكردي في كركوك يمكن أن يعتبره الأتراك اعتداء على التركمان ويستغلونه للتدخل. وعندما تكون الحكومة العراقية في حالة ضعف بسبب الصراعات الحزبية والسياسية والطائفية، وبسبب التدخلات الخارجية، فإن ذلك يغري أية قوة أجنبية بالمغامرة في العراق، خاصة وأن الأتراك لديهم خططا للوصول إلى منابع الطاقة والنفط، فهم لا يريدون الاستمرار في لعب دور الممر لأنابيب النفط والغاز نحو أوروبا. كان النفط والغاز يمثلان جزءا من أسباب التدخل التركي بقوة في الحرب السورية. والانسحاب التركي من الملف السوري كان مقابل الحصول على منافع من الملف العراقي بتنسيق مع بعض القوى الفاعلة في المنطقة. ليس خفيا التقارب الإيراني التركي والتنسيق الأمني والعسكري بينهما كما أعلنت عنه زيارة رئيس أركان الجيش الايراني اللواء باقري إلى أنقرة حيث عُقد اجتماع عسكري بين البلدين بحضور القيادات العسكرية في البلدين. ولا شك أن جزءا من التنسيق يتعلق بالموضوع الكردي والاستفتاء المرتقب على انفصال كردستان. وهو يشمل مراقبة حدود البلدين مع شمال العراق وتأسيس غرف تحركات مشتركة في القاعدة التركية في بعشيقة وتعزيز قوات النخبة من البلدين. وقد أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن طهران لا تعترف إلا بحكومة عراقية واحدة وعراق موحّد، وأن انفصال إقليم كردستان يعني نهاية كل الاتفاقات الأمنية والعسكرية مع إيران، وإغلاق كافة المنافذ الحدودية مع ايران، ويعني أيضا إعادة النظر بشكل جدي في أساليب طهران لمواجهة النشاطات المعادية لها، وتوفير الأمن لحدودها من العناصر المعارضة والتي تتخذ من الإقليم مقراً لها. هذا كله جعل توتر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني يرتفع ليصل إلى إعلان أنه مستعد للتضحية بحياته من أجل الاستفتاء الذي يعني الانفصال. وقد باشر باحتلال كركوك عسكريا ثم زارها وتجول فيها دون اكتراث بموقف الحكومة في بغداد ولا بتصويت البرلمان العراقي ضد الاستفتاء. يصر رئيس إقليم كردستان على الاستفتاء في وقته لأن الانفصال في دولة مستقلة سيمثل إنجازا شخصيا له لم يتحقق للأكراد في العصر الحديث، ولأن التراجع سيمثل نكسة سياسية كبيرة قد تفقده الكثير من المصداقية لدى قواعده.. دون أن ننسى ما يقال عن اكتشاف منجم هائل للذهب عالي الجودة في أحد جبال السليمانية. من غير الممكن أن تبقى الحكومة العراقية مكتوفة الأيدي ولأجل ذلك تسربت أنباء عن زيارة قام بها مبعوثون أمنيون عراقيون إلى أنقرة للتنسيق مع الأتراك حول طرق مواجهة الانفصال الكردي، وقد أعلن الرئيس التركي عزمه لقاء رئيس الوزراء العراقي في واشنطن. وهذا التنسيق قائم أيضا مع إيران التي تتمتع بعلاقات قوية مع حزب الاتحاد الكردستاني الطرف الثاني في المعادلة الكردية. للوهلة الأولى تبدو تركيا أبرز المتضررين وأول المعارضين، لكنها في الواقع لا تشعر بذلك الضرر المتوقع، فمسعود بارزاني رئيس الإقليم والمنافح الشرس عن الاستفتاء هو صديقها وحليفها وشريكها في مواجهة حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه إرهابياً. كما أن الأتراك لديهم علاقات اقتصادية متقدمة مع أربيل خصوصاً في مجال تصدير النفط. وهنا يتراجع التخوُّف من انتقال عدوى الاستقلال