8 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 عقوبات التدمير الشامل التي سبقت غزو العراق

 

هانز فون سبونيك

 

العرب
دراسة تكشف بعض التقارير الصادرة في التسعينات والتي أشارت إلى زيادة في عدد وفيات الأطفال نتيجة للعقوبات المفروضة، كانت تشوبها منهجية ضعيفة وغير كافية.

نقلت صحيفة واشنطن بوست، في عددها الصادر في الرابع من أغسطس الماضي، عن المجلة الطبية البريطانية للصحة العالمية أن “ما تردّد بأن فرض العقوبات قتل 500 ألف طفل لم يكن إلا مجرد كذبة”.

 

وقال تيم دايسون وفاليري سيتوريلي، معدا التقرير “تم التلاعب بالبيانات لتسجيل ارتفاع كبير في حجم وفيات الأطفال، وهو ما أراده صدام حسين وحكومته بهدف إثارة القلق الدولي وإنهاء العقوبات الاقتصادية”.

 

واعتبرت الدراسة التي أشرف عليها مختصون من كلية لندن للاقتصاد أن “بعض التقارير الصادرة في التسعينات والتي أشارت إلى زيادة في عدد وفيات الأطفال نتيجة للعقوبات المفروضة، كانت تشوبها منهجية ضعيفة وغير كافية”. واضطلعت منظمة اليونيسيف للأطفال بالدراسة الأكثر شيوعا، والتي أثارت جدلا واسعا في ذلك الوقت “استنادا إلى الأرقام والاستنتاجات التي زورتها الحكومة العراقية. وأظهرت أن حوالي 550 ألف طفل لقوا حتفهم نتيجة للعقوبات المفروضة”.

 

كانت الدراسة التي قامت بها منظمة اليونيسيف حول وفيات الأطفال ونشرتها في سنة 1999 إنجازا مهما بالنظر إلى الظروف التي وجد فيها العراق ومنظومة الأمم المتحدة نفسيهما فيها في أواخر التسعينات. كانت بغداد مرتابة جدا في “الأجانب” بما في ذلك الكيانات الأممية إذ كثيرا ما كانت أونسكوم- أونموفيك درعا تتخفى وراءه الاستخبارات وكذلك الخداع كأحد الأجزاء الأساسية لمشروع نزع سلاح العراق.

 

ليس هذا مجالا لتقديم تفاصيل إضافية فهي متوفرة بكثرة. حتى الكيانات التي تدّعي أنها كيانات إنسانية تابعة للأمم المتحدة لم تستثن من الريبة العراقية المبررة.

 

في سنة 2016 نشرت مطبعة جامعة كاليفورنيا مجلدا ضخما تحت عنوان “أرض القبعات الزرقاء: الأمم المتحدة والعالم العربي”، ويضم فصلا حول “العراق تحت العقوبات”، يشير إلى استراتيجيات الأخبار الزائفة التي اعتمدتها الحكومتان الأميركية والبريطانية.

 

من الجهة الأممية في بغداد، لم يكن لنا لا حول ولا قوة في التعامل مع أعمال التلاعب المحبوكة التي تهدف إلى تشكيل الصورة العامة. وكان أحد هذه “المنتوجات” إصدارا عن وزارة الخارجية الأميركية بعنوان “عراق صدام حسين” (سبتمبر 1999). عندما قمنا أنا وزملائي من منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي واليونسكو والفاو واليونيسيف وبرنامج التنمية للأمم المتحدة بقراءة هذه الوثيقة الرسمية الأميركية ذهلنا لاحتوائها على قدر كبير من المعلومات الزائفة والمختلقة.

 

في ما يخص الدراسة التي قامت بها اليونيسيف، أشير إلى أنه اعتمادا على ارتباطي باليونيسيف والوكالات الأممية الأخرى المقيمة في العراق عندما كنت المنسق الأممي في بغداد، أقول ما يلي بكل ارتياح:

 

*عند القيام بدراسة الوفيات، كانت اليونيسيف واعية تمام الوعي بكل القيود والهنات.

 

*تكفّل بهذه الدراسة موظفون تابعون لمنظمة اليونيسيف وهم أشخاص ذوو حرفية عالية. انضم إليهم موظفون من الطاقم الطبي العراقي، وربما أيضا أشخاص من الاستخبارات العراقية الذين كانوا حاضرين عادة عندما كانت الأمم المتحدة تجري عملها الميداني.

 

    أونسكوم- أونموفيك وغيرها من الكيانات الأممية كثيرا ما كانت دروعا تتخفى وراءها الاستخبارات والخداع كأجزاء أساسية لمشروع نزع سلاح العراق

 

*وعيا من اليونيسيف بإمكانية تلاعب السلطات العراقية بالمعطيات، توخت الحذر والحرص في جمع المعطيات.

 

* لم تكن اليونيسيف الكيان الأممي الوحيد الذي واجهته السلطات الأميركية والبريطانية “بأدلة متناقضة”. عمل برنامج الأغذية العالمي على المساعدة في توريد 440 ألف طن من الغذاء كل شهر لإطعام 23 مليون عراقي وكان يتحكم في نظام بطاقات تموين مكنت من مراقبة مستمرة وذات مصداقية.

 

وفي سنة 1999 استنتج برنامج الأغذية العالمي بأن الطعام يصل إلى المواطنين في كل أنحاء البلاد بما في ذلك المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية.

 

لكن الحكومة الأميركية قالت إن العراقيين المعارضين للحكومة في بغداد محرومون من هذه الحصص التموينية.

 

* ساندت منظمة الصحة العالمية الرأي بأنه على إثر العقوبات بدأ المقدار المأخوذ من السعرات الحرارية في اليوم ينخفض بشكل سريع من أكثر من 3000 سعرة (قبل 1990) إلى أقل من 1500 سعرة (بعد 1990)، لكن واشنطن ولندن أنكرتا ذلك.

 

*اتهمت الحكومتان الأميركية والبريطانية السلطات العراقية بأنها كانت تقوم بتخزين الأدوية عمدا، في حين أن كل ما فعلته وزارة الصحة العراقية هو اتباع الخطوط العريضة العالمية التي حددتها منظمة الصحة العالمية للاستعداد لفترات الأوبئة.

 

* عارضت البعثتان الأميركية والبريطانية للأمم المتحدة بشدة التقرير عن الضربات الجوية الذي قدمته بموافقة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. وقيل لي إنه عند ذكر أرقام عن الضحايا المدنيين كل ما كنت أفعله هو تكرار الدعاية العراقية. ولفتّ نظر السفير البريطاني أثناء زيارة قمت بها إلى نيويورك بأنه عند حدوث ضربة جوية بريطانية أو أميركية قوية تخلف ضررا كبيرا يصيب المدنيين أذهب بنفسي إلى المواقع على عين المكان للتثبت من الضحايا ومن ثم أكون في موقع يسمح لي بتأكيد التقارير العراقية أو تصحيحها. مثلا عندما ذكر الإعلام العراقي الرسمي بأن ضربة جوية على منطقة سكنية في البصرة أسفرت عن إحدى عشرة حالة وفاة عددت أنا بنفسي 17 تابوتا.

