5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1  عراقيل أمام الاستفتاء في كردستان العراق  علي بدوان

 

 

 الحياة السعودية
 

تأتي خطوة قيادة إقليم كردستان العراق نحو إجراء استفتاء عام وأجواء المنطقة وعموم الإقليم مُلبّدة بالغيوم السياسية الكثيفة، وهي تشي بصعوبة تقدير الموقف تقديراً دقيقاً، والى أين ستذهب الأمور في ظل هذا التداخل والتشابك الهائل بين القوى الإقليمية والدولية.

ومع اقتراب تاريخ 25 أيلول (سبتمبر) الحالي، تتحوّل مدينة أربيل شمال العراق إلى مركز استقطاب للعديد من الشخصيات الدولية المؤثرة، التي تزورها بُغية الحديث إلى رئيس الإقليم مسعود البارزاني، والطلب إليه التراجع عن إجراء الاستفتاء المرتقب بقصد الانفصال التام عن بغداد. ولعلّ واشنطن هي أبرز الداعين إلى التأجيل، تحت مبرر أنّ الاستفتاء لا بد أن يؤثر سلباً على الحرب ضد تنظيم الدولة (داعش)، فيما تُجدّد أنقرة طلبها بإلغائه، وتتفق في ذلك مع طهران تمام الاتفاق، حيث تنظران معاً لعملية الاستفتاء باعتبارها تجاوزاً للخطوط الحمر.

ويبدو أن قيادة إقليم كردستان ذهبت بعيداً بقرارها اجراء الاستفتاء من أجل الاستقلال عن العراق، واختارت توقيتاً أثار القلق وعدم الارتياح عند مختلف الأطراف الإقليمية، وحتى الدولية، حيث المعركة مستمرة حتى الآن ضد تنظيم داعش شمال العراق وسوريا، مع استمرار مرحلة تطهير محافظة نينوى (الموصل) من قوات وقدرات التنظيم. فالتوقيت الذي أعلنته قيادة إقليم كردستان للاستفتاء، اعتبره المراقبون وساسة العراق وحتى تركيا وايران، توقيتاً غير مناسب على الإطلاق، حيث يأتي في ظل حالة «إنهاك مؤكد لقوى الدولة العراقية».

من الملاحظاتِ التي يراها الكثيرون لا تُشجع على عملية الاستفتاء في كردستان العراق، أن المنطقة بأسرها، بما فيها مناطق الأكراد شمال العراق، تهتز بفعل المُتغيرات اليومية التي تشهدها تلك المساحة الجغرافية المحصورة بين العراق وسورية وتركيا، حيث الحرب اليومية ضد تنظيم داعش وتنظيم جبهة النصرة المنضوي تحت عنوان «هيئة تحرير الشام» في سورية.

فالعديد من القوى الدولية المؤثرة، وعلى رأسها واشنطن، تتحفظ على موضوع الاستفتاء الكردي في شمالي العراق، بل وتخشى من أن يُشعِلَ الاستفتاء صراعاً جديداً مع بغداد وربما مع دولٍ مجاورةٍ، وفي مقدمها تركيا، ويصرف الانتباه عن الحرب الدائرة ضد الإرهاب في العراق وسورية، حيث تُعتبر الجغرافيا السياسية الحالية لإقليم كردستان العراق، والمواقف السلبية التي تتخذها الدول الإقليمية تجاه استقلال الأكراد في تلك المنطقةِ ضرباتٍ إضافيةً بحق مشروع الاستقلال الكردي، وهو المشروع الذي تَصِفَهُ تلك الدول الإقليمية بمشروع الانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد. إن التلاقي التركي الإيراني الآن، بما في ذلك التلاقي العسكري يفسر ما ذهبنا اليه أعلاه. لكن الملاحظ هنا، أن رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني ما زال حتى الآن يحمل مشروع الاستفتاء ويتبناه، ويتجاهل نصائح الدول الكبرى، شرقاً وغرباً، ويمضي قدماً نحو العمل من أجل الانفصال التام عن بغداد، وإعلان قيام الدولة الكردية في مناطق شمال العراق، ومع ذلك هناك مؤشرات تتزايد بشأن احتمال تأجيل استفتاء كردستان المرتقب، إلا أنّ مسؤولين أكراداً يقولون إنّ البديل الوحيد الذي يمكن القبول به يتمثل بضمانات دولية رسمية باحترام نتائج استفتاء آخر يقام في المستقبل، أو ضمان الاعتراف بتطلعات الأكراد.

