ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | دفاتر الناصري عن العراق والفن وذهول الأحياء | هيفاء زنكنة | القدس العربي |
عشرات الكتب تنشر سنويا عن العراق، معظمها لمؤلفين أمريكيين كانوا أو لا يزالون يخدمون في الجيش الأمريكي. شاركوا، لفترات متفاوتة، أما بشكل مباشر في الغزو والقتال أو بشكل غير مباشر في فرهود (نهب) «الإعمار وبناء المجتمع المدني». هذه «التجارب» يتم تقديمها إلى العالم، باللغة الإنجليزية، من منظور المحتل كمحرر يحمل عبء القيام بـ « مهمة أنسانية» أو مغامرة يرتبط أفرادها بصداقة غير عادية لايفهمها أهل البلد المحتل، تدفعهم إلى مقاتلة «متمردين وإرهابيين»، أو كدرس عسكري في محاربة التمرد، يستحق التدريس لأجيال مقبلة من قوات التوسع الامبريالي. ما يستدعي الملاحظة عند إجراء إحصائية بسيطة لعدد الكتب المنشورة هو كثرة الكتب المنشورة منذ الغزو عام 2003، وحتى اليوم، مقابل ندرة أو انعدام النشر عن المرحلة السابقة للغزو والتي هيأت الأرضية لأكبر عدوان عسكري تشنه أمريكا، منذ اندحارها في فيتنام في سبعينيات القرن الماضي. ينطبق الأمر على النشر عربيا وعراقيا. حيث لا يتجاوز عدد الكتب المنشورة، بأقلام عراقيين مستقلين، عن الفترة التالية للهجوم الثلاثيني الذي أعقب احتلال الكويت وإخضاع العراق للحصار القاتل ( 1991 / 2003)، أصابع اليد الواحدة. لعل أقربها إلى نفوس القراء، عابرا حدود العراق إلى العالم، عمل الفنانة الراحلة نهى الراضي «يوميات بغداد»، الذي بات توثيقا، يوميا، إنسانيا، لجريمة شاملة ضد شعب، جريمة يراد نسيانها وسترها بحجاب فولاذي، خشية المساءلة ذات يوم. هذا الحجاب يتم اختراقه بين الحين والآخر، بواسطة أصبع ديناميت يسمى كتابا. فالكتب، وهي المصنوعة من ورق، قدرة هائلة على كسر القيود، مهما كانت مادة صنعها، وتزداد قوتها متجاوزة حدود المكان والزمان، إذا ما كانت كتبا فكرية، إبداعية، أدبية وفنية، لمؤلفين تفشل الأيديولوجيا في قولبتهم، لتبقى كلماتهم، وألوانهم، حرة طليقة، مثل البلابل التي لا يمكن تدجينها. والألوان هنا بمعناها العادي البصري وليس المجازي. في روايته «درس الماني»، المنشورة في 1968، يتناول المؤلف الألماني زيجفريد ليز، خطر اللون على النظام النازي. بطل الرواية شرطي يسكن في قرية المانية نائية، همه الوحيد تأدية واجبه حتى حين يصله أمر بمراقبة ومنع صديق طفولته الرسام من الرسم. لا يفهم الشرطي سبب المنع وما هو مصدر الخطر، فصديقه لا يرسم غير اللوحات التجريدية. يستفسر من صديقه الفنان قبل إلقاء القبض عليه. «إنها الألوان… إنها الألوان»، يجيبه الفنان. عن قوة اللون ومسيرة حياة حافلة بالإبداع الفني والحب، أقرأ أحد الكتب القليلة، القادرة على إضاءة حقبة زمنية عن العراق يريد البعض ركنها في زاوية مظلمة، لا تذكر. «دفاتر فنان». يتميز الكتاب بأنه نتاج حياة فريق كامل مكون من أثنين يجمعهما ( استخدم الفعل المضارع متعمدة) حب دائم يتبدى إبداعا عراقيا صادقا فنا وشعرا، هما الفنان الراحل رافع الناصري ورفيقة عمره الشاعرة والناقدة الفنية مي مظفر التي أشرفت مع صونيا مشجر على إعداد الكتاب، وكتابة مقدمته ونشره، باللغة الانجليزية، بطباعة فاخرة تليق بحرص رافع على قيمة كل تدرج لوني يمنحه الحياة. في مقدمة الكتاب، تبقى مي مظفر أمينة لفكرة التواصل الفني التي عالجتها في كتابها «الفن الحديث في العراق : التواصل والتمايز». هذه المرة، في سردية رحلة عمر رافع الناصري، بمحطاتها المختلفة، و»دفاتره» التي تضمنت يومياته اللونية والفكرية، على مدى عقود. رحلة بدأت واستمرت، بالنسبة إليهما معا، على أرض صلبة «ترسبت عليها سلسلة من الحضارات العظيمة… يبدو أن كل هذه الحضارات قد تجذرت في وجدان الفنان العراقي، وحفرت عميقا في تاريخ ذاكرته البصرية. كما أعانته على اتخاذ موقف فكري واضح إزاء الفن ووظائفه المتعددة»، كما وصفها رافع في كتابه «آفاق ومرايا مقالات في الفن التشكيلي». عن الدفاتر يقول رافع: «عام 1989 اقتنيت من بكين مجموعة من الدفاتر المطوية بقياس 625 x 35 سنتيمترا، تقريبا. وبعد عودتي إلى بغداد رسمت بعض هذه المطويات بطريقة الرسم بالأصابع، وهي طريقة صينية للرسم بالحبر، وقد استخدمت الاكريليك بدلا من الحبر. وكل دفتر مكرس لمكان أحببته ومنها دفتر تكريت ودفتر بكين ودفتر لشبونة ودفتر أصيلة». على مدى السنوات كثرت الدفاتر ـ المطويات المشابهة للمنحوتات التي يتوجب على المشاهد الدوران حولها لرؤيتها كاملة. تضمنت المطويات أعمالا للاحتفاء بالشعر والفن من المتنبي والواسطي إلى الجواهري ومحمود درويش وإتيل عدنان ومي مظفر. ويبقى لبغداد الشعر والفن، دفترها. « في عام 1991، رسمت أثناء الحرب دفترا بالحجم نفسه وهو عبارة عن أكف رافضة أو محتجة باللونين الأسود والبني وهي طبعا أكفي وأصابعي التي كنت أغمسها باللون وأضرب بها الورق بحركة سريعة وانفعالية». مع الألوان الغاضبة، المشحونة بعواطف جعلته لا يعرف النوم، ظهرت كلمات. نكاد نسمعها. إنها صوت الفنان صارخا وسط ذهول الأحياء. مع الكف الأسود والأصابع المنفصلة عن الكف بلونها الأحمر، نرى: « لا.. إنها لحرب قذرة». مع انفجار الأكف باللونين الأسود والرمادي وتطاير الألوان الحمراء، نرى: «بغداد تئن من جراحها». ويمتزج اللون البنفسجي بحافة سوداء أو يلطخه كما تأثير استخدام اليورانيوم المنضب، فنرى: « بغداد تعيش الهول والرعب والفزع والخوف والغضب والحقد… منذ الساعة الحادية عشرة مساء وحتى الرابعة فجرا. خمس ساعات من القصف والحديد والبارود بين أصوات مرعبة لطائرات وصواريخ». وتضمن يوم 2 مارس/ آذار، في دفتر بغداد، الرقم 43 مكتوبا بخط طفولي كبير، بحبر يكاد ينفذ، وأربع نقاط سود شبه مصطفة على فضاء فارغ. في الزاوية اليمنى قطرة حبر أحمر بجانبها الرقم: 91. نقرأ: « ثلاثة وأربعون يوما من الحرب… الحرب… ليست كالأولى ولا الثانية.. بل إنها الحرب الفريدة. هي ليست الثالثة ولكنها…الحرب ( THE WAR). انتهت… وبدأ الأسوأ والأظلم». ما ندركه جيدا، الآن، أن 1991 هو العام الذي استهل الخراب الذي يعيش العراق في ظله اليوم. فهل هو الفنان يرى أبعد مما يراه الآخرون؟ |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | العراق: موسم تغيير العناوين والولاءات والضامنين | د. مثنى عبد الله | القدس العربي |
