5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 قصة الأكراد ودولتهم المستقلة

 

عبدالله جمعة الحاج

 

الاتحاد الامارتية
 

 

في العراق يدور اللغط حول إجراء استفتاء لإقامة دولة كردية مستقلة، وهو استفتاء لو أجري ونجح فإنه يعني تفكك الدولة العراقية التي تمخضت عن انهيار الدولة العثمانية واتفاقية سايكس-بيكو التي حددت تقاسم المنطقة بين الدول الاستعمارية الأوروبية، وهو أمر قد تكون له تداعياته السلبية على العديد من دول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي وعدد من دول آسيا الوسطى، فقد تقتطع أجزاء من إيران وسوريا وتركيا وبعض دول وسط آسيا، وقد تنهار دول بكاملها خاصة العراق وسوريا.

 

في الدول الإقليمية التي يقطنها الأكراد تتواجد أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة منذ أمد بعيد، وتلك الأوضاع لازالت تقود إلى مآس تراجيدية محزنة لهذه القومية القديمة المتواجدة في المنطقة، والتي يقدر تعدادها ما بين الأربعين إلى الخمسين مليون نسمة. ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حول التوزيع الديموغرافي للأكراد، إلا أن تقديرات غربية تشير إلى أن 21 بالمائة منهم موجودون في تركيا و20 بالمائة في العراق، و10 بالمائة في سوريا، و10 بالمائة في إيران، ويتوزع الباقون على عدد من دول آسيا الوسطى.

 

الأكراد مجتمعون يشكلون أكبر مجموعة إثنية بعد العرب والفرس في المنطقة العربية وتركيا وإيران الذين لا تتواجد لهم دولة وطنية مستقلة خاصة بهم.

 

الأغلبية العظمى من الأكراد مسلمون سُنة يتحدثون الكردية والإيرانية والعربية والتركية، ونحو نصفهم يعيشون في المدن والمناطق الحضرية. وتقليدياً يرتبط ولاء الأكراد بالقبيلة والعشيرة والأسرة الممتدة التي تدير شؤونهم في مناطقهم وتجمعاتهم. وهذه الولاءات ليست ذات طابع سياسي صرف فقط، بل هي ذات طبيعة قبلية وعشائرية وأسرية قوية. ففي العراق مثلاً، تترأسهم وتقودهم منذ أمد طويل أسرتان، هما أسرة الملا مصطفى البرزاني، الذي يترأس ابنه مسعود حالياً إقليم كردستان العراقي، وأسرة جلال الطالباني، الذي كان رئيساً للجمهورية بعد الغزو الأميركي للعراق.

 

في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، بقي الأكراد أقلية عرقية غير قادرة على إقامة الدولة الوطنية المستقلة الخاصة بها، وبقوا في صراع مستمر مع الحكومات المركزية للدول التي يعيشون فيها للحصول على أكبر قدر من الاستقلالية لإدارة شؤونهم الخاصة.

 

وفي سياق ذلك، تمكن الأكراد الإيرانيون من إقامة دولة وطنية خاصة بهم ما بين العامين 1945-1946 ولفترة قصيرة جداً بدعم من الاتحاد السوفييتي السابق، لكن الحكومة المركزية في طهران قمعتها بقوة شديدة، وقضت عليها في مهدها. الدولة الوحيدة التي تمكن الأكراد فيها من الحصول على شيء من الحكم الذاتي هي العراق التي يشكلون فيها تهديداً حقيقياً لسلطة الحكومة المركزية في بغداد، وهو تهديد مستمر ويتفاقم حتى كتابة هذه السطور، أما تركيا فقد قمعت الأكراد وتضطهدهم بقسوة متناهية الى درجة أن الأتراك لايعترفون بهم كقومية ذات ثقافة ولغة وعادات وتقاليد خاصة بهم وتسميهم بـ«أتراك الجبال»، وهو أمر يولد اتهامات دولية قوية ضد تركيا بانتهاك حقوق الإنسان وممارسة القمع والتنكيل.