 

والمثال الآخر الذي يصعب تصديقه المتمثل في وقوع ضربة جوية شمال الموصل أدت إلى وفاة ستة رعاة وإزهاق أرواح 101 من الخرفان، بينما ذكر بيان صحافي عن مقر القيادة العسكرية الأميركية الأوروبية في شتوتغارت في 30 أبريل 1999 يوم الهجوم بأنه في المكان حيث قتلت الخرفان البريئة تم تدمير معدات مضادة للطائرات بنجاح.

 

أن نقول للعالم مرة أخرى، بعد 14 عاما من نهاية العقوبات، بأن الحياة في العراق في ظل العقوبات لم تكن بذلك القدر من الوحشية والتهديد للحياة، بالرغم من صدام حسين، وبأن هناك عددا أقل من وفيات الأطفال مما تحدثت عنه اليونيسيف في تقريرها لسنة 1999 لهو أمر مثير للاشمئزاز ويجب ألا يمر دون رد.

 

تخلص دراسة كلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية بالقول “كان تلفيق دراسة اليونيسيف لسنة 1999 تزويرا بارعا”. يجب على الباحثيْن القائمين بدراسة كلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية التراجع عن هذا الكلام الخاطئ بشكل خطير ويعتذرا علنا عن هذا البحث الرديء. ويتعين أن يضاف هذا البحث لكل المظالم التي ساهم فيها أعضاء في مجلس الأمن الدولي وحكومات أخرى وأشخاص غير مسؤولين. يجب أن يخضع المقترفون لهذه المظالم للمساءلة.

 

يجب أن يقرأ العموم ملحقا لقصة كلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية “التي لا تصدق”، ألا وهو تصريح السفير الماليزي أغام هاسمي الذي كانت بلاده عضوا في مجلس الأمن في ذلك الوقت حيث قال في مجلس الأمم المتحدة في سنة 2000 “يا له من موقف ساخر بأن السياسة نفسها التي من المفترض أن تجرد العراق من أسلحة الدمار الشامل أصبحت هي نفسها سلاحا للدمار الشامل”.

 

هانز فون سبونيك، ديبلوماسي ألماني شغل منصب منسق للشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في العراق قبل أن يستقيل في سنة 2000 احتجاجا على المستويات المرعبة من حالات الوفيات الناجمة عن العقوبات الأممية. وكان سلفه دنيس هاليداي الذي أعد برنامج العقوبات قد استقال في سنة 1998 لنفس السبب واصفا نظام العقوبات بـ”المذبحة الجماعية”.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 حزب الله هو رأس الحربة الإيرانية

 

فاروق يوسف

 

 العرب
لقد فرض حزب الله على العالم معادلة جديدة، يكون فيها قتل الإرهابي جريمة ضد الإنسانية. أليس في الأمر ما يدعو إلى الريبة من جهة كواليسه السرية؟

ألا يحق للشعب اللبناني أن يتخلص من حزب الله بعد كل ما سببه من كوارث وخيبات، أم أنه كُتب عليه أن يظل رهين محبس ذلك الحزب الذي يفعل ما يملى عليه من قبل إيران؟ ليس أمام اللبنانيين سوى أن يعلنوا عصيانا فريدا من نوعه في التاريخ من أجل طي صفحة ماض صار يهدد بالزحف على مستقبلهم.

 

فحزب الله لا يخطط لإلغاء الدولة اللبنانية بعد أن احتواها، بل يسعى إلى أن يكون الممثل الشرعي الوحيد للبنانيين، بغض النظر عن موقفهم منه. منذ سنـوات وحسن نصراللـه يلقن الـدولة اللبنانية دروسا في حسن السلوك، واليوم جاء دور اللبنانيين لكي يتعلموا منه حسن التعامل مع قتلة أبنائهم باعتبارهم ضيوفا.

 

الدرس اللبناني حظي بترحيب عراقي من قبل حزب الدعوة الحاكم منذ أكثر من عشر سنوات مستعدا لخوض غمار انتخابات يأمل أن يكون الرابح فيها. ناهيك عن إعجاب النظام السوري بتلك الرحلة المرحة التي نظمها حزب الله لإرهابيي تنظيم داعش من أجل وصولهم إلى حاضنتهم الأم.

 

لقد تحدى حزب الله التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وتحدى روسيا من جهة أخرى. من أجل الفكرة المسلية والمتوحشة وحدها يستحق حسن نصرالله أن تُرفع له العمائم.

 

إرهابيون قتلة يتجولون في الأراضي السورية تحت أعين المجتمع الدولي المفتوحة عجبا من غير أن ينالهم أي سوء. علينا أن نفكر في تلك المعجزة السلبية في الـوقت الـذي مُحيت فيـه مـدن عظيمـة مثل حلب والموصل بحجة وجود إرهابيين فيها.

 

لقد فرض حزب الله على العالم معادلة جديدة، يكون فيها قتل الإرهابي جريمة ضد الإنسانية. أليس في الأمر ما يدعو إلى الريبة من جهة كواليسه السرية؟ استغرب الكثيرون أن يكون الوصول الآمن لقافلة الإرهابيين هو مطلب حزب الله وإيران وحزب الدعوة مجتمعين.

 

فذلك يعني أن الأطراف الشيعية الثلاثة لم تكن صادقة في حربها على من تسميهم بالتكفيريين، بل إن أولئك التكفيريين هم بضاعة عزيزة ينبغي الحفاظ عليها وعلى سلامتها. هدية حزب الله التي حرص حزب الدعوة على الترحيب والاحتفاء بها كانت عبارة عن حطب احتياطي لحرب أهلية يحتاجها حزب الدعوة، وهو يستعد للتأهل للسلطة في ولاية رابعة.

 

ما يفعله حزب الله إنما يدخل في نطاق استراتيجية إيرانية بعيدة المدى. لقد صار ممكنا أن يلعب حزب الله اللبناني دورا مؤثرا في الحياة السياسية العراقية من خلال بعثته التبشيرية التي أرسلها إلى الحدود العراقية لتكون بمثابة رأس الحربة الوهمي لشبح إرهابي، يمكن اتخاذه حجة للانتقام من خلاله من سنة العراق.

 

أجبر حزب الله اللبنانيين على التخلي عن حق أبنائهم القتلى نظير أن يُقتل المزيد من العراقيين. وهو ما يعني أن حزب الله قد وجد في العراقيين ضالته في القتل بدلا من أن يقتل الدواعش. إنها حرب إيران المستمرة على العرب.

 

فإذا كان حزب الله قد يسَّرَ لإيران جزءا من حربها في العراق، البلد الذي يخضع له، يمكننا أن نتخيل الرثاثة التي وصل إليها ذلك الحزب في تطبيع الوجود الإيراني لبنانيا.

 

لن يكون على اللبنانيين أن ينتظروا طويلا لكي يُعلن بلدهم ولاية إيرانية.

 

ذلك الأمر ليس مستبعدا بالنسبة لكل من تابع سلوك حزب الله وخطابات حسن نصرالله التي تعبر عن إيمان مطلق بحق إيران في التهام المنطقة وتفكيك دولها على أساس طائفي اعتمادا على مبدأ تصدير الثورة.