مازالت مهزلة الانتخابات العراقية المقبلة بعيدة بعض الشيء. لكن التحضير لها بدأ مبكرا، وملامحه قيام الاحزاب الاسلامية الحاكمة وشخصياتها المعممة وغير المعممة، بالهجرة من العناوين الإسلامية التي تبرقعت بها، وتغيير ولاءاتها السياسية، وربما حتى الضامنين الإقليميين ولو على استحياء بعض الشيء. انشطارات بالجملة شملت أحزاب الاسلام السياسي الشيعي والسني، والكل ذاهبون إلى ارتداء صرعة الموسم الجديدة ،وهي استخدام تسمية التيار المدني، علّهم يواجهون بها استحقاقات المرحلة المقبلة. المضحك أن التسميات تغيرت، لكن الوجوه هي نفسها التي سرقت وتاجرت بالوطن والمواطن على مدى أربعة عشر عاما. قد يتساءل البعض عن كيفية انفصال عمار الحكيم الشيعي عن مجلسه الاعلى الإسلامي الذي توارثه أبا عن جد مثلا؟ أو عن كيفية انفصال سليم الجبوري السني عن حزبه الإسلامي العراقي الذي كان سببا في وصوله إلى المنصب الحالي؟ هذه الظاهرة معروفة جدا في الاحزاب الكلاسيكية لاسباب أيديولوجية، أو خلافات حول التطبيق العملي، لكن انشطارات أحزاب السلطة العراقية هي لغرض تبديل الجلود استعدادا لسلوك الطريق نفسه بعد الفضيحة، أسوة بالشركات المفلسة التي تذهب أحيانا إلى تغيير اسمها للدخول إلى السوق ثانية. لقد بدأوا لوم بعضهم بعضا وتبادلوا الاتهامات عن أسباب الهزيمة السياسية والأخلاقية النكراء التي حلت بهم. ولكي تستمر هذه الكيانات على الساحة بدأت لعبة التغرير بالمنتمين إليها، فكل يريد أن يسحب أكثر عدد من الاعضاء معه إلى الكيان الجديد، وكل يريد أن يستولي على مسروقات الكيان القديم من عقارات وسيارات وأمول منقولة وغير منقولة، ومحافظات نفوذ، وزعامات عشائرية وقبلية كانت تدين لهم بالولاء. وبدأ (المجاهدون) والموالون والانصار والاتباع يُقلّبون أي العروض أفضل لهم، كي يحددوا الجهة التي يلتحقون بها. فالعمل السياسي بالنسبة للبعض سوق نخاسة ومزادا على المصالح. وهذا هو ديدن الكثير من الزعامات السياسية والوجاهية والقبلية العراقية منذ أزمان بعيدة وليس اليوم. فالولاء حالة نسبية لديهم تخضع لحالة العرض والطلب. فقد كانت سيوف أمثال هؤلاء مع والي الكوفة وقلوبهم مع الأمام الحسين بن علي في واقعة كربلاء. وهو الفعل نفسه الذي حصل مع ملوك العراق وعبدالكريم قاسم والعارفين عبدالسلام وعبدالرحمن. أما مع صدام حسين فكانت الصورة من الوضوح بحيث تعمي الابصار. آلاف الزعامات العشائرية رقصت له وترقص الان للمالكي والعبادي، والمئات من رجال الدين ألقوا خطبا عصماء في حضرته، واليوم في حضرة السلطة أيضا، كان أبرزهم رئيس الوقف السني الحالي عبداللطيف هميم، وخالد الملا أحد أبرز التابعين لرئيس الوزراء السابق. والعشرات وربما المئات من قادة الجيش والأمن والمخابرات السابقين اصطفوا طوابير أمام بوابات فندق الشيراتون في بغداد، بعد أيام قليلة من احتلال بغداد، كي يحظوا بلقاء جنرال أمريكي كان مقره فيها، عارضين عليه خدماتهم في إنشاء أجهزة أمنية جديدة تخدم الامريكان، وحاملين معهم مئات الملفات والمعلومات التي كانوا يتداولونها في عملهم قبل الاحتلال، كبادرة حسن نية من قبلهم للعهد الجديد، كي يثق بهم. حتى البعثيون انتظم بعضهم في حزب الدعوة وأحزاب إسلامية أخرى بحجة أن انتماءهم إلى حزب البعث كان تقيّة. وفجأة تحوّل الشيوعيون إلى شيعة في نظام المحاصصة الطائفية، وحصلوا على مناصب وفق هذا التوصيف وليس وفق توصيف أنهم شيوعيون كانوا في المعارضة. وعلى الرغم من أن الشارع العراقي يعاني من حالة انقسام واضحة في الرؤى والأفكار، جعلته يغط في سبات عميق وكأنه ليس المعني بالحالة، وليس من يعانيها يوميا، لأسباب عديدة منها عدم وجود الرمزية السياسية والاجتماعية الحقيقية. لكن الانقسامات الحالية في أحزاب المنظومة الطائفية والاثنية الحاكمة، والهروب نحو تشكيلات وتسميات أخرى، تؤكد على أن الشارع بات يريد الابتعاد عن الخطاب الحالي الذي هو الركيزة الاساسية للوضع السياسي بعد عام 2003. هذا الخطاب الذي يتحدث على أساس تصنيفات طائفية، وينفذ أجنداته من خلال تشكيلات طائفية وإثنية، بيت سياسي شيعي، وبيت سياسي سني، وثالث كردي وتركماني وغيرها. المزاج المجتمعي بات غير راغب في هذا الوضع، ولم يعد لديه أدنى شك بأن هذه البيوتات السياسية لا تمثله. لكن من يعتقد بأننا أمام مرحلة انقلاب تام فهو على خطأ كبير. صحيح أن الوضع الحالي يشهد حالة تفتيت وتصدع في أركان هذه التشكيلات الطائفية، لكننا لسنا أمام مرحلة إعادة التشكيل على أسس وطنية عابرة للحدود الدينية والمذهبية والإثنية. هنالك كذبة كبرى يسوقها الساسة السنة والشيعة، أسمها تشكيل كتل عابرة للطائفية، وهنالك نغمة وطنية يعزفها البعض ويرتلها آخرون، لكن الوطنية في العمل السياسي لا تعني حصيلة جمع طائفي مع طائفي آخر إطلاقا. كما أنها ليست اتفاقية يوقعها هذا الطرف أو ذاك للانتقال إلى العمل الوطني والتخلي عن الطائفية السياسية. حتى الدعوة إلى الغالبية السياسية بدت وكأنها دعوة خارج إطار التشكيل الطائفي، لكنها في الحقيقة في صلب هذا المنهج. المرحلة الحالية هي مرحلة انحسار تنظيم «الدولة»، خاصة بعد إعادة الموصل ثاني أكبر المحافظات إلى الخريطة العراقية. وما بعد العودة، مرحلة مليئة بالتناقضات الجديدة والصراعات التي ستختلف جذريا عن الصراعات التي راقبنا فصولها في ما سبق. كما أن لها استثمارتها واستحقاقاتها وفيها أوراق ضغط كبيرة ومغرية، وعلاقات وتحالفات مع أطراف إقليمية ودولية، ظهرت بعض ملامحها في زيارة رجل الدين مقتدى الصدر إلى السعودية والإمارات. لكن يجب الانتباه إلى أن من يتحرك أكثر ليس بالضرورة أن يكون هو الرابح، بل ربما يكون في حالة سعي محموم للمنافسة وتحسين الشروط. أيضا هنالك معادلة جديدة على أرض الواقع يُنظّر لها فصيل الاسلام السياسي الشيعي، وهي أن من يسمون أنفسهم زعامات سنية لم يعد لهم دور في المستقبل، حتى إن كانوا مشتركين بالعملية السياسية، لأنهم لم يحافظوا على المحافظات التي كانوا يحكمون فيها سلموها إلى تنظيم «الدولة»، وأنها حُررت بدماء الشيعة. وأن السعودية كمرجعية لهم أتت للشيعة في عقر حكمهم معترفة بخطأ سياستها. منذ الغزو الامريكي برزت معادلة المهزوم والمنتصر في العراق. المهزومون هم من كانوا في السلطة قبل عام 2003، ويسمونهم السُنة. والمنتصرون هم من وصلوا إلى السلطة بعد ذلك التاريخ ويسمونهم الشيعة. بعد الموصل تعززت هذه المعادلة وتجذّرت أكثر، وأعطت للزعماء من (الطائفة المنصورة) حصانة أكبر من ذي قبل. لذا رأينا كيف أن محافظ البصرة يختلس ملايين الدولارات ويهرب عن طريق إيران بسيارات الدولة سالما. لكن الزعماء من (الطائفة المهزومة) يجدون أبواب السجون مشرعة لهم، ويُطبق القانون عليهم بطريقة نموذجية وبالحد الاعلى من العقوبة. حصل ذلك مع محافظ صلاح الدين وربما محافظ الانبار الذي ينتظر. لكن أليس من العار أن يبقى الفصيل الاسلامي الشيعي الذي رشح محافظ البصرة الهارب، مُصرّا على أن هذا المنصب من حصته حصرا، وهو من سيرشح لها آخر؟ وأليس من العار أن يبقى الحزب الاسلامي العراقي السُني مُصرّا على أن منصب محافظ الانبار من حصته ومن حقه ترشيح غيره؟ حين تنعدم الاخلاق تماما في الممارسة السياسية، وعندما يكون الدين والطائفة مجرد وسائل في هذه الممارسة، لم يعد هنالك حزب يشعر بالعار حين يرشح لصوصا للمناصب. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | لا تحزني يا دوحة قطر فقد قاطعوا من قبل بغداد العراق | إحسان بن ثامر
|
القدس العربي |