وتكرر الولايات المتحدة وإيران وتركيا ومعظم الدول العربية انها لن تعترف بها، بل ونصحت القيادة الكردية العراقية بالتراجع عن هذا القرار والقبول بالصيغة المعتمدة حالياً والتي تعطي «الاقليم الكردي» الاستقلال الذاتي في عراقٍ موحد. وبالطبع، نحن هنا لا نستطيع القفز عن الظلم التاريخي الذي أحاق بالقضية الكردية في مناطق تواجد الاكراد. فالشعب الذي قذفته الاقدار إلى الجبال، عند التقاطعات بين دول تاريخية قوية هي إيران وتركيا والعراق، يعاني مشكلة توزعه بين ثلاث دول. فكانت اقداره مثقلة بالتاريخ والجغرافيا والواقع السياسي، وبالتالي فإن الحلول المطروحة التي يفترض بها أن توفر العدالة لقضية الأكراد يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الواقع المحيط بالحالة الكردية تاريخياً وراهناً.

في هذا السياق، تُشير المعطيات المتوافرة، أن سياسات قيادة اقليم كردستان الاقتصادية وفي إدارة الإقليم، لم تكن ناجحة البتة، فقد فشلت المشاريع الاقتصادية، واتبعت سياسة نفطية خاطئة، وعجز قيادة إقليم كردستان عن بناء بنية تحتية استراتيجية، وبالتالي فإن المنطقة الكردية من الشمال العراقي ليست جاهزة للاستقلال أصلاً. فيما قالت مصادر كردية مسؤولة إن «بغداد مستعدة لأن تحقق أي شيء لإقليم كردستان كبديل لتأجيل الاستفتاء، وأن بغداد عليها أن تكون مستعدة لمساعدة الأكراد على تخطي أزمة مالية وتسوية ديون مستحقة على حكومتهم»، حيث يقدر حجم تلك الديون بنحو 10- 12 مليار دولار، اي تقريباً الموازنة السنوية لكردستان، علما أن ديونها مستحقة لمقاولين نفذوا أشغالاً عامة وموظفين حكوميين ومقاتلين من البيشمركة لم تصرف رواتبهم كاملة منذ شهور، بسبب تصرف حكومة الإقليم بالنفط من دون الرجوع إلى بغداد. وكانت بغداد أوقفت دفعات التمويل من الميزانية الاتحادية العراقية لكردستان في عام 2014 بعد أن بدأ الإقليم بتصدير النفط بشكلٍ مستقلٍ عبر خط أنابيب إلى تركيا، علما أن الإقليم كان يحصل على 17 في المئة ميزانية العراق السنوية والتي تعتمد على تصدير النفط من الحقول الجنوبية بشكل أساسي.

خلاصة القول، تُشير المعطيات الواقعية إلى أن الصعوبات الكبرى مازالت تعترض طريق المشروع الكردي للاستقلال عن بغداد في الشمال العراقي، فالمناخ العام لا يساعد على الإطلاق مشروعهم للانفصال عن العراق بكيانٍ تام الاستقلال، والإصرار على السيرِ بهذا الطريق كالسيرِ على جمر النار المُتقد، وهو ما يقتضي التعقّل من القيادات الكردية في الشمال العراقي، والانطلاق نحو خياراتٍ أنجع وأكثر براغماتية من أجل مصلحة اكراد العراق في إطار وطنٍ واحدٍ وموحّد، وحكم ذاتي مُتقدم لهم في الشمال، وتطوير أداء حكومتهم وبرلمانهم الخاص.