 

ومنذ عام 1978 والحكومة التركية تشتبك في صراع مرير مع العديد من المجموعات الكردية المعارضة المطالبة بالاستقلال وإقامة كيان خاص بالأكراد انطلاقاً من ديار بكر في جنوب تركيا، أهمها، حزب العمال الكردستاني الذي يقوده عبدالله أوجلان المعتقل حالياً في السجون التركية.

 

في العراق، يستغل الأكراد انشغال الحكومة المركزية بحروبها الخارجية ومآسيها الداخلية، وتقوم ميليشياتهم المسلحة بالسيطرة على أجزاء واسعة من شمال العراق. وفي عهد حكم حزب «البعث» السابق وفي أغسطس 1988 تحديداً، قام الجيش العراقي السابق بمهاجمة مناطق الأكراد بقوة وبروح انتقامية قاسية، رداً على تمرد الأكراد، ومحاولتهم الانفصال عن الدولة العراقية، فتم تدمير العديد من القرى والبلدات وترحيل قاطنيها إلى مخيمات الاعتقال في أجزاء أخرى من العراق.

 

وكان أشد الأمور مرارة هو استخدام الأسلحة الكيميائية حين قامت القوات العراقية في مارس 1988 بضرب مدينة حلبجة الحدودية، لكن بعد إخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1991، كرر الأكراد القصة نفسها، حين استولت ميليشياتهم على معظم مناطق الشمال العراقي.وللحديث صلة.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 الاستفتاء الكردي.. اختبار لمناعة النظام العربي

 

  محمد المختار الفال

 

 

 الحياة السعودية
 

 

< بداية، وقبل أي سوء فهم أو تفسير غير موضوعي، أقر بأن الإخوة الأكراد تعرضوا للكثير من المظالم على يد أنظمة متجبرة قاسية تقود الناس بالقهر وتكمم الافواه وتغتال الحريات وتسلب حق الاختيار، وأن الإنصاف والموضوعية يقتضيان تقدير حجم الضغط الذي وقع عليهم وأن صبرهم على المكاره له حدود، وأن من حقهم أن يديروا حياتهم، كغيرهم من المجتمعات، والاعتراف بكامل حقوقهم الإنسانية والسياسية والثقافية.

 

هذه مقدمة ضرورية لتكون مدخلاً للحديث عن مشروع قيام دولة كردية في شمال العراق وهو الأمر الذي يتجاوز تأثيره الأكراد إلى غيرهم من الشعوب والدول في المنطقة. والاستفتاء المتوقع في الـ25 من الشهر المقبل (سبتمبر) يطرح العديد من علامات الاستفهام الباحثة عن إجابات ومنها: هل قبول الدول الكبرى للاستفتاء مصدره الالتزام بحق تقرير المصير والدفاع عن الحقوق المشروعة للأكراد؟ وما هي ملامح التغير في مواقف الدول الإقليمية تجاه هذا المشروع؟ ثم السؤال المحوري والباعث على هذه السطور: أين النظام العربي من الاستفتاء؟ وما هي أخطاره على الأمن القومي، إن كان يصح الحديث عنه بعد حال التمزق والشتات؟

 

من المعروف أن دول المنطقة، ومعها الدول الكبرى، ظلت مجمعة طوال العقود الماضية، باستثناء النظام الصهيوني في فلسطين المحتلة، على الوقوف ضد قيام دولة كردية مستقلة على رغم ما تعرض له الأكراد على يد أنظمة صدام وإيران وتركيا، إذ كانت هذه الدول، على رغم خلافاتها ونزاعاتها التي وصلت الحرب وأزهقت ملايين الارواح، متفقة على الحيلولة دون قيام دولة كردية يمكن ان تشكل «نقطة ارتكاز» تلتف حولها إرادة شعب عنيد مقاتل كالأكراد، لكن الأحوال تغيرت والمعطيات تبدلت ورمال الأطماع تحركت تحت أقدام الكثيرين ليندفع البعض إلى الأمام ويتراجع البعض إلى الخلف بل ويسقط البعض في هوة ودوامة احترابات داخلية شلت قدراته وأعمت بصيرته عن رؤية ما يخطط له، فاختلط الاستراتيجي بالتكتيكي بعد غزو أميركا للعراق وهبوب رياح ما سمي بالربيع العربي الذي فجر صبر شعوب ضد انظمتها الفاسدة. وكانت «جناية» بوش الابن قاتلة إذ أدخلت المنطقة في «جهنم الفوضى الخلاقة» التي تفجر معها التوحش والإرهاب وبروز التنظيم الدموي «داعش» واستيلاؤه على الموصل، ذلك اللغز الذي لم تتكشف كل أبعاده حتى الآن، على رغم ما قيل ويقال عن «مؤامرة تسمين» وحش داعش وتسليمه الموصل لاتخاذه ذريعة للقضاء على الثقل العربي السني في العراق والتمهيد لمد جسور الهيمنة من طهران إلى الضاحية الجنوبية، وزاد الطين بلة غباء وعماية النظام الطائفي الذي حكم العراق زمن نوري المالكي، فقد هوت به الأحقاد الطائفية وقصر النظر وشهوة الهيمنة إلى الوقوع في أخطاء كارثية مزقت النسيج الاجتماعي العراقي وبثت الكراهية وتعاظمت المظالم واستشرى الفساد مع إضعاف الدولة المركزية وتآكل الثقة بإمكان التعايش معها.