إذا نطق القلم فاليخرس الصنم وإن جاءكم من أقصى البلاد بالعلم واليقين فلا مكان للسراب والوهم وكيف لا وبه علم الإنسان ما لم يعلم.ليست قداسة القلم بلون حبره الجذاب ولا بزخرفته المنمقة بل بصدق مداد كلماته النبيلة ومواقفه الجليلة خصوصاً تلك التي تتعارض فيها المواقف مع المصالح وحينها تُبلى السرائر وتختبر الضمائر فالكتابة هي الأداة المميزة في تحريك الركود الاجتماعي وصانعة للرأي العام فعلى الذين يحسنون فنّها جيداً أن يؤدوا رسالتها بإخلاص فهي أمانة الأحرار عندهم من الأمم السابقة إلى الأجيال اللاحقة، والأمانة أول فصل في كتاب الحكمة كما قال توماس جفرسون. وما الخلاف الخليجي أو السعودي القطري إلاّ واحد من تلك المواقف التي ينبغي للكتابة أن تقول فيها كلمتها ولا عزاء لبعض الأقلام التي تقتات على فتات موائد خلافات الأشقاء أو فوضوية الكلام والكتابة التي نعيش سنينها فنحن في زمن ( القول فوضى والكلام ضباب ) أما التي صمتت في وقت لا مجال فيه للصامتين فتلك مصيبة كبرى إن كنت تدري أو لا تدري حيث يقول بنجامين فرانكلين «إما ان تكتب شيئا يستحق القراءة أو تفعل شيئا يستحق الكتابة». خلاف الأشقاء السعودي القطري لم يكن بين ليلة وضحاها وبسبب تصريحات ملفقة نُسبت لأمير قطر وقد نفتها الحكومة القطرية مراراً وتكراراً على لسان الناطقين بها بل له جذور قديمة والذي تمخض عنه مؤخراً هذا الحصار أو كما يطلق عليه أربابه ورواده بالمقاطعة وللحصار منه أقرب نظراً للموقع الجغرافي والإجراءات التي اتُخذت وكأننا على أبواب حرب عالمية كبرى! فدولة قطر بعد عام ( 1995 م ) ليست كما كانت عليه من قبل هذا التاريخ من حيث التغييرالشامل والإصلاحات الجذرية التي قامت الحكومة بتنفيذها فأتاح لها أن تلعب أدواراً مهمة إقليمياً ودولياً مما جعل لعلمها مكانةً واضحة بين الأعلام الخفاقة فاقتصادياً قد حافظت على المركز الأول عالمياً في متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي على الرغم من الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية عام 2016 ، بحدود 129 ألف دولار ما قد ساعد هذا التألق والازدهار الاقتصادي من شراء أندية رياضية وحصولها على اُسطول نقل جوي يُعتبر الأجود عالمياً … وماكنتها الإعلامية الضخمة بعدما فتحت المجال أمام حريات الصحافة والإعلام. وللأسف فإن أحد الشروط الثلاثة عشر التي طُلبت من قطر تنفيذها قد طالت ركيزة أساسية في ماكنتها الإعلامية ألا وهي قناة الجزيرة. ولك أن تتصور الدوحة من دون «معاكسات اتجاهها» ولا مكان «لبلا حدودها» وغيرها من المشاكسات الجزيرية الغنية عن التعريف لكن تبقى السياسة التي انتهجتها بمحاورها المختلفة وأشكالها المتنوعة تعد هي الصفة الأبرز لهذه الدولة والتي لا ترغب في أن تكون على هامش الحياة فصغر حجم مساحتها وقلة تعدادها السكاني لا يقف عائقاً أمام طموحها الكبير فتحالفت مع صاحب المعجزة الاقتصادية التركية ورجل تركيا القوي المتين رجب طيب اردوغان وأيضاً مع تيار إسلامي واسع له ثقله في المحيط الإسلامي مكّنها من أن ترفض العيش وبقوة تحت الوصاية الإقليمية، أو تكون مجرد رقم متمم لعدد الدول التي تحضر مؤتمراتنا العربية والإسلامية المتنوعة والتي لا فائدة منها سوى هدر أموال الشعوب. وهي من الأسباب التي أدت إلى تهدئة حدة التصريحات حيث كانت الشروط التي وضُعت تعجيزية بهدف رفضها كما ورد على لسان أحد الناطقين لكي ينتقل الخلاف إلى مرحلة التصعيد والذي مالا نتمناه. غير أن دخول الأقوياء على خط التماس الساخن قلل من أمواج الرياح الصاعدة وهو قانون طبيعي حيثما كنت مع الأقوياء تكون قوياً خصوصاً إذا تُحسن فنّ الوقوف جيداً. واللافت للنظر أنّ هذه الأزمة اندلعت مباشرةً بعد زيارة الرئيس الأمريكي وعائلته للمنطقة والتي عبّر عنها الكثيرون ووصفوها بالتاريخية. واعجباً للبركة الأمريكية قد ظللت سماءنا العربية وشملتنا عنايتها سريعا! يقال إنّ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم تكن لديه قناعة تامة في دخول الكويت كما تسرب هكذا خبر للإعلام مؤخراً. وقد قال لدائرة القيادة المحيطة به آنذاك على خطورة هكذا قرار لكنّهم تصوروا خلاف ذلك. وفي حينها لم يكن للرأي العام أثر في اتخاذ القرارات المصيرية فضلاً عن غيرها والخوف الشديد لدى المحيطين بالرئيس من أن يعترضوا عليه ولو تصوراً مما جعل من الشعبين الشقيقين يدفعان ضريبة قاسية مازالت آثارها المريرة ماثلة في قلوبنا إلى الآن. فمَن كان يتصور أن سوء فهم مهما كان تعقيده يصل إلى تلك الكارثة الإنسانية. وهكذا هي جميع الحروب تبدأ من شرر الأحداث ثم تحرق الأخضر واليابس ومن ثم قاطعوا بغداد والذي دفع ضريبة ذلك هو الشعب العراقي لا غير بسبب القرارات السياسية الخاطئة. وهذا ما يجري الآن وإن كان القياس مع الفارق غير أن المقاطعة واحدة. وإذا سلمنا جدلاً بأن الحكومة القطرية ارتكبت خطأ، وهو وارد في معترك السياسة المتقلبة، فما ذنب خطوط الطيران المدنية كي تمنع من التحليق؟ ولماذا لا تمنع طائرات الحكام والوزراء فقط؟ ثم ما دخل المنتوجات الغذائية وقوت الشعب في تلك الخلافات السياسية؟ لكنها تبقى أهون شراً من حالة السب والقذف التي تعرض لها شعبنا القطري الشقيق والتجاوز على أعراضهم بطريقة فاضحة من خلال هذه الشبكة العنكبوتية والتي أودعت في يوم ما مغردين السجون ودفعتّهم غرامات مالية كبيرة لمخالفتهم حقوق النشر. إلاّ أنّ في هذه المنازلة الميدانية قد أُطلق فيها عنان الشتم والسباب على مصراعيه وإذا قيل من أجل تهيئة الرأي العام كي يكون خَلفَ قيادته أقول يكون ذلك صحيحاً في حال هنالك مواقف مصيرية كبرى تستوجب لذلك وليس خلافات سياسية هامشية. وعلينا أن نفكر بالمجتمع جيداً فالخلافات السياسية تنتهي لكن الخلافات الاجتماعية تولد ظواهر مستعصية وأمراضا مستفحلة. في هذه الأيام المباركة والتي تتوجه فيها الناس إلى بيت الله الحرام من كل فجٍ عميق وتتوجه فيها القلوب إلى ذلك العملاق العظيم محمد بن عبد الله (عليه الصلاة والسلام) كيف نستلهم العبر من سيرته العطرة حينما آخى بين المهاجرين والأنصار، وقضى على خلاف الأوس والخزرج المتجذر. إن حال بلادنا العربية والإسلامية ليس بأفضل من الأوس والخزرج إن لم يكن أسوأ!! بلاد الحرمين الشريفين عزيزة على قلوبنا جميعاً والتي نفديها بالغالي والنفيس وأهلها أهلنا ولا نتمنى لها أن تصاب بمكروه، وكما أنها مقر لكعبة الموحدين فكذلك نرجو أن تكون مقراً لوحدة المسلمين، وأن يجتمع فيها الشتات العربي والإسلامي والذي لا يُحصى، وعلى علمائنا وكتابنا وجميع المنشغلين في المجال الإعلامي أن يدفعوا عجلتنا في اتجاه الطرق الهادئة لا الدهاليز المظلمة فأمتنا العربية والإسلامية في حالة يرثى لها فهي لا تتحمل عثرات الطرق فضلاً عن عثرات الحروب. كما نتمنى أن يستمع لهم ولمناشداتهم المتكررة مَن بيده القرار وليس كما قال نزار قباني:
نار الكتــــابة أحـــــرقت أعمــــــارنا فحيــــــاتنا الكبريت والأحـــــطابُ ما الشعر ما وجع الكتابة ما الرؤى ؟ أولى ضحــــايانا هـم الكتـــــــــــاب يعطوننا الفـــرح الجـــميل وحظهم حظ البغـــــايا مالــــــــــــــهن ثوابك |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | عن حازم صاغيّة وأوليفييه روا وسلفيّة «داعش» |
صهيب عنجريني
|
الاخبار اللبنانية |
«داعش» سوى «تطوّر طبيعي» لـ«القاعدة»
كان لا بدّ من تفكيرٍ قليلٍ قبل كتابة هذه السطور تحسّباً لقيام هواة التّصنيف (وما أكثرَهُم) بإدراجها ضمن سياق الأخذ والرّد الذي نشط أخيراً بين حازم صاغيّة وإبراهيم الأمين، وهو أخذ وردٌّ نقول فيه على الطريقة السوريّة «الله يطفيها بنورو». لكنّ أهميّة الموضوع وخطورته حسما الأمر توخيّاً لتوضيح ما نأمل أنّها أغلاط، ونخشى كونها مغالطات
في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، نشرت صحيفة «الحياة» السعوديّة في قسم «ثقافة ومجتمعات» مقالاً بعنوان «الجهاديّون الإرهابيّون في أوروبا: ما مصادرهم وأيّ أفق هناك؟» ممهوراً بتوقيع حازم صاغيّة.