    

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2  الاستفتاء وضعف الإعلام الكردي بالعربية  شيرزاد اليزيدي

 

 

 الحياة السعودية
لطالما راجت مسلّمة مفادها، وعن حق، بأن ثمة تقصيراً بل غياباً للإعلام الكردي الناطق بالعربية، وأن هذا يشكل نقطة ضعف كبيرة لجهة عدم وجود منابر تتصدى لكمّ البروباغاندا الهائل المعادي ليس للقضية الكردية فقط، بل للكرد كشعب وكبشر يحق لهم ما يحق لغيرهم من شعوب المعمورة. وهذا ما تبدى جلياً في ردود الفعل الهستيرية الموتورة على الاستفتاء وحق تقرير المصير في باشور – جنوب كردستان (كردستان العراق).

وعلى رغم وجود وسائل إعلام عدة هنا وهناك كردية ناطقة بالعربية في باشور وفي روج آفا (غرب كردستان)، فإنها مع الأسف لم تكن بالمستوى المطلوب. بل أكاد أزعم أنها شوهت كنه المحتوى التحرري الحقوقي للقضية الكردية وحقيقته، عبر وقوعها في سقطات جسيمة لجهة الركاكة وضعف الخطاب نحوياً وإملائياً وصولاً حتى الى تشوش المحتوى والأفكار وعدم تناسقها وتناقضها أحياناً وتزلف بعضها أو محاكاة الخطاب الفوقي الشوفيني للنخب الدائرة في الفلك السلطوي…

ثم إن مخاطبة العرب بلغتهم لا تعني أن نلف وندور ونراوغ في تقديم حقيقتنا وحقيقة ما نمثل، بحجة مراعاة حساسية المتلقي العربي حيال القضية الكردية.

فأي وسيلة إعلام كردية ناطقة بالعربية مهمتها الأساس بناء جسور تواصل صحية وتفاعلية مع المحيط العربي الكبير في العراق وسورية (البلدين اللذين يضمان جزءين من كردستان) وسائر المشرق والخليج وصولاً حتى الى شمال أفريقيا، وتالياً التعريف بعدالة القضية الكردية التي لطالما كانت عرضة لحملات التشويه المبرمجة.

صحيح أن عدالة القضية الكردية ومشروعية الحق الكردي المطلق في تقرير المصير وحتى الاستقلال هي بدهيات وثوابت، لكن الصحيح أيضاً أن خصوصية تشظي كردستان بين أربعة بلدان مركزية في المنطقة ومهووسة بالدور الإمبراطوري، وحجم التعقيد والتشابك الذي يلف القضية الكردية نظراً للموقع الجيوبوليتيكي الفائق الحساسية للوطن الكردستاني، كلها تجعل من مهمة الإضاءة المكثفة على تلك البدهيات والثوابت ضرورة قصوى، وبلسان القوميات السائدة في الدول الغاصبة لكردستان. فالكرد الذين لطالما ثاروا في وجه أعتى النظم وقدموا القرابين على مذبح الحرية ينبغي أن لا يكونوا عاجزين عن التأسيس لإعلام فاعل ورصين يكون لسان حالهم والمرآة المعبرة عنهم والعاكسة لحقيقتهم.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3  سوريا والعراق والإعصار

 

 غسان شربل

 

 

 الشرق الاوسط السعودية
  

تسمَّر العربي أمام الشاشة. المشاهد راعبة وغير مسبوقة. والدولة الأقوى في العالم تقف مذعورة وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. غضب الطبيعة وحش يتعذّر اعتقاله. سرعة الإعصار تجاوزت مئتي كيلومتر في الساعة. اقتلع كل شيء. السقوف. والمنازل. وأعمدة الكهرباء. ولوحات الإعلان. مطر لئيم لا يرحم. وسيول تجرف الشاحنات والسيارات. تحولت الساحات مستنقعات يطفو عليها ما تسرب من دواخل المنازل المهشمة. أعلنت السلطات حال الطوارئ. استنفرت كل الأجهزة. وتحدثت عن إجلاء الملايين.

على الشاشات عائلات تفرّ عارية إلا من دموعها. هاربون يبحثون عن سقف يحمي. ورجال يشهرون أحزانهم على بيوت تعبوا في تشييدها. كأن أنياباً هائلة انقضّت على منطقة واسعة وانغرزت في أحشائها. تدفق الدم والوحل والرعب. إنه الإعصار «إيرما». حجز سريعاً موقعه في كتب الأرقام القياسية. قدرت الخسائر بـ150 مليار دولار. ستعاني منازل كثيرة من الظلام بانتظار انطلاق ورشة الإصلاح.