 

لذلك فإن الدور الخطير الذي انغمس حزب الله فيه يحتاج التصدي له إلى جهد رسمي وشعبي هائل لا من أجل تحجيم تلك الميليشيا وإعادتها إلى لبنان، البلد المبتلى بها، بل من أجل وضع حد نهائي لها والتخلص منها باعتبارها تنظيما إرهابيا يسعى إلى تمهيد الأرض لاستعمار إيراني سيكون ليله طويلا. لقد صار واضحا ومنذ سنوات أن شعار مقاومة إسرائيل الذي يرفعه حزب الله هو مجرد غطاء لحرب يشنها ويديرها ذلك الحزب على العرب.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   سنوات سود إضافية تنتظر السنة العرب في العراق  هارون محمد   العرب
 

السنة العرب في العراق مهددون بالفناء بعد أن سرقت ديالى وصلاح الدين وكركوك منهم، وخربت الموصل ودمر حزام بغداد وحوصرت أحياؤهم واغتصبت دورهم وممتلكاتهم فيها.

لو كانت محافظة دير الزور السورية تجاور محافظات النجف أو كربلاء أو الناصرية أو أي منطقة شيعية أخرى في العراق، هل كان حزب الله اللبناني والنظام العلوي في دمشق يوافقان على نقل مئات المسلحين الدواعش إليها؟

 

ولو كانت مدينة البوكمال السورية تحادد بلدة طويريج العراقية، هل كان رئيس حزب الدعوة نوري المالكي، يسعد باقتراب مسلحي تنظيم داعش من مسقط رأسه، وتهديد أهله وأصهاره وأقاربه الذين تكاثروا في السنوات العشر الأخيرة، صدقا أم ادعاء، ويدافع عن حسن نصرالله وبشار الأسد، ويصف قرارهما بنقل الانغماسيين والانتحاريين من لبنان وسوريا إلى تخوم العراق الغربية، بأنه قرار صائب وجريء؟

 

الجواب على التساؤلين أعلاه، لا يحتاج إلى عناء في التفكير، لأنه معروف وواضح تماما. فالملا نصرالله وحليفه الرئيس السوري بشار، ومعهما المالكي، أدوات في المشروع الإيراني الذي شجع تنظيم داعش على استهداف السنة العـرب في العراق، يفتك بشبابهم ويقتل رجالهم ويسبي نساءهم ويخرب مدنهم ومناطقهم، ويحولها إلى قلب القوس الهلالي الإيراني، الذي بدأ يتحقق ويكتمل قريبا، بصفقة أو صفقتين، تشبه ما جرى في القلمون الغربي، ويصبح بدرا.

 

وعندما قلنا وأكدنا مرارا في أكثر من مقال ومناسبة، أن التخادم السياسي يجمع تنظيم داعش مع إيران والأحزاب الشيعية وخصوصا حزب الدعوة، فإننا نستند إلى الوقائع على الأرض التي أثبتت ذلك، ففي ديالى على سبيل المثال، انسحب الدواعش من ناحيتي السعدية وجلولاء وضواحي المقدادية في العام 2015 من دون قتال لعدم وجود قوات عسكرية وأمنية وميليشياوية أصلا فيها، وتردد حينها أن مسؤولا إيرانيا اتصل لاسلكيا بوالي حمرين الداعشي ويدعى أبوحمزة، وطلب منه مغادرة المنطقة، ونفذ الوالي الداعشي الأمر وانطلق مع جماعته بعجلاتهم على طريق دلي عباس-العظيم إلى جنوب محافظة صلاح الدين، مرورا بعشرات نقاط التفتيش، وكانت نتيجة هذا الانسحاب المفاجئ أن الميليشيات الشيعية احتلت المقدادية والسعدية، وقتلت المئات من أهلها السنة والتركمان، وفجرت عشرات المسـاجد فيها، وأجبرت مئة وخمسين ألـف إنسان من سكان المدينتين على النزوح، في حين عادت وحدات البيشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردي، إلى جلولاء، وبدأت حملة طرد الآلاف من سكانها وأغلبهم من عشيرتيْ الكروية والجبور.

 

وفي محافظة صلاح الدين، انسحب الدواعش من جنوب المحافظة والدور وسليمان بيك وتكريت بعد قتال رمزي مع القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي، حتى أن أحد قادة الفصائل ويبدو أنه ساذج سياسيا، قال في تصريح عقب انتهاء معركة تطهير تكريت، إنه في دهشة لأن معركة تحرير المدينة انتهت، ولم يقبضوا على أسير أو يعثروا على جثة لداعشي، رغم أنهم أطلقوا على محاورهم ونقاط تمركزهم آلاف الصواريخ والراجمات، دون أن يدرك لخيبته، أن تفاهما جرى معهم، كان من نتائجه أن أبا مهدي المهندس، أصبح الحاكم العام للمحافظة، مثل ما أصبح رفيقه هادي العامري حاكما عاما لديالى، والبلدة الوحيدة في صلاح الدين التي شهدت قتالا بين الدواعش والميليشيات هي بيجي، بسبب وجود أربع مصافي نفط، وثلاثة معامل بتروكيماوية فيها، وفي النهاية انسحب الدواعش دون أن يتركوا قتيلا أو أسيرا واحدا، وأقبل الفنيون الإيرانيون وفككوا المصافي والمعامل ونقلوها إلى بلدهم في شاحنات عملاقة ولعدة أيام دون أن تطلق عليها رصاصة واحدة.

 

أما الموصل، فقد بات الحديث عن بيعها إلى الدواعش في العاشر من يونيو عام 2014 مكررا، وأفضت حرب تحريرها إلى تدميرها وخاصة جانبها الأيمن الذي انتهى إلى أطلال وخرائب دفن الآلاف من الضحايا تحتها، في الوقت الذي ارتفعت رايات الميليشيات الشيعية التي افتتحت عشرات المقرات وخصوصا في جانبها الأيسر، وما زال مليون من نازحيها يعيشون في عذاب ومعاناة في مخيمات النزوح ومعسكرات العزلة لا يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم ليباشروا بترميم بيوتهم، بحجة التدقيق الأمني، والقصد واضح ويتمثل في إفراغ المدينة من سكانها الأصليين، وتركها مخربة ومهجورة وبالتالي فإنها تفقد مكانتها كمدينة حضارية عربية، هي الثانية في العراق بعد العاصمة بغداد.

 

والآن جاء الدور على محافظة الأنبار، ومن ينظر إلى خارطة حدودها مع دير الزور السورية، يلحظ ببساطة التلاصق الجغرافي والتداخل الاجتماعي المشترك بين المحافظتين، ويدرك بلا بحث أو تعب، أن الهدف من نقـل الدواعش من الحدود السورية اللبنانية إلى البوكمال الديرية الملاصقـة والمقابلة للقائم الأنبارية، هو إشعال غربي العراق بحرب قد تستمر أعواما، وسط بيئة صحراوية مفتوحة تمتد إلى محافظتي الموصل وصلاح الدين شمالا وشرقا، وإلى الأردن والسعودية جنوبا، وهذا يعني في المفاهيم العسكرية أن تنظيم داعش، الذي تشير الأنباء إلى أنه اتخذ دير الزور عاصمة جديدة له بعد خسارته للموصل واستمرار الاشتباكات في الرقة، سيجعل الأنبار تحت رحمته خصوصا وأنه ما زال يحتل أقضية القائم وعانة وراوة، ويحاصر مدن حديثة وهيت والرطبة، ويهدد الطريق البري الدولي بين العراق والأردن الذي تم الإعلان الرسمي عن افتتاحه في الأسبوع الماضي.