يُقدّم المقال ما يُفترضُ أنّها قراءةٌ في كتاب «الجهاد والموت» للمفكر الفرنسي أوليفييه روا، وهو كتاب يقارب بطريقة مختلفة موضوعة جهاديي الغرب: دوافعهم، ثقافتهم، ومنطلقاتهم…إلخ. أوّل ما يسترعي الانتباه في المقال المذكور تطابق جزء كبير من فقراته مع نظيرات لها وردت في سياق عرض مطوّل للكتاب خطّه كاتبه (روا) ونشرته صحيفة «الغارديان» البريطانيّة في نيسان الماضي في إطار مشروع «the long read». جاء عرض «الغارديان» موسوماً بعنوان «Who are the new jihadis؟». ومن نافلة القول إن إيراد فقرات من كتابٍ ما خلال تناوله «نقداً» أو «عرضاً» هو أمرٌ مألوف وطبيعي، غير أن واحدة من أبرز المشكلات التي تواجه القارئ المُقارِن أنّ ما نُشر في «الحياة» لم يميّز بأيّ طريقة ما بين كلام كاتب المقال، وبين كلام مؤلف الكتاب: لا وجود لعلامات اقتباس، أو مفاتيح من قبيل «يقول الكاتب..» أو «يرى الكتاب» أو ما شابه من الإشارات المفتاحية المتعارف عليها. فمن يقرأ مقال «الحياة» سيظنّ نفسه أمام خطاب «مستقل» استند كاتبه إلى كتاب روا، لا قامَ بنسخ كثير مما ورد فيه. لدى مقارنة الفقرات المتطابقة سيخيّل للقارئ أنّ النسخة العربيّة مترجمة حرفيّاً عن النسخة الإنكليزيّة، على أنّ التماهي الكبير بين النسختين لم يكن مطلقاً. فرغم أن نسخة «الحياة» تبدو أشبه بإعادة تركيب نسخة «الغارديان» عبر تقديم فقرات وتأخير أخرى، وحذفٍ هنا وإضافات هناك، لكن القارئ المتمعّن سيكتشف أن مقال «الحياة» قد اجتزأ جملاً هامّة من سياق فقرات. وعلى سبيل المثال نقرأ في النسخة الإنكليزيّة «ومن الشائع جدّاً النظر إلى الجهادية كامتداد للسلفية. ليس كل السلفيين جهاديين، ولكن كل الجهاديين من المفترض أنهم سلفيون، وبالتالي فإن السلفية هي البوابة إلى الجهادية». بينما نقرأ عند صاغيّة «ومن الشائع النظر إلى الجهاديّة كامتداد للسلفيّة. لكنْ لئن لم يكن كلّ السلفيّين جهاديّين، فكلّ الجهاديّين يُفترض أنّهم سلفيّون» فحسب. ونقرأ في موضع آخر من النص الأصل «لقد غلب على الجهاديّين حتّى أواسط التسعينات، كونهم شرق أوسطيّين يتوجّهون إلى أفغانستان ويعودون، منذ سقوط الشيوعيّة الأفغانيّة في 1992، إلى بلدانهم أو إلى بلدان أخرى، للمضيّ في الجهاد. هؤلاء هم الذين شنّوا الموجة الأولى من الضربات «المعولمة» (عمليّة المركز التجاريّ العالميّ في 1993 والسفارات الأميركيّة شرق أفريقيا في 1998 ومدمّرة كول في 2000)، وشكّلوا جيل الجهاديّين الأوَل. تم توجيه هذا الجيل الأول من الجهاديين من قبل بن لادن ورمزي يوسف وخالد الشيخ محمد». فيما تنتهي الفقرة عند صاغية مع جملة «وشكلوا جيل الجهاديين الأول»، ليغيب ذكر بن لادن وأقرانه. كذلك تتحوّل جملة «ولم تفكر جمهورية إيران الإسلامية بعد ثورتها أبداً في تفجير بيرسبوليس» لدى روا، إلى «أو في خمينيّي إيران ممّن لم يفجّروا بيرسيبوليس» لدى صاغيّة. لكنّ كل ما تقدّم لا ينفي وجود فقرات «مؤلّفة» في مقال «الحياة»، تستلهم نهج الباحث الفرنسي لتضيء على ظواهر «عالمثالثيّة»، وتطيح باليسار حيناً وباليمين حيناً وبظاهرة «من ثمار التركيب اليساري – الإسلامي» وهي وفقاً لصاغيّة «حزب الله». ثمّة مشكلة جوهريّة في هذا «الاستلهام» قوامُها أن الباحث الفرنسي إنّما أفرد كتابه لتناول ظاهرة «الجهاديين الغربيين»، مستنداً إلى حالات ونماذج من أولئك «الجهاديين» تناولَها بحثاً وتمحيصاً، ليخلص إلى استنتاجات (تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب) من مثل أنّ «أولئك ليسوا سلفيين»، وأنّهم يمثّلون ظاهرة «شبابيّة» أكثر منها «جهاديّة». لكنّ هذا لا يعني في حال من الأحوال أنّ «داعش» ليس سلفيّاً كما يوحي مقال «الحياة»! ولا أنّ «ظاهرة الجهاديّ الإرهابيّ» بعمومها هي ظاهرة «حديثة أكثر بكثير ممّا هي ظاهرة تديّن. وفي خلاصة اشتغاله على سِيَر العشرات، يستنتج (روا) أنّها حركة شبابيّة أساساً، تتّصل بثقافة الشبيبة». وليس من الواضح أيضاً إلامَ استند كاتب المقال ليخلص إلى نتيجة مفادُها أنّ «التقاطع الكبير حتّى التماثل، بين الجهاديّ والإرهابيّ، إنّما حصل لاحقاً مع الحرب السوريّة»، ناسفاً ببساطة غريبة اعتداءات الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة في ثمانينيات سوريا، وعشريّة الجزائر السّوداء، (1991 – 2002)، وحقبة أشدّ سواداً عاشها العراق في ظل الاحتلال الأميركي دفع أبناؤه ثمنها دماء كثيرة سالت في تفجيرات إرهابيّة طاولت كلّ شيء. أضف إلى ذلك أن «الخطاب القيامي» لم يغب عن تنظيم «القاعدة» كما يقول صاغيّة مستشهداً بحديث «دابق» وحضوره لدى «داعش». وربّما فات الكاتب أنّ أبرز ذكرٍ «قاعدي» لـ«دابق» كان قد ورد عام 2004 على لسان أبو مصعب الزرقاوي «وها هي الشرارة قد انقدحت في العراق، وسيتعاظم أوارها بإذن الله حتى تحرق جيوش الصليب في دابق». والزرقاوي كما هو معروف، مؤسس فرع «تنظيم القاعدة» في العراق، والذي كان نواةً لتنظيم «الدولة الإسلامية». والواقع أن «داعش» ليس سوى «تطوّر طبيعي» لـ«القاعدة»، إذ يتشارك الاثنان «أدبيّات» واحدة بدءاً من تأصيلات ابن تيميّة، وصولاً إلى «إدارة التوحش» لأبو بكر ناجي. وحتى «الفتاوى» التي تجاوز فيها «داعش» نظيره لم تنبع من فراغ ولم يتمّ ابتكارُها، والحديث هنا تحديداً عن إجازة «هجرة المرأة من غير محرم». (وهو غلطٌ وقع فيه في الأصل أوليفييه روا، وتبنّاه صاغيّة بدوره فأثبته في «مقاله»). فقد استند «داعش» في إجازة «هجرة المرأة إلى دولة الخلافة من دون محرم» إلى آراء «نخبة من العلماء» ومن بينهم «شيخ الإسلام» ابن تيميّة، حيث يقول شمس الدين بن مفلح في كتابه «الفروع في الفقه الحنبلي» ما نصّه «وعند شيخنا تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجه في كلّ سفرِ طاعة». وها هو الداعية السعودي صالح المنجد (تلميذ ابن باز) على سبيل المثال يفتي قبل ظهور «داعش» بعامين بأن «العلماء استثنوا من ذلك السفر الواجب المتعيِّن على المرأة، كالهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام». أخيراً، ثمّة كثيرٌ مما لا يتسّع المجال لنقاشه في مقال صاغيّة، لكن لا بدّ من المرور ولو سريعاً على نقطة بالغة الأهميّة وهي أن «الجهاد الأفغاني ليس إرهابيّاً بالضرورة» استناداً إلى أن «المحيطين بعزام لم يلجؤوا إلى الإرهاب أو العمليات الانتحاريّة، ولم يتعقبوا دبلوماسيين أو مدنيين سوفياتاً». ويلزم للخوض في هذا التفصيل نقاش مطوّل حول مستحقي صفة إرهابيين (هل هم الذين يفجرون أو يستهدفون دبلوماسيين ومدنيين غربيين فقط؟) ومن شأن هذا أن يقود إلى البحث في خصائص الإرهاب، بما في ذلك إرهاب الدول والأنظمة (عموم أنظمة المنطقة، ومن بينها تلك التي خلا المقال من أيّ ذكر لها). لكن لا بأس من الإشارة على عجل إلى تفصيل جوهري يتعلق بعزّام ورفاقه مفادُها وجود كلام كثير عن أنّ عزّام اضطرّ إلى منع استخدام الانتحاريين في «الجهاد الأفغاني» بضغطٍ من المموِّلين والمُسلِّحين (السعودية والولايات المتحدة) خشية استشراء الظاهرة في المنطقة (بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة). |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 |
صلاح الدين الأيوبي أيضاً وأيضاً
|
الشيخ جعفر المهاجر
|
الاخبار اللبنانية |
(1)
قرأت مقالةً للكاتب العراقي المعروف علاء اللامي تحت عنوان «صلاح الدين الأيوبي بين الهجاء المذهبي والتقييم الموضوعي» (الأخبار17/8/2017 ، ص 10ـــ11)، فرأيته قد قال حقاً في ما هو تحت عنوان «الهجاء المذهبي» (والمديح المذهبي أيضاً، وإن لم يقُل ذلك).