في اليوم التالي يقرأ العربي عدداً من «الشرق الأوسط». عدد الخميس 14 سبتمبر (أيلول) الحالي. مصدر القصة «برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا» الذي يشرف عليه خبراء سوريون ودوليون تحت مظلة «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (اسكوا). يقول التقرير إن تكلفة الحرب السورية بلغت 327 مليار دولار، بينها 227 ملياراً بسبب الفرص الضائعة، و100 مليار قيمة الدمار.

يخوض العربي في تفاصيل التقرير. كان قطاع السكن الأكثر عرضة للدمار بنسبة 30 في المائة، أي بنحو 30 مليار دولار. واقتربت إلى 18 في المائة نسبة الدمار في القطاع الصناعي، و9 في المائة حصة قطاع الكهرباء والمياه، و7 في المائة لقطاع الزراعة. ولا تشمل الإحصاءات الدمار الحاصل في مدينتي الرقة ودير الزور.

قرأ العربي الأرقام السورية كمن يحك جروحه الملتهبة. راودته رغبة في التنقيب في أزقة الإنترنت عن أثمان الأعاصير العراقية. إعصار غزو الكويت وذيوله. وإعصار غزو العراق وتداعياته. وإعصار الفتنة السنية – الشيعية وويلاته. وإعصار سقوط الموصل في قبضة «داعش». وإعصار الفساد الذي لا يقل قتلاً عن أعاصير الدم. يكفي سماع سياسي عراقي يقول: «أنفقنا أكثر من مائة مليار دولار لمعالجة مشكلة الكهرباء ولا تزال المشكلة قائمة».

صرف العربي النظر عن الغوص في الأرقام. تذكر أن الأعاصير العراقية والسورية أنجبت أكثر من مليون قتيل وعدداً أكبر من الجرحى والمعوقين. خسارة الأرواح أوجع من خسارة الجدران.

شعر بالفارق الهائل بين الأعاصير. فور انحسار «إيرما» ستبدأ ورشة إزالة آثاره. ثمة دولة هناك. ومؤسسات. ورأي عام يتابع ويحاسب ويحاكم. نحن أعاصيرنا مختلفة. في بداية الإعصار الذي ضرب فلوريدا بدأ الحديث الطبيعي. هل كانت أجهزة الإنقاذ والدفاع المدني مهيأة للقيام بواجبها؟ ما الدروس التي يمكن استخلاصها كي تكون الخسائر أقل حين تعاود الطبيعة غضبها بعد سنوات أو عقود؟

نحن أعاصيرنا مختلفة. أشد وطأة وهولاً. تلتقي رياح الخارج مع ثغرات الداخل. تتحلل الدولة وتتفكك الخريطة. تفترق المكونات. يتمزق النسيج الوطني. يتفكك الجيش ويسود زمن الميليشيات. يشعر العلم الوطني بالعزلة وتطل على امتداد البلاد غابة أعلام عجيبة وغريبة. أعلام وافدين من مناطق بعيدة وقريبة. بحسابات متناقضة وأحقاد متباينة. هذا شيشاني جاء ليقتل سورياً مؤيداً للنظام. وهذا أفغاني جاء ليقتل سورياً مؤيداً للمعارضة.

يفضحنا الإعصار. البلاد التي كانت تباهي بتماسكها تتفكك وتتفتت. البلاد التي كانت رقماً صعباً صار قتلاها مجرد أرقام لا تثير أحداً. البلاد التي كانت لاعباً على خريطة المنطقة صارت ملعباً لجيوش صغيرة ترسم بدم السوريين خرائط صغيرة تتغطى بحمايات دولية أو إقليمية. مناطق نفوذ ووصايات. وقرار تائه بين عواصم قريبة وبعيدة.