إلى أكراد تركيا. يقيم الأتراك تحالفا استراتيجيا مع البرزاني الذي يتمتع من جهة أخرى بدعم اسرائيلي مكشوف. وتوجد لدى الأتراك علاقات متقدمة مع الاسرائيليين وهناك تنسيق أمني وعسكري عالي المستوى بينهما. لاشك أن البرزاني يشعر بالارتياح بسبب ذلك. وإذا قرر الأتراك التدخل في كركوك بعد الاستفتاء بحجة حماية التركمان، فإن البرزاني لن يشعر بأي قلق وسيعتبر ذلك وجودا مؤقتا. لن يكون التدخل التركي في كركوك من أجل حماية التركمان العراقيين كما يمكن أن يقال، بل من أجل الوصول إلى منابع الطاقة وبتأييد إسرائيلي حيث أن ذلك سيمثل غطاء لشركات النفط الاسرائيلية التي تريد استغلال الفرصة. وبذلك تصبح كردستان الجديدة محاطة بإيران وتركيا من الخارج، لكن داخلها ترتع إسرائيل التي تقدم نفسها شريكا أمنيا واقتصاديا وسياسيا للأكراد. غير أن التصويت بنعم في الاستفتاء المرتقب لا يعني الانفصال المباشر. بل من الممكن أن يتم تأجيل ذلك لبعض الوقت. كما أن تأجيل الاستفتاء نفسه يبقى أمرا واردا إذا ما قرر الأمريكان ذلك حقيقة. لن يكون ذلك بسبب الخوف من الفوضى والحرب، وإنما بسبب الضغوط الإقليمية والمحلية الحقيقية على الأكراد أو أية أسباب أخرى. فالهدف الأساسي من إعلان الانفصال الكردي هو تعميم الحروب ودحرجة كرة الانفصالات الإثنية والدينية والطائفية في المنطقة. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | صفقة حزب الله وداعش قد تشجع السيستاني على إلغاء فتوى تشكيل الحشد الشعبي
|
د. أحمد القيسي
|
راي اليوم بريطانيا |
اثبتت معركة تلعفر، ومن خلال المواقف السياسية والعسكرية لفصائل الحشد الشعبي التي اتسمت بتمايز واضح بين خط موالي للنظام الإيراني وخط وطني يتبع السيستاني والصدر، بأن طهران لا تسيطر على كافة فصائل الحشد الشعبي؛ إلا انها تتحاشى إعلان ذلك وتحاول إظهار الحشد كقوة إقليمية شيعية متماسكة بقيادة إيرانية من أجل مساومة دول المنطقة وإسرائيل وأمريكا للحصول على مكاسب سياسية حيث:- انسحاب ثلاث ميليشيات موالية لإيران وتابعة للحشد الشعبي من معركة تلعفر بسبب مشاركة التحالف الدولي، في الوقت الذي شاركت فيه فصائل معروفة بولائها للسيستاني بكامل قواها في تحرير المدينة. إيران تغض الطرف عن مخالفات بعض فصائل الحشد التابعة للسيستاني والصدر والتي ترفض أوامر قادة الحشد المرتبطين بإيران. أثارت الصفقة التي أبرمت بين حزب الله اللبناني مع داعش لنقل عدد من مسلحيه من الحدود السورية – اللبنانية إلى الحدود السورية مع العراق، غضب الشيعة العراقيين من إيران وحزب الله والحشد الشعبي، ولذلك نتوقع إن يستثمر السيستاني والصدر والعبادي هذه الفرصة لعزل ونأي القوات التابعة لهم عن بقية ميلشيات الحشد التابعة لإيران التي تنخفض شعبيتها حيث:- رفض العبادي والتيار الصدري وعدد من رجال الدين الشيعة العراقيين اتفاق حزب الله لنقل مقاتلي داعش إلى البوكمال. العبادي لم يتمكّن إلى الآن من انتزاع السيطرة على تمويل الحشد من أيدي أبو مهدي المهندس وهادي العامري. قوى الحشد المرتبطة بإيران لم تتمكن من تقديم نفسها بطريقة عراقية تستميل الجمهور وظلت النغمة الإيرانية تهيمن على خطابها، ما أسهم في تنفير الجمهور الشيعي. لدى القوات