ولكنه سكت عن الشطر الثاني ممّا تعهّد به لقارئه، فلم أرَه يُفصح عمّا يصحّ أن يُسمّى «التقييم الموضوعي» لصلاح الدين، صارفاً جهده إلى استنكار «الهجاء السياسي الفارغ من أي مُحتوى رصين، وليس له هدفٌ سوى التنفيس عن الغيض» (يقصد: الغيظ. والفرق بين الضاد والظاء مشكلة المشكلات في القلم العراقي). هذا كلامٌ صحيح إجمالاً، ومع ذلك لا يمكن أخذه بوصفه تقييماً موضوعياً خالياً من الأغراض لصلاح الدين. لذلك، رأيت أن من المفيد أن أُضيف إلى ما أتانا به ما يسدُّ موضع النقص في ما تعهّد به، وبذلك أكون قد وضعتُ في حسابه الجاري هبةً مجانيّةً، تُبرئ ذمته تجاه قارئه. ولا يُحمَدُ إلا الله.
(2)
من المؤكّد أن صلاح الدين لم يكن ملاكاً لا عيب فيه ولا مأخذ عليه. بدأ ضابطاً صغيراً بخدمة نور الدين محمود زنكي، السلطان التركي ذي السّطوة. أما هو فكان من الكُرد، ذلك الشعب الذي لم يدخل في الدماء، ولم يسعَ إلى بناء سُلطة على قاعدة عسكريتاريا مُحترفة، كما فعلت الشعوب التركيّة. وعن هذا الطريق بنت دُولاً، لا يزال بعضها قائماً، على رأسها طبعاً الدولة التركيّة اليوم، بالإضافة إلى الجمهوريّات التركيّة في آسية الوسطى. أمّا الكُرد فغاية ما فعلوه في هذا النطاق أن يكون منهم ضباطٌ صغار، مُلتحقين بخدمة أمير أو سلطان تركيٍّ كبير. من هؤلاء صلاح الدين، الذي التحق بخدمة نور الدين كما قُلنا، بمَن حوله من عشيرته الصغيرة وبني قُرباه. وعن هذا الطريق نجح في أن يبني الأسرة الكردية الوحيدة الحاكمة في تاريخنا، التي كانت أشبه بجُملةٍ مُعترضة بين التُّرك من قبلها وبعدها. ومن هؤلاء بفاصلٍ زمني العثمانيون من بعدها. أمّا كيف فعل ذلك، فتلك قصّةٌ تستحقّ أن تُروى، لِما فيها من فصْل الخطاب في ما يخصُّ إشكاليّة البحث.
(3)
ميزة صلاح الدين الأساسيّة التي صنعت مجده، أنّه كان ذرائعيّاً (براغماتيّاً، لمَن تُعجبهم العبارات الأجنبيّة) بكل ما للكلمة من معنى. وضع لنفسه ولمَن اتّبعه هدفاً مُعلناً هو القضاء على الاحتلال الصليبي وإماراته العديدة، تماماً كما فعل وليُّ نعمته نور الدين. لكنّ الفرق الفارق بين الاثنين أن نور الدين كان تركيّاً، وككلّ الأتراك كان حنفيّ المذهب على الطريقة التركيّة في التمذهب. مُشكلة الشعوب التركيّة، التي لا تزال عالقةً حتى اليوم، أن خبرتهم في الإسلام انحصرت وحاصرتهم في المذهب الذي صادف أن عرفوا الإسلام من خلاله. ومن هنا، فإن نظرتهم إلى المذاهب الأُخرى غيريّة دائماً، وإن بدرجاتٍ مختلفة، تبدأ بحرمان غير الحنفي من الوظائف الدينيّة (الفتوى، القضاء، الولاية على الأُمور الحسبيّة)، وانتهاءً بإخراج غير أتباع المذاهب الثلاثة الأُخرى من الملّة. ومن هؤلاء طبعاً الشيعة بكافة اتجاهاتهم، ومن ذلك أن نور الدين عندما عرض عليه الملك الأفضل أمير الجيوش في الدولة الفاطميّة، وهو شيعيٌّ إمامي، أن يضع يده بيده ضدّ المُحتلّين الصليبيين، رفض ذلك رفضاً قاطعاً بعد تكرار العرْض، لأنّه لا يضع يده بيد شيعي، حتى قِبال العدو المُشترَك. ولنُسجّل أن هذه أوّل مرّة تُعلن فيها في الإسلام صراحةً سياسةٌ عُليا قائمةٌ على تصنيفٍ مذهبيٍّ بهذه المثابة من الحَدّيّة. أمّا صلاح الدين فقد فتح ذراعيه لكلّ مَن أتاه مُحارباً للصليبيين، من دون أدنى اعتبار إثنيّ أو مذهبيّ. والحقيقة أن عسكره كان تجمُّعاً لجيوش، لكلٍّ منها أميره، لا يتقدّم إلى القتال إلا بأمرٍ منه. القرارت القتاليّة التكتيكيّة تؤخذ في مجلسٍ عسكري، يضمّ أُمراء الجيوش، طبعاً برئاسة صلاح الدين. كان هو شافعيّاً، كأكثر أبناء البيت الأيوبي، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يكون أُمراء جيشه من غير مذهب. بل كان أعلاهم شأناً في أيامه الأخيرة قبل وفاته أميرٌ شيعيٌّ عامليّ، هو الأمير حسام الدين بشارة الغسّاني. ذرائعيّة صلاح الدين تبدو لنا بكامل الوضوح في أن أحد أبنائه، أبو الفتح غازي، الذي سيُعرَف في ما بعد بالملك الظاهر، كان شيعيّاً، فولّاه على حلب التي كانت في ذلك الأوان آهلةً بالشيعة. وعيّن له شحنة (مسؤولاً عن الأمن، أو كما نقول اليوم رئيساً للشرطة) ضابطاً شيعيّاً، هو نفسه الذي غدا في ما بعد الأمير حسام الدين بشارة، بعدما أثبت وعسكره كفاءةً في ميدان القتال، خصوصاً في معركة حطّين الفاصلة، ثم في معارك أُخرى منها معركة قلعة الطور قرب عكّا. ثم أنه ما من دليل أبداً على ما يُشاع ويُذاع أن صلاح الدين اضطهد أحداً لأسبابٍ مذهبيّة، بل إن القارئ اللبيب يستطيع أن يرى بسهولة أن ذلك يتناقض مع العنصر الأساسي من سياسته، وعبّرنا عنه أعلاه بأنه ميزته الأساسيّة، الذي يدين له بكلّ إنجازاته.