 

السنة العرب في العراق مهددون بالفناء بعد أن سُرقت ديالى وصلاح الدين وكركوك منهم، وخُربت الموصل ودُمّر حزام بغداد وحُوصرت أحياؤهم واغتصبت دورهم وممتلكاتهم فيها، وذُبحت الفلوجة وتحولت الرمادي إلى مدينة أشباح، وحان الوقت للإجهاز على الأنبار بالكامل، بشراكة داعشية-إيرانية أدواتها أبوبكر البغدادي وحسن نصرالله وبشار الأسد، بإشراف الولي الفقيه علي خامنئي ووكلائه قاسم سليماني ونوري المالكي وأبي مهدي المهندس، وبقية الوكلاء يظهرون تباعا.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  حتى لا يكرر العرب أخطاءهم في العراق

 

 

أحمد أبو دوح

 

   العرب
 

    إن كان هناك من مستفيد حقيقي من الصراعات والحروب المشتعلة في الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة، فهم الأكراد. يتجلى الفوز الرئيسي لهذه المجموعة التي ظل صوتها مكبوتا لوقت طويل في تحولها إلى لاعب ميداني مهم في ما يجري بالمنطقة، وأيضا “انتقامها” ممن كبت صوتها وتهديد من عارض مصالحها. استعانة واشنطن بأكراد سوريا كان أحد مظاهر تطور الوضع الكردي، أما استفتاء الانفصال الذي أعلن أكراد العراق عن إجرائه في 25 سبتمبر المقبل، فيعد الفوز الأكبر، حتى وإن لم يتحقق الانفصال، فالغاية ليست الاستقلال التام عن الدولة المركزية، الضعيفة، بقدر ما هو ضجيج لضمان حصة معتبرة أثناء تقسيم الكعكة، وهو الأمر الذي يجب أن يعيه جيدا العرب من الذين اختاروا تأييد استفتاء الأكراد كجزء من استراتيجية مواجهة إيران، وقرص تركيا.

 

تحركات البارزاني تشي بأنه ليس شخصا اعتباطيا

 

انفصال إقليم عن أي دولة هو مرحلة أولى. تستطيع أن تسميها مقدمة للحدث الرئيسي المتمثل في تبعات الانفصال وكلفته، وهي الحرب. في كردستان العراق ثمة هرولة نحو هذا السيناريو عن قصد من أجل الإسراع في اقتناص حصة الإقليم، وسط زحام التغيرات الجذرية التي تحدث في المنطقة.

 

مسعود البارزاني لا يملك إلا الدعوة إلى إجراء الاستفتاء. هذا الاستفتاء هو رصاصته الأخيرة قبل بدء مرحلة ما بعد داعش في المنطقة. إن أصابت سيصبح الاستقلال مسألة وقت، لكنها ستلطخ القضية كلها بالدم. وإن لم تصب، فستحدث دويا يمنح الإقليم الأسبقية في علاقته العصبية مع بغداد.

 

الأكراد واقعون بين تبعات رفض الإيرانيين والأتراك للاستفتاء. هذا طبيعي ومتوقع ومدروس في أربيل وفي واشنطن أيضا. لكن ما هو تفسير الموقف العربي؟

 

ثمة محاولة عربية لإزعاج تركيا عبر ورقة الاستفتاء. الاستثمار في التماهي مع وجهة نظر البارزاني، تتماشى مع رغبة حزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابيا في تركيا) بالاحتماء بمظلة الدولة الجديدة. مسألة قيام دولة كردية في شمال العراق هي إحدى المقدمات البديهية لتمدد عقلية الاستقلال إلى ما وراء حدود تركيا وإيران.

 

دعم وجهة نظر البارزاني في عواصم عربية عدة لها وجاهتها، لكن على المدى المنظور. الأمر سيزعج تركيا، وسيحول تركيز عملية صناعة القرار في أنقرة عن الأزمة الخليجية مع قطر. لكن المشكلة ستكون في التناقض مع الرؤية الأميركية الجديدة للمنطقة.

 

الإدارة الأميركية الحالية تعمل بطريقة معكوسة لرؤية إدارة باراك أوباما. النظرة الاستراتيجية، التي يتبناها الجنرالات المسيطرون على صنع القرار في البيت الأبيض، تحاول ترميم ما تبقى من اتفاقية “سايكس بيكو”. واشنطن لم تعد منشغلة بشرق أوسط جديد ولا قديم. هناك مهمتان أتت من أجلهما القوات الأميركية إلى المنطقة، وعليها إنجازهما: إنهاء حقبتي داعش والنفوذ الإيراني معا.

 

هذه الرؤية المزدوجة تتطلب الحفاظ على الحدود الجغرافية القائمة بين بلدان المنطقة كما هي. تفتيت كيانات المشرق العربي يتسق مع أبعاد الاستثمار الإيراني في المنطقة، القائم على بناء جزر طائفية وسط المحيط السني غير المستقر.

 

رؤية بعض الدول العربية لاستفتاء الأكراد تتعارض مع المقاربة الأميركية، وتكرر أخطاء الماضي بحق العراق. الرئيس جمال عبدالناصر كان أول من وقع في هذا الخطأ عندما خصص إذاعة ناطقة باسم الأكراد في ذروة مواجهتهم مع “حلف بغداد” عام 1957 نكاية في رئيس الوزراء الراحل نوري السعيد، ومن بعده الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم. إغراق العراق بالبندقية من نوع “بورسعيد”، ودعم التمرد الكردي سياسيا لم يشكلا عائقا أمام عبدالناصر للتخلي عن الأكراد لاحقا.

 

الأمر الآن لا يشبه ما حدث وقتها. ثمة فوارق كبيرة في الظروف وأبعاد القضية ورؤية الغرب أيضا. علاقة الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني وعبدالناصر ليس لها مرادف بين مسعود البارزاني وأي من الزعماء العرب الآن. لكن السلوك العربي تجاه قضية الاستقلال، حتى وإن ظل منحصرا في بعده الإعلامي، لا يأخذ في الاعتبار ما سيحدث في اليوم التالي للاستفتاء.

 

    إيحاء بعض الدول العربية بتأييد استفتاء الأكراد هو رهان خاسر، ببساطة لأن هذا الاستفتاء قد لا يحدث مطلقا

 

دولة كردية مستقلة تعني اشتعال حرب أهلية بين الشمال والجنوب. العراق سيكون قد خرج للتو من حرب طائفية، كي يدخل هذه المرة حربا على أساس عرقي.