تفضحنا الأعاصير. تكشف أننا بلدان مهدورة. وشعوب مهدورة. ومؤسسات مهدورة. لا الجيش ينقذ البلاد من خطر الخارج. ولا الأمن ينقذ المواطن من السفاحين. ولا الدستور يحمي حقوق الناس. ولا المحاكم تتجرأ على التحرش بالمرتكبين. يهزنا الإعصار فنرجع ساحة لكل أنواع الوافدين. كأننا حقل تجارب للقنابل والسكاكين. للباحثين عن حروب بديلة. وللحاملين أفكاراً أكثر غدراً من الخناجر. لمروجي السياسات المهجوسة بالثأر وتغيير موازين القوى بالدم المحلي. لمروجي الظلم والظلام والكهوف. للقساة من كل اتجاه.

يستطيع غضب الطبيعة اقتلاع سقف وجرف سيارات وكسر أعمدة، لكنه لا يستطيع تفكيك دولة وشرذمة خريطة. غياب الدولة الحقيقية هو ما يطلق يد الأعاصير. لا تستطيع عواصف الخارج اقتلاع دولة مبنية على المواطنة والعدالة. دولة يضمن دستورها حقوق مواطنيها ويحدد آليات تداول السلطة والتصحيح. ثغرات الداخل هي الحليف الأول للرياح المسمومة الوافدة من الخارج. مشاعر التهميش هي التي تغري بالقفز من القطار وزرع العبوات لتفجيره أو حرف مساره.

أنا عربي ولا أريد من العراق غير أن يكون بلداً مستقراً ومزدهراً وطبيعياً يلعب دوره في محيطه ويأخذ مواطنيه إلى المستقبل. قصة من يحكم العراق مسألة يجب أن تترك للعراقيين وعلى قاعدة المواطنية والديمقراطية التي تضمن حقوق الأقليات قبل الأكثرية. أنا عربي ولا أريد لسوريا غير أن تكون دولة مستقرة ومزدهرة تلعب دورها الطبيعي في محيطها. دولة لا تعيش في ظل غابة أعلام تسللت إليها من مواقع متناقضة لتعمق الجروح بين مكوناتها. دولة لا تشكل خطراً على نفسها ولا على جيرانها. قصة من يحكم سوريا يجب أن تكون مسؤولية السوريين وفي ظل دستور يقوم على المواطنة والعدالة.

غياب الدولة العصرية الحقيقية العادلة يحوّل الهويات الصغيرة ألغاماً كامنة. غياب الدولة الفعلية يرشح الأرض لاستضافة الأعاصير. الدرس الأول من الإعصار هو الهجرة مجدداً إلى فكرة الدولة التي تتسع بدستورها وممارساتها لكل المواطنين بوصفهم أبناء الوطن لا مجرد بنادق تتكئ عليها المكونات بانتظار لحظة الانهيار.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  استفتاء الأكراد أداة تقسيم العراق

 

 عبدالله الأيوبي

 

 

 اخبار الخليج البحرينية
 

رغم المعارضة الشديدة من الدول المعنية مباشرة بمسألة الاستفتاء المزمع إجراؤه في إقليم كردستان العراق في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر الجاري وهي تركيا وإيران والعراق إلى جانب سوريا، ورغم عدم «موافقة» و«تحفظ» دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية على هذه الخطوة الكردية، فإن قادة الإقليم ماضون قدما نحو تنفيذ هذا الاستفتاء الذي يعتبر خطوة تمهيدية على طريق انفصال إقليم كردستان عن العراق، تحقيقا لحلم قديم رفعه قادة هذا الإقليم وخاضوا من أجله صراعا دمويا مع مختلف الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، وكان أشدها خلال حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى أن جاء حصار العراق الظالم بعد غزوه لدولة الكويت الشقيقة ومن ثم غزو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للعراق والذي مهد الطريق سالكا أمام الحلم الكردي.

 

فالإصرار الكردي على الاستفتاء، رغم المعارضة الشديدة والحاسمة لمسألة قيام دولة كردية مستقلة في الشمال العراقي، و«تحفظ» دول مؤثرة كالولايات المتحدة والدول الأوروبية، إنما ينم عن وجود ضوء أخضر غير «مرئي» صادر من جهة مؤثرة وقوية هو الذي يشجع أكراد العراق على المضي قدما في هذه الخطوة التي من شأنها بكل تأكيد أن تشعل صراعا جديدا، ليس في العراق فقط وإنما في أكثر من دولة من دول الجوار العراقي، حيث تتواجد أقليات كردية لا بد أن تتأثر بخطوات أشقائها أكراد العراق، وهو ما ظهرت ملامحه خلال تحركات أكراد سوريا المشغولة بحرب أهلية وتدخلات إقليمية ودولية متعددة الجنسيات منذ أكثر من ست سنوات.