(4)
تلك هي إجمالاً الصورة الصادقة لصلاح الدين، بعيداً عن الأهواء والإسقاطات الناشئة من ميول ذوي الميول. ومن الغنيّ عن البيان أن أُنموذجه التوحيدي، الذي يُزيح جانباً عوامل الفرقة، لحساب ما يجِب أن يكون الأمر الجامع في الرأي والموقف، هو ما ينقصنا اليوم. ومع ذلك فإننا نُكرّر ما قلناه أعلاه، أنه لم يكن بريئاً ممّا يُشين. في رأس ما يؤخذ ويُؤاخذ عليه، أنه وقع في الخطيئة القاتلة التي لم يتحرّر منها العقل العربي حتى اليوم، هي النظر إلى السُلطة بوصفها تركةً شخصيّة، أي أن التقرير بشأنها يعود لصاحب التركة. ومن ذلك، أنه ما أن شعر بقُرب أجله حتى وزّع مملكته الشاسعة إقطاعاتٍ على أبنائه، مع حصةٍ وازنةٍ لأخيه الداهية الشّره الملك العادل. وبذلك، أسّس ضمناً وبالضرورة مسلسلاً من الصراعات الدامية بين الورثة من أبناء البيت الأيوبي، ضربت على غير إنجازٍ من إنجازات سيّدها المؤسس، وعجّلت بانهيار الأُسرة إلى أن بادت.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | دفع الثمن في حروب أمريكا في أفغانستان والعراق
|
كاظم الموسوي
|
الوطن العمانية |
ثمن الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق كلف أرقاما فلكية تجاوزت نظيرتها في فيتنام إلى حد بعيد. واقتربت من كلفة الحرب العالمية الثانية. وفي كل الأحوال فإن الأثمان التي دفعتها أو تدفعها إدارة الحرب والعدوان لا تعوّض الأثمان التي دفعها شعبا أفغانستان والعراق وما لحقهما من خسائر جسيمة، بشرية ومادية، وتداعياتها مستمرة.
ما أن طرحت استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استمرار احتلال أفغانستان، رحبت بها الرئاسة الأفغانية وندد بها الرئيس الأفغاني السابق حميد قرضاي، واحتجت عليها الحكومة الباكستانية، وخاصة المؤسسة العسكرية الحليفة لواشنطن، وكان المتوقع، حسب الكثير من المراقبين، الانسحاب العسكري من أفغانستان، لأسبابه التي عرفت أو فضحت بعد كل تلك السنوات. إلا أن الإدارة الأميركية الجديدة حاولت مسك العصا من الوسط، فلا انسحاب كامل ولا بقاء كامل، رغم الإعلان عن إرسال قوة عسكرية جديدة. أو مثل ما قاله ترامب منتقدا سياسة من سبقه، بأنه لن يتحدث عن عدد القوات ولا خططه في البلاد. ولكنه اعترف بأنه كان يريد في الأصل سحب القوات من هناك، لكنه قرر البقاء و”القتال من أجل الفوز” متحاشيا الأخطاء التي ارتكبت في العراق. وأعلن أن بلاده ستعزز وجودها العسكري في أفغانستان وستزيد المبلغ المخصص لهذا الغرض. وقال إنه يريد أن يغير النهج المعتمد على تحديد وقت للبقاء في أفغانستان إلى نهج آخر يعتمد على الظروف على الأرض، مضيفا أنه لن يحدد مواعيد. ولكنه حذر من أن هذا لا يعني عدم وجود حدود لبقاء القوات في أفغانستان. وأضاف أن “أميركا ستعمل مع حكومة أفغانستان، طالما رأت التزاما وتقدما منها”. وحذر ترامب باكستان من أن الولايات المتحدة لن تسمح بعد اليوم بأن تقدم باكستان “ملاذا آمنا” للمتشددين، قائلا إنها “ستفقد الكثير” إن لم تقف إلى جانب الأميركيين. وقال “ما زلنا ندفع لباكستان مليارات الدولارات، وهي في الوقت نفسه تؤوي المتشددين أنفسهم الذين نقاتلهم”. أي أن ترامب في الاستراتيجية الجديدة سيظل مراوحا ومنتظرا رغم الكلفة الفلكية التي ستجبره وإدارته على الإقرار بالهزيمة، مهما كانت الكلمات التي تستخدم في مثل هكذا حالات ومواقف. وفي الوقت نفسه طلب من حلفائه الآخرين المشاركة مع واشنطن في تحمل الثمن والتداعيات. ودعمه في استراتيجيته الجديدة، معبرا لهم عن رغبته في رفع مساهمات بلدانهم “لتتماشى مع ما نساهم به”. أشار وزير الحرب/ الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، في بيان إلى أن “عددا” من حلفاء الولايات المتحدة “ملتزمون بالفعل برفع أعداد قواتهم”. وقال نظيره البريطاني، سير مايكل فالون، إن التزام الولايات المتحدة في أفغانستان “مرحب به”، مضيفا “علينا أن نبقى في أفغانستان للفترة المحددة للمساعدة في بناء ديمقراطيتها الهشة، وللحد من تهديد الإرهاب للغرب”. كان ترامب قد أشار من قبل إلى احتمال أن يأتي يوم يتم فيه اتفاق سلام مع طالبان، ولكنه قال “لا أحد يعرف إن كان هذا سيحدث”. ومباشرة ردت منظمة طالبان، على لسان ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسمها، رفض استراتيجية ترامب، معتبرا أنه “لا شيء جديدا” فيها، ونقلت عنه وكالة فرانس برس قوله إن على الولايات المتحدة أن تفكر في استراتيجية خروج “بدلا من مواصلة الحرب”. من جهته رفض الميجور جنرال آصف غفور، المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الاتهام فور صدوره، وقال للصحفيين “ليس في باكستان مخابئ للمتشددين”. وهذان الردان يوضحان المقدمات وما ستؤول إليه النهايات لحرب إمبريالية خاسرة دون شك. المعروف أن العمليات الأميركية العسكرية ضد طالبان انتهت رسميا في 2014، ولكن لا يزال يوجد أكثر من 8000 جندي من القوات الأميركية الخاصة في أفغانستان بادعاء مد القوات الأفغانية بالمساعدة العسكرية والتدريب والتخطيط. كما يعلنون للإعلام والرأي العام الأميركي خصوصا، وإذا دفع من جديد بقوات جديدة فهذا يعني أن سياساته لم تكن قادرة على تقديم ما هو معلن من مساعدة، وأن القوات الأميركية وحلفاءها في موقف عسكري لا تحسد عليه عمليا، وغير قادر على تحمل ما يدفعه من تكاليف فلكية تشير إلى ذلك. إذ إنها الأكثر كلفة لواشنطن منذ الحرب العالمية الثانية، وحسب تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية، الأميركي، فإن الكلفة المباشرة للحرب في أفغانستان بما في ذلك المبلغ المخصص لها للعام المقبل قد بلغت 841 مليار دولار. بينما تقول تقديرات أخرى إن هذه الحرب التي دخلت عامها السادس عشر قد تجاوزت تريليون دولار إذا أخذنا بعين الاعتبار كلفتها غير المباشرة، دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى نهاية قريبة لهذه الحرب. وحسب ما نشرته شبكة (بي بي سي 2017/8/22) رات نيتا كراوفورد، منسقة مشروع كلفة الحروب في جامعة براون الأميركية أن كلفة الحروب الأميركية في كل من العراق وأفغانستان وباكستان منذ عام 2001 قد قاربت 5 تريليونات دولار من بينها تريليونان كلفة الحرب الأفغانية بما في ذلك الكلفة المتوقعة مستقبلا. ولا تشمل هذه الكلفة النفقات المستقبلية لإعالة قدماء الحرب في أفغانستان والنفقات التي ستتحملها السلطات المحلية لتقديم الخدمات للعائدين من الحرب في أفغانستان. أما على صعيد الكلفة البشرية فقد تجاوز عدد قتلى الحرب أكثر من 110 آلاف شخص ما بين مدني أفغاني ومقاتل وجندي. وبلغ عدد قتلى القوات الأميركي في أفغانستان حتى الآن 2350 جنديا إلى جانب 20092 عدد المصابين وأفراد أسرهم. يضاف لهم طبعا الأعداد الكبيرة من المدنيين العراقيين والعسكريين الأميركان جراء غزو العراق واحتلاله، التي تجاوزت رقم المليون إنسان، خصوصا المدنيين الذين لم تحص القوات الأميركية ومراكز دراساتها أعدادهم. ويعاني 320 ألف جندي سابق خدموا في العراق وأفغانستان من آثار الإصابة في الرأس ومن أبرز تداعاياتها الاضطرابات الذهنية والشرود. ومن بين هؤلاء هناك 8237 ممن يعانون من إصابات شديدة في الدماغ إضافة إلى 1645 جنديا فقدوا جميع أو أحد الأطراف. وتشير إحصاءات إلى أنه خلال عام 2016 أقدم 20 جنديا متقاعدا على الانتحار يوميا حسب إحصاءات المركز الوطني للجنود المتقاعدين. تشير تقديرات الباحثة في جامعة هارفارد ليندا بلايم إلى أن نفقات الخدمات الطبية لقدماء الحرب والمعوقين منهم خلال السنوات الأربعين المقبلة ستتجاوز تريليون دولار، إذ تدل التجربة على أن هذه الكلفة تبلغ حدها الأقصى خلال 30 إلى 40 سنة من انتهاء الحرب، وفق ما نشرته وكالات الأنباء. ثمن الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق كلف أرقاما فلكية تجاوزت نظيرتها في فيتنام إلى حد بعيد. واقتربت من كلفة الحرب العالمية الثانية. وفي كل الأحوال فإن الأثمان التي دفعتها أو تدفعها إدارة الحرب والعدوان لا تعوّض الأثمان التي دفعها شعبا أفغانستان والعراق وما لحقهما من خسائر جسيمة، بشرية ومادية، وتداعياتها مستمرة.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | سكان الموصل وقعوا بين نارين | باتريك كوكبيرن | الإندبندنت البريطانية |
خلال الحرب على داعش في الموصل، واجه السكان المدنيون معضلة كبرى، فقد طلبت منهم قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الابتعاد عن مواقع داعش قبل قصفها، وفي الوقت نفسه هددتهم ميليشيا داعش بالإعدام إذا حاولوا الهرب.