 

المشكلة الثانية أن هذه الدولة الناشئة هي جسر لتحالف إيراني- تركي. الإيرانيون، ومعهم الأتراك، مصابون بحساسية ضد الأكراد منذ هروب الملا مصطفى البارزاني من إيران عام 1946. إنشاء جمهورية “ماهاباد” في شمال إيران لقن طهران وأنقرة درسا خلاصته أن وجودهما مرهون بعدم السماح للأكراد باقتناص كيان مستقل.أي محاولة للاستقلال تعني مذبحة في كردستان.

 

أي شخص ذو رصيد أخلاقي محترم لن يتمكن من المناورة عند الحديث عن مظلومية الإقليم تاريخيا. منذ ما قبل ثورة 1958 في العراق، يدفع الأكراد أثمان العبث المتكرر واللانهائي في بغداد.

 

العراقيون طوال تاريخهم لم يتمكنوا من فهم الشخصية الكردية على حقيقتها، ولم يقدموا لها مغريات تدفعها للذوبان في شخصية عراقية جامعة. لا داعي هنا للحديث عن القمع وحملات التطهير والمذابح التي ارتكبها حكام العراق الواحد تلو الآخر بحق الأكراد. كل هذا معروف.

 

لكن هل هذا هو التوقيت الصحيح للاستقلال؟ هل البارزاني ورجال حزبه مستعدون لدفع كلفة مغامرة كهذه الآن؟ وعن ماذا سينفصل إقليم كردستان؟ هل ثمة دولة حقيقية قائمة فعلا في بغداد؟ وماذا لو توسع حديث الاستقلال ليشمل خانقين ومدنا أخرى في محافظة ديالى المتاخمة لبغداد؟

 

في أوقات الفوضى تكون الأمم في حالة هياج سياسي وعسكري وثقافي وحتى غرائزي. الأمر يشبه استقلال جنوب السودان، لكن بطريقة معكوسة.

 

في السودان بدأت الحرب أولا وأخذت وقتها، إلى أن أنهكت جميع الأطراف، بعدها اضطرتهم إلى الجلوس على الطاولة وتحديد موعد توافقي لإجراء استفتاء على الاستقلال.

 

الأمر لن يكون هكذا في حالة كردستان العراق. هناك الاستفتاء سيقود إلى حمل السلاح، وليس العكس.

 

تحركات البارزاني تشي بأنه ليس شخصا اعتباطيا كي يلقي بالحلم القومي للأكراد في هذا السيناريو. إلى الآن ليس ثمة إشارة واحدة على أن البارزاني جاد في المضي قدما في انتزاع استقلال حقيقي. الأمر كله يدور حول إحداث ضجيج لضمان حصة معتبرة أثناء تقسيم الكعكة، التي يبدو أنها صارت جاهزة للتقديم.

 

خذ مثلا قضية ضم محافظة كركوك للاستفتاء. البارزاني يعلم أن كركوك هي المطب الذي سيقلب العملية كلها رأسا على عقب. لا أحد يضع عراقيل أمامه إلا إذا كان يرغب في الرجوع من حيث أتى.

 

كل ذلك في كفة، والرفض الأميركي في كفة أخرى. الأميركيون هم أكثر من ينجح في لعبة التدجين بالمال والسلاح. هذه السياسة تمكنت من التحكم في القرار الكردي منذ أن بدأت واشنطن في إرسال مئات الملايين من الدولارات من المساعدات العسكرية لقوات البيشمركة عام 2014. تهديد البنتاغون بوقف المساعدات العسكرية للإقليم ليس أمرا هينا يمكن لأربيل أن تتجاهله.

 

الأزمة المالية التي تمر بها، إلى جانب انخفاض أسعار النفط، لم يتركا بدائل أمام البارزاني يمكن الاعتماد عليها. كلفة العناد مع الأميركيين ستكون باهظة لا محالة.

 

استقلال كردستان يعني بالنسبة إلى واشنطن فتح ثغرات في استراتيجيتها، والسماح لإيران وداعش معا بالنفاذ من خلالها. أي صراع مستقبلي بين بغداد وأربيل سيعيد الخطة الأميركية في المنطقة إلى نقطة الصفر.

 

إيحاء بعض الدول العربية بتأييد استفتاء الأكراد هو رهان خاسر، ببساطة لأن هذا الاستفتاء قد لا يحدث مطلقا. بناء استراتيجية إقليمية عربية حول تحركات تركيا فقط، أو تحركات إيران، هو تصرف من يطلق النار على قدميه. على العرب التوقف عن تكرار أخطاء الماضي في حق العراق.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     خطوط العراقي.. تُرى ولا تُقرؤ   

محمد عارف

    الاتحاد الاماراتية
   

«حامِلُ الهوى تَعِبُ، يستخفّه الطَرَبُ. إن بكى يحق له، ليس ما به لَعِبُ». شعر «أبونواس» يستخفُ الخطاطَ «غني العاني» فيبدعه بالخطّ الفارسي الذهبي على ورق كالقماش صنعه بنفسه من الرز الصيني. وفي منزل «العاني» بحي الفنانين «مونمارت» وسط باريس تختلط بوهيمية طراز عيش الفنانين الفرنسيين، وصوفية الخطاطين العراقيين الذين يقتعدون الأرض، ويحتضنون رقعة الخط. وجدران منزله مغطاة بلوحات الخط، بما في ذلك غرفة نومه، وآلاف منها مكدسة في الرفوف والدواليب، وفوق المناضد والكراسي.

 

وكما في العصور الحجرية يخطُّ «العاني» على رقع يصنعها من الخشب، وأوراق الأشجار، وعظام وجلود الحيوانات. وقد علّمه وهو في عمر 12 عاماً صنع الورق والحبر، وقصب الخط مُجلِّدُ الكتب المشهور ببغداد «جواد الحيدري»، بتوصية ممّن علّمه وأجازه في الخط «هاشم البغدادي» شيخ الخطاطين العراقيين والعرب منتصف القرن الماضي، وسليل أساطين الخط العربي في العصر العباسي «ابن مقله» و«ابن البواب» و«المستعصمي».

 

و«العاني» العربي الوحيد الحاصل على جائزة «اليونيسكو» في الخط. وعنوان هذا المقال مستقى من عبارة «خطُّ العاني ينبغي أن لا يُقرأَ» كتبها في سجل معرضه بباريس الفيلسوف الفرنسي «رولاند بارت». و«بارت» فيلسوف الدلالات والرموز «السيميولوجيا» نَقّبَ عميقاً في العلاقة بين الكلمة المكتوبة والكلام، ودّرَسَها في جامعات عالمية عدة، بينها «جامعة الإسكندرية» بمصر. وخطوط «العاني» كلام بحد ذاته ولذاته. فالخط مستوى محدد، وبالأحرى غير محدد، من فكره ووعيه ومشاعره، تختلط، بل تتذاوب، فتعيد رسم نفسها بأنامله، وتتزخرف كما تشاء في أشكال وأنساق تبدع أنواع الخط العربي، من الرقعة، والنسخ، والثلث، إلى الكوفي، والديواني، والريحاني، ومشتقاتها، وخطوط ابتدعها بنفسه، وتنتظر أسماءها كخط «ملحمة جلجامش» التي تطالعنا لوحة منها في رواق منزله.