التابعة للسيستاني والصدر تأثير ميداني كبير، وترفض تلقي أي أوامر من قيادات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران، وغالباً ما تتحدث عن سوء التعاطي الإداري والفساد بين صفوف الفصائل الموالية للخامنئي حيث:- قائد فرقة العباس التابعة للسيستاني, ميثم الزيدي, يؤكد أن لديه تعليمات بألا يلتقي بأي شخصية أمنية غير عراقية. القيادي بالحشد المرتبط بإيران ابو مهدي المهندس قال إن مقاتلي فرقة العباس يشكلون تهديداً ولا يخضعون لسيطرته ويسعى لقطع التمويل عنهم. تابع لتقرير “صفقة حزب الله وداعش قد تشجع السيستاني على الغاء فتوى تشكيل الحشد الشعبي”. قرب انتهاء الحرب ضد داعش، سيدفع بالسيستاني إلى اصدار فتوى لإلغاء الجهاد الكفائي الذي على أساسه تم تشكيل الحشد الشعبي، الأمر الذي سيحرج إيران بسبب ازالة السيستاني للشرعية الدينية والتمويل الحكومي لهذه الميلشيات. وبذلك سيكون على طهران البحث عن مصدر تمويل آخر وغطاء آخر لإيجاد مبرر للانتشار العسكري لهذه الميلشيات التي تحتاجها لتامين الممر البري الاستراتيجي الذي يمر بالمناطق السنية وصولاً إلى سوريا. ومن الصعب على إيران أن تمول الأعداد الكبيرة للحشد، وعلى الارجح ستحاول تسريح الكثير من المقاتلين والاحتفاظ بعدد محدود منهم حيث:- المتحدث الرسمي باسم الصدر, صلاح العبيدي: الصدر والسيستاني لديهما رغبة بتنسيق المواقف الشرعية والشعبية الممهدة لحل الحشد الشعبي. الفتوى كانت شرطية ومؤقتة لذا فالأرضية التي تأسست من أجلها وحدات الحشد الشعبي لن تستمر في منحها الشرعية الدينية بعد القضاء على داعش. الأمريكيون قد يلجؤون للسيستاني لإصدار فتوى لحل الحشد سيما وأن له سابقة تمثلت بإصداره فتوى بعدم جواز جهاد المحتل الأميركي. إن إلغاء فتوى تشكيل الحشد من قبل السيستاني ستشجع العبادي وتدعم خطواته لمواجهة ميلشيات الحشد التابعة لإيران وبدعم أمريكي، لأن من مصلحته الشخصية اضعاف منافسيه في الانتخابات القادمة من قادة الحشد الشعبي مثل المالكي والعامري والمهندس حيث:- مصادر عراقية في النجف: العبادي تلقى إشارات إيجابية من السيستاني تحثه على الاستعانة بالدور الأميركي للجم ميليشيات إيران. حل الحشد الشعبي من قبل السيستاني سيؤثر علاقته مع إيران، الأمر الذي سيوفر فرصة للتحالف العربي والصدر للتقرب من السيستاني لدعم مشروع التقارب الشيعي العربي بهدف إضفاء صفة شرعية على هذا التقارب وسيساعد في ذلك تضرر السيستاني من النفوذ الإيراني حيث:- السيستاني يدعو إلى إقامة دولة مدنيّة في العراق. ويرفض ولاية الفقيه. السيستاني يدرك أن سلطته الدينية ستبقى مقيدة بمرجعية قم الإيرانية إذا ما استمر النفوذ الإيراني في العراق. من الممكن جداً أن يتعاون السيستاني مع أمريكا لجعل النجف مركز الثقل الشيعي في العالم ولإضعاف منافسة مرجعية قم في إيران. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | محنة العراق أكبر من استفتاء الانفصال
|
السيـــــــد زهـــــــره
|
اخبار الخليج البحرينية |
كما نعلم، أثار موضوع الاستفتاء الذي أعلن المسئولون الأكراد أنهم يعتزمون إجراءه بعد أيام حول الانفصال عن العراق، عاصفة من الجدل والقلق والاستنفار السياسي في داخل العراق وخارجه.