والمشكلة أن الأعداد الكارثية من الضحايا في الموصل لا يواجهون اهتماماً كبيراً على المستوى الدولي من السياسيين والصحافيين. وهذا يتناقض بصورة صارخة مع الغضب الذي تم التعبير عنه على امتداد العالم بشأن قصف شرق حلب من قبل القوات الحكومية والروسية في نهاية 2016.
وقد أبلغني الزعيم الكردي هوشيار زيباري وزير الخارجية والمالية العراقي الأسبق في مقابلة صحافية أخيراً أنه يعتقد أن أكثر من 40 ألف مدني لقوا مصرعهم بسبب القصف المكثف الذي تعرضوا له، وخاصة من قبل القوات الأمنية العراقية والميليشيا الشيعية والضربات الجوية وميليشيا داعش نفسها.
ولا يعرف العدد الحقيقي من المدنيين الذين دفنوا تحت الركام في غرب الموصل، ولكن من المرجح أن أعدادهم تقدر بعشرات الألوف، وليس التقديرات الأقل بكثير التي أعلن عنها سابقاً.
ولا يفهم الناس سبب هذا الارتفاع في أرقام الضحايا في الموصل، والتفسير المحايد المعقول يظهر في تقرير مفصل ومروع نشرته منظمة العفو الدولية تحت عنوان «مهما كان الثمن: كارثة المدنيين في غرب الموصل».
ولا يحدد التقرير الرقم الحقيقي للقتلى، لكنه يؤكد من ناحية أخرى العديد من النقاط التي تحدث عنها زيباري، وخاصة الأضرار الهائلة الناجمة عن القصف المتواصل بالمدفعية والصواريخ من قبل الجيش العراقي على امتداد خمسة شهور ضد منطقة محصورة مزدحمة بالسكان الذين لم يستطيعوا الهرب من داعش.
لكن حتى هذا التقرير لم يوضح تماماً المذابح الجماعية التي حدثت هناك. لقد وقعت خسائر مدنية هائلة في العديد من المناطق العراقية المحاصرة على امتداد قرون، لكن حصار الموصل يبدو مختلفاً عن بقية الحصارات التاريخية، فقد كانت داعش، التي تعتبر أعتى وأعنف حركة مسلحة في العالم، مصممة على عدم التنازل عن دروعها البشرية مهما كلف الأمر.
وحتى قبل هجوم القوات العراقية، التي دعمتها القوات الأميركية، بدءاً من 17 أكتوبر العام المنصرم، كانت داعش تجبر المدنيين على العودة إلى الموصل، ولا تسمح لهم بالهروب منها إلى بر الأمان. وقال ناجون استطاعوا الوصول إلى معسكرات للمشردين خارج الموصل إنه تعين عليهم تحدي وحشية قناصي داعش والهرب من نيرانهم، واجتياز الشراك القاتلة والألغام.
وفيما كانت القوات العراقية تتقدم باتجاه غرب الموصل، حشر داعش المدنيين في مساحة صغيرة، على أمل حماية نفسه خلف عشرات الألوف من الدروع البشرية. وحذرت دورياته المسلحة المدنيين أنها ستطلق النار وتقتل أي شخص يحاول ترك منزله. ولحمت الأبواب المعدنية للمنازل وأقفلتها على سكانها بالداخل، وشنقت كل من حاول الهرب على أعمدة الكهرباء وتركت الجثث تتحلل.
وخارج الموصل، اعتقد الناس أن معظم الدمار ناجم عن الغارات الجوية، لكن ما قاله زيباري هو الصحيح، فقد كان جحيم القذائف والصواريخ التي كانت تطلقها القوات الحكومية، وخاصة قوات الشرطة الاتحادية، وكذلك الميليشيا الشيعية الموالية لها، هي التي سببت أكبر الدمار وقتل أعداد هائلة من المدنيين.
وقالت قوات التحالف إنها حاولت تجنب الإغارة على المناطق التي يتواجد بها مدنيون، وقد أسقطت مناشير تطلب منهم الابتعاد عن مواقع داعش. لكن سكان الموصل اعتبروا تلك نكتة، لأنه لا يوجد مكان يمكنهم الهرب إليه، وإلا تعرضوا للقتل على يد داعش.
والسؤال هو: لماذا لم يكن هناك مزيد من الاحتجاجات العالمية على تدمير غرب الموصل على رؤوس سكانها؟ لا مجال للشك أنه كانت هناك أعداد هائلة من القتلى المدنيين، حتى رغم الاختلاف في تقدير عددهم الحقيقي.
والسبب الرئيس للافتقار إلى السخط والغضب من قبل العالم، هو أن داعش كانت تعتبر حركة شريرة بصورة فريدة يتعين هزيمتها بأي ثمن من القتلى من سكان الموصل. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | مقاتلو «داعش» أمام العدالة | مينا العريبي
|
الشرق الاوسط السعودية |
بينما تتقدم العمليات ضد «داعش» في العراق وسوريا، ما زالت أسئلة جوهرية تنتظر رداً من المسؤولين عن مستقبل الحملة العسكرية التي دخلت عامها الثالث، والاستراتيجية الأوسع للتصدي للإرهاب. وبالإضافة إلى أسئلة حول إعادة إعمار المناطق المحررة ومحاسبة المسؤولين عن سقوط مدن عربية بقبضة الإرهاب أساساً، هناك تساؤلات حول جدوى الخطط المطروحة لمنع عودة عصابات مسلحة؛ باسم «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهما، إلى تلك المناطق أو احتلال غيرها. والرد على تلك التساؤلات يعتمد بشكل كبير على مصير مقاتلي «داعش»؛ من قيادييه ابتداءً بأبو بكر البغدادي، الذي لم يثبت موته بعد، إلى العناصر التي انضمت إلى «داعش» من تنظيمات أخرى. فمع خسارة «داعش» الأرض التي استطاع أن يقول إنها «عاصمة» لخلافته الزائفة، سيكون على «داعش» الإبقاء على المقاتلين في الخلايا النائمة لإبقاء التنظيم على قيد الحياة. بحلول سبتمبر (أيلول) 2014 قدّرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أن تنظيم داعش كان لديه ما بين 20 ألفاً و31 ألف مقاتل منتشرين بين العراق وسوريا، بينما خبراء عسكريون قدروا أن عدد المقاتلين أقرب إلى 40 ألفاً. ولكن بحلول أبريل (نيسان) الماضي، أعلن الجنرال الأميركي ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة، أن نحو 60 ألف مقاتل من «داعش» قتلوا في العراق وسوريا. والفرق بين عدد المقاتلين المقدر وجودهم في أرض المعركة وعدد القتلى المعلن عنهم، يعود بدرجة عالية إلى تخبط في تقديرات الاستخبارات، بالإضافة إلى ضم القتلى في صفوف «داعش»، من السوريين والعراقيين. وهناك مخاوف من أن يكون هذا العدد يضم قتلى ليس من المؤكد بعد أنهم جميعاً مسلحون، مع تصاعد تقديرات أعداد المدنيين الذين قتلوا في العمليات. في الواقع، أي أعداد تعلن عن عدد المقاتلين في صفوف «داعش» مبنية على «نصف معلومة»، ومن الصعب حسمها؛ إذ تعاني وكالات الاستخبارات حول العالم في الحصول على معلومات دقيقة عن التنظيم، كما أن اختراق التنظيم من قبل تلك الوكالات ما زال نادراً. ولكن ما هو مؤكد أن هناك متطرفين ذوي عقلية مقيتة دربوا على السلاح، مصرون على نشر فكرهم ومحاولة بسط سيطرتهم في أي فسحة ممكنة. و«داعش»، مثل «القاعدة»، تنظيم يثبت وجوده من خلال العمليات الإرهابية المعتمدة على جنود مستعدين للتضحية بكل شيء ولا يبالون بنتائج أعمالهم. أعلنت الحكومة العراقية انتهاء عمليات تحرير تلعفر من عصابة «داعش» يوم الأحد الماضي، وكان حسم العمليات أسرع مما كان