 

وخطّ «العاني» نصوصا من عيون التراث العربي والأقوال المأثورة في لوحات وكتب مطبوعة بالفرنسية. ومثل «زرياب» الذي نقل في العصر العباسي فنون التصميم من بغداد إلى أوروبا، جاء «العاني» إلى باريس في سبعينيات القرن الماضي بالخط العربي، الذي أصبح من اهتمامات الفرنسيين على مستويات أكاديمية وشعبية. تروي قصة ذلك بالفرنسية الكاتبة «مادلين غويرين» في برنامج أنتجته «إذاعة الشرق» بباريس، عنوانه «ألقاءٌ بين الشرق والغرب؟». ويتلو فيه «العاني» أشعاره بالعربية، ويعزف على البيانو الموسيقار الفرنسي «فردريك بريبولين». و«مادلين» رفيقة عمر «العاني» تعرّفت عليه عندما كانت تلميذة في «معهد اللغات الشرقية» بجامعة «السوربون» حيث كان يُدرِّس الخطَّ العربي.

 

و«العاني» دكتور في القانون من «السوربون»، وفي التراث العربي خطاطون علماء وفقهاء ووزراء، وحتى خلفاء، لكنهم في الخط ثلاثة أنماط، الخطّاطُ الذي يتقن الخط بيده، والأستاذ في الخط الذي يخط بيده وبعقله، والخطاط الفنان الذي يخط بيده وعقله وقلبه، وهذا هو «العاني»، يخالف مقاييس الحروف في غلاف يومياته عن احتلال مدينة مولده، فيمُطُّ حرف الألف في كلمة «بغداد» فيصبحُ سيفاً. وتلتحم في خطه كلمات قصيدة «الشريف الرضي» فنراها ولا نستطيع قراءتها «يا ظبية البان ترعى في خمائله، لِيَهنَكِ اليومَ إنّ القلبَ مرعاكِ. أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ، فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ».

 

ويبلغ «العاني» الذروة المعمارية في خطّ معلقة عنترة ابن شداد، حيث يُماهي غَضَبَ عنترة عندما عيّروه بسواد بشرته، فتتسامق أبيات المعلقة عمارة شاهقة مقلوبة على رأسها، قاعدتها الشطر الأول من القصيدة.

 

«هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدّمِ، أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ.

 

يَا دار عبلة بالجواء تكلمي، وعِمِي صباحاً دار عبلة واسلمي».

 

ولو كانت حيّة المهندسة المعمارية «زهاء حديد»، والتي تأثرت بالخط العربي، حسب أبرز أساتذتها، لألهمتها المعلقة بخط «العاني» تصميم عمارة لم يشهد العالم مثيلاً لها.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     سيناريوهات قيام الدولة الكردية.. تجارة أم إدارة!

 

   مرام داوود

 

    الراي اليوم بريطانيا
  

تنطلق في الخامس والعشرين من أيلول المقبل عملية الاستفتاء حول استقلال كردستان العراق عن الحكومة المركزية في بغداد بدعوة من رئيس الاقليم مسعود بارزاني الذي أعرب عن أنه سيفاوض حكومة بغداد على نتائج هذا الاستفتاء. بعبارة أخرى، يودّ القول إنه ليس استفتاءً ملزماً من الناحية القانونية خصوصاً عند التذكير أنّ البارزاني نفسه كان قد عقد العزم مرات عدة على استفتاء مشابه لكن سرعان ما تراجع متعذراً بأنّ الوقت غير مناسب، فما سرّ ملائمة الوقت هذه المرة لعَقِد استفتاء غير ملزم؟!

يُرجِع الصحفي الكردي السوري، آلان حسن، سبب الدعوة هذه إلى رغبة الكُرد في العراق للاستفادة مِن الفرصة الذهبيّة التي تسنَح لهم، حيث إنّ الحروب التي تندلع في منطقة الشرق الأوسط تجعل منها دول هشّة قابلة للتقسيم أكثر مِن أيّ وقت مضى، هذه الفرصة قد لا تتكرر في عقود قادمة.

بالإضافة إلى السخط الشعبيّ الكبير من الوضع الاقتصاديّ السيء في الإقليم، وغياب الديمقراطيّة، وانتشار الفساد بشكل واسع، وهو بذلك يركز على أنه لا بدّ من حدث جلل يغيّر أولويات المواطن الكردي العراقي عن حاجاته وحقوقه فيقول: ” يحصل الحزبان الرئيسيان هناك (الحزب الديمقراطيّ الكُردستانيّ -البارزاني-، وحزب الاتحاد الوطنيّ الكٌردستانيّ –الطالباني-) من خلاله على مكاسب سياسيّة، وشعبيّة فقداها خلال السنوات السابقة. فأزمة رئاسة الإقليم مثلاً خلقت عدّة أزمات أُخرى منها تعطيل البرلمان أواخر العام (2015) وإبعاد رئيسها يوسف محمد صادق عبد القادر، الذي ينتمي لحركة التغيير المعارضة، والتي تقف ضد الاستفتاء في الوقت الراهن، وتريد أنْ تكون الأولوية لحلّ الأزمة السياسية. وكذلك أزمة خليفة رئيس الإقليم مسعود البارزاني حيث يتنافس كل من نجله مسرور (مستشار مجلس الأمن في الإقليم)، وابن أخيه، رئيس حكومة الإقليم نيجرفان البارزاني (صاحب الإمبراطورية الاقتصادية) على شغل منصب الرئيس بعد أن أصبح بقاءه موضع خلاف بين التيارات السياسية الكُرديّة. كما أن خريطة التحالفات السياسية في الإقليم، يضعه في مستقبل غامض من جهة ارتباط تلك التحالفات بالمحاور الإقليمية والدولية. فحركة التغيير عقدت تحالفاً مع حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني (الذي انشقت عنه في 2007) فقابله الحزب الديمقراطيّ الكُردستانيّ بتفاهمات واسعة مع حزب الاتحاد الوطنيّ الكُردستانيّ نتج عنه الاتفاق على إجراء الاستفتاء المرتقب في الخامس والعشرين من أيلول.”. أضيف إلى ما ذكر الصديق آلان، مسألة تمويل بغداد للإقليم ومشاكل سوء الإدارة الاقتصادية والفساد الإداري والأزمات التي يعبر عنها أبلغ تعبير أزمة العاملين في القطاع الحكومي في الإقليم وفي مقدمتهم البيشمركة… وتأثير ذلك على السلطة السياسية والأمنية في الإقليم ومآلات تحول النخبة الأخيرة من مسؤولة عن إدارة الاقليم إلى عصبة من التجار. بتعبير آخر، حقيقة أن التغيير الوظيفي في طبيعة هذه النخبة أدى إلى الأزمات الداخلية الحقيقية في الإقليم، فيما استدعى إبعاد المشاكل الفعلية عن الإنظار باستنهاض المشاعر القومية.