 

فأكراد العراق يعلمون جيدا أن «التحفظ» أو «الرفض» الصادرين عن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية لا يرقى إلى مستوى الموقف المبدئي من مسألة استفتاء وانفصال إقليم كردستان عن شمال العراق، فهذا «الرفض» أو «التحفظ» لا يعدو كونه موقفا مجاملا للأًصدقاء الأتراك والعراقيين بالدرجة الأولى إذ من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المجاهرة بتأييد خطوة أكراد العراق الانفصالية، وخاصة أن هذه الخطوة إذا ما تحققت أهدافها، أي إقامة دولة مستقلة كردية شمال العراق، لن تتوقف عند هذه الحدود الجغرافية لأن حلم الدولة الكردية يمتد إلى إيران وتركيا وسوريا أيضا.

 

فالتوجه الكردي، وخاصة في شمال العراق، حظي بدعم غربي وأمريكي منذ زمن طويل، وأسهمت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في وضع اللبنات القوية لدولة شبه مستقلة في شمال العراق خلال سنوات الحصار الذي ضرب على العراق مدة تزيد على ثلاثة عشر عاما، حيث أخرجت جميع مؤسسات الدولة العراقية من الإٌقليم، ما حفز نزعة الاستقلال لدى أكراد شمال العراق إلى جانب ما تعانيه الدولة العراقية من ضعف وتشتت وانقسام ومواجهات للجماعات الإرهابية التي تدفقت على العراق بعد جريمة الغزو الأمريكي عام 2003.

 

في السياق ذاته يجب ألا ننسى دور الكيان الصهيوني في تأجيج نزعة الانفصال لدى أكراد شمال العراق، حيث قدم الكيان كل أشكال الدعم للحركات الكردية أثناء حربها ضد الحكومة المركزية في بغداد خلال سنوات حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وما قبله، ذلك أن مصلحة الكيان الصهيوني تكمن في تجزئة وتقسيم العراق وإضعافه، وخاصة أن العراق وتحديدا خلال سنوات الحكم الوطني والقومي، شكل حجر زاوية في مثلث القوة العربية إلى جانب مصر عبد الناصر وسوريا للتصدي ومناهضة للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وهذا الدعم لم يتوقف بل تصاعد واستمر بعد سقوط نظام صدام حسين.

 

إذن، فالرفض الثلاثي التركي العراقي الإيراني لتوجهات أكراد العراق نحو الاستفتاء الممهد للانفصال، لم يوقف عجلته، مع أن الدول الثلاث قادرة على شل أي دولة كردية مستقلة في الشمال العراقي إن هي صدقت وأرادت ذلك، وكما هو معلوم ومعرف، فإن الرفضين التركي والإيراني وإن اعتبرا الاستفتاء انتهاكا خطيرا للدستور العراقي وتهديدا لسلامة ووحدة الأراضي العراقية وإعلانهما رفض ذلك رفضا قاطعا، فإن موقف الدولتين ليس نابعا من حرصهما على العراق ترابا وشعبا واحدا، وإنما لدرء ومحاصرة خطر انتشار نزعة الانفصال الكردية ووصولها إلى أراضي البلدين.

 

هذه المخاوف التركية والإيرانية قد تشكل عائقا، ربما مؤقتا، أمام طموح الانفصال الكردي شمال العراق، لأن البلدين لن يقبلا تهديدا مباشرا لوحدة وسلامة أراضيهما، إلا في حالة واحدة وهي أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية وحفاؤها الغربيون والكيان الصهيوني أيضا، تعهدا بإعاقة ومقاومة أي توجه كردي لتوسيع «الدولة» الكردية في الاتجاه التركي، عندها قد تلين تركيا من موقفها المناهض والرافض لدولة كردية في شمال العراق، فمصلحتها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويبقى ما هو مؤكد حتى الآن أن الأكراد العراقيين يرون ضوءا أخضر ساطعا ينير طريقهم نحو تحقيق حلمهم التاريخي، بدءًا من شمال العراق كمحطة أولى تليها محطات أخرى أقربها المحطة السورية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5  الخيارات المُهمَلة في العراق