 

هذه كلها عوامل دفعت، بل شجعت، روح الاستقلال لدى الأكراد وفتحت الأبواب مشرعة لدخول كل الذين كانوا يتحينون الفرص لتحقيق أمل «تمزيق» الخريطة العربية والوصول إلى مخطط «الدويلات» العرقية والطائفية والدينية. واليوم المشهد تجاه «استقلال» كردستان طرأت عليه متغيرات على رغم ثبات بعض المواقف، فالموقفان الإيراني والتركي ازدادا تمسكاً بالمعارضة بل ارتفعت حدتها ما أوصل الدولتين «المتنافستين» على النفوذ في المنطقة إلى التنسيق وتوحيد الجهود وتطوير الآليات سعياً لتعطيل المشروع وربطه بأحداث المنطقة وإمكان «خلط الأوراق» التي تستثمر «لعبة الوقت»، والصهيونية العالمية، ورأس حربتها حكومة نتانياهو، تحركت لدعم الاستفتاء وتقليل المعارضين له في الدوائر التشريعية والسياسية في الولايات المتحدة وأوروبا بل وحتى روسيا التي يختلف موقفها في هذه القضية عن موقف «حليفتها» إيران، ولم تعد إسرائيل تخفي بهجتها بهذا الحدث كما لم يعد الأكراد، في غالبيتهم، يتحرجون أو يخفون علاقاتهم بحكومة تل أبيب، فالمهرجانات المشتركة باتت معلنة والوفود الاقتصادية والثقافية والأجهزة الامنية لا تتوقف.

 

فأين العرب من هذا الذي يجري؟ وهل هناك عرب مؤيدون لانفصال كردستان عن محيطها العربي؟ وما هي النظرة المستقبلية لهذا الموقف؟ وهل هو موقف يعبر عن إرادة حرة تراعي المصالح الوطنية العليا أم هو نتيجة للوقوع تحت ضغوط دولية في إطار «ترتيبات» لحلحلة تشابكات قضايا المنطقة، الطارئة والمزمنة؟

 

من المجازفة الزعم بالقدرة على تقديم إجابة شافية يطمئن إليها عن هذه التساؤلات، لكن ليس مجافياً للعقل ولا مخالفاً للاستقراء المنطقي المعتمد على قراءة الواقع والمعرفة، النسبية، لأهداف اللاعبين المؤثرين، القول إن ما يلاحظ من صمت عربي عام وإشارات رسمية خافتة وتقارير وآراء صحافية حول هذا الأمر يدعو إلى الاستنتاج بأن العرب، في عمومهم، ليسوا ضد «انفصال» كردستان عن العراق، وهنا يتجدد السؤال بصيغة أخرى: لماذا يؤيد العرب هذا المشروع؟ ومن المستفيد من تفكيك المكون «السني» في العراق؟

 

لا أحد يزعم تطابق مواقف العرب السنة والأكراد في بلاد الرافدين ولا تشابه أوضاعهم وإمكاناتهم أو مطالبهم لكن بقاء هذا البلد موحد، والبحث عن حل الخلافات في إطار الوحدة يعطلان مشروع تقسيم العراق إلى «دويلات ثلاث» فهذا المشروع إذا تحقق لن يكون الأخير في المنطقة، خصوصاً أن الساعين لتحقيقه على أرض الواقع يرون أن حال «ترهل النظام العربي» وانتشار «فايروس» التطرف والإرهاب ومخاطر التشدد الذي يبث الكراهية والشكوك في المجتمعات العربية، كسرت «حائط الصد» النفسي الذي كان يشكل الواقي الحقيقي ضد كل مشاريع التقسيم والتفتيت على مر القرون الماضية.