بالإضافة هناك، مسألة ما بين داخلية وخارجية تهدد أمن الاقليم من زاوية بارزانية الرؤية وهي شعبية قوات سوريا الديمقراطية ذات السيطرة الكردية في محاربة تنظيم الدولة. هذه القوات المسيطر عليها من حركة المجتمع الديمقراطي تهدد مصالح إقليم كردستان العراق سواء وسط الأكراد أنفسهم خصوصاً بعد إعلان حركة المجتمع الديمقراطي لفيدرالية أحادية الجانب، أم دولياً إثر تركيز المجتمع الدولي على محاربة التنظيم الإرهابي وعليه –بالأخص الولايات المتحدة- فإنه يقدم ما استطاع لدعم القوات وكسب ودها. لقد أصبح هناك تنظيم سياسي كردي آخر يشارك البارزاني في تمثيل الأكراد، بعد أن كان هذا التنظيم لعقود سابقة مصنفاً على أنه تنظيم إرهابي.

لكن، ومن سوء حظ الشعب الكردي تاريخياً أن تقرير مصيره مؤجل بالغالب لأسباب خارجية أكثر منها داخلية، رغم أهمية الأخيرة في صياغة الحركة السياسية الكردية عبر التاريخ. يشير أحد السياسيين السوريين الكرد في كردستان العراق أن أسواق السليمانية – مدينة ذات غالبية مؤيدة للطالباني- تعج بالمنتجات الإيرانية على عكس أربيل –ذات الغالبية المؤيدة للبارزاني- التي تعج في أسواقها المنتجات التركية. ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، وبل سياسياُ أيضاً فإن العلاقات الكردستانية التركية في أحسن أحوالها وقد لا يشوبها سوى إعلان هذا الاستفتاء الذي من شأنه خلق محور الجوار –دمشق، أنقرة، طهران، وإلى حد ما بغداد-. ورغم أن الحديث عن إعلان الدولة الكردية يراه بعض المحللين ملهماً لأكراد تركيا بالدرجة الأولى للانفصال واللحاق بسابقيهم، وهو أمر مستغرب الحقيقة لأنهم لا يحتاجون إلى مثل هذا الإلهام، لكن لا تبنى السياسة الخارجية –خصوصاً مع وجود علاقات اقتصادية مهيمنة إلى حد كبير- على العواطف و ردود الفعل بل تبنى غالب الأمر على المكائد. كما ذكرت سابقاً حول مسألة قوات سوريا الديمقراطية والكرد السوريين، فقد تصطف أربيل مع محور الجوار ولو جزئياً على حساب حصار الأوجلانيين في تركيا وبالأكثر في سوريا باعتبارهم أقرب لتهديد حق البارزاني في وحدانية التمثيل الشرعي للشعب الكردي قاطبة. وعليه فقد ترى دولاً مثل تركيا وإيران استقلال الاقليم وقيام الدولة الكردية حلاً لمواجهة المعارضة الكردية في الداخل ونفيها إلى “كردستان” الوطن الأم.

أخيراً، قد تكون مشكلة الاستقلال هي كمشكلة BREXIT، فبكل تأكيد الغالبية القصوى ستصوت من أجل الاستقلال عن العراق ولكن كمشكلة أحزاب المعارضة البريطانية التي اتفقت على الخروج من الاتحاد الأوروبي لكن اختلفت حول آلية الخروج ما أوقعها في أزمة سياسية وشعبية، فإن مصير أحزاب الإقليم مشابه إلى حد كبير. غير أن الأزمة مركبة أكثر على اعتبار أن الاستقلال قد يكون حتميا وقد يكون مدعوماً –إذا اضطر الأمر- من دول الجوار التي تعارض قيام دولة كردية على أراضيها أصلا لكن قد تجد في ذلك حلاً لمشاكلها الداخلية، طبعاً إذا لم يتم الاشتباك بين قوات سوريا الديمقراطية والحشد الشعبي وعليه يسهل أوتوماتيكيا إكمال عملية الاستقلال.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7  الاستفتاء الكردي  حمادة فراعنة

 

    الدستور الاردنية
 

 

 

حتى يحترم عروبتك، عليك ان تحترم كرديته وأمازيغيته وشركسيته وافريقيته، ومن اجل ان يحترم إسلامك عليك ان تحترم مسيحيته، ولن يحترم سنيتك ان لم تحترم شيعيته، تلك هي معادلة الحياة وعدالتها، القائمة على المساواة والتعددية واحترام الاخر، وغير ذلك عنصرية وأُحادية ومرض لن يقوى على الصمود.

إحترام الاخر لا يعنى انه على الصواب، وإنك على خطأ، أو إنك الصواب وهو دون ذلك، ولكنها المعادلة التي توفر التعايش والتراضي والشراكة بين بني البشر، فالاصل هو التعددية بين الذكر والانثى، بين الابيض والاسمر، بين الانسان والحيوان، ولكل مكانته وهويته وضرورته لاستمرارية الحياة وتوازنها.

لقد تعرضت ارض الكرد الى التمزيق المتعمد وتوزعت جغرافيتها بين العراق وسوريا وتركيا وإيران، وتشتت القومية الكردية بين البلدان الاربعة، وحملوا مواطنتها وجنسيتها، والاقسى من ذلك انهم حرموا من ممارسة هويتهم وإنتمائهم وقوميتهم ولغتهم وثقافتهم الخاصة بهم، وجرت المحاولات التعسفية لتعريبهم وجعلهم أتراكاً وإيرانيين، عُنوة، ولكنها محاولات تعسفية اصطدمت بإرادة الكرد ورفضهم واستطاعوا انتزاع حضورهم بدءا من العراق الذي كان اول المبادرين من قبل الرئيس الراحل صدام حسين بمنحهم الحكم الذاتي لكردستان العراق، وها هي سوريا تسير بنفس الاتجاه تحت ضغط عوامل خارجة عن ارادتها، ولم يكن ذلك بمبادرة من قيادتها، أما تركيا وإيران فالموقف عدواني متطرف ضد أي تعبير عن قوميتهم الكردية.

عوامل نجاح الكرد في العراق، وفي سوريا على الطريق، أرعب انقرة وطهران، فاذا كان الكرد ستة ملايين في كردستان العراق، ومليونين لدى سوريا، فهم 12 مليونا في تركيا وأكثر من عشرة ملايين في ايران، وهذا ما دفع اردوغان لاعادة النظر في كل سياسته نحو سوريا وانقلب 180 درجة من موقف دعم المعارضة السورية المسلحة في محاولة لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، الى موقف قبوله والتكيف معه وإقفال حدود تركيا في وجه المتطوعين الاجانب لصفوف المجاهدين، باستثناء الفصائل المسلحة التي لديها الاستعداد لمواجهة الحركة الكردية، وأكثر من هذا لقد وقع التفاهم بين انقرة وطهران، وزيارة رئيس الاركان الايراني لتركيا والتفاهم بينهما لمواجهة العدو المشترك والاكثر خطراً على البلدين من التوجهات القومية الكردية والاستفادة من تجربتي الكرد في العراق وسوريا، ولذلك تعمل تركيا وإيران ضد المحاولات الكردية الصاعدة وطمسها قبل ان تستفحل وتتسع وتسود.