وبطبيعة الحال، الموضوع خطير بالفعل. لو أجري هذا الاستفتاء، وأتت نتيجته كما هو متوقع بتأييد الانفصال عن العراق، فسوف تكون هذه خطوة كارثية كبرى على طريق تمزيق العراق وتقسيمه إلى دويلات.
والأمر لن يقتصر على إطلاق عملية تقسيم العراق بشكل رسمي. إذا أصبح خيار التقسيم مطروحا على هذا النحو، فإن الخطوة الكردية يمكن أن تفجر صراعا دمويا في كل أنحاء العراق.
لكن القضية هنا أنه حتى لو تم إلغاء الاستفتاء أو تأجيله تحت الضغوط التي تمارس حاليا على السلطات في المناطق الكردية، فلن يغير هذا من واقع العراق كثيرا، ولا من الخطر الذي يتهدده.
كل ما في الأمر في هذه الحالة أن خطر تقسيم العراق وخطر اندلاع صراعات بين مختلف القوى والطوائف سوف يتأجل بعض الوقت.
السبب في ذلك أن تأجيل الاستفتاء لن يعني ان المسئولين الأكراد سوف يتخلون عن سعيهم إلى الانفصال وتكوين دويلة كردية، فهم يعتبرون ذلك مهمة مصيرية تاريخية. بمعنى أنهم سوف يعودون في أول فرصة إلى محاولة تحقيق ذلك.
وهناك سبب أهم من هذا هو أن الوضع في العراق برمته لا يدعو أبدا إلى الاطمئنان على مستقبل البلاد، سواء كدولة موحدة، أو لتجنب خطر الصراعات الداخلية.
محنة العراق اليوم أكبر وأخطر بكثير من هذا الجانب المتعلق باستفتاء الانفصال وتبعاته المختلفة.
محنة العراق اليوم تتمثل أساسا في كارثتين كبيرتين:
الكارثة الأولى، هي النظام الطائفي الذي تأسس في ظل الاحتلال الأمريكي وبمباركته وتخطيطه، وترسخت دعائمه عبر السنين الماضية.
هذا النظام القائم على احتكار السلطة لصالح طائفة بعينها، وعلى تهميش وإقصاء الطوائف الأخرى وحرمانها عمليا من المشاركة الفعلية في حكم البلاد. هذا النظام أفرز فسادا رهيبا لا مثيل له في أغلب دول العالم، وأهدر ثروات البلاد. والأخطر من هذا أنه افرز جيشا من المليشيات الطائفية المسلحة الموازية للدولة، والموضوعة في خدمة أغراض طائفية وأجنبية مستعدة للقتال من اجلها.
هذا النظام بطبيعته الطائفية هذه عاجز بالضرورة عن حشد إمكانيات وقدرات الدولة في إطار وطني يحمي وحدة البلاد، ويحقق التقدم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المنشود.
والكارثة الثانية، هي الاحتلال الإيراني الفعلي للعراق على النحو الذي يعرفه الكل ولا يستطيع أحد ان ينكره.
الكارثة هنا ليست فقط ان دولة أجنبية هي إيران تفرض إرادتها على العراق، وتصادر قراره المستقل، وتعيث فيه تخريبا وفسادا خدمة لمصالحها هي فقط بغض النظر عن مصالح الشعب العراقي.. الكارثة أن الاحتلال الإيراني للعراق يحول دون أي إصلاح حقيقي، وأي جهد للخروج من أسر النظام الطائفي والنهوض بالبلاد.
النظام الطائفي وبقاء العراق بلدا ضعيفا مهددا بالصراعات باستمرار هو بالضبط ما تريده إيران وما يخدم مصالحها ومشروعها.