 

مرة أخرى، ليس من الإنصاف مطالبة الأكراد باستمرار الصبر على الظلم وهضم الحقوق، ولكن إذا كانت بغداد حريصة على بقائهم في دائرة وحدة وطنية تضمن لمواطنيها التساوي في الحقوق، فإن عليها اتخاذ الخطوات العملية لتمكينهم من حقوقهم الدستورية غير المنقوصة، وحينها تصبح مكاسب «الوحدة» متحققة في حياة الجميع.

 

ثم هل بقي في «الجنازة» الجامعة العربية عروق تنبض لتحمل من دماء المصالح المشتركة ما يحمي من «تفتت» العراق الذي يمهد لتشظي بقية الخرائط؟

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   عن استقلال كردستان وإسرائيل وأشياء أخرى

 

 هوشنك أوسي

 

  الحياة السعودية
   

حين هاجمت إسرائيل ثلاث دول عربيّة في حزيران (يونيو) 1967، وهزمت جيوشها، أعلن الزعيم الكردي الملا مصطفى بازراني وقف إطلاق النار، من جانب واحد، ضد الحكومة العراقيّة. ولم يقبل أن يكون مع إسرائيل ضد العراق والعرب. كذلك حين شاب التوتر الاتفاق المبرم بين نظام أحمد حسن البكر – صدام حسين وبارزاني سنة 1971 وبدا على وشك الانفجار، أبرق بارزاني الأب إلى بغداد قائلاً ما معناه: إذا كنتم تودون المشاركة في حرب 1973، فاطمئنوا. لن نهاجمكم من الخلف. فردّ النظام العراقي السابق على موقف بارزاني بتوقيع الاتفاق مع شاه إيران، (حليف إسرائيل وأميركا)، سنة 1975 في الجزائر، بوساطة أميركيّة (وربما إسرائيليّة أيضاً)، وسحق الاتفاق الكردي – العراقي المبرم سنة 1971!

 

هذا الموقف الأخلاقي – السياسي الكردي الصادر عن بارزاني الأب، لا تذكره أو تتذكره نخب عربيّة كثيرة، حين تتناول بكثير من الغبن والظلم حق الكرد في تقرير مصيرهم وقيام دولتهم. ومع ذلك، فالموقف الكردي، على المستوى الشعبي والسياسي والثقافي، المؤيد والمساند للقضية الفلسطينيّة وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه التاريخيّة، مختوم بدماء مئات الشهداء الكرد من سورية والعراق وتركيا ضمن الفصائل الفلسطينيّة. ولم يتغيّر الموقف الكردي من هذه القضيّة العادلة، حتى بعد صدور تصريحات مشينة ومهينة من قيادات سياسيّة فلسطينيّة بارزة، حاولت تبرير الإبادة الجماعيّة التي مارسها صدام حسين بحق كرد العراق سنة 1988، حين قُصفت حلبجة بالكيماوي الصدّامي – البعثي (المساند للقضية الفلسطينيّة). وقتذاك، قال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قولته السوداء المشهورة، الجارحة للوجدان الكردي، والمؤذية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني أيضاً: «وهل تريديون من صدّام أن يقصف الكرد بالورد؟!».