 

 عدنان حسين

 

 

 الشرق الاوسط السعودية
 

في السياسة لا يوجد خيار واحد، ولا حتى خياران فقط. هناك دائماً ثلاثة خيارات في الأقل، فشجرة الحياة دائماً خضراء كما يقول غوته، وهذا ما يفسّر شيوع عبارة «كل الخيارات مفتوحة، أو متاحة، أو قائمة» على ألسنة السياسيين والدبلوماسيين في أوقات الأزمات خصوصاً.

يمرّ العراق الآن بأخطر أزمة منذ اجتياح تنظيم داعش ثلث مناطق البلاد ووصوله إلى مشارف العاصمة بغداد. أزمة الاجتياح الداعشي هدّدت جدّياً بإطاحة نظام ما بعد صدام حسين، والأزمة الحالية تهدّد بعدم قيامة عراق ما بعد صدام حسين، العراق المستقرّ الماضي في طريق التنمية والرفاه. في بغداد ومدن أخرى يخيّم الآن جوّ من الكراهية حيال الكرد جميعاً، وليس حيال قوى أو شخصيات كردية ساعية لإجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير والاستقلال لإقليم كردستان. حتى في عهد صدام ومع تمتّع الكرد بالاستقلال عن بغداد بحماية دولية قادتها الولايات المتحدة، لم يرفع أحد صوته بإخراج الموظفين الكرد من وظائفهم وتهجيرهم من بغداد، ومصادرة أملاكهم كما هو حاصل الآن. وراء هذه الحملة العنصرية قوى نافذة في السلطة العراقية، هي تحديداً من قوى الإسلام السياسي التي تتكشف عن شوفينية تفوق شوفينية حزب البعث.

استمرار هذه الأزمة سيضرب في عمق النسيج الاجتماعي العراقي وكيان الدولة العراقية الموحَّدة، ذلك أن الكرد باقون كمواطنين عراقيين حتى لو أجروا اليوم الاستفتاء الذي لن يعني تحقيق الاستقلال في اليوم التالي أو في العام التالي، فهذه عملية إن قُدّر لها أن تبدأ يمكن أن تستغرق عشر سنوات أو أكثر، وحملة الكراهية الحالية من شأنها زيادة شعور الكرد بأن النظام الجديد الذي أسهموا في إنشائه هو الآخر يعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وما يفاقم من هذه الأزمة أن الكثير من أطرافها يتعامل في الغالب على وفق مبدأ الخيار الواحد، من دون التعمّق في التفكير والبحث عن خيارات أخرى غير إجراء الاستفتاء الآن برغم كل شيء، أو عدم القبول به البتّة وشيطنته بالمطلق والتهديد بإجراءات عنفية لمواجهة نتائجه.

منذ سنوات لم يكن الكرد يطرحون موضوع الاستقلال، فهم يتمتّعون نظرياً بوضع فيدرالي وعملياً بوضع شبه كونفدرالي. قضية تقرير المصير طُرِحت في عهد الحكومة الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو عهد اتّسم بمنحى ديكتاتوري، فقد عمل المالكي تدريجياً على تركيز السلطات في يديه تجاوزاً على أحكام الدستور. مما ساعده في ذلك الزيادة الكبيرة في عائدات النفط (فاقت في بعض السنوات المائة مليار دولار سنوياً). في ذلك العهد تفاقمت المشكلات ليس فقط مع الكرد، بل أيضاً مع السنة الذين تعنّت المالكي حيال مطالبهم بوضع حدّ لما كانوا يصفونها بسياسة تهميشهم والتمييز ضدهم، وسعى إلى وقف احتجاجاتهم بالقوة المسلحة، بذريعة أن تنظيم «القاعدة» الإرهابي وحزب البعث المحظور يقفان خلفها.