متوقعاً. وجزء من سرعة طرد «داعش» من تلعفر يعود إلى قرار السماح للمقاتلين بالخروج من تلعفر، وهو أمر لم يحدث في الموصل التي طالت معاركها أشهراً طويلة، وأدت إلى تدمير المدينة. خروج المسلحين وعدم معرفة مواقع انتشارهم ينذر بعمليات إرهابية مقبلة. وشهدنا يوم الأحد أجدد مثال على ذلك مع تفجير أدى إلى أكثر من 50 قتيلاً وجريحاً مدنياً في بغداد. المرحلة المقبلة خطرة؛ إذ سيسعى مقاتلو «داعش» إلى زرع الفتن في المجتمعات العربية والأوروبية، بعدما فشل التنظيم في مسعاه في العراق ويقترب من الفشل في سوريا. وإذا أخذنا المملكة المتحدة نموذجاً؛ فإنه تظهر صورة حول حجم المشكلة بالنسبة للدول التي أتى منها المقاتلون الأجانب، وتقدر أعدادهم بنحو نصف إجمالي مقاتلي «داعش». يذكر أن هناك 150 مقاتلاً بريطانياً انتزعت منهم الجنسية البريطانية، بينما يبقى مصير نحو 350 مقاتلاً بريطانياً آخر مجهولاً. وتخشى بريطانيا من أن هناك 400 بريطاني آخرين قد عادوا إلى المملكة المتحدة؛ بعضهم مراقب، وآخرون من غير المعلوم مكان وجودهم داخلها. ارتفاع نسبة الهجمات في عواصم أوروبية، ينذر باستمرار تهديد «داعش»، والحكومات الأوروبية ستضطر إلى اتخاذ إجراءات احترازية متصاعدة لصد هذا التهديد. ولكن في الأساس، هناك تهديد للدول العربية والإسلامية، التي شهدت أعلى نسبة من الهجمات الإرهابية هذا العام. وبينما تتقدم دول مثل الإمارات والعراق والسعودية في التصدي للإرهاب، فإنه على جميع الدول العربية أن تفعل دورها في هذا المسعى؛ إذ عانينا؛ عرباً ومسلمين، أكثر من غيرنا من الإرهاب، ولكن تعلمنا دروساً أيضاً من هذه المعركة. ولا يمكن أن ننتظر أن تكون المبادرة من الغرب. ولا يمكن لنا أن ننكر أن الآلاف من المقاتلين في صفوف «داعش» من دول عربية؛ على رأسها تونس التي تأتي منها أعلى نسبة من المقاتلين. مع تبلور صورة عن وجود عناصر إرهابية ولاؤها للتنظيم في ليبيا ومصر وأفغانستان، هناك عامل آخر، بالإضافة إلى تهديد الإرهاب التكفيري للدول العربية، هو عامل إيران. القيادات السياسية والعسكرية في طهران حريصة على أن تظهر أن الإرهاب نابع من العالم العربي، ومع الأسف، تلعب على وتر الخلافات الطائفية. وتنظيم داعش نفسه يلعب لعبة الطائفية الخطرة، ويحاول استقطاب التأييد لفكره بإظهار نفسه عدواً للتمدد الإيراني في الدول العربية، مما يعطي إيران حجة أكبر عندما تخاطب المسؤولين الغربيين بأنها «شريك» في مواجهة الإرهاب. بالطبع، الهدف من قتال «داعش»، أولاً وقبل كل شيء، نابع من محاربة فكر التنظيم الظلامي، ولكن سرعة العمل على قتال «داعش»، وإبداء الجدية في هذه المساعي، ضرورة في مواجهة إيران، ووضع العالم العربي في الإطار السليم. إن مسعى القضاء على مقاتلي «داعش» يجب ألا يقتصر فقط على رصد أماكن وجودهم ثم العمل على قتلهم، وهو النهج الحالي المتبع بالتعامل مع أي طرف إرهابي سواء كان من «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهما، فمن النادر أن نرى «داعشياً» أمام العدالة، وهذا أمر لا يساعد على معالجة ومكافحة الإرهاب، علينا أن نسعى للعدالة ونعريهم ونبين جرائمهم أمامها. ما سيحل بمقاتلي «داعش»، وتطوير سياسة واضحة في التعامل معهم، وإفشال قدرة التنظيم على تجنيد الشباب، مسعى أساسي لحسم المعركة القائمة في المرحلة المقبلة ضد الإرهاب. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
9 | هل يحقق الأكراد حلمهم؟
|
فهد الخيطان | صحيفة الغد الاردنية |
لن يتراجع إقليم كردستان العراق عن قراره بإجراء استفتاء تقرير المصير في الخامس والعشرين من الشهر المقبل. هذا ما أكد عليه رئيس الإقليم مسعود البرزاني في رده على طلب واشنطن بتأجيل الاستفتاء. الأكراد حزموا أمرهم على ما يبدو، ولن يثنيهم عن قرارهم سوى خطوات جريئة من بغداد وحكومة العبادي، تمنح الكرد حقوقهم المشروعة. عموم الأكراد في المنطقة يشعرون أن حلمهم بالاستقلال والدولة بات أقرب من أي وقت مضى. في سورية تستعد المناطق الكردية لإجراء انتخابات مجالس الحكم الذاتي، لتأطير وتشريع إقليمها الخاص. وعلى كل الجبهات الكردية تحضر تركيا في المرصاد لحلم كردي يهدد وحدة أراضيها ونظامها السياسي. معركة أردوغان ومن خلفه القوميون الأتراك هي وأد الحلم الكردي في مهده، ولهذا لم يتردد الرئيس التركي في القول إن بلاده تخطط لخوض مواجهة مشتركة مع إيران لإحباط مخطط الأكراد. ولنفس الغاية أقحم قواته في سورية من قبل ومايزال هناك. أردوغان يعلم أن تقرير المصير للأكراد في أي من دول المنطقة الثلاث “سورية والعراق وإيران” يعني مصيرا مشابها لأكراد تركيا. واشنطن تتعاطف مع الحلم الكردي، لكنها غير مستعدة للمضي أبعد من ذلك. في هذه الظروف بالتحديد تفضل إدارة ترامب التركيز على مهمة “داعش”، ولهذا طلبت من قيادة الإقليم تأجيل الاستفتاء. الأكراد كانوا أول من خاض المواجهة مع التنظيم الإرهابي، وأجبره على الانسحاب من مناطق محاذية للإقليم الكردي. شجاعتهم في معارك الرقة حاليا تشهد فيها كل الأطراف. ماذا بعد كل هذه التضحيات؟ هذا سؤال الأكراد المطروح على واشنطن ولا يلقى إجابة. ما يخشاه الأكراد في حال استجابوا للطلب الأميركي أن يكونوا ضحية للخداع الدولي مرة أخرى، ويخسروا فرصة قد لا تتكرر في المستقبل لتقرير مصيرهم. كان يمكن للحلم الكردي أن لا يتجاوز حدود التاريخ والجغرافيا لو أن دول المنطقة أخذت في حسابها حقوقهم بالمواطنة والهوية، عوضا عن سياسات الإلغاء والإقصاء والقصف بالكيماوي. قد لا يتمكن الأكراد من ترجمة نتائج الاستفتاء إلى واقع ملموس، ويبقى حق تقرير المصير وعدا شعبيا للمستقبل. معادلات القوة في المنطقة قادرة على إحباط أماني الكرد، وليس مستبعدا أن تكون القضية الكردية عنوانا لمواجهة كبرى بعد طي صفحة الحرب على الإرهاب. تركيا وإيران مستعدتان لفعل كل شيء لكسر الطموح الكردي، وحكومة العراق لن تتردد في دعم البلدين. التسوية في سورية ستمنح الأكراد حصة هي أقل بكثير من دولة وأكبر من إدارة ذاتية. أما في حال بقاء الأزمة في دائرة الصراع فإن الأكراد سيمضون في تعزيز سلطتهم الذاتية وعيونهم مفتوحة على تركيا عدوهم اللدود. إن منطقتنا التي تنزف حروبا طائفية ومذهبية وصراعات أثنية وأزمة هوية، لن تنعم بالاستقرار قبل أن تصفي حسابها مع مظالم التاريخ والجغرافيا. الشعب الكردي في قلب الأزمة ولم يعد ممكنا تجاهله بعد اليوم. |