 

هذا الكلام، وتصريحات أخرى منسوبة لقيادات حركة «حماس» تدافع عن إرهاب الدولة التركيّة والبعثيّة – الأسديّة بحق الكرد، كل ذلك لم يدفع النخب الكرديّة إلى التراجع عن دعم وتأييد الحق الفلسطيني العادل والمشروع في إقامة دولته. فما فعله الكرد وقدموه للقضيّة الفلسطينيّة هو أضعاف أضعاف ما قدّمه الفلسطينيون للكرد والقضيّة الكرديّة. ولو كان هنالك حقاً دعم إسرائيلي حقيقي وجدّي لقيام دولة كرديّة، لكان اللوبي اليهودي مستنفراً في الغرب وعواصم القرار الدولي لمصلحة هذه الدولة، ولربما كانت كردستان مستقلة منذ السبعينات.

 

مناسبة هذا الكلام هي حالة التحشيد والتأليب والنفخ في جمر الأحقاد والكراهية ضد الكرد، في بعض الأوساط العربيّة، ووصف الكرد بأشنع النعوت، لمجرّد أنه صدر تصرّف فردي وطائش من شخص أو اثنين أو عشرة…، بحمل العلم الإسرائيلي في مناسبة كرديّة بألمانيا. والحق أن هذا الانزلاق نحو العدوانيّة والتعاطي العنصري والتخويني مع الكرد وحقوقهم وعدالة قضيتهم ومطالبهم، هذا السلوك قديم – جديد، وفي حاجة إلى «نكشة» حتى يعيد الإفصاح عن نفسه بشراسة، «يفترض» أن تكون ضد إسرائيل، وليس ضدّ الكرد!

 

ومع الأسف، ينزلق بعض الكرد أيضاً إلى ردود فعل طائشة، لا تراعي حساسيّة العرب والمسلمين والفلسطينيين تجاه دولة عنصريّة، تمارس الإرهاب المنظّم ضد الفلسطينيين، وتهضم حقوقهم وترتكب بحقهم الجرائم. ولأنها أفعال طائشة، فهي لا تدرك أنها بهذه الطريقة تسيء إلى القضيّة الكرديّة والسعي الاستقلالي لإقليم كردستان العراق. فلو كان العلم الإسرائيلي علم دولة ديموقراطيّة، لا تضطهد شعباً، أو لو كان علم حركة تحرر وطنيّة، أو علم دولة مظلومة محاصرة، لقلنا إن الكرد يتضامنون مع هذه الدولة المحاصرة الضعيفة المستضعفة أو هذه الحركة التحررية، لكن الأمر خلاف ذلك تماماً. فإسرائيل، وفق تقارير منظمات دوليّة حقوقيّة دوليّة، دولة مدانة. وهنالك قرارات كثيرة صادرة عن الأسرة الدوليّة، ترفض إسرائيل تطبيقها. ويكفي فقط إدخال عبارة: «القرارات الدولية التي لم تطبقها إسرائيل» في محرك البحث غوغل، حتى يتعرّف المرء الى عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة، ومؤسسات دوليّة أخرى، من هذا النوع!

 

معطوفاً على ما سبق، فاتفاق السلام الذي وقّعته إسرائيل مع الفلسطينيين في أوسلو، لم تلتزم به تل أبيب. فما الذي يغري بعض الكرد إذاً برفع العلم الإسرائيلي في نشاط كردي؟!

 

ما هو في حكم المؤكّد أن هذا السلوك الاعتباطي الذي يصدر عن بعض الكرد، سواء الذين يرفعون العلم، أو المدافعين عن ذلك، أو الذين يحاولون لفلفة الأمر وتجاهله…، هؤلاء، قاسمهم المشترك هو ردّ الفعل على الكثير من المواقف العربيّة، الشعبيّة والرسميّة، المتشنّجة والعنصريّة (إلا ما ندر ورحم ربّك) من المطالب والحقوق الكرديّة. فالشارع العربي – السنّي، يدافع عن تركيا ويتبنّى مواقفها وسياساتها القمعيّة والإرهابيّة ضد الشعب الكردي ومطالبه في تركيا. والشارع العربي – الشيعي، يساند إيران في كل ممارساتها وسياساتها بحق الكرد، بل بحق مجمل منطقة الشرق الأوسط. وهذا مع وجود استثناءات قليلة في الجانبين.