الكرد من جانبهم رأوا أن المالكي انتهج السياسة ذاتها معهم، وكانوا يؤاخذونه وكتلته الأكبر في البرلمان الاتحادي على عدم تطبيق المادة 140 من الدستور التي وضعت خريطة طريق لحلّ مشكلة كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، وعدم تشريع قوانين أساسية تتعلق ببناء الدولة وبشراكة العرب والكرد فيها، كقانون مجلس الاتحاد وقانون النفط والغاز وقانون الهيئة الخاصة بضمان حقوق الأقاليم والمحافظات. وقطعت حكومة المالكي تخصيصات قوات البيشمركة المالية في الموازنة العامة للدولة، برغم أنها جزء من المؤسسة العسكرية والأمنية الوطنية مكلّف ضمان الأمن الداخلي لإقليم كردستان وتأمين حدوده، وفي وقت لاحق قُطِعتْ تخصيصات موظفي حكومة الإقليم كلهم. المالكي من جانبه، ومن بعده خليفته حيدر العبادي، كان يحاجج بأن القيادات الكردية تبيع النفط المنتج في الإقليم لحسابها ولا تسجّل موارده في الموازنة العامة للدولة، وهو ما كان يردّ عليه الكرد بأن قطع مخصصات البيشمركة والموظفين العموميين قد أرغمهم على ذلك، فضلاً عن عدم تشريع قانون النفط والغاز الذي كان سيضمن إدارة هذه الثروة الوطنية، وتوزيع مواردها على سكان البلاد ومناطقها بعدالة وإنصاف.

حتى بعد انتهاء حقبة المالكي ظلّت المشاكل نفسها قائمة، بل تفاقمت وما أسهم في ذلك احتلال «داعش» ثلث مساحة البلاد بما فيها مناطق كردستانية، ما ولّد المزيد من مشاعر الخوف لدى الكرد من أن مستقبلهم ليس مضموناً في إطار الدولة العراقية.

طُرِحت فكرة الاستفتاء على الاستقلال في العام 2014 بيد أن الانشغال بالحرب مع «داعش» أجّل تنفيذ الفكرة التي أعيد طرحها أخيراً مع اكتمال تحرير المدن الرئيسة التي احتلّها التنظيم، وبخاصة الموصل التي أعلنها عاصمة لـ«دويلته».

طرفا الأزمة (حكومة بغداد وقوى الإسلام السياسي المتنفذة فيها، وإدارة إقليم كردستان) تعاملا مع الأزمة وفق مبدأ الخيارات المحدودة، فبغداد نظرت إلى الاستفتاء بوصفه الخطوة الأولى للاستقلال المرفوض جملة وتفصيلاً، فيما لم تقبل القيادة الكردستانية بغير إجراء الاستفتاء في الوقت المحدّد ما لم تحصل على بديل مقبول.

على الدوام كان هناك، ولم يزل، خيار ثالث ورابع لحلّ هذه الأزمة. الطرفان لم يبحثا جدّياً في خيار العمل للتقيّد بأحكام الدستور وتعديله، وهذا استحقاق متوجب منذ ما قبل عشر سنوات، وتشريع القوانين المتوجب تشريعها. والكرد الذين كانوا يشتكون من أن شركاءهم في بغداد، وبخاصة الأحزاب الشيعية، قد خرجوا على مبدأ الشراكة والتوافق، لم يذهبوا إلى خيار آخر هو فكّ هذه الشراكة والبحث عن شركاء جدد وتشكيل جبهة سياسية (معارضة) يُمكنها أن تضمّ إلى جانبهم ائتلاف الوطنية (إياد علاوي) وكتلة الأحرار (الصدرية) والتيار المدني، وقوى وشخصيات وطنية عراقية معروفة تاريخياً بتفهمها للمطامح الكردية وتشاطر الكرد مطالبهم بخصوص الدستور، وبينها الحزب الشيوعي وسائر قوى اليسار العراقي.

هذان الخياران قائمان ومتاحان الآن، ويظلّان كذلك حتى لو مضى الكرد في مشروع الاستفتاء الأسبوع المقبل، والأرجح أنهما كفيلان بنزع فتيل الأزمة الخطيرة التي يواجهها العراق بكافة قومياته ومكوناته وتنذر بعواقب غير محمودة.