الأمر اذن انه ما لم يتجاوز العراق هاتين الكارثتين، فسيظل مستقبله مهددا على كل المستويات.
ما لم يخرج العراق من أسر النظام الطائفي ويتأسس نظام وطني جديد يحتضن كل الطوائف وقوى المجتمع بلا اسثناء، وما لم يتحرر العراق من الاحتلال الإيراني، فسيظل خطر تقسيم البلاد قائما، وسيظل خطر اندلاع الصراعات الدموية قائما ويمكن أن يحدث في أي وقت.
ولهذا، ومع الإقرار بأن السعي إلى انفصال المناطق الكردية عن العراق بأي شكل عبر الاستفتاء أو غيره يمثل خطرا يجب مقاومته، فإن المهمة الأساسية هي إصلاح الأوضاع في العراق برمتها إصلاحا جذريا بما من شأنه حماية البلاد من التفكك، وحماية الشعب من الصراعات الدموية. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | البارزاني وتقرير المصير: كلمة حق أريد بها باطل!
|
جلبير الأشقر
|
القدس العربي |
لا شك في أن الأمة الكردية تشكّل هي والجناح المشرقي للأمة العربية الضحيتين الرئيسيتين للتقاسم الاستعماري الأوروبي/التركي لتركة الإمبراطورية العثمانية. فحيث كانت الأمتان مضطهَدتين في إطار الإمبراطورية تخضعان لحكمٍ عثماني شهد تتريكاً متصاعداً خلال القرن التاسع عشر بما انعكس تصاعداً في الاضطهاد العثماني/التركي للقوميات غير التركية، أدّى انهيار الإمبراطورية إلى تقسيم أراضي القوميتين العربية والكردية التي كانت واقعة تحت سيطرة الباب العالي. إلا أن مصيبة الكرد كانت أعظم من مصيبة العرب: فحيث جرى تقسيم المشرق العربي إلى ثلات دول هي العراق وسوريا (التي اشتُقّ منها لبنان ولواء إسكندرون تحت الانتداب الفرنسي) وفلسطين (التي تقاسمت أراضيها المملكة الهاشمية والحركة الصهيونية في ظل الانتداب البريطاني)، ونتجت عن ذلك أربع دول عربية ذات سيادة قانونية (وأراض محتلة في فلسطين وإسكندرون)، فقد جرى ضمّ كافة الأراضي الكردية بصفة مناطق أقليات بلا سيادة في كل من تركيا والعراق وسوريا. والحال أن الأمة الكردية في كل من المناطق الثلاث (ناهيكم من أرض كردستان الواقعة ضمن حدود الدولة الإيرانية) عانت من شتى أنواع الاضطهاد من قِبَل حكومات التعصّب القومي في أنقرة وبغداد ودمشق وتعرّضت لسياسات التتريك الكمالية والتعريب البعثية، لا يضاهيها في المعاناة إقليمياً سوى الشعب الفلسطيني. ومن مفارقات التعصّب القومي العربي أنه كان ينادي بوحدة الأمة العربية وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وينكر على الأمة الكردية حق كل جزء من أجزائها في تقرير مصيره وحقها في التوحّد القومي، بل حتى حقها البسيط في الوجود. ولا معالجة ديمقراطية للمسألة القومية في منطقتنا سوى بتحقيق حق الأمة الكردية بكافة أجزائها في تقرير المصير، بما فيه الانفصال والتوحّد، حيث تشكل أكثرية سكانية، على أن يتم إيجاد حل حضاري ديمقراطي توافقي للأراضي المتنازع عليها التي شهدت تغييرات سكانية بنتيجة التخطيط القومي الاضطهادي. غير أن قرار مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، إجراء استفتاء على استقلال الإقليم يوم الإثنين القادم لا يمت بأي صلة إلى الأفق الديمقراطي الموصوف أعلاه. والحقيقة