 

وعليه، لا يمكن إنكار وجود ما يشبه «الإجماع» العربي على مناهضة الحقوق الكرديّة، ومن الطبيعي أن يخلق هذا ردّات فعل كالتي نراها هنا أو هناك، بخصوص إسرائيل، من أن الأخيرة لم تعتدِ على الكرد، وأنها تساند قيام الدولة الكرديّة، ولا حرج بالتالي من رفع علمها!

 

مع ذلك، فالمزاج السياسي والثقافي الكردي العام يقف مع حقوق الشعب الفلسطيني، وبالضد من الممارسات والسياسات التي تمارسها تل ابيب بحق الفلسطينيين، ودانها المجتمع الدولي.

 

إن هذه الأسطر سيعتبرها بعضهم من الجانب الكردي ضرباً من محاولات «إرضاء العرب» أو أنها «تقمّص لشخصيّة الفلسطيني أكثر مما يفعل الفلسطينيون أنفسهم» الخ… كذلك سيعتبرها بعضهم من الجانب العربي «تبريراً لرفع العلم الإسرائيلي، ومحاولة مسك العصا من الوسط» الخ…! وخلاصات واستنتاجات وأحكام قيمة كهذه لا تصدر إلا أثناء انعدام الحجّة ومنازلة الفكرة بالفكرة. وأيّاً يكن من أمر، فكردستان تسير نحو الاستقلال، وكل هذه السجالات من أعراض هذه المرحلة الانتقاليّة، وسوف يطويها الماضي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  كي يتحرر إعمار الموصل من الفساد

 

 حسام الطائي

 

   الحياة السعودية
   

تحررت الموصل بعد صراع مرير مع تنظيم «داعش» الإرهابي والذي تسبب في كارثة تشبه الاحتلال المغولي للعراق.

 

الحكومة العراقية أطلقت الخطوة الأولى لإعادة الإعمار، وهي مشروع الـمئة يوم لإعادة الماء والكهرباء وبعض الخدمات الأساسية لتسهيل عودة النازحين، والبدء في عملية إطلاق رواتب الموظفين المتوقفة.

 

لكن إعادة إعمار الموصل التي تحتاج، وفق آخر التقديرات، الى ١٠٠ بليون دولار، لا تعني تخصيص الأموال فقط، لكن هناك عوامل أخرى مهمة تساهم في دفع عجلة الإعمار، أولها مكافحة الفساد المالي. فالمخصصات المالية في العراق تخرج من بغداد وتصل الى المحافظات منقوصة بسبب فساد المسؤولين عنها. ومن عام ٢٠٠٣ حتى اليوم ضاعت البلايين على مشاريع لم تنجز ضمن ما يسمى إعادة إعمار العراق، وبعدها مشاريع إعادة بناء البنية التحتية، ومشاريع تطوير المحافظات العراقية، وبالتالي فإن إعادة إعمار الموصل لن تكون مختلفة عن هذه المشاريع، فقد تخصص الأموال اللازمة من الحكومة والدول المانحة والمنظمات، لكنها ستصل منقوصة، بسبب الفساد المالي.

 

العامل الثاني: القضاء وهيئة النزاهة لا يستطيعان اتخاذ قرارات حاسمة ورادعة تجاه الفاسدين من السياسيين وقادة الأحزاب الذين يملكون أذرعاً في مفاصل الدولة تسرق المال المخصص للمشاريع، فهؤلاء يؤثرون في القضاء وهيئة النزاهة ويعوقون عملية التحقيق والمحاسبة، وبذلك سيستمر الفساد المالي الذي يعوق عملية إعمار الموصل.

 

العامل الثالث: تأسيس اللجان المشتركة بين العراق والدول المانحة والمنظمات الدولية، فعلى الحكومة العراقية أن تعمل بشفافية وتركز على كيفية الحفاظ على أموال إعادة الإعمار، بتشكيل لجان لمتابعة صرفها، ومن المسؤول عنها وكيفية اختياره، وكيف يتم صرفها، وما هي المشاريع التي ستبدأ بها عملية إعادة الإعمار، مع طلب لجان مراقبة من جانب الأمم المتحدة لتساهم في ضبط صرف الأموال على المشاريع، وإظهار رغبة الحكومة وجهودها للمجتمع الدولي، فهذا الأمر يشجع الدول المانحة والمنظمات الدولية على المساهمة أكثر في مشاريع إعمار الموصل.