الكرد باحزابهم المختلفة قرروا في اقليم كردستان العراق إجراء الاستفتاء كخطوة على طريق تقرير المصير، وصولا نحو الاستقلال، وهي خطوة لن يتراجعوا عنها، لا اذا وجدوا الحضن العربية الدافئة لهم في بغداد، وبغداد اليوم ليست حاضنة وليست دافئة للكرد بل وللعرب انفسهم، فالتشتت المذهبي والتمزق الولائي، بين السنة والشيعة المفتعل، من خلال تدخلات إقليمية لجعل العراق اسيراً لمصالح البلدان المجاورة له، كي يواصلوا اللُعب في أحشائه، من قبل تركيا وايران والسعودية على قاعدة المصالح المتعارضة، وصراع النفوذ السياسي الامني، والاقتناص من ماضيه، ومعاقبته على افعال قيادته السابقة في عهد البعثيين.

حق تقرير المصير حق مشروع لكل قومية، ولكل فئة اجتماعية طالما تشعر بالغبن من الوضع القائم، وهذا ينطبق على الكرد، ولن يردعهم سوى إحساسهم بالشراكة وقبول التعددية، وتكافؤ الفرص لكل المواطنين في بلدهم بصرف النظر عن قوميتهم او ديانتهم أو مذاهبهم، فالعراق قوته في تعدديته، وليس عبر هيمنة القومية العربية على القومية الكردية أوبالعكس، أو هيمنة الشيعة على السنة أو بالعكس، إن المعادلة الطبيعية التي تحمي العراق من الانقسام والانفصال هي الاقرار الحقيقي الجدي الملموس في احترام الاخر، والتي قد تدفع بالكرد كي يصوتوا ضد الاستقلال عن العراق، وبقاء وحدتهم وترابهم وقوميتهم وإقليمهم جزءا من أرض العراق الموحد.

صحيح أن الاستقلال وحق تقرير المصير والتحريض سياسة معلنة من قبل المشروع الاستعماري الاسرائيلي وتحريضهم ليس حباً بالكرد، أو احتراما لهم، بل مصلحة اسرائيلية عدوانية بهدف اضعاف العراق وتمزيقه، وشله عن تأدية دوره في اسناد الشعب الفلسطيني وهذا لن يدفعنا الى التراجع عن حق الكرد بالاستفتاء وتقرير المصير، فالقصد هو احترام الكرد حتى يحترموا قوميتنا ومصالحنا وعروبتنا ووحدة ترابنا الوطني.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8  الشيعة العرب

 

 عريب الرنتاوي

 

    الدستور الاردنية
 

 

ما كان لإيران أن تحظى بكل هذا النفوذ في أوساط الشيعة العرب، لو أن حكومات ما بعد الاستقلالات العربية، نجحت في بناء دولة المواطنة الفاعلة والمتساوية، دولة جميع أبنائها وبناتها، دولة جميع مكوناتها وكيانتها … فشل الدولة الوطنية العربية الحديثة، كان سبباً رئيساً في تحوّل قطاعات واسعة من الشيعة العرب إلى “رؤوس جسور” للنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.

ما ينطبق على الشيعة العرب، ينطبق بقدر أكبر أو أقل، على مكونات أخرى، فلو أن أكراد المنطقة جرى إدماجهم في دولهم ومجتمعاتهم، على قاعدة الاعتراف بمواطنتهم وحقوقهم الوطنية كأقلية قومية، لأمكن توفير الكثير من الدماء والدمار في حروب عبثية، ولما تفاقم الميل الانفصالي عند غالبيتهم الساحقة، ولما تحول بعضهم إلى رأس جسر أيضاً للنفوذ الإقليمي في المنطقة، ولما تفاقمت الخشية من “إسرائيل ثانية” كما يردد البعض منّا محقاً أو متطيراً.

لا تستطيع حكومة أي دولة من دول الانتشار الشيعي في العالم العربي، أن تزعم بأن هذه الفئة من مواطنيها كانوا يعاملون بالسوية ذاتها مع بقية المكونات والمواطنين الآخرين … فالمظلومية الشيعية أكبر من أن تغطى في ظل الحقائق التي استبطنتها مئات الأبحاث والتقارير وألوف التغطيات الصحفية، عن “المحرومين” في لبنان مثلا مروراً بعمليات العزل والإقصاء والسقوف الخفيضة التي ظل هؤلاء يمارسون حياتهم تحتها.

ولا يمكن القبول بنظرية أن “المستبد العادل” وزع استبداده بالقسطاس بين مختلف المكونات التي تشكل مجتمعاتنا، فالقول على سبيل المثال، إن صدام حسين على سبيل المثال، كان ديكتاتوراً على الجميع بلا استثناء، لا يلغي حقيقة أن حصة الشيعة العراقيين من جبروته، لا يعادلها سوى حصة الأكراد منه … صحيح أن أهل السنة من عرب العراق، لم يسلموا من طغيانه واستبداده، لكن الصحيح كذلك أن حصة هذين المكونين من عقوباته الجماعية، كانت الأكبر والأفدح.

إلى أن وصلنا إلى الانقسام المذهبي الأخطر في المنطقة، أو “الشرخ القاريّ” الذي قسمها إلى شطرين متصارعين في سنوات العربي السبع الفائتة، هنا جرى الزج بمكونات اجتماعية إضافية للارتماء في الحضن الإيراني، من خطاب الكراهية ضد علويي سوريا، وانتهاء بحروب علي عبد الله صالح الست ضد الحوثيين.

اليوم، خرج “المارد الشيعي من قمقمه” على وقع الهزائم التي منيت بها الولايات المتحدة والفراغ الذي تركته في العراق من جهة، وتنامي نفوذ حزب الله في لبنان والإقليم بعد حرب التحرير في 2000 وعدوان تموز في 2006، فضلاً عن هزيمة المحور “السني” المدعوم أمريكياً في سوريا، و تطورات اليمن.

بعض رموز الشيعة العرب، أخذوا يتذمرون من النفوذ المهيمن للمدرسة الإيرانية، مدرسة ولاية الفقيه، في أوساطهم، رأينا حالات تمرد على الثنائي الشيعي في لبنان، ورأينا ميلاً استقلالياً جارفاً عند رجل السياسة والدين مقتدى الصدر، ورأينا انبثاق تيار الحكمة على حساب المجلس الأعلى، ونرى شروخاً داخل الدعوة بين المالكي والعبادي، ونستمع لأصوات من هنا وهناك، تعبر عن ضيقها بمصادرة الهوية الوطنية الخاصة للشيعة العرب، ومحاولة فرض مدرسة واحدة وقراءة واحدة عليهم جميعاً، هي المدرسة الإيرانية وقراءة الولي الفقيه… وهناك أصوات تخشى على مستقبل الشيعة من مسلسل الانتقام المتبادل الذي يطل برأسها من بين ثنايا التطورات والأحداث التي تشهدها دولنا ومجتمعاتنا بتسارع لافت.

مثل هذا الميل، يعيد التذكير بأن أصل التشيع، عربي بامتياز، وهو سابق لتحول إيران في عهدها الصفوي نحو هذا المذهب، ويعيد التذكير بالتباين حتى لا نقول بالانقسام، بين المدرسة العربية والمدرسة الفارسية في التشيع … وهو تباين يتقلص كلما نظرت الحكومات والفاعلين الاجتماعيين للشيعة العرب بوصفهم رعايا لا مواطنين، وتتسع حدته كلما تكرس مفهوم المواطنة المتساوية ودولة المواطنة المدنية الديمقراطية في عالمنا العربي.