أن كردستان العراق قد تمتّعت منذ ما يزيد عن ربع قرن باستقلال يفوق بالتأكيد استقلال الدولة العراقية، كما تمتّعت معظم هذا الوقت بظروف من الأمن والرفاهية تميّزت بحدّة عن المأساة بلا نهاية التي عانت منها مناطق العراق العربية. فبعد الحرب الأمريكية الأولى المدمِّرة على نظام صدّام حسين سنة 1991 وبعد أن كانت واشنطن قد أتاحت لهذا الأخير قمع الانتفاضتين الناشبتين في جنوب العراق وشماله، مما أحدث موجة كبيرة من لجوء الكرد العراقيين إلى كردستان تركيا مثيرةً قلق أنقرة وكذلك قلق عواصم أوروبا الغربية من فتح تركيا أبوابها لانتقال اللاجئين إلى دولها (مثلما حصل لاحقاً مع اللاجئين السوريين)، قرّرت الولايات المتحدة تأمين الحماية لكردستان العراق وفرض حظر جوّي فوق أراضيها. وكانت النتيجة أن كردستان العراق، وبعد مخاض عسير ودموي، استقرت على نظام توافقي بين جناحي الحركة الكردية العراقية أتاح للإقليم أن ينعم بازدهار اقتصادي نجم بشكل رئيسي عن وساطته التجارية بين نظام صدّام حسين (لا بل عائلة صدّام حسين!) وتركيا. وبكلام آخر فإن كردستان العراق كان المستفيد الأكبر من الحظر المجرم الذي فرضته واشنطن على العراق والذي عانى منه الشعب العراقي ولم يعانِ منه قط الطاغية صدّام حسين وأقاربه. وعند احتلال العراق واستكمال تدميره من قبل الولايات المتحدة وحلفائها كانت كردستان العراق بمثابة جنّة مقارنة بالجحيم الذي ساد في مناطق العراق العربية، فضلاً عن تمتّع كرد العراق بقوة عسكرية تفوق ما تبقّى لدى الدولة العراقية في ظل الحراب الأمريكية. فكرّست التطورات الدستورية والعملية استقلال «إقليم كردستان العراق» الفعلي بينما كان سائر العراق يقبع تحت الاحتلال الأمريكي ومن ثم تحت الهيمنة الإيرانية، أي أن الحكم الذاتي الذي تمتّع به الإقليم كان استقلالاً فعلياً بما في ذلك الجيش والعلَم، لا ينقصه لكي يكون كاملاً سوى اعتراف دولي و قطيعة اقتصادية رسمية مع الدولة العراقية. وحيث أن كردستان العراق واقعة على تخوم دولتين مضطهِدتين للأمة الكردية، ألا وهما تركيا وإيران، وليس لديها منفذ خاص بها إلى أي بحر، اقتضت مصلحة كرد العراق أن يستمر الإقليم ببناء ذاته مستفيداً من وضعه الخاص حتى تتسنّى ظروف تاريخية تسمح بتسوية ديمقراطية شاملة كالتي تم وصفها أعلاه. بيد أن مصلحة كرد العراق ليست ما يعمل مسعود البارزاني بوحي منه، بل لا يحرّكه سوى مصلحة نظام الفساد والمحسوبية الريعي الذي أرساه في الإقليم على حساب شعبه وعلى الطراز المعهود لدى الحكام العرب. لا بل يجازف البارزاني اليوم بكل ما تيسّر لكردستان العراق خلال العقدين الأخيرين إذ يتشبّث حتى الآن بإجراء استفتاء ترفضه بغداد ويرفضه حتى أصدقاؤه في واشنطن وأنقرة. كل هذا أدركه المتنوّرون من سكان الإقليم الذين عارضوا الاستفتاء وندّدوا بسلوك البارزاني الذي يعرّض كردستان العراق لأوخم العواقب بغية تحقيق مطامعه الأنانية الضيقة. لقد أدركوا أن تحجج البارزاني بحق تقرير المصير إنما هو مثال ساطع عن ذلك السلوك الذي وصفه الإمام علي بن أبي طالب بعبارة خالدة: «كلمة حق أريد بها باطل». |