 

أيضاً هناك ثلاث جهات يجب أن تساهم في هذه العملية: الأولى، الدولة بقدراتها، حيث إعمار الطرق والجسور وشبكات الكهرباء والماء وغيرها من أساسيات المدن، وعلى الدولة توفيرها للمحافظات. الجهة الثانية: هي شركات البناء العراقية، التي تعمل مع الحكومة ومجلس المحافظة، ويجب اختيارها على أساس المراجعة المسبقة لتاريخها، مثل المشاريع التي أشرفت عليها، وهل عليها قضايا فساد في المحاكمة العراقية، والتزامها بتوقيتات إنهاء المشاريع، ومن هم أصحابها، وغيرها من الضوابط، فمشاركة شركات تابعة لسياسيين قد تضر بعملية الإعمار لأنه ستتم التغطية على الفشل والفساد إن حدثا.

 

الجهة الثالثة: هي الشركات العالمية، التي ترغب في العمل في العراق، لكن بعض العوامل تعرقل دخولها، مثل، تسهيلات إعطاء الفيز لدخول العراق، وتسهيل المتطلبات القانونية والإجراءات القضائية، ودفع أجور هذه الشركات بسرعة وسهولة لتشجيعها.

 

أمر أخير مهم في إعادة إعمار الموصل، هو التوافق السياسي في الحكومة، الذي له الدور الأكبر في تشكيل مجتمع متجانس، وبيئة خصبة لتوافق مكونات الشعب العراقي، والذي ينعكس على أداء البرلمان العراقي في تسهيل إصدار القوانين والأنظمة والتشريعات التي تسرّع عملية إعمار الموصل.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     

الاقتصاد الأردني وسيناريوهات الحل في سوريا والعراق

 

   د. حسين البناء

 

    الراي اليوم بريطانيا
  

على الرغم من الأزمة الاقتصادية المزمنة التي عانى منها الأردن منذ سنة 1989 وللآن؛ فقد انتفع الاقتصاد الأردني كثيرا (وعلى المدى المتوسط) من موجة حركة (رؤوس الأموال و رجال الأعمال و الخبرات الصناعية والتجارية) التي وفدت عليه منذ الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 ، ومنذ انطلاق الثورة السورية سنة 2011.

تمثل وجه الاستفادة للاقتصاد الأردني بحركة بضعة مليارات من الدولارات خرجت في الأسابيع الأولى لاحتلال بغداد متجهة للعاصمة (عمان)، بالإضافة لوفود عدد كبير من الصناعيين ورجال الأعمال والعلماء و الساسة العراقيين إلى (عمان) ليقيموا فيها بعض المشاريع و متاجر السيارات و مراكز الصرافة،  و ليشتروا كما هائلا من العقارات والأراضي، مم ضخم أسعار الأراضي والعقارات والأجورات للسكن ولوقت قريب لا يكاد ينفك. مع الوقت أخذ بعض رجال الأعمال بالهجرة إلى أوروبا الغربية، والجزء الآخر أقام بشكل شبه دائم مع استثمارات ملموسة وثابتة في الأردن.

بالنسبة لسوريا، فمنذ اندلاع الأزمة، وفد بضعة ملايين من السوريين إلى الأردن، جزء أقام رسميا في مخيمات اللجوء كالزعتري و غيره، والآخر أقام في المدن الأردنية الرئيسية كالعاصمة و المفرق و إربد. بعض من السوريين قام بنقل مصانعه و استثماراته إلى الأردن، أما الجزء الأكبر فهم فنيون محترفون في أعمال المهن الحرة والحرف الصناعية والصيانة و الضيافة والتجارة، هؤلاء وجدوا فرصة جيدة للعمل في سوق يفتقر للحرفيين المهرة، الأمر الذي وفر قوى عاملة مدربة في السوق المحلي.

هذه الفرصة التاريخية، وفي حال تم استثمارها، كانت لتشكل عتبة حقيقية لنهوض الاقتصاد الوطني الأردني، لكنها شكلت “فقاعة” متوسطة الأجل، سرعان ما ستتكشف آثارها الكارثية على الشأن المحلي، حيث فشلت البنية الهيكلية للسوق المحلي في “توطين” و “استدامة” الأثر الإيجابي الذي كان من الممكن تثبيته على مؤشرات التقدم الاقتصادي المحلي.

بعد انتهاء دور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (د.ا.ع.ش) من المشهد في العراق وسوريا، وبعد تفعيل الدور الروسي المحوري هناك، وبعد التدخل الإيراني الحاسم، وبعد “الترتيبات” الأمريكية-الروسية للمستقبل في سوريا خاصة، والعراق بشكل ثانوي؛ فإن ثمة أفق واسع للحل بدء بالتشكل، و يبدو أن نصف العقد المشؤوم في سوريا والعراق آخذ بالانفراج.

عودة الأيدي العاملة الماهرة من الأردن إلى سوريا للعمل في إعادة الإعمار سوف تفقد سوق العمل المحلي الأردني كفاءات حقيقية، الأمر الذي سيرفع من تكلفة ساعة العمل للعمالة المتبقية من مواطنين و عرب وسوريين بالذات. كما أن إعادة تشغيل المراكز الصناعية في حلب وغيرها سوف يدفع بعودة رجال الأعمال و الصناعيين إلى سوريا كذلك، مع أموالهم وخبرتهم بطبيعة الحال. الأخطر من كل ذلك، الهبوط الحاد في أسعار الشقق وأجور السكن في معظم المدن الأردنية، و كما أن الطلب العام سينخفض على السلع والخدمات بحكم تراجع عدد السكان. إنه مشهد كساد مخيف.

إذا ما استقرت الأوضاع في العراق، فإن مشاريع إعادة الإعمار ستنطلق كذلك، وسوف يجد رجل الأعمال العراقي ضالته وفرصته الاستثمارية المقبولة في العراق، وقد يقوم ببيع استثماراته (على هيئة أراض وعقار وأوراق مالية وأسهم) من الأردن متوجها إلى العراق، حيث العائد الأعلى مقرونا بالمخاطرة الأكبر. الأمر الذي سيقوم بتعزيز كساد سوق العقار، وتراجع المخزون من السيولة من (الدولار الأمريكي) على هيئة سحب ودائع وأرصدة مصرفية، مم قد يشكل أزمة مالية حقيقية.

في الطرف المقابل، ما زال الأردن أمام فرصة جديدة لا تقل عن المخاطر (المناقشة سابقا) وهي تتمثل بفرص هائلة لقطاع شركات الإنشاءات و تقنية المعلومات الأردنية، لكي تنفذ جزئيا أو كليا مشاريع الإعمار في كلا من العراق وسوريا. كما أن حركة الشحن والنقل معرضة للانتعاش بعد إغلاق الحدود الذي دام لبضع سنين منذ سيطرة (د.ا.ع.ش) على بعض المسارات الحدودية، وقطاع الشحن من شأنه تشغيل الأفراد والشركات في الأردن كما كان في سابق عهده من ميناء العقبة بالخصوص. أضف لذلك حركة الصادرات التقليدية من الأردن للعراق تحديدا، والتي شكلت لسنوات سوقا أساسيا لكثير من الشركات الصناعية الأردنية؛ هذا في حال تجاهلنا النفوذ التجاري الإيراني على كلا البلدين (سوريا والعراق)، و كونه منافسا تجاريا وصناعيا حقيقيا.

الأردن أمام سيناريو مزدوح، يحمل مكاسب وخسائر، وسيكون تأثيره كبيرا على مؤشرات الاقتصاد الوطني، فقد يكون المخرج من الأزمة، وقد يفاقم سوء الأوضاع الحالية، ما سيحدد ذلك هو قدرة (صاحب القرار في الأردن) من تصور كلا السيناريوهين، ووضع (خطة عمل؛ تكتيكية و استراتيجية) لمواجهة كلا الحالتين، وبشكل مبكر، بخلاف ذلك ستؤول الأمور لأزمة حقيقية لا يحمد عقباها. ربما أكثر ما نحن بحاجته اليوم هو بناء (نظام إنذار اقتصادي وسياسي مبكر) لمواجهة حالة عدم اليقين المهيمنة على البيئة المضطربة حيث يستحيل التنبؤ.